الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: فإن اختارت المقام معه قبل الدخول أو بعده, فالمهر للسيد وإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا مهر لها, وإن اختارته بعد الدخول فالمهر للسيد وجملته أن المعتقة إن اختارت المقام مع زوجها قبل الدخول أو بعده أو اختارت الفسخ بعد الدخول فالمهر واجب لأنه واجب بالعقد, فإذا اختارت المقام فلم يوجد له مسقط وإن فسخت بعد الدخول, فقد استقر بالدخول فلم يسقط بشيء وهو للسيد في الحالين لأنه وجب بالعقد في ملكه, والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق أو بعده وقال أصحاب الشافعي: إن كان الدخول قبل العتق فالواجب المسمى, وإن كان بعده فالواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى حالة العتق فصار الوطء في نكاح فاسد ولنا, أنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح اتصل به الدخول قبل الفسخ, فأوجب المسمى كما لو لم يفسخ ولأنه لو وجب بالوطء بعد الفسخ, لكان المهر لها لأنها حرة حينئذ وقولهم: إن الوطء في نكاح فاسد غير صحيح فإنه كان صحيحا ولم يوجد ما يفسده ويثبت فيه أحكام الوطء في النكاح الصحيح, من الإحلال للزوج الأول والإحصان وكونه حلالا وأما إن اختارت الفسخ قبل الدخول, فلا مهر لها نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد رواية أخرى للسيد نصف المهر لأنه وجب للسيد, فلا يسقط بفعل غيره ولنا أن الفرقة جاءت من قبلها فسقط مهرها, كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها رضاعه وقوله: وجب للسيد قلنا: لكن بواسطتها ولهذا سقط نصفه بفسخها, وجميعه بإسلامها وردتها. ولو كانت مفوضة ففرض لها مهر المثل فهو للسيد أيضا لأنه وجب بالعقد في ملكه لا بالفرض وكذلك لو مات أحدهما, وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد وإن كان الفسخ قبل الدخول والفرض, فلا شيء إلا على الرواية الأخرى ينبغي أن تجب المتعة لأنها تجب بالفرقة قبل الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه. فإن طلقها طلاقا بائنا, ثم أعتقت فلا خيار لها لأن الفسخ إنما يكون في نكاح ولا نكاح ها هنا وإن كان رجعيا, فلها الخيار في العدة لأن نكاحها باق فيمكن فسخه ولها في الفسخ فائدة لأنها لا تأمن رجعته لها في آخر عدتها, فتحتاج إلى استئناف عدة أخرى إذا فسخت فإذا فسخت انقطعت الرجعة وثبتت على ما مضى من عدة الطلاق, ولا تحتاج إلى استئناف عدة لأنها معتدة من الطلاق إذا لم يفسخ فإن قيل: فيفسخ حينئذ؟ قلنا: إذا تحتاج إلى عدة أخرى وإذا فسخت في عدتها ثبتت على ما مضى من عدتها ولم تحتج إلى عدة أخرى لأنها معتدة من الطلاق, والفسخ لا ينافيها ولا يقطعها فهو كما لو طلقها طلقة أخرى وينبني على عدة حرة لأنها عتقت في أثناء العدة وهي رجعية فإن اختارت المقام, بطل خيارها وقال الشافعي: لا يبطل لأنها اختارت المقام مع جريانها إلى البينونة وذلك ينافى اختيار المقام ولنا أنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ, فصح اختيار المقام كصلب النكاح وإن لم تختر شيئا لم يسقط خيارها لأنه على التراخي, ولأن سكوتها لا يدل على رضاها لاحتمال أنه كان لجريانها إلى البينونة اكتفاء منها بذلك فإن ارتجعها فلها الفسخ حينئذ, فإن فسخت ثم عاد فتزوجها بقيت معه بطلقة واحدة لأن طلاق العبد اثنتان وإن تزوجها بعد أن أعتق, رجعت معه على طلقتين لأنه صار حرا فملك ثلاث طلقات كسائر الأحرار. فإن طلقها بعد عتقها, وقبل اختيارها أو طلق الصغيرة والمجنونة بعد العتق وقع طلاقه, وبطل خيارها لأنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فنفذ كما لو لم يعتق وقال القاضي: طلاقه موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع الطلاق لأن طلاقه يتضمن إبطال حقها من الخيار, وإن لم تختر وقع وللشافعي قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ استند إلى حالة العتق فيكون الطلاق واقعا في نكاح مفسوخ ولنا, أنه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح صحيح فوقع, كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم تختر وقد ذكرنا أن الفسخ يوجب الفرقة من حينه, ولا يجوز تقديم الفرقة عليه إذ الحكم لا يتقدم سببه ولأن العدة تبتدأ من حين الفسخ, لا من حين العتق وما سبقه من الوطء وطء في نكاح صحيح يثبت الإحصان والإحلال للزوج الأول, ولو كان الفسخ سابقا عليه لانعكست الحال وقول القاضي: إنه يبطل حقها من الفسخ غير صحيح فإن الطلاق يحصل به مقصود الفسخ مع زيادة وجوب نصف المهر وتقصير العدة عليها, فإن ابتداءها من حين طلاقه لا من حين فسخه ثم لو كان مبطلا لحقها, لم يقع وإن لم تختر الفسخ كما لم يصح تصرف المشترى في المبيع في مدة الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا كان الطلاق بائنا, فإن كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا, فعلى قولهم: إذا طلقها قبل الدخول ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ, وإن لم يفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق وهكذا لو ارتدت أو أسلمت الكافرة. وللمعتقة الفسخ من غير حكم حاكم لأنه مجمع عليه غير مجتهد فيه, فلم يفتقر إلى حاكم كالرد بالعيب في المبيع بخلاف خيار العيب في النكاح, فإنه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم كالفسخ للإعسار. وإذا اختارت المعتقة الفراق, كان فسخا ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة والثوري والحسن بن حي والشافعي وذهب مالك, والأوزاعي والليث إلى أنه طلاق بائن قال مالك: إلا أن تطلق نفسها ثلاثا, فتطلق ثلاثا واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا أن أحدا من الصحابة أنكر ذلك ولأنها تملك الفراق, فملكت الطلاق كالرجل ولنا قوله -صلى الله عليه وسلم-: (( الطلاق لمن أخذ بالساق )) ولأنها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا كما لو اختلف دينهما, أو أرضعت من يفسخ نكاحها برضاعه وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره في الصحابة فعلى هذا, لو قالت: اخترت نفسى أو فسخت النكاح انفسخ ولو قالت: طلقت نفسى ونوت المفارقة كان كناية عن الفسخ لأنه يؤدى معناه, فصار كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق. وإن عتق زوج الأمة لم يثبت له خيار لأن عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح, ولذلك لا تعتبر الكفاءة إلا في الرجل دون المرأة ولو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم يثبت له خيار ولو تزوجت المرأة رجلا مطلقا, فبان عبدا كان لها الخيار وكذلك في الاستدامة لكن إن عتق ووجد الطول لحرة, فهل يبطل نكاحه؟ على وجهين تقدم ذكرهما. العنين: هو العاجز عن الإيلاج وهو مأخوذ من عن أي: اعترض لأن ذكره يعن إذا أراد إيلاجه أي يعترض, والعنن الاعتراض وقيل: لأنه يعن لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده فإذا كان الرجل كذلك فهو عيب به ويستحق به فسخ النكاح, بعد أن تضرب له مدة يختبر فيها ويعلم حاله بها وهذا قول عمر وعثمان, وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب, وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي, وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعليه فتوى فقهاء الأمصار منهم مالك, وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق, وأبو عبيد وشذ الحكم بن عيينة وداود فقالا: لا يؤجل, وهي امرأته وروى ذلك عن على رضي الله عنه