الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا، وَهُوَ تَمْلِيكٌ، فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا {بِأَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلَخْ} فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ الْفُرْقَةَ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِهِنَّ مَعْنَى. فَإِنْ قِيلَ: لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بِدَلِيلِ: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ}. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا) الْمُنَجَّزِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً كَطَلِّقِي أَوْ أَبِينِي نَفْسَك (إلَيْهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ الْغَدُ أَوْ زَيْدٌ فَطَلِّقِي نَفْسَك، وَلَا التَّفْوِيضُ لِصَغِيرَةٍ، أَوْ حُكْمُ مَجْنُونَةٍ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ (تَمْلِيكٌ) لِلطَّلَاقِ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ التَّمْلِيكِ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهَا كَغَيْرِهِ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ مَلَّكْتُك طَلَاقَك (فَيُشْتَرَطُ) عَلَيْهِ (لِوُقُوعِهِ) تَكْلِيفَهُ وَتَكْلِيفَهَا وَ (تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَ هُنَا جَوَابٌ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ كَقَبُولِهِ، وَقَبُولُهُ فَوْرٌ، فَإِنْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ كَثِيرٌ بَيْنَ تَفْوِيضِهِ وَتَطْلِيقِهَا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ، فَلَوْ قَالَتْ: كَيْفَ أُطَلِّقُ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ وَقَعَ، وَالْفَصْلُ بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ لِقِصَرِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِفَسَادِ الْعِبَارَةِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِ نَفْسِك لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى أَوْ مَتَى مَا شِئْت لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّمْلِيكُ اشْتِرَاطَهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ سُومِحَ فِي تَمْلِيكِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا ذُكِرَ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ.
المتن: وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ، وَقِيلَ قَوْلٌ تَوْكِيلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا خِلَافُ الْوَكِيلِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ) فَوْرًا وَهِيَ جَائِزَةُ التَّصَرُّفِ (بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ) وَيَكُونُ تَمْلِيكُهَا بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ فَهُوَ كَالْهِبَةِ (وَفِي قَوْلٍ) نُسِبَ لِلْقَدِيمِ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا (تَوْكِيلٌ) كَمَا لَوْ فَوَّضَ طَلَاقَهَا لِأَجْنَبِيٍّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لَهَا فِيهِ غَرَضًا وَلَهُ بِهَا اتِّصَالًا، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِي تَطْلِيقِهَا (فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَائِبَةِ التَّمْلِيكِ (وَ) عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ (فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا) لَفْظًا (خِلَافُ الْوَكِيلِ) الَّذِي سَبَقَ فِي بَابِهِ، وَالْمُرَجَّحُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَفْظًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ: فَفِي اشْتِرَاطٍ لِأَفْهَمَ التَّفْرِيعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ) التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ (لَهُ الرُّجُوعُ) عَنْ التَّفْوِيضِ بِرُجُوعِهِ أَمْ لَا.
المتن: قَبْلَ تَطْلِيقِهَا، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) عَلَّقَ التَّفْوِيضَ كَأَنْ (قَالَ) لَهَا (إذَا جَاءَ رَمَضَانُ) مَثَلًا (فَطَلِّقِي) نَفْسَك (لَغَا عَلَى) قَوْلِ (التَّمْلِيكِ) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُك هَذَا الْعَبْدَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَجَازَ عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ: تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: فَلْيَتَأَمَّلْ الْجَمْعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِذْنِ فِيهَا فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ، أَوْ أَبِينِي وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ.
الشَّرْحُ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صُوَرِ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ (وَ) أَمَّا بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ كَمَا (لَوْ قَالَ) لَهَا: (أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى) أَيْ الزَّوْجُ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِأَبِينِي وَنَوَتْ هِيَ تَطْلِيقَ نَفْسِهَا بِأَبَنْتُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَلَا) يَقَعُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ هُوَ فَلَا تَفْوِيضَ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ هِيَ فَلَا تَطْلِيقَ، إذْ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَحْدَهُ (وَلَوْ) صَرَّحَ فَكَنَّتْ أَوْ عَكْسُهُ كَأَنْ (قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ، أَوْ) قَالَ (أَبِينِي) نَفْسَك (وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا أُمِرَتْ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ فَعَلَتْهُ فِي الْحَالَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ لَفْظِهِمَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّخَالُفَ فِي الْكِنَايَةِ أَوْ الصَّرِيحِ كَاخْتَارِي نَفْسَك، فَقَالَتْ: أَبَنْتهَا، أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك، فَقَالَتْ: سَرَّحْتُهَا لَا يَضُرُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى، نَعَمْ إنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوْ بِكِنَايَتِهِ أَوْ بِالتَّسْرِيحِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَعَدَلَتْ عَنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِمُخَالَفَتِهَا صَرِيحَ كَلَامِهِ. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ بِطَلِّقِي نَفْسَك، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَبِينِي نَفْسَك، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ نَفْسَك وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ نَفْسِك مِنْهُمَا وَزِدْتُهُمَا فِي الشَّرْحِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَتْ نَفْسَهَا، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِالْفِرَاقِ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ. وَثَانِيهِمَا: يَقَعُ إذَا نَوَتْ نَفْسَهَا وَبِهِ قَالَ الْبُوشَنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ: طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ) وَقَدْ عَلِمَتْ نِيَّتَهُ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ (فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ، وَقَدْ نَوَيَاهُ (وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي الْعَدَدِ وَالثَّانِي ثَلَاثٌ حَمْلًا عَلَى مَنْوِيِّهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَإِلَّا صَادِقٌ بِمَا إذَا نَوَى هُوَ ثَلَاثًا وَلَمْ تَنْوِ هِيَ عَدَدًا، وَبِمَا إذَا لَمْ يَنْوِيَا أَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْبَيْعِ، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ تَقَعُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافٍ.
