الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وإذا وطئ امرأة له عليها القصاص وجب عليه الحد لأنه حق له عليها, فلا يسقط الحد عنه كالدين. قال [ولو رجم بإقرار فرجع قبل أن يقتل, كف عنه وكذلك إن رجع بعد أن جلد وقبل كمال الحد خلى] قد تقدم شرح هذه المسألة:, وذكرنا أن المقر بالحد متى رجع عن إقراره ترك وكذلك إن أتى بما يدل على الرجوع مثل الهرب, لم يطلب (لأن ماعزا لما هرب قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هلا تركتموه؟) ولأن من قبل رجوعه قبل الشروع في الحد قبل بعد الشروع فيه, كالبينة. ويستحب للإمام أو الحاكم الذي يثبت عنده الحد بالإقرار, التعريض له بالرجوع إذا تم والوقوف عن إتمامه إذا لم يتم كما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أعرض عن ماعز, حين أقر عنده ثم جاءه من الناحية الأخرى فأعرض عنه, حتى تمم إقراره أربعا ثم قال: (لعلك قبلت لعلك لمست) وروى أنه قال للذى أقر بالسرقة: (ما إخالك فعلت) رواه سعيد, عن سفيان عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان, عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: حدثنا هشيم عن الحكم بن عتيبة عن يزيد بن أبي كبشة, عن أبي الدرداء أنه أتى بجارية سوداء سرقت فقال لها: أسرقت؟ قولي: لا فقالت: لا فخلي سبيلها ولا بأس أن يعرض بعض الحاضرين له بالرجوع أو بأن لا يقر وروينا عن الأحنف أنه كان جالسا عند معاوية, فأتى بسارق فقال له معاوية: أسرقت؟ فقال له بعض الشرطة: اصدق الأمير فقال الأحنف: الصدق في كل المواطن معجزة فعرض له بترك الإقرار وروى عن بعض السلف أنه قال: لا يقطع ظريف يعنى به أنه إذا قامت عليه بينة ادعى شبهة تدفع عنه القطع فلا يقطع ويكره لمن علم, أن يحثه على الإقرار لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه قال لهزال وقد كان قال لماعز: بادر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن ينزل فيك قرآن: ألا سترته بثوبك كان خيرا لك) رواه سعيد وروى بإسناده أيضا, عن سعيد بن المسيب قال: (جاء ماعز بن مالك إلى عمر بن الخطاب فقال له: إنه أصاب فاحشة فقال له: أخبرت بهذا أحدا قبلي قال: لا قال: فاستتر بستر الله, وتب إلى الله فإن الناس يعيرون ولا يغيرون والله يغير ولا يعير, فتب إلى الله ولا تخبر به أحدا فانطلق إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال عمر, فلم تقره نفسه حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك). قال: [ومن زنى مرارا ولم يحد فحد واحد] وجملته أن ما يوجب الحد من الزنا, والسرقة والقذف وشرب الخمر, إذا تكرر قبل إقامة الحد أجزأ حد واحد بغير خلاف علمناه قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم منهم عطاء, والزهري ومالك وأبو حنيفة, وأحمد وإسحاق وأبو ثور, وأبو يوسف وهو مذهب الشافعي وإن أقيم عليه الحد ثم حدثت منه جناية أخرى ففيها حدها لا نعلم فيه خلافا وحكاه ابن المنذر عمن يحفظ عنه وقد (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأمة تزني قبل أن تحصن فقال: إن زنت فاجلدوها, ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها) ولأن تداخل الحدود إنما يكون مع اجتماعها, وهذا الحد الثاني وجب بعد سقوط الأول باستيفائه وإن كانت الحدود من أجناس مثل الزنا والسرقة, وشرب الخمر أقيمت كلها إلا أن يكون فيها قتل, فإن كان فيها قتل اكتفى به لأنه لا حاجة معه إلى