فصل: باب الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِي دَارِهِ جَمَاعَةً

مساءً 4 :5
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب هل يقال مسجد بني فلان‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في المسابقة، وفيه قول ابن عمر ‏"‏ إلى مسجد بني زريق ‏"‏ وزريق بتقديم الزاي مصغرا، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا إذ يحتمل أن يكون ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون هذه الإضافة وقعت في زمنه، ويحتمل أن يكون ذلك مما حدث بعده، والأول أظهر والجمهور على الجواز، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبي شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بني فلان ويقول مصلى بني فلان لقوله تعالى ‏(‏وأن المساجد لله‏)‏ ، وجوابه أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك‏.‏

وسيأتي الكلام على فوائد المتن في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها ياء أخيرة ممدودة، والأمد الغاية‏.‏

واللام في قوله ‏"‏ الثنية ‏"‏ للعهد من ثنية الوداع‏.‏

*3*باب الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْقِنْوُ الْعِذْقُ وَالِاثْنَانِ قِنْوَانِ وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ مِثْلَ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ قَالَ لَا قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لَا فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ قَالَ لَا قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لَا فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القسمة‏)‏ أي جوازها، والقنو بكسر القاف وسكون النون فسره في الأصل في روايتنا بالعذق، وهو بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة، وهو العرجون بما فيه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏الاثنان قنوان‏)‏ أي بكسر النون و قوله‏:‏ ‏(‏مثل صنو وصنوان‏)‏ أهمل الثالثة اكتفاء بظهورها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم يعني ابن طهمان‏)‏ كذا في روايتنا وهو صواب، وأهمل في غيرها‏.‏

وقال الإسماعيلي‏:‏ ذكره البخاري عن إبراهيم وهو ابن طهمان فيما أحسب بغير إسناد‏.‏

يعني تعليقا‏.‏

قلت‏:‏ وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان، وقد أخرج البخاري بهذا الإسناد إلى إبراهيم بن طهمان عدة أحاديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد العزيز بن صهيب‏)‏ كذا في روايتنا، وفي غيرها ‏"‏ عن عبد العزيز ‏"‏ غير منسوب، فقال المزي في الأطراف‏:‏ قيل إنه عبد العزيز بن رفيع، وليس بشيء، ولم يذكر البخاري في الباب حديثا في تعليق القنو، فقال ابن بطال‏:‏ أغفله‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ أنسيه‏.‏

وليس كما قالا، بل أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع أن كلا منهما وضع لأخذ المحتاجين منه‏.‏

وأشار بذلك إلى ما رواه النسائي من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول‏:‏ لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا ‏"‏ وليس هو على شرطه وإن كان إسناده قويا، فكيف يقال إنه أغفله‏؟‏ وفي الباب أيضا حديث آخر أخرجه ثابت في الدلائل بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد ‏"‏ يعني للمساكين‏.‏

وفي رواية له ‏"‏ وكان عليها معاذ بن جبل ‏"‏ أي على حفظها أو على قسمتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمال من البحرين‏)‏ روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف، وأنه أرسل به العلاء بن الحضرمي من خراج البحرين، قال‏:‏ وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعند المصنف في المغازي من حديث عمرو بن عوف ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم، فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه ‏"‏ الحديث‏.‏

فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال، لكن في الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي، فلعله كان رفيق أبي عبيدة‏.‏

وأما حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ لو قد جاء مال البحرين أعطيتك ‏"‏ وفيه ‏"‏ فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث، فهو صحيح كما سيأتي عند المصنف، وليس معارضا لما تقدم بل المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال انثروه‏)‏ أي صبوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفاديت عقيلا‏)‏ أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر، و قوله‏:‏ ‏(‏فحثا‏)‏ بمهملة ثم مثلثة مفتوحة، والضمير في ثوبه يعود على العباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقله‏)‏ بضم أوله من الإقلال وهو الرفع والحمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر بعضهم‏)‏ بضم الميم وسكون الراء‏.‏

