الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في الحالتين اللتين ذكرهما الخرقي -رحمه الله- والأصل في ذلك قول الله تعالى: ألا من مبلغ عنا رسولا ** وما تغنى الرسالة شطر عمرو
أي: نحو عمرو وتقول العرب: هؤلاء القوم يشاطروننا إذا كانت بيوتهم تقابل بيوتهم وقال علي, رضي الله عنه: شطره قبله وروي عن البراء قال (قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم إنه وجه إلى الكعبة فمر رجل وكان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم- على قوم من الأنصار, فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة) أخرجه النسائي. قال أبو القاسم [وإذا اشتد الخوف وهو مطلوب ، ابتدأ الصلاة إلى القبلة ، وصلى إلى غيرها راجلا وراكبا ، يومئ إيماء على قدر الطاقة ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه] وجملة ذلك أنه إذا اشتد الخوف ، بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة ، أو احتاج إلى المشي ، أو عجز عن بعض أركان الصلاة ؛ إما لهرب مباح من عدو ، أو سيل ، أو سبع ، أو حريق ، أو نحو ذلك ، مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب ، أو المسابقة ، أو التحام الحرب ، والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة ، فله أن يصلي على حسب حاله ، راجلا وراكبا إلى القبلة - إن أمكن - ، أو إلى غيرها إن لم يمكن . وإذا عجز عن الركوع والسجود ، أومأ بهما ، وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته ، وإن عجز عن الإيماء ، سقط ، وإن عجز عن القيام أو القعود أو غيرهما ، سقط ، وإن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر ، فعل ذلك . ولا يؤخر الصلاة عن وقتها ؛ لقول الله تعالى : قال نافع : لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا أمكن افتتاح الصلاة إلى القبلة ، فهل يجب ذلك ؟ قال أبو بكر : فيه روايتان : إحداهما ، لا يجب ؛ لأنه جزء من أجزاء الصلاة ، فلم يجب الاستقبال فيه ، كبقية أجزائها . قال : وبه أقول والثانية ، يجب ؛ لما روى أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في السفر ، فأراد أن يصلي على راحلته ، استقبل القبلة ، ثم كبر ، ثم صلى حيث توجهت به). رواه الدارقطني . ولأنه أمكنه ابتداء الصلاة مستقبلا فلم يجز بدونه ، كما لو أمكنه ذلك في ركعة كاملة . وتمام شرح هذه الصلاة نذكره في باب صلاة الخوف ، إن شاء الله . قال [وسواء كان مطلوبا أو طالبا يخشى فوات العدو وعن أبي عبد الله -رحمه الله- رواية أخرى: أنه إن كان طالبا, فلا يجزئه أن يصلي إلا صلاة آمن] اختلفت الرواية عن أبي عبد الله -رحمه الله- في طالب العدو الذي يخاف فواته فروى أنه يصلي على حسب حاله, كالمطلوب سواء روى ذلك عن شرحبيل بن حسنة وهو قول الأوزاعي وعن أحمد أنه لا يصلي إلا صلاة آمن وهو قول أكثر أهل العلم لأن الله تعالى قال: ولنا ما روى أبو داود, في " سننه " بإسناده عن عبد الله بن أنيس قال: (بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى خالد بن سفيان الهذلي, وكان نحو عرنة أو عرفات قال: اذهب فاقتله فرأيته وحضرت صلاة العصر, فقلت: إني لأخاف أن يكون بينى وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشى وأنا أصلى أومئ إيماء نحوه, فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغنى أنك تجمع لهذا الرجل, فجئتك لذلك قال: إني لعلى ذلك فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكننى علوته بسيفى حتى برد) وظاهر حاله أنه أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- أو كان قد علم جواز ذلك من قبله, فإنه لا يظن به أنه يفعل مثل ذلك مخطئا وهو رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم لا يخبره به ولا يسأله عن حكمه وروى الأوزاعي عن سابق البربري, عن كتاب الحسن: أن الطالب ينزل فيصلى بالأرض فقال الأوزاعي: وجدنا الأمر على غير ذلك قال شرحبيل بن حسنة: لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر فصلى على الأرض فمر به شرحبيل, فقال مخالف خالف الله به قال: فخرج الأشتر في الفتنة وكان الأوزاعي يأخذ بهذا في طلب العدو ولأنها إحدى حالتى الحرب أشبهت حالة الهرب والآية لا دلالة فيها على محل النزاع لأن مدلولها