الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أُلْزِمَ الْغُرْمَ وَسُجِنَ حَتَّى يُثْبِتَ الْعَدَمَ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ شُهُودٍ لَهُ بِذَلِكَ، وَلاَ يُمْنَعُ خَصْمُهُ مِنْ لُزُومِهِ وَالْمَشْيِ مَعَهُ حَيْثُ مَشَى، أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ سُرِّحَ بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ: مَا لَهُ مَالٌ بَاطِنٌ، وَمُنِعَ خَصْمُهُ مِنْ لَزَوْمه، وَأُوجِرَ لِخُصُومِهِ، وَمَتَى ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أُنْصِفَ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ مِنْ نَفَقَاتٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي أَنَّهُ عَدِيمٌ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ، حَتَّى يُثْبِتَ خَصْمُهُ أَنَّ لَهُ مَالاً، لَكِنْ يُؤَاجَرُ كَمَا قَدَّمْنَا. وَإِنْ صَحَّ أَنَّ لَهُ مَالاً غَيَّبَهُ أُدِّبَ وَضُرِبَ حَتَّى يُحْضِرَهُ أَوْ يَمُوتَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ، وَمِنْ الْمُنْكَرِ مَطْلُ الْغَنِيِّ، فَمَنْ صَحَّ غِنَاهُ وَمَنَعَ خَصْمَهُ فَقَدْ أَتَى مُنْكَرًا وَظُلْمًا، وَكُلُّ ظُلْمٍ مُنْكَرٌ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ، وَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يُجْلَدَ أَحَدٌ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ ; فَوَاجِبٌ أَنْ يُضْرَبَ عَشَرَةً ; فَإِنْ أَنْصَفَ فَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْمَطْلِ فَقَدْ أَحْدَثَ مُنْكَرًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي ضُرِبَ عَلَيْهِ فَيُضْرَبُ أَيْضًا عَشَرَةً، وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يُنْصِفَ، وَيَتْرُكَ الظُّلْمَ، أَوْ يَقْتُلَهُ الْحَقُّ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ وُجُوهِ الْحُقُوقِ: فَإِنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَالاً، وَمَنْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَالاً فَوَاجِبٌ أَنْ يُنْصَفَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى يَصِحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ قَدْ تَلِفَ وَهُوَ فِي تَلَفِهِ مُدَّعِي وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَمَنْ كَانَ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ نَفَقَةٍ، فَالْيَقِينُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ: هُوَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ وُلِدَ عُرْيَانَ لاَ شَيْءَ لَهُ، فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ قَدْ صَحَّ لَهُمْ الْفَقْرُ، فَهُمْ عَلَى مَا صَحَّ مِنْهُمْ حَتَّى يَصِحَّ أَنَّهُمْ كَسَبُوا مَالاً وَهُوَ فِي أَنَّهُ قَدْ كَسَبَ مَالاً مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ، وَغَيْرِهِمَا. وَخَالَفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قال أبو محمد: لَمْ نُخَالِفْهُ فِي الرِّزْقِ، بَلْ الرِّزْقُ مُتَيَقَّنٌ، وَأَوَّلُهُ لَبَنُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، فَلَوْلاَ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى مَا عَاشَ أَحَدٌ يَوْمًا فَمَا فَوْقَهُ، وَلَيْسَ مِنْ كُلِّ الرِّزْقِ يُنْصَفُ الْغُرَمَاءُ، وَإِنَّمَا يُنْصَفُونَ مِنْ فُضُولِ الرِّزْقِ وَهِيَ الَّتِي لاَ يَصِحُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى آتَاهَا الْإِنْسَانَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. وَأَمَّا الْمُؤَاجَرَةُ: فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِهَذِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فإن قيل: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ يَخْلُو الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُوجَدُ لَهُ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ وَيَفْضُلُ لَهُ، فَهَذَا يُبَاعُ مِنْ مَالِهِ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَيُنْصَفُ مِنْهُ غُرَمَاؤُهُ، وَمَا تَلِفَ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ فَمِنْ مُصِيبَتِهِ لاَ مِنْ مُصِيبَةِ الْغُرَمَاءِ ; لأََنَّ حُقُوقَهُمْ فِي ذِمَّتِهِ لاَ فِي، شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ يَكُونَ كُلُّ مَا يُوجَدُ لَهُ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ، وَلاَ يَفْضُلُ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ لاَ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ: فَهَذَانِ يَقْضِي بِمَا وُجِدَ لَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُبَاعُ لَهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، فَمَا تَلِفَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَهُمْ بِمَالِهِ فَمِنْ مُصِيبَةِ الْغُرَمَاءِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ ; لأََنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَدْ صَارَ لَهُمْ إنْ شَاءُوا اقْتَسَمُوهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى، بَيْعِهِ بِيعَ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا وَفَّى بَعْضَ مَالِهِ بِمَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ أَوْلَى بِأَنْ يُبَاعَ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهِ، فَيُنْظَرُ: أَيُّ مَالِهِ هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى فَيُبَاعُ، وَمَا لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ فَلاَ يُبَاعُ ; لأََنَّ هَذَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَتَرْكُ الْمُضَارَّةِ، فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ أُقْرِعَ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَالِ، فَأَيُّهَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِيعَ فِيمَا أُلْزِمَهُ. وَيُقَسَّمُ مَالُ الْمُفْلِسِ الَّذِي يُوجَدُ لَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ بِالْقِيمَةِ كَمَا يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ عَلَى الْحَاضِرِينَ الطَّالِبِينَ الَّذِينَ حَلَّتْ آجَالُ حُقُوقِهِمْ فَقَطْ، وَلاَ يَدْخُلُ فِيهِمْ حَاضِرٌ لاَ يَطْلُبُ، وَلاَ غَائِبٌ لَمْ يُوَكِّلْ، وَلاَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ حَقِّهِ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ ; لأََنَّ مَنْ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ حَقِّهِ فَلاَ حَقَّ لَهُ بَعْدُ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلاَ يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى مَا لَمْ يَطْلُبْ، وَقَدْ وَجَبَ فَرْضًا إنْصَافُ الْحَاضِرِ الطَّالِبِ فَلاَ يَحِلُّ مَطْلُهُ بِفَلْسٍ فَمَا فَوْقَهُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغُرَمَاءِ الْحَاضِرِينَ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ فَإِذَا أَخَذُوهُ فَقَدْ مَلَكُوهُ فَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا مَلَكُوهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا الْمَيِّتُ بِفَلَسْ: فَإِنَّهُ يَقْضِي لِكُلِّ مِنْ حَضَرَ أَوْ غَابَ طَلَبَا أَوْ لَمْ يَطْلُبَا وَلِكُلِّ ذِي دَيْنٍ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ حَالًّا ; لأََنَّ الآجَالَ تَحِلُّ كُلُّهَا بِمَوْتِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَاتِ الْقَرْضِ ". وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: وَإِقْرَارُ الْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ لاَزِمٌ مَقْبُولٌ وَيَدْخُلُ مَعَ الْغُرَمَاءِ ; لأََنَّ الْإِقْرَارَ وَاجِبٌ قَبُولُهُ وَلَيْسَ لأََحَدٍ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ أَنْ قُضِيَ بِمَالِهِ لِلْغُرَمَاءِ لَزِمَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلاَ يَدْخُلْ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي مَالٍ قَدْ قُضِيَ لَهُمْ بِهِ وَمَلَكُوهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ فَيَبْدَأُ بِمَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فِي الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ، وَبِالْحَجِّ فِي الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَعُمَّ: قَسَّمَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ هَذِهِ الْحُقُوقِ بِالْحِصَصِ لاَ يُبَدَّى مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ. وَكَذَلِكَ دُيُونُ النَّاسِ إنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِجَمِيعِهَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَالِهِ مِمَّا وُجِدَ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى، وَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. وَمَنْ فَلَّسَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَوَجَدَ إنْسَانٌ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَهَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَكَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهَا لاَ كُلَّهَا فَسَوَاءٌ وَجَدَ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا لاَ حَقَّ لَهُ فِيهَا وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَلاَ يَكُونُ مُفْلِسًا مَنْ لَهُ مِنْ أَيْنَ يُنْصِفُ جَمِيعَ الْغُرَمَاءِ وَيَبْقَى لَهُ فَضْلٌ، إنَّمَا الْمُفْلِسُ مَنْ لاَ يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ وَدِيعَتَهُ، أَوْ مَا غُصِبَ مِنْهُ، أَوْ مَا بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ أُخِذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ لَهُ ضَرُورَةً، وَلاَ خِيَارَ لَهُ فِي غَيْرِهِ ; لأََنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ قَطُّ عَنْ هَذَا. وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَهَا بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ أَقْرَضَهَا، فَمُخَيَّرٌ كَمَا ذَكَرْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ، وَهُشَيْمٍ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ اللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ، وَلَفْظُ سَائِرِهِمْ نَحْوُهُ لاَ يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعْنَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَتَاعِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَهُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْدَمُ: إذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كُلِّهِمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ نَقْلٌ تَوَاتَرَ وَكَافَّةٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ، وَهَذَا عُمُومٌ لِمَنْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ حَيًّا، وَبَيَانٌ جَلِيٌّ أَنَّهُ إنْ فُرِّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَعُمُومٌ لِمَنْ تَقَاضَى مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَتَقَاضَى مِنْهُ شَيْئًا. وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَفْلَسَ مَوْلًى لأَُمِّ حَبِيبَةَ فَاخْتُصِمَ فِيهِ إلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَضَى أَنَّ مَنْ كَانَ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ إفْلاَسُهُ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا أَفْلَسَ فَقَالَ: لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمْ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ: إذَا أَدْرَكْت مَالَك بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَك وَإِنْ فُرِّقَ بَعْضُهُ فَهُوَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالسَّوِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ إنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا وَافِرَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَهْلَكَ مِنْهَا شَيْئًا قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَقَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْمُبْتَاعُ لَوْ أَفْلَسَ لَكَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِمَتَاعِهِ. وَعَنْ الْحَسَنِ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ ; وَالْحَسَنِ. قال أبو محمد: وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَدَاوُد. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا خِلاَفٌ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ سِلْعَةٌ قَائِمَةٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهَا فَهُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ: إنَّ مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ إنْسَانٌ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَ بِعَيْنِهَا فَهُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِيمَنْ أَعْطَى إنْسَانًا مَالاً مُضَارَبَةً فَمَاتَ فَوَجَدَ كِيسَهُ بِعَيْنِهِ: فَهُوَ وَالْغُرَمَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَوَكِيعٍ كَقَوْلِ إبْرَاهِيمَ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ مَنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا ثُمَّ أَفْلَسَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ قَتَادَةَ: مَنْ وَجَدَ بَعْضَ سِلْعَتِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا أَوْ بِمَا وَجَدَ مِنْهَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي التَّفْلِيسِ فِي الْحَيَاةِ وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهَا. وقال الشافعي: إنْ وَجَدَهَا أَوْ بَعْضَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَوْ بِاَلَّذِي وَجَدَ مِنْهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ حَيَاةً مِنْ مَوْتٍ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا قَابَلَ مَا بَقِيَ لَهُ فَقَطْ. وقال أحمد: هُوَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْحَيَاةِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ جَاهَرُوا بِالْبَاطِلِ، وَقَالُوا: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ وَجَدَ وَدِيعَتَهُ أَوْ مَا غُصِبَ مِنْهُ. قال علي: وهذا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأََنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي تَعَمُّدِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَشْهَدُ بِرِقَّةِ دَيْنِهِ وَصَفَاقَةِ وَجْهِهِ فَقَالَ: إنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ مِنْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ بَائِعِهِ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَيَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِمَا بَاعَ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يُبَاعَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ. وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي مَرَضِهِ بِبَيِّنَةٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ الْمُقَرِّ لَهُمْ فَيُقَالُ لَهُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ " بَنِي تَمِيمٍ " خَاصَّةً أَوْ " أَهْلَ جُرْجَانَ " خَاصَّةً. وَمِثْلُ هَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ لاَ يَأْتِي بِهِ ذُو دِينٍ، وَلاَ ذُو عَقْلٍ، وَلاَ يَنْسِبُ هَذَا الْهَوَسَ وَهَذَا الْبَاطِلَ الَّذِي أَتَى بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وقال بعضهم: لَعَلَّهُ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي. فَقُلْنَا: مِنْ اسْتَجَازَ خِلاَفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْجِزْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ يَأْتِي أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي، فَيُبْطِلُ الإِسْلاَمَ بِذَلِكَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: اعْتَرَضُوا بِهَذَا فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا: فَالأَمْرُ سَوَاءٌ، لَكِنَّ يَا هَؤُلاَءِ مِثْلُ هَذَا لاَ يُعَارَضُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ نَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ، هُوَ وَاَللَّهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْبَرِّ الصَّادِقِ لاَ مِنْ حَدِيثِ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الَّذِي قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: مَنْ أَفْقَهُ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقَالَ: قُلْ: أَيُّهُمَا أَكْذَبُ. قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى فَلَّسَ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَبَضَ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ، وَالْحَيَاةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لاَ يَدْفَعَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِآثَارٍ مُرْسَلَةٍ: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُسْنَدٍ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ، كِلاَهُمَا عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَقِيَّةُ، وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفَانِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ رَجُلاً مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَإِنْ وَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى مَجْهُولٌ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَخَبَرٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَتْنَهُ، وَلاَ لَفْظَهُ. ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ; لأََنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، والدستوائي، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الآثَارُ لَكَانَتْ كُلُّهَا مُخَالِفَةً لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ ; لأََنَّ فِي جَمِيعِهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ، وَالْحَيَاةِ، وَالشَّافِعِيُّ، لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي جَمِيعِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُبِضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا وَبَيْنَ أَنْ لاَ يَكُونَ قُبِضَ، وَمَالِكٌ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَحَصَلَ قَوْلُهُمَا مُخَالِفًا لِكُلِّ الآثَارِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: ذِمَّةُ الْمَيِّتِ قَدْ انْقَطَعَتْ، وَذِمَّةُ الْحَيِّ قَائِمَةٌ قلنا: فَكَانَ مَاذَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ إِلاَّ بَعْضَ سِلْعَتِهِ فَلَمْ يَجِدْهَا بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا وَلَمْ يُفَرِّقْهَا الْمُشْتَرِي كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ غَصَبَ آخَرَ مَالاً، أَوْ خَانَهُ فِيهِ، أَوْ أَقْرَضَهُ فَمَاتَ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِهِ، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ، أَوْلَهُ بَيِّنَةٌ فَظَفَرَ لِلَّذِي حَقُّهُ قَبْلَهُ بِمَالٍ، أَوْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَالِهِ عِنْدَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ ثَمَنِهِ، فَإِذَا عَرَفَ أَقْصَاهُ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ: فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ حَلاَلاً. وَسَوَاءٌ كَانَ مَا ظَفَرَ لَهُ بِهِ جَارِيَةً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ عَقَارًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ وَفَّى بِمَالِهِ قَبْلَهُ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَفِ بَقِيَ حَقُّهُ فِيمَا لَمْ يَنْتَصِفْ مِنْهُ، وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ أَنْ يُحَلِّلَهُ وَيُبْرِيَهُ فَهُوَ مَأْجُورٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ خَاصَمَهُ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْهُ، اسْتَحْلَفَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ فَإِنْ طُولِبَ بِذَلِكَ وَخَافَ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَغْرَمَ فَلْيُنْكِرْ وَلْيَحْلِفْ، وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا كُلُّ مَنْ ظَفَرَ لِظَالِمٍ بِمَالٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}. وَقَوْله تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَاءِ الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ وَهَذَا إطْلاَقٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى مَا وَجَدَ لِلَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ هُوَ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قلنا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلَ بِقَوْمٍ لاَ يَقْرُونَا، فَمَا تَرَى فِيهِ فَقَالَ لَنَا عليه السلام: إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ سِيرِينَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنْ أَخَذَ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لاَ تَخُنْ مَنْ خَانَك، فَإِنْ أَخَذْت مِنْهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْك فَلَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ حَيْثُ وَجَدْت مَتَاعَك فَخُذْهُ. قال أبو محمد: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى كَفِّ الظُّلْمِ وَقَطْعِهِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ بِلاَ خِلاَفٍ، وَالدَّلاَئِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا. وَخَالَفَنَا فِي هَذَا قَوْمٌ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ ظَفَرَ بِعَيْنِ مَالِهِ فَلْيَأْخُذْهُ وَإِلَّا فَلاَ يَأْخُذْ غَيْرَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ وَجَدَ مِنْ نَوْعِ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَلْيَأْخُذْ وَإِلَّا فَلاَ يَأْخُذْ غَيْرَ نَوْعِهِ. وَاحْتَجَّتْ هَذِهِ الطَّوَائِفُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كُنْت أَكْتُبُ لِفُلاَنٍ نَفَقَةَ أَيْتَامٍ كَانَ وَلِيَّهُمْ فَغَالَطُوهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاهَا إلَيْهِمْ، فَأَدْرَكَتْ لَهُمْ مِنْ مَالِهِمْ مِثْلُهَا، قُلْت: اقْبِضْ الأَلْفَ الَّذِي ذَهَبُوا بِهَا مِنْك ; قَالَ: لاَ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ وَنَحْوُهُ: عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسٍ، هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِي حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَحَدَنِي فَدَانَ لَهُ عِنْدِي حَقٌّ أَفَأَجْحَدُهُ قَالَ: لاَ، أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَدُوسٍ يُقَالُ لَهُ: دَيْسَمٌ قلنا لِبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ: لَنَا جِيرَانٌ مَا تَشِذُّ لَنَا قَاصِيَةٌ إِلاَّ ذَهَبُوا بِهَا وَإِنَّهُ يَمْضِي لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِ أَشْيَاءُ فَنَذْهَبُ بِهَا قَالَ: لاَ. قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَكُلُّ هَذَا لاَ شَيْءَ: أَمَّا حَدِيثُ فُلاَنٍ عَنْ أَبِيهِ نَاهِيَك بِهَذَا السَّنَدِ، لَيْتَ شِعْرِي مِنْ فُلاَنٍ وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ دِينٍ أُخِذَ عَنْ فُلاَنٍ الَّذِي لاَ يَدْرِي مَنْ هُوَ، وَلاَ مَا اسْمُهُ، وَلاَ مَنْ أَبُوهُ، وَلاَ اسْمُهُ. وَالآخَرُ طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ، وَفِيهِ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَحَدِيثُ بَشِيرٍ عَنْ رَجُلٍ يُسَمَّى دَيْسَمًا مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ ; لأََنَّ نَصَّهَا لاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ، وَأَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَيْسَ انْتِصَافُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِّهِ خِيَانَةً، بَلْ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَإِنْكَارُ مُنْكِرٍ، وَإِنَّمَا الْخِيَانَةُ أَنَّ تَخُونَ بِالظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مَنْ لاَ حَقَّ لَك عِنْدَهُ، وَلاَ مِنْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ إلَيْك مِنْ حَقِّك، أَوْ مِنْ مِثْلِهِ إنْ عَدَمَ حَقَّك، وَلَيْسَ رَدُّ الْمَظْلَمَةِ أَدَاءَ أَمَانَةٍ، بَلْ هُوَ عَوْنٌ عَلَى الْخِيَانَةِ. ثُمَّ لاَ حُجَّةَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ إِلاَّ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ الانتصاف جُمْلَةً، وَأَمَّا مَنْ قَسَّمَ فَأَبَاحَ أَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ نَوْعِ مَالِهِ فَقَطْ فَمُخَالِفٌ لِهَذِهِ الآثَارِ وَلِغَيْرِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ "كِتَابُ التَّفْلِيسِ" وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|