الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الأصل في كفارة اليمين الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: مسألة قال أبو القاسم -رحمه الله-: [ ومن وجبت عليه بالحنث كفارة يمين فهو مخير إن شاء أطعم عشرة مساكين مسلمين أحرارا, كبارا كانوا أو صغارا إذا أكلوا الطعام ] أجمع أهل العلم على أن الحانث في يمينه بالخيار إن شاء أطعم, وإن شاء كسا وإن شاء أعتق أي ذلك فعل أجزأه لأن الله - تعالى - عطف بعض هذه الخصال على بعض بحرف " أو ", وهو للتخيير قال ابن عباس: ما كان في كتاب الله "أو" فهو مخير فيه وما كان "فمن لم يجد" فالأول الأول ذكره الإمام أحمد في " التفسير " والواجب في الإطعام إطعام عشرة مساكين لنص الله تعالى على عددهم إلا أن لا يجد عشرة مساكين فيأتي ذكره, -إن شاء الله تعالى- ويعتبر في المدفوع إليهم أربعة أوصاف أن يكونوا مساكين وهم الصنفان اللذان تدفع إليهم الزكاة المذكوران في أول أصنافهم, في قوله تعالى: مسألة قال: [ لكل مسكين مد من حنطة أو دقيق, أو رطلان خبزا أو مدان تمرا أو شعيرا ] أما مقدار ما يعطى كل مسكين وجنسه فقد ذكرناه في باب الظهار ونص الخرقي على أنه يجزئ الدقيق والخبز ونص أحمد عليه أيضا وروي عنه, لا يجزئ الخبز وهو قول مالك والشافعي, وقال: لا يجزئه دقيق ولا سويق لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار ولا يجزئ في الزكاة فلم يجزئ في الكفارة كالقيمة ولنا قول الله تعالى: فصل والأفضل إخراج الحب لأن فيه خروجا من الخلاف قال أحمد التمر أعجب إلى والدقيق ضعيف والتمر أحب إلي, ويحتمل أن يكون إخراج الخبز أفضل لأنه أنفع للمسكين وأقل كلفة وأقرب إلى حصول المقصود منه بغنيته, والظاهر أن المسكين يأكله ويستغني به في يومه ذلك والحب يعجز عن طحنه وعجنه, فالظاهر أنه يحتاج إلى بيعه ثم يشتري بثمنه خبزا فيتكلف حمل كلفة البيع والشراء, وغبن البائع والمشتري له وتأخر حصول النفع به وربما لم يحصل له بثمنه من الخبز ما يكفيه ليومه, فيفوت المقصود مع حصول الضرر.
فصل ويجب أن يكون المخرج في الكفارة سالما من العيب فلا يكون الحب مسوسا ولا متغيرا طعمه, ولا فيه زؤان أو تراب يحتاج إلى تنقية وكذلك دقيقه وخبزه لأنه مخرج في حق الله - تعالى عما وجب في الذمة فلم يجز أن يكون معيبا كالشاة في الزكاة.
مسألة قال: [ ولو أعطاهم مكان الطعام أضعاف قيمته ورقا, لم يجزه ] وجملته أنه لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام ولا الكسوة في قول إمامنا ومالك, والشافعي وابن المنذر وهو ظاهر قول من سمينا قولهم في تفسير الآية في المسألة التي قبلها وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس, وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير, والنخعي وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي لأن المقصود دفع حاجة المسكين وهو يحصل بالقيمة ولنا قول الله - تعالى: قال: [ ويعطي من أقاربه من يجوز أن يعطيه من زكاة ماله ] وبهذا قال الشافعي وأبو ثور ولا نعلم فيه مخالفا ولأن الكفارة حق مال يجب لله - تعالى, فجرى مجرى الزكاة فيمن يدفع إليه من أقاربه ومن لا يدفع إليه وقد سبق ذلك في باب الزكاة وكل من يمنع الزكاة من الغني والكافر, والرقيق يمنع أخذ الكفارة وهل يمنع منها بنو هاشم؟ فيه وجهان أحدهما يمنعون منها لأنها صدقة واجبة فمنعوا منها لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إنا لا تحل لنا الصدقة) وقياسا على الزكاة والثاني, لا يمنعون لأنها لم تجب بأصل الشرع فأشبهت صدقة التطوع. قال: [ ومن لم يصب إلا مسكينا واحدا ردد عليه في كل يوم تتمة عشرة أيام ] وجملته أن المكفر لا يخلو من أن يجد المساكين بكمال عددهم, أولا يجدهم فإن وجدهم لم يجزئه إطعام أقل من عشرة في كفارة اليمين, ولا أقل من ستين في كفارة الظهار وكفارة الجماع في رمضان وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأجاز الأوزاعي دفعها إلى واحد وقال أبو عبيد إن خص بها أهل بيت