الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الأذان إعلام بوقت الصلاة والأصل في الأذان الإعلام قال الله عز وجل: آذنتنا ببينها أسماء**رب ثاو يمل منه الثواء
أي: أعلمتنا والأذان الشرعي هو اللفظ المعلوم المشروع في أوقات الصلوات للإعلام بوقتها وفيه فضل كثير وأجر عظيم بدليل ما روى أبو هريرة, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه) وقال أبو سعيد الخدري: (إذا كنت في غنمك أو باديتك, فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخرجهما البخاري وعن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) أخرجه مسلم وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة على كثبان المسك أراه قال: يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون, رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة ورجل يؤم قوما وهم به راضون وعبد أدى حق الله وحق مواليه) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. واختلفت الرواية, هل الأذان أفضل من الإمامة أو لا؟ فروى أن الإمامة أفضل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- تولاها بنفسه وكذلك خلفاؤه, ولم يتولوا الأذان ولا يختارون إلا الأفضل ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل, واعتبار فضيلته دليل على فضيلة منزلته والثانية: الأذان أفضل وهو مذهب الشافعي لما روينا من الأخبار في فضيلته ولما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (الإمام ضامن, والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) أخرجه أبو داود, والنسائي والأمانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الإرشاد ولم يتوله النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا خلفاؤه لضيق وقتهم عنه, ولهذا قال عمر رضي الله عنه: " لولا الخلافة لأذنت " وهذا اختيار القاضي وابن أبي موسى, وجماعة من أصحابنا والله أعلم. والأصل في الأذان ما روى محمد بن إسحاق قال: حدثنى محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: (حدثنى أبي عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة, طاف بى وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى, فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله, حى على الصلاة حى على الصلاة حى على الفلاح, حى على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال: ثم استأخر عنى غير بعيد, ثم قال: تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله, حى على الصلاة حى على الفلاح قد قامت الصلاة, قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت, فقال: إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال, فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك, فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به, فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال يا رسول الله, والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: فلله الحمد) رواه الأثرم وأبو داود وذكر الترمذي آخره بهذا الإسناد, وقال: هو حديث حسن صحيح وأجمعت الأمة على أن الأذان مشروع للصلوات الخمس. قال أبو القاسم: [ويذهب أبو عبد الله -رحمه الله- إلى أذان بلال رضي الله عنه وهو: الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة, حى على الصلاة حى على الفلاح حى على الفلاح, الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله] وجملة ذلك, أن اختيار أحمد -رحمه الله- من الأذان أذان بلال رضي الله عنه وهو كما وصف الخرقي وجاء في خبر عبد الله بن زيد, وهو خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وقال مالك, والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز: الأذان المسنون أذان أبي محذورة وهو مثل ما وصفنا, إلا أنه يسن الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض بذلك صوته, ثم يعيدهما رافعا بهما صوته إلا أن مالكا قال: التكبير في أوله مرتان حسب فيكون الأذان عنده سبع عشرة كلمة, وعند الشافعي تسع عشرة كلمة واحتجوا بما روى أبو محذورة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لقنه الأذان وألقاه عليه فقال له تقول: أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك, ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله, أشهد أن محمدا رسول الله) ثم ذكر سائر الأذان أخرجه مسلم وهو حديث متفق عليه واحتج مالك بأن ابن محيريز, قال: كان الأذان الذي يؤذن به أبو محذورة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله متفق عليه ولنا, حديث عبد الله بن زيد والأخذ به أولى لأن بلالا كان يؤذن به مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دائما سفرا وحضرا, وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم- على أذانه بعد أذان أبي محذورة قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل: إلى أي الأذان يذهب؟ قال: إلى أذان بلال رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم, عن محمد بن عبد الله بن زيد ثم وصفه قيل لأبي عبد الله: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال: أليس قد رجع النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة فأقر بلالا على أذان عبد الله بن زيد؟ وهذا من الاختلاف المباح فإن رجع فلا بأس نص عليه أحمد وكذلك قال إسحاق فإن الأمرين كليهما قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم-, ويحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سرا ليحصل له الإخلاص بهما فإن الإخلاص في الإسرار بهما أبلغ من قولهما إعلانا للإعلام, وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم يكن مقرا بهما حينئذ فإن في الخبر (أنه كان مستهزئا يحكي أذان مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم- فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم- صوته, فدعاه فأمره بالأذان قال: ولا شيء عندي أبغض من النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا مما يأمرنى به) فقصد النبي - صلى الله عليه وسلم- نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك ولا يوجد هذا في غيره, ودليل هذا الاحتمال كون النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يأمر به بلالا ولا غيره ممن كان مسلما ثابت الإسلام والله أعلم. قال [والإقامة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الفلاح, قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله] وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة الإقامة مثل الأذان ويزيد الإقامة مرتين لحديث عبد الله بن زيد (أن الذي علمه الأذان أمهل هنيهة ثم قام فقال مثلها) رواه أبو داود وروى ابن محيريز, عن أبي محذورة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- علمه الإقامة سبع عشرة كلمة) قال الترمذي: هذا حديث صحيح وقال مالك: الإقامة عشر كلمات تقول: قد قامت الصلاة مرة واحدة لما روى أنس قال (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) متفق عليه ولنا, ما روى عبد الله بن عمر أنه قال: (إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مرتين مرتين والإقامة مرة مرة إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة, قد قامت الصلاة) أخرجه النسائي وفي حديث عبد الله بن زيد أنه وصف الإقامة كما ذكرنا رواه الإمام أحمد, عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق, بالإسناد الذي ذكرناه وما احتجوا به من قوله: فقام فقال مثلها فقد قال الترمذي: الصحيح مثل ما رويناه وقال ابن خزيمة: الصحيح ما رواه محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه: " ثم استأخر غير كثير ثم قال مثل ما قال وجعلها وترا, إلا أنه قال: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة " وهذه زيادة بيان يجب الأخذ بها وتقديم العمل بهذه الرواية المشروحة وأما خبر أبي محذورة في تثنية الإقامة فإن ثبت كان الأخذ بخبر عبد الله بن زيد أولى لأنه أذان بلال, وقد بينا وجوب تقديمه في الأذان وكذا في الإقامة وخبر أبي محذورة متروك بالإجماع في الترجيع في الإقامة, ولذلك عملنا نحن وأبو حنيفة بخبره في الأذان وأخذ بأذانه مالك والشافعي وهما يريان إفراد الإقامة. قال: [ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة] الترسل التمهل والتأنى من قولهم: جاء فلان على رسله والحدر: ضد ذلك, وهو الإسراع وقطع التطويل وهذا من آداب الأذان ومستحباته لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر) رواه أبو داود, والترمذي وقال: هو حديث غريب وروى أبو عبيد بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمؤذن بيت المقدس: إذا أذنت فترسل, وإذا أقمت فاحذم قال الأصمعى: وأصل الحذم في المشى إنما هو الإسراع وأن يكون مع هذا كأنه يهوي بيديه إلى خلفه ولأن هذا معنى يحصل به الفرق بين الأذان والإقامة فاستحب, كالإفراد ولأن الأذان إعلام الغائبين, والتثبيت فيه أبلغ في الإعلام والإقامة إعلام الحاضرين فلا حاجة إلى التثبت فيها. ذكر أبو عبد الله بن بطة, أنه حال ترسله ودرجه لا يصل الكلام بعضه ببعض معربا بل جزما وحكاه عن ابن الأنباري, عن أهل اللغة قال: وروي عن إبراهيم النخعي قال: شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة قال: وهذه إشارة إلى جماعتهم. قال: [ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين] وجملته أنه يسن أن يقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين, بعد قوله: حى على الفلاح ويسمى التثويب وبذلك قال ابن عمر والحسن البصري وابن سيرين والزهري, ومالك والثوري والأوزاعي, وإسحاق وأبو ثور والشافعي في الصحيح عنه وقال أبو حنيفة: التثويب بين الأذان والإقامة في الفجر, أن يقول: حى على الصلاة مرتين حى على الفلاح مرتين . ولنا ما روى النسائي, بإسناده عن أبي محذورة قال (قلت: يا رسول الله علمني سنة الأذان, فذكره إلى أن قال بعد قوله حى على الفلاح: فإن كان في صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم, مرتين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله) وما ذكروه, فقال إسحاق: هذا شيء أحدثه الناس وقال أبو عيسى: هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم وهو الذي خرج منه ابن عمر من المسجد لما سمعه. ويكره التثويب في غير الفجر سواء ثوب في الأذان أو بعده لما روي عن بلال أنه قال: (أمرنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن أثوب في الفجر, ونهانى أن أثوب في العشاء) رواه ابن ماجه ودخل ابن عمر مسجدا يصلي فيه فسمع رجلا يثوب في أذان الظهر فخرج, فقيل له: أين؟ فقال: أخرجتنى البدعة ولأن صلاة الفجر وقت ينام فيه عامة الناس ويقومون إلى الصلاة عن نوم فاختصت بالتثويب, لاختصاصها بالحاجة إليه. ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر قال الترمذي: وعلى هذا العمل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر قال أبو الشعثاء: كنا قعودا مع أبي هريرة في المسجد فأذن المؤذن, فقام رجل من المسجد يمشى فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم- رواه أبو داود, والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج, لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق) رواه ابن ماجه فأما الخروج لعذر فمباح بدليل أن ابن عمر خرج من أجل التثويب في غير حينه وكذلك من نوى الرجعة لحديث عثمان رضي الله عنه. قال: [ومن أذن لغير الفجر قبل دخول الوقت, أعاد إذا دخل الوقت]. الكلام في هذه المسألة في فصلين: أحدهما في أن الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ وهذا لا نعلم فيه خلافا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها إلا الفجر ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت, فلا يشرع قبل الوقت لئلا يذهب مقصوده. الفصل الثاني: أنه يشرع الأذان للفجر قبل وقتها وهو قول مالك والأوزاعي, والشافعي وإسحاق ومنعه الثوري وأبو