المتن: وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسَهُ فَوَاحِدَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ): طَلِّقِي نَفْسَك (ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ) أَيْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدًا (أَوْ عَكْسَهُ) كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَثَلَّثَتْ أَيْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا (فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ فِي الصُّورَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا أَوْقَعَتْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَالزَّائِدُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَقَعُ مَا تَمْلِكُهُ. تَنْبِيهَاتٌ: لَهَا فِي الْأُولَى بَعْدَ أَنْ وَحَّدَتْ وَرَاجَعَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا أَنْ تَزِيدَ الثِّنْتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَى الْوَاحِدَةِ الَّتِي أَوْقَعَتْهَا فَوْرًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ دُفْعَةً وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، وَلَا يَقْدَحُ تَخَلُّلُ الرَّجْعَةِ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ بِلَا نِيَّةٍ: طَلَّقْت وَقَعَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا جَوَابٌ لِكَلَامِهِ فَهُوَ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ هُوَ بِالثَّلَاثِ وَنَوَاهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ عَوْدِهِ فِي الْجَوَابِ، إذْ التَّخَاطُبِ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَبَثًا وَنَوَتْ فَصَادَفَتْ التَّفْوِيضَ لَهَا وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا طَلُقَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا. وَلَوْ فَوَّضَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ إلَى اثْنَيْنِ وَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا طَلْقَةً، وَالْآخَرُ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ كَمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهَا، وَإِنْ جَعَلَ طَلَاقَهَا بِيَدِ اللَّهِ وَيَدِ زَيْدٍ لَغَا إنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ فَلَيْسَ لِزَيْدٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ فَلَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ كَمَا لَوْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْعَطْفِ. وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت كُلَّ أَمْرٍ لِي عَلَيْك بِيَدِك كَانَ كِنَايَةً فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَنْوِهَا، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَشِيئَةَ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْعَدَدِ، فَقَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ لَغَا لِصَيْرُورَةِ الْمَشِيئَةِ شَرْطًا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَالْمَعْنَى طَلِّقِي إنْ اخْتَرْتِ الثَّلَاثَ، فَإِذَا اخْتَارَتْ غَيْرَهُنَّ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَهَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى تَفْوِيضِ الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى فَوَّضْت إلَيْكِ أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا، فَإِنْ شِئْت فَافْعَلِي مَا فَوَّضْت إلَيْكِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَلَا نُفُوذَ مَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الطَّلَاقِ أَيْضًا، فَقَالَ: إنْ شِئْت طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً كَانَ كَمَا لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ الْعَدَدِ
المتن: مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ طَلَاقٌ لَغَا، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانٌ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ لَغَا، وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْقَصْدُ، إذَا (مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ) أَوْ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَمْ يَعْصِ بِهِ (طَلَاقٌ لَغَا) وَإِنْ قَالَ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ أَجَزْتُهُ أَوْ أَوْقَعْتُهُ لِحَدِيثِ {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ} وَذَكَرَ مِنْهَا النَّائِمَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَلِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ هَذَا بِاشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ أَوَّلَ الْبَابِ، لَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْت حِينَئِذٍ صَبِيًّا أَوْ نَائِمًا وَأَمْكَنَ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ: كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي تَصْدِيقِ النَّائِمِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ) لِحُرُوفِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ (لَغَا) مَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ، وَكَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ حَاكِيًا كَلَامَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْفَقِيهُ إذَا تَكَرَّرَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي دَرْسِهِ وَتَصْوِيرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قَصْدٌ مَعَ قَوْلِهِ سَبَقَ، وَلَوْ قَالَ: لَا بِقَصْدٍ كَانَ أَعَمَّ (وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا) فِي دَعْوَاهُ سَبْقَ لِسَانِهِ بِالطَّلَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْغَالِبَ أَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ إلَّا وَيَقْصِدُهُ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) كَأَنْ دَعَاهَا بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ إلَى فِرَاشِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ الْآنَ طَاهِرَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ، فَقَالَ أَنْتِ الْيَوْمَ طَالِقَةٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ فِي دَعْوَاهُ السَّبْقَ فَلَهَا قَبُولُ قَوْلِهِ، وَكَذَا لِلشُّهُودِ أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا، وَذَكَرَ أَوَاخِر الطَّلَاقِ، أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ لَفْظَ رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ، وَكَانَ مَا هُنَا فِيمَا إذَا ظَنُّوا وَمَا هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَحَقَّقُوا كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ. قَالَ شَيْخُنَا وَمَعَ ذَلِكَ فِيمَا هُنَا نَظَرٌ ا هـ. وَالْأَوْلَى إلْحَاقُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