شديدي الحاجة جاز, بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للمجامع في رمضان حين أخبره بشدة حاجته وحاجة أهله: (أطعمه عيالك) ولأنه دفع حق الله - تعالى - إلى من هو من أهل الاستحقاق فأجزأه, كما لو دفع زكاته إلى واحد وقال أصحاب الرأي: يجوز أن يرددها على مسكين واحد في عشرة أيام إن كانت كفارة يمين أو في ستين إن كان الواجب إطعام ستين مسكينا, ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد لأنه في كل يوم قد أطعم مسكينا ما يجب للمسكين فأجزأ كما لو أعطى غيره, ولأنه لو أطعم هذا المسكين من كفارة أخرى أجزأه فكذلك إذا أطعمه من هذه الكفارة ولنا, قول الله - تعالى: فصل وإن أطعم كل يوم مسكينا, حتى أكمل العشرة أجزأه بلا خلاف نعلمه لأن الواجب إطعام عشرة مساكين, وقد أطعمهم وإن دفعها إلى من يظنه مسكينا فبان غنيا ففي ذلك وجهان, بناء على الروايتين في دفع الزكاة إليه أحدهما لا يجزئه وهو قول الشافعي وأبي يوسف, وأبي ثور وابن المنذر لأنه لم يطعم المساكين فلم يجزئه, كما لو علم والثاني يجزئه وهو قول أبي حنيفة ومحمد لأنه دفعها إلى من يظنه مسكينا, وظاهره المسكنة فأجزأه كما لو لم يعلم, وهذا لأن الفقر يخفى وتشق معرفة حقيقته قال الله تعالى: إذا أطعم مسكينا في يوم واحد من كفارتين, ففيه وجهان أحدهما يجزئه لأنه أطعم عن كل كفارة عشرة مساكين فأجزأه, كما لو أطعمه في يومين ولأن من جاز له أن يأخذ من اثنين جاز أن يأخذ من واحد, كالقدر الذي يجوز له أخذه من الزكاة والثاني لا يجزئه إلا عن واحد وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه أعطى مسكينا في يوم طعام اثنين, فلم يجزئه إلا عن واحد كما لو كان في كفارة واحدة وإن أطعم اثنين من كفارتين في يوم واحد جاز ولا نعلم في جوازه خلافا وكذلك إن أطعم واحدا من كفارتين في يومين, , جاز أيضا بغير خلاف نعلمه فلو كان على واحد عشر كفارات وعنده عشرة مساكين, يطعمهم كل يوم كفارة يفرقها عليهم جاز لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته, وبيان أنه أتى بما أمر أنه أطعم عن كل كفارة عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله والحكم في الكسوة كالحكم في الطعام, على ما فصلناه. قال: [ وإن شاء كسا عشرة مساكين للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار ] لا خلاف في أن الكسوة أحد أصناف كفارة اليمين لنص الله - تعالى - عليها في كتابه بقوله تعالى: {أو كسوتهم} ولا تدخل في كفارة غير كفارة اليمين ولا يجزئه أقل من كسوة عشرة لقول الله - تعالى: فصل ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة من القطن والكتان, والصوف والشعر والوبر, والخز والحرير لأن الله - تعالى - أمر بكسوتهم ولم يعين جنسا فأي جنس كساهم منه خرج به عن العهدة لوجود الكسوة المأمور بها ويجوز أن يكسوهم لبيسا أو جديدا, إلا أن يكون مما قد بلي وذهبت منفعته فلا يجزئ لأنه معيب, كالحب المعيب والرقبة إذا بطلت منفعتها وسواء كان ما أعطاهم مصبوغا أو غير مصبوغ أو خاما أو مقصورا لأنه تحصل الكسوة المأمور بها, والحكمة المقصودة منها.
فصل والذين تجزئ كسوتهم هم المساكين الذين يجزئ إطعامهم لأن الله - تعالى قال: قال: [ وإن شاء أعتق رقبة مؤمنة قد صلت وصامت لأن الإيمان قول وعمل, وتكون سليمة ليس فيها نقص يضر بالعمل ] وجملته أن إعتاق الرقبة أحد خصال الكفارة بغير خلاف لنص الله تعالى عليه, بقوله: ولا يجزئ إعتاق الجنين. في قول أكثر أهل العلم. