الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يصالح امرأته على عبد آبق: قال أصبغ: فإن كانت قيمته عشرة فأدنى أمضيت ما صنعا، ومضت العشرة للمرأة والعبد للزوج، وجعلته بسبيل الصلح، كأنها صالحته على العبد الآبق وحده، أو كأنه صالحها على العشرة وحدها. قيل له: فإن كان مكان العبد ومسألتي على حالها جنين أو ثمرة لم تطب أو لم توبر متى ينظر إلى قيمة ذلك؟ قال أصبغ: أما في الجنين، فقيمته يوم ولدته أمه وتم؛ لأنه قبل ذلك لم يكن شيئا، وفي الثمرة التي لم توبر ينظر لقيمتها يوم أبرت؛ لأنها لم تكن قبل ذلك شيئا. وقد صارت الآن ثمرة تصير للبالغ إن باع أو يشترط وإن لم تطب فيوم وقع الصلح؛ لأنها كانت بعد ثمر، إلا أنها كانت في حال غرر وخوف ورجا، كحال العبد في إباقه. قال محمد بن رشد: لم يجر أصبغ في هذه المسألة على أصل؛ لأنه نقض البيع فيما قابل العشرة من الآبق، وجعل للخلع من الآبق ما زاد على العشرة، وقال: إنه إذا لم يكن في قيمة الآبق زيادة على العشرة، مضى البيع بينهما، ولم ينقض، وكان يلزم إذا نقض البيع فيما قابل العشرة من الآبق، أن ينقض البيع في جميعه إذا كانت العشرة مقابلة لجميعه، ولم يكن في قيمته زيادة على العشرة، وكذلك لأصبغ في كتاب ابن المواز أنه إن كانت قيمته عشرة فأدنى، ردت العشرة إلى الزوج، والآبق إلى المرأة. وهو الذي يطرد على أصله، وكذلك لم يجر أيضا على أصل واحد في تقويم ما سمت المرأة للزوج من الغرر، إذ قال في العبد الآبق وفي الثمرة التي قد أبرت ولم يبد صلاحها إنه ينظر إلى قيمة ذلك يوم وقع الصلح، يريد على غرره، لو كان يحمل بيعه على ذلك. وقال في الجنين: إنه ينظر إلى قيمته يوم ولدته أمه، وكان يلزمه أن يقول في الجنين، قيمته يوم وقع الصلح به على غرره، كما قال في الثمرة التي لم تطب، وفي العبد الآبق، أو أن يقول في الثمرة والآبق: إن القيمة تكون في ذلك يوم يحل البيع بطياب الثمرة ووجود العبد الآبق كما قال في الجنين؛ إن القيمة تكون فيه يوم يحل بيعه، وهو يوم ولادته، وكذلك قال سحنون: إن القيمة تكون في الآبق والشارد والجنين، يوم يقبض ذلك الزوج. وأما قوله في الثمرة التي لم توبر: إن القيمة تكون فيها يوم الإبار، فهو خارج عن ذلك كله، إذ لم يقل: إن القيمة تكون فيه يوم وقع الصلح على غررها، على ما قال في الآبق والثمرة التي أبرت، ولم يبد صلاحها، ولا قال: إن القيمة تكون فيها يوم الطياب على ما قال في الجنين. وقول أصبغ في هذه المسألة يأتي على قياس قول ابن نافع ومطرف في المصالح بشقص فيه شفعة عن موضحتين، إحداهما عمدا والأخرى خطأ لأنه لم يجعل من قيمة الآبق للخلع الذي هو مجهول إلا ما زاد على العشرة دنانير، المعلومة، كما لم يجعل ابن نافع ومطرف من قيمة الشقص لموضحة العمد المجهول ديتها، إلا ما زاد على موضحة الخطأ المعلوم ديتها، إلا أنه نقض أصله في آخر المسألة، والذي في كتاب ابن المواز هو الذي يطرد على أصله، والذي يأتي فيها على قياس قول ابن القاسم في الموضحتين، إذ جعل نصف الشقص للموضحة العمد، ونصفه للموضحة الخطأ؟ إذ قال: إن الشفيع يأخذ الشقص بالشفعة بدية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص أن يكون نصف الآبق العشرة دنانير، ونصفه للخلع للذي هو مجهول، فيفسخ البيع في نصفه، وترد المرأة العشرة دنانير إلى الزوج، ويكون لها نصف الآبق، ونصفه للزوج. والذي يأتي فيها على قياس قول المخزومي الذي جعل الشقص للموضحة العمد، وحمل على ذلك دية موضحة الخطأ أن ينظر إلى قيمة الآبق، فيضم إلى ذلك العشرة الدنانير، ثم ينظر ما يقع للعشرة من الجميع، فإن كان يقع من ذلك الثلث، علمت أنه يقع للعشرة دنانير من العبد الآبق الثلث، وللخلع الثلثان، فيفسخ البيع في الثلث، وترد العشرة إلى الزوج، ويكون للزوجة من العبد الثلث الذي انفسخ فيه البيع، وللزوج الثلثان بالخلع، وهكذا قال سحنون في كتاب ابنه في هذه المسألة، قياسا على قول المخزومي الذي استحسنه في مسألة الصلح بالشقص عن الموضحتين، إلا أنه قال: إن القيمة في العبد الآبق، تكون يوم يقبض ذلك الزوج على ما ذكرناه من مذهبه في ذلك، وإذا لم ير سحنون القيمة في العبد، إلا يوم يقبضه الزوج، فالذي يأتي على مذهبه في ذلك، أنه إن عثر على الأمر قبل القبض، مضى الطلاق على الزوج وانفسخ البيع جملة في العبد الآبق، فرجع إلى الزوجة تطلبه لنفسها، ورجعت العشرة إلى الزوج، وكذلك يلزم على قول أصبغ في الجنين والثمرة التي لم توبر، إذ قال: إن التقويم في الجنين، لا يكون حتى يوضع، ولا في الثمرة حتى توبر، وإن عثر على ذلك قبل أن يوضع الجنين، وقبل أن توبر الثمرة أن يمضي الطلاق على الزوج وينفسخ البيع جملة في الجنين والثمرة، إذ لا يصح إن عثر على الأمر قبل الوقت الذي يصح فيه التقويم أن يؤخر الحكم فيه إلى وقت يصح فيه التقويم. فتنتفع المرأة بالعشرة، وهي لا تجب لها، ولابد من ردها، أو رد بعضها إلى الزوج، وإن كان ابن لبابة قد ذهب إلى هذا فقال: قول أصبغ ليس له وجه يصح تأويله عليه، فلو قال يمضي الطلاق ويمهل في أمرها حتى يرجع الآبق ويخرج الجنين، ويجوز بيع الثمرة، فإذا كان ذلك قوم الانتفاع بالعشرة على الرجاء والخوف في الأمر الماضي من يوم تعاملهما، إلى يوم جاز البيع في العبد والجنين والثمرة، فيضاف ذلك إلى العشرة، ويكون للزوج من عبدها وثمرتها وجنينها هذه العدة، يباع ذلك فيها، والفضل للزوج إن كان في ذلك فضل، وإن لم يكن فضل ولم يكن له ولا عليه شيء، ومضى الطلاق عليه، ولو قال قائل يمضي الطلاق وله خلع مثله، كما روى عيسى عن ابن القاسم في رسم إن خرجت إذا خالع بثمر لم يبد صلاحه، إن الثمرة لها، وله عليها في مالها خلع مثلها، يريد لكان لذلك وجه، فأما هذا فله وجه كما ذهب إليه، وأما الأول فلا يصح من غير ما وجه. والله تعالى أعلم وبه التوفيق. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. .مسألة يقول لامرأته إن أنا أخذت من مال ابنتك شيئا فأمرها بيدك: إن أنا أخذت من مال ابنتك شيئا، فأمرها بيدك، فيأخذ منه ويستهلكه، فهل يكون في يد الأب ما جعل الزوج بيده؟ وكيف إن قالت الابنة لزوجها قد وضعت عنك ما جعلت لأبي، وهل ذلك إن كان في عقدة النكاح أو بعد عقدة النكاح واحد؟. قال ابن القاسم: إن كان ذلك من الأب عند شرط النكاح على وجه النظر لابنته، والاحتياط لها أو بعد عقدة النكاح، وتركت الابنة ذلك، فلا أرى أن يجوز فراق الأب، وأرى أن يجبر الأب على أن لا يفرق بينهما إذا رضيت الابنة بترك ذلك، إذا كانت مرضية الحال، وإن كانت غير مرضية الحال، فأرى قضاء الأب عليها جائزا. قال محمد بن رشد: إنما شرط في تركها الشرط لزوجها، أن تكون مرضية الحال، من أجل أن الأب إنما اشترط ذلك عليه حياطة لمالها، فإذا كانت ممن لا يجوز لها أمرها في مالها، لم يجز لها أن تضع الشرط عن زوجها فيه، وإن كانت ممن يرضى حالها ويجوز أمرها في مالها، جاز لها أن تضع