الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
لاَ يَمِينَ إِلاَّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إمَّا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، أَوْ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، مِثْلَ: مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَوَارِثِ الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا، الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ أَوْ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ قُدْرَتِهِ، أَوْ عِزَّتِهِ، أَوْ قُوَّتِهِ، أَوْ جَلاَلِهِ، وَكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِنْ مِثْلِ هَذَا ; فَهَذَا هُوَ الَّذِي إنْ حَلَفَ بِهِ الْمَرْءُ كَانَ حَالِفًا، فَإِنْ حَنِثَ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا فَلَيْسَ حَالِفًا، وَلاَ هِيَ يَمِينًا، وَلاَ كَفَّارَةٌ فِي ذَلِكَ إنْ حَنِثَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ وَالأَسْتِغْفَارُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " كِتَابِ النُّذُورِ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ. وَقَوْله تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَقَالَ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثَ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَفِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام لَمَّا رَأَى الْجَنَّةَ وَأَنَّهَا حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ قَالَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. وَقَالَ تَعَالَى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الأَسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنْ الْقُرْآنِ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}. فَهَذِهِ جَاءَ النَّصُّ بِهَا. وَأَمَّا الْيَمِينُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَكَرَمِهِ، وَحِلْمِهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَسَائِرِ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينًا ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ، فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا. وَمَنْ حَلَفَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ لاَ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا، أَوْ أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا فَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا مِثْلَ: غَدًا، أَوْ يَوْمَ كَذَا، أَوْ الْيَوْمَ أَوْ فِي وَقْتٍ يُسَمِّيهِ، فَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِيهِ عَامِدًا ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ، أَوْ فَعَلَ مَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ فِيهِ عَامِدًا ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا فِي قَوْلِهِ: لاََفْعَلَن كَذَا، فَهُوَ عَلَى الْبِرِّ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَّتَ وَقْتًا، وَلاَ فَرْقَ، وَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَكَانٌ فِيهِ خِلاَفٌ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ حَانِثٌ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وقال الشافعي: هُوَ عَلَى الْبِرِّ إلَى آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِهِ الَّتِي يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قال أبو محمد: فَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ: أَحَانِثٌ هُوَ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَمْ بَارٌّ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قَسَمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ قَالُوا: هُوَ بَارٌّ قلنا: صَدَقْتُمْ، وَهُوَ قَوْلُنَا لاَ قَوْلُكُمْ وَإِنْ قَالُوا: هُوَ حَانِثٌ قلنا: فَأَوْجِبُوا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَطَلاَقَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِكُمْ إنْ كَانَ حَانِثًا وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ. فَظَهَرَ يَقِينُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ بِلاَ مِرْيَةٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ: هُوَ عَلَى حِنْثٍ، وَلَيْسَ حَانِثًا، وَلاَ حِنْثَ بَعْدُ: كَلاَمٌ مُتَنَاقِضٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ ; لأََنَّهُ أَوْجَبَ الْحِنْثَ بَعْدَ الْبِرِّ بِلاَ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ، وَلاَ يَقَعُ الْحِنْثُ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلاَحَ أَنَّ قَوْلَهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالأَمَانَةِ، وَبِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ، وَأَشَدَّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقِّ الْمُصْحَفِ، وَحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحَقِّ الْكَعْبَةِ، وَأَنَا كَافِرٌ، وَلَعَمْرِي، وَلَعَمْرُك، وَلأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَأُقْسِمُ، وَأَقْسَمْت، وَأَحْلِفُ، وَحَلَفْت، وَأَشْهَدُ، وَعَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ يَمِينٍ، أَوْ جَمِيعُ الأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي: فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ يَمِينًا وَالْيَمِينُ بِهَا مَعْصِيَةٌ، لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ التَّوْبَةُ وَالأَسْتِغْفَارُ ; لأََنَّهُ كُلَّهُ غَيْرُ اللَّهِ، وَلاَ يَجُوزُ الْحَلِفُ إِلاَّ بِاَللَّهِ. قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرَى هَذِهِ الأَلْفَاظَ يَمِينًا، وَيَرَى الْحَلِفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَبِالطَّلاَقِ، وَبِالْعِتْقِ، وَبِصَدَقَةِ الْمَالِ: أَيْمَانًا ثُمَّ لاَ يُحَلَّفُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الدِّمَاءِ، وَالْفُرُوجِ، وَالأَمْوَالِ، وَالأَبْشَارِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ أَوْكَدُ عِنْدَهُمْ ; لأََنَّهَا لاَ كَفَّارَةَ لَهَا، وَيُحَلِّفُونَهُمْ بِاَللَّهِ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ، أَلَيْسَ هَذَا عَجَبًا وَلَئِنْ كَانَتْ أَيْمَانًا عِنْدَهُمْ: بَلْ مِنْ أَغْلَظِ الأَيْمَانِ وَأَشَدِّهَا: فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحَلِّفُوا النَّاسَ بِالأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ، وَلَئِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ أَيْمَانًا فَلِمَ يَقُولُونَ: إنَّهَا أَيْمَانٌ حَسْبُنَا اللَّهُ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ. وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ مِنْ السَّلَفِ يَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ أَيْمَانًا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لاََنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، أَوْ ابْنُ عُمَرَ: لاََنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: إنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ وَقَدْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك فَكَّرْت فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُك، احْلِفْ بِاَللَّهِ فَأْثَمْ أَوْ ابْرَرْ.
وَمَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِكَلاَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ نَوَى فِي نَفْسِهِ الْمُصْحَفَ، أَوْ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ، أَوْ الْمَحْفُوظَ فِي الصُّدُورِ فَلَيْسَ يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بَلْ نَوَاهُ عَلَى الْإِطْلاَقِ، فَهِيَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ ; لأََنَّ كَلاَمَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ عِلْمُهُ. قَالَ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ:، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ قَالاَ جَمِيعًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا يَمِينُ صَبْرٍ فَمَنْ شَاءَ بَرَّ وَمَنْ شَاءَ فَجَرَ. وَلَفْظُ الْحَسَنِ إنْ شَاءَ بَرَّ وَإِنْ شَاءَ فَجَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: أَتَيْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّوقَ فَسَمِعَ رَجُلاً يَحْلِفُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَمَا إنَّ عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ أَجْمَعَ، وَمَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَرُوِّينَا عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ: مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ خَطِيئَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: قُلْت: وَالْبَيْتُ، وَكِتَابُ اللَّهِ فَقَالَ عَطَاءٌ: لَيْسَا لَك بِرَبٍّ، لَيْسَا يَمِينًا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ; لأََنَّهُ لاَ يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَلَغْوُ الْيَمِينِ لاَ كَفَّارَةَ فِيهِ، وَلاَ إثْمَ، وَهُوَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمَرْءُ وَهُوَ لاَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَالثَّانِي: مَا جَرَى بِهِ لِسَانُ الْمَرْءِ فِي خِلاَلِ كَلاَمِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَيَقُولُ فِي أَثْنَاءِ كَلاَمِهِ: لاَ وَاَللَّهِ، وَأَيْ وَاَللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَطَاءً أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ سَأَلَهَا عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي اللَّغْوِ: هُوَ قَوْلُ الْقَوْمِ يَتَدَارَءُونَ فِي الأَمْرِ يَقُولُ هَذَا: لاَ وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَكَلاَ وَاَللَّهِ، وَلاَ تَعْقِدُ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وطَاوُوس، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ: لَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ هَذَا وَاَللَّهِ فُلاَنٌ، وَلَيْسَ بِفُلاَنٍ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ الْمَرْءِ: لاَ وَاَللَّهِ، وَأَيْ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ ; لأََنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها. وَأَمَّا مَنْ أَقْسَمَ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَرَى، وَلاَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ الْحِنْثَ، وَلاَ قَصَدَ لَهُ، وَلاَ حِنْثَ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَصَدَ إلَيْهِ إِلاَّ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ هَهُنَا، وَأَوْجَبُوهَا عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ أَيْضًا أَنَّهُمْ رَأَوْا اللَّغْوَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى، كَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَالطَّلاَقِ، وَالْعِتْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِقَوْلِنَا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ هُوَ الصَّائِغُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ قَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ كَلاَمُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلاَ وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1132 - مسألة: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ غُلِبَ بِأَمْرٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِهِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلاً ذَكَرَهُ لَهُ، أَوْ أَنْ لاَ يَفْعَلَ فِعْلاً كَذَا فَفَعَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، أَوْ شَكَّ الْحَالِفُ أَفْعَلَ مَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ أَمْ لاَ أَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْحَالِفِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَلاَ إثْمَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشَّيْءِ ثُمَّ يَنْسَى قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ بِمِثْلِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا أَقْسَمَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْنَثَ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ أَقْسَمَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْنَثَهُ أَحَبُّ إلَيَّ لِلْمُقْسِمِ أَنْ يُكَفِّرَ، فَلَمْ يُوجِبْهُ إِلاَّ اسْتِحْبَابًا.