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي. وقال أبو ثور: يجزئ؛ لأنه آدمي مملوك، فصح إعتاقه عن الرقبة، كالمولود. ولنا، أنه لم تثبت له أحكام الدنيا بعد؛ فإنه لا يملك إلا بالإرث والوصية، ولا يشترط لهما كونه آدميا؛ لكونه ثبت له ذلك وهو نطفة أو علقة، وليس بآدمي في تلك الحال. الثالث، أن لا يكون بها نقص يضر بالعمل. وقد شرحنا ذلك في الظهار. ويجزئ الصبي وإن كان عاجزا عن العمل؛ لأن ذلك ماض إلى زوال، وصاحبه سائر إلى الكمال. ولا يجزئ المجنون؛ لأن نقصه لا غاية لزواله معلومة، فأشبه الزمن . فإن أعتق غائبا تعلم حياته وتجيء أخباره صح, وأجزأه عن الكفارة كالحاضر وإن شك في حياته وانقطع خبره لم يحكم بالإجزاء فيه لأن الأصل شغل ذمته, ولا تبرأ بالشك وهذا العبد مشكوك فيه في وجوده فشك في إعتاقه فإن قيل: الأصل حياته قلنا: إلا أنه قد علم أن الموت لا بد منه, وقد وجدت دلالة عليه وهو انقطاع أخباره فإن تبين بعد هذا كونه حيا تبينا صحة عتقه وبراءة الذمة من الكفارة, وإلا فلا. وإن أعتق غيره عنه بغير أمره لم يقع عن المعتق عنه إذا كان حيا, وولاؤه للمعتق ولا يجزئ عن كفارته وإن نوى ذلك وبهذا قال أبو حنيفة, والشافعي وحكي عن مالك أنه إذا أعتق عن واجب على غيره بغير أمره صح لأنه قضى عنه واجبا فصح, كما لو قضى عنه دينا ولنا أنه عبادة من شرطها النية فلم يصح أداؤها عمن وجبت عليه بغير أمره, مع كونه من أهل الأمر كالحج ولأنه أحد خصال الكفارة فلم يصح عن المكفر بغير أمره, كالصيام وهكذا الخلاف فيما إذا كفر عنه بإطعام أو كسوة ولا يجوز أن ينوب عنه في الصيام بإذنه ولا بغير إذنه لأنه عبادة بدنية فلا تدخلها النيابة فأما إن أعتق عنه بأمره, نظرت فإن جعل له عوضا صح العتق عن المعتق عنه وله ولاؤه, وأجزأ عن كفارته بغير خلاف علمناه وبه يقول أبو حنيفة ومالك, والشافعي وغيرهم لأنه حصل العتق عنه بماله فأشبه ما لو اشتراه ووكل البائع في إعتاقه عنه, وإن لم يشترط عوضا ففيه روايتان إحداهما يقع العتق عن المعتق عنه, ويجزئ في كفارته وهو قول مالك والشافعي لأنه أعتق بأمره فصح كما لو شرط عوضا والأخرى, لا يجزئ وولاؤه للمعتق وهو قول أبي حنيفة لأن العتق بعوض كالبيع وبغير عوض كالهبة, ومن شرط الهبة القبض ولم يحصل فلم يقع عن الموهوب له, وفارق البيع فإنه لا يشترط فيه القبض فإن كان المعتق عنه ميتا نظرت فإن وصى بالعتق, صح لأنه بأمره وإن لم يوص به فأعتق عنه أجنبي لم يصح لأنه ليس بنائب عنه, وإن أعتق عنه وارثه فإن لم يكن عليه واجب لم يصح العتق عنه, ووقع عن المعتق وإن كان عليه عتق واجب صح العتق عنه لأنه نائب له في ماله وأداء واجباته فإن كانت عليه كفارة يمين فكسا عنه أو أطعم عنه, جاز وإن أعتق عنه ففيه وجهان أحدهما, ليس له ذلك لأنه غير متعين فجرى مجرى التطوع والثاني يجزئ لأن العتق يقع واجبا لأن الوجوب يتعين فيه بالفعل, فأشبه المعين من العتق ولأنه أحد خصال كفارة اليمين فجاز أن يفعله عنه, كالإطعام والكسوة ولو قال من عليه الكفارة: أطعم عن كفارتي أو: اكس ففعل صح رواية واحدة, سواء ضمن له عوضا أو لم يضمن له عوضا. قال: [ولو اشتراها بشرط العتق فأعتقها في الكفارة، عتقت، ولم تجزئه عن الكفارة ] وهذا مذهب الشافعي. وروي عن معقل بن يسار ما يدل عليه؛ وذلك لأنه إذا اشتراها بشرط العتق، فالظاهر أن البائع نقصه من الثمن لأجل هذا الشرط، فكأنه أخذ عن العتق عوضا، فلم يجزئه عن الكفارة. قال أحمد: إن كانت رقبة واجبة، لم يجزئه؛ لأنها ليست رقبة سليمة، ولأن عتقها يستحق بسبب آخر، وهو الشرط، فلم يجزئه، كما لو اشترى قريبه، فنوى بشرائه العتق عن الكفارة، أو قال: إن دخلت الدار فأنت حر. ثم نوى عند دخوله أنه عن كفارته. ولو قال له رجل: أعتق عبدك عن كفارتك ولك عشرة دنانير ففعل, لم يجزئه عن الكفارة لأن الرقبة لم تقع خالصة عن الكفارة وقال القاضي العتق كله يقع عن باذل العوض وله ولاؤه وهذا فيه نظر فإن المعتق لم يعتقه عن باذل العوض ولا رضي بإعتاقه عنه, ولا باذل العوض طلب ذلك والصحيح أن إعتاقه من المعتق والولاء له وقد ذكر الخرقي أنه إذا قال: أعتقه, والثمن علي فالثمن عليه والولاء للمعتق فإن رد العشرة على باذلها ليكون العتق عن الكفارة وحدها أو عزم على رد العشرة, أو رد العشرة قبل العتق وأعتقه عن كفارته أجزأه. وإذا اشترى عبدا ينوي إعتاقه عن كفارته فوجد به عيبا لا يمنع من الإجزاء في الكفارة, فأخذ أرشه ثم أعتق العبد عن كفارته أجزأه وكان الأرش له لأن العتق إنما وقع على العبد المعيب دون الأرش وإن أعتقه قبل