إباحة القصر وقد أبيح القصر حالة الأمن بغير خلاف, وهو أيضا غير محل النزاع ثم وإن دلت على محل النزاع فقد أبيحت صلاة الخوف من غير خوف فتنة الكفار, للخوف من سبع أو سيل أو حريق لوجود معنى المنطوق فيها وهذا في معناه, لأن فوات الكفار ضرر عظيم فأبيحت صلاة الخوف عند فوته كالحالة الأخرى. قال [وله أن يتطوع في السفر على الراحلة, على ما وصفنا من صلاة الخوف] لا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة التطوع على الراحلة في السفر الطويل قال الترمذي: هذا عند عامة أهل العلم وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه جائز لكل من سافر سفرا يقصر فيه الصلاة أن يتطوع على دابته حيثما توجهت يومئ بالركوع والسجود يجعل السجود أخفض من الركوع وأما السفر القصير وهو ما لا يباح فيه القصر, فإنه تباح فيه الصلاة على الراحلة عند إمامنا والليث والحسن بن حي, والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك: لا يباح إلا في سفر طويل لأنه رخصة سفر, فاختص بالطويل كالقصر ولنا قول الله تعالى: وحكم الصلاة على الراحلة حكم الصلاة في الخوف, في أنه يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض من الركوع قال جابر: (بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق, والسجود أخفض من الركوع) رواه أبو داود ويجوز أن يصلي على البعير والحمار وغيرهما قال ابن عمر: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر) رواه أبو داود والنسائي لكن إن صلى على حيوان نجس فلا بد أن يكون بينهما سترة طاهرة. فإن كان على الراحلة في مكان واسع, كالمنفرد في العمارية يدور فيها كيف شاء ويتمكن من الصلاة إلى القبلة والركوع والسجود فعليه استقبال القبلة في صلاته, ويسجد على ما هو عليه إن أمكنه ذلك لأنه كراكب السفينة وإن قدر على الاستقبال دون الركوع والسجود استقبل القبلة وأومأ بهما نص عليه وقال أبو الحسن الآمدي: يحتمل أن لا يلزمه شيء من ذلك, كغيره لأن الرخصة العامة تعم ما وجدت فيه المشقة وغيره كالقصر والجمع وإن عجز عن ذلك سقط بغير خلاف وإن كان يعجز عن استقبال القبلة في ابتداء صلاته كراكب راحلة لا تطيعه, أو كان في قطار فليس عليه استقبال القبلة في شيء من الصلاة وإن أمكنه افتتاحها إلى القبلة كراكب راحلة منفردة تطيعه, فهل يلزمه افتتاحها إلى القبلة؟ يخرج فيه روايتان إحداهما يلزمه لما روى أنس (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر فأراد أن يتطوع, استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجهة ركابه) رواه الإمام أحمد, في " مسنده " وأبو داود ولأنه أمكنه استقبال القبلة في ابتداء الصلاة فلزمه ذلك كالصلاة كلها والثانية: لا يلزمه لأنه جزء من أجزاء الصلاة أشبه سائر أجزائها, ولأن ذلك لا يخلو من مشقة فسقط وخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- يحمل على الفضيلة والندب. وقبلة هذا المصلى حيث كانت وجهته, فإن عدل عنها نظرت فإن كان عدوله إلى جهة الكعبة جاز لأنها الأصل, وإنما جاز تركها للعذر فإذا عدل إليها أتى بالأصل كما لو ركع فسجد في مكان الإيماء وإن عدل إلى غيرها عمدا, فسدت صلاته لأنه ترك قبلته عمدا وإن فعل ذلك مغلوبا أو نائما أو ظنا منه أنها جهة سفره, فهو على صلاته ويرجع إلى جهة سفره عند زوال عذره لأنه مغلوب على ذلك فأشبه العاجز عن الاستقبال فإن تمادى به ذلك بعد زوال عذره فسدت صلاته لأنه ترك الاستقبال عمدا ولا فرق بين جميع التطوعات في هذا, فيستوي فيه النوافل المطلقة والسنن الرواتب والمعينة, والوتر وسجود التلاوة وقد (كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يوتر على بعيره) (وكان يسبح على بعيره إلا الفرائض) متفق عليهما. فأما الماشى في السفر, فظاهر كلام الخرقي أنه لا تباح له الصلاة في حال مشيه لقوله: " ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضا ولا نافلة إلا متوجها إلى الكعبة " وهو إحدى الروايتين عن أحمد فإنه قال: ما أعلم أحدا قال في الماشى: يصلي, إلا عطاء ولا يعجبني أن يصلي الماشى وهذا مذهب أبي حنيفة والرواية الثانية له أن يصلي ماشيا نقلها مثنى بن جامع, وذكرها القاضي وغيره وعليه أن يستقبل القبلة لافتتاح الصلاة ثم ينحرف إلى جهة سيره ويقرأ وهو