حنيفة, ومحمد بن الحسن لما روى ابن عمر (أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادى: ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام) وعن بلال (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال له: لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يديه عرضا) رواهما أبو داود وقال طائفة من أهل الحديث: إذا كان له مؤذنان, يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت, فلم يجز كبقية الصلوات إلا أن يكون له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما, كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) متفق عليه وهذا يدل على دوام ذلك منه والنبي - صلى الله عليه وسلم- أقره عليه, ولم ينهه عنه فثبت جوازه وروى زياد بن الحارث الصدائى قال (لما كان أول أذان الصبح أمرنى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأذنت, فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق ويقول: لا حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز, ثم انصرف إلى وقد تلاحق أصحابه فتوضأ فأراد بلال أن يقيم, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم قال: فأقمت) رواه أبو داود والترمذي: وهذا قد أمره النبي - صلى الله عليه وسلم- بالأذان قبل طلوع الفجر وهو حجة على من قال: إنما يجوز إذا كان له مؤذنان, فإن زيادا أذن وحده وحديث ابن عمر الذي احتجوا به قال أبو داود: لم يروه إلا حماد بن سلمة ورواه حماد بن زيد, والدراوردى فخالفاه وقالا: مؤذن لعمر وهذا أصح وقال على بن المدينى: أخطأ فيه, يعنى حمادا وقال الترمذي: هو غير محفوظ وحديثهم الآخر قال ابن عبد البر: لا يقوم به ولا بمثله حجة لضعفه وانقطاعه وإنما اختص الفجر بذلك لأنه وقت النوم, لينتبه الناس ويتأهبوا للخروج إلى الصلاة وليس ذلك في غيرها, وقد روينا في حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (إن بلالا يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم) رواه أبو داود ولا ينبغي أن يتقدم ذلك على الوقت كثيرا, إذا كان المعنى فيه ما ذكرناه فيفوت المقصود منه وقد روى (أن بلالا كان بين أذانه وأذان ابن أم مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا) ويستحب أيضا أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كفعل بلال وابن أم مكتوم اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان, فإذا كانا مؤذنين حصل الإعلام بالوقت بالثانى وبقربه بالمؤذن الأول. وينبغى لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالى كلها ليعلم الناس ذلك من عادته فيعرفوا الوقت بأذانه, ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى فيلتبس على الناس ويغتروا بأذانه فربما صلى بعض من سمعه الصبح بناء على أذانه قبل وقتها, وربما امتنع المتسحر من سحوره والمتنفل من صلاته, بناء على أذانه ومن علم لا يستفيد بأذانه فائدة لتردده بين الاحتمالين ولا يقدم الأذان كثيرا تارة ويؤخره أخرى فلا يعلم الوقت بأذانه فتقل فائدته. قال بعض أصحابنا: ويجوز الأذان للفجر بعد نصف الليل وهذا مذهب الشافعي لأن بذلك يخرج وقت العشاء المختار, ويدخل وقت الدفع من مزدلفة ووقت رمى الجمرة وطواف الزيارة وقد روى الأثرم, عن جابر قال: كان مؤذن مسجد دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بقدر ما يسير الراكب ستة أميال فلا ينكر ذلك مكحول, ولا يقول فيه شيئا. ويكره الأذان قبل الفجر في شهر رمضان نص عليه أحمد في رواية الجماعة لئلا يغتر الناس به فيتركوا سحورهم ويحتمل أن لا يكره في حق من عرف عادته بالأذان في الليل لأن بلالا كان يفعل ذلك, بدليل قوله عليه السلام: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) وقال عليه السلام: (لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن بليل, لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم ). ويستحب أن يؤذن في أول الوقت ليعلم الناس فيأخذوا أهبتهم للصلاة وروى جابر بن سمرة قال: كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت, وربما أخر الإقامة شيئا رواه ابن ماجه وفي رواية قال: (كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يؤخر ثم لا يقيم حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم- فإذا خرج أقام حين يراه) رواه أحمد, في " المسند " ويستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين يتهيئون فيها, وفي المغرب يفصل بجلسة خفيفة وحكي عن أبي حنيفة والشافعي أنه لا يسن في المغرب . ولنا ما روى الإمام أحمد, في " مسنده " بإسناده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (يا بلال, اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضى حاجته في مهل) وعن جابر بن عبد الله (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله, والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته) رواه أبو داود والترمذي وروى تمام في " فوائده " بإسناده عن أبي هريرة, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة) قال إسحاق بن منصور: رأيت أحمد خرج عند المغرب فحين انتهى إلى موضع الصف أخذ المؤذن في الإقامة فجلس وروى الخلال, بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- جاء وبلال في الإقامة فقعد) وقال أحمد: يقعد الرجل مقدار ركعتين إذا أذن المغرب قيل من أين؟ قال: من حديث أنس وغيره: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أذن المؤذن ابتدروا السوارى وصلوا ركعتين ولأن الأذان مشرع للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة ويتهيئوا لها, دليله سائر الصلوات. قال [ولا يستحب أبو عبد الله أن يؤذن إلا طاهرا فإن أذن جنبا أعاد] المستحب للمؤذن أن يكون متطهرا من الحدث الأصغر والجنابة جميعا لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤذن إلا متوضئ) رواه الترمذي وروى موقوفا على أبي هريرة, وهو أصح من المرفوع فإن أذن محدثا جاز لأنه لا يزيد على قراءة القرآن والطهارة غير مشروطة له وإن أذن جنبا, فعلى روايتين: إحداهما لا يعتد به وهو قول إسحاق والأخرى يعتد به قال أبو الحسن الآمدي: هو المنصوص عن أحمد, وقول أكثر أهل العلم لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر ووجه الأولى ما روى عن وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر) ولأنه ذكر مشروع للصلاة, فأشبه القرآن والخطبة. ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ذكر فأما الكافر والمجنون فلا يصح منهما لأنهما ليسا من أهل العبادات ولا يعتد بأذان المرأة لأنها ليست ممن يشرع له الأذان, فأشبهت المجنون ولا الخنثى لأنه لا يعلم كونه رجلا وهذا كله مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا وهل يشترط العدالة والبلوغ للاعتداد به؟ على روايتين في الصبى ووجهين في الفاسق: إحداهما: يشترط ذلك, ولا يعتد بأذان صبي ولا فاسق لأنه مشروع للإعلام ولا يحصل الإعلام بقولهما لأنهما ممن لا يقبل خبره ولا روايته ولأنه قد روى: (ليؤذن لكم خياركم) والثانية: يعتد بأذانه وهو قول عطاء والشعبي, وابن أبي ليلى والشافعي وروى ابن المنذر بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال: كان عمومتى يأمروننى أن أؤذن لهم وأنا غلام, ولم أحتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك وهذا مما يظهر ولا يخفى ولم ينكر فيكون إجماعا, ولأنه ذكر تصح صلاته فاعتد بأذانه كالعدل البالغ ولا خلاف في الاعتداد بأذان من هو مستور الحال, وإنما الخلاف فيمن هو ظاهر الفسق ويستحب أن يكون المؤذن عدلا أمينا بالغا لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة والصيام فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك ولأنه يؤذن على موضع عال, فلا يؤمن منه النظر إلى العورات وفي الأذان الملحن وجهان: أحدهما: يصح لأن المقصود يحصل منه فهو كغير الملحن والآخر لا يصح لما روى الدارقطني, بإسناده عن ابن عباس قال (كان للنبى - صلى الله عليه وسلم- مؤذن يطرب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا, وإلا فلا تؤذن ). ويستحب أن يكون المؤذن بصيرا لأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط فإن أذن الأعمى صح أذانه فإن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبى - صلى الله عليه وسلم- قال ابن عمرو: كان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له " أصبحت أصبحت " رواه البخاري ويستحب أن يكون معه بصير يعرفه الوقت, أو يؤذن بعد مؤذن بصير كما كان ابن أم مكتوم يؤذن بعد أذان بلال ويستحب أن يكون عالما بالأوقات ليتحراها فيؤذن في أولها, وإذا لم يكن عالما فربما غلط وأخطأ فإن أذن الجاهل صح أذانه فإنه إذا صح أذان الأعمى فالجاهل أولى ويستحب أن يكون صيتا يسمع الناس (واختار النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا محذورة للأذان) لكونه صيتا, وفي حديث عبد الله بن زيد (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال له: ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك) ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه. ولا يجوز أخذ الأجرة على الأذان في ظاهر المذهب وكرهه القاسم بن عبد الرحمن والأوزاعي وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- (قال لعثمان بن أبي العاص: واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) رواه أبو داود, وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن ولأنه قربة لفاعله, لا يصح إلا من مسلم فلم يستأجره عليه كالإمامة وحكي عن أحمد رواية أخرى: أنه يجوز أخذ الأجرة عليه ورخص فيه مالك وبعض الشافعية لأنه عمل معلوم, يجوز أخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال, ولا نعلم خلافا في جواز أخذ الرزق عليه وهذا قول الأوزاعي والشافعي لأن بالمسلمين حاجة إليه وقد لا يوجد متطوع به وإذا لم يدفع الرزق فيه يعطل, ويرزقه الإمام من الفيء لأنه المعد للمصالح فهو كأرزاق القضاة والغزاة وإن وجد متطوع به لم يرزق غيره لعدم الحاجة إليه. وينبغى أن يتولى الإقامة من تولى الأذان, وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك: لا فرق بينه وبين غيره لما روى أبو داود في حديث عبد الله بن زيد (أنه رأى الأذان في المنام, فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: ألقه على بلال فألقاه عليه فأذن بلال, فقال عبد الله: أنا رأيته وأنا كنت أريده قال: أقم أنت) ولأنه يحصل المقصود منه فأشبه ما لو تولاهما معا ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث زياد بن الحارث الصدائى (إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم) ولأنهما فعلان من الذكر, يتقدمان الصلاة فيسن أن يتولاهما واحد كالخطبتين, وما ذكروه يدل على الجواز وهذا على الاستحباب فإن سبق المؤذن بالأذان, فأراد المؤذن أن يقيم فقال أحمد: لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة كما روى عبد العزيز بن رفيع, قال: رأيت رجلا أذن قبل أبي محذورة قال: فجاء أبو محذورة فأذن ثم أقام أخرجه الأثرم فإن أقام من غير إعادة فلا بأس وبذلك قال مالك, والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لما ذكروه من حديث عبد الله بن زيد. ويستحب أن يقيم في موضع أذانه قال أحمد: أحب إلى أن يقيم في مكانه ولم يبلغنى فيه شيء إلا حديث بلال: " لا تسبقنى بآمين " يعنى لو كان يقيم في موضع صلاته لما خاف أن يسبقه بالتأمين لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما كان يكبر بعد فراغه من الإقامة, ولأن الإقامة شرعت للإعلام فشرعت في موضعه ليكون أبلغ في الإعلام, وقد دل على هذا حديث عبد الله بن عمر قال: كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة إلا أن يؤذن في المنارة أو مكان بعيد من المسجد فيقيم في غير موضعه, لئلا يفوته بعض الصلاة. ولا يقيم حتى يأذن له الإمام فإن بلالا كان يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم- وفي حديث زياد بن الحارث الصدائى أنه قال: فجعلت أقول للنبى - صلى الله عليه وسلم- أقيم أقيم؟ وروى أبو حفص, بإسناده عن على قال: المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة. قال: [ومن صلى بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك, ولا يعيد] يكره ترك الأذان للصلوات الخمس لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كانت صلواته بأذان وإقامة والأئمة بعده, وأمر به قال مالك بن الحويرث: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- أنا ورجل نودعه فقال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما, وليؤمكما أكبركما) متفق عليه وظاهر كلام الخرقي: أن الأذان سنة مؤكدة وليس بواجب لأنه جعل تركه مكروها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأنه دعاء إلى الصلاة فأشبه قوله: الصلاة جامعة وقال أبو بكر عبد العزيز: هو من فروض الكفايات وهذا قول أكثر أصحابنا, وقول بعض أصحاب مالك وقال عطاء ومجاهد والأوزاعي: هو فرض لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر به مالكا وصاحبه, وداوم عليه هو وخلفاؤه وأصحابه والأمر يقتضي الوجوب ومداومته على فعله دليل على وجوبه, ولأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فكان فرضا كالجهاد فعلى قول أصحابنا إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين لأن بلالا كان يؤذن للنبى - صلى الله عليه وسلم- فيكتفى به وإن صلى مصل بغير أذان ولا إقامة فالصلاة صحيحة على القولين لما روي عن علقمة والأسود, أنهما قالا: دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان ولا إقامة رواه الأثرم ولا أعلم أحدا خالف في ذلك إلا عطاء قال: ومن نسي الإقامة يعيد والأوزاعي قال مرة: يعيد ما دام في الوقت, فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه وهذا شذوذ والصحيح قول الجمهور لما ذكرنا ولأن الإقامة أحد الأذانين, فلم تفسد الصلاة بتركها كالآخر. ومن أوجب الأذان من أصحابنا فإنما أوجبه على أهل المصر كذلك قال القاضي: لا يجب على أهل غير المصر من المسافرين وقال مالك: إنما يجب النداء في مساجد الجماعة التي يجمع فيها للصلاة وذلك لأن الأذان إنما شرع في الأصل للإعلام بالوقت ليجتمع الناس إلى الصلاة, ويدركوا الجماعة ويكفى في المصر أذان واحد إذا كان بحيث يسمعهم وقال ابن عقيل: يكفي أذان واحد في المحلة, ويجتزئ بقيتهم بالإقامة وقال أحمد في الذي يصلي في بيته: يجزئه أذان المصر وهو قول الأسود وأبي مجلز, ومجاهد والشعبي والنخعي, وعكرمة وأصحاب الرأي وقال ميمون بن مهران والأوزاعي, ومالك: تكفيه الإقامة وقال الحسن وابن سيرين: إن شاء أقام ووجه ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال للذى علمه الصلاة: (إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر) ولم يأمره بالأذان, وفي لفظ رواه النسائي: " فأقم ثم كبر " وحديث ابن مسعود والأفضل لكل مصل أن يؤذن ويقيم إلا أنه إن كان يصلي قضاء أو في غير وقت الأذان لم يجهر به وإن كان في الوقت, في بادية أو نحوها استحب له الجهر بالأذان لقول أبي سعيد: (إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء, فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد: سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-) وعن أنس (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يغير إذا طلع الفجر وكان إذا سمع أذانا أمسك وإلا أغار, فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على الفطرة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرجت من النار فنظروا فإذا صاحب معز) أخرجه مسلم. ومن فاتته صلوات استحب له أن يؤذن للأولى ثم يقيم لكل صلاة إقامة, وإن لم يؤذن فلا بأس قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل يقضى صلاة كيف يصنع في الأذان؟ فذكر حديث هشيم عن أبي الزبير, عن نافع بن جبير عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه (أن المشركين شغلوا النبي - صلى الله عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق, حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال: فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى الظهر, ثم أمره فأقام فصلى العصر ثم أمره فأقام, فصلى المغرب ثم أمره فأقام فصلى العشاء) قال أبو عبد الله وهشام الدستوائى لم يقل كما قال هشيم, جعلها إقامة إقامة قلت فكأنك تختار حديث هشيم؟ قال: نعم هو زيادة أي شيء يضره؟ وهذا في الجماعة فإن كان يقضى وحده كان استحباب ذلك أدنى في حقه لأن الأذان والإقامة للإعلام, ولا حاجة إلى الإعلام ها هنا وقد روي عن أحمد في رجل فاتته صلوات فقضاها: ليؤذن ويقم مرة واحدة, يصليها كلها فسهل في ذلك ورآه حسنا وقال الشافعي نحو ذلك وله قولان آخران: أحدهما أنه يقيم ولا يؤذن وهذا قول مالك لما روى أبو سعيد قال (حبسنا يوم الخندق عن الصلاة, حتى كان بعد المغرب بهوى من الليل قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بلالا فأمره فأقام الظهر, فصلاها ثم أمره فأقام العصر, فصلاها) ولأن الأذان للإعلام بالوقت وقد فات والقول الثالث: إن رجى اجتماع الناس أذن وإلا فلا لأن الأذان مشروع للإعلام, فلا يشرع إلا مع الحاجة وقال أبو حنيفة: يؤذن لكل صلاة ويقيم لأن ما سن للصلاة في أدائها سن في قضائها كسائر المسنونات ولنا حديث ابن مسعود, رواه الأثرم والنسائي وغيرهما وهو متضمن للزيادة, والزيادة من الثقة مقبولة وعن أبي قتادة (أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- فناموا حتى طلعت الشمس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة) متفق عليه, ورواه عمران بن حصين أيضا قال: (فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ثم أمره فأقام فصلينا) متفق عليه ولنا على أبي حنيفة حديث ابن مسعود وأبي سعيد, ولأن الثانية من الفوائت صلاة وقد أذن لما قبلها فأشبهت الثانية من المجموعتين وقياسهم منتقض بهذا. فإن جمع بين صلاتين في وقت أولاهما, استحب أن يؤذن للأولى ويقيم ثم يقيم للثانية وإن جمع بينهما