وفي رواية ‏"‏ اؤمر ‏"‏ بالهمزة، و قوله‏:‏ ‏(‏يرفعه‏)‏ الجزم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع أي فهو يرفعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على كاهله‏)‏ أي بين كتفيه‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏يتبعه‏)‏ بضم أوله من الاتباع، و ‏(‏عجبا‏)‏ بالفتح‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏وثم منها درهم‏)‏ بفتح المثلثة أي هناك‏.‏

وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر، وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها ولا يؤخره، وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الجهاد في باب فداء المشركين حيث ذكره المصنف فيه مختصرا إن شاء الله تعالى‏.‏

وموضع الحاجة منه هنا جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد، ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها مما بني المسجد لأجله، ونحو وضع هذا المال وضع مال زكاة الفطر، ويستفاد منه جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش، ويحتمل التفرقة بين ما يوضع للتفرقة وبين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول، وبالله التوفيق‏.‏

*3*باب مَنْ دَعَا لِطَعَامٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ أَجَابَ فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ ومن أجاب إليه‏"‏‏.‏

أورد فيه حديث أنس مختصرا، وأورد عليه أنه مناسب لأحد شقي الترجمة وهو الثاني، ويجاب بأن قوله ‏"‏ في المسجد ‏"‏ متعلق بقوله ‏"‏ دعا ‏"‏ لا بقوله ‏"‏ طعام ‏"‏ فالمناسبة ظاهرة، والغرض منه أن مثل ذلك من الأمور المباحة ليس من اللغو الذي يمنع في المساجد‏.‏

و ‏"‏ من ‏"‏ في قوله ‏"‏ منه ‏"‏ ابتدائية والضمير يعود على المسجد، وعلى رواية الكشميهني يعود على الطعام، وللكشميهني ‏"‏ قال لمن معه ‏"‏ بدل لمن حوله‏.‏

وفي الحديث جواز الدعاء إلى الطعام وإن لم يكن وليمة، واستدعاء الكثير إلى الطعام القليل، وأن المدعو إذا علم من الداعي أنه لا يكره أن يحضر معه غيره فلا بأس بإحضاره معه‏.‏

وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى حيث أورده المصنف تاما في علامات النبوة‏.‏

‏.‏

*3*باب الْقَضَاءِ وَاللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القضاء واللعان في المسجد‏)‏ هو من عطف الخاص على العام‏.‏

وسقط قوله ‏"‏ بين الرجال والنساء ‏"‏ من رواية المستملي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ ابن موسى ‏"‏ وكذا نسبه ابن السكن، وأخطأ من قال هو ابن جعفر، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بحديث سهل بن سعد المذكور وتسمية من أبهم فيه في كتاب اللعان إن شاء الله تعالى‏.‏

ويأتي ذكر الاختلاف في جواز القضاء في المسجد في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ أَوْ حَيْثُ أُمِرَ وَلَا يَتَجَسَّسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا دخل بيتا‏)‏ أي لغيره ‏(‏يصلي حيث شاء أو حيث أمر‏؟‏‏)‏ قيل مراده الاستفهام، لكن حذفت أداته، أي هل يتوقف على إذن صاحب المنزل أو يكفيه الإذن العام في الدخول‏؟‏ فأو على هذا ليست للشك‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏ولا يتجسس‏)‏ بطناه بالجيم، وقيل إنه روي بالحاء المهملة، وهو متعلق بالشق الثاني قال المهلب‏:‏ دل حديث الباب على إلغاء حكم الشق الأول لاستئذانه صلى الله عليه وسلم صاحب المنزل أين يصلي‏؟‏ وقال المازري‏:‏ معنى قوله ‏"‏ حيث شاء ‏"‏ أي من الموضع الذي أذن له فيه‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ إنما أراد البخاري أن المسألة موضع نظر، فهل يصلي من دعي حيث شاء لأن الإذن في الدخول عام في أجزاء المكان، فأينما جلس أو صلى تناوله الإذن‏؟‏ أو يحتاج إلى أن يستأذن في تعيين مكان صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك‏؟‏ الظاهر الأول‏.‏

وإنما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعي ليتبرك صاحب البيت بمكان صلاته فسأله ليصلي في البقعة التي يحب تخصيصها بذلك‏.‏

وأما من صلى لنفسه فهو على عموم الإذن‏.‏

قلت‏:‏ إلا أن يخص صاحب المنزل ذلك العموم فيختص‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ صرح أبو داود الطيالسي في مسنده بسماع إبراهيم بن سعد له من ابن شهاب قوله‏:‏ ‏(‏عن محمود بن الربيع‏)‏ وللصنف في ‏"‏ باب النوافل جماعة ‏"‏ كما سيأتي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن شهاب قال ‏"‏ أخبرني محمود‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عتبان‏)‏ زاد يعقوب المذكور في روايته قصة محمود في عقله المحبة كما تقدم من وجه آخر في كتاب العلم، وصرح يعقوب أيضا بسماع محمود من عتبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتاه في منزله‏)‏ اختصره المصنف هنا وساقه من رواية يعقوب المذكور تاما كما أورده من طريق عقيل في الباب الآتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أصلي من بيتك‏)‏ كذا للأكثر، وكذا في رواية يعقوب وللمستملي هنا ‏"‏ أن أصلي لك ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ في بيتك ‏"‏‏:‏ وسيأتي الكلام على الحديث في الباب الذي بعده‏.‏

*3*باب الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِي دَارِهِ جَمَاعَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المساجد‏)‏ أي اتخاذ المساجد ‏(‏في البيوت‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصلى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعة‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ في جماعة ‏"‏ وهذا الأثر أورد ابن أبي شيبة معناه في قصة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتْ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ عِتْبَانُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ قَالَ فَآبَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُلْ ذَلِكَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عتبان بن مالك‏)‏ أي الخزرجي السالمي من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، هو بكسر العين ويجوز ضمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه أتى‏)‏ في رواية ثابت عن أنس عن عتبان عند مسلم أنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه ذلك، فيحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازا، ويحتمل أن يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى إما متقاضيا وإما مذكرا‏.‏

وفي الطبراني من طريق أبي أويس عن ابن شهاب بسنده أنه ‏"‏ قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة‏:‏ لو أتيتني يا رسول الله ‏"‏ وفيه أنه أتاه يوم السبت، وظاهره أن مخاطبة عتبان بذلك كانت حقيقية لا مجازا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد أنكرت بصري‏)‏ كذا ذكره جمهور أصحاب ابن شهاب كما للمصنف من طريق إبراهيم ابن سعد ومعمر، ولمسلم من طريق يونس، وللطبراني من طريق الربيدي والأوزاعي، وله من طريق أبي أويس ‏"‏ لما ساء بصري ‏"‏ وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر ‏"‏ جعل بصري يكل ‏"‏ ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت ‏"‏ أصابني في بصري بعض الشيء ‏"‏ وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن أخرجه المصنف في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن ابن شهاب فقال فيه ‏"‏ إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن رواية مالك هذه معارضة لغيره، وليست عندي كذلك، بل قول محمود ‏"‏ إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى ‏"‏ أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث، لا حين سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويبينه قوله في رواية يعقوب ‏"‏ فجئت إلى عتبان وهو شيخ أعمى يؤم قومه‏"‏‏.‏

وأما قوله ‏"‏ وأنا رجل ضرير البصر ‏"‏ أي أصابني فيه ضر كقوله ‏"‏ أنكرت بصري‏"‏‏.‏

ويؤيد هذا الحمل قوله في رواية ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد أيضا ‏"‏ لما أنكرت من بصري ‏"‏ وقوله في رواية مسلم ‏"‏ أصابني في بصري بعض الشيء ‏"‏ فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه، لكن رواية مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت بلفظ ‏"‏ أنه عمي فأرسل ‏"‏ وقد جمع ابن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب ابن شهاب فقال‏:‏ قوله‏.‏

‏"‏ أنكرت بصري ‏"‏ هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء وإن كان يبصر بصرا ما، وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئا‏.‏