ماش, ويركع ثم يسجد على الأرض وهذا مذهب عطاء والشافعي وقال الآمدي: يومئ بالركوع والسجود كالراكب لأنها حالة أبيح فيها ترك الاستقبال, فلم يجب عليه الركوع والسجود كالراكب وعلى قول القاضي: الركوع والسجود ممكن من غير انقطاعه عن جهة سيره فلزمه كالوقف واحتجوا بأن الصلاة أبيحت للراكب, لئلا ينقطع عن القافلة في السفر وهذا المعنى موجود في الماشى ولأنه إحدى حالتى سير المسافر, فأبيحت الصلاة فيها كالأخرى ولنا أنه لم ينقل ولا هو في معنى المنقول لأنه يحتاج إلى عمل كثير, ومشى متتابع يقطع الصلاة ويقتضى بطلانها, وهذا غير موجود في الراكب فلم يصح إلحاقه به ولأن قوله تعالى: وإذا دخل المصلى بلدا ناويا للإقامة فيه لم يصل بعد دخوله إليه إلا صلاة المقيم وإن دخله مجتازا به, غير ناو للإقامة فيه ولا نازل به أو نازلا به, ثم يرتحل من غير نية إقامة مدة يلزمه بها إتمام الصلاة استدام الصلاة ما دام سائرا فإذا نزل فيه صلى إلى القبلة, وبنى على ما مضى من صلاته كقولنا في الخائف إذا أمن في أثناء صلاته ولو ابتدأها وهو نازل إلى القبلة, ثم أراد الركوب أتم صلاته ثم ركب وقيل: يركب في الصلاة ويتمها إلى جهة سيره, كالآمن إذا خاف في أثناء صلاته والفرق بينهما أن حالة الخوف حالة ضرورة أبيح فيها ما يحتاج إليه من العمل وهذه رخصة ورد الشرع بها من غير ضرورة إليها فلا يباح فيها غير ما نقل فيها, ولم يرد بإباحة الركوب الذي يحتاج فيه إلى عمل وتوجه إلى غير جهة القبلة ولا جهة سيره فيبقى على الأصل والله تعالى أعلم. قال: [ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضا ولا نافلة إلا متوجها إلى الكعبة فإن كان يعاينها فبالصواب وإن كان غائبا عنها فبالاجتهاد بالصواب إلى جهتها] قد ذكرنا أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة, ولا فرق بين الفريضة والنافلة لأنه شرط للصلاة فاستوى فيه الفرض والنفل كالطهارة والستارة, ولأن قوله تعالى: فصل فأما محاريب الكفار فلا يجوز أن يستدل بها لأن قولهم لا يستدل به فمحاريبهم أولى إلا أن نعلم قبلتهم كالنصارى, نعلم أن قبلتهم المشرق فإذا رأى محاريبهم في كنائسهم علم أنها مستقبلة المشرق وإن وجد محرابا لا يعلم هل هو للمسلمين أو لغيرهم اجتهد ولم يلتفت إليه لأن الاستدلال إنما يجوز بمحاريب المسلمين, ولا يعلم وجود ذلك ولو رأى على المحراب آثار الإسلام لم يصل إليه لاحتمال أن يكون البانى له مشركا مستهزئا يغر به المسلمين, إلا أن يكون ذلك مما لا يتطرق إليه الاحتمال ويحصل له العلم أنه من محاريب المسلمين فيستقبله.
فصل ولو صلى على جبل عال يخرج عن مسامتة الكعبة, صحت صلاته وكذلك لو صلى في مكان ينزل عن مسامتتها لأن الواجب استقبالها وما يسامتها من فوقها وتحتها بدليل ما لو زالت الكعبة والعياذ بالله صحت الصلاة إلى موضع جدارها.
فصل والمجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها وإن كان جاهلا بأحكام الشرع, فإن كل من علم أدلة شيء كان من المجتهدين فيه وإن جهل غيره ولأنه يتمكن من استقبالها بدليله, فكان مجتهدا فيها كالفقيه ولو جهل الفقيه أدلتها أو كان أعمى فهو مقلد وإن علم غيرها وأوثق أدلتها النجوم, قال الله تعالى: فصل ومنازل الشمس والقمر, وهي ثمانية وعشرون منزلا وهي: السرطان والبطين, والثريا والدبران والهقعة, والهنعة والذراع والنثرة, والطرف والجبهة والزبرة, والصرفة والعواء والسماك, والغفر والزبانى والإكليل, والقلب والشولة والنعائم, والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع, وسعد السعود وسعد الأخبية والفرع المقدم والفرع المؤخر, وبطن الحوت منها أربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق أو مائلة عنه إلى الشمال قليلا أولها السرطان وآخرها السماك ومنها أربعة عشر يمانية, تطلع من المشرق أو ما يليه إلى التيامن أولها الغفر وآخرها بطن الحوت ولكل نجم من الشامية رقيب من اليمانية إذا طلع أحدهما غاب رقيبه, وينزل القمر كل ليلة بمنزلة منها قريبا منه ثم ينتقل في الليلة الثانية إلى المنزل الذي يليه قال الله تعالى: فصل والشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب وتختلف مطالعها ومغاربها, على حسب اختلاف منازلها وتكون في الشتاء في حال توسطها في قبلة المصلى وفي الصيف محاذية لقبلته.
