الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [ومن فضل معه من الطعام فأدخله البلد طرحه في مقسم تلك الغزاة, في إحدى الروايتين]. والأخرى يباح له أكله إذا كان يسيرا أما الكثير فيجب رده, بغير خلاف نعلمه لأن ما كان مباحا له في دار الحرب فإذا أخذه على وجه يفضل منه كثير إلى دار الإسلام فقد أخذ ما لا يحتاج إليه, فيلزمه رده لأن الأصل تحريمه لكونه مشتركا بين الغانمين كسائر المال وإنما أبيح منه ما دعت الحاجة إليه, فما زاد يبقى على أصل التحريم ولهذا لم يبح له بيعه وأما اليسير ففيه روايتان إحداهما, يجب رده أيضا وهو اختيار أبي بكر وقول أبي حنيفة, وابن المنذر وأحد قولي الشافعي وأبي ثور لما ذكرنا في الكثير, ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أدوا الخيط والمخيط) ولأنه من الغنيمة ولم يقسم فلم يبح في دار الإسلام كالكبير, أو كما لو أخذه في دار الإسلام والثانية يباح وهو قول مكحول وخالد بن معدان, وعطاء الخراساني ومالك والأوزاعي قال أحمد: أهل الشام يتساهلون في هذا وقد روى القاسم بن عبد الرحمن, عن بعض أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: كنا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمه حتى أن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا مملأة رواه سعيد, وأبو داود وعن عبد الله بن يسار السلمي قال: دخلت على رجل من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقدم إلى تميرا من تمير الروم فقلت: لقد سبقت الناس بهذا قال: ليس هذا من العام, هذا من العام الأول رواه الأثرم في " سننه " وقال الأوزاعي: أدركت الناس يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم إلى بعض, لا ينكره إمام ولا عامل ولا جماعة وهذا نقل للإجماع ولأنه أبيح إمساكه عن القسمة فأبيح في دار الإسلام كمباحات دار الحرب التي لا قيمة لها فيها ويفارقه الكبير فإنه لا يجوز إمساكه عن القسمة, ولأن اليسير تجري المسامحة فيه ونفعه قليل بخلاف الكثير. قال: [وإذا سبي المشركون من يؤدي إلينا الجزية, ثم قدر عليهم ردوا إلى ما كانوا عليه ولم يسترقوا, وما أخذه العدو منهم من مال أو رقيق رد إليهم إذا علم به قبل أن يقسم, ويفادى بهم بعد أن يفادى بالمسلمين) وجملة ذلك أن أهل الحرب إذا استولوا على أهل ذمتنا فسبوهم وأخذوا أموالهم, ثم قدر عليهم وجب ردهم إلى ذمتهم ولم يجز استرقاقهم في قول عامة أهل العلم منهم الشعبي ومالك, والليث والأوزاعي والشافعي, وإسحاق ولا نعلم لهم مخالفا وذلك لأن ذمتهم باقية ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها وحكم أموالهم, حكم أموال المسلمين في حرمتها قال علي رضي الله عنه: إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا فمتى علم صاحبها قبل قسمها وجب ردها إليه وإن علم بعد القسمة, فعلى الروايتين إحداهما لا حق له فيه والثانية هو له بثمنه لأن أموالهم معصومة كأموال المسلمين وأما فداؤهم, فظاهر كلام الخرقي أنه يجب فداؤهم سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا وهذا قول عمر بن عبد العزيز, والليث لأننا التزمنا حفظهم بمعاهدتهم وأخذ جزيتهم, فلزمنا القتال من ورائهم والقيام دونهم فإذا عجزنا عن ذلك, وأمكننا تخليصهم لزمنا ذلك كمن يحرم عليه إتلاف شيء, فإذا أتلفه غرمه وقال القاضي: إنما يجب فداؤهم إذا استعان بهم الإمام في قتاله فسبوا وجب عليه فداؤهم لأن أسرهم كان لمعنى من جهته وهو المنصوص عن أحمد ومتى وجب فداؤهم فإنه يبدأ بفداء المسلمين قبلهم لأن حرمة المسلم أعظم والخوف عليه أشد, وهو معرض لفتنته عن دين الحق بخلاف أهل الذمة. ويجب فداء أسرى المسلمين إذا أمكن وبهذا قال عمر بن عبد العزيز ومالك, وإسحاق ويروى عن ابن الزبير أنه سأل الحسن بن علي: على من فكاك الأسير؟ قال: على الأرض التي يقاتل عليها وثبت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أطعموا الجائع وعودوا المريض, وفكوا العاني) وروى سعيد بإسناده عن حبان بن أبي جبلة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم, ويؤدوا عن غارمهم). وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار " أن يعقلوا معاقلهم وأن يفكوا عانيهم بالمعروف " وفادى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلين من المسلمين بالرجل الذي أخذه من بني عقيل وفادى بالمرأة التي استوهبها من سلمة بن الأكوع رجلين. قال: [ومن اشترى من المغنم في بلاد الروم, فغلب عليه العدو لم يكن عليه شيء من الثمن وإن كان قد أخذ منه الثمن, رد إليه]. وجملته أن الأمير إذا باع من المغنم شيئا قبل قسمه لمصلحة صح بيعه فإن عاد الكفار, فغلبوا على المبيع فأخذوه من المشتري في دار الحرب نظرنا فإن كان لتفريط من المشتري, مثل أن خرج به من المعسكر ونحو ذلك فضمانه عليه لأن ذهابه حصل بتفريطه, فكان من ضمانه كما لو أتلفه وإن حصل بغير تفريط, ففيه روايتان إحداهما ينفسخ البيع ويكون من ضمان أهل الغنيمة, فإن كان الثمن لم يؤخذ من المشتري سقط عنه وإن كان أخذ منه, رد إليه لأن القبض لم يكمل لكون المال في دار الحرب غير محرز وكونه على خطر من العدو, فأشبه التمر المبيع على رءوس الشجر إذا تلف قبل الجذاذ والثانية هو من ضمان المشتري وعليه ثمنه وهذا أكثر الروايات عن أحمد واختاره الخلال, وأبو بكر صاحبه وهو مذهب الشافعي لأنه مال مقبوض أبيح لمشتريه فكان ضمانه عليه, كما لو أحرز إلى دار الإسلام ولأن أخذ العدو له تلف فلم يضمنه البائع, كسائر أنواع التلف ولأن نماءه للمشتري فكان ضمانه عليه لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (الخراج بالضمان). وإذا قسمت الغنائم في دار الحرب, جاز لمن أخذ سهمه التصرف فيه بالبيع وغيره فإن باع بعضهم بعضا شيئا منها فغلب عليه العدو, ففي ضمان البائع له وجهان بناء على الروايتين في التي قبلها وإن اشتراه مشتر من المشتري فكذلك فإذا قلنا: هو من ضمان البائع رجع الثاني على البائع الأول, بما رجع به عليه. قال أحمد في الرجل يشتري الجارية من المغنم معها الحلي في عنقها والثياب: يرد ذلك في المغنم, إلا شيئا تلبسه من قميص ومقنعة وإزار وهذا قول حكيم بن حزام ومكحول, ويزيد بن أبي مالك والمتوكل وإسحاق, وابن المنذر ويشبه قول الشافعي واحتج إسحاق بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من باع عبدا وله مال فماله للبائع) وقال الشعبي: يجعله في بيت المال وكان مالك يرخص في اليسير, كالقرطين وأشباههما ولا يرى ذلك في الكثير ويمكن أن يفصل القول في هذا فيقال: ما كان عليها ظاهرا مرئيا, يشاهده البائع والمشتري كالقرط والخاتم والقلادة فهو للمشتري لأن الظاهر أن البائع إنما باعها بما عليها, والمشتري اشتراها بذلك فيدخل في البيع كثياب البذلة وحلية السيف, وما خفي فلم يعلم به البائع رده لأن البيع وقع عليها بدونه فلم يدخل في البيع, كجارية أخرى. قال أحمد: لا يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مغنم المسلمين شيئا لأنه يحابى ولأن عمر رد ما اشتراه ابنه في غزوة جلولاء وقال: إنه يحابي احتج به أحمد ولأنه هو البائع أو وكيله, فكأنه يشتري من نفسه أو وكيل نفسه قال أبو داود: قيل لأبي عبد الله: إذا قوم أصحاب المغانم شيئا معروفا فقالوا في جلود الماعز بكذا والخرفان بكذا يحتاج إليه يأخذه بتلك القيمة, ولا يأتي المغانم؟ فرخص فيه وذلك لأنه يشق الاستئذان فيه فسومح فيه كما سومح في دخول الحمام, وركوب سفينة الملاح من غير تقدير أجرة. قال: [وإذا حورب العدو لم يحرقوا بالنار] أما العدو إذا قدر عليه, فلا يجوز تحريقه بالنار بغير خلاف نعلمه وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأمر بتحريق أهل الردة بالنار وفعل ذلك خالد بن الوليد بأمره فأما اليوم فلا أعلم فيه بين الناس خلافا وقد روى حمزة الأسلمي, أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره على سرية قال: فخرجت فيها فقال: (إن أخذتم فلانا, فأحرقوه بالنار) فوليت فناداني فرجعت, فقال: (إن أخذتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار) رواه أبو داود, وسعيد وروى أحاديث سواه في هذا المعنى وروى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحو حديث حمزة فأما رميهم قبل أخذهم بالنار, فإن أمكن أخذهم بدونها لم يجز رميهم بها لأنهم في معنى المقدور عليه وأما عند العجز عنهم بغيرها, فجائز في قول أكثر أهل العلم وبه قال الثوري والأوزاعي, والشافعي وروى سعيد بإسناده عن صفوان بن عمرو وحريز بن عثمان أن جنادة بن أمية الأزدي, وعبد الله بن قيس الفزاري وغيرهما من ولاة البحرين ومن بعدهم, كانوا يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار ويحرقونهم هؤلاء لهؤلاء, وهؤلاء لهؤلاء قال عبد الله بن قيس: لم يزل أمر المسلمين على ذلك. وكذلك الحكم في فتح البثوق عليهم ليغرقهم إن قدر عليهم بغيره, لم يجز إذا تضمن ذلك إتلاف النساء والذرية الذين يحرم إتلافهم قصدا, وإن لم يقدر عليهم إلا به جاز كما يجوز البيات المتضمن لذلك ويجوز نصب المنجنيق عليهم وظاهر كلام أحمد جوازه مع الحاجة وعدمها لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نصب المنجنيق على أهل الطائف وممن رأى ذلك الثوري, والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر: جاء الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نصب المنجنيق على أهل الطائف وعن عمرو بن العاص, أنه نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية ولأن القتال به معتاد فأشبه الرمي بالسهام. ويجوز تبييت الكفار وهو كسبهم ليلا, وقتلهم وهم غارون قال أحمد: لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات قال: ولا نعلم أحدا كره بيات العدو وقرأ عليه: سفيان, عن الزهري عن عبد الله عن ابن عباس, عن الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل عن الديار من المشركين نبيتهم فنصيب من نسائهم وذراريهم؟ فقال: " هم منهم " فقال: إسناد جيد فإن قيل: فقد نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قتل النساء والذرية قلنا: هذا محمول على التعمد لقتلهم قال أحمد: أما أن يتعمد قتلهم فلا قال: وحديث الصعب بعد نهيه عن قتل النساء لأن نهيه عن قتل النساء حين بعث إلى ابن أبي الحقيق وعلى أن الجمع بينهما ممكن, يحمل النهى على التعمد والإباحة على ما عداه. قال الأوزاعي: إذا كان في المطمورة العدو فعلمت أنك تقدر عليهم بغير النار, فأحب إلى أن يكف عن النار وإن لم يمكن ذلك وأبوا أن يخرجوا فلا أرى بأسا وإن كان معهم ذرية قد كان