في وقت الثانية فهما كالفائتتين لا يتأكد الأذان لهما لأن الأولى منهما تصلي في غير وقتها, والثانية مسبوقة بصلاة قبلها وإن جمع بينهما بإقامة واحدة فلا بأس وقال أبو حنيفة في المجموعتين: لا يقيم للثانية لأن (ابن عمر روى أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المغرب والعشاء بمزدلفة بإقامة واحدة صحيح) وقال مالك: يؤذن للأولى والثانية ويقيم لأن الثانية منهما صلاة يشرع لها الأذان وهي مفعولة في وقتها فيؤذن لها كالأولى ولنا على الجمع في وقت الأولى, ما روى جابر (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين) رواه مسلم ولأن الأولى منهما في وقتها, فيشرع لها الأذان كما لو لم يجمعهما وأما إذا كان الجمع في وقت الثانية فقد روى ابن عمر (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- جمع بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة) رواه البخاري وإن جمع بينهما بإقامة فلا بأس لحديث آخر, ولأن الأولى مفعولة في غير وقتها فأشبهت الفائتة والثانية منهما مسبوقة بصلاة, فلا يشرع لها الأذان كالثانية من الفوائت وما ذهب إليه مالك يخالف الخبر الصحيح, وقد رواه في " موطئه " وذهب إلى ما سواه. ويشرع الأذان في السفر للراعى وأشباهه في قول أكثر أهل العلم وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة, إلا الصبح فإنه يؤذن لها ويقيم وكان يقول: إنما الأذان على الأمير, والإقامة على الذي يجمع الناس وعنه أنه كان لا يقيم في أرض تقام فيها الصلاة وعن على أنه قال: إن شاء أذن وأقام, وإن شاء أقام وبه قال عروة والثوري وقال الحسن وابن سيرين: تجزئه الإقامة وقال إبراهيم في المسافرين: إذا كانوا رفاقا أذنوا وأقاموا, وإذا كان وحده أقام للصلاة ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يؤذن له في الحضر والسفر وقد ذكرنا ذلك في حديث أبي قتادة, وعمران وزياد بن الحارث وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه, وما نقل عن السلف في هذا فالظاهر أنهم أرادوا الواحد وحده وقد بينه إبراهيم النخعي في كلامه والأذان مع ذلك أفضل لما ذكرنا من حديث أبي سعيد, وحديث أنس وروى عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (يعجب ربك من راعى غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة, ويصلى فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني, قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة) رواه النسائي وقال سلمان الفارسى: إذا كان الرجل بأرض في فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان, فإن أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه وكذلك قال سعيد بن المسيب, إلا أنه قال: صلى خلفه من الملائكة أمثال الجبال. ومن دخل مسجدا قد صلى فيه فإن شاء أذن وأقام نص عليه أحمد لما روى الأثرم وسعيد بن منصور, عن أنس أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه فأمر رجلا فأذن وأقام, فصلى بهم في جماعة وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة فإن عروة قال: إذا انتهيت إلى مسجد قد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا فإن أذانهم وإقامتهم تجزئ عمن جاء بعدهم وهذا قول الحسن والشعبي, والنخعي إلا أن الحسن قال: كان أحب إليهم أن يقيم وإذا أذن فالمستحب أن يخفى ذلك ولا يجهر به ليغر الناس بالأذان في غير محله. وليس على النساء أذان ولا إقامة, وكذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب, والحسن وابن سيرين والنخعي, والثوري ومالك وأبو ثور, وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا وهل يسن لهن ذلك؟ فقد روى عن أحمد قال: إن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز وقال القاضي: هل يستحب لها الإقامة؟ على روايتين وعن جابر: أنها تقيم وبه قال عطاء ومجاهد, والأوزاعي وقال الشافعي إن أذن وأقمن فلا بأس وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وبه قال إسحاق وقد روي عن أم ورقة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أذن لها أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساء أهل دارها) وقيل: إن هذا الحديث يرويه الوليد بن جميع, وهو ضعيف وروى النجاد بإسناده عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (ليس على النساء أذان ولا إقامة) ولأن الأذان في الأصل للإعلام, ولا يشرع لها ذلك والأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها رفع الصوت, ومن لا يشرع في حقه الأذان لا يشرع في حقه الإقامة كغير المصلى وكمن أدرك بعض الجماعة. قال: [ويجعل أصابعه مضمومة على أذنيه] المشهور عن أحمد, أنه يجعل إصبعيه في أذنيه وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يجعل المؤذن إصبعيه في أذنيه, قال الترمذي لما روى أبو جحيفة (أن بلالا أذن ووضع إصبعيه في أذنيه) متفق عليه وعن سعد مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه وقال: إنه أرفع لصوتك) وروى أبو طالب, عن أحمد أنه قال: أحب إلى أن يجعل يديه على أذنيه على حديث أبي محذورة وضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه وحكى أبو حفص, عن ابن بطة قال: سألت أبا القاسم الخرقي عن صفة ذلك؟ فأرانيه بيديه جميعا فضم أصابعه على راحتيه, ووضعهما على أذنيه واحتج لذلك القاضي بما روى أبو حفص بإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا بعث مؤذنا يقول له: اضمم أصابعك مع كفيك واجعلها مضمومة على أذنيك وبما روى الإمام أحمد, عن أبي محذورة أنه كان يضم أصابعه والأول أصح لصحة الحديث وشهرته وعمل أهل العلم به وأيهما فعل فحسن, وإن ترك الكل فلا بأس. ويستحب رفع الصوت بالأذان ليكون أبلغ في إعلامه وأعظم لثوابه كما ذكر في خبر أبي سعيد, ولا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على طاقته لئلا يضر بنفسه وينقطع صوته: فإن أذن لعامة الناس جهر بجميع الأذان ولا يجهر ببعض, ويخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان وهو الإعلام وإن أذن لنفسه أو لجماعة خاصة حاضرين, جاز أن يخافت ويجهر وأن يخافت ببعض ويجهر ببعض إلا أن يكون في وقت الأذان فلا يجهر بشيء منه لئلا يغر الناس بأذانه. وينبغى أن يؤذن قائما, قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن السنة أن يؤذن قائما وفي حديث أبي قتادة الذي رويناه (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لبلال قم فأذن) وكان مؤذنو رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يؤذنون قياما وإن كان له عذر فلا بأس أن يؤذن قاعدا قال الحسن العبدى: رأيت أبا زيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكانت رجله أصيبت في سبيل الله يؤذن قاعدا رواه الأثرم فإن أذن قاعدا لغير عذر فقد كرهه أهل العلم, ويصح فإنه ليس بآكد من الخطبة وتصح من القاعد قال الأثرم: وسمعت أبا عبد الله يسأل عن الأذان على الراحلة؟ فسهل فيه وقال: أمر الأذان عندي سهل وروي عن ابن عمر, أنه كان يؤذن على الراحلة ثم ينزل فيقيم وإذا أبيح التنفل على الراحلة فالأذان أولى. ويستحب أن يؤذن على شيء مرتفع ؛ ليكون أبلغ لتأدية صوته ، وقد روى أبو داود ، عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت : كان بيتي من أطول بيت حول المسجد ، وكان بلال يؤذن عليه الفجر ، فيأتي بسحر ، فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ، ثم قال : اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش ، أن يقيموا دينك . قالت : ثم يؤذن . وفي حديث بدء الأذان ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، رأيت رجلا ، كأن عليه ثوبين أخضرين ، فقام على المسجد فأذن ، ثم قعد قعدة ، ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول : قد قامت الصلاة . ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الأذان وكرهه طائفة من أهل العلم, قال الأوزاعي: لم نعلم أحدا يقتدى به فعل ذلك ورخص فيه الحسن وعطاء وقتادة, وسليمان بن صرد فإن تكلم بكلام يسير جاز وإن طال الكلام بطل الأذان لأنه يقطع الموالاة المشروطة في الأذان فلا يعلم أنه أذان وكذلك لو سكت سكوتا طويلا أو نام نوما طويلا, أو أغمى عليه أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه وإن كان الكلام يسيرا محرما كالسب ونحوه, فقال بعض أصحابنا: فيه وجهان أحدهما لا يقطعه لأنه لا يخل بالمقصود, فأشبه المباح والثاني يقطعه لأنه محرم فيه وأما الإقامة فلا ينبغي أن يتكلم فيها لأنها يستحب حدرها وأن لا يفرق بينهما قال أبو داود: قلت لأحمد: الرجل يتكلم في أذانه؟ فقال: نعم فقلت له: يتكلم في الإقامة؟ فقال: لا. وليس للرجل أن يبنى على أذان غيره لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين, كالصلاة والردة تبطل الأذان إن وجدت في أثنائه فإن وجدت بعده فقال القاضي: قياس قوله في الطهارة أن تبطل أيضا, والصحيح أنها لا تبطل لأنها وجدت بعد فراغه وانقضاء حكمه بحيث لا يبطله شيء من مبطلاته, فأشبه سائر العبادات إذا وجدت بعد فراغه منها بخلاف الطهارة فإنها تبطل بمبطلاتها, فالأذان أشبه بالصلاة في هذا الحكم منه بالطهارة والله تعالى أعلم. ولا يصح الأذان إلا مرتبا لأن المقصود منه يختل بعدم الترتيب وهو الإعلام, فإنه إذا لم يكن مرتبا لم يعلم أنه أذان ولأنه شرع في الأصل مرتبا, وعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا محذورة مرتبا. قال : [ويدير وجهه على يمينه إذا قال : حي على الصلاة ، وعلى يساره إذا قال : حي على الفلاح . ولا يزيل قدميه] المستحب أن يؤذن مستقبل القبلة ، لا نعلم فيه خلافا ؛ فإن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة . ويستحب أن يدير وجهه على يمينه ، إذا قال " حي على الصلاة " وعلى يساره ، إذا قال " حي على الفلاح " . ولا يزيل قدميه عن القبلة في التفاته ؛ لما روى أبو جحيفة ، قال : رأيت بلالا يؤذن ، وأتتبع فاه هاهنا وها هنا وأصبعاه في أذنيه . متفق عليه . وفي لفظ قال : (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم ، فخرج بلال فأذن ، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح ، التفت يمينا وشمالا ، ولم يستدر) رواه أبو داود . وظاهر كلام الخرقي ، أنه لا يستدير ، سواء كان على الأرض أو فوق المنارة ، وهو قول الشافعي ، وذكر أصحابنا ، عن أحمد ، فيمن أذن في المنارة روايتين : إحداهما ، لا يدور للخبر ، ولأنه يستدبر القبلة ، فكره ، كما لو كان على وجه الأرض . والثانية ، يدور في مجالها ، لأنه لا يحصل الإعلام بدونه ، وتحصيل المقصود بالإخلال بأدب أولى من العكس ، ولو أخل باستقبال القبلة أو مشى في أذانه ، لم يبطل ، فإن الخطبة آكد من الأذان ، ولا تبطل بهذا . وسئل أحمد عن الرجل يؤذن وهو يمشي ؟ فقال : نعم ، أمر الأذان عندي سهل . وسئل عن المؤذن يمشي وهو يقيم قال : يعجبني أن يفرغ ثم يمشي . وقال في رواية حرب : وفي المسافر أحب إلي أن يؤذن ووجهه إلى القبلة ، وأرجو أن يجزئ . قال [ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول] لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب ذلك والأصل فيه ما روى أبو سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (فإذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) متفق عليه ورواه جماعة, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص وابنه وأم حبيبة وقال غير الخرقي من أصحابنا: يستحب أن يقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله نص عليه أحمد لما روى الأثرم بإسناده عن أبي رافع, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- (أنه كان إذا سمع الأذان قال مثل ما يقول المؤذن فإذا بلغ حى على الصلاة, قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) " وروى حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله قال: أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال: حى على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله, ثم قال: حى على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه, دخل