الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ (مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ) أَيْ بِسَبَبِ إفْلَاسِهِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ عِنْدَهُ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ (فَلَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ} وَكَوْنُ الثَّمَنِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ الرَّاوِي: فِيهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ شَكٌّ مِنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بَلْ يَفْسَخُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِ الْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ بِنَقْضِهِ وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ التَّصَرُّفُ بِالْغِبْطَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا أَوْ وَلِيًّا، وَالْغِبْطَةُ فِي الْفَسْخِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. أَمَّا مَنْ أَفْلَسَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ فَلَا رُجُوعَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا امْتِنَاعَ الْفَسْخِ بِالْبَيْعِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْحَجْرِ: أَيْ لِغَيْرِ الْجَاهِلِ كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ الْمُرَادُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ. وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ. أَمَّا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ: وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ قَدْ يُوهِمُ مَنْعَ اسْتِرْدَادِ بَعْضِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْغُرَمَاءِ كَمَا يَرْجِعُ الْوَالِدُ فِي بَعْضِ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ وَمِلْكُ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ، وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعَ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ ضَرَرٌ بِالتَّشْقِيصِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ) أَيْ الْفَسْخِ (عَلَى الْفَوْرِ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَالثَّانِي: كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِحُصُولِ الضَّرَرِ هُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ كَانَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا يَخْفَى عَلَى غَالِبِ النَّاسِ بِخِلَافِ ذَلِكَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ) لِلْأَمَةِ (وَالْإِعْتَاقِ) لِلرَّقِيقِ (وَالْبَيْعِ) وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتَلْغُو هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهَا فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وَالثَّانِي: يَحْصُلُ كَالْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَمَّ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ فَجَازَ الْفَسْخُ بِمَا ذَكَرَ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا نَوَى بِالْوَطْءِ الْفَسْخَ. وَقُلْنَا هَذَا الْفَسْخُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَاكِمٍ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ بِهِ قَطْعًا وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ بِفَسَخْت الْبَيْعَ وَنَقَضْته وَرَفَعْته، وَكَذَا بِقَوْلِهِ رَدَدْت الثَّمَنَ أَوْ فَسَخْت الْبَيْعَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ.
المتن: وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَلَهُ شُرُوطٌ: مِنْهَا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا، وَأَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِالْإِفْلَاسِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَهُ الرُّجُوعُ) فِي عَيْنِ مَالِهِ بِالْفَسْخِ (فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ) الَّتِي (كَالْبَيْعِ) وَهِيَ الْمَحْضَةُ كَالْإِجَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالسَّلَمِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَإِذَا أَجَّرَهُ دَارًا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى حُجِرَ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الدَّارِ بِالْفَسْخِ تَنْزِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ سَلَمَهُ دَرَاهِمَ قَرْضًا أَوْ رَأْسَ مَالٍ سَلَمٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَحَلَّ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَالدَّرَاهِمُ بَاقِيَةٌ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْفَسْخِ، وَخَرَجَ بِالْمُعَارَضَةِ غَيْرُهَا كَالْهِبَةِ، وَبِالْمَحْضَةِ غَيْرُهَا كَالنِّكَاحِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ فِي الْبَقِيَّةِ. وَأَمَّا فَسْخُ الزَّوْجَةِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْحَجْرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلرُّجُوعِ فِي الْبَيْعِ (شُرُوطٌ: مِنْهَا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا) عِنْدَ الرُّجُوعِ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعٌ حَالَ وُجُودِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُسْتَحَقُّ فِيهَا أُجْرَةُ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ مُضِيِّهِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْفَسْخُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لِعَدَمِ الْحُلُولِ وَلَا بَعْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ. نَعَمْ لَوْ أَجَّرَ شَيْئًا بِأُجْرَةٍ بَعْضُهَا حَالٌّ وَبَعْضُهَا مُؤَجَّلٌ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُفْسَخُ فِي الْحَالِّ بِالْقِسْطِ.
تَنْبِيهٌ: يَنْدَرِجُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِالْحَالِّ، وَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ وَحَلَّ قَبْلَ الْحَجْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمَا لَوْ حَلَّ بَعْدَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْوَجِيزِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْكَبِيرِ (وَ) مِنْهَا (أَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ) أَيْ الثَّمَنِ (بِالْإِفْلَاسِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (فَلَوْ) انْتَفَى الْإِفْلَاسُ وَ (امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ) عَطْفٌ عَلَى امْتَنَعَ أَوْ مَاتَ مَلِيئًا وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ مِنْ التَّسْلِيمِ (فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ مُمْكِنٌ. فَإِنْ فُرِضَ عَجْزٌ فَنَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَالثَّانِي: يَثْبُتُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ حَالًا وَتَوَقُّعِهِ مَآلًا فَأَشْبَهَ الْمُفْلِسَ، وَاحْتَرَزَ أَيْضًا بِالْإِفْلَاسِ عَمَّا إذَا تَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِانْقِطَاعِ جِنْسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي فَوَاتِ الْمَبِيعِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ إتْلَافَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْتَضِيَ التَّخْيِيرَ، وَإِذَا جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ عَيْنِهِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَى جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَلِفَوَاتِ الْجِنْسِ أَوْلَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ هَهُنَا قَوِيٌّ إذْ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ فَبَعْدَ الْفَسْخِ، وَهُنَاكَ الْمِلْكُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ، وَأَنَّهُ فَاتَ بِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَاغَ الْفَسْخُ، بَلْ فِيهَا قَوْلٌ إنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ.
المتن: وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالثَّمَنِ ضَامِنٌ مُقِرٌّ مَلِيءٌ لَمْ يَرْجِعْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ بِلَا إذْنٍ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ مِنْ الضَّامِنِ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعَذُّرُ بِالْإِفْلَاسِ، فَلَوْ كَانَ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ مُعْسِرًا رَجَعَ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ بِالْإِفْلَاسِ، وَكَذَا لَا يَرْجِعُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلَوْ مُسْتَعَارًا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ مَا بَقِيَ لَهُ (وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ) أَيْ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ أَوْ قَالَ وَارِثُهُ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ (لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ) لِمَا فِي التَّقْدِيمِ مِنْ الْمِنَّةِ وَخَوْفِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ.
المتن: وَكَوْنُ الْمَبِيعِ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ فَاتَ أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ فَلَا رُجُوعَ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ خُذْ أُجْرَتَك وَدَعْنَا نَكُنْ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْبَائِعِ إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا التَّنْبِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهْمٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ مِنْ الشَّرْحِ وَهُوَ فِي غَيْرِهَا عَلَى الصَّوَابِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَدَّمُوهُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ، فَإِنْ قَدَّمُوهُ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ فَلَهُ الْفَسْخُ قَطْعًا، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَقَالَ الْوَارِثُ: لَا تَفْسَخْ وَأُقَدِّمُك مِنْ التَّرِكَةِ فَكَالْغُرَمَاءِ أَوْ مِنْ مَالِي فَوَجْهَانِ، وَالْأَقْرَبُ إجَابَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَالُ الْمُورِثِ فَأَشْبَهَ فَكَّ الْمَرْهُونِ؛ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمُورِثِ فَلَهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِالثَّمَنِ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ أَجْنَبِيٌّ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ وَإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَإِنْ أَجَابَ الْمُتَبَرِّعُ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ فِيهِ لَكِنْ ضِمْنًا، وَحُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا دَخَلَ مِلْكُهُ أَصَالَةً. أَمَّا لَوْ أَجَابَ غَيْرُ الْمُتَبَرِّعِ فَلِلَّذِي ظَهَرَ أَنْ يُزَاحِمَهُ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً لَمْ يَرْجِعْ فِيمَا يُقَابِلُ مَا زُوحِمَ بِهِ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ أَخَّرَ حَقَّ الرُّجُوعِ مَعَ احْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ يُزَاحِمُهُ (وَ) مِنْهَا (كَوْنُ الْمَبِيعِ) أَوْ نَحْوِهِ (بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَلَوْ فَاتَ) مِلْكُهُ عَنْهُ حِسًّا كَالْمَوْتِ أَوْ حُكْمًا كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ) أَوْ الْأَمَةَ كِتَابَةً صَحِيحَةً (فَلَا رُجُوعَ) لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فِي الْفَوَاتِ، وَفِي الْكِتَابَةِ هُوَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ كَانَ ثَابِتًا حِينَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا حِينَ تَصَرَّفَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِفْلَاسِ وَالْحَجْرِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ عَادَ لَا رُجُوعَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَمَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الرُّجُوعَ، وَأَشْعَرَ بِرُجْحَانِهِ كَلَامُ الْكَبِيرِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ الْمِلْكُ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُوَفِّ الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ الثَّانِي فَهَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِ حَقِّهِ أَوْ الثَّانِي لِقُرْبِ حَقِّهِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ وَيُضَارِبُ كُلٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ رَجَّحَ مِنْهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِيَ، وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُمَا، وَالِاسْتِيلَادُ كَالْكِتَابَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاقِلِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الِاسْتِيلَادِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْمَبِيعِ حَقٌّ لَازِمٌ: كَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا مُعَلَّقًا بِالرَّقَبَةِ، فَلَوْ زَالَ التَّعَلُّقُ جَازَ الرُّجُوعُ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك حَقَّك وَآخُذُ عَيْنَ مَالِي فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ طَرْدُهُمَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ أَوْ بَاعَهُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْمُشْتَرِي. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ لِوَلَدِهِ وَأَقْبَضَهُ لَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْوَاهِبِ لَهُ. قَالَ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَا وَحُجِرَ عَلَيْهِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَلَا بُعْدَ فِي الْتِزَامِهِ ا هـ. هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الْقَرْضِ وَلَا فِي الْهِبَةِ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ.