فصل والقمر يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب, عن يمين المصلى ثم يتأخر كل ليلة نحو المشرق منزلا حتى يكون ليلة السابع وقت المغرب في قبلة المصلي, أو مائلا عنها قليلا ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما, وليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلى أو قريبا منها وقت الفجر, وليلة ثمان وعشرين يبدو عند الفجر كالهلال من المشرق وتختلف مطالعه باختلاف منازله.
فصل والرياح كثيرة يستدل منها بأربع تهب من زوايا السماء الجنوب تهب من الزاوية التي بين القبلة والمشرق, مستقبلة بطن كتف المصلى الأيسر مما يلي وجهه إلى يمينه والشمال مقابلتها, تهب من الزاوية التي بين المغرب والشمال مارة إلى مهب الجنوب والدبور تهب من الزاوية التي بين المغرب واليمن مستقبلة شطر وجه المصلى الأيمن مارة إلى الزاوية المقابلة لها والصبا مقابلتها, تهب من ظهر المصلى وربما هبت الرياح بين الحيطان والجبال فتدور فلا اعتبار بها وبين كل ريحين ريح تسمى النكباء لتنكبها طريق الرياح المعروفة, وتعرف الرياح بصفاتها وخصائصها فهذا أصح ما يستدل به على القبلة وذكر أصحابنا الاستدلال بالمياه وقالوا: الأنهار الكبار كلها تجرى عن يمنة المصلى إلى يسرته, على انحراف قليل وذلك مثل دجلة والفرات والنهروان ولا اعتبار بالأنهار المحدثة لأنها تحدث بحسب الحاجات إلى الجهات المختلفة, ولا بالسواقى والأنهار الصغار لأنها لا ضابط لها ولا بنهرين يجريان من يسرة المصلى إلى يمينه أحدهما العاصى بالشام, والثاني سيحون بالمشرق وهذا الذي ذكروه لا ينضبط بضابط فإن كثيرا من أنهار الشام تجرى على غير السمت الذي ذكروه فالأردن يجرى نحو القبلة وكثير منها يجرى نحو البحر, حيث كان منها حتى يصب فيه وإن اختصت الدلالة بما ذكروه فليس شيء منها في الشام سوى العاصى والفرات حد الشام من ناحية المشرق فمن علم هذه الأدلة فهو مجتهد وقد يستدل أهل كل بلدة بأدلة تختص ببلدتهم من جبالها, وأنهارها وغير ذلك مثل من يعلم أن جبلا بعينه يكون في قبلتهم, أو على أيمانهم أو غير ذلك من الجهات وكذلك إن علم مجرى نهر بعينه فمن كان من أهل الاجتهاد إذا خفيت عليه القبلة في السفر, ولم يجد مخبرا ففرضه الصلاة إلى جهة يؤديه اجتهاده إليها فإن خفيت عليه الأدلة لغيم أو ظلمة تحرى فصلى, والصلاة صحيحة لما نذكره من الأحاديث ولأنه بذل وسعه في معرفة الحق مع علمه بأدلته, فأشبه الحاكم والعالم إذا خفيت عليه النصوص.
فصل إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم أراد صلاة أخرى لزمه إعادة الاجتهاد, كالحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدث مثلها لزمه إعادة الاجتهاد, وهذا مذهب الشافعي فإن تغير اجتهاده عمل بالثانى ولم يعد ما صلى بالأول, كما لو تغير اجتهاد الحاكم عمل بالثانى في الحادثة الثانية ولم ينقض حكمه الأول وهذا لا نعلم فيه خلافا فإن تغير اجتهاده في الصلاة استدار إلى الجهة الثانية, وبنى على ما مضى من صلاته نص عليه أحمد في رواية الجماعة وقال ابن أبي موسى والآمدي: لا ينتقل, ويمضي على اجتهاده الأول لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد ولنا أنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلم يجز له الصلاة إلى غيرها كما لو أراد صلاة أخرى, ولأنه أداه اجتهاده إلى غير هذه الجهة فلم يجز له الصلاة إليها كسائر محال الوفاق, وليس هذا نقضا للاجتهاد وإنما يعمل به في المستقبل كما في الصلاة الأخرى, وإنما يكون نقضا للاجتهاد أن لو ألزمناه إعادة ما مضى من صلاته ولم نعتد له به فإن لم يبق اجتهاده وظنه إلى الجهة الأولى, ولم يؤده اجتهاده إلى الجهة الأخرى فإنه يبنى على ما مضى من صلاته لأنه لم يظهر له جهة أخرى يتوجه إليها وإن بان له يقين الخطأ في الصلاة بمشاهدة أو خبر عن يقين, استدار إلى جهة الصواب وبنى كأهل قباء لما أخبروا بتحويل القبلة استداروا إليها وبنوا وإن شك في اجتهاده لم يزل عن جهته لأن الاجتهاد ظاهر فلا يزول عنه بالشك وإن بان له الخطأ, ولم يعرف جهة القبلة كرجل كان يصلي إلى جهة فرأى بعض منازل القمر في قبلته, ولم يدر أهو في المشرق أو المغرب واحتاج إلى الاجتهاد بطلت صلاته لأنه لا يمكنه استدامتها إلى غير القبلة, وليست له جهة يتوجه إليها فبطلت لتعذر إتمامها.