الزجر بغيره وقد قال ابن مسعود: ما كانت حدود فيها قتل إلا أحاط القتل بذلك كله وإن لم يكن فيها قتل, استوفيت كلها وبدئ بالأخف فالأخف فيبدأ بالجلد, ثم بالقطع ويقدم الأخف في الجلد على الأثقل فيبدأ في الجلد بحد الشرب, ثم بحد القذف إن قلنا: إنه حق لله تعالى ثم بحد الزنا وإن قلنا: إن حد القذف حق لآدمي قدمناه, ثم بحد الشرب ثم بحد الزنا. قال: [وإذا تحاكم إلينا أهل الذمة حكمنا عليهم بحكم الله تعالى علينا] وجملة ذلك أنه إذا تحاكم إلينا أهل الذمة, أو استعدى بعضهم على بعض فالحاكم مخير بين إحضارهم والحكم بينهم وبين تركهم, سواء كانوا من أهل دين واحد أو من أهل أديان هذا المنصوص عن أحمد وهو قول النخعي وأحد قولي الشافعي وحكى أبو الخطاب, عن أحمد رواية أخرى أنه يجب الحكم بينهم وهذا القول الثاني للشافعي, واختيار المزنى لقول الله تعالى: وإن تحاكم مسلم وذمي, وجب الحكم بينهما بغير خلاف لأنه يجب دفع ظلم كل واحد منهما عن صاحبه. قال: [وإذا قذف بالغ حرا مسلما أو حرة مسلمة جلد الحد ثمانين] القذف: هو الرمي بالزنا وهو محرم بإجماع الأمة, والأصل في تحريمه الكتاب والسنة أما الكتاب: فقول الله تعالى: وأما السنة: فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله, وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) متفق عليه والمحصنات ها هنا العفائف والمحصنات في القرآن جاءت بأربعة معان أحدها هذا والثاني: بمعنى المزوجات كقوله تعالى: وشرائط الإحصان الذي يجب الحد بقذف صاحبه خمسة: العقل, والحرية والإسلام والعفة عن الزنا, وأن يكون كبيرا يجامع مثله وبه يقول جماعة العلماء قديما وحديثا سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد وعن ابن المسيب, وابن أبي ليلى قالوا: إذا قذف ذمية ولها ولد مسلم, يحد والأول أولى لأن من لا يحد قاذفه إذا لم يكن له ولد لا يحد وله ولد كالمجنونة واختلفت الرواية عن أحمد, في اشتراط البلوغ فروى عنه أنه شرط وبه قال الشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه أحد شرطي التكليف فأشبه العقل ولأن زنا الصبي لا يوجب حدا, فلا يجب الحد بالقذف به كزنا المجنون والثانية: لا يشترط لأنه حر عاقل عفيف يتعير بهذا القول الممكن صدقه فأشبه الكبير وهذا قول مالك, وإسحاق فعلى هذه الرواية لا بد أن يكون كبيرا يجامع مثله وأدناه أن يكون للغلام عشر, وللجارية تسع. ويجب الحد على قاذف الخصي والمجبوب والمريض المدنف, والرتقاء والقرناء وقال الشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي لا حد على قاذف مجبوب قال ابن المنذر: وكذلك الرتقاء وقال الحسن: لا حد على قاذف الخصي لأن العار منتف عن المقذوف بدون الحد للعلم بكذب القاذف والحد إنما يجب لنفي العار ولنا عموم قوله تعالى: ويجب الحد على القاذف في غير دار الإسلام وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي: لا حد عليه لأنه في دار لا حد على أهلها ولنا عموم قوله تعالى: {والذين يرمون} [النور: 4]. الآية ولأنه مسلم مكلف, قذف محصنا فأشبه من في دار الإسلام. وقدر الحد ثمانون إذا كان القاذف حرا للآية والإجماع, رجلا كان أو امرأة ويشترط أن يكون بالغا عاقلا غير مكره لأن هذه مشترطة لكل حد. قال: [إذا طالب المقذوف ولم يكن للقاذف بينة] وجملته أن يعتبر لإقامة الحد بعد تمام القذف بشروطه شرطان أحدهما: مطالبة المقذوف لأنه حق له فلا يستوفى قبل طلبه, كسائر حقوقه