الشرط عن زوجها؛ لأن الحق فيه إنما هو لها، إذ هي أملك بمالها منه. وأما إذا أخذ من مالها شيئا واستهلك قبل أن تضع عنه الشرط، أو وهي ممن لا يجوز لها وضع الشرط، فالقضاء في ذلك، بيد الأب، فإن أحب الأب أن يفرق بينهما، وأحبت هي الإقامة مع زوجها، فلم يعط في ذلك جوابا بينا. والذي ينبغي أن ينظر السلطان في ذلك، كما قال في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب النكاح، في الذي شرط على زوج ابنته أنه إن نكح عليها، فأمرها بيده؛ لأن حجة الأب بالضرر الداخل عليها في مالها، أقوى من حجته في الضرر الداخل عليها بالنكاح، وهذه المسألة بخلاف أول مسألة من سماع عيسى للمعاني المفرقة بينهما، وبالله التوفيق. .مسألة دفع إليه مالا قراضا واشترط عليه إن أحدث فيه حدثا فأمر امرأته بيد المقارض: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن التمليك يجر إلى الطلاق فهو يلزم بما يلزم به الطلاق من الشروط. ولا اختلاف في ذلك، والله الموفق. .مسألة ملك امرأته أمرها فقالت ما أنت لي بزوج وما أنا لك بامرأة: قال محمد بن رشد: هذه الألفاظ وما أشبهها قال فيها في المدونة: إنها تكون طلاقا إذا أريد بها الطلاق، فلما قالت ذلك المرأة جوابا لزوجها في التمليك، حملت على أنها أرادت بها الطلاق. وأما قوله: إنها تكون ثلاثا إلا أن يناكرها، فقد اختلف في ذلك، فقيل: إنها تكون واحدة، إلا أن يريد بها ثلاثا. وقد مضى هذا في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة، وبالله التوفيق. .مسألة شهد عليه شاهد أنه خير امرأته فاختارت نفسها: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الشهادة على الرجل أنه فعل شيئا، كالشهادة عليه أنه أقر أنه فعله، يثبت هذا بما يثبت هذا، ويوجب هذا ما يوجب هذا، فوجب أن تلفق الشهادة في ذلك، إذ لم يختلف الفعل والإقرار، ومثل هذا في كتاب الغضب وكتاب القذف من المدونة، ولا اختلاف فيه أحفظه في المذهب، وبالله التوفيق. .مسألة يجعل لامرأته بعد الدخول إن غاب عنها سنة فأمرها بيدها: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه إن له أن يناكرها إذا أنكر عليها ما قضت به من الثلاث ساعة علمه، وإن كان ذلك بعد مدة من اختيارها نفسها. .مسألة يقول للرجل كلما جاء شهر وكلما حاضت امرأتي حيضة فأمرها بيدك: قال محمد بن رشد: مساواته في هذه المسألة بين أن يقول: كلما جاء شهر، وكلما حاضت امرأتي حيضة صحيح، على أصله في المساواة في تعجيل الطلاق بين أن يقول امرأتي طالق، كلما جاء شهر، أو كلما حاضت حيضة؛ لأن ما كان من الأجل يعجل فيه الطلاق، يعجل فيه التوقيت في التمليك. وقوله: فإن طلق الثلاث جميعا جاز ذلك عليه، ليريد ولا مناكرة له في ذلك، لأن لفظة كلما تقتضي التكرار، فكما يعجل عليه فيها الطلاق ثلاثا في المسألتين جميعا، فكذلك يكون للمملك بها أن يقضي بالثلاث فيهما جميعا، ولا يكون للزوج في ذلك مناكرة، ويأتي على مذهب من رأى فيمن قال: كلما حاضت امرأتي حيضة فهي طالق، إنه لا يلزمه فيها إلا طلقة واحدة إن كانت أمة، أو تطليقتين، إن كانت حرة، أن يكون للزوج أن يناكرها إن طلق المملك ثلاثا في الحرة، وتكون اثنتين، أو إن طلق اثنتين في الأمة، وتكون واحدة، ويأتي على مذهب أشهب فيمن قال لرجل: أمر امرأتي بيدك، كلما حاضت حيضة، إنه لا يوقف، ولا يكون بيده شيء حتى تحيض، كلما حاضت ما بقي من طلاق ذلك المملك شيء، ولا يسقط ما بيد المملك في ذلك الوطء؛ لأنه على مذهبه، كمن قال: كلما فعلت فلانة كذا وكذا، فأمرها بيدك. وفي مختصر ما ليس في المختصر. أن من ملك امرأته أمرها أو رجلا أجنبيا إلى أجل، أنه لا قضاء لواحد منهما في ذلك، حتى يأتي ذلك الأجل، وللزوج أن يطأ إلى ذلك الأجل، كالتمليك إلى قدوم فلان سواء، والمشهور في المذهب تعجيل التوقيف في ذلك، كما يعجل الطلاق فيه على من حلف بالطلاق إليه، وأن الوطء بعلم المملك يقطعه، كانت الزوجة أو أجنبيا، وهو مذهب ابن القاسم. وقيل: إنه لا يقطعه وهو مذهب أصبغ وقيل: إنه يقطعه إن كانت الزوجة هي المملكة، ولا يقطعه إن كان المملك أجنبيا. وهو قول ابن الماجشون واختيار ابن حبيب. .مسألة نزلت به يمين فأفتي أن قد بانت منك امرأتك: قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة مكررة في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة. ومضى القول فيها هناك، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة جعل أمر امرأته بيدها فقالت قد فرغت: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن قولها قد فرغت من الألفاظ التي يحتمل أن يريد بها الطلاق، فوجب أن تسأل عما أرادت بذلك مثل إذا قالت قد شئت، أو قد رضيت، أو قبلت، أو قد اخترت، وما أشبه ذلك، والله الموفق. .مسألة قال الزوج إن لم أطلقها إلى رأس الهلال فأمرك بيدك: قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم خلاف قوله في المدونة ومذهبه المعلوم في رسم أوصى من سماع عيسى وغيره. مثل مذهب أصبغ وسحنون. وقد مضى القول في ذلك في رسم أوصى من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفي رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب طلاق السنة فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. .مسألة قال لامرأته إن أعطيتني عشرة دنانير طلقتك: قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال. وقد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق. كمل كتاب التخيير والتمليك والحمد لله. .كتاب طلاق السنة الأول: .نفقة الأب ينفق على ولده: قال محمد بن رشد: هذه مسألة تتفرع إلى وجوه، وقعت مفرقة في مواضع من هذا السماع، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى، وفي سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، يعارض بعضها بعضا في الظاهر، فكان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف عن القول، وقوله: إنه لا اختلاف في شيء مما وقع في هذه الروايات كلها، وبيان ذلك أن مال الابن لا يخلو من أربعة أحوال: أحدها أن يكون عينا قائما في يد الأب، والثاني: أن يكون عرضا قائما في يده، والثالث: أن يكون قد استهلكه، وحصل في ذمته، والرابع: أن يكون لم يصل بعد إلى يده، فأما إن كان عينا قائما في يده، وألفي على حاله في تركته، فلا يخلو من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كتبها عليه لم تؤخذ من ماله، إلا أن يوصي بذلك، وهو دليل قوله في هذه الرواية إذ لم يقل ذلك عند موته، وإن كان لم يكتبها عليه لم تؤخذ من ماله، وإن كان أوصى بذلك. قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا. وأما إن كان المال عرضا بيده بعينه، ألفي في تركته، فلا يخلو أيضا من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كان كتبها حوسب بها الابن، وإن أوصى الأب ألا يحاسب بها، وهو ظاهر