المتن: وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ يَا طَالِقُ وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَمْ تَطْلُقْ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ؛ وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا فَقَالَ يَا طَالِقُ وَقَالَ أَرَدْت النِّدَاءَ فَالْتَفَّ الْحَرْفُ صُدِّقَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ) لَهَا (يَا طَالِقُ) بِضَمِّ الْقَافِ بِخَطِّهِ (وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَمْ تَطْلُقْ) جَزْمًا لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ مَعْنَاهُ، وَكَوْنُهَا اسْمَهَا كَذَلِكَ قَرِينَةٌ تُسَوِّغُ تَصْدِيقَهُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ قَصْدُ نِدَائِهَا بِاسْمِهَا وَإِلَّا فَنِدَاؤُهَا مَقْصُودٌ، وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَكَانَ اسْمُهَا ذَلِكَ عِنْدَ النِّدَاءِ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) حَمْلًا عَلَى النِّدَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الطَّلَاقَ وَاللَّفْظُ هُنَا مُشْتَرَكٌ وَالْأَصْلُ دَوَامُ النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا كَانَ اسْمُهَا ذَلِكَ ثُمَّ غُيِّرَ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِهِ بَعْدَ التَّغْيِيرِ طَلُقَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعِتْقِ فِي نِدَاءِ عَبْدِهِ الْمُسَمَّى بِحُرٍّ يَا حُرُّ (وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا) أَوْ طَالِعًا أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تُقَارِبُ حُرُوفَ طَالِقٍ (فَقَالَ) لَهَا: (يَا طَالِقُ، وَقَالَ: أَرَدْت النِّدَاءَ) لَهَا بِاسْمِهَا (فَالْتَفَّ) بِلِسَانِي (الْحَرْفُ صُدِّقَ) ظَاهِرًا لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ.
المتن: وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ أَنْكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ وَقَعَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ) لَهَا (هَازِلًا) وَهُوَ قَصْدُ اللَّفْظِ دُونَ مَعْنَاهُ (أَوْ لَاعِبًا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِقَوْلِهَا لَهُ فِي مَعْرِضِ دَلَالٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ اسْتِهْزَاءٍ طَلِّقْنِي فَيَقُولُ لَهَا لَاعِبًا أَوْ مُسْتَهْزِئًا طَلَّقْتُك (أَوْ) خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ (وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً) وَيُصَدَّقُ ذَلِكَ بِصُوَرٍ. إمَّا (بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ) أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (أَوْ) بِأَنْ (أَنْكَحَهَا) لَهُ (وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ) بِالنِّكَاحِ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ. أَمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ فَلِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ لِخَطَأِ ظَنِّهِ، وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ: {ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ}. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَخَصَّ فِي الْحَدِيثِ الثَّلَاثَ لِتَأَكُّدِ أَمْرِ الْفَرْجِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ تَنْعَقِدُ بِالْهَزْلِ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ. وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي مَحَلِّهِ وَظَنُّ غَيْرِ الْوَاقِعِ لَا يَدْفَعُهُ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْمُصَنِّفِ اللَّعِبَ عَلَى الْهَزْلِ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، وَكَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ: الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ مِنْ وَادِي الِاضْطِرَابِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ عَلَى سَبِيلِ اللَّعِبِ وَالْهَزْلِ، وَهِيَ تَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا، وَاَلَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ أَنَّ الْهَزْلَ يَخْتَصُّ بِالْكَلَامِ وَاللَّعِبَ أَعَمُّ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْوُقُوعَ أَنَّهُ يَقَعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مَسْأَلَةِ الظَّنِّ بَاطِنًا وَهُوَ، الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ إنَّ الْمَذْهَبَ الْوُقُوعُ بَاطِنًا، وَلَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً فَقَالَ : زَوْجَتِي طَالِقٌ طَلُقَتْ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَأَقَرَّاهُ، وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي، فَقَالَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الرِّسْتَاقِ فَذَهَبَتْ إلَى الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَك زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ لِي زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَانَتْ هِيَ فِي الْبَلَدِ، فَعَلَى قَوْلَيْ حِنْثِ النَّاسِي. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا يُلْمَحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا صُورَةُ التَّعْلِيقِ. وَلَوْ كَانَ وَاعِظًا مَثَلًا وَطَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ. طَلَّقْتُكُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَنْعٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ، إذْ مَعْنَاهُ الْفُرْقَةُ وَقَدْ نَوَاهَا، وَبِأَنَّ دَلِيلَ الدُّخُولِ هُنَا مَوْجُودٌ وَهُوَ مُشَافَهَةُ الْحَاضِرِينَ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ فِيهِمْ لَا يَمْنَعُ الْإِيقَاعَ كَمَنْ خَاطَبَهَا يَظُنُّهَا غَيْرَهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ شَرْعًا: قَطْعُ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ الْوَاعِظُ، بِخِلَافِ مَنْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا غَيْرَهَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْقَصْدِ لِلتَّغْلِيبِ وَلَا قَصْدَ.