العلم بالعيب, ثم ظهر على العيب فأخذ أرشه فهو له أيضا, كما لو أخذه قبل إعتاقه وعنه أنه يصرف ذلك الأرش في الرقاب لأنه أعتقه معتقدا أنه سليم فكان بمنزلة العوض عن حق الله - تعالى -, وكفارة الأرش مصروفة في حق الله - تعالى كما لو باعه كان الأرش للمشتري وإن علم العيب ولم يأخذ أرشه حتى أعتقه, كان الأرش للمعتق لأنه أعتقه معيبا عالما بعيبه فلم يلزمه أرش كما لو باعه ولم يعلم عيبه. قال: [ وكذلك ولو اشترى بعض من يعتق عليه إذا ملكه, ينوي بشرائه الكفارة عتق ولم يجزئه ] وبهذا قال مالك, والشافعي وأبو ثور وقال أصحاب الرأي: يجزئه: استحسانا لأنه يجزئ عن كفارة البائع فأجزأ عن كفارة المشتري, كغيره ولنا قوله تعالى: {فتحرير رقبة} والتحرير فعل العتق ولم يحصل العتق ها هنا بتحرير منه, ولا إعتاق فلم يكن ممتثلا للأمر ولأن عتقه مستحق بسبب آخر, فلم يجزئه كما لو ورثه ينوي به العتق عن كفارته أو كأم الولد, ويخالف المشتري البائع من وجهين أحدهما أن البائع يعتقه والمشتري لم يعتقه, إنما يعتق بإعتاق الشرع وهذا عن غير اختيار منه والثاني أن البائع لا يستحق عليه إعتاقه, والمشتري بخلافه. إذا ملك نصف عبد فأعتقه عن كفارته عتق, وسرى إلى باقيه إن كان موسرا بقيمة باقيه ولم يجزئه عن كفارته في قول أبي بكر الخلال, وصاحبه وحكاه عن أحمد وهو قول أبي حنيفة لأن عتق نصيب شريكه لم يحصل بإعتاقه إنما حصل بالسراية, وهي غير فعله وإنما هي من آثار فعله فأشبه ما لو اشترى من يعتق عليه ينوي به الكفارة يحقق هذا, أنه لم يباشر بالإعتاق إلا نصيبه فسرى إلى غيره ولو خص نصيب غيره بالإعتاق, لم يعتق منه شيء ولأنه إنما يملك إعتاق نصيبه لا نصيب غيره وقال القاضي: قال غيرهما من أصحابنا: يجزئه إذا نوى إعتاق جميعه عن كفارته وهو مذهب الشافعي لأنه أعتق عبدا كامل الرق, سليم الخلق غير مستحق العتق ناويا به الكفارة, فأجزأه كما لو كان الجميع ملكه والأول أصح إن شاء الله, ولا نسلم أنه أعتق العبد كله وإنما أعتق نصفه وعتق الباقي عليه, فأشبه شراء قريبه ولأن إعتاق باقيه مستحق بالسراية فهو كالقريب, فعلى هذا: هل يجزئه عتق نصفه الذي هو ملكه ويعتق نصفا آخر فتكمل الكفارة؟ ينبني على ما إذا أعتق نصفي عبدين وسنذكره إن شاء الله - تعالى وإن نوى عتق نصيبه عن الكفارة, ولم ينو ذلك في نصيب شريكه لم يجزئه نصيب شريكه وفي نصيبه نفسه ما سنذكره -إن شاء الله تعالى- ولو كان معسرا, فأعتق نصيبه عن كفارته فكذلك فإن ملك باقيه, فأعتقه عن الكفارة أجزأه ذلك وإن أراد صيام شهر, وإطعام ثلاثين مسكينا لم يجزئه كما لو أعتق نصف عبد في كفارة اليمين, وأطعم خمسة مساكين أو كساهم لم يجزئه. وإن كان العبد كله له فأعتق جزءا منه معينا, أو مشاعا عتق جميعه فإن كان نوى به الكفارة أجزأ عنه لأن إعتاق بعض العبد إعتاق لجميعه وإن نوى إعتاق الجزء الذي باشره بالإعتاق عن الكفارة دون غيره, لم يجزئه عتق غيره وهل يحتسب بما نوى به الكفارة؟ على وجهين. وإن قال: إن ملكت فلانا فهو حر وقلنا: يصح هذا التعليق فاشتراه ينوي العتق عن كفارته عتق, ولم يجزئه عن الكفارة ويخرج فيه من الخلاف مثل ما في شراء قريبه والله أعلم. قال: [ ولا تجزئ في الكفارة أم ولد ] هذا ظاهر المذهب وبه قال الأوزاعي ومالك, والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد, رواية أخرى أنها تجزئ ويروى ذلك عن الحسن وطاوس, والنخعي وعثمان البتي لقول الله - تعالى: {فتحرير رقبة} ومعتقها قد حررها ولنا أن عتقها يستحق بسبب آخر, فلم يجزئ عنه كما لو اشترى قريبه أو عبدا بشرط العتق فأعتقه, وكما لو قال لعبده: أنت حر إن أدخلت الدار ثم نوى عتقه عن كفارته عند دخوله والآية مخصوصة بما ذكرناه فنقيس عليه ما اختلفنا فيه. ولد أم الولد الذي ولدته بعد كونها أم ولد حكمه حكمها فيما ذكرناه لأن حكمه حكمها في العتق بموت سيدها. قال: [ ولا مكاتب قد أدى من كتابته شيئا ] روي عن أحمد, -رحمه الله- في المكاتب ثلاث روايات إحداهن يجزئ مطلقا اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي ثور لأن المكاتب عبد يجوز بيعه, فأجزأ عتقه كالمدبر ولأنه رقبة, فدخل في مطلق قوله سبحانه: {فتحرير رقبة} والثانية لا يجزئ مطلقا وهو قول مالك والشافعي, وأبي عبيد لأن عتقه مستحق بسبب آخر ولهذا لا يملك إبطال كتابته فأشبه أم الولد والثالثة, إن أدى من كتابته شيئا لم يجزئه وإلا أجزأه وبهذا قال الليث والأوزاعي, وإسحاق وأصحاب الرأي قال القاضي: هو الصحيح لأنه إذا أدى شيئا فقد حصل العوض عن بعضه فلم يجزئ, كما لو أعتق بعض رقبة وإذا لم يؤد فقد أعتق رقبة كاملة مؤمنة سالمة الخلق تامة الملك, لم يحصل عن شيء منها عوض فأجزأ عتقه كالمدبر ولو أعتق عبدا على مال, فأخذه من العبد لم يجزئ عن كفارته في قولهم جميعا. قال: [ ويجزئه المدبر ] وهذا قول طاوس, والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وقال الأوزاعي, وأبو عبيد وأصحاب الرأي: لا يجزئ لأن عتقه مستحق بسبب آخر فأشبه أم الولد, ولأن بيعه عندهم غير جائز فأشبه أم الولد ولنا قوله تعالى: {فتحرير رقبة} وقد حرر رقبة, ولأنه عبد كامل المنفعة يجوز بيعه ولم يحصل عن شيء منه عوض, فجاز عتقه كالقن والدليل على جواز بيعه, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع مدبرا وسنذكر حديثه في بابه إن شاء الله - تعالى ولأن التدبير إما أن يكون وصية أو عتقا بصفة وأيا ما كان, فلا يمنع التكفير بإعتاقه قبل وجود الصفة والصفة ها هنا الموت ولم يوجد. قال: [ والخصي ] لا نعلم في إجزاء الخصي خلافا, سواء كان مقطوعا أو مشلولا أو موجوءا لأن ذلك نقص لا يضر بالعمل ولا يؤثر فيه بل ربما زادت بذلك قيمته, فاندفع فيه ضرر شهوته فأجزأ كالفحل. قال: [ وولد الزنى ] هذا قول أكثر أهل العلم, روي ذلك عن فضالة بن عبيد وأبي هريرة وبه قال ابن المسيب, والحسن وطاوس والشافعي, وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وروي عن عطاء, والشعبي والنخعي والأوزاعي, وحماد أنه لا يجزئ لأن أبا هريرة روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ولد الزنى شر الثلاثة) قال أبو هريرة: لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد زنية رواه أبو داود ولنا, دخوله في مطلق قوله تعالى: {فتحرير رقبة} ولأنه مملوك مسلم كامل العمل لم يعتض عن شيء منه ولا استحق عتقه بسبب آخر, فأجزأ عتقه كولد الرشيدة فأما الأحاديث الواردة في ذمه فاختلف أهل العلم في تفسيرها فقال الطحاوي: ولد الزنى هو الملازم للزنى, كما يقال: ابن السبيل الملازم لها وولد الليل الذي لا يهاب السرقة وقال الخطابي عن بعض أهل العلم, قال: هو شر الثلاثة أصلا وعنصرا ونسبا لأنه خلق من ماء الزنى وهو خبيث وأنكر قوم هذا التفسير وقالوا: ليس عليه من وزر والديه شيء, وقد قال الله تعالى: مسألة قال: [ فإن لم يجد من هذه الثلاثة واحدا أجزأه صيام ثلاثة أيام متتابعة] يعني إن لم يجد إطعاما, ولا كسوة ولا عتقا انتقل إلى صيام ثلاثة أيام لقول الله تعالى: قال: [ ولو كان الحانث عبدا لم يكفر بغير الصوم] لا خلاف في أن العبد يجزئه الصيام في الكفارة لأن ذلك فرض المعسر من الأحرار وهو أحسن حالا من العبد فإنه يملك في الجملة, ولأن العبد داخل في قوله تعالى فصل وإذا أعتق العبد عبدا عن كفارته بإذن سيده وقلنا: إن الإعتاق في الكفارة يثبت به الولاء لمعتقه ثبت ولاؤه للعبد الذي أعتقه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إنما الولاء للمعتق " ولا يرث لأنه ليس من أهل الميراث, ولا يمتنع ثبوت الولاء مع انتفاء الإرث كما لو اختلف دينهما أو قتل المعتق عتيقه فإنه لا يرثه مع ثبوت الولاء له عليه فإن عتق المعتق له ورث بالولاء, لزوال المانع كما إذا كانا مختلفي الدين فأسلم الكافر منهما ذكر هذا طلحة العاقولي ومقتضى هذا أن سيد العبد لا يرث عتيقه في حياة عبده, كما لا يرث ولد عبده فإن أعتق عبده ثم مات ورث السيد مولى عبده لأنه مولى مولاه, كما أنه لو أعتق العبد وله ولد عليه الولاء لمولى أمه يجر ولاءه ويرثه سيده إذا مات أبوه.