لأن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (( يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي, فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير وإنما له مثل هدبة الثوب فقال: تريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقى عسيلته, ويذوق عسيلتك )) ولم يضرب له مدة ولنا ما روى أن عمر رضي الله عنه أجل العنين سنة وروى ذلك الدارقطني بإسناده عن عمر وابن مسعود, والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم ورواه أبو حفص عن على ولأنه عيب يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب في الرجل, والرتق في المرأة فأما الخبر فلا حجة لهم فيه فإن المدة إنما تضرب له مع اعترافه, وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منهما وقد روى أن الرجل أنكر ذلك وقال: إني لأعركها عرك الأديم وقال ابن عبد البر: وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه, فلا معنى لضرب المدة وصحح ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((تريدين أن ترجعى إلى رفاعة)) ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها وقيل: إنها ذكرت ضعفه وشبهته بهدبة الثوب مبالغة ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((حتى تذوقى عسيلته )) والعاجز عن الوطء لا يحصل منه ذلك.
قال: وإذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها, أجل سنة منذ ترافعه فإن لم يصبها فيها خيرت في المقام معه أو فراقه, فإن اختارت فراقه كان ذلك فسخا بلا طلاق وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت عجز زوجها عن وطئها لعنة سئل عن ذلك فإن أنكر والمرأة عذراء, فالقول قولها وإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب لأن هذا أمر لا يعلم إلا من جهته, والأصل السلامة وقال القاضي: هل يستحلف أو لا؟ على وجهين بناء على دعوى الطلاق فإن أقر بالعجز أو ثبت ببينة على إقراره به, أو أنكر وطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه ويؤجل سنة في قول عامة أهل العلم وعن الحارث بن ربيعة, أنه أجل عشرة أشهر ولنا قول من سمينا من الصحابة ولأن هذا العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض, فضربت له سنة لتمر به الفصول الأربعة فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل الحرارة, وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال فإذا مضت الفصول الأربعة واختلفت عليه الأهوية فلم تزل علم أنه خلقة وحكي عن أبي عبيد, أنه قال: أهل الطب يقولون: الداء لا يستجن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر وابتداء السنة منذ ترافعه قال ابن عبد البر: على هذا جماعة القائلين بتأجيله قال معمر في حديث عمر: يؤجل سنة: من يوم مرافعته فإذا انقضت المدة فلم يطأ, فلها الخيار فإن اختارت الفسخ لم يجز إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه, فإما أن يفسخ وإما أن يرده إليها فتفسخ هي في قول عامة القائلين به ولا يفسخ حتى تختار الفسخ وتطلبه لأنه لحقها فلا تجبر على استيفائه, كالفسخ للإعسار فإذا فسخ فهو فسخ وليس بطلاق وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك والثوري يفرق الحاكم بينهما, وتكون تطليقة لأنه فرقة لعدم الوطء فكانت طلاقا كفرقة المولى ولنا, أن هذا خيار ثبت لأجل العيب فكان فسخا كفسخ المشترى لأجل العيب. فإن اتفقا بعد الفرقة على الرجعة, لم يجز إلا بنكاح جديد لأنها قد بانت عنه وانفسخ النكاح فإذا تزوجها كانت عنده على طلاق ثلاث نص عليه أحمد وذكر أبو بكر فيها قولا ثانيا أنهما لا يجتمعان أبدا لأنها فرقة تتعلق بحكم الحاكم, فحرمت النكاح كفرقة اللعان والمذهب أنها تحل له لأنها فرقة لأجل العيب فلم تمنع النكاح, كفرقة المعتقة والفرقة