المسلمون يقاتلون بها ونحو ذلك قال سفيان, وهشام ويدخن عليهم قال أحمد: أهل الشام أعلم بهذا وإن تترسوا في الحرب بنسائهم وصبيانهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة (لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان) ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد, لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد وسواء كانت الحرب ملتحمة أو غير ملتحمة لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يتحين بالرمى حال التحام الحرب. ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم, جاز رميها قصدا لما روى سعيد: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة, قال: (لما حاصر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت عن قبلها فقال: ها دونكم فارموها فرماها رجل من المسلمين, فما أخطأ ذلك منها) ويجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها لأن ذلك من ضرورة رميها وكذلك يجوز رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم أوتحرضهم على القتال لأنها في حكم المقاتل وهكذا الحكم في الصبي والشيخ وسائر من منع من قتله منهم. وإن تترسوا بمسلم, ولم تدع حاجة إلى رميهم لكون الحرب غير قائمة أو لإمكان القدرة عليهم بدونه, أو للأمن من شرهم لم يجز رميهم فإن رماهم فأصاب مسلما فعليه ضمانه وإن دعت الحاجة إلى رميهم للخوف على المسلمين, جاز رميهم لأنها حال ضرورة ويقصد الكفار وإن لم يخف على المسلمين لكن لم يقدر عليهم إلا بالرمي فقال الأوزاعي, والليث: لا يجوز رميهم لقول الله تعالى: قال: ولا يغرقوا النحل وجملته أن تغريق النحل وتحريقه لا يجوز, في قول عامة أهل العلم منهم الأوزاعي والليث والشافعي وقيل لمالك: أنحرق بيوت نحلهم؟ قال: أما النحل فلا أدري ما هو؟ ومقتضى مذهب أبي حنيفة إباحته لأن فيه غيظا لهم وإضعافا, فأشبه قتل بهائمهم حال قتالهم ولنا ما روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال ليزيد بن أبي سفيان, وهو يوصيه حين بعثه أميرا على القتال بالشام: ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه وروى عن ابن مسعود, أنه قدم عليه ابن أخيه من غزاة غزاها فقال: لعلك حرقت حرثا؟ قال: نعم قال: لعلك غرقت نحلا؟ قال: نعم قال: لعلك قتلت صبيا؟ قال: نعم قال: ليكن غزوك كفافا أخرجهما سعيد ونحو ذلك عن ثوبان وقد ثبت (أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن قتل النحلة ونهى أن يقتل شيء من الدواب صبرا) ولأنه إفساد, فيدخل في عموم قوله تعالى: قال: ولا يعقر شاة, ولا دابة إلا لأكل لا بد لهم منه أما عقر دوابهم في غير حال الحرب لمغايظتهم, والإفساد عليهم فلا يجوز سواء خفنا أخذهم لها أو لم نخف وبهذا قال الأوزاعي, والليث والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة, ومالك: يجوز لأن فيه غيظا لهم وإضعافا لقوتهم فأشبه قتلها حال قتالهم ولنا, أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال في وصيته ليزيد حين بعثه أميرا: يا يزيد لا تقتل صبيا ولا امرأة, ولا هرما ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شجرا مثمرا, ولا دابة عجماء ولا شاة إلا لمأكلة, ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه ولا تغلل, ولا تجبن ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (نهى عن قتل شيء من الدواب صبرا) ولأنه حيوان ذو حرمة فأشبه النساء والصبيان وأما حال الحرب فيجوز فيها قتل المشركين كيف أمكن بخلاف حالهم إذا قدر عليهم, ولهذا جاز قتل النساء والصبيان في البيات وفي المطمورة إذا لم يتعمد قتلهم منفردين, بخلاف حالة القدرة عليهم وقتل بهائمهم يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم وقد ذكرنا حديث المددي الذي عقر بالرومي فرسه وروى أن حنظلة بن الراهب عقر فرس أبي سفيان به يوم أحد, فرمت به فخلصه ابن شعوب وليس في هذا خلاف. فأما عقرها للأكل فإن كانت الحاجة داعية إليه, ولا بد منه فمباح بغير خلاف لأن الحاجة تبيح مال المعصوم, فمال الكافر أول وإن لم تكن الحاجة داعية إليه نظرنا فإن كان الحيوان لا يراد إلا للأكل كالدجاج والحمام وسائر الطير والصيد فحكمه حكم الطعام في قول الجميع لأنه لا يراد لغير الأكل, وتقل قيمته فأشبه الطعام وإن كان مما يحتاج إليه في القتال كالخيل, لم يبح ذبحه للأكل في قولهم جميعا وإن كان غير ذلك كالغنم والبقر, لم يبح في قول الخرقي وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد إباحته لأن هذا الحيوان مثل الطعام في باب الأكل والقوت فكان مثله في إباحته وإذا ذبح الحيوان أكل لحمه, وليس له الانتفاع بجلده لأنه إنما أبيح له ما يأكله دون غيره قال عبد الرحمن بن معاذ بن جبل: كلوا لحم الشاة وردوا إهابها إلى المغنم ولأن هذا حيوان مأكول فأبيح أكله, كالطير ووجه قول الخرقي ما روى سعيد: حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب, عن (ثعلبة بن الحكم قال: أصبنا غنما للعدو فانتهبنا, فنصبنا قدورنا فمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقدور وهي تغلي فأمر بها فأكفئت, ثم قال لهم: إن النهبة لا تحل) ولأن هذه الحيوانات تكثر قيمتها وتشح أنفس الغانمين بها ويمكن حملها إلى دار الإسلام, بخلاف الطير والطعام لكن إن أذن الأمير فيها جاز لما روى عطية بن قيس قال: كنا إذا خرجنا في سرية, فأصبنا غنما نادى منادي الإمام: ألا من أراد أن يتناول شيئا من هذه الغنم فليتناول إنا لا نستطيع سياقتها رواه سعيد وكذلك إن قسمها لما روى معاذ, قال: (غزونا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيبر فأصبنا غنما فقسم بيننا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طائفة, وجعل بقيتها في المغنم) رواه أبو داود وقال سعيد: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبيد أن رجلا نحر جزورا بأرض الروم, فلما بردت قال: يا أيها الناس خذوا من لحم هذه الجزور, فقد أذنا لكم فقال مكحول: يا غساني ألا تأتينا من لحم هذه الجزور؟ فقال الغساني: يا أبا عبد الله أما ترى عليها من النهبي؟ قال مكحول: لا نهبي في المأذون فيه. ولم يفرق أصحابنا بين جميع البهائم في هذه المسألة:, ويقوى عندي أن ما عجز المسلمون عن سياقته وأخذه إن كان مما يستعين به الكفار في القتال كالخيل, جاز عقره وإتلافه لأنه مما يحرم إيصاله إلى الكفار بالبيع فتركه لهم بغير عوض أولى بالتحريم وإن كان مما يصلح للأكل فللمسلمين ذبحه, والأكل منه مع الحاجة وعدمها وما عدا هذين القسمين لا يجوز إتلافه لأنه مجرد إفساد وإتلاف, وقد (نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذبح الحيوان لغير مأكلة). قال: ولا يقطع شجرهم ولا يحرق زرعهم إلا أن يكونوا يفعلون ذلك في بلادنا, فيفعل ذلك بهم لينتهوا وجملته أن الشجر والزرع ينقسم ثلاثة أقسام أحدها ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم, أو يسترون به من المسلمين أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق أو تمكن من قتال, أو سد بثق أو إصلاح طريق أو ستارة منجنيق, أو غيره أو يكونون يفعلون ذلك بنا فيفعل بهم ذلك, لينتهوا فهذا يجوز بغير خلاف نعلمه الثاني, ما يتضرر المسلمون بقطعه لكونهم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم أو يستظلون به, أو يأكلون من ثمره أو تكون العادة لم تجر بذلك بيننا وبين عدونا فإذا فعلناه بهم فعلوه بنا, فهذا يحرم لما فيه من الإضرار بالمسلمين الثالث ما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه بالمسلمين, ولا نفع سوى غيظ الكفار والإضرار بهم ففيه روايتان إحداهما, لا يجوز لحديث أبي بكر ووصيته وقد روى نحو ذلك مرفوعا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأن فيه إتلافا محضا فلم يجز, كعقر الحيوان وبهذا قال الأوزاعي والليث وأبو ثور والرواية الثانية, يجوز وبهذا قال ومالك والشافعي وإسحاق, وابن المنذر قال إسحاق: التحريق سنة إذا كان أنكى في العدو لقول الله تعالى: وهان على سراة بني لؤي ** حريق بالبويرة مستطير متفق عليه وعن الزهري قال: (فحدثني أسامة, أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان عهد إليه فقال: أغر على أبنا صباحا وحرق) رواه أبو داود قيل لأبي مسهر: أبنا قال: نحن أعلم هي يبنا فلسطين والصحيح أنها أبنا, كما جاءت الرواية وهي قرية من أرض الكرك في أطراف الشام, في الناحية التي قتل فيها أبوه فأما يبنا فهي من أرض فلسطين ولم يكن أسامة ليصل إليها, ولا يأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإغارة عليها لبعدها والخطر بالمصير إليها, لتوسطها في البلاد وبعدها من طرف الشام فما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليأمره بالتغرير بالمسلمين, فكيف يحمل الخبر عليها مع مخالفة لفظ الرواية وفساد المعنى. قال: ولا يتزوج في أرض العدو إلا أن تغلب عليه الشهوة فيتزوج مسلمة, ويعزل عنها ولا يتزوج منهم ومن اشترى منهم جارية لم يطأها في الفرج, وهو في أرضهم يعنى ـ والله أعلم ـ من دخل أرض العدو بأمان فأما إن كان في جيش المسلمين فمباح له أن يتزوج وقد روى عن سعيد بن أبي هلال, أنه بلغه (أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زوج أبا بكر أسماء ابنة عميس وهم تحت الرايات) أخرجه سعيد ولأن الكفار لا يد لهم عليه فأشبه من في دار الإسلام وأما الأسير, فظاهر كلام أحمد أنه لا يحل له التزوج ما دام أسيرا لأنه منعه من وطء امرأته إذا أسرت معه مع صحة نكاحهما وهذا قول الزهري, فإنه قال: لا يحل للأسير أن يتزوج ما كان في أيدي العدو وكره الحسن أن يتزوج ما دام في أرض المشركين لأن الأسير إذا ولد له ولد كان رقيقا لهم ولا يأمن أن يطأ امرأته غيره منهم وسئل أحمد عن أسير اشتريت معه امرأته, أيطؤها؟ فقال: كيف يطؤها فلعل غيره منهم يطؤها قال الأثرم: قلت له: ولعلها تعلق بولد, فيكون معهم قال: وهذا أيضا وأما الذي يدخل إليهم بأمان كالتاجر ونحوه فهو الذي أراد الخرقي ـ إن شاء الله تعالى ـ فلا ينبغي له التزوج لأنه لا يأمن أن تأتي امرأته بولد فيستولي عليه الكفار وربما نشأ بينهم, فيصير على دينهم فإن غلبت عليه الشهوة أبيح له نكاح مسلمة لأنها حال ضرورة ويعزل عنها, كي لا تأتي بولد ولا يتزوج منهم لأن امرأته إذا كانت منهم غلبته على ولدها فيتبعها على دينها وقال القاضي, في قول الخرقي: هذا نهى كراهة لا نهى تحريم لأن الله تعالى قال: وهي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام قال الله تعالى:
|