فصل وليس للسيد منع عبده من التكفير بالصيام, سواء كان الحلف أو الحنث بإذنه أو بغير إذنه وسواء أضر به الصيام أو لم يضر به وقال الشافعي: إن حنث بغير إذنه والصوم يضر به, فله منعه لأن السيد لم يأذن له فيما ألزمه نفسه مما يتعلق به ضرر على السيد فكان له منعه وتحليله, كما لو أحرم بالحج بغير إذنه ولنا أنه صوم واجب لحق الله - تعالى فلم يكن لسيده منعه منه, كصيام رمضان وقضائه ويفارق الحج لأن ضرره كثير لطول مدته وغيبته عن سيده, وتفويت خدمته ولهذا ملك تحليل زوجته منه ولم يملك منعها صوم الكفارة فأما صوم التطوع, فإن كان فيه ضرر عليه فللسيد منعه منه لأنه يفوت حقه بما ليس بواجب عليه وإن كان لا يضر به, لم يكن لسيده منعه منه لأنه يعبد ربه بما لا مضرة فيه فأشبه ذكر الله - تعالى وصلاة النافلة في غير وقت خدمته, وللزوج منع زوجته منه في كل حال لأنه يفوت حقه من الاستمتاع ويمنعه منه.
مسألة قال: [ولو حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق عليه فعليه الصوم لا يجزئه غيره] ظاهر هذا أن الاعتبار في الكفارات بحالة الحنث لأنه وقت الوجوب وهو حينئذ عبد, فوجب عليه الصوم فلا يجزئه غير ما وجب عليه وقال القاضي: هذا فيه نظر فإن المنصوص أنه يكفر كفارة عبد, لأنه إنما يكفر بما وجب عليه يوم حنث ومعناه أنه لا يلزمه التكفير بالمال فإن كفر به أجزأه وهذا منصوص عن الشافعي, ومن أصحابه من قال بقول الخرقي وليس على الخرقي حجة من كلام أحمد بل هو حجة له لقوله: إنما يكفر ما وجب عليه " وإنما " للحصر, تثبت المذكور وتنفي ما عداه ولم يجب عليه إلا الصوم فلا يكفر بغيره ووجه ذلك, أنه حكم تعلق بالعبد في رقه فلم يتغير بحريته كالحد, وهذا على القول الذي لم يجز فيه للعبد التكفير بالمال بإذن سيده فأما على القول الآخر فله التكفير ها هنا بطريق الأولى لأنه إذا جاز له في حال رقه التكفير بالمال, ففي حال حريته أولى وإنما احتاج إلى إذن سيده في حال رقه لأن المال لسيده أو لتعلق حقه بماله, وبعد الحرية قد زال ذلك فلا حاجة إلى إذنه وإن قلنا: التكفير بأغلظ الأحوال لم يكن له التكفير بغير المال إن كان موسرا وإن حلف عبد وحنث وهو حر, فحكمه حكم الأحرار لأن الكفارة لا تجب قبل الحنث فما وجبت إلا وهو حر.
فصل من نصفه حر حكمه في التكفير حكم الحر الكامل, فإذا ملك بجزئه الحر ما لا يكفر به لم يجز له الصيام وله التكفير بأحد الأمور الثلاثة وظاهر مذهب الشافعي, أن له التكفير بالإطعام والكسوة دون الإعتاق لأنه لا يثبت له الولاء ومنهم من قال: لا يجزئه إلا الصيام لأنه منقوص بالرق أشبه القن ولنا قول الله تعالى: قال: [ويكفر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته, مقدار ما يكفر به] وجملة ذلك أن كفارة اليمين تجمع تخييرا وترتيبا فيتخير بين الخصال الثلاث, فإن لم يجدها انتقل إلى صيام ثلاثة أيام ويعتبر أن لا يجد فاضلا عن قوته وقوت عياله يومه وليلته, قدرا يكفر به وهذا قول إسحاق ونحوه قال أبو عبيد وابن المنذر وقال الشافعي: من جاز له الأخذ من الزكاة لحاجته وفقره أجزأه الصيام لأنه فقير ولأن النخعي قال: إذا كان مالكا لعشرين درهما, فله الصيام وقال عطاء الخراساني: لا يصوم من ملك عشرين درهما ولمن يملك دونها الصيام وقال سعيد بن جبير: إذا لم يملك إلا ثلاثة دراهم كفر بها وقال الحسن: درهمين وهذان القولان نحو قولنا ووجه ذلك, أن الله تعالى اشترط للصيام أن لا يجد بقوله تعالى: فصل فلو ملك ما يكفر به وعليه دين مثله, وهو مطالب به فلا كفارة عليه لأنه حق آدمي والكفارة حق لله - تعالى فإذا كان مطالبا بالدين, وجب تقديمه كزكاة الفطر فإن لم يكن مطالبا بالدين, فكلام أحمد يقتضي روايتين إحداهما تجب الكفارة لأنه لا يعتبر فيها قدر من المال فلم تسقط بالدين كزكاة الفطر والثانية لا تجب لأنها حق لله تعالى, يجب في المال فأسقطها الدين كزكاة المال وهذا أصح لأن حق الآدمي أولى بالتقديم لشحه, وحاجته إليه وفيه نفع للغريم وتفريغ ذمة المدين, وحق الله - تعالى - مبني على المسامحة لكرمه وغناه ولأن الكفارة بالمال لها بدل ودين الآدمي لا بدل له, ويفارق صدقة الفطر لكونها أجريت مجرى النفقة ولهذا يتحملها الإنسان عن غيره كالزوج عن امرأته وعائلته ورقيقه ولا بدل لها, بخلاف الكفارة.
