الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (7): {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)}{واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله} عطف على ما قبله، و{ءانٍ} بما في حيزها سادّ مسدّ مفعولي {اعلموا} باعتبار ما قيد به من الحال وهو قوله عز وجل: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مّنَ الامر لَعَنِتُّمْ} أي لوقعتم في الجهد والهلاك فإنه حال من أحد الضميرين في {فيكُمْ} الضمير المستتر المرفوع وهو ضمير الرسول أو البارز المجرور وهو ضمير المخاطبين، وتقديم خبر أن للحضر المستتبع زيادة التوبيخ، وصيغة المضارع للاستمرار فلو لامتناع استمرار طاعته عليه الصلاة والسلام لهم في كثير مما يعن لهم من الأمور، وكون المراد استمرار الامتناع نظير ما قيل في قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] من أن المراد استمرار النفي ليس بذاك، وفي الكلام إشعار بأنهم زينوا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم الإيقاع بالحرث وقومه وقد أريد أن ينعى عليهم ذلك بتنزيلهم منزلة من لا يعلم أنه عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم. فقيل: واعلموا أنه فيكم لا في غيركم كأنهم حسبوه لعدم تأدبهم وما بدر منهم الفرطة بين أظهر أقوام آخرين كائنًا على حال يجب عليكم تغييرها أو وأنتم على كذلك وهو ما تريدون من استتباع رأيه لرأيكم وطاعته لكم مع أن ذلك تعكيس وموجب لوقوعكم في العنت، وفيه مبالغات من أوجه: أحدها: إيثار {لَوْ} ليدل على الفرض والتقدير وأن ما بدر من من التزيين كان من حقه أن يفرض كما يفرض الممتنعات، والثاني: ما في العدول إلى المضارع من تصوير ما كانوا عليه وتهجينه مع التوبيخ بإرادة استمرار ما حقه أن يكون مفروضًا فضلًا عن الوقوع، والثالث: ما في العنت من الدلالة على أشد المحذور فإنه الكسر بعد الجبر والرمز الخفي على أنه ليس بأول بادرة. والرابع: ما في تعميم الخطاب والحري به غير الكمل من التعريض ليكون أردع لمرتكبه وأزجر لغيره كأنه قيل: يا أيها الذين آمنوا تبينوا إن جاءكم فاسق ولا تكونوا أمثال هؤلاء ممن استفزه النبأ قبل تعرف صدقه ثم لا يقنعه ذلك حتى يريد أن يستتبع رأي من هو المتبوع على الإطلاق فيقع هو ويقع غيره في العنت والإرهاق واعلموا جلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفادوا عن أشباه هذه الهنات، وقوله عز وجل: {ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان} استدراك على ما يقتضيه الكلام فإن {لَوْ يُطِيعُكُمْ} خطاب كما سمعت للبعض الغير الكمل عمم للفوائد المذكورة والمحبب إليهم الإيمان هم الكمل فكأنه قيل: ولكن الله حبب إلى بعضكم الإيمان وعدل عنه لنداء الصفة به، وعليه قول بعض المفسرين هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، والإشارة بقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الرشدون} إليهم، وفيه نوع من الالتفات، والخطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم كأنه تعالى يبصره عليه الصلاة والسلام ما هم فيه من سبق القدم في الرشاد أي إصابة الطريق السوي، فحاصل المعنى أنتم على الحال التي ينبغي لكم تغييرها وقد بدر منكم ما بدر ولكن ثم جمعا عما أنتم عليه من تصديق الكاذب وتزيين الإيقاع بالبريء وإرادة أن يتبع الحق أهواءكم برآء لأن الله تعالى حبب إليهم الإيمان إلخ، وهذا أولى من جعل {لَوْ يُطِيعُكُمْ} إلخ في معنى ما حبب إليهم الإيمان تغليظًا لأن من تصدى للإيقاع بالبريء بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وجسر على ارتكاب تلك العظيمة لم يكن محبوبًا إليه الإيمان وإن كان ذلك أيضًا سديد الشيوع التصرف في الأواخر في مثله، وجعله بعضهم استدراكًا ببيان عذرهم فيما بدر منهم، ومآل المعنى لم يحملكم على ما كان منكم اتباع الهوى ومحبة متابعة النبي صلى الله عليه وسلم لآرائكم بل محبة الإيمان وكراهة الكفر هي الداعية لذلك، والمناسب لما بعد ما ذكرناه.وجوز غير واحد من المعربين أن {لَوْ يُطِيعُكُمْ} استئناف على معنى أنه لما قيل {واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله} دالًا على أنهم جاهلون كانه عليه الصلاة والسلام مفرطون فيما يجب من تعظيم شأنه أعلى الله تعالى شأنه اتجه لهم أن يسألوا ماذا فعلوا حتى نسبوا إلى التفريط وماذا ينتج من المضرة؟ فأجيبوا بما يصرح بالنتيجة لخفائها ويومئ إلى ما فيها من المعرة من وقوعهم في العنت بسبب استتباع من هو في علو المنصب اقتداء يتخطى أعلى المجرة، وهو حسن لولا أن {واعلموا} كلام من تتمة الأول كما يؤذن به العطف لا وارد تقريعًا على الاستقلال فيأبى التقدير المذكور لتعين موجب التفريط، وأيضًا يفوت التعريض وأن ذلك بادرة من بعضهم في قصة ابن عقبة ويتنافر الكلام، هذا {وَكَرَّهَ} يتعدى بنفسه إلى واحد وإذا شدد زاد له آخر لكنه ضمن في الآية معنى التبغيض فعومل معاملته وحسنه مقابلته لحبب أو نزل: {إِلَيْكُمْ} منزلة مفعول آخر، و{الكفر} تغطية نعم الله تعالى بالجحود، و{الفسوق} الخروج عن القصد ومأخذه ما تقدم، {والعصيان} الامتناع عن الانقياد، وأصله من عصت النواة صلبت واشتدت، والكلام أعني قوله تعالى: {ولكن الله} إلخ ثناء عليهم بما يردف التحبيب المذكور والتكريه من فعل الأعمال المرضية والطاعات والتجنب عن الأفعال القبيحة والسيآت على سبيل الكناية ليقع التقابل موقعه على ما سلف آنفًا، وقيل: الداعي لذلك ما يلزم على الظاهر من المدح بفعل الغير مع أن الكلام مسوق للثناء عليهم وهو في إيثارهم الإيمان وإعراضهم عن الكفر وأخويه لا في تحبيب الله تعالى الإيمان لهم وتكريهه سبحانه الكفر وما معه إليهم. وأنت تعلم أن الثناء على صفة الكمال اختيارية كانت أولًا شائع في عرف العرب والعجم، والمنكر معاند على أن ذلك واقع على الجماد أيضًا، والمسلم الضروري أنه لا يمدح الرجل بما لم يفعله على أنه فعله، وإليه الإشارة في قوله تعالى: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بما لَمْ يَفْعَلُواْ} [آل عمران: 188] أما أنه لا يمدح به على أنه صفة له فليس سلم فلا تغفل..تفسير الآية رقم (8): {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}{فَضْلًا مّنَ الله وَنِعْمَةً} تعليل للأفعال المستندة إليه عز وجل في قوله سبحانه: {ولكن الله حَبَّبَ} [الحجرات: 7] إلخ وما في البين اعتراض؛ وجوز كونه تعليلًا للراشدين، وصح النصب على القول باشتراط اتحاد الفاعل أي من قام به الفعل وصدر عنه موجدًا له أولًا لما أن الرشد وقع عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه تبارك اسمه فإنه لو قيل مثلًا حبب إليكم الإيمان فضلًا منه وجعل كناية عن الرشد لصح فيحسن أن يقال: أولئك هم الراشدون فضلًا ويكون في قوة أولئك هم المحببون فضلًا أو لأن الرشد هاهنا يستلزم كونه تعالى شأنه مرشدًا إذ هو مطاوع أرشد، وهذا نظير ما قالوا من أن الإراءة تستلزم رؤية في قوله سبحانه: {يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12] فيتحد الفاعل ويصح النصب، وجوز كونه مصدرًا لغير فعله فهو منصوب إما بحبب أو بالراشدين فإن التحبيب والرشد من فضل الله تعالى وإنعامه، وقيل: مفعول به لمحذوف أي يبتغون فضلًا {والله عَلِيمٌ} مبالغ في العلم فيعلم أحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل {حَكِيمٌ} يفعل كل ما يفعل من أفضال وأنعام وغيرهما وجب الحكمة..