ما في هذه الرواية، ووجه ذلك أنه لما كتبها عليه دل على أنه لم يرد أن يتطوع بها، فوصيته ألا يحاسب بها وصية لوارث، وهو قول أصبغ في الواضحة: إن المال إذا كان عرضا لم تجز وصية الأب ألا يحاسب بها، ومثله لابن القاسم في المدنية. وإن كان لم يكتبها عليه حوسب بها، إلا أن يكون أوصى الأب ألا يحاسب بها فتنفذ وصيته. وهذا قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى. وأما الحالة الثالثة وهي أن يكون الأب قد استهلك المال وحصل في ذمته، فإن الابن يحاسب في ذلك، كتب الأب عليه النفقة أو لم يكتبها، وهو قول مالك في رسم الشجرة بعد هذا، إلا أن يكون كتب لابنه بذلك ذكر حق، أشهد له به، فلا يحاسب بما أنفق عليه. قال ذلك مالك في رواية زياد بن جعفر عنه. وهو تفسير لما في الكتاب. وأما الحال الرابعة وهو ألا يكون قبض المال، ولا صار بيده بعد، فسواء كان عينا أو عرضا، هو بمنزلة إذا كان عرضا بيده. وقد مضى الحكم في ذلك. وما في رسم سلعة سماها، ورسم كتب عليه ذكر حق محتمل أن يكون تكلم فيهما على أن المال لم يصل إلى يده، أو على أنه قد أخذه واستهلكه. وقد مضى الكلام على حكم الوجهين، ولا فرق بين موت الأب وموت الابن فيما يجب من محاسبته بما أنفق عليه أبوه، وبالله التوفيق. .مسألة دخل عليه وعنده امرأته فقال ما هذه قال مولاة لي هل لك أن أزوجكها: قال محمد بن رشد: لم ير مالك وابن القاسم على الرجل في هذه المسألة طلاقا في زوجته، وإن كان زوجها بعد قوله إنها مولاته، ومن قولهما إن بيع الرجل زوجته طلقة بائنة، كذا وقع لهما في سماع زونان من هذا الكتاب وفي سماع عيسى من كتاب الحدود، وفي سماع يحيى من كتاب العتق. وقد روي عن مالك أنها ثلاثة، كالموهوبة، وهو قول أصبغ، وأحد قولي ابن عبد الحكم، وتزويجه إياها كبيعه لها، سواء. كذا قال محمد، فإنما لم يريا عليه طلاقا في هذه الرواية من أجل أنه زوجها هازلا، فقولهما في هذا ينحو إلى رواية الواقدي عن مالك، وفي سماع أبي زيد من كتاب النكاح، من أن النكاح لا يجب بالهزل، وإيجاب ابن القاسم عليه اليمن صحيح مبين لقول مالك، ومثله لعيسى في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب العتق. فإن حلف ترك مع زوجته، وإن نكل عن اليمين جرى ذلك على الاختلاف في الذي يقوم عليه شاهد بالطلاق، فينكل عن اليمين، فقيل: إنه يطلق عليه، وقيل: إنه يسجن حتى يحلف، فإن طال ولم يحلف ترك، وقيل: إنه يحال بينه وبينها، ولا يسجن، فإن طلبت امرأته المسيس، ضرب له أجل المولى. ولابن القاسم في المجموعة في هذه المسألة أنها تحرم عليه بالثلاث، بنى بها أو لم يبن. وهو على قياس القول بأن تزويج الرجل امرأته بتات وأن هزل النكاح جد، وأما على مذهب من لا يرى النكاح في بيع الرجل امرأته طلاقا، وهو قول ابن وهب في سماع زونان وأحد قولي محمد بن عبد الحكم، يبين أنه طلاق عليه في هذه المسألة، وبالله التوفيق. .مسألة ماتت المرأة أو طلقت أو اختلعت من زوجها قبل أن تظهر الزوج على عيبها: قال محمد بن رشد: أما إذا ماتت المرأة قبل أن يظهر الزوج على عيبها، فلا اختلاف في أنه لا شيء للزوج في العيب الذي غرته به؛ لأنها إذا ماتت فقد وجب له ميراثه منها كالصحيحة سواء، وعيبها الذي كان بها من جنون، أو جذام وشبهه، لا يضر بعد موتها، وكان كمن اشترى عبدا وبه عيب، فلم يعلم حتى ذهب، إنه لا شيء له فيه. وأما إذا طلقها أو خالعها فقال مالك: لا شيء له، وقال سحنون: له