الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَكُلُّ مَا جَازَ ذَبْحُهُ جَازَ نَحْرُهُ، وَكُلُّ مَا جَازَ نَحْرُهُ جَازَ ذَبْحُهُ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالْخَيْلُ، وَالدَّجَاجُ، وَالْعَصَافِيرُ، وَالْحَمَامُ، وَسَائِرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ; فَإِنْ شِئْت فَاذْبَحْ، وَإِنْ شِئْت فَانْحَرْ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وقال مالك: الْغَنَمُ، وَالطَّيْرُ، تُذْبَحُ، وَلاَ تُنْحَرُ، فَإِنْ نُحِرَ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُؤْكَلْ وَأَمَّا الْإِبِلُ فَتُنْحَرُ، فَإِنْ ذُبِحَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يُؤْكَلْ، وَأَمَّا الْبَقَرُ فَتُذْبَحُ وَتُنْحَرُ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ سَلَفًا مِنْ الْعُلَمَاءِ أَصْلاً، إِلاَّ رِوَايَةً عَنْ عَطَاءٍ فِي الْبَعِيرِ خَاصَّةً قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهَا، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ذَبْحَ الْجَمَلِ تَعْذِيبٌ لَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ، وَغِلَظِ جِلْدِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ لِلْعِيَانِ، وَمَا تَعْذِيبُهُ بِالذَّبْحِ إِلاَّ كَتَعْذِيبِهِ بِالنَّحْرِ، وَلاَ فَرْقَ، وَمَا جِلْدُهُ بِأَغْلَظَ مِنْ جِلْدِ الثَّوْرِ، وَمَا عُنُقُهُ بِأَطْوَلَ مِنْ عُنُقِ الْإِبِلِ وَهُوَ يَرَى الذَّبْحَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَمَا تَعْذِيبُ الْعُصْفُورِ، وَالْحَمَامَةِ، وَالدَّجَاجَةِ بِالنَّحْرِ إِلاَّ كَتَعْذِيبِهَا بِالذَّبْحِ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَمْ يَخُصَّا بِإِحْدَاهُمَا حَيَوَانًا مِنْ حَيَوَانٍ بَلْ هَتَفَ عُمَرُ بِذَلِكَ مُجْمَلاً، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً. بَلْ قَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ بَعِيرٍ ضُرِبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ وَرَأَى ذَلِكَ ذَكَاةً وَحَيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ جَزُورًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَالْجَزُورُ الْبَعِيرُ بِلاَ خِلاَفٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الذَّبْحَ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنْ ذَبَحْت شَيْئًا يُنْحَرُ أَجْزَى عَنْك. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ،، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الذَّبْحُ مِنْ النَّحْرِ، وَالنَّحْرُ مِنْ الذَّبْحِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالاَ جَمِيعًا: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ إنْ شِئْت ذَبَحْت وَإِنْ شِئْت نَحَرْت. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ الذَّبْحُ فِيهِمْ، وَالنَّحْرُ فِيكُمْ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. قال أبو محمد: قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ زُبَيْدٍ اليامي عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأََهْلِهِ وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلاَ يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي كِتَابِ الأَضَاحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى فَأَطْلَقَ عليه السلام فِي الأَضَاحِيِّ الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ عُمُومًا وَفِيهَا الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِنَحْرٍ دُونَ ذَبْحٍ، وَلاَ بِذَبْحٍ دُونَ نَحْرٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ لاَ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ لَبَيَّنَهُ عليه السلام: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا وَرُوِّينَا عَنْهَا أَيْضًا ذَبَحْنَا فَرَسًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَكَّنِ مِنْهُ فَذَكَاتُهُ أَنْ يُمَاتَ بِذَبْحٍ أَوْ بِنَحْرٍ حَيْثُ أَمْكَنَ مِنْهُ مِنْ خَاصِرَةٍ، أَوْ مِنْ عَجُزٍ، أَوْ فَخِذٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ بَطْنٍ، أَوْ رَأْسٍ، كَبَعِيرٍ، أَوْ شَاةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ دَجَاجَةٍ، أَوْ طَائِرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: سَقَطَ فِي غَوْرٍ فَلَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ حَلْقِهِ، وَلاَ مِنْ لِبَتِهِ، فَإِنَّهُ يَطْعَنُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِمَا يُعَجِّلُ بِهِ مَوْتَهُ، ثُمَّ هُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اسْتَعْصَى مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ ; فَإِنَّ ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الصَّيْدِ، ثُمَّ يُؤْكَلُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، َأَصْحَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِنَا. وقال مالك: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُذَكَّى أَصْلاً إِلاَّ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. قال أبو محمد: وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ حِمَارًا وَحْشِيًّا اسْتَعْصَى عَلَى أَهْلِهِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: تِلْكَ أَسْرَعُ الذَّكَاةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ، فَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ، فَكَانَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْحَرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَجِزْ عَلَيْهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَجَازَ عَلَيْهِ مِنْ شَاكِلَتِهِ فَأُخْرِجَ قِطَعًا قِطَعًا فَأَخَذَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ سَمِعَ أَبَا رَاشِدٍ السَّلْمَانِيَّ قَالَ: كُنْت فِي مَنَائِحَ لأََهْلِي بِظَهْرِ الْكُوفَةِ أَرْعَاهَا فَتَرَدَّى بَعِيرٌ مِنْهَا فَنَحَرْتُهُ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ، فَأَتَيْت عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: اهْدِ لِي عَجُزَهُ: الشَّاكِلَةَ: الْخَاصِرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَصَارَ أَسْفَلُهُ أَعْلاَهُ، قَالَ: فَسَأَلْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: قَطِّعُوهُ أَعْضَاءً وَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا أَعْجَزَك مِنْ الْبَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَالِحٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ خَاصِرَتِهِ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ: كُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا حُرَيْثٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا خَشِيت أَنْ يَفُوتَك ذَكَاتُهَا فَاضْرِبْ حَيْثُ أَدْرَكْت مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْبَعِيرِ يَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ قَالَ: يُطْعَنُ حَيْثُ قَدَرُوا ذِكْرَ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَقْتَلاً فَسُئِلَ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ذَكُّوهُ مِنْ أَدْنَى مَقْتَلِهِ ; فَفَعَلُوا فَأَخَذَ الأَسْوَدُ مِنْهُ بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْت الضَّحَّاكِ يَقُولُ فِي بَقَرَةٍ شَرَدَتْ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَلاَ نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا سَلَفًا إِلاَّ قَوْلاً عَنْ رَبِيعَةَ. قال أبو محمد: وَقَالَ قَائِلُهُمْ: إنْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فَأَبِيحُوا قَتْلَهَا بِالْكِلاَبِ وَالْجَوَارِحِ. فَقُلْنَا: نَعَمْ، إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالصَّيْدِ، وَلاَ فَرْقَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّعَمِ وَالْإِنْسِيَّاتِ فِي الذَّكَاةِ، فَهَلاَّ قَالُوا: إنَّ النِّعَمَ وَالْإِنْسِيَّاتِ إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا فَمَنْزِلَتُهَا كَمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا مَا لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ. وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنِّي لأََرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ كَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ هَهُنَا: إنِّي لأََرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُضَيَّعَ وَيُفْسَدَ لأََجْلِ أَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى لَبَّتِهِ، وَلاَ عَلَى حَلْقِهِ ; فَلَوْ عُكِسَ كَلاَمُهُ لاََصَابَ; بَلْ الْعَظِيمُ كُلُّ الْعَظِيمِ هُوَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ فَيَقُولُ قَائِلٌ بِرَأْيِهِ: لاَ يُرَاقُ، وَأَنْ يَنْهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَيُضَيَّعُ الْبَعِيرُ، وَالْبَقَرَةُ، وَالشَّاةُ، وَالدَّجَاجَةُ، وَنَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى تَذْكِيَتِهَا مِنْ أَجْلِ عَجْزِنَا عَنْ أَنْ تَكُونَ التَّذْكِيَةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ; فَهَذَا هُوَ الْعَظِيمُ حَقًّا قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ التَّذْكِيَةَ كَيْفَمَا قَدَرْنَا لاَ نُكَلَّفُ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِنَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَوَانَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ فَنَدَّ بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَّ عَلَيْنَا بَعِيرٌ فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَلِيٌّ: الْوَهْصُ الْكَسْرُ وَالْإِسْقَاطُ إلَى الأَرْضِ، وَلاَ يَبْلُغُ الْبَعِيرُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ وَهُوَ مَنْفَذُ الْمُقَاتِلِ، وَقَدْ أُذِنَ عليه السلام فِي رَمْيِهِ بِالنَّبْلِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا الْمَوْتُ بِإِصَابَتِهَا وَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ عليه السلام فِي ذَكَاتِهَا بِالرَّمْيِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَهُنَا خَبَرٌ لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِهِ لَطَغَوْا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْعَشْرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ: لَوْ طُعِنَتْ فِي فَخْذِهَا لاََجْزَأَكَ. قال أبو محمد: أَبُو الْعَشْرَاءِ قِيلَ: اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَهْطَمٍ، وَقِيلَ: عُطَارِدُ بْنُ بَرْزٍ وَفِي الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَا كِفَايَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالصَّحَابَةِ، وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ، وَالْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ قَبْلَ تَمَامِ تَذْكِيَتِهَا فَبَانَ عَنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ، فَإِنْ تَمَّتْ الذَّكَاةُ بَعْدَ قَطْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أُكِلَتْ الْبَهِيمَةُ وَلَمْ تُؤْكَلْ تِلْكَ الْقِطْعَةُ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ لأََنَّهَا زَايَلَتْ الْبَهِيمَةَ وَهِيَ حَرَامٌ أَكْلُهَا فَلاَ تَقَعُ عَلَيْهَا ذَكَاةٌ كَانَتْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا لَمَّا قُطِعَتْ مِنْهُ. وَمَا قُطِعَ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ التَّذْكِيَةِ وَقَبْلَ مَوْتِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ مَا دَامَتْ الْبَهِيمَةُ حَيَّةً فَإِذَا مَاتَتْ حَلَّتْ هِيَ وَحَلَّتْ الْقِطْعَةُ أَيْضًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَدَنِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ مَا يُذَكَّى، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ: أَقِرُّوا الأَنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَالتَّذْكِيَةُ مِنْ الذَّبْحِ، وَالنَّحْرِ، وَالطَّعْنِ، وَالضَّرْبِ جَائِزَةٌ بِكُلِّ شَيْءٍ إذَا قَطَعَ قِطْعَةَ السِّكِّينِ أَوْ نَفَذَ نَفَاذَ الرُّمْحِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: الْعُودُ الْمُحَدَّدُ، وَالْحَجَرُ الْحَادُّ، وَالْقَصَبُ الْحَادُّ وَكُلُّ شَيْءٍ حَاشَا آلَةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَحَاشَا السِّنِّ، وَالظُّفْرِ، وَمَا عُمِلَ مِنْ سِنٍّ، أَوْ مِنْ ظُفْرٍ مَنْزُوعَيْنِ وَإِلَّا عَظْمُ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَظْمُ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ، أَوْ عَظْمُ سَبُعٍ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ أَوْ الطَّيْرِ حَاشَا الضِّبَاعَ أَوْ عَظْمِ إنْسَانٍ فَلاَ يَكُونُ حَلاَلاً مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ حَرَامٌ. وَالتَّذْكِيَةُ جَائِزَةٌ بِعَظْمِ الْمَيِّتَةِ وَبِكُلِّ عَظْمٍ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِمُدَى الْحَبَشَةِ وَمَا ذَكَّاهُ الزِّنْجِيُّ، وَالْحَبَشِيُّ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ حَلاَلٌ. فَلَوْ عُمِلَ مِنْ ضِرْسِ الْفِيلِ سَهْمٌ، أَوْ رُمْحٌ، أَوْ سِكِّينٌ: لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِهِ، لأََنَّهُ سِنٌّ. فَلَوْ عُمِلَتْ مِنْ سَائِرِ عِظَامِهِ هَذِهِ الآلاَتُ حَلَّ الذَّبْحُ، وَالنَّحْرُ، وَالرَّمْيُ بِهَا. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: التَّذْكِيَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ حَلاَلٌ حَاشَا السِّنَّ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْفَمِ، وَحَاشَا الظُّفْرَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْيَدِ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ بِهِمَا لأََنَّهُ خَنْقٌ لاَ ذَبْحٌ. وقال الشافعي: كُلُّ مَا ذُكِّيَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَحَلاَلٌ أَكْلُهُ حَاشَا مَا ذُكِّيَ بِشَيْءٍ مِنْ الأَظْفَارِ كُلِّهَا، وَالْعِظَامِ كُلِّهَا، مَنْزُوعِ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ غَيْرِ مَنْزُوعٍ، فَلاَ يُؤْكَلُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً سَوَاءً إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ أَوْ رُمِيَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فَلاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمَا فِيهِ سَلَفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلاَ حُجَّةَ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ; بَلْ هُوَ خِلاَفُ السُّنَّةِ عَلَى مَا نُورِدُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً، وَبَقِيَ قَوْلُنَا، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي التَّذْكِيَةِ بِإِسْنَادِهِ. فأما نَحْنُ فَتَعَلَّقْنَا بِنَهْيِهِ عليه السلام وَلَمْ نَتَعَدَّهُ وَلَمْ نُحَرِّمْ إِلاَّ مَا ذُبِحَ أَوْ رُمِيَ بِسِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ فَقَطْ، وَلَمْ نَجْعَلْ الْعَظِيمَةَ سَبَبًا لِلْمَنْعِ مِنْ الذَّكَاةِ إِلاَّ حَيْثُ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا لِذَلِكَ، وَهُوَ السِّنُّ، وَالظُّفْرُ فَقَطْ. وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ التَّذْكِيَةِ بِعِظَامِ الْخِنْزِيرِ، وَالْحِمَارِ الأَهْلِيِّ، أَوْ سِبَاعِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ، أَوْ الطَّيْرِ لقوله تعالى فِي الْخِنْزِيرِ: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَهِيَ كُلُّهَا رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، وَلاَ يَحِلُّ إمْسَاكُهَا إِلاَّ حَيْثُ أَبَاحَهَا نَصٌّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ مِلْكُهَا وَرُكُوبُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَبَيْعُهَا وَابْتِيَاعُهَا يَعْنِي الْحُمُرَ فَقَطْ. وَمَنَعْنَا مِنْ التَّذْكِيَةِ بِعِظَامِ سِبَاعِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ، وَالطَّيْرِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا جُمْلَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَلَمْ نُحِلَّ مِنْهَا إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ النَّصُّ مِنْ تَمَلُّكِهَا لِلصَّيْدِ بِهَا وَابْتِيَاعِهَا لِذَلِكَ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ حَرَامٌ وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَأَمَّا عَظْمُ الْإِنْسَانِ فَلأََنَّ مُوَارَاتَهُ فَرْضٌ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُؤْمِنًا. وَأَبَحْنَا التَّذْكِيَةَ بِعِظَامِ الْمَيِّتَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا وَحُرِّمَ عليه السلام بَيْعُهَا وَالدُّهْنُ بِشَحْمِهَا، فَلاَ يَحْرُمُ مِنْ الْمَيِّتَةِ شَيْءٌ إِلاَّ ذَلِكَ، وَلاَ مَزِيدَ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ عَظْمٌ فَجَعَلَ الْعَظْمِيَّةَ عِلَّةٌ لِلْمَنْعِ مِنْ التَّذْكِيَةِ حَيْثُ كَانَ الْعَظْمُ أَوْ أَيُّ عَظْمٍ كَانَ: قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّهُ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودِ رَسُولِهِ عليه السلام لأََنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الْعَظْمُ وَالظُّفْرُ، وَهُوَ عليه السلام قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُمِرَ عليه السلام بِالْبَيَانِ. فَلَوْ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ تَحْرِيمَ الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ لَمَا تَرَكَ أَنْ يَقُولَهُ، وَلاَ اسْتَعْمَلَ التَّحْلِيقَ وَالْإِكْثَارَ بِلاَ مَعْنَى فِي الأَقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ السِّنِّ، فَهَذَا هُوَ التَّلْبِيسُ وَالْإِشْكَالُ لاَ الْبَيَانُ، وَنَحْنُ وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام حَكَمَ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّذْكِيَةِ بِالسِّنِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ عَظْمًا، وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُ عليه السلام لَوْ أَرَادَ كُلَّ عَظْمٍ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ زَادُوا فِي حُكْمِهِ عليه السلام مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، لأََنَّهُ عليه السلام جَعَلَ السَّبَبَ فِي مَنْعِ التَّذْكِيَةِ بِالظُّفْرِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ مُدَى الْحَبَشَةِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَطْرُدُوا أَصْلَهُمْ فَيَمْنَعُوا التَّذْكِيَةَ بِمُدَى الْحَبَشَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا كَانُوا كَاذِبِينَ قَائِلِينَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَرِهَ ذَبِيحَةَ الزِّنْجِيِّ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَجْعَلُ كَوْنَ مَا يُذَكَّى بِهِ مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ إِلاَّ فِي الظُّفْرِ وَحْدَهُ، حَيْثُ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ نَجْعَلُ الْعَظْمِيَّةَ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِ مَا ذُكِّيَ بِمَا هِيَ فِيهِ إِلاَّ فِي السِّنِّ وَحْدَهُ، حَيْثُ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: يُذْبَحُ بِكُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ أَرْبَعَةٍ السِّنِّ، وَالظُّفْرِ، وَالْعَظْمِ، وَالْقَرْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كُلُّ مَا فَرَى الأَوْدَاجَ وَأَهْرَاقَ الدَّمَ، إِلاَّ الظُّفْرَ، وَالنَّابَ، وَالْعَظْمَ. وَرُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَيْضًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَكُلٌّ إِلاَّ السِّنَّ، وَالظُّفْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَدِيجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: كَانَ يُكْرَهُ النَّابُ وَالظُّفْرُ. قال أبو محمد: وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ هَذِهِ السُّنَّةَ بِآرَائِهِمْ، وَلَيْسَ فِي الْعَجَبِ أَعْجَبُ مِنْ إخْرَاجِهِمْ الْعِلَلَ الْكَاذِبَةَ الْفَاسِدَةَ الْمُفْتَرَاةَ: مِنْ مِثْلِ تَعْلِيلِ الرِّبَا بِالأَدِّخَارِ وَالأَكْلِ، وَتَعْلِيلِ مِقْدَارِ الصَّدَاقِ بِأَنَّهُ عِوَضُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُضْوُ، وَسَائِرُ تِلْكَ الْعِلَلِ السَّخِيفَةِ الْبَارِدَةِ الْمَكْذُوبَةِ، ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى مَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِ مَا ذُكِّيَ بِهِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ عَظْمٌ وَإِنَّهُ مُدَى الْحَبَشَةِ، وَلاَ يُعَلِّلُونَ بِهِمَا بَلْ يَجْعَلُونَهُ لَغْوًا مِنْ الْكَلاَمِ وَيُخْرِجُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ عِلَّةً كَاذِبَةً سَخِيفَةً وَهِيَ الْخَنْقُ. وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ أَطَالَ ظُفْرَهُ جِدًّا وَشَحَذَهُ وَرَقَّقَهُ حَتَّى ذَبَحَ بِهِ عُصْفُورًا صَغِيرًا فَبُرِيَ كَمَا تُبْرَى السِّكِّينُ أَيُؤْكَلُ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا: لاَ، تَرَكُوا عِلَّتَهُمْ فِي الْخَنْقِ. وَإِنْ قَالُوا: يُؤْكَلُ، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي الظُّفْرِ الْمَنْزُوعِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ. قلنا: هَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ، لأََنَّهُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ زَائِدًا عَلَيْهِ تَخْصِيصًا يَلْزَمُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ لِيَسْتَعْمِلَ الْخَبَرَيْنِ مَعًا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ أَرْنَبٍ ذَبَحْتُهَا بِظُفْرِي فَقَالَ: لاَ تَأْكُلْهَا فَإِنَّهَا الْمُنْخَنِقَةُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا قَتَلْتهَا خَنْقًا، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَخِلاَفُ قَوْلِهِمْ ; لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَشْتَرِطْهُ مَنْزُوعًا مِنْ غَيْرِ مَنْزُوعٍ. وَأَمَّا مَنْعُنَا مِنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ أَوْ رُمِيَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَيْضًا فَإِنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مُفْتَرَضٌ مَأْمُورٌ بِهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَأْخُوذَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي الذَّبْحِ، وَالنَّحْرِ، وَالرَّمْيِ: فِعْلٌ مُحَرَّمٌ مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى. هَذَانِ قَوْلاَنِ مُتَيَقَّنَانِ بِلاَ خِلاَفٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ، وَالْكَذِبِ الظَّاهِرِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ وَأَنْ يَكُونَ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ بِهِ مُؤَدِّيًا لِمَا أُمِرَ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمَا ثَرَدَ وَخَزَقَ وَلَمْ يَنْفُذْ نَفَاذَ السِّكِّينِ، وَالسَّهْمِ: لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا قُتِلَ بِهِ, وَكَذَلِكَ مَا ذُبِحَ بِمِنْشَارٍ، أَوْ بِمِنْجَلٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ. فَالْمُثْرِدُ وَالذَّابِحُ بِشَيْءٍ مُضْرِسٍ لَمْ يَذْبَحْ كَمَا أُمِرَ، وَلاَ ذَكَّى كَمَا أُمِرَ، فَهِيَ مَيْتَةٌ وَالْعَجَبُ مِنْ مَنْعِهِمْ الأَكْلَ هَهُنَا، لأََنَّهُ لَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يَذْبَحْ بَلْ بِآلَةِ نُهِيَ عَنْهَا، ثُمَّ يُجِيزُونَ أَكْلَ مَا نُحِرَ أَوْ ذُبِحَ بِآلَةٍ مَنْهِيٍّ عَنْهَا مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ التَّذْكِيَةُ بِآلَةٍ ذَهَبٍ أَوْ مُذَهَّبَةٍ أَصْلاً لِلرِّجَالِ، فَإِنْ فَعَلَ الرَّجُلُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَإِنْ ذَكَّتْ بِهَا امْرَأَةٌ فَهُوَ حَلاَلٌ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ، لِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبَ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ وَإِبَاحَتِهِ إيَّاهُ لأَِنَاثِهَا. فَمَنْ ذَكَّى مِنْ الرِّجَالِ بِآلَةِ ذَهَبٍ أَوْ مُذَهَّبَةٍ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ آلَةً مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهَا فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ وَالْمَرْأَةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ. التَّذْكِيَةُ بِآلَةِ فِضَّةٍ حَلاَلٌ، لأََنَّهُ لَمْ يُنْهَ إِلاَّ عَنْ آنِيَتِهَا فَقَطْ، وَلَيْسَ السِّكِّينُ، وَالرُّمْحُ وَالسَّهْمُ، وَلاَ السَّيْفُ: آنِيَةٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ سِنًّا، أَوْ ظُفْرًا، أَوْ عَظْمَ سَبُعٍ، أَوْ طَائِرٍ، أَوْ ذِي أَرْبَعٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ حِمَارٍ، أَوْ إنْسَانٍ، أَوْ ذَهَبٍ، وَخَشِيَ مَوْتَ الْحَيَوَانِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا ذُكِّيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأََنَّهُ لاَ يَكُونُ ذَكَاةٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَصْلاً، فَهُوَ عَادِمُ مَا يُذْكِي بِهِ، وَلَيْسَ مُضَيِّعًا لَهُ، لأََنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَا يَجُوزُ أَنْ يُذَكِّيَهُ بِهِ، فَذَلِكَ الْحَيَوَانُ غَيْرُ مُذَكًّى أَصْلاً. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ آلَةً مَغْصُوبَةً، أَوْ مَأْخُوذَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَخَشِيَ الْمَوْتَ عَلَى حَيَوَانِهِ ذَكَّاهُ بِهَا وَحَلَّ لَهُ أَكْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَتَذْكِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ، وَالزِّنْجِيِّ، وَالأَقْلَفِ، وَالأَخْرَسِ، وَالْفَاسِقِ، وَالْجُنُبِ، وَالآبِقِ، وَمَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ عَمْدًا، أَوْ غَيْرِ عَمْدٍ: جَائِزٌ أَكْلُهَا إذَا ذَكَّوْا وَسَمَّوْا عَلَى حَسْبِ طَاقَتِهِمْ، بِالْإِشَارَةِ مِنْ الأَخْرَسِ، وَيُسَمَّى الأَعْجَمِيُّ بِلُغَتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْعَ طَاوُوس مِنْ أَكْلِ ذَبِيحَةِ الزِّنْجِيِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حَيَّانَ عَنْ جَابِرٍ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الأَقْلَفُ لاَ تُؤْكَلُ لَهُ ذَبِيحَةٌ، وَلاَ تُقْبَلُ لَهُ صَلاَةٌ، وَلاَ تَجُوزُ لَهُ شَهَادَةٌ وَأَجَازَ ذَبِيحَتَهُ الْحَسَنُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَهَا يَعْنِي ذَبِيحَةَ الآبِقِ وَأَجَازَهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ ذَبِيحَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُ هَذَا، وَصَحَّتْ إبَاحَةُ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إبَاحَةَ أَكْلِهَا. قال أبو محمد: لاَ يُعْرَفُ لأَبْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَبِيحَةِ الأَقْلَفِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ لأَبْنِ عُمَرَ فِي ذَبِيحَةِ الآبِقِ وَمَا ذُبِحَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَدْ خَالَفُوهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ لاَ يَقُولُ فِيهِمَا شَيْئًا. وَعَنْ عِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ يَذْبَحُ الْجُنُبُ إذَا تَوَضَّأَ. وَعَنْ الْحَسَنِ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَيَذْبَحُ وَأَجَازَهَا إبْرَاهِيمُ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَكَمُ بِغَيْرِ شَرْطٍ. قال أبو محمد: لَوْ كَانَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مِنْ شُرُوطِ التَّذْكِيَةِ لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذُكِرَ قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكُلُّ مَا ذَبَحَهُ، أَوْ نَحَرَهُ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ نِسَاؤُهُمْ، أَوْ رِجَالُهُمْ: فَهُوَ حَلاَلٌ لَنَا، وَشُحُومُهَا حَلاَلٌ لَنَا إذَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَلَوْ نَحَرَ الْيَهُودِيُّ بَعِيرًا أَوْ أَرْنَبًا حَلَّ أَكْلُهُ، وَلاَ نُبَالِي مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَا لَمْ يُحَرَّمْ. وقال مالك: لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شُحُومِ مَا ذَبَحَهُ الْيَهُودِيُّ، وَلاَ مَا ذَبَحُوهُ مِمَّا لاَ يَسْتَحِلُّونَهُ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ خِلاَفُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَعْقُولِ. أَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَمَّا الْقُرْآنُ، وَالْإِجْمَاعُ: فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ دِينَ الإِسْلاَمِ نَسَخَ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَا جَاءَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ أَوْ الْإِنْجِيلُ، وَلَمْ يَتَّبِعْ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ كَافِرٌ مُشْرِكٌ، غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ شَرِيعَةٍ كَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَسَائِرِ الْمِلَلِ، وَافْتَرَضَ عَلَى الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ: شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، فَلاَ حَرَامَ إِلاَّ مَا حُرِّمَ فِيهِ، وَلاَ حَلاَلَ إِلاَّ مَا حُلِّلَ فِيهِ، وَلاَ فَرْضَ إِلاَّ مَا فُرِضَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ خِلاَفَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ حَدِيثِ جِرَابِ الشَّحْمِ الْمَأْخُوذِ فِي خَيْبَرَ فَلَمْ يَمْنَعْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَكْلِهِ، بَلْ أَبْقَاهُ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلاَلٍ الْعَدَوِيِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَأَخَذْتُهُ وَالْتَزَمْتُهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَكَ. وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَسْمُومَةً فَأَكَلَ مِنْهَا وَلَمْ يُحَرِّمْ عليه السلام مِنْهَا لاَ شَحْمَ بَطْنِهَا، وَلاَ غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ شَحْمِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ، وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ هَهُنَا حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُمَا حَلاَلٌ صُدِّقُوا وَلَزِمَهُمْ تَرْكُ قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي ذَلِكَ. وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ يَهُودِيٍّ مُسْتَخْفٍ بِدِينِهِ يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَذَبَحَ شَاةً. أَيَحِلُّ لَنَا أَكْلُ شَحْمِهَا لأَسْتِحْلاَلِ ذَابِحِهَا لَهُ أَمْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا تَحْقِيقًا فِي اتِّبَاعِ دِينِ الْيَهُودِ دِينِ الْكُفْرِ وَدِينِ الضَّلاَلِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكِلاَهُمَا خُطَّةُ خَسْفٍ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لاَ يَسْتَحِلُّوا أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ، وَلاَ أَكْلَ حِيتَانٍ صَادَهَا يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَابْنِ عُمَرَ: إبَاحَةَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ دُونَ اشْتِرَاطٍ لِمَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِمَّا لاَ يَسْتَحِلُّونَهُ. وَكَذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ، وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وطَاوُوس، وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، لَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ إِلاَّ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ عَنْ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَخَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَأَمَّا الْمَجُوسُ: فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَحُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجَدَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَجُوسٍ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ يَدْعُوهُمْ إلَى الإِسْلاَمِ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَلاَ تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلاَ تُنْكَحُ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ فَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَرِيضٍ أَمَرَ مَجُوسِيًّا أَنْ يَذْبَحَ وَيُسَمِّيَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ قال أبو محمد: لَمْ يُفْسِحْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ، وَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَجُوسِ وَمَا كَانَ لِيُخَالِفَ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: قلنا: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا بِنَصِّ الآيَةِ نَهْيًا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لاَ تَصْحِيحًا لَهُ ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَكَّاهُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ، وَالْمَجُوسِيِّ، وَلاَ مَا ذَكَّاهُ مُرْتَدٌّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ، وَلاَ مَا ذَكَّاهُ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دِينٍ كِتَابِيٍّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ، وَلاَ مَا ذَكَّاهُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينٍ كِتَابِيٍّ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا إِلاَّ مَا ذَكَّيْنَاهُ أَوْ ذَكَّاهُ الْكِتَابِيُّ كَمَا قَدَّمْنَا. وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا لَيْسَ كِتَابِيًّا لأََنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى الإِسْلاَمِ إذْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، أَوْ الْقَتْلُ فَدُخُولُهُ فِي دِينٍ كِتَابِيٍّ غَيْرِ مَقْبُولٍ مِنْهُ، وَلاَ هُوَ مِنْ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ، وَالْمُرْتَدُّ مِنَّا إلَيْهِمْ كَذَلِكَ، وَالْخَارِجُ مِنْ دِينٍ كِتَابِيٍّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ كَذَلِكَ، لأََنَّهُ إنَّمَا تَذَمَّمَ وَحَرُمَ قَتْلُهُ بِالدِّينِ الَّذِي كَانَ آبَاؤُهُ عَلَيْهِ، فَخُرُوجُهُ إلَى غَيْرِهِ نَقْضٌ لِلذِّمَّةِ لاَ يَقَرُّ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ ذَبَحَ وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ فِي جُنُونِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، لأََنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ فِي حَالِ ذَهَابِ عُقُولِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمَا ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، لأََنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ لاَ يَقُولُ فِيهِمَا شَيْئًا. وَبِالْمَنْعِ مِنْهُمَا يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَأَبَاحَهَا: النَّخَعِيُّ: وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وطَاوُوس، وَمُجَاهِدٌ. قال أبو محمد: قَدْ وَافَقُونَا أَنَّ إنْكَاحَهُ لِوَلِيَّتِهِ، وَنِكَاحَهُ، وَبَيْعَهُ، وَابْتِيَاعَهُ، وَتَوْكِيلَهُ: لاَ يَجُوزُ، وَأَنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ صَلاَةٌ، وَلاَ صَوْمٌ، وَلاَ حَجٌّ، لأََنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِذَلِكَ، وَلاَ يُجْزِي حَجُّهُ عَنْ غَيْرِهِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَازُوا ذَبِيحَتَهُ.
|