المتن: وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ، وَقِيلَ إنْ نَوَى مَعْنَاهَا وَقَعَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ) أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالْعَرَبِيَّةِ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ (وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ) سَوَاءٌ أَلْقَنَهُ أَوْ لَا (لَمْ يَقَعْ) لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ، وَقَيَّدَهُ الْمُتَوَلِّي بِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لِأَهْلِ اللِّسَانِ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا، وَيُدَيَّنُ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ (وَقِيلَ إنْ نَوَى) الْعَجَمِيُّ بِهِ (مَعْنَاهَا) أَيْ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا (وَقَعَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ؛ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ وَقَصَدَ بِهِ قَطْعَ النِّكَاحِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا لَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِكَلِمَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا.
المتن: وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ، فَإِنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ، فَوَحَّدَ، أَوْ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فَكَنَّى أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى طَلَّقْتُ فَسَرَّحَ أَوْ بِالْعُكُوسِ وَقَعَ، وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ حَقَّقَهُ، وَيَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ قَتْلٌ، وَقِيلَ قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ) بِغَيْرِ حَقٍّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} وَلِخَبَرِ: {لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ} أَيْ إكْرَاهٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ وَصَحَّ إسْلَامُهُ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَغَا كَالرِّدَّةِ. نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا مُكْرَهًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَحَّ الْإِسْلَامُ، وَصُوِّرَ الطَّلَاقُ بِحَقٍّ جَمْعٌ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي الْمُولِيَ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الثَّلَاثِ فَتَلَفَّظَ بِهَا لَغَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَيَنْعَزِلُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُولِي لَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ عَيْنًا بَلْ بِهِ أَوْ بِالْفَيْئَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ يَمْنَعُ الْوُقُوعَ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَأَتَى بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمُولِي كَمَا لَوْ آلَى وَهُوَ غَائِبٌ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَوَكَّلَتْ بِالْمُطَالَبَةِ فَرَفَعَهُ وَكِيلُهَا إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الزَّوْجُ وَطَالَبَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ فِي الْحَالِ وَبِالْمَسِيرِ إلَيْهَا أَوْ بِحَمْلِهَا إلَيْهِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى مَضَى مُدَّةُ إمْكَانِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَسِيرُ إلَيْهَا الْآنَ لَمْ يُمَكَّنْ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ عَيْنًا هَكَذَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي تَفْرِيعًا عَلَى مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُكْرِهُ الْمُولِيَ عَلَى الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يُطَلِّقُ عَلَى الْمُولِي الْمُمْتَنِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إكْرَاهَ أَصْلًا حَتَّى يَحْتَرِزَ عَنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُكْرَهِ مَا لَوْ أَكْرَهَ شَخْصًا عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ إذْنٌ وَزِيَادَةٌ، وَلَا يُسْتَثْنَى مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ فَنَوَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُكْرَهًا. وَلَوْ أَكْرَهَ غَيْرُ الزَّوْجِ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَغَا أَوْ الزَّوْجُ وَقَعَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِحَقٍّ فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ بِالْجِزْيَةِ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ ظَهَرَتْ) مِنْ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ (قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ) مِنْهُ لِلطَّلَاقِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (أُكْرِهَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (عَلَى ثَلَاثٍ فَوَحَّدَ) أَيْ طَلَّقَ وَاحِدَةً (أَوْ) عَلَى طَلَاقٍ (صَرِيحٍ أَوْ) عَلَى (تَعْلِيقٍ) لَهُ (فَكَنَّى) وَنَوَى (أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى) أَنْ يَقُولَ: (طَلَّقْتُ) زَوْجَتِي (فَسَرَّحَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قَالَ سَرَّحْتُهَا (أَوْ) وَقَعَ الْإِكْرَاهُ (بِالْعُكُوسِ) لِهَذِهِ الصُّوَرِ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَاحِدَةٍ فَثَلَّثَ أَوْ كِنَايَةٍ فَصَرَّحَ أَوْ تَنْجِيزٍ فَعَلَّقَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولَ: سَرَّحْت، فَقَالَ: طَلَّقْتُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ فِي الْجَمِيع؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ فِيمَا أَتَى بِهِ (وَشَرْطُ) حُصُولِ (الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ) الْمُكْرَهَ بِفَتْحِهَا تَهْدِيدًا عَاجِلًا ظُلْمًا (بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (عَنْ دَفْعِهِ) أَيْ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِهَا (بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ) كَاسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ (وَظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ) مِنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ (حَقَّقَهُ) أَيْ فِعْلَ مَا خَوَّفَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالظَّنِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَخَرَجَ بِعَاجِلًا مَا لَوْ قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ غَدًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَبِظُلْمٍ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ لِلْجَانِي: طَلِّقْهَا وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْكَ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا (وَيَحْصُلُ) الْإِكْرَاهُ (بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ) بِ (حَبْسٍ) طَوِيلٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ النَّصِّ (أَوْ إتْلَافِ مَالٍ) وَقَوْلُهُ (وَنَحْوِهَا) مِنْ زِيَادَتِهِ: أَيْ مِمَّا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ لِأَجْلِهِ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَسْبَابِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي سَبَبٍ دُونَ آخَرَ، فَالْإِكْرَاهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ لَا يَضِيقُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُهُ، وَلَا يُطَلِّقُ بِخِلَافِ الْمَالِ الَّذِي يَضِيقُ عَلَيْهِ، وَالْحَبْسُ فِي الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَإِنْ قَلَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالضَّرْبُ الْيَسِيرُ فِي أَهْلِ الْمُرُوآتِ إكْرَاهٌ، وَالتَّهْدِيدُ بِقَتْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا أَوْ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ إكْرَاهٌ بِخِلَافِ ابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ، بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ) فِي الْإِكْرَاهِ (قَتْلٌ) لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَدُومُ مَعَهُ النَّظَرُ وَالِاخْتِيَارُ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِيهِ (قَتْلٌ) لِنَفْسِهِ (أَوْ قَطْعٌ) لِطَرَفِهِ (أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ) لِإِفْضَائِهِ إلَى الْقَتْلِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِطَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا قَتَلْتُ نَفْسِي أَوْ كَفَرْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ صَوْمِي أَوْ صَلَاتِي. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ الْوُقُوعِ إذَا قَالَهُ مَنْ لَوْ هَدَّدَ بِقَتْلِهِ كَانَ مُكْرَهًا كَالْوَلَدِ ا هـ. وَهُوَ حَسَنٌ.
المتن: وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَقَعَ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تُشْتَرَطُ) فِي عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ (التَّوْرِيَةُ) وَهِيَ مِنْ وَرَى أَيْ جَعَلَ الْبَيَانَ وَرَاءَهُ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (يَنْوِيَ) بِقَوْلِهِ: طَلَّقْت زَيْنَبَ مَثَلًا (غَيْرَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ أَوْ يَنْوِي بِالطَّلَاقِ حَلَّ الْوِثَاقِ، أَوْ يَقُولُ عَقِيبَ اللَّفْظِ؛ إنْ شَاءَ سِرًّا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، أَوْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا أَثَرَ لِلتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ تَلَفُّظُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى سِرًّا بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهُ الْمُكْرَهُ لَا أَنَّهُ نَوَاهُ، أَوْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُكْرَهِ. أَمَّا هُوَ فَيَكْفِي بِقَلْبِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ. وَضَابِطُ التَّوْرِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَقُبِلَ وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَلِهَذَا لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَأَنْ بِالْكَافِ كَمَا حُوِّلَتْ بِهِ عِبَارَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَهَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَثِيرًا، وَفِيهِ تَسَاهُلٌ (وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا) أَيْ التَّوْرِيَةَ (بِلَا عُذْرٍ) لَهُ (وَقَعَ) لِإِشْعَارِهِ بِالِاخْتِيَارِ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ كَدَهْشَةٍ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لَهُ اللُّصُوصُ لَا نُخَلِّيَك حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّك لَا تُخْبِرُ بِنَا فَحَلَفَ بِذَلِكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ مِنْهُمْ لَهُ عَلَى الْحَلِفِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِهِمْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ، وَلَوْ أَكْرَهَ ظَالِمٌ شَخْصًا أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ مَالِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ مَحَلِّهِ فَلَمْ يُخْلِهِ حَتَّى يَحْلِفَ لَهُ بِالطَّلَاقِ فَحَلَفَ بِهِ كَاذِبًا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الطَّلَاقِ بَلْ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلَالَةِ، وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْت مُكْرَهًا فَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ وَهُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالْحَبْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ ادَّعَى الصِّبَا بَعْدَ طَلَاقِهِ وَأَمْكَنَ صَدَّقَهُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَزَمُوا فِي الْأَيْمَانِ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ لَا يُشْبِهُ هَذَا فَإِنَّ الزَّوْجَ تَلَفَّظَ ثَمَّ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ ادَّعَى صَرْفَهُ بِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَالْمُدَّعَى هُنَا طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِحَالَةٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا الطَّلَاقُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ.
المتن: وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي قَوْلٍ لَا، وَقِيلَ عَلَيْهِ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابِ) خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ دَوَاءٍ) بِنَبِيذٍ أَوْ غَيْرِهِ (نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ) قَوْلًا وَفِعْلًا (وَ) نَفَذَ أَيْضًا تَصَرُّفُهُ (عَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا) كَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَقَطْعٍ وَقَتْلٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ، أَمَّا السَّكْرَانُ فَاحْتَجَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَدِيثِ: {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ} قَالَ: وَالسَّكْرَانُ لَيْسَ فِي مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، فَالْقَلَمُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الْمُفْتِينَ، وَأَمَّا الْمُتَدَاوِي فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (وَفِي قَوْلٍ: لَا) يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَهْمٌ صَحِيحٍ (وَقِيلَ) يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ (عَلَيْهِ) كَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَثِمَ عَمَّا إذَا لَمْ يَأْثَمْ: كَمَا إذَا أُوجِرَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ بِقَصْدِ التَّدَاوِي، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ، ثُمَّ نَشَأَ عَنْ سُكْرِهِ جُنُونُهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَالسَّكْرَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ أَوْقَعَ السَّكْرَانُ الطَّلَاقَ، ثُمَّ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ عَلَى الشُّرْبِ أَوْ الْجَهْلَ بِإِسْكَارِ مَا شَرِبَهُ وَرَامَ عَدَمَ الْوُقُوعِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ، فَإِنْ ذَكَرَ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَذَاكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ.