مسألة قال: [وإذا اختلف اجتهاد رجلين, لم يتبع أحدهما صاحبه] وجملته أن المجتهدين إذا اختلفا ففرض كل واحد منهما الصلاة إلى الجهة التي يؤديه اجتهاده إليها أنها القبلة لا يسعه تركها, ولا تقليد صاحبه سواء كان أعلم منه أو لم يكن, كالعالمين يختلفان في الحادثة ولو أن أحدهما اجتهد فأراد الآخر تقليده من غير اجتهاد لم يجز له ذلك, ولا يسعه الصلاة حتى يجتهد سواء اتسع الوقت أو كان ضيقا يخشى خروج وقت الصلاة, كالحاكم لا يسوغ له الحكم في حادثة بتقليد غيره وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد في المجتهد الذي يضيق الوقت عن اجتهاده, أن له تقليد غيره وأشار إلى قول أحمد فيمن هو في مدينة فتحرى, فصلى لغير القبلة في بيت يعيد لأن عليه أن يسأل قال: فقد جعل فرض المحبوس السؤال وهذا غير صحيح وكلام أحمد إنما دل على أنه ليس لمن في المصر الاجتهاد لأنه يمكنه التوصل إلى القبلة بطريق الخبر, والاستدلال بالمحاريب بخلاف المسافر وليس فيه دليل على أنه يجوز له تقليد المجتهدين في محل الاجتهاد عند ضيق الوقت, ألا ترى أن أبا عبد الله لم يفرق بين ضيق الوقت وسعته مع اتفاقنا على أنه لا يجوز له التقليد مع سعة الوقت ولأن الاجتهاد في حقه شرط لصحة الصلاة, فلم يسقط بضيق الوقت مع إمكانه كسائر الشروط.
فصل وإذا اختلف اجتهاد رجلين, فصلى كل واحد منهما إلى جهة فليس لأحدهما الائتمام بصاحبه وهذا مذهب الشافعي لأن كل واحد يعتقد خطأ صاحبه فلم يجز أن يأتم به, كما لو خرجت من أحدهما ريح واعتقد كل واحد منهما أنها من صاحبه فإن لكل واحد منهما أن يصلي, وليس له أن يأتم بصاحبه وقياس المذهب جواز ذلك وهو مذهب أبي ثور لأن كل واحد منهما يعتقد صحة صلاة الآخر فإن فرضه التوجه إلى ما توجه إليه فلم يمنع اقتداءه به اختلاف جهته كالمصلين حول الكعبة مستديرين حولها, وكالمصلين حال شدة الخوف وقد نص أحمد على صحة الصلاة خلف المصلى في جلود الثعالب إذا كان يتأول قوله عليه السلام: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) مع كون أحمد لا يرى طهارتها, وفارق ما إذا اعتقد كل واحد منهما حدث صاحبه لأنه يعتقد بطلان صلاته بحيث لو بان له يقينا حدث نفسه لزمته إعادة الصلاة وهاهنا صلاته صحيحة ظاهرا وباطنا, بحيث لو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة فافترقا فأما إن كان أحدهما يميل يمينا, ويميل الآخر شمالا مع اتفاقهما في الجهة فلا يختلف المذهب في أن لأحدهما الائتمام بصاحبه لأن الواجب استقبال الجهة, وقد اتفقا فيها. قال: [ويتبع الأعمى أوثقهما في نفسه] يعنى إذا اختلف مجتهدان في القبلة ومعهما أعمى قلد أوثقهما في نفسه, وهو أعلمهما عنده وأصدقهما قولا وأشدهما تحريا لأن الصواب إليه أقرب وكذلك الحكم في البصير الذي لا يعلم الأدلة, ولا يقدر على تعلمها قبل خروج الوقت فرضه أيضا التقليد ويقلد أوثقهما في نفسه, فإن قلد المفضول فظاهر قول الخرقي أنه لا تصح صلاته لأنه ترك ما يغلب على ظنه أن الصواب فيه فلم يسغ له ذلك, كالمجتهد إذا ترك جهة اجتهاده والأولى صحتها وهو مذهب الشافعي لأنه أخذ بدليل له الأخذ به لو انفرد فكذلك إذا كان معه غيره, كما لو استويا ولا عبرة بظنه فإنه لو غلب على ظنه أن المفضول مصيب, لم يمنع ذلك من تقليد الأفضل فأما إن استويا عنده فله تقليد من شاء منهما كالعامى مع العلماء في بقية الأحكام. والمقلد من لا يمكنه الصلاة باجتهاد نفسه, إما لعدم بصره وإما لعدم بصيرته وهو العامى الذي لا يمكنه التعلم والصلاة