الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [ومن خطب امرأة فزوج بغيرها لم ينعقد النكاح] معنى ذلك أن يخطب الرجل امرأة بعينها, فيجاب إلى ذلك ثم يوجب له النكاح في غيرها وهو يعتقد أنها التي خطبها, فيقبل فلا ينعقد النكاح لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه فلم يصح, كما لو ساومه بثوب وأوجب العقد في غيره بغير علم المشترى فلو علم الحال بعد ذلك فرضي, لم يصح قال أحمد في رجل خطب جارية فزوجوه أختها, ثم علم بعد: يفرق بينهما ويكون الصداق على وليها لأنه غره ويجهز إليه أختها التي خطبها بالصداق الأول, فإن كانت تلك قد ولدت منه يلحق به الولد وقوله: يجهز إليه أختها يعني - والله أعلم - بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه إن كان أصابها لأن العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهما لأن الإيجاب صدر في إحداهما, والقبول في الأخرى فلم ينعقد في هذه ولا في تلك فإن اتفقوا على تجديد عقد في إحداهما أيتهما كان جاز وقال أحمد في رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه أختها: لها المهر بما أصاب منها, ولأختها المهر قيل: يلزمه مهران؟ قال: نعم ويرجع على وليها هذه مثل التي بها برص أو جذام على يقول: ليس عليه غرم وهذا ينبغي أن يكون في امرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم أما إذا علمت أنها ليست زوجة, وأنها محرمة عليه وأمكنته من نفسها فلا ينبغي أن يجب لها صداق لأنها زانية مطاوعة, فأما إن جهلت الحال فلها المهر ويرجع به على من غره وروي عن على رضي الله عنه في رجلين تزوجا امرأتين, فزفت كل امرأة إلى زوج الأخرى: لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها وبه قال النخعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. من شرط صحة النكاح تعيين الزوجين لأن كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما, كالمشترى والمبيع ثم ينظر فإن كانت المرأة حاضرة, فقال: زوجتك هذه صح فإن الإشارة تكفى في التعيين فإن زاد على ذلك, فقال: بنتى هذه أو هذه فلانة كان تأكيدا وإن كانت غائبة فقال: زوجتك بنتى وليس له سواها جاز فإن سماها باسمها مع ذلك, كان تأكيدا فإن كان له ابنتان أو أكثر فقال: زوجتك ابنتى لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به من اسم أو صفة, فيقول: زوجتك ابنتى الكبرى أو الوسطى أو الصغرى فإن سماها مع ذلك كان تأكيدا وإن قال: زوجتك ابنتى عائشة أو فاطمة صح وإن كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فقال: زوجتك فاطمة لم يصح لأن هذا الاسم مشترك بينها وبين سائر الفواطم, حتى يقول مع ذلك: ابنتى وقال بعض الشافعية: يصح إذا نوياها جميعا وليس بصحيح لأن النكاح تعتبر فيه الشهادة على وجه يمكن أداؤها إذا ثبت به العقد وهذا متعذر في النية ولذلك لو قال: زوجتك ابنتى وله بنات لم يصح حتى يميزها بلفظه وإن قال: زوجتك فاطمة ابنة فلان احتاج أن يرفع في نسبها حتى يبلغ ما تتميز به عن النساء. فإن كان له ابنتان, كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال: زوجتك ابنتى عائشة وقبل الزوج ذلك وهما ينويان الصغرى لم يصح ذكره أبو حفص وقال القاضي: يصح في التي نوياها, وهذا غير صحيح لوجهين: أحدهما: أنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو قال: زوجتك عائشة فقط أو ما لو قال: زوجتك ابنتى ولم يسمها, وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها ففيما إذا سماها بغير اسمها أولى أن لا يصح والثاني: أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به ولم يوجد ذلك فإن اسم أختها لا يميزها, بل يصرف العقد عنها وإن كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح, كمسألة الخرقي فيما إذا خطب امرأة وزوج غيرها لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه ويحتمل أن يصح إذا لم يتقدم ذلك ما يصرف القبول إلى الصغرى, من خطبة ونحوها فإن العقد بلفظه متناول للكبرى ولم يوجد ما يصرفه عنها, فصح كما لو نوياها ولو نوى الولي الصغرى والزوج الكبرى, أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الأول لا يصح التزويج, لعدم النية منهما في التي يتناولها لفظهما وعلى الاحتمال الذي ذكرناه يصح في المعينة باللفظ لما ذكرناه. فإن كان له ابنة واحدة فقال لرجل: زوجتك ابنتى وسماها بغير اسمها, فقال القاضي: يصح وهو قول أصحاب الشافعي لأن قوله ابنتى آكد من التسمية لأنها لا مشاركة فيها والاسم مشترك ولو قال: زوجتك هذه وأشار إليها وسماها بغير اسمها, يجب أن يصح على هذا التعليل. ولو قال: زوجتك حمل هذه المرأة لم يصح لأنه لم يثبت له حكم البنات قبل الظهور في غير الإرث والوصية ولأنه لم يتحقق أن في البطن بنتا فأشبه ما لو قال: زوجتك من في هذه الدار, وهما لا يعلمان من فيها ولو قال: إذا ولدت امرأتى بنتا زوجتكها لم يصح لأنه تعليق للنكاح على