الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.تفسير الآيات (30- 31): {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}{أولئك} خبر إن و{إِنَّا لاَ نُضِيعُ} اعتراض، ولك أن تجعل {إِنَّا لاَ نُضِيعُ} و{أولئك} خبرين معاً. أو تجعل {أولئك} كلاماً مستأنفاً بياناً للأجر المبهم.فإن قلت: إذا جعلت {إِنَّا لاَ نُضِيعُ} خبراً، فأين الضمير الراجع منه إلى المبتدأ؟ قلت: {مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} و{الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} ينتظمهما معنى واحد، فقام: {مَنْ أَحْسَنَ} مقام الضمير. أو أردت: من أحسن عملا منهم، فكان كقولك: السمن منوان بدرهم. من الأولى للابتداء. والثانية للتبيين وتنكير {أَسَاوِرَ} لإبهام أمرها في الحسن. وجمع بين السندس: وهو مارقّ من الديباج، وبين الإستبرق: وهو الغليظ منه، جمعاً بين النوعين وخص الاتكاء، لأنه هيئة المنعمين والملوك على أسرتهم..تفسير الآيات (32- 34): {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)}{واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ} أي ومثل حال الكافرين والمؤمنين، بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل: أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا. وقيل: هما المذكوران في سورة الصافات في قوله {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ} [الصافات: 51] ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار، فتشاطراها. فاشترى الكافر أرضاً بألف، فقال المؤمن: اللهم إن أخي اشترى أرضاً بألف دينار، وأنا أشتري منك أرضاً في الجنة بألف، فتصدّق به. ثم بنى أخوه داراً بألف، فقال: اللهم إني أشتري منك داراً في الجنة بألف فتصدّق به. ثم تزوّج أخوه امرأة بألف، فقال: اللهم إني جعلت ألفاً صداقاً للحور. ثم اشترى أخوه خدماً ومتاعاً بألف، فقال: اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف، فتصدّق به ثم أصابته حاجة، فجلس لأخيه على طريقه فمرّ به في حشمه، فتعرّض له، فطرده ووبخه على التصدّق بماله، وقيل: هما مثل لأخوين من بني مخزوم: مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأشد، وكان زوج أمّ سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكافر وهو الأسود بن عبد الأشد {جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب} بستانين من كروم {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} وجعلنا النخل محيطاً بالجنتين، وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم: أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة. يقال: حفوه، إذا أطافوا به: وحففته بهم. أي جعلتهم حافين حوله، وهو متعدّ إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً، كقولك: غشيه، وغشيته به {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} جعلناها أرضاً جامعة للأقوات والفواكه. ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينها، مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق، ونعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص، ثم بماء وهو أصل الخير ومادّته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به، وهو السيح بالنهر الجاري فيها. والأكل: الثمر. وقرئ (بضم الكاف) {وَلَمْ تَظْلِمِ} ولم تنقص. وآتت: حمل على اللفظ، لأنّ {كِلْتَا} لفظه لفظ مفرد، ولو قيل: آتتا على المعنى: لجاز وقرئ {وفجرنا} على التخفيف وقرأ عبد الله {كل الجنتين آتى أكله} بردّ الضمير على كل {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} أي أنواع من المال، من ثمر ماله إذا كثر.وعن مجاهد: الذهب والفضة، أي: كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الدثرة من الذهب والفضة وغيرهما، وكان وافر اليسار من كل وجه، متمكناً من عمارة الأرض كيف شاء {وَأَعَزُّ نَفَراً} يعني أنصاراً وحشماً. وقيل: أولاداً ذكوراً، لأنهم ينفرون معه دون الإناث، يحاوره: يراجعه الكلام، من حار يحور إذا رجع، وسألته فما أحار كلمة..تفسير الآيات (35- 36): {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)}يعني قطروس أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويعجبه منهما ويفاخره بما ملك من المال دونه.فإن قلت: فلم أفرد الجنة بعد التثنية؟ قلت: معناه ودخل ما هو جنته ماله جنة غيرها، يعني أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون، فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما {وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} وهو معجب بما أوتي مفتخر به كافر لنعمة ربه، معرّض بذلك نفسه لسخط الله، وهو أفحش الظلم. إخباره عن نفسه بالشك في بيدودة جنته: لطول أمله واستيلاء الحرص عليه وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة وإطراحه النظر في عواقب أمثاله. وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بنحو هذا ألسنتهم، فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى} إقسام منه على أنه إن ردَّ إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وكما يزعم صاحبه ليجدنّ في الآخرة خيراً من جنته في الدنيا، تطمعاً وتمنياً على الله، وادّعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين إلا لاستحقاقه واستئهاله، وأنّ معه هذا الاستحقاق أينما توجه، كقوله {إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} [فصلت: 50]، {لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [مريم: 77]. وقرئ: {خيراً منهما} ردّا على الجنتين {مُنْقَلَباً} مرجعاً وعاقبة. وانتصابه على التمييز، أي: منقلب تلك، خير من منقلب هذه، لأنها فانية وتلك باقية..تفسير الآية رقم (37): {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)}{خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} أي خلق أصلك، لأنّ خلق أصله سبب في خلقه، فكان خلقه خلقاً له {سَوَّاكَ} عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال. جعله كافراً بالله جاحداً لأنعمه لشكه في البعث، كما يكون المكذب بالرسول صلى الله عليه وسلم كافراً..تفسير الآية رقم (38): {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)}{لَّكِنَّ هُوَ الله رَبّى} أصله لكن أنا، فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن، فتلاقت النونان فكان الإدغام. ونحوه قول القائل:أي: لكن أنا لا أقليك وهو ضمير الشأن، والشأن الله ربي، والجملة خبر أنا، والراجع منها إليه ياء الضمير.وقرأ ابن عامر بإثبات ألف أنا في الوصل والوقف جميعاً، وحسن ذلك وقوع الألف عوضاً من حذف الهمزة. وغيره لا يثبتها إلا في الوقف.وعن أبي عمرو أنه وقف بالهاء: لكنه. وقرئ {لكن هو الله ربي}، بسكون النون وطرح أنا.وقرأ أبيّ بن كعب: {لكن أنا} على الأصل. وفي قراءة عبد الله {لكن أنا لا إله إلا هو ربي}.فإن قلت: هو استدراك لماذا؟ قلت: لقوله {أَكَفَرْتَ} قال لأخيه: أنت كافر بالله، لكني مؤمن موحد، كما تقول: زيد غائب، لكن عمراً حاضر. .تفسير الآيات (39- 41): {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}{مَا شَاء الله} يجوز أن تكون {مَا} موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره: الأمر ما شاء الله. أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف، بمعنى: أي شيء شاء الله كان. ونظيرها في حذف الجواب {لَوْ} في قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال} [الرعد: 31] والمعنى: هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله، اعترافاً بأنها وكلّ خير فيها إنما حصل بمشيئة الله وفضله، وأن أمرها بيده: إن شاء تركها عامرة وإن شاء خرّبها، وقلت {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها إنما هو بمعونته وتأييده، إذ لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله تعالى.وعن عروة بن الزبير أنه كان يثلم حائطه أيام الرطب، فيدخل من شاء. وكان إذا دخله ردّد هذه الآية حتى يخرج. من قرأ {أَقُلْ} بالنصب فقد جعل أنا فصلاً، ومن رفع جعله مبتدأ وأقلّ خبره، والجملة مفعولاً ثانياً لترني. وفي قوله {وَوَلَدًا} نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله {وَأَعَزُّ نَفَراً} [الكهف: 34] والمعنى إن ترني أفقر منك فأنا أتوقع من صنع الله أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى، فيرزقني لإيماني جنة {خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} ويسلبك لكفرك نعمته ويخرّب بستانك. والحسبان: مصدر كالغفران والبطلان، بمعنى الحساب، أي: مقداراً قدره الله وحسبه، وهو الحكم بتخريبها وقال الزجاج: عذاب حسبان، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك.وقيل حسباناً مرامي الواحدة حسبانة وهي الصواعق {صَعِيدًا زَلَقًا} أرضاً بيضاء يزلق عليها لملاستها زلقاً. و{غَوْرًا} كلاهما وصف بالمصدر..تفسير الآيات (42- 43): {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)}{وَأُحِيطَ} به عبارة عن إهلاكه. وأصله من أحاط به العدوّ؛ لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه، ثم استعمل في كل إهلاك. ومنه قوله تعالى {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] ومثله قولهم: أتى عليه، إذا أهلكه، من أتى عليهم العدوّ: إذا جاءهم مستعلياً عليهم. وتقليب الكفين: كناية عن الندم والتحسر، لأنّ النادم يقلب كفيه ظهراً لبطن، كنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد، ولأنه في معنى الندم عدّى تعديته بعلى، كأنه قيل: فأصبح يندم {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} أي أنفق في عمارتها {وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} يعني أنّ كرومها المعرشة سقطت عروشها على الأرض، وسقطت فوقها الكروم. قيل: أرسل الله عليها ناراً فأكلتها {ياويلتا لَيْتَنِى} تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه، فتمنى لو لم يكن مشركاً حتى لا يهلك الله بستانه. ويجوز أن يكون توبة من الشرك، وندماً على ما كان منه، ودخولاً في الإيمان. وقرئ: {ولم يكن} بالياء والتاء، وحمل {يَنصُرُونَهُ} على المعنى دون اللفظ، كقوله {فِئَةٌ تقاتل فِي سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ} [آل عمران: 13].فإن قلت: ما معنى قوله: {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله}؟ قلت: معناه يقدرون على نصرته من دون الله، أي: هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لصارف وهو استيجابه أن يخذل {وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} وما كان ممتنعاً بقوّته عن انتقام الله..تفسير الآية رقم (44): {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}{الولاية} بالفتح النصرة والتولي، وبالكسر السلطان والملك، وقد قرئ بهما. والمعنى هنالك، أي: في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده، لا يملكها غيره، ولا يستطيعها أحد سواه، تقريراً لقوله: {وَلَم يَكُنْ لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} [الكهف: 43] أو: هنالك السلطان والملك لله لا يغلب ولا يمتنع منه. أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطرّ. يعني أنّ قوله {ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} [الكهف: 42] كلمة ألجيء إليها فقالها جزعاً مما دهاه من شؤم كفره، ولولا ذلك لم يقلها. ويجوز أن يكون المعنى: هالك الولاية لله ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم، ويشفي صدورهم من أعدائهم، يعني: أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن، وصدّق قوله: {عسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السماء} [الكهف: 40] ويعضده قوله {خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} أي لأوليائه وقيل {هُنَالِكَ} إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله، كقوله {لّمَنِ الملك اليوم} [غافر: 16] وقرئ: {الحق} بالرفع والجرّ صفة للولاية والله.وقرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد، كقولك: هذا عبد الله الحق لا الباطل، وهي قراءة حسنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم. وقرئ {عقباً} بضم القاف وسكونها، وعقبى على فعلى، وكلها بمعنى العاقبة..تفسير الآية رقم (45): {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}{فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} فالتفّ بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً. وقيل: نجع في النبات الماء فاختلط به حتى روي ورف رفيفاً، وكان حق اللفظ على هذا التفسير: فاختلط بنبات الأرض. ووجه صحته أن كل مختلطين موصوف كل واحد منهما بصفة صاحبه. والهشيم: ما تهشم وتحطم، الواحدة هشيمة. وقرئ {تذروه الريح} وعن ابن عباس: تذريه الرياح، من أذرى: شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء، بحال النبات يكون أخضر وارفاً ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن {وَكَانَ الله على كُلّ شَيْء} من الإنشاء والإفناء {مُّقْتَدِرًا}.
|