الجنة) رواه مسلم وأبو داود قال أبو بكر الأثرم: هذا من الأحاديث الجياد - يعنى هذا الحديث - وهذا أخص من حديث أبي سعيد فيقدم عليه أو يجمع بينهما. ويستحب أن يقول في الإقامة مثل ما يقول, ويقول عند كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها لما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- (أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: أقامها الله وأدامها) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان. روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قال حين يسمع النداء: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا رسول الله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم- رسولا غفر له ذنبه) رواه مسلم وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة, آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة) رواه البخاري وعن أم سلمة قالت: (علمنى النبي - صلى الله عليه وسلم- أن أقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك, فاغفر لي) رواه أبو داود وروى أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) رواه أبو داود أيضا. وإذا سمع الأذان وهو في قراءة, قطعها ليقول مثل ما يقول لأنه يفوت والقراءة لا تفوت وإن سمعه في الصلاة, لم يقل مثل قوله لئلا يشتغل عن الصلاة بما ليس منها وقد روى: " إن في الصلاة لشغلا " وإن قاله ما عدا الحيعلة لم تبطل الصلاة لأنه ذكر وإن قال الدعاء إلى الصلاة فيها, بطلت لأنه خطاب آدمي. وروي عن أحمد أنه كان إذا أذن فقال كلمة من الأذان قال مثلها سرا فظاهر هذا أنه رأى ذلك مستحبا, ليكون ما يظهره أذانا ودعاء إلى الصلاة وما يسره ذكرا لله تعالى فيكون بمنزلة من سمع الأذان. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يقوم حين يسمع المؤذن مبادرا يركع؟ فقال: يستحب أن يكون ركوعه بعدما يفرغ المؤذن, أو يقرب من الفراغ لأنه يقال: إن الشيطان ينفر حين يسمع الأذان فلا ينبغي أن يبادر بالقيام وإن دخل المسجد فسمع المؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول جمعا بين الفضيلتين وإن لم يقل كقوله وافتتح الصلاة, فلا بأس نص عليه أحمد. ولا يستحب الزيادة على مؤذنين لأن الذي حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان له مؤذنان بلال وابن أم مكتوم إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز, فقد روى عن عثمان رضي الله عنه أنه كان له أربعة مؤذنين وإن دعت الحاجة إلى أكثر منه كان مشروعا, وإذا كان أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد لأن مؤذنى النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أحدهما يؤذن بعد الآخر وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج إليه أما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية, أو دفعة واحدة في موضع واحد: قال أحمد إن أذن عدة في منارة فلا بأس وإن خافوا من تأذين واحد بعد الآخر فوات أول الوقت أذنوا جميعا دفعة واحدة. ولا يؤذن قبل المؤذن الراتب, إلا أن يتخلف ويخاف فوات وقت التأذين فيؤذن غيره كما روى عن زياد بن الحارث الصدائى أنه أذن للنبى - صلى الله عليه وسلم- حين غاب بلال وقد ذكرنا حديثه وأذن رجل حين غاب أبو محذورة قبله فأما مع حضوره فلا يسبق بالأذان, فإن مؤذنى النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يكن غيرهم يسبقهم بالأذان. وإذا تشاح نفسان في الأذان قدم أحدهما في الخصال المعتبرة في التأذين فيقدم من كان أعلى صوتا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن زيد: (ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك) وقدم أبا محذورة لصوته وكذلك يقدم من كان أبلغ في معرفة الوقت وأشد محافظة عليه, ومن يرتضيه الجيران لأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو أعف عن النظر فإن تساويا من جميع الجهات أقرع بينهما لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) متفق عليه ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد. ويكره اللحن في الأذان فإنه ربما غير المعنى فإن من قال: أشهد أن محمدا رسول الله, ونصب لام " رسول " أخرجه عن كونه خبرا ولا يمد لفظة " أكبر " لأنه يجعل فيها ألفا, فيصير جمع كبر وهو الطبل ولا تسقط الهاء من اسم الله تعالى واسم الصلاة ولا الحاء من الفلاح لما روى أبو هريرة, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (لا يؤذن لكم من يدغم الهاء قلنا: وكيف يقول؟ قال: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله) أخرجه الدارقطني في الأفراد فأما إن كان ألثغ لثغة لا تتفاحش جاز أذانه فقد روى أن بلالا كان يقول " أسهد " يجعل الشين سينا وإن سلم من ذلك كان أكمل وأحسن. وإذا أذن في الوقت, كره له أن يخرج من المسجد إلا أن يكون لحاجة ثم يعود لأنه ربما احتيج إلى إقامة الصلاة فلا يوجد وإن أذن قبل الوقت للفجر فلا بأس بذهابه لأنه لا يحتاج إلى حضوره قال أحمد, في الرجل يؤذن في الليل وهو على غير وضوء فيدخل المنزل, ويدع المسجد: أرجو أن يكون موسعا عليه ولكن إذا أذن وهو متوضئ في وقت الصلاة فلا أرى له أن يخرج من المسجد حتى يصلي, إلا أن تكون له الحاجة. وإن أذن المؤذن في بيته وكان قريبا من المسجد فلا بأس, وإن كان بعيدا فلا لأن القريب أذانه من عند المسجد فيأتيه السامعون للأذان والبعيد ربما سمعه من لا يعرف المسجد, فيغتر به ويقصده فيضيع عن المسجد وقد روى في الذي يؤذن في بيته, وبينه وبين المسجد طريق يسمع الناس: أرجو أن لا يكون به بأس وقال في رواية إبراهيم الحربى فيمن يؤذن في بيته على سطح: معاذ الله, ما سمعنا أن أحدا يفعل هذا فالأول المراد به القريب ولهذا كان بلال يؤذن على سطح امرأة من قريش لما كان قريبا من المسجد عاليا والثاني محمول على البعيد لما ذكرناه. إذا أذن المؤذن, وأقام لم يستحب لسائر الناس أن يؤذن كل إنسان منهم في نفسه ويقيم بعد فراغ المؤذن, ولكن يقول مثل ما يقول المؤذن لأن السنة إنما وردت بهذا والله أعلم.
|