تفسير الآية رقم (9): {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} أي تقاتلوا، وكان الظاهر اقتتلتا بضمير التثنية كما في قوله تعالى: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} أي بالنصح وإزالة الشبهة إن كانت والدعاء إلى حكم الله عز وجل، والعدول إلى ضمير الجمع لرعاية المعنى فإن كل طائفة من الطائفتين جماعة فقد روعي في الطائفتين معناهما أولًا ولفظهما ثانيًا على عكس المشهور في الاستعمال، والنكتة في ذلك ما قيل: إنهم أولًا في حال القتال مختلطون فلذا جمع أولًا ضميرهم وفي حال الصلح متميزون متفارقون فلذا ثني الضمير. وقرأ ابن أبي عبلة {اقتتلتا} بضمير التثنية والتأنيث كما هو الظاهر. وقرأ زيد بن علي. وعبيد بن عمير {اقتتلا} بالتثنية والتذكير باعتبار أن الطائفتين فريقان {بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} تعدت وطلبت العلو بغير الحق {على الاخرى} ولم تتأثر بالنصيحة {فقاتلوا التي تَبْغِى حتى تَفِيء} أي ترجع {إلى أَمْرِ الله} أي إلى حكمه أو إلى ما أمر سبحانه به وقرأ الزهري حتى {تفي} بغير همز وفتح الياء وهو شاذ كما قالوا في مضارع جاء يجيء بغير همز فإذا أدخلوا الناصب فتحوا الياء أجروه مجرى بفي مضارع وفي شذوذًا، وفي تعليق القتال بالموصول للإشارة إلى علية ما في حيز الصلة أي فقاتلوها لبغيها {الله فَإِن فَاءتْ} أي رجعت إلى أمره تعالى وأقلعت عن القتال حذرًا من قتالكم {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل} بفصل ما بينهما على حكم الله تعالى ولا تكتفوا جرد متاركتهما عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر، وتقييد الإصلاح هنا بالعدل لأنه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وقد أكد ذلك بقوله تعالى: {وَأَقْسِطُواْ} أي اعدلوا في كل ما تأتون وما تذرون {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} فيجازيهم أحسن الجزاء. وفي الكشاف في الإصلاح بالعدل والقسط تفاصيل، إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها ضمنت بعد الفيئة ما جنت، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن إلا عند محمد بن الحسن فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت، وأما قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها فما جنته ضمنته عند الجميع فمحمل الإصلاح بالعدل على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل، وعلى قول غيره وجهه أن يحمل على كون الفئة قليلة العدد، والذي ذكروا من أن الفرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات ليس بحسن الطباق للمأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط. قال في الكشف، لأن ما ذكروه من إماتة الأضغان داخل في قوله تعالى: {فَإِن فَاءتْ} لأنه من ضرورات التوبة، فأعمال العدل والقسط إنما يكون في تدارك الفرطات ثم قال: والأولى على قول الجمهور أن يقال: الإصلاح بالعدل أنه لا يضمن من الطرفين فإن الباغي معصوم الدم والمال مثل العادل لاسيما وقد تاب فكما لا يضمن العادل المتلف لا يضمنه الباغي الفائي، هذا مقتضى العدل لا تخصيص الضمان بطرف دون آخر.