انتهى‏.‏

والأولى أن يقال‏:‏ أطلق عليه عمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة، وبهذا تأتلف الروايات‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصلي لقومي‏)‏ أي لأجلهم، والمراد أنه كان يؤمهم، وصرح بذلك أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سال الوادي‏)‏ أي سال الماء في الوادي، فهو من إطلاق المحل على الحال، وللطبراني من طريق الزبيدي ‏"‏ وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيني وبينهم‏)‏ وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي فيحول بيني وبين الصلاة معهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأصلي بهم‏)‏ بالنصب عطفا على ‏"‏ آتي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وددت‏)‏ بكسر الدال الأولى أي تمنيت‏.‏

وحكى القزاز جواز فتح الدال في الماضي والواو في المصدر، والمشهور في المصدر الضم وحكي فيه أيضا الفتح فهو مثلث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتصلي‏)‏ بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني، وكذا قوله‏:‏ ‏(‏فأتخذه‏)‏ بالرفع ويجوز النصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سأفعل إن شاء الله‏)‏ هو هنا للتعليق لا لمحض التبرك، كذا قيل ويجوز أن يكون للتبرك لاحتمال اطلاعه صلى الله عليه وسلم بالوحي على الجزم بأن ذلك سيقع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عتبان‏)‏ ظاهر هذا السياق أن الحديث من أوله إلى هنا من رواية محمود بن الربيع بغير واسطة، ومن هنا إلى آخره من روايته عن عتبان صاحب القصة‏.‏

وقد يقال‏:‏ القدر الأول مرسل لأن محمودا يصغر عن حضور ذلك، لكن وقع التصريح في أوله بالتحديث بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب عند أبي عوانة، وكذا وقع تصريحه بالسماع عند المصنف من طريق معمر ومن طريق إبراهيم بن سعد كما ذكرناه في الباب الماضي، فيحمل قوله ‏"‏ قال عتبان ‏"‏ على أن محمودا أعاد اسم شيخه اهتماما بذلك لطول الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغدا على‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ بالغد‏"‏، وللطبراني من طريق أبي أويس أن السؤال وقع يوم الجمعة، والتوجه إليه وقع يوم السبت كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر‏)‏ لم يذكر جمهور الرواة عن ابن شهاب غيره، حتى أن في رواية الأوزاعي ‏"‏ فاستأذنا فأذنت لهما ‏"‏ لكن في رواية أبي أويس ‏"‏ ومعه أبو بكر وعمر ‏"‏ ولمسلم من طريق أنس عن عتبان ‏"‏ فأتاني ومن شاء الله من أصحابه ‏"‏ وللطبراني من وجه آخر عن أنس ‏"‏ في نفر من أصحابه ‏"‏ فيحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه وحده في ابتداء التوجه ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يجلس حين دخل‏)‏ ، وللكشميهني ‏"‏ حتى دخل ‏"‏ قال عياض‏:‏ زعم بعضهم أنها غلط، وليس كذلك، بل المعنى فلم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى ما جاء بسببه‏.‏

وفي رواية يعقوب عند المصنف وكذا عند الطيالسي ‏"‏ فلما دخل لم يجلس حتى قال أين تحب ‏"‏ وكذا للإسماعيلي من وجه آخر، وهي أبين في المراد، لأن جلوسه إنما وقع بعد صلاته بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة حيث جلس فأكل ثم صلى، لأنه هناك دعي إلى الطعام فبدأ به، وهنا دعي إلى الصلاة فبدأ بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أصلي من بيتك‏)‏ كذا للأكثر والجمهور من رواة الزهري، ووقع عند الكشميهني وحده ‏"‏ في بيتك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحبسناه‏)‏ أي منعناه من الرجوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خزيرة‏)‏ بخاء معجمة مفتوحة بعدها زاي مكسورة ثم ياء تحتانية ثم راء ثم هاء نوع من الأطعمة قال ابن قتيبة‏:‏ تصنع من لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وإن لم يكن فيه لحم فهو عصيدة‏.‏