المتن: وَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ.
الشَّرْحُ: وَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَكَذَا لَا رُجُوعَ لَوْ كَانَ الْعِوَضُ صَيْدًا فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِتَمَلُّكِهِ حِينَئِذٍ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّصْحِيحِ لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ مُحْرِمًا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ قِيَاسُ الْفِقْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ كَافِرٌ رَجَعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مِنْ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ا هـ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِقُرْبِ زَوَالِ الْمَانِعِ فِي تِلْكَ بِخِلَافِ هَذِهِ، وَبِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ وَلَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ قَطْعًا، بِخِلَافِ الصَّيْدِ مَعَ الْمُحْرِمِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرُّجُوعِ (وَلَا يَمْنَعُ) الرُّجُوعُ (التَّزْوِيجَ) وَلَا التَّدْبِيرَ وَلَا تَعْلِيقَ الْعِتْقِ وَلَا الْإِجَارَةَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجَّرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَيَأْخُذُهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ إنْ شَاءَ، وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا يُفْهِمُهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ شُرُوطَ الرُّجُوعِ تِسْعَةٌ: الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ كَالْبَيْعِ. الثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ عَقِبَ الْعِلْمِ بِالْحَجْرِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ بِقَوْلِهِ: فَسَخْت الْبَيْعَ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ شَيْئًا مِنْهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ الْبَاقِيَ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ لِأَجْلِ الْإِفْلَاسِ. السَّادِسُ: كَوْنُ الْعِوَضِ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا قَدَّمَ بِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ. السَّابِعُ: حُلُولُ الدَّيْنِ. الثَّامِنُ: كَوْنُهُ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ. التَّاسِعُ: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ: كَرَهْنٍ،.
المتن: وَلَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ أَخَذَهُ نَاقِصًا، أَوْ ضَارَبَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ الْبَائِعِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَخَذَ الْبَاقِي وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ
الشَّرْحُ: وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ حَتَّى أَفْلَسَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ، لَا الْبَائِعُ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَثَمَنُهُ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ (وَلَوْ تَعَيَّبَ) الْمَبِيعُ بِأَنْ حَصَلَ فِيهِ نَقْصٌ لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ، سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ حِسِّيًّا كَسُقُوطِ يَدٍ أَمْ لَا كَنِسْيَانِ حِرْفَةٍ (أَخَذَهُ) الْبَائِعُ (نَاقِصًا أَوْ ضَارَبَ) الْغُرَمَاءَ (بِالثَّمَنِ)، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَهُ نَاقِصًا أَوْ تَرْكَهُ وَكَالْأَبِ إذَا رَجَعَ فِي الْمَوْهُوبِ لِوَلَدِهِ وَقَدْ نَقَصَ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَا ضُمِنَ كُلُّهُ ضُمِنَ بَعْضُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّاةُ الْمُعَجَّلَةُ فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَدَهَا تَالِفَةً يَضْمَنُهَا أَوْ نَاقِصَةً يَأْخُذُهَا بِلَا أَرْشٍ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالْمُفْلِسِ، وَقَدْ يَضْمَنُ الْبَعْضَ وَلَا يَضْمَنُ الْكُلَّ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ إنْ قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ قَطَعَ عُضْوَهُ ضَمِنَهُ (أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ) تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ (أَوْ الْبَائِعِ) بَعْدَ الْقَبْضِ (فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ) وَإِنْ كَانَ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الرَّقِيقِ مَثَلًا مَعَ قَطْعِ الْيَدَيْنِ مِائَةً وَبِدُونِهِ مِائَتَيْنِ فَيَأْخُذُهُ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ كَالْحَرْبِيِّ فَجِنَايَتُهُ كَالْآفَةِ، وَكَذَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَجِنَايَةُ الْمُشْتَرِي) فِيهَا طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا كَجِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا (كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالثَّانِي، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ (وَلَوْ تَلِفَ) مَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ كَأَنْ تَلِفَ (أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ) أَوْ الثَّوْبَيْنِ (ثُمَّ أَفْلَسَ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ (أَخَذَ الْبَاقِيَ وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ)؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ لَوْ كَانَا بَاقِيَيْنِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِي أَحَدِهِمَا مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
المتن: فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ.
الشَّرْحُ: .
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: ثُمَّ أَفْلَسَ غَيْرُ قَيْدٍ، فَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ فَلَسِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ؛ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ سَبَبٌ يَعُودُ بِهِ كُلُّ الْعَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَعُودَ بِهِ بَعْضُهَا كَالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَعُودُ بِهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ إلَى الزَّوْجِ تَارَةً وَبَعْضُهُ أُخْرَى (فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ) وَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّالِفِ، كَمَا لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَخَذَ خَمْسِينَ وَتَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ كَانَ الْبَاقِي مَرْهُونًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ (وَفِي قَوْلٍ) مُخَرَّجٍ (يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ) وَهُوَ رُبُعُ الثَّمَنِ وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ فِي مُقَابَلَةِ نِصْفِ التَّالِفِ وَنِصْفِ الْبَاقِي، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَرْجِعُ بِهِ بَلْ يُضَارِبُ بِبَاقِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ {فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِالْوَاوِ وَحَذَفَ كَانَ لِئَلَّا يُفْهَمَ التَّصْوِيرُ بِالتَّلَفِ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَلَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ جَرَى الْقَوْلَانِ، فَعَلَى الْجَدِيدِ يَرْجِعُ فِي الْمَبِيعِ بِقِسْطِ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ، فَلَوْ قَبَضَ نِصْفَهُ رَجَعَ فِي النِّصْفِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَعَلَى الْقَدِيمِ يُضَارِبُ.