شرط والنكاح لا يتعلق على شرط ولأن هذا مجرد وعد لا ينعقد به عقد. قال: (( وإذا تزوجها وشرط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها فلها شرطها لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج )) وإن تزوجها, وشرط لها أن لا يتزوج عليها فلها فراقه إذا تزوج عليها )) وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة أحدها ما يلزم الوفاء به, وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها, ولا يتسرى عليها فهذا يلزمه الوفاء لها به فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص, ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد, وطاوس والأوزاعي وإسحاق وأبطل هذه الشروط الزهري, وقتادة وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري, والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي قال أبو حنيفة, والشافعي: ويفسد المهر دون العقد ولها مهر المثل واحتجوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مائة شرط )) وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيه وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (( المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما, أو حرم حلالا )) وهذا يحرم الحلال وهو التزويج والتسري والسفر ولأن هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ولم يبن على التغليب والسراية, فكان فاسدا كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (( إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج )) رواه سعيد وفي لفظ: (( إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج )) متفق عليه وأيضا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (( المسلمون على شروطهم )) ولأنه قول من سمينا من الصحابة, ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فكان إجماعا وروى الأثرم بإسناده: أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها, ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال: لها شرطها فقال الرجل: إذا تطلقينا فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لها فيه منفعة ومقصود لا يمنع المقصود من النكاح فكان لازما, كما لو شرطت عليه زيادة في المهر أو غير نقد البلد وقوله عليه السلام (( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )) أي: ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع وقد ذكرنا ما دل على مشروعيته وعلى من ادعى الخلاف في مشروعيته وعلى من نفى ذلك الدليل, وقولهم: إن هذا يحرم الحلال قلنا: لا يحرم حلالا وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها به وقولهم: ليس من مصلحته قلنا: لا نسلم ذلك فإنه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده, كاشتراط الرهن والضمين في البيع ثم يبطل بالزيادة على مهر المثل وشرط غير نقد البلد إذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف لها به فلها الفسخ, ولهذا قال الذي قضى عليه عمر بلزوم الشرط: إذا تطلقنا فلم يلتفت عمر إلى ذلك وقال: مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به كالرهن والضمين في البيع. فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط لما روى أبو هريرة قال: (( نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تشترط المرأة طلاق أختها, )) وفي لفظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها )) رواهما البخاري والنهى يقتضي فساد المنهي عنه ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته فلم يصح, كما لو شرطت عليه فسخ بيعه وقال أبو الخطاب: هو شرط لازم لأنه لا ينافى العقد ولها فيه فائدة فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها ولم أر هذا لغيره, وقد ذكرنا ما يدل على فساده وعلى قياس هذا لو شرطت عليه بيع أمته. مثل أن يشترط أن لا مهر لها, أو أن لا ينفق عليها أو إن أصدقها رجع عليها أو تشترط عليه أن لا يطأها أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة, أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لأنها تنافى مقتضى العقد ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح, كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع فأما العقد في نفسه فصحيح لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره, ولا يضر الجهل به فلم يبطله كما لو شرط في العقد صداقا محرما ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد, كالعتاق وقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم رجعت وقالت: لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال: لها أن تنزل بطيب نفس منها, فإن ذلك جائز وإن قالت: لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه إن شاءت, ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط فإن شاءت رجعت وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم, أو عشرة دراهم النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط وقد نقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل إبطال العقد نقل عنه المروزى في النهاريات والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام, وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة وقال الثوري: الشرط باطل وقال أصحاب الرأي: إذا سألته أن يعدل لها عدل وكان الحسن وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها, على أن يجعل لها من الشهر أياما معلومة ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط وإجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح, فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط كما قلنا والله أعلم وقال القاضي: إنما كره أحمد هذا النكاح لأنه يقع على وجه السر ونكاح السر منهي عنه, فإن شرط عليه ترك الوطء احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ينافى المقصود من النكاح وهذا مذهب الشافعي, وكذلك إن شرط عليه أن لا تسلم إليه فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا على أن لا يقبضه وإن شرط عليها أن لا يطأها لم يفسد لأن الوطء حقه عليها, وهي لا تملكه عليه ويحتمل أن يفسد لأن لها فيه حقا ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة. القسم الثالث: فصل: وإن شرط الخيار في الصداق خاصة لم يفسد النكاح لأن النكاح ينفرد عن ذكر الصداق ولو كان الصداق حراما أو فاسدا لم يفسد النكاح, فلأن لا يفسد بشرط الخيار فيه أولى ويخالف البيع فإنه إذا فسد أحد العوضين فيه فسد الآخر فإذا ثبت هذا ففي الصداق ثلاثة أوجه, أحدها: يصح الصداق ويبطل شرط الخيار كما يفسد الشرط في النكاح, ويصح النكاح والثاني: يصح ويثبت الخيار فيه لأن عقد الصداق عقد منفرد يجرى مجرى الأثمان فثبت فيه الخيار كالبياعات والثالث: يبطل الصداق لأنها لم ترض به, فلم يلزمها كما لو لم يوافقه على شيء. فصل: ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن, وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة وحكي عن الأوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم وعن داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام (( انظر إليها )) ولنا قول الله تعالى: فصل: ويحوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالبا كالصدر والظهر ونحوهما قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الرجل ينظر إلى شعر امرأة أبيه أو امرأة ابنه فقال: هذا في القرآن: فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ** لدى الستر إلا لبسة المتفضل ومثل هذا يظهر منه الأطراف والشعر فكان يراها كذلك إذا اعتقدته ولدا, ثم دلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه وروى الشافعي في " مسنده " عن زينب بنت أبي سلمة أنها ارتضعت من أسماء امرأة الزبير قالت: فكنت أراه أبا وكان يدخل على وأنا أمشط رأسي, فيأخذ ببعض قرون رأسى ويقول: أقبلى على ولأن التحرز من هذا لا يمكن فأبيح كالوجه وما لا يظهر غالبا لا يباح لأن الحاجة لا تدعو إلى نظره, ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور فحرم النظر إليه كما تحت السرة
فصل: وذوات محارمه: كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب وعن عائشة (( أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها بعد ما أنزل الحجاب, فأبت أن تأذن له فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ائذني له فإنه عمك, تربت يمينك )) متفق عليه وقد ذكر الله تعالى آباء بعولتهن وأبناء بعولتهن كما ذكر آباءهن وأبناءهن في إبداء الزينة لهم وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر أم امرأته وبنتها لأنهما غير مذكورتين في الآية قال القاضي: إنما حكى سعيد بن جبير ولم يأخذ به وقد صرح في رواية المروذي أنه محرم يجوز له المسافرة بها وقال, في رواية أبي طالب: ساعة يعقد عقدة النكاح تحرم عليه أم امرأته فله أن يرى شعرها ومحاسنها ليست مثل التي يزني بها, لا يحل له أبدا أن ينظر إلى شعرها ولا إلى شيء من جسدها وهي حرام عليه.
فصل: فأما أم المزني بها وابنتها, فلا يحل له النظر إليهن وإن حرم نكاحهن لأن تحريمهن بسبب محرم فلم يفد إباحة النظر, كالمحرمة باللعان وكذلك بنت الموطوءة بشبهة وأمها ليست من ذوات محارمه وكذلك الكافر ليس بمحرم لقرابته المسلمة قال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت بنته: لا يسافر بها, ليس هو محرما لها والظاهر أنه أراد ليس محرما لها في السفر أما النظر فلا يجب عليها الحجاب منه (( لأن أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لئلا يجلس عليه, ولم تحتجب منه ولا أمرها بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- )).
فصل: وعبد المرأة له النظر إلى وجهها وكفيها لقول الله تعالى: فصل: فأما الغلام, فما دام طفلا غير مميز لا يجب الاستتار منه في شيء وإن عقل, ففيه روايتان إحداهما: حكمه حكم ذى المحرم في النظر والثانية: له النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة لأن الله تعالى قال فصل: ويباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه حتى الفرج لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: (( قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر؟ فقال: احفظ عورتك, إلا من زوجتك وما ملكت يمينك )) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ولأن الفرج يحل له الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه, كبقية البدن ويكره النظر إلى الفرج فإن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت فرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط رواه ابن ماجه وفي لفظ قالت: ما رأيته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا رآه مني وقال أحمد في رواية جعفر بن محمد في المرأة تقعد بين يدي زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق: فلا بأس به قلت: تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس وليس في الدار إلا هي وزوجها؟ فرخص في ذلك.
فصل: ويباح للسيد النظر إلى جميع بدن أمته حتى فرجها لما ذكرنا في الزوجين وسواء في ذلك سريته وغيرها لأنه مباح له الاستمتاع من جميع بدنها فأبيح له النظر إليه فإن زوج أمته حرم عليه الاستمتاع, والنظر منها إلى ما بين السرة والركبة لأن عمرو بن شعيب روي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره, فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإنه عورة )) رواه أبو داود ومفهومه إباحة النظر إلى ما عداه وأما تحريم الاستمتاع بها فلا شك فيه ولا اختلاف فإنها قد صارت مباحة للزوج, ولا تحل المرأة لرجلين فإن وطئها لزمه الإثم والتعزير وإن ولدت فقال أحمد: لا يلحقه الولد لأنها فراش لغيره, فلم يلحقه ولدها كالأجنبية.
فصل: في من يباح له النظر من الأجانب ويباح للطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنها من العورة وغيرها, فإنه موضع حاجة وقد روى (( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حكم سعدا في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم )) وعن عثمان أنه أتى بغلام قد سرق فقال: انظروا إلى مؤتزره فلم يجدوه أنبت الشعر, فلم يقطعه وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها قال أحمد: لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها وإن عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليعلمها بعينها, فيرجع عليها بالدرك وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه لمن يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة, فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس.
فصل: فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها, في ظاهر كلام أحمد قال أحمد: لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها كيف يأكل معها ينظر إلى كفها؟, لا يحل له ذلك وقال القاضي: يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة ويباح له النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى: فصل: والعجوز التي لا يشتهى مثلها لا بأس بالنظر إلى ما يظهر منها غالبا لقول الله تعالى: فصل: والأمة يباح النظر منها إلى ما يظهر غالبا, كالوجه والرأس واليدين, والساقين لأن عمر رضي الله عنه رأى أمة متلثمة فضربها بالدرة وقال: يا لكاع تتشبهين بالحرائر وروى أبو حفص بإسناده أن عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته, وقال: إنما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها محرما لم يمنع من ستره بل أمر به وقد روى أنس (( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخذ صفية قال الناس: لا ندرى أجعلها أم المؤمنين, أم أم ولد؟ فقالوا: إن حجبها فهي أم المؤمنين وإن لم يحجبها فهي أم ولد فلما ركب وطأ لها خلفه, ومد الحجاب بينه وبين الناس )) متفق عليه وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا بينهم مشهورا وأن الحجب لغيرهن كان معلوما وقال أصحاب الشافعي: يباح النظر منها إلى ما ليس بعورة وهو ما فوق السرة وتحت الركبة وسوى بعض أصحابنا بين الحرة والأمة لقوله تعالى: فصل: فأما الطفلة التي لا تصلح للنكاح فلا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الأثرم في رجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره, ويقبلها: فإن كان يجد شهوة فلا وإن كان لغير شهوة فلا بأس وقد روى أبو بكر بإسناده عن عمر بن حفص المديني أن الزبير بن العوام أرسل بابنة له إلى عمر بن الخطاب مع مولاة له, فأخذها عمر بيده وقال: ابنة أبي عبد الله فتحركت الأجراس من رجلها فأخذها عمر فقطعها وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( مع كل جرس شيطان )) فأما إذا بلغت حدا تصلح للنكاح كابنة تسع, فإن عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل قوله عليه السلام: (( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )) فدل على صحة الصلاة ممن لم تحض مكشوفة الرأس فيحتمل أن يكون حكمها حكم ذوات المحارم, كقولنا في الغلام المراهق مع النساء وقد روى أبو بكر عن ابن جريج قال: قالت عائشة: دخلت على ابنة أخي مزينة فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعرض, فقلت: يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية فقال: (( إذا عركت المرأة لم يجز لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها )) وذكر حديث أسماء: (( إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه )) واحتج أحمد بهذا الحديث, وتخصيص الحائض بهذا التحديد دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها.
