الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عثمان بن عفان **
[ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 8] (سنة 30 هـ/ 651 م) لما عاد حذيفة بن اليمان من غزو الباب قال لسعيد بن العاص: لقد رأيت في سفرتي هذه أمرًا لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن، ثم لا يقومون عليه أبدًا، قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أناسًا من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خيرٌ من قراءة غيرهم، وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد. ورأيت أهل دمشق يقولون: إن قراءتهم خيرٌ من قراءة غيرهم، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك، وأنهم قرؤوا على ابن مسعود. وأهل البصرة يقولون مثل ذلك، وأنهم قرؤوا على أبي موسى، ويسمُّون مصحفه "لباب القلوب". فلما وصلوا إلى الكوفة أخبر حذيفة بن اليمان بذلك، وحذرهم ما يخاف، فوافقه أصحاب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وكثير من التابعين، وقال له أصحاب ابن مسعود: ما تنكر؟ ألسنا نقرؤه على قراءة ابن مسعود؟ فغضب حذيفة ومن وافقه وقالوا: إنما أنتم أعراب فاسكتوا فإنكم على خطأ. وقال حذيفة: واللَّه لئن عشت لآتين أمير المؤمنين، ولأشيرن عليه أن يحول بين الناس وبين ذلك، فأغلظ له ابن مسعود، فغضب سعيد وقام، وتفرَّق الناس، وغضب حذيفة، وسار إلى عثمان، فأخبره بالذي رأى وقال: أنا النذير العريان فأدركوا الأمة. وفي البخاري رواية عن حذيفة أنه قال لعثمان: (أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى). وكان حذيفة يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق. جمع عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ الصحابة وأخبرهم الخبر، فأعظموه ورأوا جميعًا ما رأى حذيفة. فأرسل إلى حفصة بنت عمر زوجة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك. وكانت هذه الصحف هي التي كتبت في أيام أبي بكر، فإن القتل لما كثر في الصحابة يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر: إن القتل قد كثر واستحرَّ بقرَّاء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقرَّاء، فيذهب من القرآن كثير. وإني أرى أن تأمر بجمعه، فأمر أبو بكر زيد بن ثابت، فجمعه من الرقاع والعُسُب [العُسُب: عُسُب النخل، وهي الجريد الذي لا خوص له، واحدها عسيب]، وصدور الرجال. فكانت الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر، فلما توفي عمر أخذتها حفصة فكانت عندها، فأرسل عثمان إليها وأخذها منها، وأمر زيد بن ثابت [هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لَوْذان بن عمرو، أبو خارجة، الأنصاري، صحابي من أكابرهم، كان كاتب الوحي، ولد في المدينة سنة 11 ق. هـ ونشأ بمكة، قُتل أبوه وهو ابن ست سنين، هاجر مع النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو ابن 11 سنة، تعلَّم وتفقَّه في الدين، فكان رأساَ بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض، كان عمر يستخلفه على المدينة إذا سافر، فقلَّما رجع إلا أقطعه حديقة من نخل، كان ابن عباس ـ على جلالة قدره وسعة علمه ـ يأتيه إلى بيته للأخذ عنه، ويقول: العلم يؤتى ولا يأتي. وأخذ ابن عباس بركاب زيد، فنهاه زيد، فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فأخذ زيد كفه وقبَّلها، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من الأنصار، وعرضه عليه، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر، ثم لعثمان حين جهَّز المصاحف إلى الأمصار. ولما توفي سنة 45 هـ رثاه حسان بن ثابت، وقال أبو هريرة: اليوم مات حبر هذه الأمة، وعسى اللَّه أن يجعل في ابن عباس منه خلفًا. للاستزادة راجع: غاية النهاية ج 1/ص 296، صفة الصفوة ج 1/ص 294، العبر للذهبي ج 1/ص 53، تهذيب التهذيب ج 3/ص 399، الاستيعاب ج 2/ص 537، الوافي بالوفيات ج 15/ص 24، طبقات ابن سعد ج 1/ص 37، الثقات ج 3/ص 135]، [ص 92] وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام [هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، القرشي، المدني، ولد سنة 1 هـ، أبو محمد، تابعي، ثقة، جليل القدر، من أشراف قريش، وهو أحد الأربعة الذين عهد إليهم عثمان بن عفان نسخ القرآن بمصاحف لتوزيعها على الأمصار، توفي سنة 43 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 6/ص 156، الإصابة ترجمة 6195]، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان: إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا. فلما نسخوا الصحف ردَّها عثمان إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وحرق ما سوى ذلك، وأمر أن يعتمدوا عليها ويدعوا ما سواها، فكل الناس عرف فضل هذا العمل إلا ما كان من أهل الكوفة، فإن المصحف لما قدم عليهم فرح به أصحاب النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأصحاب عبد اللَّه ومن وافقهم امتنعوا عن ذلك وعابوا الناس، فقام فيهم ابن مسعود وقال: ولا كل ذلك فإنكم واللَّه سبقتم سابقينا فأربعوا على ظلعكم [أربع على ظلعك: أي أنك ضعيف فتنكب عما لا تطيقه]. ولما قدم على الكوفة قام إليه رجل فعاب عثمان بجمع الناس على المصحف، فصاح وقال: اسكت فعن ملأ منا فعل ذلك فلو وليت منه ما ولي عثمان لسلكت سبيله [قال ابن قيم الجوزية، في كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 18ـ 19: "ومن ذلك جمع عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة التي يطلق لهم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ القراءة بها لما كان ذلك مصلحة، فلما خاف الصحابة ـ رضي اللَّه عنه ـم على الأمة أن يختلفوا في القرآن ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد من وقوع الاختلاف فعلوا ذلك ومنعوا الناس من القراءة بغيره. وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت وكان سلوكهم من تلك الطرق يوقعهم في التفرق والتشتت ويطمع فيهم العدو، فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد، وترك بقية الطرق جاز ذلك ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود وإن كان فيه نهي من سلوكها لمصلحة الأمة] [ص 93]. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ـ واختلف في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق. قال السيوطي في الإتقان: والمشهور أنها خمسة. وقال ابن أبي داود من طريق سمعت أبي حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة وإلى الشام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدًا. واختلف في ترتيب السور هل هو توقيفي أو باجتهاد الصحابة؟ قال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند اللَّه في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب. وقال مالك: ترتيب السور باجتهاد الصحابة. وقال السيوطي في الإتقان: والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال. [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 620، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 14، ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 158. "خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس".] (سنة 31 هـ/ 651 م): كان يزدجرد بن شهريار بن كسرى ملك فارس قد تولى في خلافة عمر بن الخطاب سنة 14 هـ، وهو الذي جمع جيشًا تحت قيادة رستم لمحاربة المسلمين، فانهزم جيشه ففر إلى خراسان. ولم يزل المسلمون يتبعونه ويقفون أثره من مدينة إلى مدينة، وهو يهرب حتى بيته جماعة من الترك فقتلوه سنة 31 هـ. وقد اختلف في سبب قتله: قال ابن إسحاق: هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو فسأل مرزبانها مالًا، فمنعه، فخافوا على أنفسهم، فأرسلوا إلى الترك يستنصرونهم عليه، فأتوه، فبيتوه، فقتلوا أصحابه، وهرب يزدجرد حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء على شط المرغاب [شط المرغاب: نهر بمرو] فأوى إليه ليلًا فلما نام قتله. وزاد بعضهم أن النقار أخذ متاعه وجواهره وألقى جسده في المرغاب، وأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره حتى خفي عليهم عند منزل النقار، فأخذوه، فأقر لهم بقتله، وأخرج متاعه، فقتلوا النقار وأهل بيته، وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد وأخرجوه من المرغاب، فجعلوه في تابوت من خشب. وقال بعضهم: إنهم حملوه إلى إصطخر فدفن بها في أول سنة 31 هـ. وهو آخر ملوك الفرس، وصفا الملك بعده للعرب. وكان عمره عندما قُتل 34 سنة. [خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس تحدها شمالًا خيوا وشرقًا أفغانستان وجنوبًا وغربًا ولايات كرمان الفارسية وفرس ولورستان والعراق العجمي. ومن أمهات مدن خراسان نيسابور وهراة ومرو وكانت قصبتها وبلخ وطالقان ونسا. للاستزادة راجع: الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 620، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 14] (سنة 34 هـ/ 652 م): [ص 95] لما قتل عمر بن الخطاب نقض أهل خراسان وغدروا، فلما استخلف عثمان بن عفان ولَّى عبد اللَّه بن عامر بن كريز البصرة في سنة 28. ويقال 29، وهو ابن 25 سنة، وهو ابن خال عثمان بن عفان، ولد على عهد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وكان كريمًا، ميمون النقيبة [ميمون النقيبة: أي مبارك النفس مظفَّرًا بما يحاول]، فافتتح من أهل فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان، واستخلف على البصرة زياد بن أبي سفيان [هو زياد بن أبيه، أمير من دهاة العرب، القادة الفاتحين، الولاة، من أهل الطائف، فقيل: عُبَيد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، ولدته أمه سميّة وهي جارية الحارث بن كلدة الثقفي في الطائف سنة 1، وتبنَّاه عُبَيد الثقفي مولى الحارث بن كلدة، وأدرك النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتبًا للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري أيام إمرته على البصرة، ثم ولاه علي بن أبي طالب على فارس، ولما توفي عليّ امتنع زياد على معاوية، وتحصَّن في قلاع فارس، وتبين لمعاوية أنه أخوه من أبيه "أبي سفيان" فكتب إليه بذلك، فقدم عليه وألحقه معاوية بنسبه سنة 44 هـ، قال الأصمعي: أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش عليها اسم "اللَّه" ومحا عنها اسم الروم ونقوشهم، زياد. للاستزادة راجع: ابن خلدون ج 3/ص 5، ابن الأثير الكامل في التاريخ ج 3/ص 195، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 6/ص 162، تهذيب ابن عساكر ج 4/ص 406، ميزان الاعتدال ج 1/ص 355، لسان الميزان ج 2/ص 493، البدء والتاريخ ج 6/ص 2، خزانة الأدب ج 2/ص 517، الذريعة ج 1/ص 331، عقود اللطائف]، وسار إلى كرمان [كرمان ولاية بين فارس، ومكران، وسجستان، وخراسان] فاستعمل عليها مجاشع بن مسعود السلمي، وأمره بمحاربة أهلها، وكانوا قد نكثوا، واستعمل على سجستان [سجستان