الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (نسخة منقحة)
.ذكر وقعة جرت: وذلك أن جماعة من العسكر الإسلامي كانوا مشرفين على العدو فصادفوا جماعة منهم يشرفون على العسكر الإسلامي وظفروا بهم وهجموا عليهم وجرى بينهم قتال عظيم فقتل من العدو جماعة وأحس بهم عسكر العدو فثار إليهم منهم جماعة واتصل بالحرب وقتل أيضاً من المسلمين نفران وأسر من العدو ثلاثة ومثلوا بخدمة السلطان فسألهم عن الأحوال فأخبروه أن الملك الأنكتار قد حضر عنده بعكا اثنان بدويان وأنهما أخبراه بقلة العسكر الإسلامي وذلك الذي أطمعه حتى خرج وأنه لما كان بالأمس يعني يوم الاثنين رأى من المسلمين قتالاً عظيماً واستكثر الأطلاب وأنه جرح زهاء ألف نفر وقتل جماعة وأن ذلك هو الذي أوجب إقامته اليوم حتى يستريح عسكره وأنا لما رأى ما أصابهم من القتل العظيم وكثرة المسلمين أحضر البدويين عنده وأوقفهما وضرب أعناقهما. وأقمنا في ذلك اليوم في تلك المنزلة لإقامة العدو بها وهو الثلاثاء العاشر من شعبان.المنزل الثامن: ولما كان ظهر اليوم المذكور رأى السلطان الرحيل والتقدم إلى قدام العدو فدق الكؤوس ورحل الناس ودخل في شعرا أرسوف حتى توسطها إلى تل عند قرية تسمى دير الراهب فنزل هناك ودهم الناس الليل فتقطعوا في الشعر وأصبح مقيماً ينتظر بقية العساكر إلى صباح الأربعاء الحادي عشر وتلاحقت العساكر وركب يرتاد موضعاً يصلح للقتال ولقاء العدو وأقام ذلك اليوم أجمع هناك. ومن أخبار العدو في تلك المنزلة أنه أقام على نهر القصب ذلك اليوم أيضاً وأنه لحقته نجدة من عكا في ثمان بطس كبار واليزك الإسلامي حوله يواصلون الأخبار المستجدة بهم وجرى بين اليزك وبين حشاشة العدو قتال وجرح من الطائفتين..ذكر مراسلة جرت في ذلك اليوم: وذلك أن العدو طلب من اليزك من يتحدث معه وكان مقدم اليزك علم الدين سليمان فإنها كانت نوبته فلما مضى إليهم من سمع كلامهم كان كلامهم طلب الملك العادل حتى يتحدثوا معه فاستأذن ومضى وبات تلك الليلة في اليزك وتحدثوا معه وكان حاصل حديثهم أنا قد طال بيننا القتال وقد قتل من الجانبين الرجال الأبطال وأنا نحن جئنا في نصرة إفرنج الساحل فاصطلحوا أنتم وهم وكل منا يرجع إلى مكانه وكتب السلطان إلى أخيه في صبيحة يوم الخميس الثاني والعشرين رقعة يقول له فيها: إن قدرت أن تطاول الإفرنج فلعلهم يقيمون اليوم حتى يلحقنا التركمان فإنهم قد قربوا منا..ذكر اجتماع الملك العادل والأنكتار: ولما علم الأنكتار وصول الملك العادل إلى اليزك طلب الاجتماع به فأجابه إلى ذلك فاجتمعا بفرقة من أصحابهما وكان يترجم بينهما ابن الهنغري وهو من إفرنج الساحل من كبارهم ورأيته يوم الصلح وهو ساب حسن إلا أنه محلوق اللحية على ما هو شعارهم. وكان الحديث بينهما أن الأنكتار شرع في ذكر الصلح وأن الملك العادل قال له أنتم تطلبون الصلح ولا تذكرون مطلوبكم فيه حتى أتوسط أنا الحال مع السلطان. فقال له الأنكتار: القاعدة أن تعود البلاد كلها إلينا وتنصرفوا إلى بلادكم. فأخشن له الجواب وجرت منافرة اقتضت أنهم رحلوا بعد انفصالهم، ولما أحس السلطان برحيلهم أمر الثقل