وكذا ذكر يعقوب نحوه وزاد ‏"‏ من لحم بات ليلة ‏"‏ قال‏:‏ وقيل هي حساء من دقيق فيه دسم، وحكي في الجمهرة نحوه، وحكى الأزهري عن أبي الهيثم أن الخزيرة من النخالة، وكذا حكاه المصنف في كتاب الأطعمة عن النضر بن شميل، قال عياض‏:‏ المراد بالنخالة دقيق لم يغربل‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد هذا التفسير قوله في رواية الأوزاعي عند مسلم ‏"‏ على جشيشة ‏"‏ بجيم ومعجمتين، قال أهل اللغة‏:‏ هي أن تطحن الحنطة قليلا ثم يلقى فيها شحم أو غيره، وفي المطالع‏:‏ أنها رويت في الصحيحين بحاء وراءين مهملات‏.‏

وحكى المصنف في الأطعمة عن النضر أيضا أنها - أي التي بمهملات - تصنع من اللبن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فثاب في البيت رجال‏)‏ بمثلثة وبعد الألف موحدة، أي اجتمعوا بعد أن تفرقوا‏.‏

قال الخليل‏:‏ المثابة مجتمع الناس بعد افتراقهم، ومنه قيل للبيت مثابة‏.‏

وقال صاحب المحكم‏:‏ يقال ثاب إذا رجع وثاب إذا أقبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أهل الدار‏)‏ أي المحلة، كقوله ‏"‏ خير دور الأنصار دار بني النجار ‏"‏ أي محلتهم، والمراد أهلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال قائل منهم‏)‏ لم يسم هذا المبتدئ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مالك بن الدخيشن‏)‏ بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء التحتانية بعدها شين معجمة مكسورة ثم نون قوله‏:‏ ‏(‏أو ابن الدخشن‏)‏ بضم الدال والشين وسكون الخاء بينهما وحكي كسر أوله، والشك فيه من الراوي هل هو مصغر أو مكبر‏.‏

وفي رواية المستملي هنا في الثانية بالميم بدل النون، وعند المصنف في المحاربين من رواية معمر ‏"‏ الدخشن ‏"‏ بالنون مكبرا من غير شك، وكذا لمسلم من طريق يونس، وله من طريق معمر بالشك، ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح أن الصواب ‏"‏ الدخشم ‏"‏ بالميم وهي رواية الطيالسي، وكذا لمسلم من طريق ثابت عن أنس عن عتبان، والطبراني من طريق النضر بن أنس عن أبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم‏)‏ قيل هو عتبان راوي الحديث، قال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ الرجل الذي سار النبي صلى الله عليه وسلم في قتل رجل من المنافقين هو عتبان، والمنافق المشار إليه هو مالك بن الدخشم‏.‏

ثم ساق حديث عتبان المذكور في هذا الباب، وليس فيه دليل على ما ادعاه من أن الذي ساره هو عتبان‏.‏

وأغرب بعض المتأخرين فنقل عن ابن عبد البر أن الذي قال في هذا الحديث ‏"‏ ذلك منافق ‏"‏ هو عتبان أخذا من كلامه هذا، وليس فيه تصريح بذلك‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لم يختلف في شهود مالك بدرا وهو الذي أسر سهيل بن عمرو، ثم ساق بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن تكلم فيه ‏"‏ أليس قد شهد بدرا‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وفي المغازي لابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مالكا هذا ومعن ابن عدي فحرقا مسجد الضرار، فدل على أنه بريء مما اتهم به من النفاق، أو كان قد أقلع عن ذلك، أو النفاق الذي اتهم به ليس نفاق الكفر إنما أنكر الصحابة عليه تودده للمنافقين، ولعل له عذرا في ذلك كما وقع لحاطب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا تراه قد قال لا إله إلا الله‏)‏ وللطيالسي ‏"‏ أما يقول ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ أليس يشهد ‏"‏ وكأنهم فهموا من هذا الاستفهام أن لا جزم بذلك‏.‏