باجتهاده قبل خروج وقت الصلاة فأما من يمكنه, فإنه يلزمه التعلم فإن صلى قبل ذلك لم تصح صلاته لأنه قدر على الصلاة باجتهاده, فلم يصح بالتقليد كالمجتهد ولا يلزم على هذا العامى حيث لا يلزمه تعلم الفقه لوجهين: أحدهما: أن الفقه ليس بشرط في صحة الصلاة والثاني: أن مدته تطول فهو كالذي لا يقدر على تعلم الأدلة في مسألتنا وإن أخر هذا التعلم والصلاة إلى حال يضيق وقتها عن التعلم والاجتهاد أو عن أحدهما صحت صلاته بالتقليد, كالذي يقدر على تعلم الفاتحة فيضيق الوقت عن تعلمها. فإن كان المجتهد به رمد أو عارض يمنعه رؤية الأدلة, فهو كالأعمى في جواز التقليد لأنه عاجز عن الاجتهاد وكذلك لو كان محبوسا في مكان لا يرى فيه الأدلة ولا يجد مخبرا إلا مجتهدا آخر في مكان يرى العلامات فيه, فله تقليده لأنه كالأعمى. وإذا شرع في الصلاة بتقليد مجتهد فقال له قائل: قد أخطأت القبلة وإنما القبلة هكذا وكان يخبر عن يقين, مثل من يقول: قد رأيت الشمس أو الكواكب وتيقنت أنك مخطئ فإنه يرجع إلى قوله, ويستدير إلى الجهة التي أخبره أنها جهة الكعبة لأنه لو أخبر بذلك المجتهد الذي قلده الأعمى لزمه قبول خبره فالأعمى أولى وإن أخبره عن اجتهاده, أو لم يبين له عن أي شيء أخبره ولم يكن في نفسه أوثق من الأول مضى على ما هو عليه لأنه شرع في الصلاة بدليل يقينا, فلا يزول عنه بالشك وإن كان الثاني أوثق في نفسه من الأول وقلنا: لا يتعين عليه تقليد الأفضل فكذلك وإن قلنا: عليه تقليده خاصة, رجع إلى قوله كالبصير إذا تغير اجتهاده في أثناء صلاته. ولو شرع مجتهد في الصلاة باجتهاده فعمى فيها, بنى على ما مضى من صلاته لأنه إنما يمكنه البناء على اجتهاد غيره فاجتهاده أولى, فإن استدار عن تلك الجهة بطلت صلاته وإن أخبره مخبر بخطئه عن يقين رجع إليه وإن أخبره عن اجتهاد, لم يرجع إليه لما ذكرنا وإن شرع فيها وهو أعمى فأبصر في أثنائها فشاهد ما يستدل به على صواب نفسه, مثل أن يرى الشمس في قبلته في صلاة الظهر ونحو ذلك مضى عليه لأن الاجتهادين قد اتفقا وإن بان له خطؤه, استدار إلى الجهة التي أداه إليها وبنى على ما مضى من صلاته وإن لم يبن له صوابه ولا خطؤه بطلت صلاته, واجتهد لأن فرضه الاجتهاد فلم يجز له أداء فرضه بالتقليد كما لو كان بصيرا في ابتدائها وإن كان مقلدا, مضى في صلاته لأنه ليس في وسعه إلا الدليل الذي بدأ به فيها. قال: [وإذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم علم أنه قد أخطأ القبلة لم يكن عليه إعادة] وجملته أن المجتهد إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة, ثم بان له أنه صلى إلى غير جهة الكعبة يقينا لم يلزمه الإعادة وكذلك المقلد الذي صلى بتقليده وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر: يلزمه الإعادة لأنه بان له الخطأ في شرط من شروط الصلاة, فلزمته الإعادة كما لو بان له أنه صلى قبل الوقت أو بغير طهارة أو ستارة ولنا, ما روى عامر بن ربيعة عن أبيه قال: (كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في سفر, في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل حياله, فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم- فنزل: فصل ولا فرق بين أن تكون الأدلة ظاهرة مكشوفة فاشتبهت عليه, أو مستورة بغيم أو شيء يسترها عنه بدليل الأحاديث التي رويناها فإن الأدلة استترت عنهم بالغيم, فلم يعيدوا ولأنه أتى بما أمر به في الحالين وعجز عن استقبال القبلة في الموضعين, فاستويا في عدم الإعادة.
