الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فِي الْعَبْدِ يُوجَدُ مَقْتُولاً فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ : فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : الْقَسَامَةُ فِي الْعَبْدِ يُوجَدُ قَتِيلاً كَمَا هِيَ فِي الْحُرِّ , وَعَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ , لاَ يُبْلِغُ بِهَا دِيَةُ حُرٍّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : لاَ قَسَامَةَ فِيهِ , وَلاَ غَرَامَةَ وَهُوَ هَدَرٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَأَصْحَابِهِ , وَابْنِ شُبْرُمَةَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : لاَ قَسَامَةَ فِيهِ , وَلَكِنْ يَغْرَمُونَ ثَمَنَهُ. وَقَالَ : زُفَرُ , وَالشَّافِعِيُّ : فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ , إِلاَّ أَنَّ زُفَرَ قَالَ : يُقْسِمُونَ وَيَغْرَمُونَ قِيمَتَهُ وقال الشافعي : يَحْلِفُ الْعَبْدُ وَيَغْرَمُ الْقَوْمُ قِيمَتَهُ. قال أبو محمد : وَقَوْلُنَا فِيهِ إنَّ الْقَسَامَةَ فِيهِ كَالْحُرِّ سَوَاءً سَوَاءً فِي كُلِّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا. فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ : لاَ قَسَامَةَ فِي الْعَبْدِ يَقُولُونَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي حُرٍّ لاَ فِي عَبْدٍ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَحْكُمَ بِهَا إِلاَّ حَيْثُ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وقال بعضهم : الْعَبْدُ مَالٌ كَالْبَهِيمَةِ ، وَلاَ قَسَامَةَ فِي الْبَهِيمَةِ , وَلاَ فِي سَائِرِ الأَمْوَالِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا فَلَمَّا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ وَجَدْنَا هَاتَيْنِ الْحُجَّتَيْنِ لاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهِمَا : أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْكُمْ بِالْقَسَامَةِ إِلاَّ فِي حُرٍّ فَقَدْ قلنا : فِي هَذَا مَا كَفَى , وَلَمْ يَقُلْ عليه السلام إنِّي إنَّمَا حَكَمْتُ بِهَذَا ; لأََنَّهُ كَانَ حُرًّا فَنَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ , وَنُخْبِرُ عَنْ مُرَادِهِ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ عليه السلام عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا تَكَهُّنٌ وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَصْلاً , وَالْعَبْدُ قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ مَزِيدَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فَلاَ قَسَامَةَ فِيهِ كَمَا لاَ قَسَامَةَ فِي الْبَهِيمَةِ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , فَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مَالاً فَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ حُكْمَ الأَمْوَالِ وَالْبَهَائِمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَالٌ , فَإِنَّ الْحُرَّ أَيْضًا حَيَوَانٌ كَمَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ حَيَوَانٌ , فَيَنْبَغِي أَنْ نُبْطِلَ الْقَسَامَةَ فِي الْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى بُطْلاَنِهَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَأَيْضًا فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْإِثْمَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ , كَالْإِثْمِ فِي قَتْلِ الْحُرِّ ; لأََنَّهُمَا جَمِيعًا نَفْسٌ مُحَرَّمَةٌ , وَدَاخِلاَنِ تَحْتَ قوله تعالى وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ : الْمُوجِبِينَ لِلْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ خَطَأً , كَمَا يُوجِبُونَهَا فِي قَتْلِ الْحُرِّ خَطَأً بِخِلاَفِ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ خَطَأً فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , وَصَحَّ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْعَبْدِ كَمَا هِيَ فِي الْحُرِّ مِنْ طَرِيقِ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ طَرِيقِ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ أَلْزَمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مَنْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ دُونَ قَسَامَةٍ , فَقَوْلٌ لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ نَظَرٌ وَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَإِغْرَامُ قَوْمٍ لَمْ يَثْبُتْ قِبَلَهُمْ حَقٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : وَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا قلنا فِي الْعَبْدِ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام : إنَّمَا حَكَمْت بِهَا , لأََنَّهُ مُسْلِمٌ ادَّعَى عَلَى يَهُودِيِّ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّلَ عليه الصلاة والسلام مَا لَمْ يَقُلْهُ , لَكِنَّهُ عليه السلام حَكَمَ بِهَا فِي قَتِيلٍ وُجِدَ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام حَالاً مِنْ حَالٍ , وَالذِّمِّيُّ قَتِيلٌ , فَالْقَسَامَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ إذَا ادَّعَاهَا أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ ذِمِّيِّينَ ; لأََنَّهُ إنْ ادَّعَوْهَا عَلَى مُسْلِمٍ فَحَتَّى لَوْ صَحَّ مَا ادَّعَوْهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلاَ قَوَدَ فِيهِ ، وَلاَ دِيَةَ , وَلَكِنْ إنْ أَرَادُوا أَنْ يُقْسِمُوا وَيُودِيَهُ الْإِمَامُ , فَذَلِكَ لَهُمْ ; لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ حَكَمَ بِهَا فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى عَلَى يَهُودَ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِهَا وَاجِبٌ فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى عَلَى مُسْلِمِينَ , وَهَذِهِ غَيْرُ الْحَالِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى أُصُولِهِمْ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِهَا فِي مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمِينَ , وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِهَا فِي ذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيِّينَ أَوْ عَلَى مُسْلِمِينَ ; لِعُمُومِ حُكْمِهِ عليه السلام وَإِنَّهُ لَمْ يَخُصَّ عليه السلام صِفَةً مِنْ صِفَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِيهَا الرِّجَالُ الأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلاَءُ مِنْ عَشِيرَةِ الْمَقْتُولِ الْوَارِثِينَ لَهُ , وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فِي وُجُوهٍ , مِنْهَا : هَلْ يَحْلِفُ مَنْ لاَ يَرِثُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَمْ لاَ وَهَلْ يَحْلِفُ الْعَبْدُ فِي جُمْلَتِهِمْ أَمْ لاَ وَهَلْ تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ أَمْ لاَ وَهَلْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ أَمْ لاَ وَهَلْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى الأَسْفَلُ فِيهِمْ أَمْ لاَ وَهَلْ يَحْلِفُ الْحَلِيفُ أَمْ لاَ فَوَجَبَ لَمَّا تَنَازَعُوا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ , إذْ يَقُولُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْلِيفِ إِلاَّ الْبَطْنُ الَّذِي يُعْرَفُ الْمَقْتُولُ بِالأَنْتِسَابِ إلَيْهِ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَاطِبْ بِذَلِكَ إِلاَّ بَنِي حَارِثَةَ الَّذِي كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالنَّسَبِ فِيهِمْ , وَلَمْ يُخَاطِبْ بِذَلِكَ سَائِرَ بُطُونِ الأَنْصَارِ كَبَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ وَبَنِي ظَفَرٍ , وَبَنِي زَعْوَرٍ , وَهُمْ إخْوَةُ بَنِي حَارِثَةَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُدْخِلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال أبو محمد رحمه الله : فَإِنْ كَانَ فِي الْعَصَبَةِ عَبْدٌ صَرِيحُ النَّسَبِ فِيهِمْ , إِلاَّ أَنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ أَمَةً لِقَوْمٍ فَلَحِقَهُ الرِّقُّ لِذَلِكَ , فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُمْ إنْ شَاءَ ; لأََنَّهُ مِنْهُمْ , وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام إذْ قَالَ : خَمْسُونَ مِنْكُمْ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ إذَا كَانَ مِنْهُمْ كَمَا كَانَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه مِنْ طِينَتِهِ : عَنَسَ , وَلَحِقَهُ الرِّقُّ لِبَنِي مَخْزُومٍ وَكَمَا كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَزْدِيًّا صَرِيحًا فَلَحِقَهُ الرِّقُّ ; لأََنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ فُهَيْرَةَ أَمَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَكَمَا كَانَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو بَهْرَانِيًّا قُحًّا , وَلَحِقَهُ الرِّقُّ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَحَلَفَ امْرَأَةً فِي الْقَسَامَةِ وَهِيَ طَالِبَةٌ فَحَلَفَتْ , وَقَضَى لَهَا بِالدِّيَةِ عَلَى مَوْلًى لَهَا. وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ : لاَ تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ أَصْلاً وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ مَنْ تَلْزَمُهُ لَهُ النُّصْرَةُ , وَهَذَا بَاطِلٌ مُؤَيَّدٌ بِبَاطِلٍ ; لأََنَّ النُّصْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ. وَرَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ ني مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ , وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا : بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ , وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ , وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ , وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ , وَإِجَابَةِ الدَّاعِي , وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ. فَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى نَصْرَ إخْوَانِنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فأما الصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ , فَغَيْرُ مُخَاطَبِينَ أَصْلاً بِشَيْءٍ مِنْ الدِّينِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ. فَذَكَرَ : الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ مَعَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ أَنْ لاَ يَحْلِفَا فِي الْقَسَامَةِ مُتَيَقَّنٌ لاَ شَكَّ فِيهِ. وَأَمَّا الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ , وَالْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ , وَالْحَلِيفُ , فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا : قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأَثْبَتَ الْحَلِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا : وَنَحْنُ نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِبَنِي حَارِثَةَ مَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ , وَحُلَفَاءُ , لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ , وَلاَ مِرْيَةَ , فَوَجَبَ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَهُمْ. قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ فَصَحِيحٌ وَكَذَلِكَ كَوْنُ بَنِي حَارِثَةَ لَهُمْ الْحُلَفَاءُ وَالْمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ بِلاَ شَكٍّ إِلاَّ أَنَّنَا لَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ إذْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَيَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ حَضَرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حَلِيفٌ لَهُمْ , أَوْ مَوْلًى لَهُمْ وَلَوْ أَيْقَنَّا أَنَّهُ حَضَرَ هَذَا الْخِطَابَ مَوْلًى لَهُمْ , أَوْ حَلِيفٌ لَهُمْ , لَقُلْنَا بِأَنَّ الْحَلِيفَ وَالْمَوْلَى يَحْلِفُونَ مَعَهُمْ , وَإِذْ لاَ يَقِينَ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَضَرَ هَذَا الْخِطَابَ حَلِيفٌ وَمَوْلًى فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ فِي حُكْمٍ مُنْفَرِدٍ بِرَسْمِهِ , إِلاَّ مَنْ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ لُزُومِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَهُ. فإن قيل : قَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ يُغْنِي عَنْ حُضُورِ الْمَوَالِي هُنَالِكَ , وَالْحَلِيفُ أَيْضًا يُسَمَّى فِي لُغَةِ الْعَرَبِ " مَوْلًى " كَمَا قَالَ عليه السلام لِلأَنْصَارِ أَوَّلَ مَا لَقِيَهُمْ أَمِنَ مَوَالِي يَهُودَ يُرِيدُ مِنْ حُلَفَائِهِمْ قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : قَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام مَا ذَكَرْتُمْ. وَقَالَ أَيْضًا ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ , وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الْعَاقِلَةِ " ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَحْلِفُ مَعَ أَخْوَالِهِ فَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ : حَقٌّ ; لأََنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ امْرَأَةٍ هِيَ مِنْهُمْ بِحَقِّ الْوِلاَدَةِ , وَالْحَلِيفُ وَالْمَوْلَى أَيْضًا مِنْهُمْ ; لأََنَّهُمَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ عليه السلام مَا يُوجِبُ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَوْلَى وَالْحَلِيفِ بِكُلِّ حُكْمٍ وَجَبَ لِلْقَوْمِ. وَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الْخِلاَفَةَ لاَ يَسْتَحِقُّهَا مَوْلَى قُرَيْشٍ , وَلاَ حَلِيفُهُمْ , وَلاَ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ , وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ. وَالْقَسَامَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِيهَا , وَلاَ فَرْقَ. اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَحْلِفُ إِلاَّ خَمْسُونَ , فَإِنْ نَقَصَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ : بَطَلَ حُكْمُ الْقَسَامَةِ , وَعَادَ الأَمْرُ إلَى التَّدَاعِي. وَقَالَ آخَرُونَ : إنْ نَقَصَ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا : رُدِّدَتْ الأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا اثْنَيْنِ , فَإِنْ كَانَ الأَوْلِيَاءُ اثْنَيْنِ فَقَطْ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْعَمْدِ وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَيَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ خَمْسِينَ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُلَمَاءِ أَهْل الْمَدِينَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : يَحْلِفُ خَمْسُونَ , فَإِنْ نَقَصَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا : رُدَّتْ الأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ , حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى وَاحِدٍ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ إِلاَّ وَلِيٌّ وَاحِدٌ : بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ , وَعَادَ الْحُكْمُ إلَى التَّدَاعِي وَهَذَا قَوْلُ مَالك. وَقَالَ آخَرُونَ : تُرَدَّدُ الأَيْمَانُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَهَكَذَا قَالُوا فِي أَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ : أَنَّهَا تُرَدَّدُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ وَاحِدٌ وَيُجْبَرُ الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ : فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِتَرْدِيدِ الأَيْمَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَنَّ فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الأَيْمَانِ أَنْ يَحْلِفَ الأَوْلِيَاءُ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدَدُ عَصَبَتِهِ تَبْلُغُ خَمْسِينَ رُدِّدَتْ الأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ بَالِغًا مَا بَلَغُوا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا , ثُمَّ يَحِقُّ دَمُ الْمَقْتُولِ إذَا حُلِفَ عَلَيْهِ , ثُمَّ يُقْتَلُ قَاتِلُهُ , أَوْ تُؤْخَذُ دِيَتُهُ , وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ أَوْلِيَاؤُهُ مَنْ كَانُوا قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا فَمَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ الْيَمِينَ ثَبَتَتْ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ : حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا : مَا قَتَلْنَاهُ , ثُمَّ بَطَلَ دَمُهُ وَإِنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ : عَقَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، وَلاَ يُطَلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إذَا اُدُّعِيَ إِلاَّ بِخَمْسِينَ يَمِينًا. قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا لاَ شَيْءَ ; لأََنَّهُمَا مُرْسَلاَنِ , وَالْمُرْسَلُ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ : أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَفِيهِ : أَنْ يَحْلِفَ الأَوْلِيَاءُ , وَهَذَا لاَ يَقُولُ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ ; فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ. قِيلَ لِلْمَالِكِيِّينَ : هُوَ أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ : أَنْ لاَ يَحْلِفَ إِلاَّ اثْنَانِ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ هُوَ بِأَوْلَى مِنْ الْمُرْسَلِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ , وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جَمِيعِهِمْ ; لأََنَّ فِيهِ : إنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ عَقَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ، وَلاَ يَقُولُ بِهِ مَالِكِيٌّ , وَلاَ شَافِعِيٌّ , وَفِيهِ الْقَوَدُ بِالْقَسَامَةِ ، وَلاَ يَقُولُ بِهِ حَنَفِيٌّ , وَلاَ شَافِعِيٌّ , وَفِيهِ تَرْدِيدُ الأَيْمَانِ جُمْلَةً دُونَ تَخْصِيصٍ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ. قال أبو محمد رحمه الله : وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِتَرْدِيدِ الأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّرْدِيدِ , فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ رَدَّدَ الأَيْمَانَ عَلَيْهِمَا الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ مَعْنَاهُ : كَأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فَحَلَفُوا أَرْبَعِينَ يَمِينًا , فَبَقِيَتْ عَشَرَةُ أَيْمَانٍ , فَحَلَفَ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ حَلَفُوا أَوَّلاً فَقَطْ , وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَنَّهَا تُرَدَّدُ عَلَى الاِثْنَيْنِ فَالاِثْنَيْنِ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ سَمْعَانَ : سَمِعْت مَنْ أَدْرَكْت مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ تَكُونُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْوَارِثِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ خَطَأً إِلاَّ وَارِثٌ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا مُرَدَّدَةً ثُمَّ يُدْفَعُ إلَيْهِ الدِّيَةَ : فَإِنْ كَانُوا ابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ , لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمَا فَطَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْقَسَامَةِ وَأَبَى الآخَرُ , فَعَلَى الَّذِي طَاعَ بِالْقَسَامَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مُرَدَّدَةٌ عَلَيْهِ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَ لِلآخَرِ شَيْءٌ : فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ ثَلاَثَةَ رَهْطٍ كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلاَثًا , فَإِنْ لَمْ تَنْفُقْ الأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ جُعِلَ الْفَضْلُ عَلَى الاِثْنَيْنِ فَالاِثْنَيْنِ ، وَأَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالزُّهْرِيِّ : أَنَّ تَرْدِيدَ الأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ لاَ يَجُوزُ , وَأَنَّهُ أَمْرٌ حَدَثٌ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ , وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّدَ الأَيْمَانَ مُعَاوِيَةُ فِي الْقَسَامَةِ , وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ لَوْ وَجَدُوا مِثْلَهُ لَطَارُوا بِهِ. فَصَحَّ أَنْ لاَ قَسَامَةَ إِلاَّ بِخَمْسِينَ يَحْلِفُونَ : أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَ صَاحِبَنَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَيْفَمَا عَلِمُوا مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ وَعَادَ الأَمْرُ إلَى حُكْمِ التَّدَاعِي , وَيَحْلِفُونَ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَهُمْ قُعُودٌ حَيْثُ كَانَتْ وُجُوهُهُمْ : بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ , لاَ يُكَلَّفُونَ زِيَادَةً عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ زِيَادَةِ " الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ " وَزِيَادَةِ " الْمِلْكِ الْقُدُّوسِ السَّلاَمِ الْمُؤْمِنِ الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ الْمُتَكَبِّرِ " وَكُلُّ هَذَا حُكْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى نَصٌّ , وَلاَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ أَوْجَبَهُ قِيَاسٌ , وَلاَ نَظَرٌ. وَكَذَلِكَ لاَ يُكَلَّفُونَ الْوُقُوفَ عِنْدَ الْيَمِينِ , وَلاَ صَرْفَ وُجُوهِهِمْ إلَى الْقِبْلَةِ , وَلاَ يَنْزِعُوا أَرْدِيَتَهُمْ أَوْ طَيَالِسَتَهُمْ وَكُلُّ هَذِهِ أَحْكَامٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصُّ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٌ لاَ صَحِيحَةٌ , وَلاَ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ نَظَرٌ. فَإِنْ قَالُوا : هُوَ تَهْيِيبٌ لِيَرْتَدِعَ الْكَاذِبُ قِيلَ لَهُمْ : وَهُوَ تَشْهِيرٌ وَإِنْ أَرَدْتُمْ التَّهْيِيبَ فَأَصْعِدُوهُ الْمَنَارَ , أَوْ ارْفَعُوهُ عَلَى الْمَنَارِ , أَوْ شُدُّوا وَسَطَهُ بِحَبْلٍ وَجَرِّدُوهُ فِي سَرَاوِيلَ وَكُلُّ هَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ , وَلاَ مَعْنَى لاََنْ يَحْلِفَ فِي الْجَامِعِ إِلاَّ إنْ كَانَ مَجْلِسُ الْحَاكِمِ فِيهِ , أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى الْمُحَلَّفِ كُلْفَةُ حَرَكَةٍ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , بَلْ إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَمُعَاوِيَةَ أَنَّ عُمَرَ جَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ مِنْ الْيَمَنِ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ لِيَحْلِفُوا فِيهَا. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ ثَابِتٌ : أَنَّهُ حَمَلَهُمْ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ لِلتَّحْلِيفِ فِي الْحَطِيمِ أَوْ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُمَا رضي الله عنهما فِي ذَلِكَ , وَهُمْ الآنَ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِهِمَا فِي التَّرْدِيدِ الَّذِي قَدْ خَالَفُوهُمَا أَيْضًا فِيهِ نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَنَجْمَعُ هَاهُنَا حُكْمَ الْقَسَامَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ قَوْمٍ , أَوْ فِي صَحْرَاءَ , أَوْ فِي مَسْجِدٍ , أَوْ فِي سُوقٍ , أَوْ فِي دَارِهِ. أَوْ حَيْثُ وُجِدَ , فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى وَاحِدٍ , أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ , أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ , وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ وَادَّعَوْهُ حَقًّا , وَلَمْ يُتَيَقَّنْ كَذِبُهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُونَ خَمْسِينَ بَالِغًا , عَاقِلاً , مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ مِنْ عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ , لاَ نُبَالِي وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ , أَوْ أَنَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ ". ثُمَّ لَهُمْ الْقَوَدُ , أَوْ الدِّيَةُ , أَوْ الْمُفَادَاةُ , فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا , وَقَالُوا : لاَ نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ بِعَيْنِهِ : حَلَفَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ خَمْسُونَ كَذَلِكَ , أَوْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ , يَقُولُ كُلُّ حَالِفٍ مِنْهُمْ " بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ " ، وَلاَ يُكَلَّفُ أَكْثَرَ وَيُبَرَّءُونَ فَإِنْ نَكَلُوا أُجْبِرُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْيَمِينِ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ كَمَا قلنا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَقُولُوا " ، وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً " ; لأََنَّ عِلْمَ الْمَرْءِ بِمَنْ قَتَلَ فُلاَنًا إنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ , فَإِنْ أَدَّاهَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ. فَإِنْ قَبِلَ : قُبِلَ , فَذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ شَهَادَةً عِنْدَهُ لِيُؤَدِّيَهَا بِلاَ خِلاَفٍ. فَإِنْ نَقَصَ عَصَبَةَ الْمَقْتُولِ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ , أَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ وَفِيهِ حَيَاةٌ , أَوْ لَمْ يُرِدْ الْخَمْسُونَ أَنْ يَحْلِفُوا ، وَلاَ رَضُوا بِأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ , فَقَدْ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ. فأما فِي نُقْصَانِ الْعَدَدِ عَنْ خَمْسِينَ , وَفِي وُجُودِ الْقَتِيلِ حَيًّا , فَلَيْسَ فِي هَذَا إِلاَّ حُكْمُ الدَّعْوَى , وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ يَمِينًا وَاحِدَةً فَقَطْ , فَإِنْ نَكَلَ , أَوْ نَكَلُوا : أُجْبِرُوا عَلَى الأَيْمَانِ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا. وَهَكَذَا إنْ نَقَصَ عَدَدُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلاَ قَسَامَةَ أَصْلاً , وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ دَعْوَاهُمْ وَعَصَبَتُهُ , فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ , وَهُوَ أَنْ لاَ بُدَّ أَنْ يُودَى الْمَقْتُولُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الصَّدَقَاتِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخَطَأَ يَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِ الْخَطَأِ مِنْ الْغَارِمِينَ , وَفِي الْعَمْدِ يَكُونُ الْقَاتِلُ إذَا قُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ غَارِمًا مِنْ الْغَارِمِينَ , فَحَظُّهُمْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَاجِبٌ , أَوْ فِي كُلِّ مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَمِيعِ مَصَالِحِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَقْتُولٍ بِلاَ شَكٍّ , حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ قُتِلَ , لاَ عَمْدًا ، وَلاَ خَطَأً , لَكِنْ بِفِعْلِ بَهِيمَةٍ , أَوْ مَنْ لَهُ حُكْمُ الْبَهِيمَةِ مِنْ الْمَجَانِينِ , أَوْ الصِّبْيَانِ , أَوْ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : وَبَقِيَ فِي الْقَسَامَةِ خَبَرٌ نُورِدُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مُغْتَرٌّ بِجَهْلِ ضَعْفِهِ , أَوْ بِظَنِّ ظَانٍّ أَنَّهُ أُغْفِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ , فَيَكُونُ نَقْصًا مِنْ حُكْمِ السُّنَّةِ فِي الْقَسَامَةِ. وَهُوَ كَمَا نَاهٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : سَمِعْت ابْنَ سَمْعَانَ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْكَعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ بِإِضَمٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ وَغَشِيَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيُّ عَامِرَ بْنَ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِيَّ , فَلَمَّا لَحِقَهُ , قَالَ عَامِرٌ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , فَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ لِكَلِمَتِهِ حَتَّى قَتَلَهُ , فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إلَى مُحَلِّمٍ فَقَالَ : أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ قَالَهَا فَإِنَّمَا تَعَوَّذَ بِهَا وَهُوَ كَافِرٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا ثَقَبْتَ عَنْ قَلْبِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا يُعْرِبُ اللِّسَانُ عَنْ الْقَلْبِ وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةَ بْنُ بَدْرٍ فِي قَوْمِهِ حَمِيَّةً وَغَضَبًا لِقَيْسٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ صَاحِبُنَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ , فَأَقِدْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْكُمْ أَنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ قُتِلَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ قَدْ سُمِعَ إيمَانُهُ فَفَعَلُوا , فَلَمَّا حَلَفُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُعْفُوا عَنْهُ وَاقْبَلُوا الدِّيَةَ , فَقَالَ عُيَيْنَةَ بْنُ حِصْنٍ إنَّا نَسْتَحِي أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنَّا أَكَلْنَا ثَمَنَ صَاحِبِنَا وَوَاثَبَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ فِي قَوْمِهِ غَضَبًا وَحَمِيَّةً لِخِنْدَفٍ فَقَالَ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ : بِمَاذَا اسْتَطَلْتُمْ دَمَ هَذَا الرَّجُلِ فَقَالَ : أَقْسَمَ مِنَّا خَمْسُونَ رَجُلاً : أَنَّ صَاحِبَنَا قُتِلَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ , فَقَالَ الأَقْرَعُ : فَسَأَلَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْفُوا عَنْ قَتْلِهِ وَتَقْبَلُوا الدِّيَةَ فَأَبَيْتُمْ فَأُقْسِمُ : بِاَللَّهِ لَتَقْبَلُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي دَعَاكُمْ إلَيْهِ , أَوْ لاَتِيَنَّ بِمِائَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَيُقْسِمُونَ بِاَللَّهِ لَقَدْ قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَهُوَ كَافِرٌ فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ : عَلَى رِسْلِكَ , بَلْ نَقْبَلُ مَا دَعَانَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَقْبَلُ الَّذِي دَعَوْتَنَا إلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ , فَدِيَةُ أَبِيكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْإِبِلِ. قال أبو محمد رَحِمَهُ اللَّهُ : فَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَنْسَنِدُ أَلْبَتَّةَ مِنْ طَرِيقٍ يُعْتَدُّ بِهَا وَانْفَرَدَ بِهِ ابْنُ سَمْعَانَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ بِذِكْرِ قَسَامَةِ خَمْسِينَ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ مُسْلِمًا , وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ , فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فَلاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامُ الدِّينَوَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمِّي هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ مُطِيعٍ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَكَانَ اسْمُهُ الْعَاصِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطِيعًا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ يَقُولُ : لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَدًا , وَلاَ يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ صَبْرًا أَبَدًا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا ، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَالَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ : قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَدًا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ : لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله : الأَوَّلِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ , وَالآخَرُ إنْ صَحَّ سَمَاعُ الشَّعْبِيِّ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ فَهُمَا صَحِيحَانِ وَالْحَارِثُ هَذَا : هُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَوْنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. قال أبو محمد رحمه الله : وَوَجْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثِ بَيِّنٌ , وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ نَفْسِهِ : أَنَّهُ لاَ يَغْزُو مَكَّةَ بَعْدَهَا أَبَدًا , وَأَنَّهُ لاَ يَقْتُلُ بَعْدَهَا رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا أَبَدًا , وَكَانَ هَذَا كَمَا قَالَ عليه السلام , فَمَا قَتَلَ بَعْدَهَا قُرَشِيًّا. برهان هَذَا : أَنَّهُ عليه السلام قَدْ أَنْذَرَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَأَنْذَرَ بِغَزْوِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ , وَفِيهِ أَنَّ رَجُلاً اسْتَفْتَحَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ قَالَ : فَذَهَبْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ , وَقُلْتُ الَّذِي قَالَ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ صَبْرًا , وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَابْنُ أَبِي عُمَرَ , وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ أَبُو بَكْرٍ , وَابْنُ أَبِي عُمَرَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ , وَقَالَ حَرْمَلَةُ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ثُمَّ اتَّفَقَ زِيَادٌ , وَيُونُسُ كِلاَهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ قال أبو محمد رحمه الله : فَصَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ قُرَيْشٍ سَيُقْتَلُونَ صَبْرًا. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ قُرَشِيًّا لَوْ قَتَلَ لَقُتِلَ , وَلَوْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ لَرُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ وَهَكَذَا نَقُولُ فِيهِ : لَوْ ارْتَدَّ , أَوْ حَارَبَ أَوْ حُدَّ فِي الْخَمْرِ ثَلاَثًا ثُمَّ شَرِبَ الرَّابِعَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللَّهُ وَحَرَسَهَا لَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ , أَوْ الْمُحَارِبُونَ , أَوْ الْبُغَاةُ , فَمَنَعُوا فِيهَا مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ أَنَّ فَرْضًا عَلَى الْأُمَّةِ غَزْوُهُمْ لاَ غَزْوُ مَكَّةَ , فَإِنْ انْقَادُوا , أَوْ خَرَجُوا فَذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا ، وَلاَ خَرَجُوا : أَنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهَا , فَإِنْ هُمْ امْتَنَعُوا وَقَاتَلُوا , فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ فِيهَا وَعِنْدَ الْكَعْبَةِ فَكَانَتْ هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتُ , وَهَذِهِ النُّصُوصُ وَإِنْذَارُ النَّبِيِّ عليه السلام بِهَدْمِ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ لِلْكَعْبَةِ. وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ بَعْدَ غَزْوٍ مِنْهُ وَقَدْ غَزَاهَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ , وَالْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَيَّانِيُّ لَعَنَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ وَأَلْحَدُوا فِيهَا وَهَتَكُوا حُرْمَةَ الْبَيْتِ , فَمِنْ رَامٍ لِلْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَهُوَ الْفَاسِقُ الْحَجَّاجُ وَقَتَلَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ , وَقَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنهما وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ , وَمِنْ قَالِعٍ لِلْحَجَرِ الأَسْوَدِ , وَسَالِبِ الْمُسْلِمِينَ الْمَقْتُولِينَ حَوْلَهَا وَهُوَ الْكَافِرُ الْمَلْعُونُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ الْقُرْمُطِيُّ , فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ مُبَيِّنًا إخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَخْبَرَ فِي حَدِيث مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ , وَالْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ , وَأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ وَهَذَا مِنْ أَعْلاَمِ نُبُوَّتِهِ عليه السلام أَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لاَ يَغْزُوهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَأَنَّهُ عليه السلام لاَ يَقْتُلُ أَبَدًا رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا , فَكَانَ كَذَلِكَ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ كَلاَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ بَعْضٍ , فَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ , بَلْ تُضَمُّ أَقْوَالُهُ عليه السلام كُلُّهَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ , فَكُلُّهَا حَقٌّ. ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عليه السلام لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَلاَ يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الأَمْرِ , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْقُرَشِيِّ قَوَدًا أَوْ رَجْمًا فِي الزِّنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ عَلَى وُجُوبِ غَزْوِ مَنْ لاَذَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْحِرَابَةِ وَالْبَغْيِ فإن قيل : إنَّمَا مَنَعَ بِذَلِكَ مِنْ غَزْوِهَا ظُلْمًا , وَمِنْ قَتْلِ قُرَشِيٍّ صَبْرًا ظُلْمًا قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : هَذِهِ أَحْكَامٌ لاَ يَخْتَلِفُ فِيهَا حُكْمُ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا , وَلاَ حُكْمُ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ , فَلاَ يَحِلُّ بِلاَ خِلاَفٍ : أَنْ تُغْزَى بَلَدٌ مِنْ الْبِلاَدِ ظُلْمًا , وَلاَ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ ظُلْمًا , وَكَأَنْ يَكُونَ الْكَلاَمُ حِينَئِذٍ عَارِيًّا مِنْ الْفَائِدَةِ , وَهَذَا لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|