ولولا ذلك لم يقولوا في جوابه ‏"‏ إنه ليقول ذلك وما هو في قلبه ‏"‏ كما وقع عند مسلم من طريق أنس عن عتبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنا نرى وجهه‏)‏ أي توجهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونصيحته إلى المنافقين‏)‏ قال الكرماني‏:‏ يقال نصحت له لا إليه ثم قال‏:‏ قد ضمن معنى الانتهاء، كذا قال، والظاهر أن قوله ‏"‏ إلى المنافقين ‏"‏ متعلق بقوله ‏"‏ وجهه ‏"‏ فهو الذي يتعدى بإلى، وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏)‏ أي بالإسناد الماضي، ووهم من قال إنه معلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم سألت‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ بعد ذلك ‏"‏ والحصين بمهملتين لجميعهم إلا للقابسي فضبطه بالضاد المعجمة وغلطوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سراتهم‏)‏ بفتح المهملة أي خيارهم، وهو جمع سري، قال أبو عبيد‏:‏ هو المرتفع القدر من سرو الرجل يسرو إذا كان رفيع القدر، وأصله من السراة وهو أرفع المواضع من ظهر الدابة، وقيل هو رأسها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصدقه بذلك‏)‏ يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضا من عتبان، ويحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر، وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث‏.‏

وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولا ومختصرا، وقد سمعه من عتبان أيضا أنس بن مالك كما أخرجه مسلم، وسمعه أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان أخرجه الطبراني، وسيأتي في ‏"‏ باب النوافل جماعة ‏"‏ أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان فأنكره لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين، وأحاديث الشفاعة دالة على أن بعضهم يعذب، لكن للعلماء أجوبه عن ذلك‏:‏ منها ما رواه مسلم عن ابن شهاب أنه قال عقب حديث الباب ‏"‏ ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الأمر قد انتهى إليها، فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر ‏"‏ وفي كلامه نظر لأن الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة قطعا، وظاهره يقتضي أن تاركها لا يعذب إذا كان موحدا‏.‏

وقيل المراد أن من قالها مخلصا لا يترك الفرائض لأن الإخلاص يحمل على أداء اللازم‏.‏

وتعقب بمنع الملازمة‏.‏

وقيل المراد تحريم التخليد أو تحريم دخول النار المعدة للكافرين لا الطبقة المعدة للعصاة، وقيل المراد تحريم دخول النار بشرط حصول قبول العمل الصالح والتجاوز عن السيئ والله أعلم‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد‏:‏ إمامة الأعمى، وإخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة ولا يكون من الشكوى، وأنه كان في المدينة مساجد للجماعة سوى مسجده صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو ذلك، واتخاذ موضع معين للصلاة‏.‏

وأما النهي عن إيطان موضع معين من المسجد ففيه حديث رواه أبو داود، وهو محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه‏.‏

وفيه تسوية الصفوف وأن عموم النهي عن إمامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو الإمام الأعظم فلا يكره، وكذا من أذن له صاحب المنزل‏.‏

وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها، ويستفاد منه أن من دعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب إذا أمن الفتنة‏.‏

ويحتمل أن يكون عتبان إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع، وفيه إجابة الفاضل دعوة المفضول، والتبرك بالمشيئة والوفاء بالوعد، واستصحاب الزائر بعض أصحابه إذا علم أن المستدعي لا يكره ذلك، والاستئذان على الداعي في بيته وإن تقدم منه طلب الحضور، وأن اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد، وفيه اجتماع أهل المحلة على الإمام أو العالم إذا ورد منزل بعضهم ليستفيدوا منه ويتبركوا به والتنبيه على من يظن به الفساد في الدين عند الإمام على جهة النصيحة ولا يعد ذلك غيبة، وأن على الإمام أن يتثبت في ذلك ويحمل الأمر فيه على الوجه الجميل، وفيه افتقاد من غاب عن الجماعة بلا عذر، وأنه لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد، وأنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وترجم عليه البخاري غير ترجمة الباب والذي قبله الرخصة في الصلاة في الرحال عند المطر وصلاة النوافل جماعة وسلام المأموم حين يسلم الإمام وأن رد السلام على الإمام لا يجب، وأن الإمام إذا زار قوما أمهم، وشهود عتبان بدرا وأكل الخزيرة، وأن العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى ينجي صاحبه إذا قبله الله تعالى، وأن من نسب من يظهر الإسلام إلى النفاق ونحوه بقرينة تقوم عنده لا يكفر بذلك ولا يفسق بل يعذر بالتأويل‏.‏