المتن: وَلَوْ قَالَ رُبْعُك أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُك أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك طَالِقٌ وَقَعَ، وَكَذَا دَمُك عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ، وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ يَمِينُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَحَلُّ أَيْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك فَذَاكَ وَاضِحٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جِسْمُكِ أَوْ جَسَدُكِ أَوْ رُوحُكِ أَوْ شَخْصُك أَوْ جُثَّتُكِ أَوْ ذَاتُكِ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا مِنْهَا كَقَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهَا الْمُتَّصِلَةِ بِهَا أَوْ (رُبْعُك أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُك) سَوَاءٌ أَكَانَ مَعْلُومًا كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ مُبْهَمًا كَالْمِثَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ زَائِدًا، ظَاهِرًا كَمَا مَرَّ أَوْ بَاطِنًا، وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ كَبِدُكِ) أَوْ كَانَ الْجُزْءُ مِمَّا يَنْفَصِلُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ، وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك طَالِقٌ وَقَعَ) الطَّلَاقُ جَزْمًا وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى وَتَبْعِيضُهُ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ تَعْمِيمُهُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْعِتْقِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إزَالَةُ مِلْكٍ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، وَنُظِرَ فِي الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مَحْبُوبٌ وَالطَّلَاقَ مَبْغُوضٌ، وَبِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْبَلُ التَّجْزِئَةِ فَصَحَّتْ إضَافَتُهُ لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ (وَكَذَا دَمُك) طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ بِهِ قِوَامَ الْبَدَنِ كَالرُّوحِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كَفَضْلَةٍ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ (لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ) وَبَوْلٍ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةً اتِّصَالَ خِلْقَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا (وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ) لَا يَقَعُ بِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُمَا دَمًا فَقَدْ تَهَيَّآ لِلْخُرُوجِ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْبَوْلِ، وَالثَّانِي الْوُقُوعُ كَالدَّمِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَالْفَضَلَاتِ الْأَخْلَاطُ كَالْبَلْغَمِ وَلَا بِالْجَنِينِ لِأَنَّهُ شَخْصٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَلَا بِالْعُضْوِ الْمُلْتَحِمِ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْفَصْلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَطْعِهِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَدَمُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَلَا بِالْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَرَكَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْمَلَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهَا، وَالشَّحْمُ وَالسَّمْنُ جُزْءَانِ مِنْ الْبَدَنِ، فَيَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الطَّلَاقُ وَإِنْ نُوزِعَ فِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ: اسْمُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الذَّاتَ، فَإِنْ أَرَادَهَا بِهِ طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ نَفْسُك بِإِسْكَانِ الْفَاءِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْآدَمِيِّ، أَمَّا بِفَتْحِ الْفَاءِ فَلَا لِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ مِنْ الْهَوَاءِ يَدْخُلُ الرِّئَةَ وَيَخْرُجُ مِنْهَا لَا جُزْءٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا صِفَةٌ لَهَا، وَلَوْ قَالَ: حَيَاتُك طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ أَرَادَ بِهَا الرُّوحَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَعْنَى فَلَا كَسَائِرِ الْمَعَانِي، وَإِنْ أَطْلَقَ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. تَنْبِيهٌ: الطَّلَاقُ فِيمَا مَرَّ يَقَعُ عَلَى الْجُزْءِ، ثُمَّ يَسْرِي إلَى بَاقِي الْبَدَنِ، كَمَا فِي الْعِتْقِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَمِينُك طَالِقٌ فَقَطَعَتْ، ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَمَنْ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ وَلَا يَمِينَ لَهَا كَمَا قَالَ (وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ) مَثَلًا (يَمِينُك) وَذَكَرَهُ عَلَى إرَادَةِ الْعُضْوِ، وَلَوْ أَنَّثَ قَالَ: يُمْنَاك (طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِفِقْدَانِ الَّذِي يَسْرِي مِنْهُ الطَّلَاقُ إلَى الْبَاقِي كَمَا فِي الْعِتْقِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: لِحْيَتُك أَوْ ذَكَرُك طَالِقٌ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ وَقَعَ، أَوْ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ فَلَا، وَصَوَّرَ الرُّويَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا فَقَدَتْ يَمِينَهَا مِنْ الْكَتِفِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْمَقْطُوعَةِ مِنْ الْكَفِّ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ: حَفْصَةُ طَالِقٌ، وَرَأْسُ عَمْرَةَ بِرَفْعِ رَأْسٍ طَلُقَتَا، أَوْ بِجَرِّهِ لَمْ تَطْلُقْ عَمْرَةُ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، أَمَّا غَيْرُهُ فَتَطْلُقُ عَمْرَةُ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: يَدُك أُمُّ وَلَدٍ أَوْ لِلْمُلْتَقِطِ يَدُك ابْنِي لَمْ يَثْبُتْ بِهِ اسْتِيلَادٌ وَلَا نَسَبٌ لِعَدَمِ السِّرَايَةِ فِيهِمَا.