فصل فإن كان له مال غائب أو دين يرجو وفاءه لم يكفر بالصيام وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئه الصيام لأنه غير واجد, فأجزأه الصيام عملا بقوله تعالى: قال [ومن له دار لا غنى له عن سكناها أو دابة يحتاج إلى ركوبها أو خادم يحتاج إلى خدمته, أجزأه الصيام في الكفارة] وجملته أن الكفارة إنما تجب فيما يفضل عن حاجته الأصلية والسكنى من الحوائج الأصلية وكذلك الدابة التي يحتاج إلى ركوبها لكونه لا يطيق المشي فيما يحتاج إليه, أو لم تجر عادته به وكذلك الخادم الذي يحتاج إلى خدمته لكونه ممن لا يخدم نفسه لمرض أو كبر, أو لم تجر عادته به فهذه الثلاثة من الحوائج الأصلية لا تمنع التكفير بالصيام ولا الزكاة من الأخذ والكفارة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة, ومالك: من ملك رقبة تجزئ في الكفارة لا يجزئه الصيام وإن كان محتاجا إليها لخدمته لأنه واجد لرقبة يعتقها, فيلزمه ذلك لقوله تعالى: فصل ومن له عقار يحتاج إلى أجرته لمؤنته أو حوائجه الأصلية أو بضاعة يختل ربحها المحتاج إليه بالتكفير منها أو سائمة يحتاج إلى نمائها حاجة أصلية, أو أثاث يحتاج إليه وأشباه هذا فله التكفير بالصيام لأن ذلك مستغرق لحاجته الأصلية, فأشبه المعدم.
مسألة قال [ويجزئه إن أطعم خمسة مساكين وكسا خمسة] وجملته أنه إذا أطعم بعض المساكين وكسا الباقين, بحيث يستوفي العدد أجزأه في قول إمامنا, والثوري وأصحاب الرأي وقال الشافعي: لا يجزئه لقول الله - تعالى: وإن أطعم المسكين بعض الطعام, وكساه بعض الكسوة لم يجزئه لأنه ما أطعمه الطعام الواجب له ولا كساه الكسوة الواجبة, فصار كمن لم يطعمه شيئا ولم يكسه وإن أطعم بعض المساكين برا وبعضهم تمرا, أو من جنس آخر أجزأ وقال الشافعي: لا يجزئه ولنا قوله تعالى: مسألة قال: [وإن أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين, أو نصفي عبد وأمة أجزأ عنه] قال الشريف أبو جعفر: هذا قول أكثرهم يعني أكثر الفقهاء وقال أبو بكر بن جعفر: لا يجزئ لأن المقصود من العتق تكميل الأحكام ولا يحصل من إعتاق نصفين واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه فمنهم من قال كقول الخرقي, ومنهم من قال كقول أبي بكر ومنهم من قال: إن كان نصف الرقيق حرا أجزأ لأنه يحصل تكميل الأحكام, وإن كان رقيقا لم يجز لأنه لا يحصل ولنا أن الأشقاص كالأشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير, دليله الزكاة ونعني به إذا كان له نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة, كما لو ملك أربعين منفردة وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها والأولى أنه لا يجزئ إعتاق نصفين إذا لم يكن الباقي بينهما حرا لأن إطلاق الرقبة إنما ينصرف إلى إعتاق الكاملة, ولا يحصل من الشقصين ما يحصل من الرقبة الكاملة من تكميل الأحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق ونقصه فلا يثبت به من الأحكام ما يثبت بإعتاق رقبة كاملة, ويمتنع قياس الشقصين على الرقبة الكاملة ولهذا لو أمر إنسانا بشراء رقبة أو بيعها أو بإهداء حيوان أو بالصدقة به, لم يكن له أن يشقصه كذا ها هنا.
مسألة قال: [ وإن أعتق نصف عبد وأطعم خمسة مساكين, أو كساهم لم يجزئه] لا نعلم في هذا خلافا وذلك لأن مقصودهما مختلف متباين إذ كان القصد من العتق تكميل الأحكام, وتخليص المعتق من الرق والقصد من الإطعام والكسوة سد الخلة وإبقاء النفس, بدفع المجاعة في الإطعام وستر العورة ودفع ضرر الحر والبرد في الكسوة, فلتقارب معناهما واتحاد مصرفهما جريا مجرى الجنس الواحد, فكملت الكفارة من أحدهما بالآخر ولذلك سوى بين عددهما ولتباعد مقصد العتق منهما, واختلاف مصرفهما ومباينتهما له لم يجريا مجرى الجنس الواحد, فلم يكمل به واحد منهما ولذلك خالف عدده عددهما.