في سائر العيوب وأما فرقة اللعان فإنها حصلت بلعانهما قبل تفريق الحاكم وهاهنا بخلافه, ولأن اللعان يحرم المقام على النكاح فمنع ابتداءه ويوجب الفرقة, فمنع الاجتماع وهاهنا بخلافه ولو رضيت المرأة بالمقام أو لم تطلب الفسخ, لم يجز الفسخ فكيف يصح القياس مع هذه الفروق؟. فأما الخصى فإن الخرقي ذكره في ترجمة الباب, ولم يفرده بحكم فظاهر كلامه أنه ألحقه بغيره في أنه متى لم يصل إليها أجل, وإن وصل إليها فلا خيار لها لأن الوطء ممكن والاستمتاع حاصل بوطئه وقد قيل: إن وطأه أكثر من وطء غيره لأنه لا ينزل فيفتر بالإنزال وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا في ذلك فيما مضى ولا فرق بين من قطعت خصيتاه والموجور, وهو الذي رضت خصيتاه والمسلول الذي سلت خصيتاه فإن الحكم في الجميع واحد فإنه لا ينزل, ولا يولد له. قال: وإن علمت أنه عنين بعد الدخول فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد, فلها ذلك ويؤجل سنة من يوم ترافعه لا نعلم في هذا اختلافا وذلك لأن سكوتها بعد العقد ليس بدليل على الرضى لأنه زمن لا تملك فيه الفسخ ولا الامتناع من استمتاعه, فلم يكن سكوتها مسقطا لحقها كسكوتها بعد ضرب المدة وقبل انقضائها ولو سكتت بعد المدة لم يبطل خيارها أيضا لأن الخيار لا يثبت إلا بعد رفعه إلى الحاكم, وثبوت عجزه فلا يضر السكوت قبله. قال: وإن اعترفت أنه قد وصل إليها مرة بطل أن يكون عنينا أكثر أهل العلم على هذا, يقولون: متى وطىء امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها, ولم تضرب له مدة منهم عطاء وطاوس, والحسن ويحيى الأنصاري والزهري, وعمرو بن دينار وقتادة وابن هاشم, ومالك والأوزاعي والشافعي, وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال أبو ثور: إن عجز عن وطئها أجل لها لأنه عجز عن وطئها, فثبت حقها كما لو جب بعد الوطء ولنا أنه قد تحققت قدرته على الوطء في هذا النكاح, وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم يعجز, ولأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة تثبت بوطء واحد, وقد وجد وأما الجب فإنه يتحقق به العجز فافترقا. والوطء الذي يخرج به عن العنة هو تغييب الحشفة في الفرج لأن الأحكام المتعلقة بالوطء تتعلق بتغييب الحشفة, فكان وطئا صحيحا فإن كان الذكر مقطوع الحشفة ففيه وجهان أحدهما, لا يخرج عن العنة إلا بتغييب جميع الباقي لأنه لا حد ها هنا يمكن اعتباره فاعتبر تغييب جميعه لأنه المعنى الذي يتحقق به حصول حكم الوطء والثاني يعتبر تغييب قدر الحشفة, ليكون ما يجزئ من المقطوع مثل ما يجزئ من الصحيح وللشافعي قولان كهذين. ولا يخرج عن العنة بالوطء في الدبر لأنه ليس بمحل للوطء فأشبه الوطء فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به الإحلال للزوج الأول, ولا الإحصان وإن وطئها في القبل حائضا أو نفساء أو محرمة, أو صائمة خرج عن العنة وذكر القاضي أن قياس المذهب أن لا يخرج من العنة لنص أحمد على أنه لا يحصل به الإحصان والإباحة للزوج الأول ولأنه وطء محرم, أشبه الوطء في الدبر ولنا أنه وطء في محل الوطء فخرج به عن العنة, كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطء ولأن العنة العجز عن الوطء ولا يبقى مع وجود الوطء, فإن العجز ضد القدرة فلا يبقى مع وجود ضده وما ذكره غير صحيح لأن تلك أحكام يجوز أن تنتفى مع وجود سببها لمانع, أو لفوات شرط والعنة في نفسها أمر حقيقى لا يتصور بقاؤه مع انتفائه فأما الوطء في الدبر, فليس بوطء في محله بخلاف مسألتنا وقد اختار ابن عقيل أنه تنتفى به العنة لأنه أصعب فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر. وإن وطئ امرأة, لم يخرج به عن العنة في حق غيرها واختار ابن عقيل أنه يخرج عن العنة في حق جميع النساء فلا