فصل وإن بان له يقين الخطأ وهو في الصلاة استدار إلى جهة الكعبة وبنى على ما مضى من الصلاة لأن ما مضى منها كان صحيحا, فجاز البناء عليه كما لو لم يبن له الخطأ وإن كانوا جماعة قد أداهم اجتهادهم إلى جهة, فقدموا أحدهم ثم بان لهم الخطأ في حال واحدة استداروا إلى الجهة التي بان لهم الصواب فيها, كبنى سلمة لما بان لهم تحول الكعبة وإن بان للإمام وحده أو للمأمومين دونه, أو لبعضهم استدار من بان له الصواب وحده وينوي بعضهم مفارقة بعض, إلا على الوجه الذي قلنا أن لبعضهم أن يقتدى بمن خالفه في الاجتهاد وإن كان فيهم مقلد تبع من قلده وانحرف بانحرافه وإن قلد الجميع لم ينحرف إلا بانحراف الجميع لأنه شرع بدليل يقيني, فلا ينحرف بالشك إلا من يلزمه تقليد أوثقهم فإنه ينحرف بانحرافه. قال: [وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ, أو الأعمى بلا دليل أعادا] أما البصير إذا صلى إلى غير الكعبة في الحضر ثم بان له الخطأ, فعليه الإعادة سواء إذا صلى بدليل أو غيره لأن الحضر ليس بمحل الاجتهاد لأن من فيه يقدر على المحاريب والقبل المنصوبة, ويجد من يخبره عن يقين غالبا فلا يكون له الاجتهاد كالقادر على النص في سائر الأحكام, فإن صلى من غير دليل فأخطأ لزمته الإعادة لتفريطه وإن أخبره مخبر فأخطأه, فقد غره وتبين أن خبره ليس بدليل فإن كان محبوسا لا يجد من يخبره, فقال أبو الحسن التميمي: هو كالمسافر يتحرى في محبسه ويصلي, من غير إعادة لأنه عاجز عن الاستدلال بالخبر والمحاريب فهو كالمسافر وأما الأعمى فإن كان في حضر, فهو كالبصير لأنه يقدر على الاستدلال بالخبر والمحاريب فإن الأعمى إذا لمس المحراب وعلم أنه محراب, وأنه متوجه إليه فهو كالبصير وكذلك إذا علم أن باب المسجد إلى الشمال أو غيرها من الجهات جاز له الاستدلال به, ومتى أخطأ فعليه الإعادة وحكم المقلد حكم الأعمى في هذا وإن كان الأعمى أو المقلد مسافرا ولم يجد من يخبره, ولا مجتهدا يقلده فظاهر كلام الخرقي أنه يعيد, سواء أصاب أو أخطأ لأنه صلى من غير دليل فلزمته الإعادة وإن أصاب كان كالمجتهد إذا صلى من غير اجتهاد وقال أبو بكر: يصلي على حسب حاله, وفي الإعادة روايتان سواء أصاب أو أخطأ: إحداهما: يعيد لما ذكرنا والثانية: لا إعادة عليه لأنه أتى بما أمر فأشبه المجتهد ولأنه عاجز عن غير ما أتى به, فسقط عنه كسائر العاجزين عن الاستقبال ولأنه عادم للدليل, فأشبه المجتهد في الغيم والحبس وقال ابن حامد: إن أخطأ أعاد وإن أصاب فعلى وجهين وحكم المقلد لعدم بصيرته كعادم بصره فأما إن وجد من يقلده, أو من يخبره فلم يستخبره ولم يقلد أو خالف المخبر والمجتهد, وصلى فصلاته باطلة بكل حال وكذلك المجتهد إذا صلى من غير اجتهاد فأصاب, أو أداه اجتهاده إلى جهة فصلى إلى غيرها فإن صلاته باطلة بكل حال سواء أخطأ أو أصاب لأنه لم يأت بما أمر به, فأشبه من ترك التوجه إلى الكعبة مع علمه بها. قال: [ولا يتبع دلالة مشرك بحال وذلك لأن الكافر لا يقبل خبره ولا روايته, ولا شهادته لأنه ليس بموضع أمانة] ولذلك قال عمر رضي الله عنه: لا تأتمنوهم بعد إذ خونهم الله عز وجل ولا يقبل خبر الفاسق لقلة دينه وتطرق التهمة إليه, ولأنه أيضا لا تقبل روايته ولا شهادته ولا يقبل خبر الصبى لذلك ولأنه يلحقه مأثم بكذبه فتحرزه من الكذب غير موثوق به وقال التميمي يقبل خبر الصبى المميز وإذا لم يعرف حال المخبر, فإن شك في إسلامه وكفره لم يقبل خبره كما لو وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو أهل الذمة وإن لم يعلم عدالته وفسقه, قبل خبره لأن حال المسلم يبنى على العدالة ما لم يظهر خلافها ويقبل خبر سائر الناس من المسلمين البالغين العقلاء, سواء كانوا رجالا أو نساء ولأنه خبر من أخبار الدين فأشبه الرواية ويقبل من الواحد كذلك والله أعلم
