.فصل:
ويقع السؤال أَنَّهُ هَلْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: فِي الِانْتِصَارِ إِنَّمَا هَذَا يَرْجِعُ لِحِفْظِ الصَّحَابَةِ وَتَابِعِيهِمْ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعَادَةِ مِنْ مَعْرِفَةِ مُعَظِّمِي الْعَالِمِ وَالْخَطِيبِ وَأَهْلِ الْحِرْصِ عَلَى حِفْظِ كَلَامِهِ وَمَعْرِفَةِ كُتُبِهِ وَمُصَنَّفَاتِهِ مِنْ أَنْ يَعْرِفُوا مَا صَنَّفَهُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَحَالُ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ أَمْثَلُ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ أَشَدُّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ وَلَا وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ اعْلَمُوا أَنَّ قدر ما نزل بِمَكَّةَ كَذَا وَبِالْمَدِينَةِ كَذَا وَفَصَّلَهُ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لَظَهَرَ وَانْتَشَرَ وَإِنَّمَا لَمْ يفعله أنه لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الْأُمَّةِ وَإِنْ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ تَارِيخِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِيُعْرَفَ الْحُكْمُ الَّذِي تَضَمَّنَهُمَا فَقَدْ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصِّ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ الْمَكِّيُّ وَهَذَا هُوَ الْآخِرُ الْمَدَنِيُّ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَمَّا لَمْ يَعْتَبِرُوا أَنَّ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ تَفْصِيلَ جَمِيعِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ مِمَّا لَا يَسُوغُ الْجَهْلُ بِهِ لَمْ تَتَوَفَّرِ الدَّوَاعِي عَلَى إِخْبَارِهِمْ بِهِ وَمُوَاصَلَةِ ذِكْرِهِ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَخْذِهِمْ بِمَعْرِفَتِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَاغَ أَنْ يَخْتَلِفَ فِي بَعْضِ الْقُرْآنِ هَلْ هُوَ مَكِّيٌّ أَوْ مَدَنِيٌّ وَأَنْ يعلموا فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ ضَرْبًا مِنَ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَلْزَمِ النَّقْلَ عَنْهُمْ ذِكْرُ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ آيَةٍ أُنْزِلَتْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ مَكِّيَّةً أَوْ مَدَنِيَّةً فَيَجُوزُ أَنْ يَقِفَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ وُجُوبِ نَقْلِ هَذَا أَوْ شُهْرَتِهِ فِي النَّاسِ وَلُزُومِ الْعِلْمِ بِهِ لَهُمْ وَوُجُوبِ ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فِيهِ.
.فَصْلٌ:
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى فَضْلِ عُلُومِ الْقُرْآنِ مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِ الْقُرْآنِ عِلْمُ نُزُولِهِ وَجِهَاتِهِ وَتَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ ابْتِدَاءً وَوَسَطًا وَانْتِهَاءً وَتَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَدَنِيٌّ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ وَمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ مَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَكِّيِّ فِي الْمَدَنِيِّ وَمَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَدَنِيِّ فِي الْمَكِّيِّ ثُمَّ مَا نَزَلَ بِالْجُحْفَةِ وَمَا نَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا نَزَلَ بِالطَّائِفِ وَمَا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ مَا نَزَلَ لَيْلًا وَمَا نَزَلَ نَهَارًا وَمَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا ثُمَّ الْآيَاتِ الْمُدْنِيَاتِ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ ثُمَّ مَا حُمِلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ مَا نَزَلَ مُجْمَلًا وَمَا نَزَلَ مُفَسَّرًا وَمَا نَزَلَ مَرْمُوزًا ثُمَّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَدَنِيٌّ هَذِهِ خَمْسَةُ وَعِشْرُونَ وَجْهًا مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَيُمَيِّزْ بَيْنَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تعالى.
.ذِكْرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ تَرْتِيبُهُ:
أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ثُمَّ
{ن وَالْقَلَمِ} ثُمَّ
{يا أيها المزمل} ثم
{يا أيها الْمُدَّثِّرُ} ثُمَّ
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ثُمَّ
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ثُمَّ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ثُمَّ
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ثُمَّ
{وَالْفَجْرِ} ثُمَّ
{وَالضُّحَى} ثُمَّ
{أَلَمْ نَشْرَحْ} ثُمَّ
{وَالْعَصْرِ} ثُمَّ
{وَالْعَادِيَاتِ} ثُمَّ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ثُمَّ
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ثُمَّ
{أَرَأَيْتَ الَّذِي} ثُمَّ
{قُلْ يا أيها الْكَافِرُونَ} ثُمَّ سُورَةُ الْفِيلِ ثُمَّ الْفَلَقِ ثُمَّ النَّاسِ ثُمَّ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} ثُمَّ
{عَبَسَ وَتَوَلَّى} ثُمَّ
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} ثُمَّ
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ثُمَّ
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} ثُمَّ
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ثُمَّ
{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ثُمَّ
{الْقَارِعَةِ} ثُمَّ
{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ثُمَّ الْهُمَزَةِ ثُمَّ الْمُرْسَلَاتِ ثُمَّ
{ق وَالْقُرْآنِ} ثُمَّ
{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} ثُمَّ الطَّارِقِ ثُمَّ
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ثُمَّ
{ص وَالْقُرْآنِ} ثُمَّ الْأَعْرَافِ ثُمَّ الْجِنِّ ثُمَّ
{يس} ثُمَّ الْفُرْقَانِ ثُمَّ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ مَرْيَمَ ثُمَّ طه ثُمَّ الْوَاقِعَةِ ثُمَّ الشُّعَرَاءِ ثُمَّ النَّمْلِ ثُمَّ الْقَصَصِ ثُمَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ يُونُسَ ثُمَّ هُودٍ ثُمَّ يُوسُفَ ثُمَّ الْحِجْرِ ثُمَّ الْأَنْعَامِ ثُمَّ الصَّافَّاتِ ثُمَّ لُقْمَانَ ثُمَّ سَبَأٍ ثُمَّ الزُّمَرِ ثُمَّ حم الْمُؤْمِنِ ثُمَّ حم السَّجْدَةِ ثُمَّ حم عسق ثُمَّ حم الزُّخْرُفِ ثُمَّ حم الدُّخَانِ ثُمَّ حم الْجَاثِيَةِ ثُمَّ حم الْأَحْقَافِ ثُمَّ وَالذَّارِيَاتِ ثُمَّ الْغَاشِيَةِ ثُمَّ الْكَهْفِ ثُمَّ النَّحْلِ ثُمَّ نُوحٍ ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ ثُمَّ
{الم تَنْزِيلُ} ثُمَّ
{وَالطُّورِ} ثُمَّ الْمُلْكِ ثُمَّ
{الْحَاقَّةُ} ثُمَّ
{سَأَلَ سَائِلٌ} ثُمَّ
{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ثُمَّ
{وَالنَّازِعَاتِ} ثُمَّ
{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} ثُمَّ
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ثم الروم.
وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فَقَالَ ابن عباس الْعَنْكَبُوتِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَهَذَا تَرْتِيبُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَةُ مِنَ الثِّقَاتِ وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً.
.ذِكْرُ تَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ:
وَهُوَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً.
فَأَوَّلُ مَا نَزَلَ فِيهَا سُورَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الْأَنْفَالِ ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُمْتَحِنَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ ثُمَّ
{إِذَا زُلْزِلَتْ} ثُمَّ الْحَدِيدِ ثُمَّ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الرَّعْدِ ثُمَّ الرَّحْمَنِ ثُمَّ
{هَلْ أَتَى} ثُمَّ الطَّلَاقِ ثُمَّ
{لَمْ يَكُنْ} ثُمَّ الْحَشْرِ ثُمَّ
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ثُمَّ النُّورِ ثُمَّ الْحَجِّ ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ المجادلة ثم الحجرات ثم
{يا أيها النبي لم تحرم} ثُمَّ الصَّفِّ ثُمَّ الْجُمُعَةِ ثُمَّ التَّغَابُنِ ثُمَّ الْفَتْحِ ثُمَّ التَّوْبَةِ ثُمَّ الْمَائِدَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الْمَائِدَةِ عَلَى التَّوْبَةِ:
«وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم المائدة في خطبة حجة الوداع وقال يأيها النَّاسُ إِنَّ آخِرَ الْقُرْآنِ نُزُولًا سُورَةُ الْمَائِدَةِ فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا».