الثاني: أن لا يأتي ببينة لقول الله تعالى: وإذا قلنا بوجوب الحد بقذف من لم يبلغ, لم تجز إقامته حتى يبلغ ويطالب به بعد بلوغه لأن مطالبته قبل البلوغ لا توجب الحد لعدم اعتبار كلامه وليس لوليه المطالبة عنه لأنه حق شرع للتشفي فلم يقم غيره مقامه في استيفائه, كالقصاص فإذا بلغ وطالب أقيم عليه حينئذ ولو قذف غائبا, لم يقم عليه الحد حتى يقدم ويطالب إلا أن يثبت أنه طالب في غيبته ويحتمل أن لا تجوز إقامته في غيبته بحال لأنه يحتمل أن يعفو بعد المطالبة فيكون ذلك شبهة في درء الحد لكونه يندرئ بالشبهات ولو قذف عاقلا, فجن بعد قذفه وقبل طلبه لم تجز إقامته حتى يفيق ويطلب وكذلك إن أغمي عليه, فإن كان قد طالب به قبل جنونه وإغمائه جازت إقامته كما لو وكل في استيفاء القصاص, ثم جن أو أغمي عليه قبل استيفائه. قال: [وإن كان القاذف عبدا أو أمة جلد أربعين بأدون من السوط الذي يجلد به الحر] أجمع أهل العلم على وجوب الحد على العبد إذا قذف الحر المحصن لأنه داخل في عموم الآية, وحده أربعون في قول أكثر أهل العلم روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه قال: أدركت أبا بكر وعمر, وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك إذا قذف إلا أربعين وروي خلاس, أن عليا قال في عبد قذف حرا: نصف الجلد وجلد أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عبدا قذف حرا ثمانين وبه قال قبيصة وعمر بن عبد العزيز ولعلهم ذهبوا إلى عموم الآية والصحيح الأول للإجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم ولأنه حد يتبعض فكان العبد فيه على النصف من الحر, كحد الزنا وهو يخص عموم الآية وقد عيب على أبي بكر بن عمرو بن حزم جلده العبد ثمانين, وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: ما رأينا أحدا قبله جلد العبد ثمانين وقال سعيد: حدثنا ابن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: حضرت عمر بن عبد العزيز, جلد عبدا ثمانين فأنكر ذلك من حضره من الناس وغيرهم من الفقهاء, فقال لي عبد الله بن عامر بن ربيعة: إني رأيت والله عمر بن الخطاب ما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية فوق أربعين إذا ثبت أنه أربعون فإنه يكون بأدون من السوط الذي يجلد به الحر لأنه لما خفف في قدره, خفف في سوطه كما أن الحدود في أنفسها كما قل منها كان سوطه أخف, فالجلد في الشرب أخف منه في القذف وفي القذف أخف منه في الزنا ويحتمل أن يساوي العبد الحر في السوط لأنه على النصف ولا يتحقق التنصيف إلا مع المساواة في السوط. قال: [وإذا قال له: يا لوطي سئل عما أراد, فإن قال: أردت أنك من قوم لوط فلا شيء عليه وإن قال أردت أنك تعمل عمل قوم لوط فهو كمن قذف بالزنا] في هذه المسألة: فصلان أن من قذف رجلا بعمل قوم لوط, إما فاعلا وإما مفعولا فعليه حد القذف وبه قال الحسن والنخعي, والزهري ومالك وأبو يوسف, ومحمد بن الحسن وأبو ثور وقال عطاء وقتادة, وأبو حنيفة: لا حد عليه لأنه قذف بما لا يوجب الحد عنده وعندنا هو موجب للحد وقد بيناه فيما مضى وكذلك لو قذف امرأة أنها وطئت في دبرها, أو قذف رجلا بوطء امرأة في دبرها فعليه الحد عندنا وعند أبي حنيفة, لا حد عليه ومبنى الخلاف ها هنا على الخلاف في وجوب حد الزنا على فاعل ذلك وقد تقدم الكلام فيه فأما إن قذفه بإتيان بهيمة, انبنى ذلك على وجوب الحد على فاعله فمن أوجب الحد على فاعله أوجب حد القذف على القاذف به, ومن