بينها وبين كرمان 130 فرسخًا] الربيع بن زياد الحارثي، وكانوا أيضًا قد نقضوا الصلح، وسار ابن عامر إلى نيسابور، وجعل على مقدمته الأحنف بن قيس [هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حُصين المرِّي السعدي المنقري التميمي، أبو بحر، سيد تميم، أحد العظماء الدهاة، الفصحاء الشجعان الفاتحين، يضرب به المثل في الحلم، ولد في البصرة سنة 3 ق. هـ أدرك النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ولم يره، شهد فتوح خراسان وقال ياقوت في معجم البلدان ج 3/ص 409: "أنقذه عمر سنة 18 هـ، لغزو خراسان، فدخلها وتملَّك مدنها، وهرب منه يزدجرد بن شهريار ملك الفرس إلى خاقان ملك الترك بما وراء النهر، اعتزل الفتنة يوم الجمل، ثم شهد صفِّين مع عليّ، ولمَّا انتظم الأمر لمعاوية عاتبه، فأغلظ له الأحنف في الجواب، فسُئل معاوية عن صبره عليه، فقال: هذا الذي إذا غضب، غضب له مائة ألف لا يدرون فِيمَ غضب. كان صديقًا لمصعب بن الزبير، وفد الكوفة وتوفي فيها سنة 72 هـ وهو عنده. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج 7/ص 66، ابن خلكان ج 1/ص 230، ذكر أخبار أصبهان ج 1/ص 224، جمهرة الأنساب ص 206، تهذيب ابن عساكر ج 7/ص 10، تاريخ الخميس ج 2/ص 309، تاريخ الإسلام للذهبي ج 3/ص 129]، فأتى الطبَسين، وهما حصنان، وهما بابا [ص 96] خراسان، فصالحه أهلها على 600.000 درهم، وسار إلى قهستان، فلقيه أهلها، وقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم. وبعث ابن عامر سرية إلى رستاق زام من أعمال نيسابور، ففتحه عنوة، وفتح باخرْز [بين نيسابور وهراة]، من أعمال نيسابور أيضًا، وفتح جُوَين [يسميها أهل خراسان كوبان، بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ]، وسبى سبيًا، ووجَّه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي من عديِّ الرباب، وكان ناسكًا، إلى بيهق من أعمال نيسابور، فدخل حيطان البلد من ثلمة كانت فيها، ودخلت معه طائفة من المسلمين، فأخذ العدو عليهم تلك الثلمة، فقاتل الأسود حتى قتل هو، وطائفة ممن معه. وقام بأمر المسلمين بعده أخوه أدهم بن كلثوم فظفر، وفتح بيهق [من أعمال نيسابور]، وكان الأسود يدعو إلى اللَّه أن يحشره من بطون السباع والطير، فلم يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه. وفتح ابن عامر بُشت [سميت بذلك: لأنها كالظهر لنيسابور. والظهر باللغة الفارسية يقال له: بشت] من نيسابور وأشبَنذ ورُخَّ وزاره وخوَاف وأسفرائن وأرغيان [كورة من نواحي نيسابور] من نيسابور، ثم أتى أبرشهر وهي مدينة نيسابور، فحصر أهلها أشهرًا، وكان على كل ربع منها رجل موكل به، وطلب صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة، فأعطاه وأدخلهم إياها ليلًا، ففتحوا الباب، وتحصَّن مرزبانها في القهندز [القهندز: كالحصن، تعريبها معناه: القلعة العتيقة]، ومعه جماعة. وطلب الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها، فصالحه على ألف ألف درهم، وولي نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمي [هو قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت بن حبيب السلمي، من الخطباء الشجعان، من أعيان البصرة في صدر الإسلام، كان من أنصار بني أمية فيها، ثم قام بدعوة عبد اللَّه بن الزبير، وصحب أخاه مصعبًا في ثورته، إلى أن قُتل، فتوجَّه إلى عبد الملك بن مروان، فعفا عنه وأكرمه، توفي سنة 188 هـ بالبصرة. للاستزادة راجع: النووي ج 2/ص 64، ذيل المذيل ص 35، والمرزباني ص 333، الإصابة ج 3/ص 235]، ووجَّه ابن عامر عبد اللَّه بن خازم السلمي [هو عبد اللَّه بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي البصري، أبو صالح، أمير خراسان، له صحبة، كان من أشجع الناس، أسود اللون، كثير الشعر، يتعمم بعمامة خزّ سوداء، يلبسها في الجُمع والأعياد والحرب، ويقول: كسانيها رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، قال البغدادي: هو غربان العرب في الإسلام، له فتوحات وغزوات، ولي إمرة خراسان لبني أمية، واستمر عشر سنين، وفي أيامه كانت فتنة ابن الزبير، فكتب إليه ابن خازم بطاعته، فأقره على خراسان، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته، فأبى، فلما قُتل مصعب بن الزبير بعث إليه عبد الملك برأسه فغسله وصلى عليه، ثم انتقض عليه أهل خراسان، فقتلوه، وأرسلوا رأسه إلى عبد الملك سنة 72 هـ.] إلى حُمراندر من [ص 97] نسا [مدينة بخراسان، ينسب إليها النسائي صاحب السنن]، وهو رستاق قرية ففتحه، وأتاه صاحب نسا فصالحه على 300.000 درهم. ويقال: على احتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحدًا ولا يسبيه. وقدم بهمنة عظيم أبيورد [أَبِيوَرْد: مدينة بخراسان بين سرخس ونسا] على ابن عامر فصالحه على 400.000 درهم، ويقال وجه إليها ابن عامر عبد اللَّه بن خازم فصالح أهلها على 400.000 درهم، ووجَّه عبد اللَّه بن عامر عبد اللَّه بن خازم إلى سَرَخْس [17] فقاتلهم، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على تأمين مائة رجل، وأن يدفع إليه النساء، فصارت ابنته في سهم خازم، واتخذها وسماها مَيساء، وغلب ابن خازم على أرض سرخس، ويقال: إنه صالحه على أن يؤمن مائة نفس فسمَّى له المائة، ولم يسم نفسه فقتله ودخل سَرخس عنوة، ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينة ففتحهما. وأتى كنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه على طوس على 600.000، ووجَّه ابن عامر جيشًا إلى هراة عليه أوس ابن ثعلبة ويقال: خُليد بن عبد اللَّه الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إلى ابن عامر، وصالحه على هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنه فتحهما عنوة، وكتب له ابن عامر: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد اللَّه بن عامر عظيم بوشنج وبادغيس. أمره بتقوى اللَّه ومناصحة المسلمين وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين، وصالحه على هَراة. سهلها وجبلها على أن يؤدي من الجزية ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلًا بينهم، فمن منع ما عليه فلا عهد له ولا ذمة. وكتب ربيع بن نهشل وجثم بن عامر" [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 60]. وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجَّه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي، فصالحه على ألف ألف ومائتي ألف درهم. وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن عليهم قسمة المال، وليس على المسلمين إلا قبض ذلك. وكانت مرو صلحًا كلها [ص 98] إلا قرية منها يقال لها: السنج، فإنها أخذت عنوة. ووجَّه عبد اللَّه ابن عامر الأحنف، وهو حصن من مرو الروذ وله رستاق عظيم يعرف برستاق الأحنف، ويدعى بشق الجرد. فحصر أهله، فصالحوه على 300,000. فقال الأحنف: أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا، وكان الصلح عن جميع الرستاق، ومضى الأحنف إلى مرو الروذ، فحصر أهلها، وقاتلوه قتالًا شديدًا، فهزمهم المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم، وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له، فكتب إلى الأحنف أنه دعاني إلى الصلح إسلام باذام، فصالحه على 600.000. ووجَّه الأحنف الأقرع بن حابس التميمي [هو الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي الدارمي التميمي، صحابي، من سادات العرب في الجاهلية، قدم على رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في وفد بني دارم من تميم، فأسلموا، وشهد حنينًا وفتح مكة والطائف، سكن المدينة، وكان من المؤلفة قلوبهم، ورحل إلى دومة الجندل في خلافة أبي بكر، وكان مع خالد بن الوليد في أكثر وقائعه حتى اليمامة، واستشهد بجوزجان سنة 31 هـ، ومن المؤرخين من يرى أن اسمه فراس، وأن الأقرع لقب له، لقرع كان برأسه، للاستزادة راجع: ابن عساكر ج 3/ص 86، ذيل المذيّل ص 32، خزانة الأدب للبغدادي ج 3/ص 397، عيون الأثر ج 2/ص 205.] في خيل، وقال: "يا بني تميم تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم، وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم". فسار الأقرع، فلقي العدو بالجوزجان [جَوْزَجان: اسم كورة واسعة من كور بلخ بين مرو والروذ وبلخ.] فكانت في المسلمين جولة ثم كرّوا فهزموهم، وفتحوا الجوزجان عنوة. وفتح الأحنف الطالقان صلحًا، وفتح الفارياب، ثم سار الأحنف إلى بلخ، وهي مدينة طخارا فصالحهم أهلها على 400.000، فاستعمل على بلخ أرسيد بن المتشمس، ثم سار إلى خوارزم، وهي من سقي النهر جميعًا ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إلى بلخ وقد جبى أرسيد صلحها. قال أبو عبيدة: فتح ابن عامر ما دون النهر، فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل. فيقال: إنه عبر النهر حتى أتى جميع مواضعه. وقيل بل أتوه وصالحوه، وبعث من قبض ذلك، فأتته الدواب، والوصفاء، والوصائف، والحرير، والثياب. ثم إنه أحرم شكرًا للَّه. ولما تم لابن عامر هذا الفتح قال له الناس: ما فتح لأحد ما فتح عليك، فارس وكرمان وسجستان وخراسان. فقال: لا جرم لأجعلن شكري للَّه على ذلك أن أخرج محرمًا من موقفي [ص 99] هذا فأحرم بعمرة من نيسابور. وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم. جميع هذه المدن والقرى التي مر ذكرها هي بخراسان. ولما كانت فارسية فقد يستغربها القارئ ويصعب عليه النطق بها، وقد اضطررت إلى ذكرها، لأن المسلمين فتحوها تحت قيادة عبد اللَّه بن عامر، وفتح أغلبها صلحًا، لأنهم لم يستطيعوا مقاومة المسلمين، وقد قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس. [فتوح البلدان البلاذري، الذهبي، تاريخ الإسلام ج 3/ص 379]. إصطخر: كورة وبلدة في بلاد فارس، وبها كثير من المدن والقرى، أشهرها البيضاء ومائتين ونيريز وأبرقوه ويزد وغيرها. وبها كانت خزائن الملوك قبل الإسلام. قيل: وفي جبالها معدن الحديد. وفي دارا بجرد إحدى قراها معدن الزئبق. وفي إصطخر وضع هيستاسب كتاب زرادشت نبي المجوس لما كانت في عظمتها. وعلى ثلاثة أو أربعة فراسخ من ميان تجد آثار مدينة إصطخر الشهيرة في قديم الزمان باسم برسبوليس وهي مدينة قديمة كانت سابقًا دار سلطنة بلاد فارس. لما جاء الإسلام كان أول من غزا بلاد فارس العلاء بن الحضرمي [هو العلاء بن عبد اللَّه الحضرمي، صحابي، من رجال الفتوح في صدر الإسلام، أصله من حضرموت، سكن أبوه مكة فَوُلد العلاء ونشأ فيها، توفي سنة 21 هـ، ولاَّه رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ البحرين سنة 8 هـ، وأقرَّه أبو بكر ثم عمر، وهو الذي سير عرفجة بن هرثمة إلى شواطئ فارس سنة 14 هـ بالسفن، فكان أول من فتح جزيرة بأرض فارس في الإسلام، ويقال: إن العلاء أول مسلم ركب البحر للغزو. للاستزادة راجع: البدء والتاريخ ج 5/ص 183، تهذيب الأسماء ج 1/ص 280، الإصابة ترجمة 5644، ابن سعد ج 4/ص 333، جمهرة الأنساب ص 187، صفة الصفوة ج 1/ص 189، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 165، المحبّر تحت عنوان "رسل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إلى الملوك والأشراف] في خلافة عمر سنة 17 هجرية. سار بجيوشه بحرًا وخرجوا بإصطخر فقاتلهم أهلها قتالًا شديدًا فانجلى القتال عن هزيمة أهل إصطخر. ثم دخل أبو موسى الأشعري بلاد فارس في نفس السنة، ودفع لواء إصطخر إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي لما فرق الألوية على رجاله فلم يتيسر الفتح إلا سنة 18 هـ، وقيل بعد ذلك. قال ابن الأثير [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 439]: وقصد عثمان بن أبي العاص الثقفي إصطخر فالتقى هو وأهلها بجور [ص 100] فاقتتلوا، وانهزم الفرس وفتح المسلمون جور، ثم إصطخر وقتلوا الكثير، وفر بعضهم فدعا عثمان إلى الذمة والجزية، فأجابه الهربذ إليها فتراجعوا، وكان عثمان قد جمع الغنائم فبعث بخمسها إلى عمر، وقسم الباقي في الناس. ثم عصت إصطخر فعاد إليها عثمان سنة 27 هـ، وفتحها ثانية. ثم انتفض الفرس فواقعهم عبيد اللَّه بن معمر على باب إصطخر سنة 29 هـ فقتل وانهزم المسلمون، فبلغ الخبر عبد اللَّه بن عامر فسار إليهم والتقوا بإصطخر، فانهزم الفرس، وقتل منهم كثيرون، وفتحت إصطخر عنوة. وأتى دارا بجرد وقد غدر أهلها ففتحها، وصار إلى جور، فانتفضت إصطخر فلم يرجع إليها إلا بعد أن فتح جور ففتحها أيضًا عنوة بعد أن حاصرها واشتد القتال عليها ورماها بالمناجيق، وقتل من أهلها خلق كثير، وأفنى أكثر أهل البيوتات ووجوه الأساودة كانوا قد لجأوا إليها، والذي استخلفه على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي فبنى مسجدها. قال البلاذري في فتوح البلدان: "لما فرغ عبد اللَّه بن عامر من فتح جور، كرَّ على أهل إصطخر وفتحها عنوة بعد قتال شديد، ورمى بالمناجيق، وقتل بها من الأعاجم 40.000" إلخ. [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 22]: لما سار ابن عامر إلى فارس وجَّه مجاشع بن مسعود السلمي [هو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة السلمي، صحابي من القادة الشجعان استخلفه المغيرة بن شعبة على البصرة في خلافة عمر، غزا كابل وصالحه صاحبها الأصبهجد، وقيل: كان على يديه فتح حصن أبرويز بفارس، وكان يوم الجمل مع عائشة أميرًا على بني سليم، فقتل فيه سنة 36 هـ، قبل الوقعة ودفن بداره في بني سدوس بالبصرة، كان من الكرماء. للاستزادة راجع: ذكر أخبار أصبهان ج 1/ص 70، الإصابة ترجمة 7723، تهذيب التهذيب ج 10/ص 38، الجمع بين رجال الصحيحين ج 2/ص 515، معجم ما استعجم 1108، العقد الفريد ج 2/ص 66] إلى كرمان[كِرْمَان: وتسمى قديمًا كرمانيا، وهي مقاطعة من بلاد فارس بالجنوب الشرقي] وكان أهلها قد نكثوا وغدروا، ففتح بيمنت عنوة، واستبقى أهلها وأعطاهم أمانًا، وبنى قصرًا يعرف بقصر مجاشع. وفتح بروخروة، وأتى الشيرجان وهي مدينة كرمان، وأقام عليها أيامًا يسيرة، وأهلها متحصِّنون، وقد خرجت لهم خيل فقاتلهم ففتحها عنوة، ثم إن كثيرًا من أهلها جلوا عنها وفتح [ص 101] جِيْرَفْت [جِيرَفْت: مدينة بكِرْمان من أعيان مدنها وأنزهها] عنوة، وسار في كرمان فدوَّخ أهلها وأتى القُفص وتجمع له بهرُمور خلق كثير من الأعاجم فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم. وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر، ولحق بعضهم بمكران، وأتى بعضهم سجستان، فأقطعت العرب منازلهم وأراضيهم فعمروها وأدوا العشر فيها، واحتفروا القنوات في مواضع منها. [سجستان: معرب سيستان، وكانت قديمًا تسمَّى: ساقستان، أي بلاد الساقة، وهي ولاية بالجنوب الغربي من أفغانستان يتبعها قسم داخل حدود بلاد العجم]: فتحت سجستان في أيام عمر بن الخطاب، ثم إن أهلها نقضوا عهدهم. فلما توجَّه ابن عامر إلى خراسان سير إليها من كرمان الربيع بن زياد الحارثي [هو أخو المهاجر بن زياد وهو من قال عنه عمر بن الخطاب: "ما صَدَقني أحد منذ استخلفت كما صَدَقني الربيع بن زياد". للاستزادة راجع: أسد الغابة ج 2/ص 207، تاريخ الطبري ج 4/ص 183، الإصابة ج 1/ص 80، الكامل في التاريخ/ الفهارس، جمهرة أنساب العرب ص 391، تهذيب التهذيب ج 3/ص 244، حياة الصحابة ج 2/ص 168. ]، فأتى حصن زالق فأغار على أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه فافتدى نفسه بأن ركز عنزةً، ثم غمرها ذهبًا وفضة، وصالح الدهقان على حقن دمه وصالحه على صلح أهل فارس، ثم أتى قرية يقال لها كَركويه [كركويه: مدينة من نواحي سجستان] على خمسة أميال من زالق فصالحوه على غير قتال، ثم أتى زالق وأخذ الأدلاَّء منها إلى زَرَنج [زرنج: مدينة هي قصبة سجستان]، وسار حتى نزل الهندمند، وأتى زوشت وهي من زرنج على ثلثي ميل فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالًا شديدًا، وأصيب رجال من المسلمين، ثم كرَّ المسلمون وهزموهم حتى اضطروهم إلى المدينة بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 22]، ثم أتى الربيع ناشروذ [ناشروذ: قرية بسجستان] قرية فقاتل أهلها وظفر بهم، ثم مضى إلى شرواذ [شرواذ: قرية بسجستان] قرية فغلب عليها، ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتل أهلها، فبعث إليه أبرْويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه، فأمر بجسد من أجساد القتلى، فوضع له، فجلس عليه واتكأ على آخر، وأجلس أصحابه على أجساد القتلى مثله. وكان الربيع آدم أفوه طويلًا. [ص 102] فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وَصِيف