الرحيل ووقف هو وعبى الناس تعبية القتال وسار الثقل الصغير أيضاً حتى قارب الثقل الكبير ثم ورد أمر السلطان بعودهم إليه فعادوا ووصلوا وقد دخل الليل وتخبط الناس تلك الليلة تخبطاً عظيماً واستدعى أخاه ليعرفه ما جرى بينه وبين الملك وخلا به لذلك وذلك في ليلة الجمعة ليلة الثالث عشر، وأما العدو فإنه سار ونزل على موضع يسمى البركة أيضاً يشرف على البحر وأصبح السلطان في يوم الجمعة متطلعاً إلى أخبار العدو فأحضر عنده اثنان من الإفرنج قد تخطفهما اليزك فأمر بضرب أعناقهما ووصل من أخبر أن العدو لم يرحل اليوم من منزلته تلك فنزل السلطان واجتمع بأخيه يتحدثان في هذا الأمر وما يصنع مع العدو وبات تلك الليلة في تلك المنزلة..ذكر وقعة أرمون وهي أنكت في قلوب المسلمين: ولما كان يوم السبت الرابع عشر بلغ السلطان أن العدو حرك الرحيل نحو أرسوف، فركب ورتب الأطلاب للقتال وعزم على مضايقتهم في ذلك اليوم ومصادمتهم، وأخرج الجاليش من كل طلب، وسار العدو حتى قارب شعرا أرسوف وبساتينها، فأطلق عليهم الجاليش النشاب، ولزمتهم الأطلاب من كل جانب، والسلطان يقرب بعضها ويوقف بعضها ليكون ردأً ويضايق العدو مضايقة عظيمة، والتحم القتال واضطرمت ناره من الجاليش وقتل منهم وجرح، فاشتدوا في السير عساهم يبلغون المنزلة فينزلوا، واشتد بهم الأمر وضاق بهم الخناق، والسلطان يطوف من الميمنة إلى الميسرة يحث الناس على الجهاد، ولقيته مراراً ليس معه إلا صبيان بجنبيه لا غير، ولقيت أخاه وهو على مثل هذه الحال والنشاب يتجاوزهما، ولم يزل الأمر يشتد بالطمع للعدو، وطمع المسلمون فيهم طمعاً عظيماً حتى وصل أوائل راجلهم إلى بساتين أرسوف، ثم اجتمعت الخيالة وتواصلوا على الحملة خشية على القوم، ورأوا أنه لا ينجيهم إلا الحملة. ولقد رأيتهم وقد أجمعوا في وسط الرجالة وأخذوا رماحهم وصاحوا صيحة الرجل الواحد، وفرج لهم رجالتهم وحملوا حملة واحدة من الجوانب كلها، فحملت طائفة على الميمنة وطائفة على الميسرة وطائفة على القلب، فاندفع الناس بين أيديهم، واتفق أني كنت في القلب ففر القلب فراراً عظيماً، فنويت التحيز إلى الميسرة وكانت أقرب إليّ، ووصلتها وقد انكسرت كسرة عظيمة وفرت أشدّ فرار من الكل، فنويت التحيز إلى طلب السلطان وكان ردأ الأطلاب كلها كما جرت العادة، ولم يبق للسلطان فيه إلاّ سبعة عشر مقاتلا لا غير، وأخذ الباقون إلى القتال لكن الأعلام كلها باقية ثابتة والكؤوس تدق لا تفتر، وأما السلطان لما رأى ما نزل بالمسلمين من هذه النازلة سار حتى أتى إلى طلبه، فوجد فيه هذا النفر القليل، فوقف فيه والناس ينفرون من الجوانب وهو يأمر أصحاب الكؤوس بالدق بحيث لا يفترون، وكلما رأى فارّاً يأمر من يحضره عنده، وفي الجملة ما قصر الناس بفرارهم فإن العدو حمل حملة ففروا ثم وقف خوفاً من الكمين، فوقفوا وقاتلوا، ثم حمل حملة ثانية ففروا وهم يقاتلون في فرارهم، ثم وقف فوقفوا، ثم حمل حملة ثالثة حتى بلغ إلى رؤوس روابٍ هناك وأعالي تلول ففرّوا إلى أن وقف العدو ووقفوا، وكان كل من رأى طلب السلطان واقفاً والكؤوس تدق يستحي أن يجاوزه ويخاف غائلة ذلك فيعود