الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.(فَصْلٌ) الْقِسْمُ (الثَّالِثُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ): وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَصْلَحَةٍ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ (فَيَكُونُ الْمِلْكُ) فِيمَا يَشْتَرِيَانِ (بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَيَبِيعَانِ ذَلِكَ فَمَا قَسَمَ اللَّهُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَ؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا مَبْنَاهُ عَلَى الْوَكَالَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا أُذِنَ فِيهِ، وَسَوَاءٌ (عَيَّنَا جِنْسَهُ) أَيْ مَا يَشْتَرِيَانِ (أَوْ قَدْرَهُ، أَوْ قِيمَتَهُ، أَوْ لَا)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ. أَمَّا الْوَكَالَةُ الدَّاخِلَةُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ وَشَرِكَةِ الْعَنَانِ فَإِنَّ فِي ضِمْنِهِمَا تَوْكِيلًا وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا (فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَنَا صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَمَا رَبِحَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ وَغَيْرِهَا (وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ كَفِيلٌ عَنْهُ بِالثَّمَنِ)؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ (وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ) أَيْ فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ فَعَلَى مَنْ يَمْلِكُ فِيهِ الثُّلُثَيْنِ: ثُلُثَا الْوَضِيعَةِ. وَعَلَى مَنْ يَمْلِكُ فِيهِ الثُّلُثَ: ثُلُثُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ لِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ بِنُقْصَانٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نُقْصَانِ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمِلَاكِهِ فَوُزِّعَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا (وَهُمَا) أَيْ شَرِيكَا الْوُجُوهِ (فِي التَّصَرُّفِ) بِنَحْوِ بَيْعٍ وَإِقْرَارٍ وَخُصُومَةٍ (كَشَرِيكَيْ الْعَنَانِ فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا) وَفِيمَا يَمْتَنِعُ وَسَائِرِ مَا تَقَدَّمَ. تتمة: إذَا أَقْضَى الْعَامِلُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَيْنَهُ ثُمَّ اتَّجَرَ بِوَجْهِهِ، وَأَعْطَى رَبَّ الْمَالِ نِصْفَ الرِّبْحِ فَنَقْلٌ صَالِحٌ أَمًّا الرَّابِحُ: فَأَرْجُو إذَا كَانَ مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِ. .(فَصْلٌ) الْقِسْمُ الرَّابِعُ (شَرِكَةُ الْأَبَدَانِ): أَحَدُهُمَا (أَنْ يَشْتَرِكَا) أَيْ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ بِأَبْدَانِهِمَا فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ الْعَمَلِ فَهِيَ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ) رَوَى أَبُو طَالِبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقَوْمُ بِأَبْدَانِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ مَالٌ مِثْلَ الصَّيَّادِينَ وَالْبَقَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ «وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ» وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَة بَدْرٍ وَكَانَتْ غَنَائِمُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشَرِّكَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلِهَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَصِحَّتِهَا اتِّفَاقُ الصَّنْعَةِ فَتَصِحُّ. (وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّنَائِعِ) كَاشْتِرَاكِ حَدَّادٍ وَنَجَّارٍ وَخَيَّاطٍ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي مَكْسَبٍ مُبَاحٍ فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَتْ الصَّنَائِعُ (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا وَيُطَالَبَانِ بِهِ، وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ)؛ لِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الشَّرِكَةِ عَلَى الضَّمَانِ فَكَأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ. (وَيَلْزَمُ غَيْرَ الْعَارِفِ مِنْهُمَا) بِذَلِكَ الْعَمَلِ (أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ) فِي الْعَمَلِ، لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ. (وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ صَحَّتْ الشَّرِكَةُ) جَعْلًا لِضَمَانِ الْمُتَقَبِّلِ كَالْمَالِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةُ بِالْأُجْرَةِ) لِعَمَلٍ تَقَبَّلَهُ هُوَ أَوْ صَاحِبُهُ (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُهَا إلَى كُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا) وَيَبْرَأُ (مِنْهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (الدَّافِعُ) بِالدَّفْعِ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْوَكِيلِ عَنْ الْآخَرِ (وَإِنْ تَلِفَتْ) الْأُجْرَةُ (فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِمَا) تَضِيعُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ الْآخَرِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَالْقَبْضِ. (وَمَا يَتْلَفُ) مِنْ الْأَعْيَانِ أَوْ الْأُجْرَةِ (بِتَعَدِّي أَحَدِهِمَا أَوْ تَفْرِيطِهِ أَوْ تَحْتَ يَدِهِ، عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ) كَمَنْعٍ أَوْ جُحُودٍ (فَهُوَ) أَيْ التَّالِفُ (عَلَيْهِ وَحْدَهُ) لِانْفِرَادِهِ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ (وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْأَعْيَانِ (قُبِلَ) إقْرَارُهُ (عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا فِيهَا، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِمَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ، أَوْ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ (وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ وَلَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ. الثَّانِي ذَكَره بِقَوْلِهِ (وَيَصِحُّ) الِاشْتِرَاكُ (فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الِاحْتِشَاشِ، وَالِاصْطِيَادِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ وَاحْتِجَاجِهِ وَ(كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُبَاحَاتِ. (وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (أَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَاهُ،؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا وَبِضَمَانِهِمَا لَهُ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ فَتَكُونُ لَهُمَا وَيَكُونُ الْعَامِلُ مِنْهُمَا عَوْنًا لِصَاحِبِهِ فِي حِصَّتِهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْصُرَ لَهُ ثَوْبًا فَاسْتَعَانَ بِآخَرَ (فَإِنْ طَالَبَهُ) أَيْ الْمَرِيضَ (الصَّحِيحُ بِأَنْ يَعْمَلَ) مَعَهُ (أَوْ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ مِنْ يَعْمَلُ) مَعَهُ (لَزِمَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فَإِذَا تَعَذَّرَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، تَوْفِيَةً لِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ (فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ) أَيْ فَسْخُ الشَّرِكَةِ، بَلْ لَهُ فَسْخُهَا وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ كَمَا سَبَقَ. (فَإِنْ اشْتَرَكَا لِيَحْمِلَا عَلَى دَابَّتَيْهِمَا مَا يَتَقَبَّلَانِ حَمْلَهُ فِي الذِّمَّةِ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقَبُّلَهُمَا الْحَمْلَ أَثْبَتَ الضَّمَانَ فِي ذِمَّتِهِمَا. (وَلَهُمَا أَنْ يَحْمِلَاهُ عَلَى أَيِّ ظَهْرٍ كَانَ) وَالشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ عَلَى الضَّمَانِ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ (وَإِنَّ اشْتَرَكَا فِي أُجْرَةِ عَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) اشْتَرَكَا (فِي أُجْرَةِ أَنْفُسِهِمَا إجَارَةً خَاصَّةً لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِي اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ مَنْفَعَةَ الْمُؤْجِرِ نَفْسِهِ وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُؤَجَّرِ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ إنْسَانٍ فَلَمْ يَتَأَتَّ ضَمَانٌ فَلَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَيْهِ. (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا أُجْرَةُ دَابَّتِهِ، وَ) أُجْرَةُ (نَفْسِهِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ (فَإِنْ أَعَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي التَّحْمِيلِ كَانَ لَهُ) عَلَيْهِ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ قَصَّارَةٍ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا) أَيْ أَنْ يَقْصُرَا مَا يَتَقَبَّلَانِ عَمَلَهُ مِنْ الثِّيَابِ (بِآلَةِ هَذَا فِي بَيْتِ هَذَا وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ عَلَى عَمَلِهِمَا وَالْعَمَلُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ وَالْآلَةُ وَالْبَيْتُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ فَصَارَا كَالدَّابَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَحْمِلَانِ عَلَيْهِمَا مَا يَتَقَبَّلَانِ حَمْلَهُ فِي ذِمَّتِهِمَا (فَإِنْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ) لِنَحْوِ جَهَالَةِ رِبْحٍ (قُسِّمَ الْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ عَمَلِهِمَا، وَ) عَلَى قَدْرِ (أُجْرَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ)؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ قَدْ أُخِذَ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ، فَلَزِمَ تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِ بِالْمُحَاصَّةِ كَمَا لَوْ أَجَّرُوهَا بِأَجْرٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (آلَةٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا بَيْتٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ فَاتَّفَقَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِآلَةٍ أَوْ) عَلَى أَنْ يَعْمَلَا (فِي الْبَيْتِ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا) أَنْصَافًا، أَوْ مُتَفَاضِلَةً (جَازَ) لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا آلَةٌ وَالْآخَرِ بَيْتٌ. (وَإِنْ دَفَعَ) إنْسَانٌ (دَابَّةً إلَى آخَرَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا وَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) مِنْ تَسَاوٍ أَوْ تَفَاضُلٍ (صَحَّ وَهُوَ يُشْبِهُ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا) فِي آخِرِ الْمُضَارَبَةِ. (وَلَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ وَلِآخَرِ رَاوِيَةٌ وَلِثَالِثٍ يَعْمَلُ) بِالرَّاوِيَةِ عَلَى الدَّابَّةِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَهُمْ (أَوْ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ وَلِآخَرَ رَحًى وَالثَّالِثِ دُكَّانٌ وَرَابِعٌ يَعْمَلُ) الطَّحْنَ بِالدَّابَّةِ وَالرَّحَى فِي الدُّكَّانِ، وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَبَيْنَهُمْ (فَفَاسِدَتَانِ)؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ قَبِيلِ الشَّرِكَةِ وَلَا الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا الْعُرُوض وَلَا إجَارَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَفَسَدَتَا. (وَلِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَأْجَرُ لِحَمْلِ الْمَاءِ وَالطَّحْنِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (لِرُفْقَتِهِ أُجْرَةُ آلَتِهِمْ)؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ فَكَانَ لَهُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ (وَقِيَاسُ نَصّهِ) أَيْ الْإِمَامِ فِي الدَّابَّةِ يَدْفَعُهَا إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا وَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا (صِحَّتُهَا) أَيْ مَسْأَلَةِ اشْتَرَاكِ الْأَرْبَعَةِ (وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَالشَّارِحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ. (قَالَ الْمُنَقَّحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ) وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ الْأَرْبَعَة مَا ذُكِرَ) مِنْ الدَّابَّةِ وَالرَّحَى وَالدُّكَّانِ وَالْعَامِلِ (صَحَّ) الْعَقْدُ. (وَ) تَكُونُ (الْأُجْرَةُ) بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ (بِقَدْرِ الْقِيمَةِ) أَيْ تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ الْأَعْيَانِ الْمُؤَجَّرَةِ (كَتَوْزِيعِ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ) الرَّجُلُ (أَرْبَعًا) مِنْ النِّسَاءِ (بِمَهْرٍ وَاحِدٍ) كَمَا يَأْتِي فِي الصَّدَاقِ (وَإِنْ تَقَبَّلَ الْأَرْبَعَةُ) أَيْ صَاحِبُ الدَّابَّةِ، وَصَاحِبُ الرَّحَى، وَصَاحِبُ الدُّكَّانِ وَالْعَامِلُ (الطَّحْنَ فِي ذِمَمِهِمْ) بِأَنْ قَالَ لَهُمْ إنْسَانٌ اسْتَأْجَرْتُكُمْ لِطَحْنِ هَذَا الْقَمْحِ بِمِائَةٍ فَقَبِلُوا (صَحَّ) الْعَقْدُ. (وَ) تَكُونُ (الْأُجْرَةُ) بَيْنَهُمْ (أَرْبَاعًا)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُؤَجَّرٌ لِطَحْنِ رُبْعِهِ بِرُبْعِ الْأُجْرَةِ. (وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (عَلَى رُفْقَتِهِ) الثَّلَاثَةِ (لِ) أَجْلِ (تَفَاوُتِ قَدْرِ الْعَمَلِ) مِنْهُمْ (بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَجْرِ الْمِثْلِ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالرُّبْعِ فَلَوْ كَانَتْ أُجْرَةُ مِثْلِ الدَّابَّةِ أَرْبَعِينَ وَالرَّحَى ثَلَاثِينَ وَالدُّكَّانِ عِشْرِينَ وَعَمَلِ الْعَامِلِ عَشَرَةً فَإِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يَرْجِعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَتِهَا وَهِيَ ثَلَاثُونَ مَعَ رُبْعِ أُجْرَتِهَا الَّذِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَهُوَ عَشَرَةٌ، فَيَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعُونَ. وَيَرْجِعُ رَبُّ الرَّحَى عَلَى الثَّلَاثَةِ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَنِصْفٍ مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ فَيَكْمُلُ لَهُ ثَلَاثُونَ وَيَرْجِعُ رَبُّ الدُّكَّانِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَيَكْمُلُ لَهُ عِشْرُونَ وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ بِسَبْعَةٍ وَنِصْفٍ مَعَ مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنَصْفٌ فَيَكْمُلُ لَهُ عَشَرَةٌ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهِيَ الْقَدْرُ الَّذِي اُسْتُؤْجِرُوا بِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِالرُّبْعِ الرَّابِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمْ قَدْ لَزِمَهُ رُبْعُ الطَّحِينِ بِمُقْتَضَى الْإِجَارَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَزِمَهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ تَوَلَّى أَحَدُهُمَا الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا لَهُ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدِ مِنْ رُفْقَتِهِ أُجْرَةُ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ. (وَإِنْ قَالَ) إنْسَانٌ لِآخَرَ (أَجِّرْ عَبْدِي أَوْ) أَجِّرْ (دَابَّتِي وَأُجْرَتُهُ بَيْنَنَا) فَفَعَلَ (فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِرَبِّهِ) أَيْ الْعَبْدِ أَوْ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِهِ (وَ لِلْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. (وَتَصِحُّ شَرِكَةُ شُهُودٍ قَالَهُ الشَّيْخُ) وَقَالَ أَيْضًا إنْ اشْتَرَكُوا عَلَى أَنَّ مَا حَصَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ، بِحَيْثُ إذَا كَتَبَ أَحَدُهُمْ وَشَهِدَ شَارَكَهُ الْآخَرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَهِيَ شَرِكَةُ الْأَبَدَانِ، تَجُوزُ حَيْثُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ وَأَمَّا حَيْثُ لَا تَجُوزُ فَفِيهِ وَجْهَانِ، كَشَرِكَةِ الدَّلَّالِينَ انْتَهَى قُلْتُ فَمُقْتَضَى هَذَا لَا تَصِحُّ كَمَا لَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ. وَقَالَ الشَّيْخُ (وَلِلشَّاهِدِ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ إنْ كَانَ) الْجُعْلُ (عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْجُعْلُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِعَيْنِهِ انْتَهَى وَمُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ) فِي شَرِكَةٍ وَجَعَالَةٍ وَإِجَارَةٍ (التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ)؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدٍ، فَيَسْتَحِقُّ الْفَضْلَ. (وَلَوْ عَمِلَ وَاحِدٌ) مِنْهُمْ (أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ) بِالزِّيَادَةِ (طَالَبَ بِالزِّيَادَةِ) لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي. (وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ دَلَّالِينَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَالضَّمَانِ، وَلَا وَكَالَةَ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا) لِلْآخَرِ (عَلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَلَا ضَمَانَ، فَإِنَّهُ لَا دَيْنَ يَصِيرُ بِذَلِكَ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا تَقَبُّلِ عَمَلٍ فَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ (كَأَجِّرْ دَابَّتَكَ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا) فَلَا تَصِحُّ (وَهَذَا فِي الدَّلَالَةِ الَّتِي فِيهَا عَقْدٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ) الْمَذْكُورُ. (قَالَ الشَّيْخُ فَأُمًّا مُجَرَّدُ النِّدَاءِ وَالْعَرْضِ) أَيْ: عَرْضِ الْمَتَاعِ لِلْبَيْعِ (وَإِحْضَارِ الزُّبُونِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ وَقَالَ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ الْمَنْعُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ فِي شَرِكَةِ الْأَبَدَانِ، وَالْوُجُوهِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَنَحْوِهِمَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَنَحْوِهَا، أَيْ نَحْوِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ (مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ انْتَهَى)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا وَحَرَجًا وَالِاخْتِلَافُ رَحْمَةٌ. (وَإِنْ جَمَعَا) أَيْ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (بَيْنَ شَرِكَةِ عَنَانٍ وَأَبْدَانٍ، وَوُجُوهٍ وَمُضَارَبَةٍ صَحَّ)؛ لِأَنَّ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَصِحُّ مُفْرَدَةً فَصَحَّتْ مُجْتَمِعَةً قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَكَمَا لَوْ ضُمَّ مَاءٌ طَهُورٌ إلَى مِثْلِهِ. .فَصْلٌ: (الْخَامِسُ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ): .(أَحَدُهُمَا أَنْ يُدْخِلَا فِيهَا الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ): (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (رِبْحُ مَالِهِ وَ) لَهُ (أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَ) كَذَا (مَا يَسْتَفِيدُهُ لَهُ) وَحْدَهُ (وَيَخْتَصُّ بِضَمَانِ مَا غَضَبَهُ أَوْ جَنَاهُ، أَوْ ضَمِنَهُ عَنْ الْغَيْرِ) لِفَسَادِ الشَّرِكَةِ وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. .الْقِسْمُ (الثَّانِي) مِنْ قِسْمَيْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: .(بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُنَاصَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ): (وَالْمُزَارَعَةُ) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَتُسَمَّى مُخَابَرَةً مِنْ الْخَبَارِ بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ وَمُؤَاكَرَةً، وَالْعَامِلُ فِيهَا خَبِيرٌ وَمُؤَاكِرٌ (دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ، أَوْ) دَفْعُ حَبٍّ (مَزْرُوعٍ) يُنَمَّى بِالْعَمَلِ (لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمُتَحَصَّلِ) وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا رَوَى ابْن عُمَرَ قَالَ «عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ ثُمَّ أَهْلُوهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُعْطُونَ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ وَهَذَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا شَجَرَ لَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ إلَى الثَّمَرِ؛ وَأَهْلُ الشَّجَرِ يَحْتَاجُونَ إلَى الْعَمَلِ فَفِي تَجْوِيزِهَا دَفْعٌ لِلْحَاجَتَيْنِ، وَتَحْصِيلٌ لِمَنْفَعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَجَازَ كَالْمُضَارَبَةِ. (وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ عَاقِدَيْهِمَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ (جَائِزَيْ التَّصَرُّفِ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ لَهَا ذَلِكَ كَالْبَيْعِ (فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَخْلًا وَلَا كَرْمًا لِمَا تَقَدَّمَ لَا يُقَالُ: ابْنُ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ عَمَّا رَوَى، لِقَوْلِهِ «كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ»؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رَافِعٍ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُعَامِلُ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ. فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ «كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا تُسَمَّى لِسَيِّدِ الْأَرْض فَرُبَّمَا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ وَرُبَّمَا تُصَابُ الْأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ فَنُهِينَا فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ» وَرَوَى تَفْسِيرَهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ غَيْرِ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ أَيْضًا قَالَ الْإِمَامُ: رَافِعٌ يُرْوَى عَنْهُ فِي هَذَا ضُرُوبٌ كَأَنَّهُ يُرِيدُ: أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يُوهِنُ حَدِيثَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ، كَالصَّفْصَافِ، وَالسَّرْوِ، وَالْوَرْدِ وَنَحْوِهَا،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ إنَّمَا تَكُونُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ وَهَذَا لَا ثَمَرَةَ لَهُ. (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ (تَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (عَلَى مَالَهُ وَرَقٌ يُقْصَدُ، كَتُوتٍ، أَوْ لَهُ زَهْرٌ يُقْصَدُ كَوَرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَيَاسَمِينٍ، إجْرَاءً لِلْوَرَقِ وَالزَّهْرِ مَجْرَى الثَّمَرَةِ (وَعَلَى قِيَاسِهِ) أَيْ قِيَاسِ مَالَهُ وَرَقٌ أَوْ زَهْرٌ يُقْصَدُ (شَجَرٌ لَهُ خَشَبٌ كَحَوَرٍ وَصَفْصَافٍ) لَكِنْ صَرَّحَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي الصَّنَوْبَرِ وَالْحَوَرِ وَالصَّفْصَافِ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ، مَعَ أَنَّ خَشَبَهُ مَقْصُودٌ أَيْضًا فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى كَلَامِهِمَا مَا صَرَّحَا بِنَفْيِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْقَصْدُ مِنْهُ إلْزَامُهُمَا الْحُجَّةَ، أَيْ هَذَا لَازِمٌ لَكُمْ مَعَ أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ وَقَوْلُهُ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ (أَوْ) مِنْ. (وَرَقِهِ وَنَحْوِهِ) كَزَهْرِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ (بِجُعْلٍ) أَيْ يُسَمَّى ذَلِكَ الْجُزْءُ (لِلْعَامِلِ) أَوْ لِرَبِّ الشَّجَرِ، فَيَكُونُ مَا عَدَاهُ لِلْعَامِلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ. (وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمَلُهُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ كَالْقُطْنِ) الَّذِي يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَ) ك (الْمَقَاثِي) مِنْ نَحْوِ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ. (وَ) ك (الْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِ) لَمْ تَصِحَّ،؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَجَرٍ وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ (أَوْ) سَاقَاهُ (عَلَى شَجَرٍ لَا ثَمَرَ لَهُ، كَالْحَوَرِ وَالصَّفْصَافِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَوَّلِ) كَمَا تَقَدَّمَ. (وَتَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (بِلَفْظِ مُسَاقَاةٍ) مُسَاقَاةٍ لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا (وَ) بِلَفْظِ (مُعَامَلَةٍ وَمُفَالَجَةٍ، وَاعْمَلْ بُسْتَانِي هَذَا حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ وَبِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهَا)؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى، فَإِذَا دَلَّ عَلَيْهِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ صَحَّ كَالْبَيْعِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْوَكَالَةِ (صِفَةُ الْقَبُولِ) وَأَنَّهُ يَصِحُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَشُرُوعُهُ فِي الْعَمَلِ قَبُولٌ (وَتَصِحُّ هِيَ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ بِلَفْظِ إجَارَةٍ (وَ) تَصِحُّ (مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ إجَارَةٍ) فَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ لِي فِي هَذَا الْحَائِطِ بِنِصْفِ ثَمَرَتِهِ أَوْ زَرْعِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى وَقَدْ وَجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ. (وَتَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ) مَعْلُومَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً (بِنَقْدٍ) مَعْلُومٍ (وَ) بِ (عُرُوضٍ) مَعْلُومَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَ) تَصِحُّ إجَارَتُهَا أَيْضًا (بِجُزْءِ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ) كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ (مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا) سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، أَوْ غَيْرِهِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَهُوَ إجَارَةٌ حَقِيقَةً كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِنَقْدٍ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ: هِيَ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ مَجَازًا (فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (فِي إجَارَةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهَا إجَارَةٌ أَوْ مُزَارَعَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَارِحُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُ (نَظَرَ إلَى مُعَدَّلِ الْمَغْلِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ إلَى الْمَغْلِ الْمُعَدَّلِ أَيْ الْمُوَازِنِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَوْ زُرِعَتْ (فَيَجِبُ الْقِسْطُ الْمُسَمَّى فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. (وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ مِنْهَا) كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا لِيَزْرَعَهَا بُرًّا بِقَفِيزٍ بُرٍّ فَإِنْ قَالَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَسَدَتْ صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ. (وَ) تَصِحُّ إجَارَتُهَا أَيْضًا بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ الْخَارِجِ مِنْهَا بِأَنْ أَجَّرَهَا بِشَعِيرٍ لِمَنْ يَزْرَعُهَا بُرًّا (وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى) شَجَرٍ لَهُ (ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ لَمْ تَكْمُلْ) تُنَمَّى بِالْعَمَلِ. (وَ) تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ (عَلَى زَرْعٍ نَابِتٍ يُنَمَّى بِالْعَمَلِ)؛ لِأَنَّهَا إذَا جَازَتْ فِي الْمَعْدُومِ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ فَفِي الْمَوْجُودِ مَعَ قِلَّةِ الْغَرَرِ أَوْلَى (فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا نُرِيدُ بِهِ الثَّمَرَةَ) أَوْ الزَّرْعَ (كَالْجُذَاذِ وَنَحْوِهِ) كَالْحَصَادِ (لَمْ يَصِحَّ) عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ وَلَا الْمُزَارَعَةِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدْيِ نَخْلٍ) أَيْ صِغَارِهِ (أَوْ) سَاقَاهُ عَلَى (صِغَارِ شَجَرٍ إلَى مُدَّةٍ يُحْمَلُ فِيهَا غَالِبًا بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ يَكْثُرُ وَنَصِيبُهُ يَقِلُّ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَمَا لَوْ جُعِلَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ. (وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ) مُشَاعٍ (مَعْلُومٍ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ مِنْ الشَّجَرِ، أَوْ مِنْهُمَا وَهِيَ الْمُغَارَسَةُ وَالْمُنَاصَبَةُ صَحَّ) الْعَقْدُ نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خَيْبَرَ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ وَعِوَضَهُ مَعْلُومَانِ فَصَحَّتْ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ مَوْجُودٍ (إنْ كَانَ الْغَرْسُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ) يَعْنِي الْأَرْضَ كَالْمُزَارَعَةِ (قَالَ الشَّيْخُ وَلَوْ كَانَ) الْمُغَارِسُ (نَاظِرَ وَقْفٍ وَ) قَالَ (إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ) مِنْ الشَّجَرِ (بِلَا حَاجَةٍ انْتَهَى) وَمُرَادُهُ بِالْحَاجَةِ: مَا يَجُوزُ مَعَهُ بَيْعُ الْوَقْفِ وَيَأْتِي مُفَصَّلًا (فَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ مِنْ الْعَامِلِ فَصَاحِبُ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَلْعِهِ وَيَضْمَنُ لَهُ نَقْصَهُ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ فِي أَرْضِهِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (قِيمَتَهُ) أَيْ الْغِرَاسِ (كَالْمُشْتَرِي إذَا غَرَسَ فِي الْأَرْضِ) الَّتِي اشْتَرَاهَا (ثُمَّ أَخَذَهُ) أَيْ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ (الشَّفِيعُ) بِالشُّفْعَةِ كَمَا يَأْتِي. (وَإِنْ اخْتَارَ الْعَامِلُ قَلْعَ شَجَرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ بَذْلَ لَهُ) صَاحِبِ الْأَرْضِ (الْقِيمَةُ أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَمْ يَمْنَعْ تَحْوِيلَهُ (وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلُ (عَلَى إبْقَائِهِ) أَيْ الْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ (وَدَفْعِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ جَازَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (وَقِيلَ: يَصِحُّ كَوْنُ الْغِرَاسِ مِنْ مُسَاقٍ وَمُنَاصِبٍ قَالَ الْمُنَقَّحُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ). وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَنَظَمَهَا قُلْتُ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا انْتَهَى. (وَلَوْ دَفْعَ أَرْضَهُ) لِمَنْ يَغْرِسُهَا عَلَى (أَنَّ الْأَرْضَ وَالْغِرَاسَ بَيْنَهُمَا فَسَدَ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْأَصْلِ (كَمَا لَوْ دَفْعَ إلَيْهِ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ) مُسَاقَاةً (لِيَكُونَ فِي الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، أَوْ شَرَطَا فِي الْمُزَارَعَةِ كَوْنَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ بَيْنَهُمَا) فَلَا يَصِحَّانِ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا الْمُضَارَبَةُ. (وَلَوْ عَمِلَا فِي شَجَرٍ لَهُمَا وَهُوَ) أَيْ الشَّجَرُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَشَرَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (التَّفَاضُلَ فِي الثَّمَرَةِ) بِأَنْ قَالَا: عَلَى أَنَّ لَك الثُّلُثَ وَلِيَ الثُّلُثَيْنِ (صَحَّ)؛ لِأَنَّ مَنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثَانِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ وَأَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ (وَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ: تَقْدِيرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ بِجُزْءٍ) مُشَاعِ (مِنْ الثَّمَرَةِ، كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ) وَالْخُمْسِ، لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» (فَلَوْ جَعَلَ) رَبُّ شَجَرٍ (لِلْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ) جَازَ (أَوْ) جَعْلَ رَبُّ الشَّجَرِ (الْجُزْءَ) مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ (لِنَفْسِهِ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ جَازَ) مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (مَا لَمْ يَكُنْ) شَرَطَهُمَا لِرَبِّ الشَّجَرِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ (حِيلَةً) عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فَلَا يَصِحُّ (وَيَأْتِي قَرِيبًا) مُوَضَّحًا. (وَلَوْ جَعَلَ) رَبُّ الشَّجَرِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (آصُعًا مَعْلُومَةً) كَعَشَرَةٍ لَمْ تَصِحَّ،؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ إلَّا ذَلِكَ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ (أَوْ) جَعَلَ لَهُ (دَرَاهِمَ) وَلَوْ مَعْلُومَةً لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّمَاءِ مَا يُسَاوِي تِلْكَ الدَّرَاهِمَ (أَوْ جَعَلَهَا) أَيْ الْآصُعَ الْمَعْلُومَةَ أَوْ الدَّرَاهِمَ (مَعَ الْجُزْءِ) الْمُشَاعِ (الْمَعْلُومِ) بِأَنْ سَاقَاهُ عَلَى الثُّلُثِ وَخَمْسَةِ آصُعٍ أَوْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ (فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا (وَكَذَلِكَ) تَفْسُدُ (إنْ شَرَطَ) رَبُّ الشَّجَرِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (ثَمَرَ شَجَرٍ بِعَيْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْمِلُ غَيْرَهُ أَوْ لَا يَحْمِلُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ وَالْغَرَرُ. (فَإِنْ جَعَلَ) رَبُّ الشَّجَرِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (ثَمَرَةَ سَنَةٍ غَيْرَ السَّنَةِ الَّتِي سَاقَاهُ عَلَيْهَا) أَيْ الثَّمَرَةِ (فِيهَا) أَيْ السَّنَةِ، بِأَنْ سَاقَاهُ عَلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَةِ سَنَةِ خَمْسٍ لَمْ تَصِحَّ (أَوْ) جَعَلَ لَهُ (ثَمَرَةَ شَجَرٍ غَيْرِ الشَّجَرِ الَّذِي سَاقَاهُ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ الشَّرْقِيِّ بِرُبْعِ ثَمَرِ الْغَرْبِيِّ لَمْ تَصِحَّ (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ (عَمَلًا فِي غَيْرِ الشَّجَرِ الَّذِي سَاقَاهُ عَلَيْهِ) بِأَنْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ بِنِصْفِ ثَمَرِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِي بُسْتَانٍ آخَرَ (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ (عَمَلًا فِي غَيْرِ السَّنَةِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ سَنَةً بِنِصْفِ ثَمَرِهِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فِيهِ السَّنَة الْآتِيَةَ (فَسَدَ الْعَقْدُ)؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمُسَاقَاةِ إذْ مَوْضُوعُهَا أَنَّهُ الْعَمَلُ فِي شَجَرٍ مُعِينِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِيهِ الْعَمَلَ (سَوَاءٌ جَعَلَ ذَلِكَ) الثَّمَرَ (كُلَّهُ حَقَّهُ) أَيْ الْعَامِلِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ (أَوْ) جَعَلَهُ (بَعْضَهُ) بِأَنْ سُمِّيَ لَهُ النِّصْفَ أَوْ نَحْوَهُ (أَوْ) شَرَطَ (جَمِيعَ الْعَمَلِ) عَلَى الْعَامِلِ (أَوْ بَعْضَهُ) بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ نِصْفَ السَّنَةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (وَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أَجْنَاسٍ، كَتِينٍ وَزَيْتُونٍ وَكَرْمٍ فَشَرَطَ) رَبُّ الْبُسْتَانِ (لِلْعَامِلِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ) مِنْ الشَّجَرِ (قَدْرًا) مَعْلُومًا (كَنِصْفِ ثَمَرِ التِّينِ وَثُلُثِ) ثَمَرِ (الزَّيْتُونِ وَرُبْعِ) ثَمَرِ (الْكَرْمِ) صَحَّ (أَوْ كَانَ فِيهِ) أَيْ الْبُسْتَانِ (أَنْوَاعٌ مِنْ جِنْسٍ فَشَرَطَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا) مَعْلُومًا كَنِصْفِ الْبَرْنِيِّ، وَثُلُثِ الصَّيْحَانِيِّ، وَرُبْعِ الْإِبْرَاهِيمِيِّ. (وَهُمَا) أَيْ رَبُّ الْبُسْتَانِ وَالْعَامِلُ (يَعْرِفَانِ قَدْرَ كُلِّ نَوْعٍ صَحَّ) الْعَقْدُ عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ثَلَاثَةِ بَسَاتِينَ، سَاقَاهُ عَلَى كُلِّ بُسْتَانٍ بِقَدْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ هَذَا بِالثُّلُثِ وَنِصْفُهُ هَذَا بِالرُّبْعِ، وَهُمَا مُتَمَيِّزَانِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا كَبُسْتَانَيْنِ (وَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ لِاثْنَيْنِ فَسَاقَيَا عَامِلًا وَاحِدًا، عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَثُلُثَ نَصِيبِ الْآخَرِ وَالْعَامِلُ عَالِمٌ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) مِنْ الْبُسْتَانِ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بُسْتَانَيْنِ سَاقَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مُخَالِفٍ لِلْآخَرِ. (وَكَذَا إنْ جَهِلَ) الْعَامِلُ (مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) مِنْ الْبُسْتَانِ (إذَا شَرَطَا قَدْرًا وَاحِدًا) كَأَنْ يَقُولَا اعْمَلْ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَالِغًا مَا بَلَغَ (كَمَا لَوْ قَالَا: بِعْنَاكَ دَارَنَا هَذِهِ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْمُشْتَرِي (نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا مِنْهُمَا وَهُمَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. (وَلَوْ سَاقَى وَاحِدٌ) عَلَى بُسْتَانٍ لَهُ (اثْنَيْنِ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي النَّصِيبِ) بِأَنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمَا السُّدُسَ وَلِلثَّانِي الثُّلُثَ صَحَّ (أَوْ سَاقَاهُ) أَيْ سَاقَى وَاحِدًا (عَلَى بُسْتَانِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى النِّصْفَ، وَفِي) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ الثُّلُثَ، وَفِي) السَّنَةِ (الثَّالِثَةِ الرُّبْعَ صَحَّ)؛ لِأَنَّ قَدْرَ الَّذِي لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَعْلُومٌ فَصَحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا. (وَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ إلَّا عَلَى شَجَرٍ مَعْلُومٍ) لِلْمَالِكِ وَالْعَامِلِ (بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الصِّفَةِ الَّتِي لَا يَخْتَلِفُ) الشَّجَرُ (مَعَهَا كَالْبَيْعِ) هَكَذَا فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا وَالْمُرَادُ كَمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْوَصْفِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (فَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ لَمْ تَصِحَّ) الْمُسَاقَاةُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ. (وَتَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (عَلَى الْبَعْلِ) الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ (كَالسَّقْيِ) الَّذِي يَحْتَاجُ لِسَقْيٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي ذَلِكَ، كَدُعَائِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي غَيْرِهِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُزَارَعَةِ.
|