مع كل وَصِيف[الوَصِيف: الخادم، وجمعه وُصَفَاء] جام من ذهب، ودخل المسلمون المدينة، ثم أتى سناروذ [سناروذ: اسم لنهر سجستان يأخذ من نهر هند مند فيجري على قدر فرسخ من سجستان فيتفرع منه أنهر يسقي الرساتيق وتجري فيه السفن أيام المد. ورد في المتن: "هو وادٍ" وهذا خطأ اقتضى تصويبه] وهو وادٍ فعبره وأتى القريتين، وهناك مربط فرس رُسْتَم [رُسْتَم: بضم الراء وفتح التاء، هو رُسْتَم بن الفرخزاد، ورُسْتَم لفظة فارسية، معناها: نَجَوْتُ، ويقال إن أمه تعذَّبت بولادته لِشِدَة تَعَسُّرها، وعندما وضعته صاحت: رُسْتَم أي نَجَوْتُ، فسمي بهذا الاسم. قتلت أَزْرميدُخت والده، ورُسْتَم من القواد المشهورين في فارس، هزمه سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية] فقاتله أهلها فظفر بهم، ثم عاد إلى زرنج وأقام بها سنتين، ثم أتى ابن عامر واستخلف بها رجلًا من بني الحارث بن كعب فأخرجوه وأغلقوها. وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفًا، وسبى في ولايته هذه 40.000 رأس، وكان كاتبه الحسن البصري[هو الحسن بن يَسَار البصري، أبو سعيد، تابعي، كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه، هو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النسَّاك، ولد بالمدينة سنة 21 هـ، شبَّ في كنف علي بن أبي طالب، استكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية، سكن البصرة، وعظمت هيبته في القلوب، فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم، لا يخاف في اللَّه لومة لائم، قال فيه الغزالي: كان الحسن البصري أشبه الناس كلامًا بكلام الأنبياء، وأقربهم هديًا من الصحابة، كان غاية في الفصاحة، تتصبَّب الحكمة من فيه، له مع الحجاج بن يوسف مواقف، توفي في البصرة سنة 110 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 2/ص 110، وفيات الأعيان ج 1/ص 115، ميزان الاعتدال ج 1/ص 254، حلية الأولياء ج 2/ص 131، ذيل المذيل ص 93، أمالي المرتضى ج 1/ص 106، الأزهرية ج 3/ص 725]، ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سَمُرَة بن حبيب بن عبد شمس[هو عبد الرحمن بن سَمُرَة بن حبيب بن عبد شمس القرشي، أبو سعيد، صحابي، من القادة الولاة، أسلم يوم الفتح، شهد غزوة مؤتة، سكن البصرة، افتتح سجستان، وغزا خراسان، ثم عاد إلى البصرة فتوفي فيها سنة 50 هـ، كان اسمه في الجاهلية: "عبد كلال"، سماه النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عبد الرحمن. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 6/ص 190، تهذيب الكمال ج 2/ص 792، تقريب التهذيب ج 1/ص 483، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 136، الكاشف ج 2/ص 167، تاريخ البخاري الكبير ج 5/ص 242، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 96، الجمع بين رجال الصحيحين ص 282، دول الإسلام للذهبي ج 1/ص 26، نسب قريش ص 150، الجرح والتعديل ج 5/ص 241، الثقات ج 3/ص 249، أسد الغابة ج 3/ص 454، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 348، الإصابة ج 4/ص 310، الاستيعاب ج 2/ص 835، سير الأعلام ج 2/ص 571، أسماء الصحابة الرواة ترجمة ص 149] سجستان، فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في [ص 103] يوم عيد لهم فصالحه على ألفي ألف درهم، وألفي وصيف. وغلب ابن سَمُرَة على ما بين زرنج وكَشّ [الكَشّ: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان على الجبل] من ناحية الهند، وغلب من ناحية طريق الرُّخَّج [الزُّخَّج: كورة من أعمال سجستان، ومدينة من نواحي كابل] على ما بينه وبين بلاد الداور [ورد في الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 3/ص 23: "الداون" ولعل ما ورد في متن هذا الكتاب خطأ على الأرجح، والصواب هو "الداون" وليس "الداور".]، فلما انتهى إلى بلاد الداور حصرهم في جبل الزور[ورد في الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 3/ص 26: "الزوز" ولعل ما ورد في متن هذا الكتاب خطأ على الأرجح، والصواب هو "الزوز" وليس "الزور".]، ثم صالحهم، فكانت عدة من معه من المسلمين 8000 فأصاب كل رجل منهم 4000 ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين، ثم قال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع. وفتح كابل وزابلستان. وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها حتى اضطرب أمر عثمان، فاستخلف عليها أمير بن أحمر اليشكريّ، وانصرف من سجستان، فأخرج أهلها أمير بن أحمر وامتنعوا. [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 24] (سنة 31 هـ/ 652 م): أبو سفيان صخر بن حرب وهو والد يزيد ومعاوية، ولد قبل الفيل بعشر سنين، وكان من أشراف قريش. وكان تاجرًا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم، وكان يخرج أحيانًا بنفسه، وكانت إليه راية الرؤساء التي تسمى العقاب. وإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعتها بيد الرئيس. وقيل كان أفضل قريش رأيًا في الجاهلية ثلاثة: عتبة، وأبو جهل، وأبو سفيان، فلما أتى الإسلام أدبر في الرأي. وهو الذي قاد قريشًا كلها يوم أحد، ولم يقدها قبل ذلك رجل واحد إلا يوم ذاك فكيف قادها المطلب!. وكان أبو سفيان صديق العباس، وأسلم ليلة الفتح، وأعطاه رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية كل واحد مثله. وشهد الطائف مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ففقئت عينه يومئذ، وفقئت الأخرى