إلى الطلب، فاجتمع في القلب خلق عظيم، ووقف العدو قبالتهم على رؤوس التلول والروابي والسلطان واقف في طلبه، والناس يجتمعون عليه حتى أتت العساكر بأسرها، وخاف العدو أن يكون في الشعرا كمين، فتراجعوا يطلبون المنزلة، وعاد السلطان إلى تل في أوائل الشعرا ونزل عليه في خيمته. ولقد كنت في خدمته أسليه وهو لا يقبل السلو وظل عليه بمنديل، وسألناه أن يطعم شيئا، فأحضر له شيء لطيف، فتناول شيئاً يسيراً، وبعث الناس للسقي، فإن المكان كان بعيدا، وجلس ينتظر الناس من العود من السقي، والجرحى يحضرون بين يديه وهو يتقدم بمداواتهم وحملهم، وقتل في ذلك اليوم رجالة كثيرة وجرح جماعة من الطائفتين. وكان ممن ثبت الملك العادل والطواشي قايماز النجمي والملك الأفضل ولده وصدم في ذلك اليوم وانفتح دمّل كان في وجهه وسال منه دم كثير على وجهه وهو صابر محتسب في ذلك كله، وثبت أيضاً طلب الموصل ومقدمة علاء الدين، وشكره السلطان على ذلك، وتفقد الناس بعضهم بعضاً فوجدوا أن قد استشهد جماعة من العسكر عرف منهم شخصان أمير كبير مملوك وكان شجاعاً معروفاً وقايماز العادلي وكان مذكوراً وليفوش وكان شجاعاً، وجرح خلق كثير وخيول كثيرة، وقتل من العدو جماعة وأسر واحد وأحضر فأمر بضرب عنقه، وأخذت منهم خيولُ أربعة، وكان قد تقدم رحمه الله إلى الثقل أن يسير إلى العوجاء، وذكر أن المنزل يكون على العوجاء، فاستأذنته وقدمت إلى المنزل، وجلس هو ينتظر اجتماع العساكر وما يرد من أخبار العدو، وكان العدو قد نزل على أرسوف قبيلها.المنزل التاسع: وسرت بعد صلاة الظهر حتى أتيت الثقل وقد نزل قاطع النهر المعروف بالعوجاء في منزلة خضراء طيبة على جانب النهر، ووصل السلطان إلى المنزلة أواخر النهار، وازدحم الناس على القنطرة، فنزل على تل مشرف على النهر ولم يعد إلى الخيمة، وأمر الجاويش أن ينادي في العسكر بالعبور إليه، وكان في قلبه من الوقعة أمر لا يعلمه إلاّ الله تعالى، والناس بين جريح الجسد وجريح القلب، وأقام السلطان إلى سحر الخامس عشر ودقّ الكؤوس وركب، وركب الناس، وسار راجعاً إلى جهة العدو حتى وصل إلى قريب أرسوف وصفّ الأطلاب للقتال رجاء خروج العدو ومسيره حتى يصاف، فلم يرحل العدو في ذلك اليوم لما نالهم من التعب والجراح، وأقام قبالتهم إلى آخر النهار وعاد إلى منزلته التي بات فيها. ولما كانت صبيحة السادس عشر دقّ الكؤوس وركب، وركب الناس، وسار نحوهم، ووصل خبر العدو أنه قد رحل طلباً جهة يافا، فقاربهم مقاربة عظيمة، ورتب الأطلاب ترتيب القتال، وأخرج الجاليش، وأحدق العسكر الإسلامي بالقوم وألقوا عليهم من النشاب ما كان يسد الأفق، وقاتلت قلوبهم قتال الحنق، وقصد رحمه الله تحريك عزائمهم على الحملة، حتى إذا حملوا ألقى الناس عليهم وقصدوهم، ويعطي الله النصر لمن يشاء، فلم يحملوا وحفظوا نفوسهم وساروا مصطفين على عادتهم حتى أتوا نهر العوجاء، وهو النهر الذي منزلتنا أعلاه، فنزل في أسفله، وعبر بعضهم إلى غربي النهر، وأقام الباقون من الجانب الشرقي، فلما علم الناس بنزولهم تراجع الناس عنهم، وعاد السلطان إلى الثقل ونزل في خيمته وأطعم الطعام، وأتى بأربعة من الإفرنج قد أخذتهم العرب ومعهم امرأة فرفعوا إلى الزردخانات، وأقام بقية ذلك اليوم يكتب الكتب إلى الأطراف باستحضار بقية العساكر، وحضر من أخبر أنه قتل من العدو يوم أرسوف خيول كثيرة وأنه تتبعها العرب وعدّوها فزادت على مائة، وأمر السلطان أن رحلت الجمال وتقدمت إلى الرملة، وبات هو بتلك المنزلة.