فصل: ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو عنة, أو مرض لا يرجى برؤه أو الخصى أو الشيخ, أو المخنث الذي لا شهوة له فحكمه حكم ذى المحرم في النظر لقول الله تعالى: { أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال } أي: غير أولى الحاجة إلى النساء قال ابن عباس: هو الذي لا تستحى منه النساء وعنه: هو المخنث الذي لا يقوم زبه وعن مجاهد وقتادة الذي لا أرب له في النساء فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره لأن عائشة قالت: (( دخل على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- مخنث, فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة فدخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا أرى هذا يعلم ما ها هنا؟ لا يدخلن عليكم هذا فحجبوه )) رواه أبو داود وغيره قال ابن عبد البر ليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وإنما التخنيث شدة التأنيث في الخلقة حتى يشبه المرأة في اللين, والكلام والنظر والنغمة, والعقل فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء إرب, وكان لا يفطن لأمور النساء وهو من غير أولى الإربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء ألا ترى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه, فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفهم أمر النساء أمر بحجبه؟.
فصل: فأما الرجل مع الرجل, فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة وفي حدها روايتان إحداهما: ما بين السرة والركبة والأخرى: الفرجان وقد ذكرناهما في كتاب الصلاة ولا فرق بين الأمرد وذى اللحية إلا أن الأمرد إن كان جميلا يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه وقد روي عن الشعبي قال: (( قدم وفد عبد القيس على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيهم غلام أمرد, ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي -صلى الله عليه وسلم- وراء ظهره )) رواه أبو حفص قال المروذي: سمعت أبا بكر الأعين يقول: قدم علينا إنسان من خراسان صديق لأبي عبد الله, ومعه غلام ابن أخت له وكان جميلا فمضى إلى أبي عبد الله فحدثه, فلما قمنا خلا بالرجل وقال له: من هذا الغلام منك؟ قال: ابن أختى قال: إذا جئتني لا يكون معك والذي أرى لك أن لا يمشى معك في طريق فأما الغلام الذي لم يبلغ سبعا فلا عورة له يحرم النظر إليها وقد روي عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: (( كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فجاء الحسن فجعل يتمرغ عليه فوقع مقدم قميصه, أراه قال: فقبل زبيبته )) رواه أبو حفص.
فصل: وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء ولا فرق بين المسلمتين وبين المسلمة والذمية, كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمى في النظر قال أحمد: ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية, وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين تلد وعن أحمد رواية أخرى: أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام وهو قول مكحول وسليمان بن موسى لقوله تعالى: { أو نسائهن } والأول أولى لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن, قد كن يدخلن على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب وقد (( قالت عائشة: جاءت يهودية تسألها فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر, فسألت عائشة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر الحديث )) وقالت أسماء: (( قدمت على أمى وهي راغبة - يعني عن الإسلام - فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصلها؟ قال نعم )) ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما, كالمسلم مع الذمى ولأن الحجاب إنما يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما فأما قوله: { أو نسائهن} فيحتمل أن يكون المراد به جملة النساء.
فصل: فأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان إحداهما: لها النظر إلى ما ليس بعورة والأخرى: لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر وهذا أحد قولي الشافعي لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت: (( كنت قاعدة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: احتجبن منه فقلت: يا رسول الله, إنه ضرير لا يبصر قال: أفعمياوان أنتما لا تبصرانه )) رواه أبو داود وغيره ولأن الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن, كما أمر الرجال به ولأن النساء أحد نوعى الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال, يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة, وأقل عقلا فتسارع الفتنة إليها أكثر ولنا (( , قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس: اعتدى في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى, تضعين ثيابك فلا يراك )) متفق عليه (( وقالت عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد )) متفق عليه (( ويوم فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطبة العيد مضى إلى النساء فذكرهن, ومعه بلال فأمرهن بالصدقة )) ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء, لئلا ينظرن إليهم فأما حديث نبهان فقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين يعني هذا الحديث وحديث: (( إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه )) وكأنه أشار إلى ضعف حديثه إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول, لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث وحديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك قال أحمد وأبو داود قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كان حديث نبهان لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس؟ قال: نعم وإن قدر التعارض فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد, في إسناده مقال.
|