يوم اليرموك. وشهد اليرموك تحت راية ابنه يزيد يقاتل ويقول: "يا نصر اللَّه اقترب"، وكان يقف على الكراديس يقص ويقول: "اللَّه، اللَّه، إنكم دارة العرب وأنصار الإسلام. وإنهم دارة الروم وأنصار [ص 104] المشركين. اللَّهم هذا يوم من أيامك. اللَّهم أنزل نصرك على عبادك". وروي أنه لما أسلم ورأى المسلمين وكثرتهم قال للعباس: "لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيمًا" فقال له العباس: "إنها النبوة". قال: "فنعم". وكان من المؤلفة قلوبهم وحسن إسلامه. توفي سنة 31 هـ، وصلى عليه عثمان، وكان عمره 88 سنة. [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 627، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 25] (سنة 32 هـ/ 653 م): بلنجرد: مدينة الخزَر خلف باب الأبواب. ذكرنا في كتاب "الفاروق عمر بن الخطاب" أن عبد الرحمن بن ربيعة [هو عبد الرحمن بن ربيعة بن يزيد، الباهلي، والٍ من الصحابة، كان يُلقَّب: ذا النور، ولاَّه عمر قضاء الجيش الذي وجَّهه إلى القادسية، وعهد إليه بقسمة الغنائم، ثم ولاَّه الباب، وقتال الترك والخزرج، استمر بولايته هذه إلى أن استشهد في بعض وقائعه ببنجر. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة ص 5110، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3، ياقوت ، معجم البلدان "بنجر] زحف بجيشه (يريد بلنجرد) [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 627، وابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 155، ذكر "بلنجرد" باسم "بلنجر".] فخافهم الترك في أول الأمر وقالوا: إن هؤلاء أي العرب ملائكة لا يعمل فيهم السلاح. فاتفق أن تركيًا اختفى في غيضة [غيضة: أجمة. [القاموس المحيط، مادة: غيض].] ورشق مسلمًا بسهم فقتله. فنادى في قومه أن هؤلاء يموتون، كما تموتون، فلا تخافوهم. فاجترأوا عليهم، وأوقعوا بهم حتى استشهد عبد الرحمن بن ربيعة، وأخذ الراية أخوه، ولم يزل يقاتل حتى أمكنه دفن أخيه بنواحي بلنجرد، ورجع بقية المسلمين على طريق جيلان. وفي سنة 32 هـ انتصرت الخزر والترك على المسلمين، وسببه أن الغزوات لما تتابعت عليهم تذامروا [تذامروا: تحاضّوا على القتال وتلاوموا. [القاموس المحيط، مادة: تذَّمر]. ] وقالوا: كنا لا يُقرن بنا أحد حتى جاءت هذه الأمة "العربية" فصرنا لا نقوم لها. لما قتل عبد الرحمن بن ربيعة وانهزم المسلمون افترقوا فرقتين فرقة نحو الباب، فلقوا سلمان بن ربيعة أخا عبد الرحمن، كان قد سيره سعيد بن العاص مددًا للمسلمين بأمر عثمان، فلما لقوه نجوا معه. وفرقة نحو جيلان وجرجان، فيهم سلمان الفارسي [هو سلمان الفارسي، صحابي، مقدّم من مجوس أصبهان، عاش عمرًا طويلًا، توفي سنة 36 هـ، اختلفوا فيما كان يسمى به في بلاده، قالوا: نشأ في قرية جيلان، فرحل إلى الشام، فالموصل، فنصّيبين، فعمورية، وقرأ كتب الفارسية، والرومية، واليهودية، قصد بلاد العرب فلقيه قوم من بني كلب فاستخدموه، ثم استعبدوه وباعوه، فاشتراه رجل من قريظة وجاء به إلى المدينة، فسمع بخبر النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ فقصده وسمع كلامه وأسلم، كان قوي الجسم، صحيح الرأي، عالمًا بالشرائع وغيرها، وهو الذي دلَّ المسلمين على حفر الخندق في غزوة الأحزاب، جُعل أميرًا على المدائن، فأقام فيها حتى وفاته. للاستزادة راجع: أخبار سلمان وزهده وفضائله، لابن بابويه القمي، طبقات ابن سعد ج 4/ص 111، تهذيب ابن عساكر ج 6/ص 300، الإصابة ترجمة 3350، حلية الأولياء ج 1/ص 187، صفة الصفوة ج 1/ص 125، المسعودي ج 1/ص 210، محاسن أصفهان 25، الذريعة ج 1/ص 85] وأبو [ص 105] هريرة [هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة، ولد سنة 21 ق. هـ صحابي، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ورواية له، نشأ يتيمًا ضعيفًا في الجاهلية، قدم المدينة ورسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بخيبر، أسلم سنة 7 هـ، لزم صحبة النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ روى عنه 5374 حديثًا، نقلها عن أبي هريرة أكثر من 800 رجل بين صحابي وتابعي، ولي إمرة المدينة مرة، لما صارت الخلافة إلى عمر استعمله على البحرين، ثم رآه ليِّن العريكة مشغولًا بالعبادة، فعزله، وأراده بعد زمن على العمل فأبى، توفي سنة 59 هـ في المدينة، كان يفتي. للاستزادة راجع: تهذيب الأسماء واللغات ج 2/ص 270، الإصابة ترجمة 1179، الجواهر المضيئة ج 2/ص 418، صفة الصفوة ج 1/ص 285، حلية الأولياء ج 1/ص 376، ذيل المذيل ص 111، حسن الصحابة ص 166، الذريعة ج 7/ص 114، تهذيب الكمال ج 2/ص 795، تهذيب التهذيب ج 6/ص 199، تقريب التهذيب ج 1/ص 485، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 397، الكاشف ج 2/ص 169، الجرح والتعديل ج 5/ص 246، أسد الغابة ج 6/ص 318، طبقات ابن سعد ج 4/ص 52]، وكان في ذلك العسكر يزيد بن معاوية النخعي [هو يزيد بن معاوية النخعي، فارس من أشراف العرب من صدر الإسلام، يمني الأصل، ممن نزل بالكوفة، كان من أصحاب عبد اللَّه بن مسعود، له ذكر في البخاري، حفر غزوة بلنجر، قاتل الترك والخزر قتالًا شديدًا، فأصابه حجر من حصن بلنجر هشم رأسه فتوفي سنة 32 هـ. للاستزادة راجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3/ص 50، تهذيب الكمال ج 3/ص 54، تهذيب التهذيب ج 11/ص 360، تقريب التهذيب ج 2/ص 371، خلاصة تهذيب الكمال ج 3/ص 177، الكاشف ج 3/ص 286، تاريخ البخاري الكبير ج 8/ص 355، الجرح والتعديل ج 9/ص 