وَمِنْ هَذَا مَنْ حَلَفَ عَلَى مَا لاَ يَدْرِي أَهْوَ كَذَلِكَ أَمْ لاَ، وَعَلَى مَا قَدْ يَكُونُ، وَلاَ يَكُونُ كَمَنْ حَلَفَ لَيَنْزِلَنَّ الْمَطَرُ غَدًا، فَنَزَلَ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ، فَلاَ كَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ; لأََنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ، وَلاَ كَفَّارَةَ إِلاَّ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ وَقَصَدَهُ لقوله تعالى: وقال مالك: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَانَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا خَطَأٌ ; لأََنَّهُ لاَ نَصَّ بِمَا قَالَ، وَالأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَالشَّرَائِعُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ بِنَصٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1134 - مسألة: وَمَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فِيمَا يَحْلِفُ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ أَفِيه كَفَّارَةٌ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى كَذِبٍ يَتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبَ، قَالَ عَطَاءٌ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلاَ يَزِيدُ بِالْكَفَّارَةِ إِلاَّ خَيْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ قَالَ: بِمَا تَعَمَّدْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ فِي قوله تعالى: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَتَعَمَّدُهُ كَاذِبًا يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت، وَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت، وَقَدْ فَعَلَ، قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْ طَرِيقِ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: كُنَّا نَعُدُّ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي لاَ كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ كَاذِبًا عَلَى مَالِ أَخِيهِ لِيَقْتَطِعَهُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ هَذَا الْيَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ أَوْ أَنَّهَا كِذْبَةٌ، لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا. قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ بِالأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ، وَلاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَذَكَرَ عليه السلام فِيهِمْ الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ. وَمِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ كَانَ سِوَاكًا أَخْضَرَ هَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا: خَبَرًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ. وَبِخَبَرٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلِ: فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: لاَ وَاَلَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا فَعَلْتُ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: بَلَى قَدْ فَعَلَ، لَكِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ بِالْإِخْلاَصِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْطَأَ فِيهِ يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ فَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ قَالُوا: فَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِكَفَّارَةٍ قَالُوا: إنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِيمَا حَلَفَ فِيهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ. وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِذَكَرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}. قَالُوا: وَحِفْظُهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُوَاقَعَتِهَا. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعِمْرَانَ، وَجَابِرٍ، وَالأَشْعَثِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فإن قيل: فَمَا مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ. قلنا: نَعَمْ، مَعْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بَيِّنٌ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ دُونَ تَبْدِيلٍ، وَلاَ إحَالَةٍ، وَلاَ زِيَادَةٍ، وَلاَ نَقْصٍ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَرْءُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى أَهْلِهِ، أَوْ أَنْ لاَ يَضُرَّ بِهِمْ، ثُمَّ لَجَّ فِي أَنْ يَحْنَثَ، فَيَضُرَّ بِهِمْ، وَلاَ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ فَهَذَا بِلاَ شَكٍّ مُسْتَلِجٌ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ أَنْ لاَ يَفِيَ بِهَا، وَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا بِلاَ شَكٍّ وَالْكَفَّارَةُ لاَ تُغْنِي عَنْهُ، وَلاَ تَحُطُّ إثْمَ إسَاءَتِهِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لاَ يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ هَذَا الْخَبَرُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ، فَطَرِيقُ سُفْيَانَ لاَ تَصِحُّ، فَإِنْ صَحَّتْ طَرِيقُ حَمَّادٍ فَلَيْسَ فِيهِ لأَِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُ بِالْإِخْلاَصِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كُلُّ شَرِيعَةٍ تُوجَدُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَلاَ شَكٍّ فِي أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَهَا ذِكْرٌ، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ عليه السلام عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ حُجَّةً فِي سُقُوطِهَا فَسُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ فِي سُقُوطِهَا، وَلاَ بُدَّ، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ. قلنا: وَقَدْ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَنَقُولُ لَهُمْ: إنْ كَانَ سُكُوتُهُ عليه السلام عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا حُجَّةً فِي إسْقَاطِهَا فَسُكُوتُهُ عليه السلام عَنْ ذِكْرِ سُقُوطِهَا حَجَّةٌ فِي إيجَابِهَا، وَلاَ فَرْقَ وَهِيَ دَعْوَى كَدَعْوَى ; فَالْوَاجِبُ طَلَبُ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي نَصٍّ غَيْرِ هَذِهِ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} فَحَقٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحِفْظَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ مُوَاقَعَةِ الْيَمِينِ فَكَذِبٌ، وَافْتِرَاءٌ، وَبُهْت، وَضَلاَلٌ مَحْضٌ، بَلْ حِفْظُ الأَيْمَانِ وَاجِبٌ قَبْلَ الْحَلِفِ بِهَا، وَفِي الْحَلِفِ بِهَا، وَبَعْدَ الْحَلِفِ بِهَا، فَلاَ يَحْلِفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا قَالُوا، وَأَنَّ قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} إنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنْ لاَ كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا وَهَلْ هَذَا مِنْهُمْ إِلاَّ الْمُبَاهَتَةَ وَالتَّمْوِيهَ، وَتَحْرِيفَ كَلاَمِ اللَّهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَشُكُّ كُلُّ ذِي مَسْكَةِ تَمْيِيزٍ فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا فَمَا حَفِظَ يَمِينَهُ فَظَهَرَ فَسَادُ كُلِّ مَا يُمَخْرِقُونَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَبَاطِلٌ، وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لاَ يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ. فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهِيَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا شَرًّا مِنْهَا فَفَعَلَ الَّذِي هُوَ شَرٌّ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قال أبو محمد: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: هِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذَا وَأَيْنَ وَجَدُوهُ وَهَلْ هُوَ إِلاَّ حُكْمٌ مِنْهُمْ لاَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: دَعْوَى أَحْسَنُ مِنْ دَعْوَاهُمْ، بَلْ كُلَّمَا عَظُمَ الذَّنْبُ كَانَ صَاحِبُهُ أَحْوَجَ إلَى الْكَفَّارَةِ، وَكَانَتْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا فِيمَا لَيْسَ ذَنْبًا أَصْلاً، وَفِيمَا هُوَ صَغِيرٌ مِنْ الذُّنُوبِ، وَهَذَا الْمُتَعَمِّدُ لِلْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ نَحْنُ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ حَالِفٍ عَلَى يَمِينٍ غَمُوسٍ، أَوْ مِثْلِهِ وَهُمْ يَرَوْنَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ إفْسَادَ حَجِّهِ بِالْهَدْيِ بِآرَائِهِمْ، وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ حَالِفِ يَمِينٍ غَمُوسٍ أَوْ مِثْلِهِ. وأعجب مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، وَأَنْ يُصَلِّيَ الْيَوْمَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ، وَأَنْ لاَ يَزْنِيَ بِحَرِيمَةٍ وَأَنْ لاَ يَعْمَلَ بِالرِّبَا، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَزَنَى، وَأَرْبَى فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي أَيْمَانِهِ تِلْكَ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّمَا أَعْظَمُ إثْمًا: مَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ أَنَّهُ مَا رَأَى زَيْدًا الْيَوْمَ، وَهُوَ قَدْ رَآهُ فَأَسْقَطُوا فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِعَظْمِهِ. أَوْ مَنْ حَنِثَ بِأَنْ لاَ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَبِأَنْ قَتَلَ النَّفْسَ، وَبِأَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ أَوْ بِأُمِّهِ، وَبِأَنْ عَمِلَ بِالرِّبَا ثُمَّ لاَ يَرَوْنَ عِظَمَ حِنْثِهِ فِي إتْيَانِهِ هَذِهِ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ وَاَللَّهِ قَطْعًا عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالدِّينِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ أَلْفِ يَمِينٍ تَعَمَّدَ فِيهَا الْكَذِبَ، لاَ تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ ; لأََنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَ فَهَلْ تَجْرِي أَقْوَالُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى اتِّبَاعِ نَصٍّ أَوْ عَلَى الْتِزَامِ قِيَاسٍ وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فَهِيَ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لاَ تَصِحُّ ; لأََنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلاَ أَمْثَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إنَّمَا أَدْرَكَ أَصَاغِرَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِثْلِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ. وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ; فَابْنُ مَسْعُودٍ حُجَّةٌ إذَا اُشْتُهُوا، وَغَيْرُ حُجَّةٍ إذَا لَمْ يَشْتَهُوا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً. قال أبو محمد: فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَلْنَأْتِ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا: فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ قَالُوا: إنَّ هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا حَذْفٌ بِلاَ شَكٍّ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَفَ سَاعَةَ حَلَفَ بَرَّ أَوْ حَنِثَ قلنا: نَعَمْ لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ الْحَذْفَ لاَ يَصْدُقُ أَحَدٌ فِي تَعْيِينِهِ لَهُ إِلاَّ بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لاَ مَا سِوَاهُ، وَأَمَّا بِالدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ فَلاَ: فَوَجَدْنَا الْحَذْفَ الْمَذْكُورَ فِي الآيَةِ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّهُ فَحَنِثْتُمْ، وَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَالْمُتَعَمِّدُ لِلْيَمِينِ عَلَى الْكَذِبِ عَالِمًا بِأَنَّهُ كَذِبٌ حَانِثٌ بِيَقِينِ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ، وَحُكْمِ اللُّغَةِ. فَصَحَّ إذْ هُوَ حَانِثٌ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَقَدْ قَاسُوا حَالِقَ رَأْسِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مُحْرِمًا غَيْرَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى. فَهَلاَّ قَاسُوا الْحَالِفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ حَانِثًا عَاصِيًا عَلَى الْحَالِفِ أَنْ لاَ يَعْصِيَ، فَحَنِثَ عَاصِيًا، أَوْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَبَرَّ فَبَرَّ: غَيْرَ عَاصٍ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|