المتن: وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ اُشْتُرِطَ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، وَفِي الْإِضَافَةِ الْوَجْهَانِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَا) أَيْ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا (طَلُقَتْ) لِأَنَّ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا، حَيْثُ لَا يَنْكِحُ مَعَهَا أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا وَيَلْزَمُهُ صَوْنُهَا وَمُؤْنَتُهَا فَيَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِ لِحَلِّ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذَا الْحَجْرِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُقَيَّدَةٌ وَالزَّوْجُ كَالْقَيْدِ عَلَيْهَا وَالْحَلُّ يُضَافُ إلَى الْقَيْدِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْمُقَيَّدِ، فَيُقَالُ: حُلَّ فُلَانٌ الْمُقَيَّدُ وَحُلَّ الْقَيْدُ عَنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا) تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ خَرَجَ عَنْ الصَّرَاحَةِ بِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَشُرِطَ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي الْكِنَايَةِ مِنْ قَصْدِ الْإِيقَاعِ (وَكَذَا) لَا تَطْلُقُ (إنْ لَمْ يَنْوِ) مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ (إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ وَاللَّفْظُ مُضَافٌ إلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ صَارِفَةٍ تَجْعَلُ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ إضَافَةً إلَيْهَا، وَالثَّانِي تَطْلُقُ لِوُجُودِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْمَحَلِّ نُطْقًا أَوْ نِيَّةً. تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ: الْأُولَى أَنْ لَا يَنْوِيَ إيقَاعَهُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَنْوِيَ تَطْلِيقَ نَفْسِهِ، لَكِنْ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى بِالصَّحِيحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَقِيلَ: بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْك وَقَعَ أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا لَمْ يَقَعْ، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِانْتِظَامِ هَذَا الْعَمَلِ بِدُونِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ؛ وَلِهَذَا حَذَفَهَا الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ. قَالَ حِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَصَدَ طَلَاقَهَا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَاتٌ وَقَصَدَ طَلَاقَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَعَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَيُعَيِّنُ (وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ ) أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ (اُشْتُرِطَ نِيَّةُ) أَصْلِ (الطَّلَاقِ) قَطْعًا كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (وَفِي) نِيَّةِ (الْإِضَافَةِ) إلَيْهَا (الْوَجْهَانِ) فِي قَوْلِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَصَحُّهُمَا اشْتِرَاطُهَا، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ مُضَافًا إلَيْهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إذًا شُرِطَتْ فِي الصَّرِيحِ، وَهُوَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَفِي الْكِنَايَةِ وَهُوَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْلَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا ذَكَرَهَا تَمْيِيزًا بَيْنَ الْكِنَايَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ وَهِيَ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْك فَلَغْوٌ، وَقِيلَ إنْ نَوَى طَلَاقَهَا وَقَعَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْك) أَوْ أَنَا مُعْتَدٌّ مِنْك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَاسْتَبْرِئِي الرَّحِمَ الَّتِي كَانَتْ لِي (فَلَغْوٌ) وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فِي نَفْسِهِ، وَالْكِنَايَةُ شَرْطُهَا احْتِمَالُ اللَّفْظِ الْمُرَادِ (وَقِيلَ: إنْ) نَوَى بِهَذَا اللَّفْظِ (طَلَاقَهَا وَقَعَ) وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ اسْتَبْرِئِي الرَّحِمَ الَّتِي كَانَتْ لِي وَبِهِ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِنْكِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: طَلِّقْ امْرَأَتِي، فَقَالَ لَهُ طَلَّقْتُك وَنَوَى وُقُوعَهُ عَلَيْهِ لَمْ تَطْلُقْ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ، بِالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ.
المتن: خِطَابُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ وَتَعْلِيقُهُ بِنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسِ فَخَرَجَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ كَمَا قَالَ (خِطَابُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ (وَتَعْلِيقُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِنِكَاحٍ) كَإِنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ (وَغَيْرِهِ) أَيْ النِّكَاحِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (لَغْوٌ) أَيْ فَلَا تَطْلُقُ عَلَى زَوْجِهَا، أَمَّا الْمُنَجَّزُ فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَلِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَائِلِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ فَفَسَخَهُ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: انْفَسَخَتْ الْيَمِينُ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ بِفَسْخٍ بَلْ هُوَ حُكْمٌ بِإِبْطَالِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ الصَّحِيحَةَ لَا تَنْفَسِخُ.