عليها الرجوع بعد الطلاق وبعد الخلع، فإن طلق قبل البناء رجع بجميع الصداق عليها إن كان نقده، وسقط عنه إن كان لم ينقده لأنه كان له أن يردها ويسقط عنه جميعه، وإن طلق بعد البناء رجع بجميع الصداق على الذي غره، وإن كانت هي غرته رجع عليها، وترك لها منه ربع دينار، وإن خالعها قبل البناء بأقل من صداقها، رجع عليها بتمام صداقها، وكذاك إن خالعها بعد البناء بأقل من صداقها، وكانت هي الغارة، رجع عليها ببقية صداقها، إلا أنه يترك لها من ذلك ربع دينار، وإن كان الولي هو الغار رجع عليه بتمام صداقها، وكان لها منه ما أبقت لنفسها مما لم يخالع عليه، وإن كان خالعها بمثل الصداق، أو أكثر منه، فذلك لازم لها وماض عليها، كان ذلك قبل البناء أو بعده؛ لأنه كان له المقام عليها. وجه قول مالك إن العيب لم يضره لما طلق أو خالع باختياره قبل أن يعلم به، فوجب ألا يرجع له بشيء، كمن اشترى عبدا فباعه قبل أن يعلم بالعيب، إنه لا رجوع له بشيء. ووجه قول سحنون: إنه لما رجع بضعها إليها بالطلاق أو المخالعة أشبه الرد، فوجب للزوج الرجوع عليها بما يجب في الرد، كمن اشترى عبدا وبه عيب لم يعلم به حتى باعه من بائعه، إن له الرجوع عليه بتمام الثمن، وكذلك إذا كان العيب بالزوج فلم تعلم به الزوجة حتى مات عنها أو طلقها أو خالعها، لا رجوع عليه بشيء عند مالك، وخالفه سحنون في المخالعة، فقال: إن كانت خالعته قبل البناء بأكثر من صداقها، رجعت عليه بالزائد، وإن كانت خالعته بعد البناء، رجعت عليه بجميع ما خالعته به من قليل أو كثير؛ لأنه قد انكشف بما ظهر بالزوج من العيوب إن الرد كان لها، والصداق قد وجب لها بالدخول. .مسألة رجل وامرأة شهدا على رجل بطلاق امرأته وهو غائب: قال محمد بن رشد: قوله: إنه ينفق عليها وتطلب ذلك، يريد أنه ينفق عليها من ماله إذا طلبت الزوجة ذلك، ويطلب ثبت ذلك بشاهد آخر يشهد مع الشاهد الأول، إذ لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، فإن ثبت ذلك، يريد بشاهد آخر، اعتدت من يوم طلق، وذلك إذا اتفق الشاهدان على اليوم الذي طلق فيه، فإن اختلفا اعتدت من اليوم الآخر؛ لأن الشهادة تلفق على مذهب مالك، فتضاف الشهادة الأولى إلى الأخيرة، لا الأخيرة إلى الأولى، ولو لم يذكر اليوم الذي طلق فيه، فمات كذا أن يسأل الشهود عن ذلك كانت العدة من يوم شهادتهما عند القاضي، لا من يوم الحكم بالطلاق إن تأخر الحكم عن الشهادة. وقوله: ولا غرم عليها فيما أنفقت لأنه ألبس على نفسه يريد، أنه لا غرم عليها فيما أنفقت من مالها، أو أنفق عليها منه من يوم الطلاق، إلى يوم علمت بطلاقه؛ لأنه ألبس على نفسه، أي فرط، إذ لم يعلمها بطلاقه إياها، وفعلت هي ما كان يجوز لها من الإنفاق على نفسها من ماله، وما كان يحكم لها به عليه لو سألت ذلك، ولو أنفقت من مالها أو تسلفت لرجعت عليه بذلك عند مالك. قاله في سماع أشهب بعد هذا. وقال ابن نافع: لا يرجع بشيء من ذلك، وأما الذي يموت وهو غائب، فتغرم الزوجة ما أنفقت من ماله بعد موته؛ لأنه لم يكن منه تفريط. هذا قوله في كتاب طلاق السنة من المدونة. ويجب على هذا التعليل أن تغرم ما أنفقت من ماله بعد أن طلق إلى أن يمضي من المدونة ما يمكن أن يصل العلم إليها بذلك دون تفريط، وهو مقدار المسافة إلى ذلك الموضع، إلا أنهم لم يقولوا ذلك، فوجه سقوط ذلك عنها هو أنه أذن لها في الإنفاق من ماله، فلا رجوع له عليها فيما أذن لها فيه، والله أعلم.
|