المتن: وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَصَنْعَةٍ فَازَ الْبَائِعُ بِهَا، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ، وَالْوَلَدِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ، وَإِلَّا فَيُبَاعَانِ، وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ، وَقِيلَ لَا رُجُوعَ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسُهُ فَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ، وَاسْتِتَارِ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ وَظُهُورِهِ بِالتَّأْبِيرِ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ وَأَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَ) تَعَلُّمِ (صَنْعَةٍ) وَكِبَرِ شَجَرَةٍ (فَازَ الْبَائِعُ بِهَا) مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لَهَا فَيَرْجِعُ فِيهَا مَعَ الْأَصْلِ، وَكَذَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا الصَّدَاقَ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ الزَّائِدِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْمَبِيعِ كَأَنْ زَرَعَ الْحَبَّ فَنَبَتَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْأَصَحُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ (وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ) الْمُؤَبَّرَةِ (وَالْوَلَدِ) الْحَادِثَيْنِ بَعْدَ الْبَيْعِ (لِلْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْمِلْكَ بِدَلِيلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ) دُونَهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَثْبَتَ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ) أَيْ وَلَدُ الْأَمَةِ (صَغِيرًا) لَمْ يُمَيِّزْ (وَبَذَلَ) بِالْمُعْجَمَةِ (الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ)؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مُمْتَنِعٌ وَمَالُ الْمُفْلِسِ كُلُّهُ مَبِيعٌ فَأُجِيبُ الْبَائِعُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَلْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَأْخُذُ الْوَلَدَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَتِهِمْ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ التَّمَلُّكَ: أَيْ لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْأُمِّ رُجُوعُهُ فِي الْوَلَدِ أَيْضًا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ أَمْ يَكْفِي اشْتِرَاطُهُ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؟ الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ أَيْضًا. وَعَلَى الثَّانِي لَوْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ الشَّرْطِ، وَالِاتِّفَاقِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُنْقَضُ الرُّجُوعُ أَوْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانَهُ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْهَا (فَيُبَاعَانِ) مَعًا (وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ) مِنْ الثَّمَنِ وَحِصَّةُ الْوَلَدِ لِلْغُرَمَاءِ فِرَارًا مِنْ التَّفْرِيقِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَفِيهِ إيصَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ، وَكَيْفِيَّةُ التَّقْسِيطِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ ذَاتُ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ بِهِ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِيهَا نَاقِصَةً ثُمَّ يُقَوَّمُ الْوَلَدُ وَيُضَمُّ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا إلَى قِيمَةِ الْآخَرِ وَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ) إذَا لَمْ يَبْذُلْ الْقِيمَةَ بَلْ يُضَارِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِيقِ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ إلَى الْبَيْعِ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَلِقَةٌ، وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْذُلْ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْوَلَدِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ تُبَاعُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ مَعًا وَيُصْرَفُ مَا يَخُصُّ الْوَلَدَ إلَى الْمُفْلِسِ وَمَا يَخُصُّ الْأُمَّ إلَى الْبَائِعِ. وَالثَّانِي: لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ بَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ وَيُضَارِبُ بِالثَّمَنِ (فَإِنْ كَانَتْ) الدَّابَّةُ الْمَبِيعَةُ (حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسَهُ) بِالنَّصْبِ: أَيْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ دُونَ الرُّجُوعِ بِأَنْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ قَبْلَهُ (فَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ: فَالْأَظْهَرُ (تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ) وَجْهُ الْأَصَحِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الرُّجُوعِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ: أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَرْجِعُ فِيمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْبَيْعِ وَالْحَمْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَرْجِعُ فِي الْأُمِّ فَقَطْ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: قَبْلَ الْوَضْعِ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَغَيْرُهُ بَعْدَ الْوَضْعِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي الْهِبَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِنَقْلِهِ الْمِلْكَ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَتِهِ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ هُنَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ الْمُفْلِسِ فَلَمْ تُرَاعَ جِهَتُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَالْخِلَافُ فِيهَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ، فَكَأَنَّهُ بَاعَ عَيْنَيْنِ فَيَرْجِعُ فِيهِمَا، أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصَحُّ الْعِلْمَ كَانَ الْأَصَحُّ الرُّجُوعَ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَهُمَا رَجَعَ فِيهَا حَامِلًا قَطْعًا، وَلَوْ حَدَثَ بَيْنَهُمَا وَانْفَصَلَ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَبِذَلِكَ يَكُونُ لِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ تَضَعْ شَيْئًا أَوْ يُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ، وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا مَعَ بَقَاءِ حَمْلِ الْجَنِينِ أَوْ لَا فَرْقَ؟ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. قَالَ شَيْخِي: وَقَدْ رَجَّحَ الشَّيْخَانِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قِيَاسُ الْبَابِ مَعَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ عَلَى تَمَامِ انْفِصَالِ التَّوْأَمَيْنِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، وَهَلْ يُقَالُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي تَأْبِيرِ الْبَعْضِ، أَوْ أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ؟ يَنْبَغِي اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِشِدَّةِ اتِّصَالِ الْحَمْلِ، وَأَيْضًا صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَتْبَعُ الْمُؤَبَّرَ (وَاسْتِتَارُ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَهُوَ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ (وَظُهُورُهُ بِالتَّأْبِيرِ) أَيْ تَشَقُّقِ الطَّلْعِ (قَرِيبٌ مِنْ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ) فَإِذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى النَّخْلِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَيْعِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، وَعِنْدَ الرُّجُوعِ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ كَالْحَمْلِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ الرُّجُوعِ فَيَتَعَدَّى الرُّجُوعُ إلَيْهَا عَلَى الرَّاجِحِ (وَ) هِيَ (أَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ) إلَيْهَا مِنْ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ مَوْثُوقٌ بِهَا بِخِلَافِهِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالرُّجُوعِ فِيهَا، وَلَوْ حَدَثَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ عِنْدَ الرُّجُوعِ رَجَعَ فِيهَا عَلَى الرَّاجِحِ لَمَا مَرَّ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَمْلِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَتَنَاوَلُهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ا هـ. وَدَفَعَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ أَوْلَى بِعَدَمِ تَعَدِّي الرُّجُوعِ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ رَجَعَ فِيهَا جَزْمًا، وَلَوْ حَدَثَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهِيَ عِنْدَ الرُّجُوعِ مُؤَبَّرَةٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَمَتَى رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ فَلِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ تَرْكُهُ إلَى وَقْتِ الْجِدَادِ بِلَا أُجْرَةٍ.
المتن: وَلَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا فَعَلُوا وَأَخَذَهَا، وَإِنْ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَمْتَلِكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ، أَوْ بِأَجْوَدَ فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ طَحَنَهَا أَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ رَجَعَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ زَادَتْ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ، وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَرَسَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْأَرْضَ) الْمَبِيعَةَ لَهُ (أَوْ بَنَى) فِيهَا ثُمَّ أَفْلَسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَاخْتَارَ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ (فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا) مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ (فَعَلُوا)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ، وَتَجِبُ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ وَغَرَامَةُ أَرْشِ النَّقْصِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إنْ نَقَصَتْ بِالْقَلْعِ، وَهَلْ يُقَدِّمُ الْبَائِعُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ أَوْ يُضَارِبُ بِهِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ؟ وَجْهَانِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الرَّافِعِيِّ حِكَايَةَ خِلَافٍ فِيهِ (وَأَخَذَهَا) يَعْنِي الْبَائِعَ بِرُجُوعِهِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِأَخْذِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَتَمَلَّكَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ سَلِمَ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ رَجَعَ بِأَرْشِ النَّقْصِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا بَلْ يَرْجِعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْصَ هُنَا حَصَلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ (وَإِنْ امْتَنَعُوا) مِنْ الْقَلْعِ (لَمْ يُجْبَرُوا) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ بَنَى وَغَرَسَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بَلْ وَضَعَهُ بِحَقٍّ فَيُحْتَرَمُ (بَلْ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (أَنْ) يُضَارِبَ بِالثَّمَنِ، وَلَهُ أَنْ (يَرْجِعَ) فِي الْأَرْضِ (وَيَتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ لَهُ جَمِيعُ الْأَمْرَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي (وَلَهُ) بَدَلُ تَمَلُّكِ مَا ذُكِرَ (أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ)؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ وَالضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ،. فَأُجِيبَ الْبَائِعُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ زَرْعِهِ الْأَرْضَ وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمَلُّكِ الزَّرْعِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ فَسَهُلَ احْتِمَالُهُ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِأَنْ طَلَبَ الْمُفْلِسُ الْقَلْعَ وَالْغُرَمَاءُ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِيَتَمَلَّكَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ وَبَعْضُهُمْ الْقِيمَةَ مِنْ الْبَائِعِ عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِنَقْصِ قِيمَتِهِمَا فَإِنَّ الْغِرَاسَ بِلَا أَرْشٍ وَالْبِنَاءَ بِلَا مَقَرٍّ وَلَا مَمَرٍّ نَاقِصُ الْقِيمَةِ وَالرُّجُوعُ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَا يُزَالُ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِضَرَرِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، فَعَلَى هَذَا يُضَارِبُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ أَوْ يَعُودُ إلَى بَذْلِ قِيمَتِهِمَا أَوْ قَلْعِهِمَا مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَتَبَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ يَعُودُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُكِّنَ. وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ دُونَ الصَّبْغِ وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا مَعَهُ بِالصَّبْغِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّبْغَ كَالصِّفَةِ التَّابِعَةِ لِلثَّوْبِ (وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ) لَهُ مِثْلِيًّا كَأَنْ كَانَ (حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ (أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ) أَمَّا فِي الْخَلْطِ بِالْمِثْلِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي الدُّونِ فَيَكُونُ مُسَامِحًا كَنَقْصِ الْعَيْبِ، وَلَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ وَقِسْمَةَ الثَّمَنِ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْبَيْعِ، هَذَا إذَا خَلَطَهُ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ خَلَطَهُ أَجْنَبِيٌّ: أَيْ يَضْمَنُ ضَارَبَ الْبَائِعُ بِنَقْصِ الْخَلْطِ كَمَا فِي الْعَيْبِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (أَوْ) خَلَطَهَا (بِأَجْوَدَ) مِنْهَا (فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ) بَلْ يُضَارِبُ بِالثَّمَنِ فَقَطْ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَ إلَى أَخْذِهِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ مُتَعَذِّرٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهَا بِإِعْطَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُفْلِسِ وَلَا بِإِعْطَاءِ مَا يُسَاوِي حَقَّهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ رِبًا. وَالثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ وَيُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَلَّ الْأَجْوَدُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ بِهِ زِيَادَةٌ فِي الْحِسِّ وَيَقَعُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ حُكْمُ الْحِنْطَةِ فِيمَا مَرَّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُخْتَلَطُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ فَلَا رُجُوعَ لِعَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ لِانْتِفَاءِ التَّمَاثُلِ فَهُوَ كَالتَّالِفِ (وَلَوْ طَحَنَهَا) أَيْ الْحِنْطَةَ الْمَبِيعَةَ لَهُ (أَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ) الْمَبِيعَ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ (فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ) بِمَا فَعَلَهُ بِأَنْ سَاوَتْ أَوْ نَقَصَتْ (رَجَعَ) الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَوْجُودٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِنْ نَقَصَتْ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ غَيْرُهُ (وَإِنْ زَادَتْ) عَلَيْهَا (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (يُبَاعُ) وَيَصِيرُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ بِفِعْلٍ مُحْتَرَمٍ مُتَقَوِّمٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضَيَّعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ (وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ) بِالْعَمَلِ، مِثَالُهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةٌ وَبَلَغَ بِالْقِصَارَةِ سِتَّةً فَلِلْمُفْلِسِ سُدُسُ الثَّمَنِ، وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ لِنَفْسِهِ وَإِعْطَاءُ الْمُفْلِسِ حِصَّةَ الزِّيَادَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي: لَا شَرِكَةَ لِلْمُفْلِسِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ كَسِمَنِ الدَّابَّةِ بِالْعَلَفِ، وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ بِالسَّقْيِ وَالتَّعَهُّدِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الطَّحْنَ أَوْ الْقِصَارَةَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّمَنِ وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ، فَإِنَّ الْعَلَفَ وَالسَّقْيَ يُوجَدَانِ كَثِيرًا وَلَا يَحْصُلُ السِّمَنُ وَالْكِبَرُ فَكَأَنَّ الْأَثَرَ فِيهِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى فِعْلِهِ، بَلْ مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَكْبِيرِ الشَّجَرَةِ وَتَسْمِينِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالطَّحْنِ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ وَدَفْعَ الزِّيَادَةِ لِلْمُفْلِسِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُبَاعُ وَقَالَ: فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْمُفْلِسِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ لَأَفْهَمَ ذَلِكَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّحْنِ وَالْقَصْرِ إلَى ضَابِطِ صُوَرِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ صُنْعُ مَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيهِ كَخَبْزِ الدَّقِيقِ وَذَبْحِ الشَّاةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَضَرْبِ اللَّبِنِ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ، وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ، وَتَعْلِيمِ الرَّقِيقِ الْقُرْآنَ أَوْ حِرْفَةً، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الظُّهُورَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدَّابَّةِ وَسِيَاسَتَهَا يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِسَبَبِهِ أَثَرٌ عَلَى الدَّابَّةِ.
المتن: وَلَوْ صَبَغَهُ بِصِبْغَةٍ فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ رَجَعَ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ أَوْ أَقَلَّ فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ، أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصَّبْغَ وَالثَّوْبَ وَرَجَعَ فِيهِمَا إلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَيَكُونَ فَاقِدًا لِلصَّبْغِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ، وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالزِّيَادَةِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ صَبَغَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ (بِصِبْغَةٍ) ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ (فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ) بِسَبَبِ الصِّبْغِ (قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ) كَأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَبْيَضَ أَرْبَعَةً وَالصِّبْغِ دِرْهَمَيْنِ فَصَارَ بَعْدَ الصِّبْغِ يُسَاوِي سِتَّةً (رَجَعَ) الْبَائِعُ فِي الثَّوْبِ (وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصِّبْغِ)؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الثَّوْبُ خَاصَّةً فَيُبَاعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَصَحُّهُمَا كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْغَصْبِ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّ كُلَّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلَّ الصِّبْغِ لِلْمُفْلِسِ، كَمَا لَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ: وَالثَّانِي: يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي خَلْطِ الزَّيْتِ. أَمَّا إذَا زَادَتْ بِارْتِفَاعِ سُوقِ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِمَنْ ارْتَفَعَ سِعْرُ سِلْعَتِهِ، فَلَوْ زَادَتْ بِارْتِفَاعِ سُوقِهِمَا وُزِّعَتْ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ، وَهَكَذَا فِي صُورَةِ الْقِصَارَةِ وَالطَّحْنِ، فَلَوْ حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ ارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ لَا بِسَبَبِهِمَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ مَعَهُ، وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَتْ مِنْ الْعَمَلِ. وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الثَّوْبِ وَبَذْلُ مَا لِلْمُفْلِسِ مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَالْقِصَارَةِ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْفَصْلِ كَمَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ إنَّهُ شَرِيكٌ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُفْلِسِ تُبَاعُ إمَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ (أَوْ) زَادَتْ الْقِيمَةُ (أَقَلَّ) مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَسِعْرُ الثَّوْبِ بِحَالِهِ كَأَنْ صَارَتْ خَمْسَةً (فَالنَّقْصُ عَلَى الصِّبْغِ)؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ تَتَفَرَّقُ وَتَنْقُصُ وَالثَّوْبُ قَائِمٌ بِحَالِهِ فَيُبَاعُ وَلِلْبَائِعِ مَعَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ، وَلِلْمُفْلِسِ خَمْسَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الثَّوْبُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ فَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مَعَهُ (أَوْ) زَادَتْ (أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ كَأَنْ صَارَتْ تُسَاوِي فِي مِثَالِنَا ثَمَانِيَةً (فَ الْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ) كُلَّهَا (لِلْمُفْلِسِ)؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ فَيُبَاعُ الثَّوْبُ وَلَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِلْبَائِعِ كَالسِّمَنِ فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَلِلْمُفْلِسِ رُبُعُهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ ثُلُثَا الثَّمَنِ وَلِلْمُفْلِسِ ثُلُثُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصِّبْغَ) وَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الصِّبْغِ فَيَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ، فَإِنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَنْ ثَمَنِ الصِّبْغِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِالْجَمِيعِ أَوْ اشْتَرَى الصِّبْغَ (وَالثَّوْبَ) مِنْ وَاحِدٍ وَصَبَغَهُ بِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ (رَجَعَ) الْبَائِعُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الثَّوْبِ بِصَبْغِهِ لِأَنَّهُمَا عَيْنُ مَالِهِ (إلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ) قَبْلَ الصَّبْغِ بِأَنْ سَاوَتْهَا أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا (فَيَكُونُ فَاقِدًا لِلصِّبْغِ) لِاسْتِهْلَاكِهِ كَمَا مَرَّ فَيُضَارِبُ بِثَمَنِهِ مَعَ الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَتْ وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَهُوَ مَحَلُّ الرُّجُوعِ فِيهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُضَارِبْ بِالْبَاقِي أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِصَارَةِ، بَلْ إنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ. (وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا) أَيْ الثَّوْبَ وَالصِّبْغَ (مِنْ اثْنَيْنِ) الثَّوْبَ مِنْ وَاحِدٍ وَالصِّبْغَ مِنْ آخَرَ وَصَبَغَهُ بِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الْبَائِعَانِ الرُّجُوعَ (فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ) قَبْلَ الصَّبْغِ بِأَنْ سَاوَتْ أَوْ نَقَصَتْ (فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ) لَهُ فَضَارَبَ بِثَمَنِهِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ وَاجِدٌ لَهُ، فَيَرْجِعُ فِيهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي صُورَةِ النَّقْصِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْقِصَارَةِ (وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا) فِي الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: فَلَهُمَا الرُّجُوعُ وَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ مَا مَرَّ (وَإِنْ زَادَتْ) وَلَمْ تَفِ بِقِيمَتِهِمَا فَالصِّبْغُ نَاقِصٌ، فَإِنْ شَاءَ بَائِعُهُ قَنَعَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ أَوْ زَادَتْ (عَلَى قِيمَتِهِمَا) أَيْ: الثَّوْبَ وَالصِّبْغَ جَمِيعًا (فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا) أَيْ الْبَائِعَيْنِ (بِالزِّيَادَةِ) عَلَى قِيمَتِهِمَا، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَرْبَعَةً مَثَلًا وَالصِّبْغِ دِرْهَمَيْنِ وَصَارَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا ثَمَانِيَةً، فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالرُّبُعِ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ لَهُ وَالزِّيَادَةُ لَهُمَا بِنِسْبَةِ مَالِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ قَلْعُ الصِّبْغِ إنْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَيَغْرَمُونَ نَقْصَ الثَّوْبِ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَلِصَاحِبِ الصِّبْغِ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُفْلِسُ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ نَقْصَ الثَّوْبِ، وَلِمَالِكِ الثَّوْبِ قَلْعُهُ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الصِّبْغِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُونَ مِنْهُ، نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي الْأُولَى وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخِيرَتَانِ.