المنزل العاشر: ولما كان سابع عشر صلّى الصبح ورحل، ورحل معه الثقل الصغير، وسار يريد الرملة، وأتى باثنين من الإفرنج فضرب أعناقهم، ووصل من اليزك من أخبر أن العدو رحل من يافا، وسار السلطان إلى أن أتى الرملة، وأتى باثنين من الإفرنج أيضاً فسألهم عن أحوالهم، فذكروا أنهم ربما أقاموا بيافا أيّاماً وفي أنفسهم عمارتها وشحنها بالرجال والعدد، فأحضر السلطان أرباب مشورته وشاورهم في أمر عسقلان وأنها هل تخرب أو تبقى، واتفق الرأي على أن يتخلف الملك العادل ومعه طائفة من العسكر مقارب العدو ليعرف أحوالهم واتصالها وأن يسير هو ويخرب عسقلان خشية أن يستولي عليها الإفرنج وهي عامرة فيقتلوا من بها من المسلمين ويأخذوا بها القدس الشريف ويقطعوا بها طريق مصر، وخشي السلطان من ذلك، وعلم عجز المسلمين عن حفظها لقرب عهدهم من عكا وما جرى على من كان مقيماً بها ويخيفوا الناس عن الدخول إلى عسقلان، فادخرت القوة في عسكر الإسلام لحفظ القدس المحروس فتعين لذلك خراب عسقلان، فسار الثقل والجمال من أوّل الليل، وتقدم إلى ولده الملك الأفضل أن سار عقيب الثقل نصف الليل، وسار هو وأنا في خدمته سحر الأربعاء.المنزل الحادي عشر: وهو على عسقلان. ولما كان يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر وصل السلطان إلى يبنا، فنزل بها ضحى، وأخذ الناس راحة، ثم رحل وسار حتى أتى أرض عسقلان، وقد ضربت خيمته بعيدا منها، فبات هناك مهموماً بسبب الخراب، وما نام إلاّ قليلا. ولقد دعاني في خدمت سحرا، وكنت فارقت خدمته بعد مضي نصف الليل، فحضرت وبدأ الحديث في معنى خرابها، وأحضر ولده الملك الفضل وشاوره في ذلك، وطال الحديث في المعنى. ولقد قال لي: والله لأن أفقد أولادي بأسرهم أحب إليّ من أن أهدم منها حجراً واحداً، ولكن إذا قضى الله ذلك لحفظ مصلحة المسلمين كان، ثم استخار الله تعالى، فأوقع الله في نفسه أن المصلحة في خرابها لعجز المسلمين عن حفظها، فاستحضر الوالي قيصر بها وهو من كبار مماليكه وذوي الآراء منهم، فأمره بجمع العمال فيها، ولقد رأيته وقد اجتاز بالسوق والوطاق بنفسه مستقر الناس للخراب، وقسم السور على الناس، وجعل لكل أمير وطائفة من الناس العسكر بدونه معلومة وبرجا معلوما يخربونه، ودخل الناس البلد ووقع الضجيج والبكاء، وكان بلداً نضراً خفيفاً على القلب محكم الأسوار عظيم البناء مرغوبا في سكناه، فلحق الناس عليه حزن عظيم، وعظم عويل أهله على مفارقة أوطانهم، وشرعوا في بيع ما لا يمكن حمله، فبيع ما يساوي عشرة دراهم بدرهم واحد، واختبط البلد، وخرج أهله إلى العسكر بذراريهم ونسائهم خشية أن يهجم الإفرنج، وبذلوا في الكراء أضعاف ما يساوي قوم إلى مصر وقوم إلى الشام وقوم يمشون إذا لم يقع لهم كراء، وجرت أمور عظيمة