تسمع دعواها عليه منها ولا من غيرها وهذا مقتضى قول أبي بكر وهو قول كل من قال: إنه يختبر بتزويج امرأة أخرى وحكي ذلك عن سمرة, وعمر بن عبد العزيز وذلك لأن العنة خلقة وجبلة لا تتغير بتغير النساء فإذا انتفت في حق امرأة لم تبق في حق غيرها ولنا, أن حكم كل امرأة معتبر بنفسها ولذلك لو ثبتت عنته في حقهن فرضي بعضهن, سقط حقها وحدها دون الباقيات ولأن الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها وهو ثابت في حقها لا يزول بوطء غيرها وقوله: كيف يصح عجزه عن واحدة دون أخرى؟ قلنا: قد تنهض شهوته في حق إحداهما, لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بجمال ونحوه دون الأخرى فعلى هذا, لو تزوج امرأة فأصابها ثم أبانها ثم تزوجها, فعن عنها فلها المطالبة لأنه إذا جاز أن يعن عن امرأة دون أخرى ففي نكاح دون نكاح أولى وعلى قول أبي بكر ومن وافقه: لا يصح هذا, بل متى وطئ مرة لم تثبت عنته أبدا. قال: وإن جب قبل الحول فلها الخيار في وقتها كأن الخرقي أراد: إذا ضربت له المدة فلم يصبها حتى جب, ثبت لها الخيار في الحال لأننا ننتظر الحول لنعلم عجزه وقد علمناه ها هنا يقينا فلا حاجة إلى الانتظار قال القاضي: ويلزم على هذا أن سائر العيوب الحادثة بعد العقد, يثبت بها الخيار فإن الخيار ها هنا إنما ثبت بالجب الحادث ولولاه لم يثبت الفسخ لأننا لم نتيقن عنته والجب حادث, فلما ثبت الفسخ به علم أنه إنما استحق بالعيب الحادث وفي بعض النسخ: قبل الدخول ومعناهما واحد ويحتمل أنه إنما استحق الفسخ ها هنا بالجب الحادث لأنه متضمن مقصود العنة في العجز عن الوطء ومحقق للمعنى الذي ادعته المرأة, بخلاف غيره من العيوب والله أعلم. قال: وإن زعم أنه قد وصل إليها وادعت أنها عذراء أريت النساء الثقات, فإن شهدن بما قالت أجل سنة وجملته أن المرأة إذا ادعت عنة زوجها فزعم أنه وطئها, وقالت: إنها عذراء أريت النساء فإن شهدن بعذرتها فالقول قولها, ويؤجل وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي وإنما كان كذلك لأن الوطء يزيل عذرتها فوجودها يدل على عدم الوطء فإن ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطء, فالقول قولها لأن هذا بعيد جدا وإن كان متصورا وهل تستحلف المرأة؟ يحتمل وجهين أحدهما تستحلف لإزالة هذا الاحتمال, كما يستحلف سائر من قلنا: القول قوله والآخر لا تستحلف لأن ما يبعد جدا لا التفات إليه كاحتمال كذب البينة العادلة, وكذب المقر في إقراره وهل يقبل قول امرأة واحدة؟ على روايتين وهذا الذي ذكره الخرقي فيما إذا اختلفا في ابتداء الأمر قبل ضرب الأجل فإن اختلفا في ذلك بعد ضرب المدة وشهد النساء بعذرتها, لم تنقطع المدة وإن كان بعد انقضاء المدة فحكمه حكم من اعترف أنه لم يطأها وفي كل موضع شهد النساء بزوال عذرتها فالقول قوله فيسقط حكم قولها لأنه تبين كذبها وإن ادعت أن عذرتها زالت بسبب آخر, فالقول قوله لأن الأصل عدم الأسباب. قال: وإن كانت ثيبا وادعى أنه يصل إليها أخلى معها في بيت, وقيل له: أخرج ماءك على شيء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني, وبطل قولها وقد روي عن أبي عبد الله -رحمه الله- رواية أخرى أن القول قوله مع يمينه اختلفت الرواية عن أبي عبد الله, -رحمه الله- في هذه المسألة فحكى الخرقي فيها روايتين إحداهما, أنه يخلى معها ويقال له: أخرج ماءك على شيء فإن أخرجه فالقول قوله لأن العنين يضعف عن الإنزال, فإذا أنزل تبينا صدقه فنحكم به وهذا مذهب عطاء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار, فإن ذاب فهو مني لأنه شبيه ببياض البيض وذاك إذا وضع على النار تجمع ويبس وهذا يذوب, فيتميز بذلك أحدهما من الآخر فيختبر به وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه, فالقول قول المرأة لأن