والآية نزلت في قتال وقع بين الأوس والخزرج. أخرج أحمد. والبخاري. ومسلم. وابن جرير. وابن المنذر. وابن مردويه. والبيهقي في سننه عن أنس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبي فانطلق إليه وركب حمارًا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة فلما انطلق إليه قال: إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك فغضب لعبد الله رجال من قومه فغضب لكل منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فأنزل الله تعالى فيهم: {وَإِن طَائِفَتَانِ} الآية، وفي رواية أن النبي عليه الصلاة والسلام كان متوجهًا إلى زيارة سعد بن عبادة في مرضه فمر على عبد الله بن أبي بن سلول فقال ما قال فرد عليه عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه فتعصب لكل أصحابه فتقاتلوا فنزلت فقرأها صلى الله عليه وسلم عليهم فاصطلحوا وكان ابن روحة خزرجيًا وابن أبي أوسيا.وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن السدي قال: كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد وأنها أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها وأن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها وكان الرجل قد خرج فاستعان أهله فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها فتدافعوا اجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم هذه الآية: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله عز وجل، والخطاب فيها على ما في البحر لمن له الأمر وروي ذلك عن ابن عباس وهو للوجوب فيجب الإصلاح ويجب قتال الباغية ما قاتلت وإذا كفت وقبضت عن الحرب تركت، وجاء في حديث رواه الحاكم. وغيره حكمها إذا تولت قال عليه الصلاة والسلام: «يا ابن أم عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله تعالى ورسوله أعلم قال: لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها» وذكروا أن الفئتين من المسلمين إذا اقتتلا على سبيل البغي منهما جميعًا فالواجب أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقاما على البغي صيرًا إلى مقاتلتهما، وأنهما إذا التحم بينهما القتال لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة فالواجب إزالة الشبهة بالحجج النيرة والبراهين القاطعة وإطلاعهما على مراشد الحق فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه فقد لحقتا باللتين اقتتلا على سبيل البغي منهما جميعًا، والتصدي لإزالة الشبهة في الفئة الباغية إن كانت لازم قبل المقاتلة، وقيل: الخطاب لمن يتأتى منه الإصلاح ومقاتلة الباغي فمتى تحقق البغي من طائفة كان حكم إعانة المبغي عليه حكم الجهاد، فقد أخرج الحاكم وصححه.والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت في نفسي من هذه الآية يعني {وَإِن طَائِفَتَانِ} إلخ إني لم أقاتل هذه الفئة بالباغية كما أمرني الله تعالى يعني بها معاوية ومن معه الباغين على علي كرم الله تعالى وجهه، وصرح بعض الحنابلة بأن قتال الباغين أفضل من الجهاد احتجاجًا بأن عليًا كرم الله تعالى وجهه اشتغل في زمان خلافته بقتالهم دون الجهاد، والحق أن ذلك ليس على إطلاقه بل إذا خشي من ترك قتالهم مفسدة عظيمة دفعها أعظم من مصلحة الجهاد، والحق أن ذلك ليس على إطلاقه بل إذا خشي من ترك قتالهم مفسدة عظيمة دفعها أعظم من مصلحة الجهاد، وظاهر الآية أن الباغي مؤمن لجعل الطائفتين الباغية والمبغي عليها من المؤمنين. نعم الباغي على الإمام ولو جائرًا فاسق مرتكب لكبيرة إن كان بغيه بلا تأويل أو بتأويل قطعي البطلان. والمعتزلة يقولون في مثله: إنه فاسق مخلد في النار أن مات بلا توبة، والخوارج يقولون: إنه كافر، والإمامية أكفروا الباغي على علي كرم الله تعالى وجهه المقاتل له واحتجوا بما روي من قوله صلى الله عليه وسلم له: «حربك حربي» وفيه بحث. وقرأ ابن مسعود {حتى عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُم بالقسط}.
|