فصل ولو أطعم بعض المساكين أو كساهم, أو أعتق نصف عبد ولم يكن له ما يتم به الكفارة فصام عن الباقي, لم يجزئه ولأنه بدل في الكفارة فلم تكمل به كسائر الأبدال مع مبدلاتها, ولأن الصوم من الطعام والكسوة أبعد من العتق فإذا لم يجز تكميل أحد نوعي المبدل من الآخر, فتكميله بالبدل أولى فإن قيل: يبطل هذا بالغسل والوضوء مع التيمم قلنا: التيمم لا يأتي ببعضه بدلا عن بعض الطهارة وإنما يأتي به بكماله وها هنا لو أتى بالصيام جميعه, أجزأه.
مسألة قال: [ ومن دخل في الصوم ثم أيسر لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى العتق, أو الإطعام إلا أن يشاء] في هذه المسألة فصلان: أنه إذا شرع في الصوم ثم قدر على العتق أو الإطعام أو الكسوة, لم يلزمه الرجوع إليها روي ذلك عن الحسن وقتادة وبه قال مالك والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وروي عن النخعي والحكم, أنه يلزمه الرجوع إلى أحدها وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنه قدر على المبدل قبل إتمام البدل, فلزمه الرجوع كالمتيمم إذا قدر على الماء قبل إتمام صلاته ولنا أنه بدل لا يبطل بالقدرة على المبدل, فلم يلزمه الرجوع إلى المبدل بعد الشروع فيه كما لو شرع المتمتع العاجز عن الهدي في صوم السبعة الأيام فإنه لا يخرج, بلا خلاف والدليل على أن البدل لا يبطل أن البدل الصوم وهو صحيح مع قدرته اتفاقا, وفارق التيمم فإنه يبطل بالقدرة على الماء بعد فراغه منه ولأن الرجوع إلى طهارة الماء لا مشقة فيه ليسره, والكفارة يشق الجمع فيها بين خصلتين وإيجاب الرجوع يفضي إلى ذلك فإن قيل: ينتقض دليلكم بما إذا شرع المتمتع في صوم الثلاثة قلنا: إذا قدر على الهدي في صوم الثلاثة تبينا أنه ليس بعادم له في وقته لأن وقت الهدي يوم النحر, بخلاف مسألتنا أنه إن أحب الانتقال إلى الأعلى فله ذلك في قول أكثرهم, ولا نعلم خلافا إلا في العبد إذا حنث ثم عتق وقال أبو الخطاب: لا يجوز الانتقال في مسألتنا محتجا بقول الخرقي: إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق قال: وهو ظاهر كلام أحمد لقوله في العبد: إنما يكفر ما وجب عليه ولنا, أن العتق والإطعام الأصل فأجزأه التكفير به كما لو تكلف الفقير فاستدان وأعتق فأما العبد إذا عتق, فيحتمل أنه يجوز له الانتقال كمسألتنا ويحمل كلام أحمد على أنه لا يلزمه الانتقال ويحتمل أنه يفرق بينه وبين الحر, من حيث إن الحر كان يجزئه التكفير بالمال لو تكلفه والعبد لم يكن يجزئه إلا الصيام على رواية.
فصل
ولو وجبت الكفارة على موسر فأعسر, لم يجزئه الصيام وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي: يجزئه لأنه عاجز عن المبدل فجاز له العدول إلى البدل كما لو وجبت عليه الصلاة ومعه ماء فاندفق قبل الوضوء به ولنا, أن الإطعام وجب عليه في الكفارة فلم يسقط بالعجز عنه كالإطعام في كفارة الظهار, وفارق الوضوء لأن الصلاة واجبة ولا بد من أدائها فاحتيج إلى الطهارة لها في وقتها, بخلاف الكفارة.
فصل والكفارة في حق العبد والحر والرجل والمرأة والمسلم والكافر, سواء لأن الله - تعالى - ذكر الكفارة بلفظ عام في جميع المخاطبين فدخل الكل في عمومه إلا أن الكافر لا يصح منه التكفير بالصيام لأنه عبادة وليس هو من أهلها, ولا بالإعتاق لأن من شرطه الإيمان في الرقبة ولا يجوز لكافر شراء مسلم إلا أن يتفق إسلامه في يديه, أو يرث مسلما فيعتقه فيصح إعتاقه وإن لم يتفق ذلك فتكفيره بالإطعام أو الكسوة فإذا كفر به ثم أسلم, لم يلزمه إعادة التكفير وإن أسلم قبل التكفير كفر بما يجب عليه في تلك الحال من إعتاق أو إطعام أو كسوة أو صيام ويحتمل على قول الخرقي, ألا يجزئه الصيام لأنه إنما يكفر بما وجب عليه حين الحنث ولم يكن الصيام مما وجب عليه
|