الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
لاَ يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَى أَحَدٍ فِي مَالِهِ إِلاَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ عَلَى مَجْنُونٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ: فَهَذَانِ خَاصَّةً لاَ يَنْفُذُ لَهُمَا أَمْرٌ فِي مَالِهِمَا، فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ جَازَ أَمْرُهُمَا فِي مَالِهِمَا كَغَيْرِهِمَا، وَلاَ فَرْقَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْبِكْرُ ذَاتُ الأَبِ وَغَيْرُ ذَاتِ الأَبِ، وَذَاتُ الزَّوْجِ، وَاَلَّتِي لاَ زَوْجَ لَهَا، فِعْلُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: نَافِذٌ إذَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْ الْوَاجِبِ، أَوْ الْمُبَاحَ وَمَرْدُودٌ فِعْلُ كُلِّ أَحَدٍ فِي مَالِهِ إذَا خَالَفَ الْمُبَاحَ، أَوْ الْوَاجِبَ، وَلاَ فَرْقَ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لأََبٍ، وَلاَ لِزَوْجٍ، وَلاَ لِحَاكِمٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ مَا كَانَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ. وَمِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى: الصَّدَقَةُ، وَالْعَطِيَّةُ، بِمَا لاَ يَبْقَى بَعْدَهُ لِلْمُتَصَدِّقِ أَوْ الْوَاهِبِ غِنًى، فَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ إبْطَالَ فِعْلِ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ فَلْيُعْلِنْ بِانْتِزَاعِهِ مِنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ حِينَئِذٍ تَصَرُّفٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ وَهُوَ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدَبٍ الْجَنْبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَوَ مَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ، أَبُو ظَبْيَانَ ثِقَةٌ، لَقِيَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَيْضًا، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ. قَالَ عَلِيٌّ: مَعْنَى ثَلاَثٍ: ثَلاَثُ نُفُوسٍ. وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّفَقَةِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ لِيَقِيَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ نَارَ جَهَنَّمَ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ عَبْدٍ، وَذَاتِ أَبٍ، وَبِكْرٍ، وَذَاتِ زَوْجٍ، مَأْمُورُونَ، مَنْهِيُّونَ، مُتَوَعَّدُونَ بِالنَّارِ، مَنْدُوبُونَ مَوْعُودُونَ بِالْجَنَّةِ، فُقَرَاءُ إلَى إنْقَاذِ أَنْفُسِهِمْ مِنْهَا كَفَقْرِ غَيْرِهِمْ سَوَاءً سَوَاءً، وَلاَ مَزِيَّةَ، فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ إِلاَّ مَنْ أَخْرَجَهُ النَّصُّ، وَلَمْ يُخْرِجْ النَّصُّ إِلاَّ الْمَجْنُونَ مَا دَامَ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَاَلَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَقَطْ، فَكَانَ الْمُفَرِّقَ بَيْنَ مَنْ ذَكَرْنَا فَيُطْلِقُ بَعْضًا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَيَمْنَعُ بَعْضًا بِغَيْرِ نَصٍّ مُبْطِلٍ، مُحَرِّمًا مَا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ، مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لاَ يُحْجَرُ عَلَى حُرّ.ٍ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. وقال أبو حنيفة: لاَ يُحْجَرُ عَلَى حُرٍّ لاَ لِتَبْذِيرٍ، وَلاَ لِدَيْنٍ، وَلاَ لِتَفْلِيسٍ، وَلاَ لِغَيْرِهِ، وَلاَ يَرَى حَجْرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ لاَزِمًا وَيَرَى تَصَرُّفَهُ فِي مَالِهِ وَإِقْرَارَهُ بَعْدَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لاَزِمًا وَيَرَى تَصَرُّفَهُ فِي مَالِهِ وَإِقْرَارَهُ بَعْدَ حَجْرِ الْقَاضِي ] وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ، كُلُّ ذَلِكَ نَافِذٌ إِلاَّ أَنَّهُ زَادَ فَقَالَ: مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ رُشْدٌ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ إِلاَّ أَنَّهُ إنْ بَاعَ شَيْئًا كَثُرَ أَوْ قَلَّ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ فِيهِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ نَفَذَ إقْرَارُهُ، حَتَّى إذَا تَمَّتْ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ رُشْدٌ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لأََنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهُ وَإِقْرَارُهُ فَأَيُّ مَعْنًى لِلْمَنْعِ لَهُ مِنْ مَالِهِ هَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. ثُمَّ تَحْدِيدُهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ إحْدَى عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَمَا نَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَسْتَحِلُّ فِي الدِّينِ مَنْعَ مَالٍ وَإِطْلاَقِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الآرَاءِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَقْلِيدِهِ إيَّاهُ فَقَالَ: يُولَدُ لِلْمَرْءِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا وَنِصْفٍ فَيَصِيرُ أَبًا، ثُمَّ يُولَدُ لأَبْنِهِ كَذَلِكَ فَيَصِيرُ جَدًّا، وَلَيْسَ بَعْدَ الْجَدِّ مَنْزِلَةٌ. قال أبو محمد: وَهَذَا كَلاَمٌ أَحْمَقُ بَارِدٌ وَيُقَالُ لَهُ: هَبْك أَنَّهُ كَمَا تَقُولُ فَكَانَ مَاذَا وَمَتَى فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ مَنْ يَكُونُ جَدًّا وَبَيْنَ مَنْ يَكُونُ أَبًا فِي أَحْكَامِ مَالِهِمَا، وَفِي أَيِّ عَقْلٍ وُجِدَ تَمَّ هَذَا وَأَيْضًا: فَقَدْ يُولَدُ لَهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا، وَلأَبْنِهِ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا. وَأَيْضًا: فَبَعْدَ الْجَدِّ أَبُو جَدٍّ، فَبَلَّغُوهُ هَكَذَا إلَى سَبْعٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، أَوْ إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قلنا لَهُمْ: مَا عِلْمُكُمْ بِهَذَا مِنْهُ، وَلاَ جَهْلُكُمْ بِهِ مِنْهُ، إِلاَّ كَعِلْمِكُمْ بِهِ وَجَهْلِكُمْ مِنْ غَيْرِهِ، مِمَّنْ تُطْلِقُونَهُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ وَتُنَفِّذُونَهُ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ أَبْعَدُ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَقَلُّ اهْتِبَالاً بِالدِّينِ، وَأَطْغَى مِنْ هَذَا الَّذِي حُلْتُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُقِرُّ بِهِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ. وَثَالِثُهَا إبْطَالُهُمْ أَمْوَالَ النَّاسِ الَّتِي يَأْخُذُهَا بِالْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ مِنْ الْعَظَائِمِ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا الْحُكْمَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، وَهَذَا إيكَالٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا أَيْضًا وَإِذَا أَسْقَطُوا عَنْهُ حُقُوقَ النَّاسِ اللَّازِمَةَ لَهُ مِنْ أَثْمَانِ الْبَيْعِ وَرَدِّ الْقَرْضِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلْيُسْقِطُوا عَنْهُ قِصَاصَ الْجِنَايَاتِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ وَدِمَائِهِمْ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ وَهَذَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ جِهَارًا. وَرَابِعُهَا وَهُوَ أَفْحَشُهَا فِي التَّنَاقُضِ: إنْفَاذُهُ مَا فَعَلَ مِنْ التَّبْذِيرِ الْمُفْسِدِ حَقًّا، وَبُيُوعِ الْغَبْنِ قَبْلَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَرَدِّهِ مَا فَعَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ بَعْدَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، فَكَانَ حُكْمُ الْقَاضِي أَنْفَذَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ كَرَامَةَ لِوَجْهِ الْقَاضِي كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ حُكْمَ الْقَاضِي مُحَلِّلاً، وَلاَ مُحَرِّمًا، إنَّمَا الْقَاضِي مُنَفِّذٌ بِسُلْطَانِهِ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَقَطْ لاَ خَصْلَةَ لَهُ غَيْرُهَا، وَلاَ مَعْنًى سِوَى هَذَا وَإِلَّا فَلْيَأْتُونَا بِآيَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ، بِخِلاَفِ هَذَا، وَيَأْبَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ لاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوهُ وَخَامِسُهَا إبْطَالُهُ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ رُشْدًا مَا لَمْ يَفُكَّ الْقَاضِي عَنْهُ الْحَجْرَ وَهَذِهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَسَادِسُهَا إجَازَتُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْوَلِيُّ نَفَقَةَ شَهْرٍ يُطْلِقُ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَلَيْتَ شَعْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا التَّقْسِيمُ الْعَجِيبُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إطْلاَقِ يَدِهِ عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ وَبَيْنَ إطْلاَقِهَا عَلَى نَفَقَةِ سَنَةٍ أَوْ نَفَقَةِ سَنَتَيْنِ. فَإِنْ قَالُوا: نَفَقَةُ شَهْرٍ قَلِيلَةٌ قلنا: قَدْ يَكُونُ مَالٌ تَكُونُ نَفَقَةُ شَهْرٍ فِيهِ كَثِيرًا وَيَكُونُ مَالٌ نَفَقَةُ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ فِيهِ قَلِيلاً، وَلاَ يَخْلُو دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، أَوْ حَرَامًا، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَدَفْعُهُ كُلُّهُ إلَيْهِ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَقَلِيلٌ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَنْكَرُوا عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إبَاحَتِهِمْ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَتَحْرِيمِهِمْ كَثِيرَهُ وَسَابِعُهَا إنْفَاذُهُمْ أَفْعَالَ الْفُسَّاقِ الظَّلَمَةِ الْمُتَعَدِّينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِكُلِّ بَائِقَةٍ الْمُبْتَاعِينَ لِلْخُمُورِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي أَجْرِ الْفِسْقِ إذَا كَانُوا جَمَّاعِينَ لِلْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ بِالظُّلْمِ وَغَيْرِهِ، فَيُجِيزُونَ بَيْعَهُمْ وَشِرَاءَهُمْ وَهِبَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ فِي الأَغْلَبِ وَالأَظْهَرِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَا يَمْلِكُونَهُ وَبَقَوْا بَعْدَهُ فُقَرَاءَ مُتَكَفِّفِينَ: فَأَنْفَذُوا مِنْهُ التَّبْذِيرَ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْبَسْطَ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ مَلُومًا مَحْسُورًا، وَرَدَّهُمْ الْعِتْقَ، وَالصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَظِيمٍ مِمَّنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ وَيَصِفُونَهُ بِأَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ ضَبْطَ مَالِهِ فَأَيُّ تَنَاقُضٍ أَفْحَشُ مِمَّنْ يُجْعَلُ أَصْلُهُ بِزَعْمِهِ ضَبْطَ الْمَالِ وَحِفْظَهُ ثُمَّ يُجِيزُونَ مِنْ وَاحِدٍ إعْطَاءَ مَالِهِ كُلِّهِ حَتَّى يَبْقَى هُوَ وَعِيَالُهُ جَاعَةً وَيُنْفِذُونَهُ عَلَيْهِ، وَيَمْنَعُونَ آخَرَ مِنْ عِتْقِ: عَبْدٍ، وَصَدَقَةٍ بِدِرْهَمٍ، وَابْتِيَاعِ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا، وَوَرَاءَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَقُومُ بِأَمْثَالِهِ وَأَمْثَالِ عِيَالِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ أَصْلَهُ بِزَعْمِهِمْ دَفْعَ الْخَدِيعَةِ لَهُ عَنْ مَالِهِ. وَهُمْ يُجِيزُونَ الْخَدِيعَةَ الْمَكْشُوفَةَ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ لِغَيْرِهِ فَمَا هَذَا الْبَلاَءُ، وَمَا هَذَا التَّخَاذُلُ، وَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالْحُكْمُ فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذِهِ الأَقْوَالِ بِلاَ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ. وقال الشافعي بِمِثْلِ هَذَا كُلِّهِ، إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ مُفْسِدًا فَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ مَرْدُودَةٌ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَحْجُرْ، وَإِذَا رَشَدَ فَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ نَافِذَةٌ حَلَّ عَنْهُ الْقَاضِي الْحَجْرَ أَوْ لَمْ يَحِلَّ وَكُلُّ مَا أَدْخَلْنَا عَلَى مَالِكٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ، حَاشَا مَا يَدْخُلُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَطْ. قال أبو محمد: وَالْحَقُّ الْوَاضِحُ هُوَ مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَالِغٍ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ، فَحُكْمُهُمْ، كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، مُبَاحٌ لَهُمْ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ، مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ إتْلاَفُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَإِضَاعَتُهُ وَالْخَدِيعَةُ عَنْهُ وَالصَّدَقَةُ بِمَا لاَ يُبْقِي لَهُمْ غِنًى كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. وَكَمَا قَالَ عليه السلام: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأََئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ. وَكَمَا قَالَ عليه السلام: لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا. وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ لَزِمَهُ الْحَجْرُ بِيَقِينٍ، فَلاَ يَنْحَلُّ عَنْهُ إِلاَّ بِيَقِينٍ آخَرَ: فَقَوْلٌ صَحِيحٌ، وَالْيَقِينُ قَدْ وَرَدَ، وَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالصَّدَقَةِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ بِالْعِتْقِ، بِإِطْلاَقِهِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا بَلَغَ، وَعَلَى النِّكَاحِ إذَا كَانَ مُخَاطَبًا بِسَائِرِ الشَّرَائِعِ، وَلاَ فَرْقَ. قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَشْيَاءَ يَجِبُ إيرَادُهَا، وَبَيَانُ فَاسِدِ احْتِجَاجِهِمْ بِهَا، وَوَضْعِهِمْ النُّصُوصَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. قال أبو محمد: قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: مَا رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ اشْتَرَى بَيْعًا كَذَا وَكَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ فِي بَيْعٍ شَرِيكُهُ فِيهِ الزُّبَيْرُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: أَلاَ تَأْخُذُ عَلَى يَدَيْ ابْنِ أَخِيك يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ وَتَحْجُرُ عَلَيْهِ اشْتَرَى سَبْخَةً بِسِتِّينَ أَلْفًا مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِنَعْلِي. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ بَيْعَ رُبَاعِهَا: فَقَالَ: لَتَنْتَهِيَنَّ، أَوْ لاََحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إذَا نَشَأَ مِنَّا نَاشِئٌ حَجَرَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ يُنْكَرُ عَقْلُهُ أَيُحْجَرُ عَلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَتَبَ إلَى نَجْدَةَ بْنِ عُوَيْمِرٌ وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي عَنْ الْيَتِيمِ مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُهُ فَلَعَمْرِي، إنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الأَخْذِ لِنَفْسِهِ، ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا، وَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَصَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ، وَإِنَّهُ لاَ يَنْقَطِعُ عَنْ الْيَتِيمِ الْيُتْمُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَإِذَا بَلَغَ النِّكَاحَ وَأُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ: دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ، فَقَدْ انْقَضَى عَنْهُ يُتْمُهُ. قال أبو محمد: جَمَعْنَا هَذِهِ الأَلْفَاظَ كُلَّهَا؛ لأََنَّهَا مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا رَاجِعٌ إلَى يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاقْتَصَرْنَا عَلَى ذِكْرِ مَنْ رُوِيَ جَمِيعُهَا عَنْهُ فَقَطْ، وَكُلُّهَا صَحِيحُ السَّنَدِ. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا قَالَ: الْيَتِيمُ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ بِحُلُمٍ وَعَقْلٍ وَوَقَارٍ مَا نَعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَكْثَرُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا. وَعَنْ التَّابِعِينَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ قَالَ: صَلاَحٌ فِي دِينِهِ وَحِفْظٌ لِمَالِهِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لِيَشْمُطُ وَمَا أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِهِمْ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا عَنْ الضَّحَّاكِ: أَنَّهُ لاَ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالٌ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ صَلاَحٌ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَلاَ عَنْ الْقَاسِمِ مَنْعُهُ مِنْ عِتْقٍ، وَصَدَقَةٍ، وَبَيْعٍ، لاَ يَضُرُّ مَالَهُ، إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ عَنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ هَذَا، وَبَعْضُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَنَظَرْنَا فِي الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ الْمُبَيِّنُ لَنَا مَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، فَوَجَدْنَاهُ كُلَّهُ لَيْسَ الرُّشْدُ فِيهِ إِلاَّ الدِّينَ، وَخِلاَفَ الْغَيِّ فَقَطْ، لاَ الْمَعْرِفَةَ بِكَسْبِ الْمَالِ أَصْلاً، قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ مَنْ بَلَغَ مُمَيِّزًا لِلْإِيمَانِ مِنْ الْكُفْرِ فَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ الَّذِي لاَ رُشْدَ سِوَاهُ أَصْلاً، فَوَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ، وَمَا يَشُكُّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ كَافِرٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا أَشَدَّ عِنَايَةً بِالْمَالِ، وَأَضْبَطَ لَهُ، وَأَكْثَرَ وَأَعْرَفَ بِوُجُوهِ جَمْعِهِ مِنْ مُوسَى عليه السلام، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَغْبُونًا فِي مَالِهِ. وَلَقَدْ أَتَى مُوسَى عليه السلام، وَالْخَضِرُ عليه السلام، إلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ فَاسْتَطْعَمَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَبَاتَا لَيْلَتَهُمَا بِغَيْرِ قِرًى، وَمَا بَلَغَ فِرْعَوْنَ فِي مِلْكِهِ قَطُّ هَذَا الْمَبْلَغَ. وَكَذَلِكَ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْمُقَنْطِرَ مِنْ قُرَيْشٍ كَأَبِي لَهَبٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ جُدْعَانَ: كَانُوا أَبْصَرَ وَأَسْرَعَ إلَى كَسْبِ الْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ مِنْ مُسَاعَاةِ الْإِمَاءِ، وَالرِّبَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالاَ جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَسٌ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَا حَدِيثَ تَلْقِيحِ النَّخْلِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ. فَصَحَّ أَنَّ الرُّشْدَ لَيْسَ هُوَ كَسْبَ الْمَالِ، وَلاَ مَنْعَهُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَوُجُوهِ الْبِرِّ، بَلْ هَذَا هُوَ السَّفَهُ، وَإِنَّمَا الرُّشْدُ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَسْبُ الْمَالِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي لاَ تَثْلِمُ الدِّينَ، وَلاَ تَخْلَقُ الْعِرْضَ، وَإِنْفَاقُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَفِيمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ، وَإِبْقَاءُ مَا يَقُومُ بِالنَّفْسِ، وَالْعِيَالِ، عَلَى التَّوَسُّطِ وَالْقَنَاعَةِ، فَهَذَا هُوَ الرُّشْدُ. وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ: أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الْكَيِّسُ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَضَبْطِهِ، فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ فِي الرُّشْدِ بِالآيَةِ، وَفِي دَفْعِ الْمَالِ بِإِينَاسِهِ. وَصَحَّ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا، وَأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى يَقِينًا بِهَا: إنَّمَا هُوَ أَنَّ مَنْ بَلَغَ عَاقِلاً مُمَيِّزًا مُسْلِمًا وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ، وَجَازَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مَا يَجُوزُ مِنْ فِعْلِ سَائِرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَيُرَدُّ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ أَفْعَالِ سَائِرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلاَ فَرْقَ، وَأَنَّ مَنْ بَلَغَ غَيْرَ عَاقِلٍ، وَلاَ مُمَيِّزٍ لِلدِّينِ، لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ. وَلَوْ كَانَ الَّذِي قَالُوا فِي الرُّشْدِ، وَفِي السَّفَهِ قَوْلاً صَحِيحًا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ طَوَائِفُ مِنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَعُبَّادِ الأَوْثَانِ ذَوِي رُشْدٍ، وَلَكَانَ طَوَائِفُ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ سُفَهَاءَ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا قوله تعالى: وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ صَدَّقَهُمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ: وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا فَهَذَا مَعْنًى ثَانٍ، وَلاَ خِلاَفَ مِنْهُمْ، وَلاَ مَنَّا فِي أَنَّ الْكُفَّارَ لاَ يُمْنَعُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَأَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَهِبَاتِهِمْ جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ، وَأَنَّ قوله تعالى: وَقَوْله تَعَالَى: فَصَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ، وَلاَ يُحْسِنُ حِفْظَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلاً مُخَاطَبًا بِالدِّينِ مُمَيِّزًا لَهُ: دَاخِلٌ فِي " اسْمِ السَّفَهِ " الْمَذْكُورِ فِي الآيَتَيْنِ، فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ، وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ الآيَتَيْنِ مُوَافَقَتَانِ لِقَوْلِنَا مُخَالِفَتَانِ لِقَوْلِهِمْ، وَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ الْعَرَبِيُّ الْجَاهِلَ بِكَسْبِ مَالِهِ، أَوْ الْمَغْبُونَ فِي الْبَيْعِ: سَفِيهًا. " وَالسَّفِيهُ " الَّذِي ذُكِرَ فِي الآيَةِ هُوَ الَّذِي لاَ عَقْلَ لَهُ لِجُنُونِهِ، وَالضَّعِيفُ الَّذِي لاَ قُوَّةَ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ فِي قوله تعالى: وبه إلى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ مُوسَى سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ يَقُولُ: عَوِّدُوا النِّسَاءَ " لاَ " فَإِنَّهَا سَفِيهَةٌ إنْ أَطَعْتهَا أَهْلَكَتْك وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ، حَدَّثَنَا أَبِي، وَحُمَيْدٌ الرُّؤَاسِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ الرُّؤَاسِيُّ: عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ السُّدِّيِّ رَدَّهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ فِي قوله تعالى: وبه إلى إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ نَصْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: نَا أَبِي نَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ، وَمُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وبه إلى إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وبه إلى إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ جُبَيْرٍ، وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ قَالَ: النِّسَاءُ. قال أبو محمد: فَاتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ إمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ الأَظْهَرُ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ سُفَهَاءُ، وَأَنَّهُنَّ مِنْ الْمُرَادِ فِي هَذِهِ الآيَةِ. وَصَرَّحَ مُجَاهِدٌ بِأَنَّهُنَّ الْأُمَّهَاتُ وَالزَّوْجَاتُ، وَالْبَنَاتُ، فَأَيْنَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الْجُمْهُورِ وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ. قال أبو محمد: أَمَّا الصِّبْيَانُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، بِأَنَّهُنَّ سُفَهَاءُ، بَلْ قَدْ ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الرِّجَالِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ فَقَالَ: وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَفِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا تَحْرِيمُهُ تَعَالَى التَّبْذِيرَ، وَالْإِسْرَافَ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَحَقٌّ، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ جَهْلاً، فَيُجِيزُونَ مِنْ الَّذِي لاَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ إعْطَاءَ مَالِهِ كُلِّهِ إمَّا صَدَقَةً، وَأَمَّا هِبَةً لِشَاعِرٍ، أَوْ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ، نَعَمْ، حَتَّى إنَّهُ لَيَكْتُبُ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَهَا عَنْ جَمِيعِ مَالِهِ الدَّيْنَ الثَّقِيلَ، وَهَذَا هُوَ التَّبْذِيرُ الْمُحَرَّمُ، وَالْإِسْرَافُ الْمُحَرَّمُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ حَتَّى يَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، وَنَحْنُ نَمْنَعُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَنُبْطِلُهُ وَنَرُدُّهُ. ثُمَّ يَمْنَعُونَ آخَرِينَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِدِرْهَمٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْ عَتَقَ عَبْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ عَبْدٍ، وَيُنْفِذُونَ وَصِيَّتَهُمْ وَإِنْ عَظُمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَيَحْجُرُونَ الصَّدَقَةَ، وَالْعِتْقَ بِالْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ، عَلَى مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، وَلاَ يَحْجُرُونَ عَلَى مَنْ يَبْتَاعُ الْخُمُورَ، وَيُعْطِي أَجْرَ الْفِسْقِ، وَيُنْفِقُ عَلَى النُّدْمَانِ، وَفِي الْقِمَارِ، وَإِنْ أَكْثَرَ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَصِيرًا بِكَسْبِ الْمَالِ مِنْ ظُلْمٍ وَغَيْرِ ظُلْمٍ ضَابِطًا لَهُ مِنْ حَقٍّ وَغَيْرِ حَقٍّ، وَمَانِعًا مِنْ زَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ، وَهَذِهِ تَنَاقُضَاتٌ فِي غَايَةِ السَّمَاجَةِ، وَظُهُورُ الْخَطَأِ بِغَيْرِ وَجْهٍ يُعْرَفُ، فَمَرَّةً يُطْلِقُونَ إتْلاَفَ الْمَالِ جُمْلَةً فِي الْبَاطِلِ، وَمَرَّةً يَحْتَاطُونَ فَيَرُدُّونَ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ، وَعِتْقَ رَقَبَةٍ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْمَالِ فِيهِمَا. وَمَرَّةً يُجِيزُونَ الْخَدِيعَةَ فِي الْأُلُوفِ فِي الْبَيْعِ، وَلاَ يَكْرَهُونَهَا وَيَقُولُونَ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ، وَمَرَّةً يُبْطِلُونَ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لاَ خَدِيعَةَ فِيهِ خَوْفَ أَنْ يُخْدَعَ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا فِي التَّنَاقُضِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَفِي الْقَوْلِ بِمَا لاَ يُعْقَلُ، وَلاَ يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَرُدُّ الْخَدِيعَةَ وَالْغِشَّ حَيْثُ وُجِدَا، وَمِمَّنْ وُجِدَا قَلَّا أَمْ كَثُرَا وَنُجِيزُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لاَ خَدِيعَةَ فِيهِ حَيْثُ وُجِدَ، وَمِمَّنْ وُجِدَ، وَنَرُدُّ كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي بَاطِلٍ قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ وَنُمْضِي كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي حَقٍّ قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ وَبِهَذَا جَاءَتْ النُّصُوصُ، وَلَهُ شَهِدَتْ الْعُقُولُ، وَالآرَاءُ الصِّحَاحُ الَّتِي إلَيْهِمَا يَنْتَمُونَ، وَبِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى يَقْضُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قال أبو محمد: وَنَحْنُ نُفَسِّرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْذِيرَ، وَالْإِسْرَافَ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَزَجَرَ عَنْهَا، لاَ كَتَفْسِيرِهِمْ الَّذِي لاَ يَفْهَمُونَهُ، وَلاَ يَفْهَمُونَهُ أَصْلاً، وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ الأَعْمَالُ الْمُحَرَّمَةُ مَعْنَاهَا كُلُّهَا وَاحِدٌ وَيَجْمَعُهُ أَنَّ كُلَّ نَفَقَةٍ أَبَاحَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ بِهَا كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ فَلَيْسَتْ إسْرَافًا، وَلاَ تَبْذِيرًا، وَلاَ بَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ؛ لأََنَّهُ تَعَالَى لاَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ مَعًا، فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي أَبَاحَ هُوَ غَيْرُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ، وَهُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكُلُّ نَفَقَةٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ فَهِيَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ؛ لأََنَّهُ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُفَسَّرًا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مُجْمَلاً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا، وَبِهَذَا جَاءَتْ الآثَارُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُبَذِّرِ: هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ قوله تعالى: قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَاتِ هِيَ نَصُّ قَوْلِنَا وَأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا أَوْضَحَ خِلاَفٍ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ شِرَاءِ لِمَأْكُولٍ، أَوْ مَلْبُوسٍ، أَوْ مَرْكُوبٍ، وَكُلُّ عِتْقٍ، وَصَدَقَةٍ، وَهِبَةٍ، أَبْقَى غِنًى فَهُوَ حَلاَلٌ. وَالْحَلاَلُ هُوَ غَيْرُ التَّبْذِيرِ، وَالْإِسْرَافِ، وَبَسْطِ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ. وَالْحَلاَلُ لاَ يَجُوزُ رَدُّهُ وَكُلُّ مَا لَمْ يُبْقِ غِنًى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِالْمَرْءِ عَنْهُ غِنًى فَهُوَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ مَرْدُودٌ، وَهَكَذَا كُلُّ نَفَقَةٍ فِي مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ، وَأُجْرَةِ الْفِسْقِ، وَالْقِمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَبَطَلَ عَنْهُمْ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَحَقٌّ، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَإِضَاعَتُهُ هُوَ صَبُّهُ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ إنْفَاقُهُ فِي مُحَرَّمٍ كَمَا قلنا فِي التَّبْذِيرِ، وَالْإِسْرَافِ، وَبَسْطِ الْيَدِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فِي " الْمُزَارَعَةِ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ عليه السلام تَرْكَ الأَرْضِ لاَ تَعْمُرُ إضَاعَةً لِلْمَالِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ صَاحِبُهَا إلَى ذَلِكَ. وَمَا نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي أَنَّ تَرْكَ التَّزَيُّدِ مِنْ كَسْبِ الْمَالِ لِمَنْ مَعَهُ الْكَفَافُ لَهُ وَلِعِيَالِهِ مُبَاحٌ، وَأَنَّ إقْبَالَهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَمَلِ لِلآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ إكْبَابِهِ عَلَى طَلَبِ التَّزَيُّدِ مِنْ الْمَالِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وأعجب شَيْءٍ قَوْلُهُمْ: إنَّ مَنْ لَمْ يُثَمِّرْ مَالَهُ فَهُوَ سَفِيهٌ، ثُمَّ أَبَاحُوا لِمَنْ تَعَدَّى فَأَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا أَوْ غَصْبًا، وَبِالْبَيْعِ، وَبِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ، فَلَمَّا طَلَبَ بِالْحُقُوقِ، وَأَخَذَ مَا وُجِدَ لَهُ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أَنْ يَقْعُدَ مَكَانَهُ فَلاَ يَتَكَسَّبُ شَيْئًا يُنْصِفُ مِنْهُ أَهْلَ الْحُقُوقِ قَبْلَهُ وَهَذِهِ ضِدُّ الْحَقَائِقِ، مَرَّةً يَمْنَعُونَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْبَيْعِ؛ لأََنَّهُ لاَ يُحْسِنُ تَثْمِيرَ مَالِهِ، وَمَرَّةً يُطْلِقُونَ لَهُ أَنْ لاَ يُثَمِّرَ مَالَهُ وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْحُقُوقِ قِبَلَهُ، فَوَاخِلاَفَاهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ أَبِي عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَقَالَ: أَنْ يَرْزُقَك اللَّهُ تَعَالَى مَالاً فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْك. قال أبو محمد: أَوْلاَدُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هُمْ ثَلاَثَةٌ، عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَإِسْحَاقُ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَشَاهِيرُ، فَأَيُّهُمْ كَانَ فَهُوَ ثِقَةٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْإِسْرَافَ هُوَ النَّفَقَةُ فِي الْمَعَاصِي فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ هُوَ قَوْلُنَا، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الآخَرُ أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَزَنَى فَالْإِثْمُ بَيْنَهُمَا. فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَأَشَدَّ خِلاَفًا لِقَوْلِهِمْ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ نَهْيُ الْوَلِيِّ عَنْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَبَيْنَ التَّزْوِيجِ بِأَشَدِّ الْوَعِيدِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ؛ لأََنَّهُمْ يَأْمُرُونَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّزْوِيجِ وَيَرُدُّونَ زَوَاجَهُ إنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ حَتَّى يَكُونَ وَلِيُّهُ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهُ مِمَّنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ، لاَ مِمَّنْ أَرَادَ الْمُولَى عَلَيْهِ. فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ قَوْمٍ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ، أَوْ بِرِوَايَةٍ أَصْلاً وَلاَحَ أَنَّ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ مُخَالِفَانِ لأََقْوَالِهِمْ هَهُنَا. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَكُلُّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، بَلْ هِيَ عَلَيْهِمْ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ مِنْ قَوْلِهِ لِعَلِيٍّ: أَلاَ تَحْجُرُ عَلَى ابْنِ أَخِيك وَتَأْخُذُ عَلَى يَدِهِ اشْتَرَى سَبَخَةً بِسِتِّينَ أَلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لِي بِنَعْلِي فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ قَطُّ، فَإِنْ كَانَ الْحَجْرُ وَاجِبًا فَلِمَ تَرَكَهُ عُثْمَانُ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، حَتَّى يَخْرُجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الرَّأْيِ يَرَاهُ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْحَجْرَ وَاجِبًا وَلَوْ رَآهُ عَلِيٌّ، أَوْ عُثْمَانُ وَاجِبًا، لَمَا حَلَّ لَهُمَا أَنْ لاَ يُمْضِيَاهُ وَهَذَا خَبَرٌ نَاقِصٌ رُوِّينَاهُ بِتَمَامِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِعَلِيٍّ: خُذْ عَلَى يَدِ ابْنِ أَخِيك اشْتَرَى سَبَخَةَ آلِ فُلاَنٍ بِسِتِّينَ أَلْفًا، مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لِي بِنَعْلِي فَأَقَلَّ، قَالَ: فَجَزَّأَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَلْقَى فِيهَا الْعُمَّالَ فَأَقْبَلَتْ الأَرْضُ، فَمَرَّ بِهَا عُثْمَانُ فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ قَالُوا: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَلِّنِي جُزْأَيْنِ مِنْهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: لاَ وَاَللَّهِ حَتَّى تَأْتِيَنِي بِاَلَّذِينَ سَفَّهْتنِي عِنْدَهُمْ فَيَطْلُبُونَ إلَيَّ فَفَعَلَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَنْقُصُك جُزْأَيْنِ مِنْهَا مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ أَخَذْتُهُمَا. فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كَانَ مِنْ عُثْمَانَ رَأْيٌ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ أَصْلاً مَا بَيْنَ إنْكَارِهِ لِلشِّرَاءِ إلَى أَنْ أَقْبَلَتْ الأَرْضُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ ذَكَرَ لِعُثْمَانَ أَنَّهُ يَحْجُرُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي بَيْعٍ ابْتَاعَهُ فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِيهِ، فَرِوَايَةٌ نُنْكِرُهَا جِدًّا، وَلاَ يَخْلُو ذَلِكَ الْبَيْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ لاَ يُوجِبُهُ، فَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْحَجْرَ، فَالْحَجْرُ وَاجِبٌ عَلَى الزُّبَيْرِ، كَمَا هُوَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى الزُّبَيْرِ فَمَا يُوجِبُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ عُثْمَانَ رضي الله عنه مِنْ أَنْ يَكُونَ يَتْرُكُ حَقًّا وَاجِبًا مِنْ أَجْلِ أَنَّ الزُّبَيْرَ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ الزُّبَيْرَ رضي الله عنه مِنْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْحَقِّ وَبَيْنَ إنْفَاذِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ عَلِيًّا رضي الله عنه فِي أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ. فإن قيل: إنَّمَا تَرَكَ عُثْمَانُ الْحَجْرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ الزُّبَيْرِ؛ لأََنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزُّبَيْرَ لاَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَعَلِمَ بِدُخُولِ الزُّبَيْرِ فِيهِ أَنَّهُ بَيْعٌ لاَ يَحْجُرُ فِي مِثْلِهِ قلنا: فَقَدْ مَشَى عَلِيٌّ فِي خَطَأٍ إذَا أَرَادَ الْحَجْرَ فِي بَيْعٍ لاَ يَجُوزُ الْحَجْرُ فِيهِ، وَصَحَّ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ رَأْيٌ مِمَّنْ رَآهُ مِنْهُمْ، وَقَدْ خَالَفَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَلَمْ يَرَ الْحَجْرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ صَاحِبٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَطَامَّةُ الأَبَدِ، لاَ نَدْرِي كَيْفَ اسْتَحَلَّ مُسْلِمٌ أَنْ يَحْتَجَّ بِخَطِيئَةٍ، وَوَهْلَةٍ، وَزَلَّةٍ كَانَتْ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ إذْ أَرَادَ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى مِثْلِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا أَعْظَمَ الثَّنَاءِ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ لاَ يَكَادُ يَتَجَزَّأُ مِنْهَا فِي الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَخِي عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لأَُمِّهَا أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ: وَاَللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لاََحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ قَالَ هَذَا قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لاَ أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَلِمَةً أَبَدًا ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَتَشَفُّعَهُ إلَيْهَا، وَبُكَاهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزَّهْرِيَّيْنِ حَتَّى كَلَّمَتْهُ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا أَنْ لاَ تُكَلِّمَهُ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً. قال أبو محمد: قَدْ بَلَغَتْ بِهِ عَائِشَةُ، رضي الله عنها، الْإِنْكَارَ حَيْثُ بَلَغَتْهُ فَلاَ يَخْلُو الأَمْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ وَأَصَابَتْ هِيَ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ، فَلاَ يُحْتَجُّ بِقَوْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ صَاحِبُهُ أَوْ يَكُونُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَصَابَ وَأَخْطَأَتْ هِيَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَمِنْ أَنْ تَكُونَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُوصَفُ بِسَفَهٍ وَتَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهَا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. فَصَحَّ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ: إبَاحَةُ الْبَيْعِ الَّذِي لاَ خَدِيعَةَ فِيهِ، وَلاَ غِشَّ، وَالْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ: فِيمَا أَبْقَى غِنًى وَالْمَنْعُ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ فَوَاجِبٌ إمْضَاءُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ؛ لأََنَّ الْكُلَّ مَنْدُوبٌ إلَى ذَلِكَ، مُبَاحٌ لَهُ ذَلِكَ، وَوَاجِبٌ رَدُّ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ خَدِيعَةٌ وَغِشٌّ، وَكُلِّ صَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُمَا غِنًى مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ؛ لأََنَّ الْكُلَّ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ تَنْبُتُ اللِّحْيَةُ لِمَنْ هُوَ ضَعِيفُ الأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ انْقَضَى يُتْمُهُ وَهَكَذَا نَقُولُ إذَا عُقِلَ الرُّشْدُ مِنْ الْفَتَى فَقَدْ أَخَذَ لِنَفْسِهِ بِأَصْلَحَ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ، فَإِنَّمَا هُمْ كَمَا أَوْرَدْنَا سَبْعَةٌ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا فِي ذَلِكَ كَلاَمًا مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثَلاَثَةٌ مِنْهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ الْإِشَارَةُ بِالْحَجْرِ، وَلاَ مَزِيدَ، وَلاَ بَيَانَ عَنْهُمْ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ: مَا صِفَةُ ذَلِكَ الْحَجْرِ فَإِنْ كَانَ هُوَ رَدُّ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْغَبْنُ فَهَكَذَا نَقُولُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا لاَ قَوْلُ الْمُخَالِفِينَ، وَهُمْ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ، فِيهِ رَدُّ صَدَقَةٍ، وَلاَ عِتْقٍ، وَلاَ نِكَاحٍ، وَلاَ بَيْعٍ، لاَ غَبْنَ فِيهِ وَثَلاَثَةٌ مِنْهُمْ جَاءَ عَنْهُمْ إنْكَارُ الْحَجْرِ، وَالْقَوْلِ بِهِ، وَهُمْ: عَائِشَةُ، وَابْنُ جَعْفَرٍ، وَالزُّبَيْرُ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ عَنْهُ شَيْءٌ يُوَافِقُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا، بَلْ إنَّمَا قَالَ فِي الشَّيْخِ الَّذِي يُنْكَرُ عَقْلُهُ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُنَا نَفْسُهُ فِيمَنْ تَغَيَّرَ عَقْلُهُ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَلَوْ اتَّفَقُوا فَمَا فِي أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَأَقْرَبُ ذَلِكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَفْسُهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطْعًا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إبْطَالِ الْعِتْقِ. وَرَدِّ الصَّدَقَةِ فِي الْمَحْجُورِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُوَافِقٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ خَالَفُوا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا، فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ عَطَاءٍ، وَالْقَاسِمِ، وَرَبِيعَةَ، وَشُرَيْحٍ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا وَلَيْسَ عَنْ الْقَاسِمِ، وَشُرَيْحٍ إبْطَالُ صَدَقَةٍ، وَلاَ عِتْقٍ، وَلاَ بَيْعٍ، وَإِنَّمَا عَنْهُمَا إمْسَاكُ مَالٍ عَنْهُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا جَاءَ إبْطَالُ الْبَيْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنِّكَاحِ عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ فَقَطْ. وَقَدْ جَاءَ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّ السُّفَهَاءَ هُمْ النِّسَاءُ، وَهُمْ: الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَخَالَفُوهُمْ كُلَّهُمْ فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَ اثْنَيْنِ مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ خَالَفَهُمْ ثَلاَثَةٌ مِنْهُمْ حُجَّةً، وَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ سَبْعَةٍ مِنْهُمْ حُجَّةً. وَأَمَّا الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ: فَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا شَيْءٌ يُخَالِفُ قَوْلَنَا أَصْلاً؛ لأََنَّ الْحَسَنَ قَالَ: الرُّشْدُ صَلاَحُ الدِّينِ، وَحِفْظُ الْمَالِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الصَّلاَحِ، وَلاَ يَسْتَوْعِبُ صَلاَحَ الدِّينِ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ بُدَّ مِنْ نَقْصٍ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُنْفِقْ مَالَهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَقَدْ حَفِظَهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَشْمَطُ وَمَا أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَصَدَقَ: قَدْ يَبْلُغُ الشَّيْخُ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ: مَهْمَا أَقَلْتَ السُّفَهَاءَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَلاَ تُقِلْهُمْ فِي ثَلاَثٍ: عِتْقٍ، وَطَلاَقٍ، وَنِكَاحٍ. قال أبو محمد: وَنَقُولُ لَهُمْ: مَتَى تَحْجُرُونَ عَلَى الْمَرْءِ أَبِأَوَّلِ مَرَّةٍ يُغْبَنُ فِيهَا فِي الْبَيْعِ أَمْ بِأَنْ يُغْبَنَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. فَإِنْ قَالُوا: بِأَوَّلِ مَرَّةٍ قلنا: فَمَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ عِنْدَكُمْ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، إذْ لاَ سَبِيلَ أَنْ يُوجَدَ أَحَدٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إِلاَّ وَهُوَ يُغْبَنُ. وَإِنْ قَالُوا بَلْ لِلْمَرَّةِ بَعْدَ الْمَرَّةِ. قلنا: حُدُّوا لَنَا الْعَدَدَ الَّذِي مَنْ بَلَغَهُ فُسِخَ مَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ، وَفُسِخَ عِتْقُهُ وَنِكَاحُهُ، وَرُدَّتْ صَدَقَتُهُ فَهَذِهِ عَظَائِمُ لاَ تُسْتَسْهَلُ مُطَارَفَةً، وَلاَ مُسَامَحَةً، بَلْ النَّارُ فِي طَرَفِهَا فَإِنْ حَدُّوهُ كُلِّفُوا الْبُرْهَانَ، وَكَانُوا قَدْ زَادُوا تَحَكُّمًا بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَتَى يَلْزَمُهُمْ الْحُكْمُ بِمَا بِهِ يَحْكُمُونَ، وَلاَ مَتَى لاَ يَلْزَمُهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْجَهَالاَتِ وَالْعَمَى. وَكَذَلِكَ نَسْأَلُهُمْ: مَتَى يَحْجُرُونَ عَلَيْهِ إذَا غُبِنَ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ بِمِثْلِهِ أَمْ إذَا غُبِنَ بِالْكَثِيرِ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ قلنا: مَا عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَجْرِ عِنْدَكُمْ، إذْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ يُغْبَنُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِمَّنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّفُوا أَنْ يُبَيِّنُوا الْحَدَّ الَّذِي عِنْدَهُ تَجِبُ هَذِهِ الْعَظَائِمُ مِنْ فَسْخِ بُيُوعِهِ، وَأَنْ لاَ يُعْدَى عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالشِّرَاءِ وَمَنْعِ الثَّمَنِ، وَأَنْ تُرَدَّ صَدَقَاتُهُ، وَعِتْقُهُ، وَنِكَاحُهُ، وَمَتَى لاَ تَجِبُ فَإِنْ حَدُّوا زَادُوا شَنْعًا وَحُكْمًا بِالْبَاطِلِ، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا كَانُوا حَاكِمِينَ بِمَا لاَ يَدْرُونَ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ إلَى مُنْتَهَى الأَبَدِ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِرِوَايَةٍ مَعْرُوفَةٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ عَهْدِ عُمَرَ. نَعَمْ، وَلاَ عَهْدِ عُثْمَانَ، وَلاَ عَهْدِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم إنْسَانٌ مُسْلِمٌ يَفْهَمُ الدِّينَ يَمْنَعُ بِالْحَجْرِ مِنْ صَدَقَةٍ، وَعِتْقٍ، وَنِكَاحٍ، لاَ يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَلاَ مِنْ بَيْعٍ لاَ غَبْنَ فِيهِ هَذَا مَا لاَ يَجِدُونَهُ أَبَدًا، فَأُفٍّ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ تَفَطَّنَ لَهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَوَامِّ الدُّنْيَا وَشَنْعِهَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لاَ يُكَفِّرُ فِي ظِهَارِهِ، وَلاَ فِي وَطْئِهِ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي قَتْلِهِ الْخَطَأَ، وَلاَ فِي أَيْمَانِهِ إِلاَّ بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ أَمْوَالٍ لاَ يُحْصِيهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى، خِلاَفًا لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَهُمْ يُلْزِمُونَهُ الزَّكَاةَ، وَالنَّفَقَاتِ عَلَى الأَقَارِبِ، وَعَلَى الزَّوْجَةِ، فَهَلْ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَرْقٌ وَقَدْ جَاءَ إيجَابُ الْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْقُرْآنِ، كَمَا جَاءَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءً سَوَاءً فَلَيْتَ، شِعْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا التَّقْسِيمُ الْفَاسِدُ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. قال أبو محمد: وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ قَوْلِنَا مِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اُحْجُرْ عَلَيْهِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي لاَ أَصْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ فَقَالَ عليه السلام: إذَا بِعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ إذَا بَايَعَ يَقُولُ: لاَ خِلاَبَةَ ". وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ مُنْقِذًا سُقِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ، فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِعْ، وَقُلْ: لاَ خِلاَبَة، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا مِنْ بَيْعِكَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْته يَقُولُ إذَا بَايَعَ: لاَ خِلاَبَةَ لاَ خِلاَبَةَ ". قال علي: هذانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَمَا يَقُولُ بَعْدَ سَمَاعِهِمَا بِالْحَجْرِ عَلَى مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، أَوْ بِإِنْفَاذِ بَيْعٍ فِيهِ خَدِيعَةٌ إِلاَّ ذَاهِلٌ عَنْ الْحَقِّ، مُقْدِمٌ عَلَى الْعَظَائِمِ؛ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِمْ: اُحْجُرْ عَلَيْهِ، وَلاَ حَجْرَ عَلَيْهِ، وَلاَ مَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ، بَلْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فِيمَا اشْتَرَى ثَلاَثًا، وَأَمَرَهُ أَنْ لاَ يُبَايِعَ إِلاَّ بِبَيَانِ: أَنْ لاَ خِلاَبَةَ، وَهَكَذَا نَقُولُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَتْ فِيهِ إتْيَانَهُ إلَى الْمَدِينَةِ إذْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ رَكِبَ. تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ فَسَارَ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِهِ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: بَلْ نَهَبُهُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمَا فِي حِجْرِ غَيْرِهِمَا يَتِيمَانِ فَلَمْ يُسَاوِمْهُ، وَلاَ شَاوَرَهُ، وَلاَ ابْتَاعَهُ مِنْهُ، بَلْ سَاوَمَهُمَا وَأَنْفَذَ بَيْعَهُمَا فِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلَّذِي كَانَا فِي حِجْرِهِ فِي ذَلِكَ أَمْرًا. فإن قيل: لَمْ يَقْبَلْ هِبَتَهُمَا إيَّاهُ. قلنا: قَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، أَوْ شَهْرٍ، إذْ أَرَادَ عليه السلام الْهِجْرَةَ فَقَدَّمَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إحْدَى نَاقَتَيْنِ لَهُ، وَقَالَ لَهُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَبَهَا إِلاَّ بِالثَّمَنِ فَابْتَاعَهَا مِنْهُ فَرَدُّهُ عليه السلام هِبَةَ الْيَتِيمَيْنِ كَرَدِّهِ هِبَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ فَرْقَ لَيْسَ؛ لأََنَّ ذَلِكَ، لاَ يَجُوزُ مِنْهُمْ. وَبُرْهَانُ هَذَا إجَازَتُهُ عليه السلام بَيْعَهُمَا، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ هِبَتُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَرِيضِ، وَالْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ، فِي الْمُحَابَاةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ خَاصَّةً وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لاَ مَغْمَزَ فِيهِ، وَعُقَيْلٌ أَحَدُ الْمُخْتَصِّينَ بِالزُّهْرِيِّ، الْمُتَحَقِّقِينَ بِهِ، الْمُلاَزِمِينَ لَهُ وَكَذَلِكَ عُرْوَةُ بِعَائِشَةَ، رضي الله عنها،. وَقَدْ رُوِّينَا خَبَرًا لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِهِ لَبَغَوْا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخَهُ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُتْمَ بَعْدَ احْتِلاَمٍ. قال أبو محمد: وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا الأَثَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَهُوَ خِلاَفٌ لِمَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْهُ فِي الْحَجْرِ الَّذِي لاَ بَيَانَ فِيهِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حُبَابَةَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ نَا أَبِي عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ " أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِصُهَيْبٍ: يَا صُهَيْبُ مَا فِيك شَيْءٌ أَعِيبُهُ عَلَيْك إِلاَّ ثَلاَثَ خِصَالٍ، وَلَوْلاَهُنَّ مَا قَدَّمْت عَلَيْك أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ صُهَيْبٌ: مَا هُنَّ فَإِنَّك طَعَّانٌ فَقَالَ عُمَرُ بَعْدَ كَلاَمٍ: أَرَاك تُبَذِّرُ مَالَك، وَتُكْتَنَى بِاسْمِ نَبِيٍّ، وَتُنْتَسَبُ عَرَبِيًّا، وَلِسَانُك أَعْجَمِيٌّ، فَقَالَ لَهُ صُهَيْبٌ: أَمَّا تَبْذِيرِي مَالِي فَمَا أُنْفِقُهُ إِلاَّ فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا اكْتِنَائِي فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّانِي بِأَبِي يَحْيَى، أَفَأَتْرُكُهَا لِقَوْلِك. وَأَمَّا انْتِسَابِي إلَى الْعَرَبِ فَإِنَّ الرُّومَ سَبَتْنِي وَأَنَا صَغِيرٌ، فَإِنِّي لاَ أَذْكُرُ أَهْلَ أَبْيَاتِي وَلَوْ انْفَلَقَتْ عَنِّي رَوْثَةٌ لاَنْتَسَبْت إلَيْهَا فَهَذَا عُمَرُ يَرَى فِعْلَ صُهَيْبٍ تَبْذِيرًا وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْمَرِيضُ مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ أَوْ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَالْحَامِلُ مُذْ تَحْمِلُ إلَى أَنْ تَضَعَ أَوْ تَمُوتَ، وَالْمَوْقُوفُ لِلْقَتْلِ بِحَقٍّ فِي قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ، وَالأَسِيرُ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُ الأَسْرَى أَوْ مَنْ لاَ يَقْتُلُهُمْ، وَالْمُشْرِفُ عَلَى الْعَطَبِ، وَالْمُقَاتِلُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلاَ فَرْقَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، وَبُيُوعِهِمْ، وَعِتْقِهِمْ وَهِبَاتِهِمْ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. وَقَالَ قَوْمٌ: بِالْحَجْرِ عَلَى هَؤُلاَءِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَأَصْحَابُنَا كَقَوْلِنَا إِلاَّ فِي الْعِتْقِ خَاصَّةً فَقَطْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عِتْقُ الْمَرِيضِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا لاَ يَنْفُذُ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ، سَوَاءً أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ مَاتَ مِنْهُ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَقَالَ مَسْرُوق: أُجِيزُهُ بِرُمَّتِهِ، شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لاَ أَرُدُّهُ وَقَالَ شُرَيْحٌ: أُجِيزَ ثُلُثَهُ وَأَسْتَسْعِيهِ فِي ثُلُثَيْهِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ مَسْرُوقٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْفُتْيَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْقَضَاءِ وَقَوْلُ النَّخَعِيِّ كَقَوْلِ شُرَيْحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ: اعْتِقْ ثُلُثَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى جَارِيَةً فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَجَاءَ الَّذِينَ بَاعُوهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَالاً فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اسْعِي فِي ثَمَنِك. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ سُئِلَ عَلِيٌّ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ: يَعْتِقُ وَيَسْعَى فِي الْقِيمَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِهِ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ: أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَيَقْضِي الدِّينَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُ ثُلُثُهُ وَلِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: عِتْقُ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَمَكْحُولٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَمِنْ مُرِقٍّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَمِنْ مُعْتَقٍ لِجَمِيعِهِ وَيَسْتَسْعِيهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: فِي الْمَرِيضِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، قَالَ: هُوَ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ مَكَثَ عَشْرَ سِنِينَ. وَأَمَّا الْحَامِلُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا مِنْ الثُّلُثِ قَالَ سُفْيَانُ: وَنَحْنُ لاَ نَأْخُذُ بِهَذَا، بَلْ نَقُولُ: مَا صَنَعَتْ فَهُوَ جَائِزٌ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً مِنْ غَيْرِ الْحَمْلِ، أَوْ يَدْنُوَ مَخَاضُهَا يُرِيدُ أَنْ يَضُرَّ بِهَا الطَّلْقُ وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ قُلْتُ: أَرَأْيٌ قَالَ: بَلْ سَمِعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ: وَعِكْرِمَةَ وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيِّ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: مَا أَعْطَتْ الْحَامِلُ لِوَارِثٍ، أَوْ لِزَوْجٍ، فَمِنْ رَأْسِ مَالِهَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً وَقَالَ رَبِيعَةُ: كَذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ تَثْقُلَ، أَوْ يَحْضُرَهَا نِفَاسٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرْت بِهَذَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْخَوْلاَنِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي عَطِيَّةِ الْحَامِلِ كَقَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: عَطِيَّةُ الْغَازِي مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ مَكْحُولٌ: بَلْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِلاَّ أَنْ تَقَعَ الْمُسَايَفَةُ وَعَطِيَّةُ رَاكِبِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ كَالصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ رَاكِبُ الْبَحْرِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ قَدْ وَقَعَ فِيهِ الطَّاعُونُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: كَذَلِكَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الْحَجَّاجُ: لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ، إِلاَّ الثُّلُثُ، فَقَالَ إيَاسٌ إذْ بَلَغَهُ قَوْلُهُ: مَا فَقِهَ أَحَدٌ إِلاَّ سَاءَ ظَنُّهُ بِالنَّاسِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا صَنَعَ الْمُسَافِرُ فَمِنْ الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَقَعُ رَحْلُهُ فِي الْغَرْزِ قَالَ النَّخَعِيُّ: بَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا صَنَعَ الأَسِيرُ فَمِنْ الثُّلُثِ. وقال أبو حنيفة: لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَرَأَوْا مُحَابَاتَهُ فِي الْبَيْعِ، وَهِبَاتِهِ، وَصَدَقَاتِهِ، وَعِتْقِهِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، إِلاَّ أَنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ كُلُّهُ وَيُسْتَسْعَى فِيمَا لاَ يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْهُ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا الْمَحْصُورُ، وَالْوَاقِفُ فِي صَفِّ الْحَرْبِ فَكَالصَّحِيحِ. وَأَمَّا الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فِي قِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٍ فَكَالْمَرِيضِ. وَمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْهُ، وَاسْتَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَحِقَ بِهِ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَحَمَلَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَيَرِثُهُ وَلَدُهَا. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، إِلاَّ أَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي وَلَدَهُ فِي مَرَضِهِ، وَلاَ يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُمَا قَالاَ: يَرِثُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيُسْتَسْعَى فِيمَا يَقَعُ مِنْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُونَهُ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا هَذَا فِي الْمَرَضِ الْمُخِيفِ كَالْحُمَّى الصَّالِبِ وَالْبِرْسَامِ، وَالْبَطْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ فِي الْجُذَامِ، وَلاَ حُمَّى الرِّبْعِ، وَلاَ السُّلِّ، وَلاَ مَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي مَرَضِهِ. وقال مالك: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إِلاَّ فِي الْحَامِلِ فَإِنَّ أَفْعَالَهَا عِنْدَهُ كَالصَّحِيحِ إلَى أَنْ تُتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا فَأَفْعَالُهَا فِي مَالِهَا كَالْمَرِيضِ. حَتَّى أَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ مُرَاجَعَةِ زَوْجِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا طَلاَقًا بَائِنًا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَإِلَّا الأَسْتِسْعَاءُ فَلَمْ يَرَهُ، بَلْ أَرَقَّ مَا لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ مِنْهُ، وَإِلَّا فِيمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُ أَعْتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَأَرَقَّ الْبَاقِيَ. وقال الشافعي، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ وقال الشافعي: فِعْلُ الْمَرِيضِ مَرَضًا مُخِيفًا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ أَفَاقَ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فَمَرَّةً قَالَ: هُوَ كَالصَّحِيحِ وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ كَالْمَرِيضِ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ: فَخَطَأٌ فِي تَفْرِيقِهِمَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَهُوَ فِي إنْصَافِهِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ مُعْطِي ذَلِكَ الَّذِي أَنْصَفَ حَقَّهُ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَالْإِحْسَانُ لاَ يُرَدُّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُنْصِفْهُ حَاضِرًا طَالِبًا حَقَّهُ فَهُوَ عَاصٍ فِي أَنَّهُ لَمْ يُنْصِفْهُ، وَهُمَا قَضِيَّتَانِ أَصَابَ فِي إحْدَاهُمَا، وَظَلَمَ فِي الْأُخْرَى وَالْحَقُّ لاَ يُبْطِلُهُ ظُلْمُ فَاعِلِهِ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ لاَ فِي عَيْنِ مَالِهِ مَا دَامَ حَيًّا لَمْ يُفْلِسْ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَفَذَ الَّذِي أَعْطَى مَا أَعْطَاهُ بِحَقٍّ وَلَزِمَهُ أَنْ يُنْصِفَ مَنْ بَقِيَ إذْ حَقُّهُ فِي ذِمَّتِهِ لاَ فِي عَيْنِ مَا أَعْطَى الآخَرَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ صَحِيحٍ، وَمَرِيضٍ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِي قَوْلِهِمَا هَذَا سَلَفًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمَا فِيمَنْ اشْتَرَى وَلَدَهُ فِي مَرَضِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ أَنَّهُ لاَ يَرِثُهُ، فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ عَتَقَ وَوَرِثَ: فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْمُنَاقَضَةِ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمَا فِيهِ سَلَفًا مُتَقَدِّمًا؛ لأََنَّهُ إنْ كَانَ وَصِيَّةً، فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لاَ تَجُوزُ فَيَنْبَغِي عَلَى أَصْلِهِمْ أَنْ لاَ يَنْفُذَ عِتْقُهُ أَصْلاً حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الشَّافِعِيِّينَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: الشِّرَاءُ فَاسِدٌ؛ لأََنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَصِيَّةً فَمَا بَالُهُ لاَ يَرِثُ وَقَدْ صَارَ حُرًّا بِمِلْكِ أَبِيهِ لَهُ، ثُمَّ مُنَاقَضَتُهُمْ فِي الْمَرِيضِ يَطَأُ أَمَتَهُ فَتَحْمِلُ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ حُرَّةً وَيَرِثُهُ وَلَدُهَا، فَإِنْ قَالُوا: حَمْلُهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، قلنا: لَكِنَّ وَطْأَهُ لَهَا مِنْ فِعْلِهِ، وَإِقْرَارَهُ بِوَلَدِهَا مِنْ فِعْلِهِ، وَعِتْقَ الْوَلَدِ فِي كُلِّ حَالٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحَامِلِ فَقَوْلٌ أَيْضًا لاَ نَعْلَمُ لَهُ فِيهِ سَلَفًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَهَذَا إيهَامٌ مِنْهُمْ لِلأَحْتِجَاجِ بِمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ إنَّ الْإِثْقَالَ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ بِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي مَنْ لَهُمْ بِأَنَّ الْإِثْقَالَ جُمْلَةً يُدْخِلُهَا فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَحْمِلُ الْحَمَّالُ حِمْلاً ثَقِيلاً فَلاَ يَكُونُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ عِنْدَهُمْ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تَلِدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ قلنا، وَقَدْ تُسْقِطُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْإِسْقَاطُ أَخْوَفُ مِنْ الْوِلاَدَةِ أَوْ مِثْلُهَا فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ نَأْخُذُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَرِيضِ، وَمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ مِنْ الثُّلُثِ قال أبو محمد: احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الْمَشْهُورِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي لْمُهَلَّبِ، كِلاَهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا. وَبِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ؛ وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَنِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي. أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ عليه السلام: لاَ، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ قَالَ: لاَ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ قَالُوا: فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ عليه السلام بِالصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ رَحْمَةً لَكُمْ وَزِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ وَحَسَنَاتِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى سَمِعْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جُعِلَ لَكُمْ ثُلُثُ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ طَائِفَةً مِنْ مَالِكَ عِنْدَ مَوْتِكَ أَرْحَمُكَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْتَاعُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إنَّهُ لَيْسَ لأَمْرِئٍ شَيْءٌ، أَلاَ لاَ أَعْرِفَنَّ امْرَأً بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُذَعْذِعُ مَالَهُ هَهُنَا هَهُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِالثُّلُثِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ أَعْتَقَ غُلاَمًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَ مِنْهُ الثُّلُثَ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ: وَقَالُوا قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ، رضي الله عنها، عِنْدَ مَوْتِهِ " إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَحُزْتِيهِ لَكَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ " قَالُوا: فَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ قَارَبَ الْمَوْتَ فَمَالُهُ مَالُ الْوَارِثِ. وَقَالُوا: قَدْ جَاءَ مَا أَوْرَدْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ: فَمُرْسَلٌ، وَعَنْ مَجْهُولٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لأََنَّهُمَا لاَ يَرَيَانِ الأَسْتِسْعَاءَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي يَحْيَى الْمَالِكِيِّ: فَهَالِكٌ؛ لأََنَّهُ مُرْسَلٌ، وَعَنْ حَجَّاجٍ، وَهُوَ سَاقِطٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ: فَمُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأََنَّ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لاَ نُخَالِفُهُمْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ، وَأَنَّ ذَعْذَعَةَ الْمَالِ هَهُنَا وَهَهُنَا لاَ تَجُوزُ عِنْدَنَا، لاَ فِي صِحَّةٍ، وَلاَ فِي مَرَضٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قِلاَبَةَ: فَمُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فَسَنَدُهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَلاَ نَدْرِي حَالَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ هُوَ وَجَمِيعُ الآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ أَصْلاً؛ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كُلِّهَا إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَصَدَّقَ عَلَيْنَا عِنْدَ مَوْتِنَا بِثُلُثِ أَمْوَالِنَا: فَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ الْوَصِيَّةُ الَّتِي هِيَ بِلاَ خِلاَفٍ نَافِذَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَانَ أَمْرُ كَذَا عِنْدَ مَوْتِ فُلاَنٍ، وَارْتَدَّتْ الْعَرَبُ عِنْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلِّيَ عُمَرُ عِنْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ. فَجَمِيعُ هَذِهِ الأَخْبَارِ خَارِجَةٌ عَلَى هَذَا أَحْسَنَ خُرُوجٍ، وَمُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، حَاشَا خَبَرَ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ، فَإِنَّهُ لاَ يُخَرَّجُ لاَ عَلَى قَوْلِنَا، وَلاَ عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِخَبَرٍ يُخَالِفُونَهُ؛ لأََنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الدَّيْنِ فَقَطْ، ثُمَّ فِي ثُلُثَيْ مَا يَبْقَى مِنْ قِيمَتِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُنَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. فَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَدْ خَالَفَتْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ جَمِيعُهُمْ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ هَذِهِ الآثَارِ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ: " عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعِنْدَ مَوْتِكُمْ " وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرٌ لِمَرَضٍ أَصْلاً، فَالْمَرَضُ شَيْءٌ زَادُوهُ بِآرَائِهِمْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ نَصٌّ مِنْهُ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ فَجْأَةً، وَمِنْ مَرَضٍ خَفِيفٍ، فَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى الْمَرَضِ مِنْ أَيْنَ خَرَجَ وَهَلَّا رَاعُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ مِنْ لَفْظِ " عِنْدَ مَوْتِهِ " فَجَعَلُوا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ " عِنْدَ مَوْتِهِ " صَحِيحًا فَعَلَهُ أَوْ مَرِيضًا مِنْ الثُّلُثِ، وَجَعَلُوا مَا فَعَلُوا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ مِمَّا تَأَخَّرَ عَنْهُ مَوْتُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَظَهَرَ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الآثَارِ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِمْ، وَأَنَّهَا مِنْ النَّوْعِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ لأََقْوَالٍ لَهُمْ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِيمَا احْتَجُّوا لَهُ بِهِ، وَهَذَا إيهَامٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، وَتَدْلِيسٌ فِي الدِّينِ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ: فَإِنَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سَعْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، كُلُّهُمْ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَفَأُوصِي بِمَالِي أَوْ بِثُلُثَيْ مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ بِنِصْفِهِ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا لَفْظَ " أَفَأَتَصَدَّقُ " عَنْ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا عَنَوْا بِهِ الْوَصِيَّةَ بِلاَ شَكٍّ، لاَ الصَّدَقَةَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ لأََنَّهُ كُلَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ مَقَامٍ وَاحِدٍ، عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ؛ وَكُلُّ وَصِيَّةٍ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ كُلُّ صَدَقَةٍ وَصِيَّةً. نَعَمْ: وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ،، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، كِلاَهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا شَدِيدًا فَأُشْفِيتُ مِنْهُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالاً كَثِيرًا وَإِنَّمَا تَرِثُنِي ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَأُوصِي بِالشَّطْرِ، قَالَ: لاَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ أُوصِي قَالَ: الثُّلُثَ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّك أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. فَرَوَى مَالِكٌ؛، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَفَأَتَصَدَّقُ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرَّةَ: أَفَأَتَصَدَّقُ، وَمَرَّةً: أَفَأُوصِي وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَفَأُوصِي وَلَيْسَا دُونَ مَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ. وَاتَّفَقَ سَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى لَفْظِ: " أُوصِي " فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي الْمَرَضِ خَاصَّةً دُونَ الصِّحَّةِ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي الْمَرَضِ خَاصَّةً فَقَدْ كَذَبَ وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَعْدًا سَيَبْرَأُ وَتَكُونُ لَهُ آثَارٌ فِي الإِسْلاَمِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْهُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَخْبَرَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ أَنَّهُ لِيَكُونَ مِنِّي الشَّيْءُ فَأَعْرِفُهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إذَا غَابَ عَنْهُ فَإِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. قال أبو محمد: وَسَعْدٌ قَدْ فَتَحَ أَعْظَمَ الْفُتُوحِ، وَأَنْزَلَ مَلِكَ الْفُرْسِ عَنْ سَرِيرِهِ، وَافْتَتَحَ قُصُورَهُ، وَدُورَهُ، وَمَدَائِنَهُ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً. وَأَمَّا خَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي السِّتَّةِ الأَعْبُدِ، فَأَوْلَى النَّاسِ أَنْ لاَ يُحْتَجَّ بِهِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ قِمَارٌ، وَإِنَّهُ فِعْلٌ بَاطِلٌ، وَحُكْمُ جَوْرٍ شَاهَ وَجْهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَقِيَ الْكَلاَمُ فِيهِ مَعَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، وَأَصْحَابِنَا الْقَائِلِينَ بِهِ: قَالَ عَلِيٌّ: فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً لِوُجُوهٍ ثَلاَثَةٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الْعِتْقُ وَحْدَهُ، فَإِقْحَامُهُمْ مَعَ الْعِتْقِ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ خَطَأٌ وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَهُنَا بَاطِلاً؛ لأََنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِ الْعِتْقِ وَسَائِرِ الأَحْكَامِ، فَيُوجِبُونَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ فَيَعْتِقُهُ، وَلاَ يَرَوْنَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ عَبْدِهِ أَوْ أَوْقَفَ نِصْفَ دَارِهِ، أَوْ نِصْفَ فَرَسِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ ثَوْبِهِ أَوْ بِنِصْفِ ضَيْعَتِهِ: أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِي ذَلِكَ، وَيَنْفُذَ فِعْلُهُ فِي جَمِيعِهِ: فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْعِتْقِ هَهُنَا وَلَمْ يَجِبْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ إنَّ هَذَا لَتَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: مِنْ فِعْلِ الْمَرِيضِ كَلِمَةٌ، وَلاَ دَلاَلَةٌ، وَلاَ إشَارَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ: إنَّمَا فِيهِ " أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ " فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ: أَنْ يَجْعَلُوا هَذَا الْحُكْمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا. فَمَاتَ إثْرَ ذَلِكَ، لاَ فِيمَنْ أَعْتَقَ مَرِيضًا، أَوْ صَحِيحًا، ثُمَّ تَرَاخَى مَوْتُهُ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ مَوْتِهِ بِلاَ شَكٍّ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْخَبَرَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِيمَا فِيهِ، وَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلاً، وَهَذِهِ قَبَائِحُ مُوبِقَةٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ قَاطِعَةٌ؛ لأََنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ لَمْ يُبْقِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا أَصْلاً، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَرْدُودُ الْفِعْلِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا، وَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ فِي مَالِهِ عِتْقُ تَطَوُّعٍ، وَلاَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، وَلاَ هِبَةٌ يَبُتُّ بِهَا إِلاَّ فِيمَا أَبْقَى غِنًى، كَمَا قَالَ عليه السلام الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى. وَقَدْ أَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتْقَ إنْسَانٍ صَحِيحٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، وقال أحمد: أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ عَاصِمٌ، وَسَعْدٌ، وَيَعْقُوبُ أَبْنَاءُ إبْرَاهِيمَ، قَالُوا كُلُّهُمْ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ قَالَ الزُّهْرِيُّونَ فِي رِوَايَتِهِمْ: فَرَدَّهُ عليه السلام: فَهَذَا إسْنَادٌ كَالشَّمْسِ لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ. فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا رَدَّ عِتْقَ أُولَئِكَ الأَعْبُدِ؛ لأََنَّ مُعْتِقَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَكَانَ عِتْقُهُ عليه السلام لِثُلُثِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ: أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إذْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ إذْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: يُجْزِيك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ لاَ يَصِحُّ، لَكِنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ؛ فَأَمْسَكَ سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ غِنًى. وَبُرْهَانُ هَذَا: أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ: أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا أَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةً، وَالثُّلُثُ عِنْدَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ لاَ يَكُونُ هَكَذَا أَصْلاً، وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْقِيمَةِ. وَوَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كِلاَهُمَا عَنْ الثَّقَفِيِّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلاً أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلاً شَدِيدًا. فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْعِتْقَ إنَّمَا كَانَ وَصِيَّةً، وَلاَ خِلاَفَ أَنَّهَا الصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ سَوَاءٌ، وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِالثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَتَانِ حَدِيثًا وَاحِدًا وَهُوَ الأَظْهَرُ الَّذِي لاَ يَكَادُ يُمْكِنُ، وَلاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ فَقَدْ ارْتَفَعَ الْكَلاَمُ، وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَا خَبَرَيْنِ وَهَذَا مُمْكِنٌ بَعِيدٌ فَكِلاَهُمَا لَنَا، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ذِكْرٌ لِمَرَضٍ، وَلاَ لِفِعْلٍ فِي مَرَضٍ أَصْلاً، وَلاَ لأََنَّ الرَّدَّ إنَّمَا كَانَ؛ لأََنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي مَرَضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَبَطَلَ عَنْهُمْ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ الَّتِي هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا، وَعَادَتْ كُلُّهَا لَنَا عَلَيْهِمْ حُجَّةً. وَأَمَّا مَا رَوَوْا فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا هُمْ ثَلاَثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: فأما أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّمَا تَعَلَّقُوا عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ وَهَذَا لاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً؛ لأََنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ وَهُمْ مَعَنَا أَيْضًا فِي أَنَّهُ رضي الله عنه إنَّمَا عَنَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْمَرِيضِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لِلْوَارِثِ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الرُّوحِ فِي الْمَرِيضِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ أَسْمَاءَ لَوْ مَاتَتْ إذْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ لَهَا لَمَا وَرِثَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعُرْوَةُ، وَالْمُنْذِرُ، أَوْلاَدُهَا مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ حَبَّةَ خَرْدَلٍ، وَلاَ قِيمَتَهَا، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ مَالُ الْمَرِيضِ. قَدْ صَارَ مَالاً لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِهِ لَوَرِثَهُ عَنْهُ إنْ مَاتَ وَرَثَتُهُ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ، وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلاَ أَحْمَقُ، وَلاَ عَاقِلٌ. وَأَيْضًا فَلاَ خِلاَفَ مِنَّا وَمِنْهُمْ فِي أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْمَرِيضِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَكَانَ زَانِيًا يُحَدُّ حَيْثُ يُحَدُّ لَوْ وَطِئَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلاَ فَرْقَ وَأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ الْقَطْعُ لَقُطِعَتْ يَدُهُ حَيْثُ تُقْطَعُ يَدُهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ وَبُرْدُهُمْ وَتَدْلِيسُهُمْ فِي الدِّينِ بِإِيهَامِهِمْ الْبَاطِلَ مَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِطُرُقِهِمْ. فَإِنْ أَتَوْنَا فِي صَرْفِ الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ ظَاهِرِهَا بِبُرْهَانٍ مِثْلِ هَذَا وَجَبَ الأَنْقِيَادُ لِلْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُونَا إِلاَّ بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ، وَبِالظَّنِّ الْفَاسِدِ، وَبِالتَّمْوِيهِ الْمُلْبِسِ، فَعَارُ ذَلِكَ وَنَارُهُ لاَ زِمَانِ لَهُمْ، لاَ لَنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه جُمْلَةً. وَأَمَّا الْخَبَرُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ؛ لأََنَّ الْحَسَنَ، وَالْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَمْ يُدْرِكَاهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأََنَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّهُ ابْتَاعَهَا فِي مَرَضِهِ، فَأَجَازَ بَيْعَهُ وَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَرَهَا بِأَنْ تَسْعَى فِي ثَمَنِهَا لِلْغَرِيمِ. وَفِي الْأُخْرَى أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَتَقَ، ثُلُثَهُ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّ ذَلِكَ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَاعَى مَا أَبْقَى لَهُ غِنًى. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ جَارِيَةً لَهَا لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرُهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ رَأَى السَّعْيَ فِي قِيمَتِهَا إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ أَصْلاً، فَعَادَ فِعْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ لَوْ صَحَّ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ، وَلاَ فِعْلِهِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَلاَحَ خِلاَفُهُمْ لَهُ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَمُنْقَطِعَةٌ؛ لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً؛ لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لأََنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَلْبَتَّةَ، وَلاَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ عَلِيًّا إنَّمَا أَوْجَبَ الأَسْتِسْعَاءَ فِي ذَلِكَ؛ لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ، وَهُوَ قَوْلُنَا لاَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ بِالأَسْتِسْعَاءِ فِي هَذَا إذَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الْعِتْقِ عَنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ خِلاَفٌ لِهَذَا، فَلاَحَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا أَنَّ كُلَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ أَثَرٍ صَحِيحٍ أَوْ سَقِيمٍ، أَوْ عَنْ صَاحِبٍ فَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلاً مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ، وَأَنَّ إيرَادَهُمْ لِكُلِّ ذَلِكَ تَمْوِيهٌ، وَإِيهَامٌ بِالْبَاطِلِ، وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَأَنَّ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ حُجَّةٌ لَنَا، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالتَّابِعِينَ، وَدَعْوَاهُمْ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ فَغَيْرُ مُنْكَرٍ مِنْ اسْتِسْهَالِهِمْ الْكَذِبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ خِلاَفَ قَوْلِهِمْ، وَأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِذَلِكَ؛ لأََنَّهُ شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يُرَدُّ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْمَرِيضُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ عَاشَ، فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ عِنْدَ مَسْرُوقٍ، فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ فَقَطْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، أَكْثَرُ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ عَنْهُمْ؛ لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَمِثْلِهِ. ثُمَّ هُمْ مُخْتَلِفُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْمُسَافِرَ مِنْ حِينِ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لاَ يَنْفُذُ لَهُ أَمْرٌ فِي مَالٍ إِلاَّ مِنْ ثُلُثِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْحَامِلِ جُمْلَةً. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الأَسِيرِ جُمْلَةً، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: مُخَالِفُونَ لِكُلِّ هَذَا. ثُمَّ قَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الأَمْرَاضِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِهِمْ، فَإِنْ كَانَ هَؤُلاَءِ إجْمَاعًا فَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِخِلاَفِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ إجْمَاعًا فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِ مَنْ دُونَ الصَّحَابَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، خِلاَفَ هَذَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا أَبْرَأَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا فِي مَرَضِهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ يَجُوزُ: فَصَحَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا عَنَى مَرَضَهَا الَّذِي تَمُوتُ مِنْهُ، وَلَمْ يُرَاعِ ثُلُثًا، وَلاَ رَآهُ وَصِيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ: إذَا وَضَعَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي حَقٍّ فَلاَ أَحَدَ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْهُ، وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ الثُّلُثُ. قال أبو محمد: لاَ يَخْلُو عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الصَّحِيحَ، وَالْمَرِيضَ مَعًا، أَوْ الْمَرِيضَ وَحْدَهُ، أَوْ الصَّحِيحَ وَحْدَهُ: فَإِنْ أَرَادَ الصَّحِيحَ فَقَطْ فَقَدْ رَدَّ فِعْلَهُ فِي صَدَقَتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْمَرِيضَ: فَقَدْ أَمْضَى فِعْلَهُ فِي مَالِهِ كُلِّهِ فَهَذَا خِلاَفٌ ظَاهِرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلاَهُمَا عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلاً رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ: أَنَّهُ يَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَطَلَّقَ نِسَاءَهُ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَقَسَّمَ مَالَهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَهُ: أَجَاءَك الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِك فَأَخْبَرَك: أَنَّك تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَطَلَّقْتَ نِسَاءَك وَقَسَّمْتَ مَالَك رُدَّهُ وَلَوْ مِتَّ لَرَجَمْتُ قَبْرَك كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ فَرَدَّ مَالَهُ وَنِسَاءَهُ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاك تَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى تَمُوتَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَشَذَّبَتْ مَالَهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ، ثُمَّ مَاتَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَأَمْضَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فِعْلَهَا. فَإِنْ كَانَ لِلْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ حُكْمُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ فَقَدْ أَمْضَاهُ أَبُو مُوسَى، فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ فَقَدْ رَدَّهُ عُمَرُ، وَلَمْ يُمْضِ مِنْهُ ثُلُثًا، وَلاَ شَيْئًا، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَمَنْ أَقْبَحُ مُجَاهِرَةً مِمَّنْ يَجْعَلُ مِثْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ إجْمَاعًا ثُمَّ لاَ يُبَالِي بِمُخَالِفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَطَوَائِفَ مِنْ التَّابِعِينَ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَضَرْبَةِ السَّوْطِ، لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا قَدْ تَقَصَّيْنَا مِنْهُ جُزْءًا صَالِحًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ، فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لأََنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ مِنْ الْمَرِيضِ. وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ بِلاَ خِلاَفٍ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، فَإِذَا قِيسَ فِعْلُ الْمَرِيضِ عَلَيْهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَيَاةِ فِعْلُ الْمَرِيضِ كَفِعْلِ الصَّحِيحِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ لاَ شَيْءَ أَشْبَهَ بِشَيْءٍ وَأَوْلَى بِأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْئَيْنِ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الَّذِي يَعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَاَلَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا يَشْبَعُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا يَشْبَعُ فَهَدِيَّتُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَالْمُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: وَأَيْضًا: فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ أَصْلاً فِي أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ الْمَرِيضُ مِنْ فَاكِهَةٍ، وَلَحْمٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى، وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى سَائِلٍ بِالْبَابِ، فَإِنَّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ فَعَلَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ الثُّلُثِ لَكَانَ هَذَا مِنْ الثُّلُثِ، بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ الثُّلُثُ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ لَمَا وَجَبَ أَنْ يُعَدَّ أَكْلَهُ وَنَفَقَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ؛ لأََنَّ بَاقِيَ ذَلِكَ لاَ حُكْمَ لَهُ فِيهِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا فَظَهَرَ مِنْ تَخَاذُلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ وَفَسَادِ أَقْوَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا بَعْضُهُ يَكْفِي وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الْحَجْرُ أَيْضًا عَلَى امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ؛، وَلاَ بِكْرٍ ذَاتِ أَبٍ، وَلاَ غَيْرِ ذَاتِ أَبٍ وَصَدَقَتُهُمَا، وَهِبَتُهُمَا: نَافِذٌ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا حَاضَتْ كَالرَّجُلِ سَوَاءً سَوَاءً وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وقال مالك: لَيْسَ لِذَاتِ الزَّوْجِ إِلاَّ الثُّلُثُ فَقَطْ تَهَبُهُ وَتَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ فَإِذَا مَضَتْ لَهَا مُدَّةٌ جَازَ لَهَا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ أَيْضًا أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَتْ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ وَهَكَذَا أَبَدًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِهَا فِي الأَوَّلِ: فُسِخَ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ رَدَّ الْكُلَّ أَوَّلَهُ عَنْ آخِرِهِ، بِخِلاَفِ الْمَرِيضِ إنْ شَاءَ زَوْجُهَا أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ أَنْفَذَهُ نَفَذَ، فَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَنْ زَوْجِهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُطَلِّقَهَا نَفَذَ كُلُّهُ قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُهُ: بَلْ لاَ يَرُدُّ الزَّوْجُ إِلاَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَطْ، وَيَنْفُذُ لَهَا الثُّلُثُ كَالْمَرِيضِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا. مَالَهَا كُلَّهُ نَفَذَ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَيْعُهَا وَابْتِيَاعُهَا فَجَائِزٌ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ. قَالَ: وَأَمَّا الْبِكْرُ فَمَحْجُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ذَاتَ أَبٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ أَبٍ لاَ يَجُوزُ لَهَا فِعْلٌ فِي مَالِهَا، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَلاَ أَنْ تَضَعَ عَنْ زَوْجِهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ عَنَسَتْ حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَ زَوْجِهَا، وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا فَإِنْ وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ: كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَتْ إِلاَّ إنْ كَانَ يَسِيرًا، قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي كَانَ لَهَا زَوْجٌ ثُمَّ تَأَيَّمَتْ فَكَالرَّجُلِ فِي نَفَاذِ حُكْمِهَا فِي مَالِهَا كُلِّهِ. وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ: فَرُوِّينَا عَنْهُمْ أَقْوَالاً: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: عَهِدَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لاَ أُجِيزَ عَطِيَّةَ جَارِيَةٍ حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَحُولَ فِي بَيْتِهَا حَوْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لاَ أُجِيزَ لِجَارِيَةٍ مُمَلَّكَةٍ عَطِيَّةً حَتَّى تَحِيلَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلاً أَوْ تَلِدَ وَلَدًا، قَالَ: فَقُلْت لِلشَّعْبِيِّ: كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: بَلْ شَافَهَهُ بِهِ مُشَافَهَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَرَأْت كِتَابَ عُمَرَ إلَى شُرَيْحٍ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ جَارِيَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ لَهَا أَخُوهَا وَهِيَ مُمَلَّكَةٌ: تَصَدَّقِي عَلَيَّ بِمِيرَاثِك مِنْ أَبِيك فَفَعَلَتْ، ثُمَّ طَلَبَتْ مِيرَاثَهَا فَرَدَّهُ عَلَيْهَا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لاَ تُجِيزُوا نَحْلَ امْرَأَةٍ بِكْرٍ حَتَّى تَحِيلَ حَوْلاً فِي بَيْتِ زَوْجِهَا أَوْ تَلِدَ وَلَدًا. قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ مِنْ مَالِهَا: فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ لَهَا هِبَتُهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَبْلُغَ، أَنَّى ذَلِكَ وَهُوَ سُنَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ حَتَّى تَحُولَ حَوْلاً أَوْ تَلِدَ وَلَدًا، فَقَالَ الْحَسَنُ: حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا أَوْ تَبْلُغَ، أَنَّى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ قَالاَ جَمِيعًا: لِلْيَتِيمَةِ خِنَاقَانِ لاَ يَجُوزُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ إذَا عَنَسَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ أَيَجُوزُ يَعْنِي هِبَتَهَا قَالَ: نَعَمْ. وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ، كِلاَهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ، وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا حَالَتْ فِي بَيْتِهَا حَوْلاً جَازَ لَهَا مَا صَنَعَتْ، قَالَ الْمُغِيرَةُ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدَ مِثْلُهَا جَازَتْ هِبَتُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِذَاتِ زَوْجٍ عَطِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَأَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ كَانَتْ لاَ تَعْتِقُ وَلَهَا سِتُّونَ سَنَةً إِلاَّ بِإِذْنِ ابْنِ عُمَرَ. قال أبو محمد: هَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَى لَهَا ذَلِكَ جَائِزًا دُونَ إذْنِهِ، لَكِنَّهُ عَلَى حُسْنِ الصُّحْبَةِ فَقَطْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، فَلَمْ يُجِزْ لِذَاتِ الزَّوْجِ عِتْقًا، وَلاَ حُكْمًا فِي صَدَاقِهَا، وَلاَ غَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا إِلاَّ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الَّذِي لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهُ فِي صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغَبَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ: كُنْت أَخْدِمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ، وَأَسُوسُ فَرَسَهُ، كُنْت أَحْتَشُّ لَهُ، وَأَقُومُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ ثُمَّ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبِيٌّ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا، ثُمَّ ذَكَرَتْ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّهَا بَاعَتْهَا، قَالَتْ: فَدَخَلَ الزُّبَيْرُ وَثَمَّنَهَا فِي حِجْرِي فَقَالَ: هَبِيهَا إلَيَّ قَالَتْ: أَنَّى، لَكِنْ تَصَدَّقْت بِهَا فَهَذَا الزُّبَيْرُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، قَدْ أَنْفَذَتْ الصَّدَقَةَ بِثَمَنِ خَادِمِهَا، وَبَيْعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُ شَيْئًا غَيْرَهَا، أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مَا مَعَهَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ حَجَّاجٍ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فِي أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ قَالَ: ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتُ، وَلاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكَ فَلَمْ يُنْكِرْ الزُّبَيْرُ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَقْبَلَتْ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا فَتَعَلَّمَتْهُ، وَشَذَّبَتْ مَالَهَا، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ دَخَلَتْ عَلَى جَارَاتِهَا فَجَعَلَتْ تَقُولُ: يَا فُلاَنَةُ أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ فَجَعَلْنَ يَقُلْنَ لَهَا: لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ، لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ، فَسَأَلَ زَوْجُهَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَيُّ امْرَأَةٍ كَانَتْ امْرَأَتُك فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَحْرَى مِنْهَا أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ الشَّهِيدَ، وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هِيَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَبُو مُوسَى.وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ قَالَ: كَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ تُعْطِي مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَكَتَبَ: إمَّا هِيَ سَفِيهَةٌ أَوْ مُضَارَّةٌ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا، وَأَمَّا هِيَ غَيْرُ سَفِيهَةٍ، وَلاَ مُضَارَّةٍ فَيَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا: إنْ كَانَتْ غَيْرَ سَفِيهَةٍ، وَلاَ مُضَارَّةٍ فَأَجِزْ عَطِيَّتَهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يُحَالُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَنْ تَأْتِيَ الْقَصْدَ فِي مَالِهَا فِي حِفْظِ رُوحٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ فِي مَوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ، إذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا، كَانَ خَيْرًا لَهَا أَنْ لاَ تُنْكَحَ، وَأَنَّهَا إذًا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الأَمَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: تَجُوزُ عَطِيَّةُ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ الْحَدِيثَةُ السِّنِّ ذَاتُ الزَّوْجِ قَبْلَ السَّنَةِ عَطِيَّةً، فَلَمْ تَرْجِعْ حَتَّى تَمُوتَ، فَهُوَ جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا فِي غَيْرِ سَفَهٍ، وَلاَ ضِرَارٍ جَازَتْ عَطِيَّتُهَا، وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُهَا. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُتَعَلِّقًا، لاَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلاَ مِنْ السُّنَنِ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ أَحَدَ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ، إِلاَّ رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ أَيْضًا تَقْسِيمُهُمْ الْمَذْكُورُ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ كَانَ مَا ذَكَرْنَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ هَهُنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: جَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِلْمَرْأَةِ إذَا قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أَصِلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَالَ زَوْجُهَا: هِيَ تُضَارُّنِي فَأَجَازَ لَهَا الثُّلُثَ فِي حَيَاتِهَا. وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سُجُودِهِ: إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَفِي عَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، وَالزُّبَيْرَ، وَأَسْمَاءَ، وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَشُرَيْحًا، وَالشَّعْبِيَّ، وَالنَّخَعِيَّ، وَعَطَاءً وطَاوُوسًا، وَمُجَاهِدًا، وَالْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَغَيْرَهُمْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ، وَفِي مَا يَدَّعُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَمِنْ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً، وَمِنْ تَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الأَبَدِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَرَجَعَ هُوَ عَنْ بَعْضِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يُقَلِّدُوهُ هَهُنَا. وَهَلَّا قَالُوا هَهُنَا: مِثْلَ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، كَمَا قَالُوهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ أَبْطَلُوا فِعْلَ الْمَرْأَةِ جُمْلَةً قَبْلَ أَنْ تَلِدَ، أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً، ثُمَّ أَجَازَ بَعْدَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَمْ يَجْعَلْ لِلزَّوْجِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَدْخَلاً، وَلاَ حَدَّ ثُلُثًا مِنْ أَقَلَّ، وَلاَ مِنْ أَكْثَرَ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُ هَذَا سَوَاءً سَوَاءً؛ لأََنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، وَفِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً، وَفِيمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ، فَهَلاَّ قَلَّدُوهُ هَهُنَا وَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ فِي غَيْرِ حَقِيقَةٍ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ. قال أبو محمد: وَمَوَّهَ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَدِينِهَا قَالُوا: فَإِذَا نَكَحَهَا لِمَالِهَا فَلَهُ فِي مَالِهَا مُتَعَلَّقٌ؛ وَقَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُوصِي. قال علي: وهذا تَحْرِيفٌ لِلسُّنَّةِ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَأَغَثُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ وَأَشَدُّهُ بُطْلاَنًا: أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلاَ مَدْخَلَ فِيهِ لِشَيْءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي إجَازَةِ الثُّلُثِ وَإِبْطَالِ مَا زَادَ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وطَاوُوس، وَاللَّيْثِ تَعَلُّقًا مُمَوَّهًا أَيْضًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الْمَرْأَةَ عَلَى الْمَرِيضِ فَهُوَ قِيَاسٌ لِلْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ، وَاحْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ فِي الْمَرِيضِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَكَانُوا قَدْ أَخْطَئُوا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا احْتَاطُوا بِزَعْمِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ لاَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيَاسُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَرِيضِ بَاطِلٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ لأََنَّهُمْ إنَّمَا يَقِيسُونَ الشَّيْءَ عَلَى مِثْلِهِ لاَ عَلَى ضِدِّهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ، وَلاَ شَبَهَ بَيْنَهُمَا أَصْلاً، وَالْعِلَّةُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إمَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى شَبَهٍ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ يُمْضُونَ فِعْلَ الْمَرِيضِ فِي الثُّلُثِ، وَيُبْطِلُونَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَهَهُنَا يُبْطِلُونَ الثُّلُثَ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَدْ أَبْطَلُوا قِيَاسَهُمْ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ لِلْمَرْأَةِ ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ، وَلاَ يُجِيزُونَ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ فَجَمَعُوا فِي هَذَا الْوَجْهِ مُنَاقَضَةَ الْقِيَاسِ، وَإِبْطَالَ أَصْلِهِمْ فِي الْحِيَاطَةِ لِلزَّوْجِ؛ لأََنَّهَا لاَ تَزَالُ تُعْطِي ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ حَتَّى تُذْهِبَ الْمَالَ إِلاَّ مَا لاَ قَدْرَ لَهُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْمُوصِي قلنا: الْمُنَفِّذُ غَيْرُ الْمُوصِي وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا أَدْخَلْنَاهُ آنِفًا فِي قِيَاسِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ لِلزَّوْجِ طَرِيقًا فِي مَالِهَا إذْ قَدْ تَزَوَّجَ بِالْمَالِ فَسَنَذْكُرُ مَا يَفْسُدُ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْرَ هَذَا فِي كَلاَمِنَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا؛ لأََنَّ هَذَا الأَحْتِجَاجَ إنَّمَا هُوَ لَهُمْ، لاَ لِلْمَالِكِيِّينَ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ؛ لأََنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوجِبًا لِلْمَنْعِ مِنْ قَلِيلِ مَالِهَا وَكَثِيرِهِ. لَكِنْ نَسْأَلُهُمْ عَنْ الْحُرَّةِ لَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ، وَالْكَافِرَةِ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ، وَاَلَّتِي تُسْلِمُ تَحْتَ كَافِرٍ، هَلْ لِهَؤُلاَءِ مَنْعُهُنَّ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لاَ. فَإِنْ قَالُوا: لاَ، تَنَاقَضُوا، وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، زَادُوا أُخْلُوقَةً. فَإِنْ قَالُوا: هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهَا مِنْ جَمِيعِ مَالِهَا، وَكَانَ الثُّلُثُ قَلِيلاً. قلنا: هَذَا يَفْسُدُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ كَغَيْرِهَا، وَلاَ فَرْقَ وَثَانِيهَا: أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: وَالْمَحْجُورُ السَّفِيهُ بِإِقْرَارِكُمْ إلَى مَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ كَمَا تُوجِبُونَ عَلَيْهِ الصَّلاَةَ. وَالصِّيَامَ، وَالزَّكَاةَ، وَالْحَجَّ، وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ فَأَبِيحُوا لَهُ الثُّلُثَ أَيْضًا بِهَذَا الدَّلِيلِ السَّخِيفِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الْمَرْأَةُ لَيْسَتْ سَفِيهَةً. قلنا: فَأَطْلِقُوهَا عَلَى مَالِهَا وَدَعُوا هَذَا التَّخْلِيطَ بِمَا لاَ يُعْقَلُ وَثَالِثُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: إنَّهُ قَلِيلٌ وَحَسْبُكُمْ هَذَا الَّذِي نَسْتَعِيذُ اللَّهَ مِنْ مِثْلِهِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الثُّلُثَ عِنْدَكُمْ مَرَّةً كَثِيرٌ فَتَرُدُّونَهُ كَالْجَوَائِحِ، وَمَرَّةً قَلِيلٌ فَتُنْفِذُونَهُ مِثْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَشِبْهَهُ فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ هَذِهِ الآرَاءِ وَخَامِسُهَا: أَنَّ حُجَّةَ الزَّوْجِ فِي مَالِهَا كَحُجَّةِ الْوَلَدِ، أَوْ الْوَالِدِ، أَوْ الأَخِ، بَلْ مِيرَاثُ هَؤُلاَءِ أَكْثَرُ؛ لأََنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْوَلَدِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ الرُّبْعُ، وَلِلْوَلَدِ ثَلاَثَةُ الأَرْبَاعِ وَالْوَالِدُ وَالْوَلَدُ كَالزَّوْجِ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ عَنْ الْمِيرَاثِ أَصْلاً، فَامْنَعُوهَا مَعَ الْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ، مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ بِهَذَا الأَحْتِيَاطِ الْفَاسِدِ، لاَ سِيَّمَا وَحَقُّ الأَبَوَيْنِ فِيمَا أُوجِبَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ؛ لأََنَّ الأَبَوَيْنِ إنْ افْتَقَرَا قَضَوْا بِنَفَقَتِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا وَإِسْكَانِهِمَا وَخِدْمَتِهِمَا عَلَيْهَا فِي مَالِهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ، وَلاَ يَقْضُونَ لِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ مَاتَ جُوعًا وَبَرْدًا فَكَيْفَ احْتَاطُوا لِلأَقَلِّ حَقًّا وَلَمْ يَحْتَاطُوا لِلأَكْثَرِ حَقًّا فَلاَحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لاَ نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ لِتَقْلِيدِ مَنْ أَخْطَأَ فِيهِ الْخَطَأَ الَّذِي لاَ خَفَاءَ بِهِ، وَخَالَفَ فِيهِ كُلَّ مُتَقَدِّمٍ نَعْلَمُهُ، إِلاَّ رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا لَيْسَ أَيْضًا فِي تَقْسِيمِهِمْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تُنَفِّذَ فِي مَالِهَا شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ خَطَبَ فَقَالَ: لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ فِي مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس قَالَ الرَّجُلُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، وَقَالَ ابْنُ طَاوُوس: عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لأَمْرَأَةٍ شَيْءٌ فِي مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا هَذَا لَفْظُ طَاوُوس، وَلَفْظُ عِكْرِمَةَ " فِي مَالِهَا شَيْءٌ " مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَكُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ الآيَةِ وَالأَخْبَارِ مَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَصِحَّ فَحُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَمُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبَاحَةِ الثُّلُثِ وَمَنْعِهِمْ مِمَّا زَادَ. فأما الْخَبَرُ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأََرْبَعٍ فَلَيْسَ فِيهِ التَّغْبِيطُ بِذَلِكَ، وَلاَ الْحَضُّ عَلَيْهِ، وَلاَ إبَاحَتُهُ فَضْلاً عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ فِيهِ الزَّجْرُ عَنْ أَنْ تُنْكَحَ لِغَيْرِ الدِّينِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ فَقَصَرَ أَمْرَهُ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ، فَصَارَ مَنْ نَكَحَ لِلْمَالِ غَيْرَ مَحْمُودٍ فِي نِيَّتِهِ تِلْكَ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُسْتَحَبٌّ أَيُّ دَلِيلٍ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مَالِهَا بِكَوْنِهِ أَحَدَ الطَّمَّاعِينَ فِي مَالٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ جَارِهِ وَهُوَ مَا طَابَتْ لَهُ بِهِ نَفْسُهَا وَنَفْسُ جَارِهِ، وَلاَ مَزِيدَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الإِسْلاَمِ عَلَيْهِمَا إجْمَاعًا مَقْطُوعًا بِهِ مُتَيَقَّنًا أَنَّ عَلَى الأَزْوَاجِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ؛ وَكِسْوَتَهُنَّ، وَإِسْكَانَهُنَّ، وَصَدُقَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ مِنْ الرِّجَالِ كَمَا جَعَلَهُ لِلرِّجَالِ مِنْهُنَّ سَوَاءً سَوَاءً فَصَارَ بِيَقِينٍ مِنْ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي مَالِ زَوْجِهَا وَاجِبًا لاَزِمًا، حَلاَلاً يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَشَهْرًا بِشَهْرٍ، وَعَامًا بِعَامٍ، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَكَرَّةِ الطَّرَفِ، لاَ تَخْلُو ذِمَّتُهُ مِنْ حَقٍّ لَهَا فِي مَالِهِ. بِخِلاَفِ مَنْعِهِ مِنْ مَالِهَا جُمْلَةً، وَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ، إِلاَّ مَا طَابَتْ لَهُ نَفْسُهَا بِهِ، ثُمَّ تَرْجُو مِنْ مِيرَاثِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يَرْجُو الزَّوْجُ فِي مِيرَاثِهَا، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلرَّجُلِ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ أَوْجَبُ، وَأَحَقُّ فِي مَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا؛ لأََنَّ لَهَا شِرْكًا وَاجِبًا فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي مَالِهَا إِلاَّ التَّبُّ وَالزَّجْرُ، فَيَا لَلْعَجَبِ فِي عَكْسِ الأَحْكَامِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهَا مَنْعَهُ مِنْ مَالِهِ خَوْفَ أَنْ يَفْتَقِرَ فَيَبْطُلُ حَقُّهَا اللَّازِمُ فَأُبْعِدَ وَاَللَّهِ وَأُبْطِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوجِبًا لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالٍ لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلاَ حَظَّ إِلاَّ حَظُّ الْفِيلِ مِنْ الطَّيَرَانِ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إطْلاَقِهِمْ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَهُوَ لَوْ مَاتَ جُوعًا، أَوْ جَهْدًا، أَوْ هُزَالاً، أَوْ بَرْدًا، لَمْ يَقْضُوا لَهُ فِي مَالِهَا بِنَوَاةٍ يَزْدَرِدُهَا، وَلاَ بِجِلْدٍ يَسْتَتِرُ بِهِ، فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا هَذَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا لاَ يَنْفُذُ عَلَيْهَا بَيْعُ زَوْجِهَا لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا لاَ مَا قَلَّ، وَلاَ مَا كَثُرَ لاَ لِنَظَرٍ، وَلاَ لِغَيْرِهِ، وَلاَ ابْتِيَاعِهِ لَهَا أَصْلاً فَصَارَتْ الآيَةُ مُخَالِفَةً لَهُمْ فِيمَا يَتَأَوَّلُونَهُ فِيهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ رَوَاهُ عَنْ اللَّيْثِ وَهُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ فِيهِ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ: وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا ابْنُ عَجْلاَنَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَيْرِ النِّسَاءِ قَالَ: الَّتِي تُطِيعُ إذَا أَمَرَ، وَتَسُرُّ إذَا نَظَرَ، وَتَحْفَظُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَمَالِهَا دُونَ مُعَارِضٍ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ مُتَعَلَّقٌ؛ لأََنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا فِيهِ النَّدْبُ فَقَطْ لاَ الْإِيجَابُ، وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَفِعْلِ الْخَيْرِ لَيْسَ طَاعَةً، بَلْ هُوَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَهَالِكٌ؛ لأََنَّ فِيهِ مُوسَى بْنَ أَعْيَنَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا خَبَرُ طَاوُوس، وَعِكْرِمَةَ فَمُرْسَلاَنِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: فَإِذْ قَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ فَالتَّحْدِيدُ الْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي أَنْ لاَ يَجُوزَ لَهَا عَطِيَّةٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَلِدَ. أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً، فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، لاَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَطَلَتْ الأَقْوَالُ كُلُّهَا إِلاَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَمِنْ الْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءَ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا إذْنَ الزُّبَيْرِ، وَلاَ ثُلُثًا فَمَا دُونَ فَمَا فَوْقَ، بَلْ قَالَ لَهَا: ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ، وَلاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ سَمِعْت عَطَاءً قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَبِلاَلٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ، فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي: الْخَاتَمَ، وَالْخُرْصَ، وَالشَّيْءَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَكَانَ يَقُولُ: تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ فَهَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ بِالصَّدَقَةِ عُمُومًا. نَعَمْ، وَجَاءَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، وَفِيهِنَّ الْعَوَاتِقُ الْمُخَدَّرَاتُ ذَوَاتُ الآبَاءِ وَذَوَاتُ الأَزْوَاجِ " فَمَا خَصَّ مِنْهُنَّ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَفِيهِنَّ الْمُقِلَّةُ، وَالْغَنِيَّةُ فَمَا خَصَّ مِقْدَارًا دُونَ مِقْدَارٍ، وَهَذَا آخِرُ فِعْلِهِ عليه السلام، وَبِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ زَائِدٌ، وَهُوَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، وَهِيَ مَأْجُورَةٌ بِذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهَا بِشَيْءٍ أَصْلاً إِلاَّ بِإِذْنِهَا، قَالَ تَعَالَى: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ. تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلَهَا مِثْلُهُ بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلاَ يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا. قال أبو محمد: أَبُو وَائِلٍ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَأَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ مَسْرُوقٍ عَنْهَا أَيْضًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْجُهَّالِ فِي هَذِهِ الآثَارِ الْقَوِيَّةِ بِرِوَايَةٍ تُشْبِهُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ " وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ؛ لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِضَعْفِ الْعَرْزَمِيِّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلاَ يُعَارِضُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِ مَنْ دُونَهُ إِلاَّ فَاسِقٌ. فَإِنْ قَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ رَوَى هَذَا وَهُوَ تَرَكَهُ. قلنا: قَدْ مَضَى الْجَوَابُ، وَإِنَّمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا الأَنْقِيَادُ لِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ لِلْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَمَّنْ دُونَهُ، نَعَمْ، وَلاَ لِمَا صَحَّ عَمَّنْ دُونَهُ، وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ فِي رَأْيِهِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لَمَّا تَنَاقَضُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَابًا ضَخْمًا فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقَوْلُ بِهَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ امْرَأَتِهِ: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ هَلْ تَتَصَدَّقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ، مَا لَمْ تَقِ مَالَهَا بِمَالِهِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الطَّعَامَ قَالَ: ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا. وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ أَزْوَاجِهِنَّ قَالَ: الرُّطَبُ تَأْكُلِينَهُ وَتُهْدِينَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ: إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ " الرَّطْبُ " بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَفِي الأَوَّلِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ. قال أبو محمد: فَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ، حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، لاَ يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبَّادِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ، وَمَسْرُوقٍ، وَشَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَالأَعْرَجِ، وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، هَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ فِي أَعْلاَمٍ مَشَاهِيرَ بِمِثْلِ هَذَا السُّقُوطِ وَالضَّعْفِ الَّذِي لَوْ انْفَرَدَ عَنْ مُعَارِضٍ لَمْ يَحِلَّ الأَخْذُ بِهِ. وَالآخَرَانِ مُرْسَلاَنِ، عَلَى أَنَّ فِيهِمَا خِلاَفًا لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ، لأََنَّ فِيهِ إبَاحَةَ الرُّطَبِ جُمْلَةً، وَقَدْ تَعْظُمُ قِيمَتُهُ، وَقَدْ رُوِيَتْ مَرَاسِيلُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاحِبَتِي تَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِي، وَتُطْعِمُ مِنْ طَعَامِي قَالَ: أَنْتُمَا شَرِيكَانِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ نَهَيْتَهَا عَنْ ذَلِكَ قَالَ: لَهَا مَا نَوَتْ وَلَكَ مَا بَخِلْتَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ آخُذُ مِنْ مَالِ زَوْجِي فَأَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ: الْخُبْزُ وَالتَّمْرُ، قَالَتْ: فَدَرَاهِمُهُ قَالَ: أَتُحِبِّينَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْكِ قَالَتْ: لاَ، قَالَ: فَلاَ تَأْخُذِي دَرَاهِمَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ أَوْ نَحْوُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غَيْرَ مُفْسِدَةٍ " فَهَذَا يَجْمَعُ الْبَيَانَ كُلَّهُ. وَقَالَ تَعَالَى:
وَالْعَبْدُ فِي جَوَازِ صَدَقَتِهِ، وَهِبَتِهِ، وَبَيْعِهِ، وَشِرَائِهِ كَالْحُرِّ، وَالأَمَةِ كَالْحُرَّةِ مَا لَمْ يَنْتَزِعْ سَيِّدُهُمَا مَالَهُمَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ، وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا. وَقَوْله تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَفُحْشُ اضْطِرَابِهِمْ هَهُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَبَاحُوا التَّسَرِّي بِإِذْنِ مَوْلاَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ نَفَقَةً أَصْلاً، لَكِنْ جَعَلُوهُ بِزَوَاجِهِ جَانِيًا جِنَايَةً تُوجِبُ أَنْ يُقْضَى بِرَقَبَتِهِ لِزَوْجَتِهِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إذَا مَلَكَتْهُ فَهَلْ سُمِعَ بِأَبْرَدَ مِنْ هَذِهِ الْوَسَاوِسِ الْمُضَادَّةِ لأََحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَعْقُولِ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ مِلْكِ الْعَبْدِ بِأَنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَقَالُوا: الْعَبْدُ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُوَرَّثُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ وَقَالُوا: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلاً كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَمَالِيكِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَالثَّانِي هُوَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلَ، وَلاَ إشَارَةَ عَلَى ذِكْرِ مِلْكٍ، وَلاَ مَالٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّمَا فِيهَا نَفْيُ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ فَقَطْ، إمَّا بِضَعْفٍ وَأَمَّا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ إذَا أَسْقَطُوا مِلْكَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ فَأَحْرَى بِهِمْ أَنْ يُسْقِطُوا عَنْهُ بِهَا الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ؛ لأََنَّهُمَا شَيْئَانِ وَفِيهَا أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَوَضَحَ فَسَادُ تَعَلُّقِهِمْ بِهَا جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَبْدَ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُوَرَّثُ، فَنَعَمْ؛ لأََنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ وَالْعَمَّةُ لاَ تَرِثُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهَا لاَ تَمْلِكُ وَيَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمِيرَاثِ مَنْ شَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ، فَنَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا إنْ كَانُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِلْعَةٌ جَعَلُوهُ لاَ يَمْلِكُ لِيُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلاَةَ، وَالطَّهَارَةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحُدُودَ؛ لأََنَّ السِّلَعَ لاَ يَلْزَمُهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قال أبو محمد: يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا؛ لأََنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي أَنَّ عَبِيدَنَا لاَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا، وَلاَ هُمْ شُرَكَاءُ لَنَا فِيهَا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ: هَلْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ وَكَسْبَهُمْ أَمْ لاَ. قال أبو محمد: وَأَمَّا انْتِزَاعُ السَّيِّدِ مَالَ عَبْدِهِ فَمُبَاحٌ، قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ فِي الْغُلاَمِ الَّذِي حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَرَاجِهِ فَأُخْبِرَ، فَأَمَرَ عليه السلام بِأَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ. فَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَ كَسْبِ عَبْدِهِ، فَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ: قَدْ انْتَزَعْت كَسْبَك فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ الْعَبْدِ عَنْهُ وَصَارَ لِلسَّيِّدِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، أَوْ بَلَغَ وَهُوَ لاَ يُمَيِّزُ، وَلاَ يَعْقِلُ أَوْ ذَهَبَ تَمْيِيزُهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مُمَيِّزًا: فَهَؤُلاَءِ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ، وَلاَ يَنْفُذُ لَهُمْ أَمْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ، فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يَبْرَأَ. فَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفِيقُ تَارَةً وَيَعْقِلُ، وَيُجَنُّ أُخْرَى: جَازَ فِعْلُهُ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُفِيقُ فِيهَا، وَبَطَلَ فِعْلُهُ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُجَنُّ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلأََنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي سَاعَاتِ عَقْلِهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي سَاعَاتِ جُنُونِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ مَالُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، فَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ وَصِيٌّ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ قَاضٍ كُلُّ مَنْ نَظَرَ لَهُ نَظَرًا حَسَنًا فِي بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ عَمَلٍ مَا: فَهُوَ نَافِذٌ لاَزِمٌ لاَ يُرَدُّ، وَإِنْ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْوَصِيُّ مَا لَيْسَ نَظَرًا لَمْ يَجُزْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَهُوَ وَلِيٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لَهُ بِالأَحْوَطِ وَبِالْقِيَامِ لَهُ بِالْقِسْطِ، وَبِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ فَكُلُّ بِرٍّ وَتَقْوَى أَنْفَذَهُ الْمُسْلِمُ لِلصَّغِيرِ، وَاَلَّذِي لاَ يَعْقِلُ فَهُوَ نَافِذٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ بِإِفْرَادِ الْوَصِيِّ بِذَلِكَ وَرَدَ مَا سِوَاهُ. فإن قيل: فَأَجِيزُوا هَذَا فِي الصَّغِيرِ الَّذِي لَهُ أَبٌ. قلنا: نَعَمْ، هَكَذَا نَقُولُ، وَلَوْ أَنَّ أَبَاهُ يُسِيءُ لَهُ النَّظَرَ لَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: فَأَجِيزُوا هَذَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِهَذَا اللَّيْلِ نَفْسِهِ قلنا: مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ الَّذِي يُضَيِّعُ مَالَهُ، فَكُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى حُسْنِ النَّظَرِ فِيهِ نَفَذَ ذَلِكَ، إِلاَّ فِيمَا يُمْنَعُ مِنْهُ إذَا قُدِّمَ وَكَانَ لاَ ضَرَرَ فِي تَرْكِ إنْفَاذِهِ فَهَذَا لَيْسَ لأََحَدٍ إنْفَاذُهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، وَلاَ نَفَقَةُ يَوْمٍ فَضْلاً عَنْ ذَلِكَ إِلاَّ مَا يَأْكُلُ فِي وَقْتِهِ، وَمَا يَلْبَسُ لِطَرْدِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مِنْ لِبَاسِ مِثْلِهِ، وَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ.
وَمَنْ بَاعَ مَا وَجَبَ بَيْعُهُ لِصَغِيرٍ، أَوْ لِمَحْجُورٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، أَوْ لِمُفْلِسٍ، أَوْ لِغَائِبٍ بِحَقٍّ، أَوْ ابْتَاعَ لَهُمْ مَا وَجَبَ ابْتِيَاعُهُ، أَوْ بَاعَ فِي وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ ابْتَاعَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْمَحْجُورِ، أَوْ لِلصَّغِيرِ، أَوْ لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ أَوْ لِلْغَائِبِ، أَوْ بَاعَ لَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ، إنْ لَمْ يُحَابِ نَفْسَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَا غَيْرَهُ -: جَازَ، وَإِنْ حَابَى نَفْسَهُ، أَوْ غَيْرَهُ: بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ، فَإِذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ، فَ مُسْتَدْرَكَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَنْ إلَى نَظَرِهِ مُطَارَفَةً، لَكِنْ إنْ احْتَاجَ اسْتَأْجَرَهُ لَهُ الْحَاكِمُ بِأُجْرَةٍ مِثْلِ عَمَلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:
|