خَاتِمَةٌ: أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ فِي رَجُلٍ ثَبَتَ إعْسَارُهُ ثُمَّ كُتِبَ عَلَيْهِ مَسْطُورٌ بِدَيْنٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلِيءٌ بِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ يَسَارُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ صَرْفِ مَا اسْتَدَانَهُ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمَلَاءِ بِهِ يَسْرِي إلَى كُلِّ دَيْنٍ، وَلَوْ أَخْفَى شَخْصٌ بَعْضَ مَالِهِ فَنَقَصَ الْمَوْجُودُ عَنْ دَيْنِهِ فَحُجِرَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَتَصَرَّفَ الْقَاضِي فِي بَاقِي مَالِهِ بِبَيْعِهِ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يَنْقُضْ تَصَرُّفَهُ إذْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَصَرْفُهُ فِي دَيْنِهِ، وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ لِامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَدْ حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَيَنْقُضُ تَصَرُّفَهُ.
المتن: مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهَا أَبْوَابٌ: وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ، فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ، وَيَرْتَفِعُ بِالْإِفَاقَةِ، وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، وَالْبُلُوغُ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعَ سِنِينَ، وَنَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةَ حَيْضًا وَحَبَلًا وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ.
الشَّرْحُ: بَابُ الْحَجْرِ هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ، وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} الْآيَةَ، وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ، وَالْكَبِيرَ بِالْمُخْتَلِّ، وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ يَنُوبُ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ، وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ، وَ (مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ) أَيْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ) فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ (وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ) فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَيْثُ لَا دَيْنَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: وَفِي الْجَمِيعِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ وَفَّى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَلَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ إنْ وَفَّى الْمَالُ جَمِيعَ الدُّيُونِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُوَفِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ لَهُمْ مُزَاحَمَتُهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِتَقْدِيمِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ، فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى هَذَا (وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ) وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى (وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِحَقِّهِمْ (وَلَهَا أَبْوَابٌ) تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا يَأْتِي، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مِنْهُ إنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنْوَاعَ الْحَجْرِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ثَلَاثِينَ نَوْعًا غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ، وَحَجْرُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ نَوْعًا ثَالِثًا، وَهُوَ مَا شُرِعَ لِلْأَمْرَيْنِ يَعْنِي مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ (فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ) الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ كَالْإِيصَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَأَمْرُ غَيْرِهِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ عَبَّرَ بِالِانْسِلَابِ دُونَ الِامْتِنَاعِ هَلْ لِذَلِكَ مِنْ فَائِدَةٍ؟. أُجِيبَ بِنَعَمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَا يُفِيدُ السَّلْبَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا يَسْلُبُ، وَلِهَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ دُونَ الْأَبْعَدِ (وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ) لَهُ وَعَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالْإِسْلَامِ وَالْمُعَامَلَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَفْعَالِ. فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إرْضَاعِهِ وَالْتِقَاطِهِ وَاحْتِطَابِهِ وَاصْطِيَادِهِ وَعَمْدُهُ عَمْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ: أَيْ حَيْثُ كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ. وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ ثُمَّ جُنَّ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ جَزَاؤُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَالصَّبِيُّ كَالْمَجْنُونِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي إذْنِ الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ، وَلَهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ. قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ. وَأَمَّا إسْلَامُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَكَانَ الْحُكْمُ إذْ ذَاكَ مَنُوطًا بِالتَّمْيِيزِ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ. وَأَمَّا الْأَخْرَسُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ أَحَدٍ مَقَامَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَاكِمُ ا هـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِهِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فَلَا وَلِيَّ لَهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى نَائِمٍ أَحْوَجَ طُولُ نَوْمِهِ إلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِيقَاظُ يَضُرُّهُ مَثَلًا (وَيَرْتَفِعُ) حَجْرُ الْمَجْنُونِ (بِالْإِفَاقَةِ) مِنْ الْجُنُونِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى فَكٍّ، وَقَضِيَّتُهُ عَوْدُ الْوِلَايَاتِ وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ. نَعَمْ لَا تَعُودُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَنَحْوُهُ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ (وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الْآيَةَ وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، وَالرُّشْدُ، ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد {لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ} وَالْمُرَادُ مِنْ إينَاسِ الرُّشْدِ الْعِلْمُ بِهِ، وَأَصْلُ الْإِينَاسِ الْإِبْصَارُ، وَمِنْهُ - آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا -: أَيْ أَبْصَرَ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: رَشِيدًا عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُلُوغِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ ا هـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَلَامُ الْكِتَابِ لَا يَسْتَقِيمُ إنْ قُرِئَ بِلَفْظِ الصِّبَا بِكَسْرِ الصَّادِ، وَإِنْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا اسْتَقَامَ. لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ كَلَامِهِ ا هـ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْمَحْفُوظُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِهَا وَلَا بُعْدَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ا هـ. وَلَوْ بَلَغَ وَادَّعَى الرُّشْدَ وَأَنْكَرَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَلَا يُحَلِّفُ الْوَلِيَّ الْقَاضِي وَالْقَيِّمُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ؛ وَلِأَنَّ الرُّشْدَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ (وَالْبُلُوغُ) يَحْصُلُ إمَّا (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) قَمَرِيَّةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ تَحْدِيدِيَّةً كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ وَالضَّوَابِطِ، وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ {عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت} رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً: أَيْ طَعَنْت فِيهَا، وَبِقَوْلِهِ: وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً: أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَالْخَنْدَقِ كَانَ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَمُولِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: {رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا. ثُمَّ عُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُمْ. مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَابْنُ عُمَرَ} (أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وَلِخَبَرِ {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ} وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ، وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقِظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ.
تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالِاحْتِلَامِ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ. وَأُجِيبَ عَنْ أَصْلِهِ بِأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ لَفْظَ الْحَدِيثِ، وَبِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ صَبِيٍّ يُمْكِنُ بُلُوغُهُ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْبُلُوغَ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ إذَا وَطِئَ أَمَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ صَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ ثُبُوتَهُ وَالْحُكْمَ بِبُلُوغِهِ. وَحَكَى النَّجُورِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَكُونُ بِهِ بَالِغًا وَأَجْرَاهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِرُّ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ أَوْ لَا؟ (وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ بِالِاسْتِقْرَاءِ. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ اسْتِكْمَالَ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَقْرِيبِيَّةٌ كَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضُبِطَ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ، فَالزَّمَنُ الَّذِي لَا يَسَعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَقِيلَ وَقْتُهُ فِي الذَّكَرِ نِصْفُ الْعَاشِرَةِ، وَقِيلَ تَمَامُهَا، وَقِيلَ وَقْتُهُ فِي الْأُنْثَى أَوَّلُ التَّاسِعَةِ، وَقِيلَ نِصْفُهَا (وَنَبَاتُ) شَعْرِ (الْعَانَةِ) الْخَشِنِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ لِنَحْوِ حَلْقٍ (يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ) وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ لِخَبَرِ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ " كُنْت فِي سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تَنْبُتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ " رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بُلُوغًا حَقِيقَةً بَلْ دَلِيلٌ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّ عُمْرَهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا وَوَقْتُ إمْكَانِ نَبَاتِ الْعَانَةِ وَقْتُ الِاحْتِلَامِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ مَنْ احْتَجْنَا إلَى مَعْرِفَةِ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْحَدِيثِ، وَقِيلَ يُمَسُّ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ، وَقِيلَ يُدْفَعُ إلَيْهِ شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ فَيُلْصِقَهُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: نَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَانَةَ هِيَ الْمُنْبِتُ لَا النَّابِتُ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ، وَخَرَجَ بِهَا شَعْرُ الْإِبْطِ وَاللِّحْيَةِ، فَلَيْسَ دَلِيلًا لِلْبُلُوغِ لِنُدُورِهِمَا دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ وَلِأَنَّ إنْبَاتَهُمَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْبُلُوغِ لَمَا كَشَفُوا الْعَانَةَ فِي وَقْعَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَفِي مَعْنَاهُمَا الشَّارِبُ وَثِقْلُ الصَّوْتِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ وَنَتْفُ طَرَفِ الْحُلْقُومِ وَانْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَلَدِ الْكَافِرِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَلَامَةً فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَامَةً فِي حَقِّ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُنَّ لَا يَقْتُلْنَ، وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ أَنْ يَنْبُتَ عَلَى فَرْجَيْهِ مَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا (لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ)، فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى بُلُوغِهِ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَةِ آبَائِهِ وَأَقَارِبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَرُبَّمَا اسْتَعْجَلَ الْإِنْبَاتَ بِالْمُعَالَجَةِ دَفْعًا لِلْحَجْرِ وَتَشَوُّفًا لِلْوِلَايَاتِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِهِ إلَى الْقَتْلِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالطِّفْلُ الَّذِي تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ، وَمَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِمَا ذُكِرَ مَعَ فِقْدَانِ الْعِلَّةِ، فَقَدْ جَرَوْا فِي تَعْلِيلِهِمْ عَلَى الْغَالِبِ (وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ حَيْضًا) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ السِّنِّ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَنَبَاتِ الْعَانَةِ الشَّامِلِ لَهَا كَمَا مَرَّ (وَحَبَلًا) كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَزَيَّفَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ الْمَاءَيْنِ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْمَرْأَةُ حَكَمْنَا بِحُصُولِ الْبُلُوغِ قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَةٍ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُلْحَقُ بِالزَّوْجِ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِلَحْظَةٍ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ بِفَرْجِهِ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يُعَارِضُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ، فَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِأَنَّ احْتِمَالَ ذُكُورَتِهِ مُسَاوٍ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ مَنِيٍّ بِهِ أَوْ حَيْضٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَهُ مُحَقَّقَةً تُنْتَظَرُ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّبَا فَلَا نُبْطِلُهُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ مَا يَقْدَحُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ لَنَا غَايَةً تُنْتَظَرُ، وَهِيَ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ، فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَبْقَى مَعَهَا الْحَيَاةُ ظَاهِرٌ، لَكِنْ إذَا حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ أَثَرَهُ مِنْ الْقَتْلِ بِقَوَدٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ فِي الْبُلُوغِ، وَفِيهِ بُعْدٌ ا هـ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ حَكَمْنَا بِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الِاسْتِدْلَال بِالْحَيْضِ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَبِالْمَنِيِّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الذُّكُورَةِ شَرْطُهُ التَّكْرَارُ، وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ اسْتَنَدَا فِي تَصْوِيبِ الْأَخْذِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْأَخْذِ بِالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي التَّكْرَارِ أَيْضًا ا هـ. فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي. فَإِنْ قِيلَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ) جَمِيعًا كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا}، وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَاحُ الْمَالِ فَقَطْ فَإِنْ قِيلَ الرُّشْدُ الْوَاقِعُ فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ، وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا يَعُمُّ، وَلِذَلِكَ مَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى هَذَا الْوَجْهِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ الْوَاقِعَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْكَافِرَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ، ثُمَّ بَيَّنَ صَلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُحَرَّمِ عَمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ، كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ، لِأَنَّ الْإِخْلَالَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ يَحْمِلُ شَهَادَةً حُرِّمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَعَنْ التَّجْرِيدِ وَالِاسْتِذْكَارِ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ أَوْ تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ.
المتن: وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَوُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ.
الشَّرْحُ: ، وَإِصْلَاحُ الْمَالِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ) وَنَحْوِهَا، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ: كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْمُعَامَلَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّ الزَّائِدَ صَدَقَةٌ خَفِيَّةٌ مَحْمُودَةٌ (أَوْ رَمْيِهِ) أَيْ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ (فِي بَحْرٍ) أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ.
تَنْبِيهٌ: التَّبْذِيرُ: الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ، وَالسَّرَفُ: الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آدَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِضَاعَةِ أَوْ الْغَرَامَةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيمَا أُخْرِجَ فِي الطَّاعَةِ، وَيُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ: ضَيَّعَ وَخَسِرَ وَغَرِمَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ (و الْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ) أَيْ الْمَالَ وَإِنْ كَثُرَ (فِي الصَّدَقَةِ، وَ) بَاقِي (وُجُوهِ الْخَيْرِ) كَالْعِتْقِ (وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لَهُ فِي الصَّرْفِ فِي الْخَيْرِ غَرَضًا وَهُوَ الثَّوَابُ، فَإِنَّهُ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ، وَحَقِيقَةُ السَّرَفِ: مَا لَا يُكْسِبُ حَمْدًا فِي الْعَاجِلِ وَلَا أَجْرًا فِي الْآجِلِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَكُونُ مُبَذِّرًا إنْ بَلَغَ مُفَرِّطًا فِي الْإِنْفَاقِ، فَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُقْتَصِدًا فَلَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَيُلْتَذَّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَكُونُ تَبْذِيرًا عَادَةً.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَوْنِ الصَّرْفِ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْغَارِمِ. وَإِذَا كَانَ غُرْمُهُ فِي مَعْصِيَةٍ كَالْخَمْرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ لَمْ يُعْطَ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَلَا يُحْرَمُ، وَالْمَذْكُورُ هُنَاكَ فِي الِاقْتِرَاضِ مِنْ النَّاسِ وَيَتَبَسَّطُ فِيهَا وَهُوَ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَرِضَ مَالَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا لَهُ مَا يُوَفِّيه مِنْهُ.
المتن: وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ وَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا، وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَوَامِ بِهَا، وَالْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ، وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا، يُشْتَرَطُ تَكَرُّرِ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ بَعْدَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ، بَلْ يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ.
الشَّرْحُ: (وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ) فِي الدِّينِ وَالْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أَيْ اخْتَبِرُوهُمْ. أَمَّا فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمَحْظُورَاتِ وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ، وَمُخَالَطَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْثَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ الْمَرْأَةَ بَعْدُ (وَ) أَمَّا فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ (يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرَاتِبِ، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِيهِمَا (وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا) وَهُوَ طَلَبُ النُّقْصَانِ عَمَّا طَلَبَهُ الْبَائِعُ وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَبْذُلُهُ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا اُخْتُبِرَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَفَى وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاخْتِبَارِ فِي جَمِيعِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ، وَوَلَدُ السُّوقَةِ كَوَلَدِ التَّاجِرِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ وَلَدِ التَّاجِرِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ (وَ) يُخْتَبَرُ (وَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَوَامِ بِهَا) أَيْ إعْطَاؤُهُمْ الْأُجْرَةَ وَهُمْ الَّذِينَ اُسْتُؤْجِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ: كَالْحَرْثِ وَالْحَصْدِ وَالْحِفْظِ (وَ) يُخْتَبَرُ (الْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ) أَيْ حِرْفَةِ أَبِيهِ وَأَقَارِبِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ الْخَيَّاطِ مَثَلًا: بِتَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ وَوَلَدُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ يُعْطَى شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِيُنْفِقَهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ فِي خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَمَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ نَفَقَةَ يَوْمٍ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ ثُمَّ نَفَقَةَ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَفَقَةَ شَهْرٍ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ ا هـ. وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ كَمَا سَيَأْتِي.
