الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [وإن قذفها وانتفى من ولدها وتم اللعان بينهما بتفريق الحاكم, نفى عنه إذا ذكره في اللعان] وجملة ذلك أن الزوج إذا ولدت امرأته ولدا يمكن كونه منه فهو ولده في الحكم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الولد للفراش) ولا ينتفي عنه إلا أن ينفيه باللعان التام, الذي اجتمعت شروطه وهي أربعة: أحدها أن يوجد اللعان منهما جميعا وهذا قول عامة أهل العلم وقال الشافعي: ينتفي بلعان الزوج وحده لأن نفي الولد إنما كان بيمينه والتعانه, لا بيمين المرأة على تكذيبه ولا معنى ليمين المرأة في نفي النسب وهي تثبته وتكذب قول من ينفيه, وإنما لعانها لدرء الحد عنها كما قال الله تعالى: {ويدرءوا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نفى الولد عنه بعد تلاعنهما فلا يجوز النفي ببعضه, كبعض لعان الزوج والثاني: أن تكمل ألفاظ اللعان منهما جميعا الشرط الثالث أن يبدأ بلعان الزوج قبل المرأة فإن بدأ بلعان المرأة لم يعتد به وبه قال أبو ثور, وابن المنذر وقال مالك وأصحاب الرأي: إن فعل أخطأ السنة والفرقة جائزة, وينتفي الولد عنه لأن الله تعالى عطف لعانها على لعانه بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا ولأن اللعان قد وجد منهما جميعا, فأشبه ما لو رتبت وعند الشافعي لا يتم اللعان إلا بالترتيب إلا أنه يكفي عنده لعان الرجل وحده لنفي الولد, وذلك حاصل مع إخلاله بالترتيب وعدم كمال ألفاظ اللعان من المرأة ولنا أنه أتى باللعان على غير ما ورد به القرآن والسنة, فلم يصح كما لو اقتصر على لفظة واحدة ولأن لعان الرجل بينته لإثبات زناها ونفي ولدها, ولعان المرأة للإنكار فقدمت بينة الإثبات كتقديم الشهود على الأيمان, ولأن لعان المرأة لدرء العذاب عنها ولا يتوجه عليها ذلك إلا بلعان الرجل فإذا قدمت لعانها على لعانه, فقد قدمته على وقته فلم يصح كما لو قدمته على القذف الشرط الرابع: أن يذكر نفي الولد في اللعان, فإذا لم يذكر لم ينتف إلا أن يعيد اللعان ويذكر نفيه وهذا ظاهر كلام الخرقي, واختيار القاضي ومذهب الشافعي وقال أبو بكر: ولا يحتاج إلى ذكر الولد ونفيه وينتفي بزوال الفراش ولأن حديث سهل بن سعد, الذي وصف فيه اللعان لم يذكر فيه الولد وقال فيه: ففرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما, وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها رواه أبو داود وفي حديث رواه مسلم عن عبد الله, أن (رجلا لاعن امرأته على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرق النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما وألحق الولد بأمه) ولنا أن من سقط حقه باللعان, كان ذكره شرطا كالمرأة ولأن غاية ما في اللعان أن يثبت زناها, وذلك لا يوجب نفي الولد كما لو أقرت به أو قامت به بينة, فأما حديث سهل بن سعد فقد روي فيه: وكانت حاملا فأنكر حملها من رواية البخاري وروى ابن عمر أن (رجلا لاعن امرأته في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانتفى من ولدها, ففرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما وألحق الولد بالمرأة) والزيادة من الثقة مقبولة فعلى هذا لا بد من ذكر الولد في كل لفظة, ومع اللعن في الخامسة لأنها من لفظات اللعان وذكر الخرقي شرطا خامسا وهو تفريق الحاكم بينهما وهذا على الرواية التي تشترط تفريق الحاكم لوقوع الفرقة فأما على الرواية الأخرى, فلا يشترط تفريق الحاكم لنفي الولد كما لا يشترط لدرء الحد عنه ولا لفسخ النكاح وشرط أيضا شرطا سادسا, وهو أن يكون قد قذفها وهذا شرط اللعان فإنه لا يكون إلا بعد القذف وسنذكره -إن شاء الله تعالى-. وإن ولدت امرأته توأمان, وهو أن يكون بينهما دون ستة أشهر فاستلحق أحدهما ونفى الآخر لحقا به لأن الحمل الواحد لا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره, فإذا ثبت نسب أحدهما منه ثبت نسب الآخر ضرورة فجعلنا ما نفاه تابعا لما استلحقه, ولم نجعل ما أقر به تابعا لما نفاه لأن النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه ولهذا لو أتت امرأته بولد يمكن كونه منه ويمكن أن يكون من غيره, ألحقناه به احتياطا ولم نقطعه عنه احتياطا لنفيه فإن كان قد قذف أمهما وطالبته بالحد فله إسقاطه باللعان وحكي عن القاضي, أنه يحد ولا يملك إسقاطه باللعان وهو مذهب الشافعي لأنه باستلحاقه اعترف بكذبه في قذفه فلم يسمع إنكاره بعد ذلك ووجه الأول, أنه لا يلزم من كون الولد منه انتفاء الزنا عنها كما لا يلزم من وجود الزنا منها كون الولد منه, ولذلك لو أقرت بالزنا أو قامت به بينة لم ينتف الولد عنه, فلا تنافي بين لعانه وبين استلحاقه للولد وإن استلحق أحد التوأمين وسكت عن الآخر لحقه لأنه لو نفاه للحقه فإذا سكت عنه كان أولى, ولأن امرأته متى أتت بولد لحقه ما لم ينفه عنه باللعان وإن نفى أحدهما وسكت عن الآخر, لحقاه جميعا فإن قيل: ألا نفيتم المسكوت عنه لأنه قد نفى أخاه وهما حمل واحد؟ قلنا لحوق النسب مبني على التغليب وهو يثبت بمجرد الإمكان, وإن كان لم يثبت الوطء ولا ينتفي الإمكان للنفي فافترقا فإن أتت بولد, فنفاه ولاعن لنفيه ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر, لم ينتف الثاني باللعان الأول لأن اللعان تناول الأول وحده ويحتاج في نفى الثاني إلى لعان ثان ويحتمل أنه ينتفي بنفيه من غير حاجة إلى لعان ثان لأنهما حمل واحد وقد لاعن لنفيه مرة, فلا يحتاج إلى لعان ثان ذكره القاضي فإن أقر بالثاني لحقه هو والأول لما ذكرناه وإن سكت عن نفيه, لحقاه أيضا فأما إن نفى الولد باللعان ثم أتت بولد آخر بعد ستة أشهر فهذا من حمل آخر, فإنه لا يجوز أن يكون بين ولدين من حمل واحد مدة الحمل ولو أمكن لم تكن هذه مدة حمل كامل فإن نفى هذا الولد باللعان انتفى ولا ينتفي بغير اللعان لأنه حمل منفرد, وإن استلحقه أو ترك نفيه لحقه وإن كانت قد بانت باللعان لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول وإن لاعنها قبل وضع الأول, فأتت بولد ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر لم يلحقه الثاني لأنها بانت باللعان, وانقضت عدتها بوضع الأول وكان حملها الثاني بعد انقضاء عدتها في غير نكاح فلم يحتج إلى نفيه. وإن مات أحد التوأمين, أو ماتا معا فله أن يلاعن لنفي نسبهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمه نسب الحي ولا يلاعن إلا لنفي الحد لأن الميت لا يصح نفيه باللعان, فإن نسبه قد انقطع بموته فلا حاجة إلى نفيه باللعان كما لو ماتت امرأته, فإنه لا يلاعنها بعد موتها لقطع النكاح لكونه قد انقطع, وإذا لم ينتف الميت لم ينتف الحي لأنهما حمل واحد ولنا أن الميت ينسب إليه فيقال: ابن فلان ويلزمه تجهيزه وتكفينه, فكان له نفي نسبه وإسقاط مؤنته كالحي, وكما لو كان للميت ولد.
|