لا فلا وكل ما لا يجب الحد بفعله لا يجب الحد على القاذف به كما لو قذف إنسانا بالمباشرة دون الفرج, أو بالوطء بالشبهة أو قذف امرأة بالمساحقة أو بالوطء مستكرهة, لم يجب الحد على القاذف ولأنه رماه بما لا يوجب الحد فأشبه ما لو قذفه باللمس والنظر وكذلك لو قال: يا كافر يا فاسق, يا سارق يا منافق يا فاجر, يا خبيث يا أعور يا أقطع, يا أعمى ابن الزمن الأعمى الأعرج فلا حد في ذلك كله لأنه قذف بما لا يوجب الحد فلم يوجب الحد كما لو قال يا كاذب يا نمام ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم ولكنه يعزر لسب الناس وأذاهم, فأشبه ما لو قذف من لا يوجب قذفه الحد. أنه إذا قال: أردت أنك من قوم لوط فاختلفت الرواية عن أحمد فروي عنه جماعة أنه يجب عليه الحد بقوله: يا لوطي ولا يسمع تفسيره بما يحيل القذف وهذا اختيار أبي بكر ونحوه قال الزهري, ومالك والرواية الثانية: أنه لا حد عليه نقلها المروذي ونحو هذا قال الحسن والنخعي قال الحسن: إذا قال: نويت أن دينه دين لوط فلا حد عليه وإن: قال أردت أنك تعمل عمل قوم لوط فعليه الحد ووجه ذلك أنه فسر كلامه بما لا يوجب الحد, فلم يجب عليه حد كما لو فسره به متصلا بكلامه وروي عن أحمد رواية ثالثة: أنه إذا كان في غضب, قال: إنه لأهل أن يقام عليه الحد لأن قرينة الغضب تدل على إرادة القذف بخلاف حال الرضا والصحيح في المذهب الرواية الأولى لأن هذه الكلمة لا يفهم منها إلا القذف بعمل قوم لوط فكانت صريحة فيه كقوله: يا زاني ولأن قوم لوط لم يبق منهم أحد, فلا يحتمل أن ينسب إليهم. وإن قال: أردت أنك على دين لوط أو أنك تحب الصبيان أو تقبلهم, أو تنظر إليهم أو أنك تتخلق بأخلاق قوم لوط في أنديتهم غير إتيان الفاحشة, أو أنك تنهى عن الفاحشة كنهي لوط عنها أو نحو ذلك خرج في هذا كله وجهان بناء على الروايتين المنصوصتين في المسألة: لأن هذا في معناه. قال: [وكذلك من قال: يا معفوج] المنصوص عن أحمد, فيمن قال: يا معفوج أن عليه الحد وكلام الخرقي يقتضي أنه يرجع إلى تفسيره فإن فسره بغير الفاحشة مثل أن قال: أردت يا مفلوج أو يا مصابا دون الفرج ونحو هذا, فلا حد عليه لأنه فسره بما لا حد فيه وإن فسره بعمل قوم لوط فعليه الحد كما لو صرح به, ووجه القولين ما تقدم في التي قبلها. وكلام الخرقي يقتضي أن لا يجب الحد على القاذف إلا بلفظ صريح لا يحتمل غير القذف وهو أن يقول: يا زاني أو ينطق باللفظ الحقيقي في الجماع فأما ما عداه من الألفاظ, فيرجع فيه إلى تفسيره لما ذكرنا في هاتين المسألتين فلو قال لرجل: يا مخنث أو لامرأة: يا قحبة وفسره بما ليس بقذف, مثل أن يريد بالمخنث أن فيه طباع التأنيث والتشبه بالنساء وبالقحبة أنها تستعد لذلك فلا حد عليه وكذلك إذا قال: يا فاجرة, يا خبيثة وحكى أبو الخطاب في هذا رواية أخرى أنه قذف صريح ويجب به الحد والصحيح الأول قال أحمد, في رواية حنبل: لا أرى الحد إلا على من صرح بالقذف والشتيمة قال ابن المنذر: الحد على من نصب الحد نصبا ولأنه قول غير الزنا فلم يكن صريحا في القذف كقوله: يا فاسق وإن فسر شيئا من ذلك بالزنا, فلا شك في كونه قذفا. واختلفت الرواية عن أحمد في التعريض بالقذف مثل أن يقول لمن يخاصمه: ما أنت بزان, ما يعرفك الناس بالزنا يا حلال ابن الحلال أو يقول: ما أنا بزان لا أمي بزانية فروي عنه حنبل: لا حد عليه, وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر وبه قال عطاء وعمرو بن دينار, وقتادة