1216، تاريخ الثقات ص 481، الثقات ج 5/ص 545، معرفة الثقات 2036، طبقات ابن سعد ج 9/ص 209]، وعلقمة بن قيس [هو علقمة بن قيس بن عبد اللَّه بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل النخعي الهمداني أبو شبل، تابعي، كان فقيه العراق، يشبه ابن مسعود في هديه، وسمته، وفضله، ولد في حياة النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وروى الحديث عن الصحابة، غزا خراسان وأقام بخوارزم سنتين، وبمرو مدة، سكن الكوفة وتوفي فيها سنة 62 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 7/ص 276، تذكرة الحفاظ ج 1/ص 45، حلية الأولياء ج 2/ص 98، تاريخ بغداد ج 12/ص 296، تهذيب الكمال ج 2/ص 953، تقريب التهذيب ج 2/ص 31، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 241، الكاشف ج 2/ص 277، تاريخ البخاري الكبير ج 7/ص 41، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 123، الجرح والتعديل ج 6/ص 2258، تاريخ الثقات ص 339، تاريخ بغداد ج 12/ص 696]، ومعضد [ص 106] الشيباني، وأبو مفرز التميمي في خباء واحد، وخالد بن ربيعة، والحلحان ابن دري، والقرثع في خباء، فكانوا متجاورين في ذلك العسكر. وكان القرثع يقول: ما أحسن لمع الدماء على الثياب. وكان عمرو بن عتبة يقول لقباء عليه أبيض: ما أحسن حمرة الدماء على بياضك، ورأى يزيد بن معاوية في منامه أن غزالًا جيء به لم ير أحسن منه فلف في ملحفة، ثم دفن في قبر لم ير أحسن منه، عليه أربعة نفر قعودًا، فلما استيقظ واقتتل الناس رمي بحجر فهشم رأسه فمات فكأنما زين ثوبه بالدماء وليس بتلطيخ، فدفن في قبر على الصورة التي رأى. وقال معضد لعلقمة: أعرني بردك أعصب به رأسي، ففعل، فأتى برج بلنجرد الذي أصيب فيه يزيد فرماهم فقتل منهم. وأتاه حجر عرّادة [عرّادة: آلة تستخدم في الحرب لدك الحصون، أصغر من المنجنيق، وترمي بالحجارة البعيدة المرمى، جمعها عرّادات. [القاموس المحيط، مادة: عرد]. ] ففضخ هامته فأخذه أصحابه، فدفنوه إلى جنب يزيد، وأخذ علقمة البرد فكان يغسله، فلا يخرج أثر الدم منه. وكان يشهد فيه الجمعة، ويقول: يحملني على هذا أن دم معضد فيه. وأصاب عمرو بن عتبة جراحة فرأى قباءه كما اشتهى ثم قتل، وأما القرثع فإنه قاتل حتى خرق بالحراب. فبلغ الخبر بذلك إلى عثمان فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، انتكث أهل الكوفة. اللَّهم تب عليهم وأقبل بهم. وكان عثمان قد كتب إلى سعيد بن العاص أن ينفذ سلمان إلى الباب للغزو فسيره، فلقي المهزومين على ما تقدم، فنجاهم اللَّه به. فلما أصيب عبد الرحمن استعمل سلمان بن ربيعة على الباب واستعمل على الغزو بأهل الكوفة حذيفة بن اليمان وأمدَّهم عثمان بأهل الشام. عليهم حبيب بن مسلمة فتأمر عليه سلمان وأبى حبيب حتى قال أهل الشام: لقد هممنا بضرب سلمان. فقال الكوفيون: إذن، واللَّه نضرب حبيبًا ونحبسه، وإن أبيتم كثرت القتلى فينا وفيكم[وقال أوس بن مغراء في ذلك: إن تضربوا سلمان نضرب حبيبكم *** وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل وإن تقسطوا فالثغر ثغر أميرنا *** وهذا أمير في الكتائب مقبل ونحن ولاة الثغر كنا حماته *** ليالي نرمي كل ثغر وننكل [وأراد حبيب أن يتأمر على صاحب الباب كما يتأمر أمير الجيش إذا جاء من الكوفة، فكان ذلك أول [ص 107] خلاف وقع بين أهل الكوفة، وغزا حذيفة ثلاث غزوات، فقتل عثمان في الثالثة، ولقيهم مقتل عثمان. فقال حذيفة بن اليمان: "اللَّهم العن قتلته وشتَّامه، اللَّهم إنا كنا نعاتبه ويعاتبنا فاتخذوا ذلك سلمًا إلى الفتنة، اللَّهم لا تمتهم إلا بالسيوف". [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 25] (سنة 32 هـ/ 653 م): خرجت جموع من الترك من ناحية خراسان في 40.000 عليهم قارن من ملوكهم، فانتهى إلى الطبسين واجتمع له أهل باذغيس وهراة وقهستان، وكان على خراسان يومئذ ابن الهيثم السلمي استخلفه عليها ابن عامر عند خروجه إلى مكة محرمًا، فدوَّخ جهتها، وكان معه ابن عمه عبد اللَّه بن خازم فقال لابن عامر: اكتب لي على خراسان عهدًا إذا خرج منها قيس ففعل. فلما أقبلت جموع الترك قال قيس لابن خازم: ما ترى؟ قال: أرى أن تخرج من البلاد، فإن عهد ابن عامر عندي بولايتها، فترك منازعته وذهب إلى ابن عامر. وقيل: أشار عليه أن يخرج إلى ابن عامر يستمده، فلما خرج أشهر عهد ابن عامر له بالولاية عند مغيب قيس، وسار ابن خازم للقاء الترك في أربعة آلاف، وأمر الناس فحملوا الودك [الودك: الدسم من اللحم، والشحم، وهو ما يتحلّب منهما. [القاموس المحيط، مادة: ودك]. [فلما قرب من قارن أمر الناس أن يربط كل رجل منهم على زج رمحه خرقة، أو قطنًا، ثم يكثروا دهنه، ثم سار حتى أمسى فقدم مقدمته ستمائة، ثم أتبعهم، وأمر الناس فأشعلوا النار في أطراف الرماح، فانتهت مقدمته إلى معسكر قارن نصف الليل، فناوشوهم وهاج الناس على دهش، وكانوا آمنين من البيات، ودنا ابن خازم منهم فرأوا النيران يمنة وميسرة تتقدم وتتأخر، وتنخفض وترتفع، فهالهم ذلك، ومقدمة ابن خازم يقاتلونهم، ثم غشيهم ابن خازم وأكثروا القتل في المشركين، وقتل ملكهم قارن فانهزم المشركون واتبعهم المسلمون يقتلونهم كيف شاءوا وأصابوا سبيًا كثيرًا وكتب ابن خازم بالفتح إلى ابن عامر فرضي وأقره على خراسان. هذه الخدعة الحربية التي ابتدعها ابن خازم بإشعال أطراف الرماح ومداهمة العدو ليلًا هي أول خدعة سمعنا بها في التاريخ الإسلامي، وقد فزع العدو لرؤيتها وهالهم الأمر، وبذلك انتصر المسلمون على الأتراك في هذه الموقعة.
|