تَنْبِيهٌ: الْحِرْفَةُ الصَّنْعَةُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا، وَيُخْتَبَرُ مَنْ لَا حِرْفَةَ لِأَبِيهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَنْ لَهُ وَلَدٌ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا (وَ) تُخْتَبَرُ (الْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ) مِنْ حِفْظٍ وَغَيْرِهِ، وَالْغَزْلُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّدْرِ وَعَلَى الْمَغْزُولِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَرَادَ الْمَصْدَرَ: يَعْنِي أَنَّهَا هَلْ تَجْتَهِدُ فِيهِ أَوْ لَا، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَوْلُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ: أَيْ فِي بَيْتِهَا إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً، وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً فَفِي بَيْعِ الْغَزْلِ وَشِرَاءِ الْقُطْنِ ا هـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرْته أَوَّلًا، وَهَذَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ يَلِيقُ بِهَا الْغَزْلُ وَالْقُطْنُ. أَمَّا بَنَاتُ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا تُخْتَبَرُ بِذَلِكَ بَلْ بِمَا يَعْمَلُهُ أَمْثَالُهَا (وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ) وَهِيَ الْأُنْثَى، وَالذَّكَرُ هِرٌّ، وَتُجْمَعُ الْأُنْثَى عَلَى هِرَرٍ، كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ، وَالذَّكَرُ عَلَى هِرَرَةٍ كَقِرْدٍ وَقِرَدَةٍ (وَنَحْوِهَا) كَالْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ الضَّبْطُ وَحِفْظُ الْمَالِ وَعَدَمُ الِانْخِدَاعِ، وَذَلِكَ قَوَامُ الرُّشْدِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمُتَبَذِّلَةَ كَالرَّجُلِ فِي الِاخْتِبَارِ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَالْخُنْثَى تُخْتَبَرُ بِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالرُّشْدِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسْلِمِ (وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرِ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ فَلَا يَكْفِي مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِيهَا اتِّفَاقًا (وَوَقْتُهُ) أَيْ الِاخْتِبَارِ (قَبْلَ الْبُلُوغِ) لِآيَةِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى}، وَالْيَتِيمُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ: الزَّمَنُ الْقَرِيبُ لِلْبُلُوغِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ رُشْدُهُ لِيُسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَقِيلَ بَعْدَهُ) لِيَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْمُخَاطَبُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ وَلِيٍّ، وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: الْحَاكِمُ فَقَطْ، وَنَسَبَ الْجَوْزِيُّ الْأَوَّلَ إلَى عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَالثَّانِي إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَيَخْتَبِرُ الْمَرْأَةَ النِّسَاءُ وَالْمَحَارِمُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ (فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ) بِالرَّفْعِ (أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ (بَلْ) يُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَالُ وَ (يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ) لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ عَقْدُهُ لِلْحَاجَةِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُمْتَحِنِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ.
المتن: فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ دَامَ الْحَجْرُ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالَهُ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي، فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ.
الشَّرْحُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَبَرَ السَّفِيهُ أَيْضًا، فَإِذَا ظَهَرَ رُشْدُهُ عَقَدَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) لِاخْتِلَالِ صَلَاحِ الدِّينِ أَوْ الْمَالِ (دَامَ الْحَجْرُ) عَلَيْهِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَقَوْلُهُ: دَامَ الْحَجْرُ: أَيْ الْجِنْسُ لَا حَجْرُ الصِّبَا لِانْقِطَاعِهِ بِالْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ (وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ) الْحَجْرُ عَنْهُ (بِنَفْسِ الْبُلُوغِ) أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ فَبِنَفْسِ الرُّشْدِ (وَأُعْطِيَ مَالَهُ) وَلَوْ امْرَأَةً فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهَا حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد {لَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا} فَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى ضَعْفِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي) لِأَنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِغَيْرِ حَاكِمٍ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ زَوَالُهُ عَلَى إزَالَةِ الْحَاكِمِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الِانْفِكَاكِ وَإِعْطَاءِ الْمَالِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُسَلَّمُ الْمَالُ إلَى الْمَرْأَةِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ يُدْفَعُ إلَيْهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَا لَمْ تَصِرْ عَجُوزًا، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقَتْ بِثُلُثِ مَالِهَا ثُمَّ بِثُلُثِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ بِثُلُثِ الْبَاقِي هَلْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إنْ جَوَّزْت سُلْطَتَهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ بِالتَّبَرُّعِ وَإِنْ مَنَعْت مَنَعْت الْحُرَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ (فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا (حُجِرَ) أَيْ حَجَرَ الْقَاضِي (عَلَيْهِ) لَا غَيْرُهُ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِآيَةِ {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} أَيْ أَمْوَالَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} وَلِخَبَرِ {خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ} رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَهُ إلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ. وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ وَإِنْ رَأَى النِّدَاءَ عَلَيْهِ لِيُتَجَنَّبَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَعَلَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ رَشِيدًا لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَجْرُ إلَّا بِرَفْعِ الْقَاضِي لَهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ (وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ) كَالْجُنُونِ وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا هُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، فَالْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ، وَلَا حَجْرَ بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ {قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَالَ لَهُ: إنَّهُ يُخْدَعُ فِي بَعْضِ الْبُيُوعِ: مَنْ بَايَعْت فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ} وَلَا حَجْرَ بِالشِّحَّةِ عَلَى النَّفْسِ مَعَ الْيَسَارِ لِيُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقِيلَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَائِلُ بِهِ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ إخْفَاءَ مَالِهِ لِشِدَّةِ شُحِّهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَشَدُّ مِنْ التَّبْذِيرِ.
المتن: وَلَوْ فُسِّقَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ طَرَأَ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَقِيلَ الْقَاضِي، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا إعْتَاقٌ وَهِبَةٌ وَنِكَاحٌ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مِنْ عَامِلِهِ أَوْ جَهِلَ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ، لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَصِحُّ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ، وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجِّ فَرْضٍ أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ فَسَقَ) مَعَ صَلَاحِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا (لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ. وَالثَّانِي: يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالِاسْتِدَامَةِ وَكَمَا لَوْ بَذَّرَ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَ اسْتِدَامَتِهِ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ، وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجْرِ بِعَوْدِ التَّبْذِيرِ بِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا عَدَمُ إتْلَافِهِ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ (وَ) عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي فِي عَوْدِ التَّبْذِيرِ (مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) أَيْ سُوءِ تَصَرُّفٍ (طَرَأَ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي)؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعِيدُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، إذْ وِلَايَةُ الْأَبِ وَنَحْوِهِ قَدْ زَالَتْ فَيُنْظَرُ مَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ (وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ) كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: يَعُودُ الْحَجْرُ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْظُرْ إلَّا الْقَاضِي قَطْعًا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِسَفَهِ رَجُلٍ وَفَسَّرَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا حِسْبَةً (وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ) وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ (وَقِيلَ) وَلِيُّهُ (الْقَاضِي) وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ أَنَّ السَّفَهَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَاحْتَاجَ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ) وَلَوْ بِغِبْطَةٍ (وَلَا شِرَاءٌ) وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ لِمُنَافَاةِ الْحَجْرِ. (وَلَا إعْتَاقٌ) فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَالْكِتَابَةِ لِمَا مَرَّ. أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ فَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَلَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ صَامَ كَمُعْسِرٍ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ. وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ فَالصَّحِيحُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْوَلِيَّ يُعْتِقُ عَنْهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا فِعْلٌ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الدَّفْعَ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكُلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُخَيَّرَةِ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَمَا كَانَ مُرَتَّبًا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ: أَيْ مَعَ تَرَتُّبِهِ، وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ سَبَبُهُ فِعْلٌ أَيْضًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: (وَ) لَا (هِبَةٌ) مِنْهُ. أَمَّا الْهِبَةُ لَهُ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ صِحَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيتٍ بَلْ تَحْصِيلٌ، وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ، وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ بِالصِّحَّةِ لِقَبُولِ الْهِبَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ تَمَلُّكٌ، بِخِلَافِ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَأَيْضًا قَبُولُ الْهِبَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفَوْرُ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَتَفُوتُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا صَحَّحْنَا قَبُولَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ وَالْمُوصَى بِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُمَا إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ بِقَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ (وَ) لَا (نِكَاحٌ) يَقْبَلُهُ لِنَفْسِهِ (بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ)؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلْمَالِ، أَوْ مَظِنَّةُ إتْلَافِهِ، وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَ الشَّارِحُ: قَيَّدَ فِي الْجَمِيعِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعُودُ إلَى النِّكَاحِ فَقَطْ فَإِنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ بِالْإِذْنِ دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِحُ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْآتِي وَإِلَّا فَكَلَامُ غَيْرِهِ أَنْسَبُ. أَمَّا قَبُولُ النِّكَاحِ بِالْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لَا أَصَالَةً وَلَا وَكَالَةً أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا (فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ) مِنْ رَشِيدٍ (وَقَبَضَ) بِإِذْنِهِ أَوْ إقْبَاضِهِ (وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ) قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَهُ بِرَدِّهِ (أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَ)؛ لِأَنَّ مَنْ عَامَلَهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ بِإِقْبَاضِهِ إيَّاهُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ قَبْلَ مُعَامَلَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ آنْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ، أَوْ مِنْ رَشِيدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِقْبَاضِهِ، أَوْ تَلِفَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا نَقَلَ الْقَطْعَ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الثَّالِثَةِ وِفَاقًا لِتَصْرِيحِ الصَّيْدَلَانِيِّ، وَلَا مَعْنَى لِاقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ لَوْ نَكَحَ بِلَا إذْنٍ وَوَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَلَوْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ حَتَّى صَارَ رَشِيدًا وَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا ثُمَّ تَلِفَتْ وَلَمْ يَرُدَّهَا ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ اسْتَقَلَّ بِإِتْلَافِهَا، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: لُغَةٌ شَاذَّةٌ، وَالْمَعْرُوفُ أَعَلِمَ أَمْ جَهِلَ بِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ مَعَ عَلِمَ وَبِأَمْ مَوْضِعَ أَوْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ سُمِعَ: سَوَاءٌ عَلَيَّ قُمْت أَوْ قَعَدْت (وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ) عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ بِشُرُوطِهَا، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مَسْلُوبَةٌ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِصَبِيٍّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَالنِّكَاحِ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ حِفْظُ الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ، وَمَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ إذَا عَيَّنَ لَهُ الْوَلِيُّ قَدْرَ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا، وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ خَالِيًا عَنْهُ كَعِتْقٍ وَهِبَةٍ لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ إطْلَاقِهِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَصَالَحَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ عَلَى الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ. وَمِنْهَا عَقْدُ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ بِدِينَارٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَلِيُّ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْوَلِيِّ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَالَحَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ بِأَنَّ صِيَانَةَ الرُّوحِ عَنْ الْقِصَاصِ قَدْ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ إعْطَاءِ الدِّينَارِ، وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ كَالْجِزْيَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ فَإِنَّ لَهُ الْعَفْوَ عَلَى مَالٍ وَكَذَا مَجَّانًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: مَنْ رَدَّ عَلَيَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَسْتَحِقُّهُ، فَالْبَالِغُ السَّفِيهُ أَوْلَى. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَبَضَ دَيْنَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: اعْتَدَّ بِهِ فِي أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَّاطِي. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَعَ فِي أَسْرٍ فَفَدَى نَفْسَهُ بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ عَقْدُ الْجِزْيَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ فَتَحْنَا بَلَدًا لِلسُّفَهَاءِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَنَا وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَالْجِزْيَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِمَالِهِ التَّبَرُّعُ بِهِ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ انْتَهَى الْأَمْرُ فِي الْمَطَاعِمِ إلَى الضَّرُورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِتَجْوِيزِ تَصَرُّفَاتِهِ (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) بِالنِّكَاحِ كَمَا لَا يَصِحُّ نُشُوءُهُ، وَلَا (بِدَيْنٍ) فِي مُعَامَلَةٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا (قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ) إلَى مَا (بَعْدَهُ) كَالصَّبِيِّ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ (وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ) أَوْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ (فِي الْأَظْهَرِ) كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ إذَا بَاشَرَ الْإِتْلَافَ يَضْمَنُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ جَزْمًا.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَ فَكِّهِ، وَمَحَلُّهُ فِي الظَّاهِرِ. وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ أَدَاؤُهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي إقْرَارِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ رُشْدِهِ أَنَّهُ كَانَ أَتْلَفَ مَالًا لَزِمَهُ الْآنَ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ (وَيَصِحُّ) إقْرَارُهُ (بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ وَلِبُعْدِ التُّهْمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْحَدُّ سَرِقَةً قُطِعَ. وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَا بِإِقْرَارِهِ (وَ) يَصِحُّ (طَلَاقُهُ) وَرَجْعَتُهُ (وَخُلْعُهُ) زَوْجَتَهُ بِمِثْلِ الْمَهْرِ وَبِدُونِهِ (وَ) يَصِحُّ (ظِهَارُهُ) وَإِيلَاؤُهُ وَإِيلَادُهُ (وَنَفْيُهُ النَّسَبَ) لِمَا وَلَدَتْهُ زَوْجَتُهُ (بِلِعَانٍ) وَلِمَا وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ بِحَلِفٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَا عَدَا الْخُلْعَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ. وَأَمَّا الْخُلْعُ، فَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ طَلَاقُهُ مَجَّانًا فَبِعِوَضٍ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْمَالَ يُسَلَّمُ إلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ كَمَا تَقَرَّرَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُهُ فِي النِّكَاحِ تُسُرِّيَ جَارِيَةً إنْ احْتَاجَ إلَى الْوَطْءِ فَإِنْ كَرِهَهَا أُبْدِلَتْ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ بِلِعَانٍ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَعَمَّ لِشُمُولِهِ نَفْيَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ أَمَتِهِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يُلَاعِنُ بَلْ يَحْلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا مَرَّ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِيلَادِ أَمَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ا هـ. نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ فِرَاشٌ لَهُ وَوَلَدَتْ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ، لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ (وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ) الْوَاجِبَةِ مُطْلَقًا وَالْمَنْدُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ (كَالرَّشِيدِ) لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ. أَمَّا الْمَنْدُوبَةُ الْمَالِيَّةُ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَلَيْسَ هُوَ فِيهَا كَالرَّشِيدِ (لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌّ. نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ لَهُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ صَحَّ صَرْفُهُ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ، وَكَمَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْلِفُ الْمَالَ إذَا خَلَا بِهِ، أَوْ يَدَّعِي صَرْفَهُ كَاذِبًا، وَكَالزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا، وَيَصِحُّ نَذْرُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْمَالِ لَا بِعَيْنِ مَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِصِحَّةِ نَذْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ (وَإِذَا أَحْرَمَ) حَالَ الْحَجْرِ (بِحَجٍّ فَرْضٍ) أَصْلِيٍّ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ مَنْذُورٍ قَبْلَ الْحَجْرِ وَكَذَا بَعْدَهُ إذَا سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ) وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، أَوْ يَخْرُجُ الْوَلِيُّ مَعَهُ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ خَوْفًا مِنْ تَفْرِيطِهِ فِيهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ لِلْإِحْرَامِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ الْمَفْرُوضَ بِالْجِمَاعِ فِي حَالِ سَفَهِهِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ وَيُعْطِيهِ الْوَلِيُّ نَفَقَةَ الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَى أَدَائِهِ لَهُ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ اللَّامِ مِنْ الثِّقَةِ؛ لِأَنَّ أَعْطَى يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ.
المتن: بِتَطَوُّعٍ وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ قُلْت: وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ أَحْرَمَ) حَالَ الْحَجْرِ (بِتَطَوُّعٍ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ بِنَذْرٍ بَعْدَ الْحَجْرِ وَسَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ وَهُوَ الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ (وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ) لِإِتْمَامِ النُّسُكِ، أَوْ إتْيَانِهِ بِهِ (عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ) فِي الْحَضَرِ (فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ) مِنْ الْإِتْمَامِ أَوْ الْإِتْيَانِ بِهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ نَظَرٌ وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بَيْنَهُمَا بِاسْتِقْلَالِ السَّفِيهِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ)؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُضِيِّ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا. وَالثَّانِي: لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِلِقَاءِ الْبَيْتِ كَمَنْ فَقَدْ زَادَهُ وَرَاحِلَتَهُ (قُلْت: وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجِّ؛ (لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ) أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا بَدَلَ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمُحْصَرِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ؛ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ السَّفِيهِ أَيْضًا (وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِلْمَالِ مُمْكِنٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا بِالْأُجْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا حَاصِلًا، فَلَا يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ مَعَ غِنَاهُ بِخِلَافِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْوَلِيِّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيُّ كِلَاهُمَا عَجِيبٌ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَسْبُ فِي طَرِيقِهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ. أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ قَبْلَ الْحَجْرِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَإِنَّهُ كَالْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْحَجِّ.
|