والثوري والشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روي أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن امرأتي ولدت غلاما أسود يعرض بنفيه, فلم يلزمه بذلك حد ولا غيره وقد فرق الله تعالى بين التعريض بالخطبة والتصريح بها فأباح التعريض في العدة وحرم التصريح, فكذلك في القذف ولأن كل كلام يحتمل معنيين لم يكن قذفا كقوله: يا فاسق وروى الأثرم وغيره عن أحمد أن عليه الحد وروي ذلك عن عمر, رضي الله عنه وبه قال إسحاق لأن عمر حين شاورهم في الذي قال لصاحبه: ما أنا بزان ولا أمي بزانية فقالوا: قد مدح أباه وأمه فقال عمر: قد عرض بصاحبه فجلده الحد وقال معمر: إن عمر كان يجلد الحد في التعريض وروى الأثرم أن عثمان جلد رجلا قال لآخر: يا ابن شامة الوذر يعرض له بزنا أمه والوذر: قدر اللحم يعرض له بكمر الرجال ولأن الكناية مع القرينة الصارفة إلى أحد محتملاتها, كالصريح الذي لا يحتمل إلا ذلك المعنى ولذلك وقع الطلاق بالكناية فإن لم يكن ذلك في حال الخصومة, ولا وجدت قرينة تصرف إلى القذف فلا شك في أنه لا يجوز قذفا وذكر أبو الخطاب من صور التعريض أن يقول لزوجة آخر: قد فضحته, وغطيت رأسه وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولادا من غيره, وأفسدت فراشه ونكست رأسه وذكر في جميع ذلك روايتين وذكر أبو بكر عبد العزيز أن أبا عبد الله رجع عن القول بوجوب الحد في التعريض. وإن قال لرجل يا ديوث, يا كشخان فقال أحمد: يعزر قال إبراهيم الحربي: الديوث الذي يدخل الرجال على امرأته وقال ثعلب: القرطبان الذي يرضى أن يدخل الرجال على امرأته وقال: القرنان والكشحان لم أرهما في كلام العرب ومعناهما عند العامة مثل معنى الديوث أو قريبا منه فعلى القاذف به التعزير, على قياس قوله في الديوث لأنه قذفه بما لا حد فيه وقال خالد بن يزيد عن أبيه في الرجل يقول للرجل: يا قرنان: إذا كان له أخوات أو بنات في الإسلام ضرب الحد يعني أنه قاذف لهن وقال خالد, عن أبيه القرنان عند العامة: من له بنات والكشحان: من له أخوات يعني - والله أعلم - إذا كان يدخل الرجال عليهن والقواد عند العامة: السمسار في الزنا والقذف بذلك كله يوجب التعزير لأنه قذف بما لا يوجب الحد. وإذا نفى رجلا عن أبيه فعليه الحد نص عليه أحمد وكذلك إذا نفاه عن قبيلته وبهذا قال إبراهيم النخعي وإسحاق وبه قال أبو حنيفة, والثوري وحماد إذا نفاه عن أبيه وكانت أمه مسلمة, وإن كانت ذمية أو رقيقة فلا حد عليه لأن القذف لها ووجه الأول ما روى الأشعث بن قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول (لا أوتي برجل يقول: إن كنانة ليست من قريش إلا جلدته) وعن ابن مسعود أنه قال لا جلد إلا في اثنين رجل قذف محصنة أو نفى رجلا عن أبيه وهذا لا يقوله إلا توقيفا فأما إن نفاه عن أمه, فلا حد عليه لأنه لم يقذف أحدا بالزنا وكذلك إن قال: إن لم تفعل كذا فلست بابن فلان فلا حد فيه لأن القذف لا يتعلق بالشرط والقياس يقتضي أن لا يجب الحد بنفي الرجل عن قبيلته ولأن ذلك لا يتعين فيه الرمي بالزنا, فأشبه ما لو قال للأعجمي: إنك عربي ولو قال للعربي: أنت نبطي أو فارسي فلا حد فيه وعليه التعزير نص عليه لأنه يحتمل أنك نبطي اللسان أو الطبع وحكي عن أحمد رواية أخرى, أن عليه الحد كما لو نفاه عن أبيه والأول أصح وبه قال مالك, والشافعي لأنه يحتمل غير القذف احتمالا كثيرا فلا يتعين صرفه إليه ومتى فسر شيئا من ذلك بالقذف فهو قاذف.
|