الظاهر معها والرواية الثانية القول قول الرجل مع يمينه وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق, وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه وجنبته أقوى فإن في دعواه سلامة العقد, وسلامة نفسه من العيوب والأصل السلامة فكان القول قوله, كالمنكر في سائر الدعاوى وعليه اليمين على صحة ما قال وهذا قول من سمينا ها هنا لأن قوله محتمل للكذب فقوينا قوله بيمينه, كما في سائر الدعاوى التي يستحلف فيها فإن نكل قضي عليه بنكوله ويدل على وجوب اليمين عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( ولكن اليمين على المدعى عليه )) قال القاضي: ويتخرج أن لا يستحلف, بناء على إنكاره دعوى الطلاق فإن فيها روايتين كذا ها هنا والصحيح ما قال الخرقي لدلالة الخبر والمعنى عليه وروي عن أحمد, رواية ثالثة أن القول قول المرأة مع يمينها حكاها القاضي في المجرد لأن الأصل عدم الإصابة فكان القول قولها, لأن قولها موافق للأصل واليقين معها وفي كل موضع حكمنا بوطئه بطل حكم عنته, فإن كان في ابتداء الأمر لم تضرب له مدة وإن كان بعد ضرب المدة انقطعت وإن كان بعد انقضائها, لم يثبت لها خيار وكل موضع حكمنا بعدم الوطء منه ثبت حكم عنته كما لو أقر بها واختار أبو بكر أنه يزوج امرأة لها حظ من الجمال, وتعطى صداقها من بيت المال ويخلى معها وتسأل عنه, ويؤخذ بما تقول فإن أخبرت أنه يطأ كذبت الأولى, والثانية بالخيار بين الإقامة والفسخ وصداقها من بيت المال وإن كذبته فرق بينه وبينهما وصداق الثانية من ماله ها هنا, لما روى أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها فكتب إلى معاوية, فكتب إليه أن زوجه بامرأة ذات جمال يذكر عنها الصلاح وسق إليها المهر من بيت المال عنه, فإن أصابها فقد كذبت وإن لم يصبها فقد صدقت ففعل ذلك سمرة فجاءت المرأة فقالت: ليس عنده شيء ففرق بينهما وقال الأوزاعي: يشهده امرأتان, ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرتا إلى فرجها, فإن كان فيه رطوبة الماء فقد صدق وإلا فلا وحكي عن مالك مثل ذلك إلا أنه اكتفى بواحدة والصحيح أن القول قوله, كما لو ادعى الوطء في الإيلاء ولما قدمنا واعتبار خروج الماء ضعيف لأنه قد يطأ ولا ينزل وقد ينزل من غير وطء, فإن ضعف الذكر لا يمنع سلامة الظهر ونزول الماء وقد يعجز السليم القادر عن الوطء في بعض الأحوال وليس كل من عجز عن الوطء في حال من الأحوال, أو وقت من الأوقات يكون عنينا ولذلك جعلنا مدته سنة, وتزويجه بامرأة ثانية لا يصح لذلك أيضا ولأنه قد يعن عن امرأة دون أخرى, ولأن نكاح الثانية إن كان مؤقتا أو غير لازم فهو نكاح باطل والوطء فيه حرام, وإن كان صحيحا لازما ففيه إضرار بالثانية ولا ينبغي أن يقبل قولها لأنها تريد بذلك تخليص نفسها, فهي متهمة فيه وليست بأحق أن يقبل قولها من الأولى ولأن الرجل لو أقر بالعجز عن الوطء في يوم أو شهر, لم تثبت عنته بذلك وأكثر ما في الذي ذكروه أن يثبت عجزه عن الوطء في اليوم الذي اختبروه فيه, فإذا لم يثبت حكم عنته بإقراره بعجزه فلأن لا تثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى. قال: وإذا قال الخنثى المشكل: أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد, وكذلك لو سبق فقال: أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا الخنثى: هو الذي له في قبله فرجان ذكر رجل وفرج امرأة ولا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى, قال الله تعالى: قال: وإذا أصاب الرجل أو أصيبت المرأة بعد الحرية والبلوغ بنكاح صحيح وليس واحد منهما بزائل العقل رجما إذا زنيا, والمسلم والكافر الحران فيما وصفت سواء ذكر الخرقي -رحمه الله- في هذا الباب شرائط الإحصان ونحن نؤخره إلى الحدود فإنه أخص به والله تعالى أعلم.
|