فَهَذَا تَرْتِيبُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَعَطَاءٌ إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَدَنِيَّةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي:
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَدَنِيَّةٌ وَقَالَ عَطَاءٌ هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فَجَمِيعُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً وَجَمِيعُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً عَلَى اختلاف الروايات.
.ذكر مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَدَنِيٌّ:
مِنْهَا قَوْلُهُ تعالى
{يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شعوبا وقبائل} الْآيَةَ وَلَهَا قِصَّةٌ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكِتَابُ وَنُزُولُهَا بِمَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِهَا وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي الْمَائِدَةِ
{الْيَوْمَ أكملت لكم دينكم} إلى قوله:
{الخاسرين} نَزَلَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةَ وَالنَّاسُ وُقُوفٌ بِعَرَفَاتٍ فَبَرَكَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَيْبَةِ الْقُرْآنِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ لِنُزُولِهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ عِدَّةُ آيَاتٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا.
.ذِكْرُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحِكَمُهُ مَكِّيٌّ:
مِنْهُ الْمُمْتَحِنَةِ إِلَى آخِرِهَا وَهِيَ قِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَسَارَةَ وَالْكِتَابِ الَّذِي دَفَعَهُ إِلَيْهَا وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ فَخَاطَبَ بِهَا أَهْلَ مَكَّةَ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ:
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ من بعد ما ظلموا} إِلَى آخَرَ السُّورَةِ مَدَنِيَّاتٌ يُخَاطِبُ بِهَا أَهْلَ مكة.
ومنها سورة الرعد يخاطب أَهْلَ مَكَّةَ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.
ومن أول براءة إلى قوله:
{إنما المشركون نجس} خِطَابٌ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.
فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وحكمه مدني وما أنزل فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ.
.مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ الْمَدِينَةِ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ:
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي النَّجْمِ
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأثم} يعني كل ذنب عاقبته النار
{والفواحش} يَعْنِي كُلَّ ذَنْبٍ فِيهِ حَدٌّ
{إِلَّا اللَّمَمَ} وَهُوَ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ مِنَ الذُّنُوبِ نَزَلَتْ فِي نَبْهَانَ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَاسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَةُ بِمَا قُلْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ حَدٌّ وَلَا غَزْوٌ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هُودٍ
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أبي مقبل الحسين بْنِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي اشْتَرَتْ مِنْهُ التَّمْرَ فَرَاوَدَهَا.
.مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ مَكَّةَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ:
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاءِ:
{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لدنا} نزلت في نصارى نجران ومنهم السيد والعاقب.
ومنها سورة
{والعاديات ضبحا} فِي رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَنْفَالِ
{وَإِذْ قَالُوا اللهم إن كان هذا هو الحق} الْآيَةَ.
.مَا نَزَلَ بِالْجُحْفَةِ:
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لرادك إلى معاد} نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرٌ.
.مَا نَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الزُّخْرُفِ:
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يعبدون} نَزَلَتْ عَلَيْهِ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ.
.مَا نَزَلَ بِالطَّائِفِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْفُرْقَانِ:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} الْآيَةَ وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ.
وَقَوْلُهُ فِي:
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يوعون فبشرهم بعذاب أليم} يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ.
.مَا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الرَّعْدِ:
{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ:
«اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَتَابَعْنَاكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وهم يكفرون بالرحمن} إلى قوله:
{متاب}.
.مَا نَزَلَ لَيْلًا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي أَوَّلِ سورة الحج
{يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم} نَزَلَتْ لَيْلًا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ حَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ وَالنَّاسُ يَسِيرُونَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى في المائدة:
{والله يعصمك من الناس} نَزَلَتْ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحْرَسُ كُلَّ لَيْلَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ فَأَتَاهُ حُذَيْفَةُ وَسَعْدٌ فِي آخَرِينَ مَعَهُمُ الْحَجَفُ وَالسُّيُوفُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْمَةٍ مَنْ أَدَمٍ فَبَاتُوا عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ هَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْآيَةَ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رأسه من الخيمة فقال:
«يأيها النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدَ عَصَمَنِي اللَّهُ».
وَمِنْهَا قَوْلُهُ:
{إنك لا تهدي من أحببت} الآية قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فِي اللِّحَافِ وَنَزَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُرْآنِ نَهَارًا.