آداب المشى إلى الصلاة يستحب للرجل, إذا أقبل إلى الصلاة أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع وعليه السكينة والوقار, وإن سمع الإقامة لم يسع إليها لما روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) وعن أبي قتادة قال: (بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذ سمع جلبة رجال فلما صلى, قال: ما شأنكم قالوا: استعجلنا إلى الصلاة قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم إلى الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) متفق عليهما وفي رواية " فاقضوا " قال الإمام أحمد: ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئا, ما لم يكن عجلة تقبح جاء الحديث عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يعجلون شيئا إذا خافوا فوات التكبيرة الأولى ويستحب أن يقارب بين خطاه لتكثر حسناته, فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة وقد روى عبد بن حميد في " مسنده " بإسناده عن زيد بن ثابت, قال: (أقيمت الصلاة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يمشى وأنا معه فقارب في الخطى, ثم قال: أتدرى لم فعلت هذا؟ لتكثر خطانا في طلب الصلاة) ويكره أن يشبك بين أصابعه لما روي عن كعب بن عجرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد, فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة) رواه أبو داود.
فصل ويستحب أن يقول ما روى ابن عباس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الصلاة وهو يقول: اللهم اجعل في قلبى نورا وفي لسانى نورا, واجعل في سمعى نورا واجعل في بصرى نورا واجعل من خلفى نورا, ومن أمامى نورا واجعل من فوقى نورا ومن تحتى نورا, وأعطنى نورا) أخرجه مسلم وروى الإمام أحمد في " المسند " وابن ماجه في " السنن " بإسنادهما عن أبي سعيد, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاى هذا, فإنى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك, فأسألك أن تنقذنى من النار وأن تغفر لي ذنوبى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه, واستغفر له سبعون ألف ملك ويقول: بسم الله فصل فإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وقال ما رواه مسلم عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك) وعن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم, وقال: رب اغفر لي ذنوبى وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد, وقال: رب اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك) رواه الترمذي ولا يجلس حتى يركع ركعتين لما روى أبو قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) متفق عليه ثم يجلس مستقبل القبلة, ويشتغل بذكر الله تعالى أو قراءة القرآن أو يسكت, ولا يخوض في حديث الدنيا ولا يشبك أصابعه لما روى أبو سعيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان, وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه) رواه أحمد في " المسند ".
فصل وإذا أقيمت الصلاة, لم يشتغل عنها بنافلة سواء خشى فوات الركعة الأولى أم لم يخش وبهذا قال أبو هريرة وابن عمر, وعروة وابن سيرين وسعيد بن جبير, والشافعي وإسحاق وأبو ثور وروي عن ابن مسعود, أنه دخل والإمام في صلاة الصبح فركع ركعتى الفجر وهذا مذهب الحسن ومكحول, ومجاهد وحماد بن أبي سليمان وقال مالك: إن لم يخف فوات الركعة ركعهما خارج المسجد وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز, وأبو حنيفة: يركعهما إلا أن يخاف فوات الركعة الأخيرة ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به فلم يشتغل به, كما لو خاف فوات الركعة قال ابن عبد البر في هذه المسألة الحجة عند التنازع السنة فمن أدلى بها فقد فلح ومن استعملها فقد نجا قال: وقد روت عائشة رضي الله عنها (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- خرج حين أقيمت الصلاة, فرأى ناسا يصلون فقال: أصلاتان معا؟) وروى نحو ذلك أنس وعبد الله بن سرجس, وابن بحينة وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ورواهن كلهن ابن عبد البر في كتاب " التمهيد " قال: وكل هذا إنكار منه لهذا الفعل فأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة, ولم يخش فوات الجماعة أتمها ولم يقطعها لقول الله تعالى: فصل قيل لأحمد: قبل التكبير يقول شيئا؟ قال: لا يعنى ليس قبله دعاء مسنون إذ لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه ولأن الدعاء يكون بعد العبادة لقول الله تعالى:
|