وفتنة هائلة لعلها لم تختص بالذين ظلموا، وكان هو بنفسه وولده الملك الأفضل يستعملان الناس في الخراب والحث عليه خشية أن يسمع العدو فيحضر ولا يمكن خرابها، وبات الناس في الخيام على أتم حال من التعب والنصب، وفي تلك الليلة وصل من جانب الملك العادل أن الإفرنج تحدثوا معه في الصلح، وأنه خرج إليه ابن الهنغري وتحدث معه وأنه طلب جميع البلاد الساحلية، فرأى السلطان أن ذلك مصلحة لما رأى في أنفس الناس من الضجر والسآمة من القتال والمصابرة وكثرة ما علاهم من الديون، وكتب إليه يسمح في الحديث في ذلك وفوّض أمر ذلك إلى رأيه، وأصبح في العشرين على الإصرار على الخراب واستعمال الناس فيه، وحثهم عليه، وأباحهم الهري الذي كان ذخيرة في البلد للعجز عن نقله وضيق الوقت والخوف من هجوم الإفرنج، وأمر بحرق البلد، فأضرمت النار في بيوته ودوره، ورفض أهله بواقي الأقمشة للعجز عن نقلها، والأخبار تتواتر من جانب العدو بعمارة يافا، وكتب الملك العادل يخبر أن القوم لم يعلموا بخراب البلد وأن سوّف القوم وطوّل الحديث لعلّنا نتمكن من الخراب، وأمر بحشو أبراج البلد بالأحطاب وأن تحرق، وأصبح الحادي والعشرون فركب يحث الناس، ودام يستعملهم على التخريب ويطوف عليهم بنفسه حتى التاث مزاجه التياثاً قويّاً امتنع بسببه من الركوب والغذاء يومين، وأخبار العدو تتواصل إليه في كل وقت ويجري بينهم وبين اليزك والعسكر وقعات وهو يواظب على الحث على الخراب، ونقل الثقل إلى قريب البلد ليعاونوا الغلمان والحمالين وغيرهم من ذلك، فخرب من السور معظمه، وكان عظيم البناء بحيث أنه كان عرضه في مواضع تسعة أذرع وفي مواضع عشرة أذرع، وذكر بعض الحجارين للسلطان وأنا حاضر أن عرض السور الذي ينقبون فيه مقدار رمح، ولم يزل التخريب والحريق يعمل في البلد وأسواره إلى سلخ شعبان، وعند ذلك وصل من جرديك كتاب يذكر فيه أن القوم يتفسحون وصاروا يخرجون من يافا يغيرون على البلاد القريبة منها، فتحرك السلطان لعله يبلغ منهم غرضاً في غرّتهم، فعزم على الرحيل على أن يخلف في عسقلان حجارين ومعهم خيل تحميهم ويستنهضونهم في الخراب، ثم رأى أن يتأخر بحيث يحرق البرج المعروف بالأسبتار، وكان برجاً عظيماً مشرفاً على البحر كالقلعة المنيعة، ولقد دخلته وطفته فرأيت بناءه أحكم بناه، يقرب من أن لا تعمل فيه المعاول، وإنما أراد أن يحرقه حتى يبقى بالحريق قابلا للخراب ويعمل الهدم فيه. وأصبح مستهل رمضان فأمر ولده الملك الأفضل أن يباشر ذلك بنفسه وخواصه. ولقد رأيته يحمل الخشب ويحشونه في البرج حتى امتلأ، ثم أطلقت فيه النار فاشتعل الخشب، وبقيت النار تشتعل فيه يومين بلياليهما، ولم يركب السلطان في ذلك اليوم تسكينا لمزاجه، وعرض لي أيضاً تشوش مزاج اقتضى انقطاعي عنه في ذلك اليوم، ولقد تردد إلى من سأل عن مزاجي من عنده ثلاث مرات مع اشتغال قلبه بذلك المهم. فالله تعالى يرحمه، لقد ماتت محاسن الأخلاق بموته. تشوش مزاج اقتضى انقطاعي عنه في ذلك اليوم، ولقد تردد إلى من سأل عن مزاجي من عنده ثلاث مرات مع اشتغال قلبه بذلك المهم. فالله تعالى يرحمه، لقد ماتت محاسن الأخلاق بموته.
|