المتن: وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعَبْدِ ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ: إنْ عَتَقْت أَوْ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ إذَا عَتَقَ أَوْ دَخَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعَبْدِ) طَلْقَةً (ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ: إنْ عَتَقْت أَوْ إنْ دَخَلْت) الدَّارَ مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ إذَا عَتَقَ) الْعَبْدُ (أَوْ دَخَلَتْ) زَوْجَتُهُ الدَّارَ (بَعْدَ عِتْقِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلثَّالِثَةِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَصْلَ النِّكَاحِ، وَهُوَ يُفِيدُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهَا فَلَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَهَا، وَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ الْحَائِلِ: إنْ وَلَدْت فَوَلَدُك حُرٌّ.
المتن: وَيَلْحَقُ رَجْعِيَّةً لَا مُخْتَلِعَةً، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ فَبَانَتْ ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ إنْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي ثَالِثٍ يَقَعُ إنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلَاثٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَلْحَقُ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، يُرِيدُ بِذَلِكَ لُحُوقَ الطَّلَاقِ، وَصِحَّةَ الظِّهَارِ، وَاللِّعَانِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْمِيرَاثِ (لَا مُخْتَلِعَةً) فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ (وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (بِدُخُولِ) الدَّارِ مَثَلًا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُمْكِنُ حُصُولُهُ فِي الْبَيْنُونَةِ (فَبَانَتْ) بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ: إمَّا بِعِوَضٍ أَوْ بِالثَّلَاثِ (ثُمَّ نَكَحَهَا) أَيْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا (ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ) بِذَلِكَ طَلَاقٌ (إنْ) كَانَتْ (دَخَلَتْ فِي) حَالِ (الْبَيْنُونَةِ) جَزْمًا لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ فِيهَا (وَكَذَا) لَا يَقَعُ (إنْ لَمْ تَدْخُلْ) فِي الْبَيْنُونَةِ بَلْ دَخَلَتْ فِي النِّكَاحِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ الَّذِي عَلَّقَ فِيهِ، وَالثَّانِي: يَقَعُ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي حَالَتَيْ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةِ، وَتَخَلُّلُ الْبَيْنُونَةِ لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ الْإِيقَاعِ وَلَا وَقْتَ الْوُقُوعِ (وَفِي) قَوْلٍ (ثَالِثٍ يَقَعُ إنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلَاثٍ) لِأَنَّ الْعَائِدَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلْقَاتِ مِنْ الْأَوَّلِ فَتَعُودُ بِصِفَتِهَا، وَهِيَ التَّعْلِيقُ بِالْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَتْ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا عَلَّقَ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْعَائِدُ طَلْقَاتٌ جَدِيدَةٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حُصُولُ الصِّفَةِ فِي الْبَيْنُونَةِ كَأَنْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ قَطْعًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ : مَا ذُكِرَ هُنَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ الْمُطْلَقِ. أَمَّا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا تَدْخُلُ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ أَبَانَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَبَعْدَ تَمَكُّنِهَا مِنْ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ تَدْخُلْ فَنَقَلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالتَّخَلُّصِ، وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَبَحَثْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَا أَجْنَحُ إلَى التَّخَلُّصِ وَهُوَ لَا يَلْوِي عَنْ كَوْنِهِ خَطَأً، وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا تَعَرَّضْتُ لَهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الصَّوَابُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوَّلًا. وَهُوَ التَّخَلُّصُ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ.
المتن: وَلَوْ طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ ثَلَّثَ عَادَتْ بِثَلَاثٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ طَلَّقَ) الزَّوْجُ الْحُرُّ (دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ) مَنْ طَلَّقَهَا (أَوْ جَدَّدَ) نِكَاحَهَا (وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ) وَإِصَابَةٍ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ (عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ زَوْجٍ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا بَعْدَ الزَّوْجِ فَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ: تَعُودُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ فَمَا دُونَهَا، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا إصَابَةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْإِبَاحَةِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ كَوَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ، وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ: مِنْهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ (وَإِنْ ثَلَّثَ) الطَّلَاقَ بِأَنْ طَلَّقَهَا أَثْلَاثًا وَجَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ دَخَلَ بِهَا وَفَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ (عَادَتْ بِثَلَاثٍ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الثَّانِي أَفَادَ حِلَّ النِّكَاحِ لِلْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَثَبَتَ نِكَاحٌ مُسْتَفْتِحٌ بِأَحْكَامِهِ.
المتن: وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ، وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ.
الشَّرْحُ: (وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ) وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا: {طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ}. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ، وَإِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرْ حُرِّيَّةُ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ} وَقَدْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ ثَالِثَةً كَذِمِّيٍّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّالِثَةَ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالطَّلْقَتَيْنِ. وَطَرَيَانُ الرِّقِّ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ السَّابِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَإِنَّهَا تَعُودُ لَهُ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُقَّ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ، وَمَنْ عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ بَقِيَ لَهُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ أَوْ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ لِاسْتِيفَائِهِ عَدَدَ الْعَبِيدِ فِي الرِّقِّ. وَلَوْ أَشْكَلَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ هَلْ وَقَعَ الطَّلْقَتَانِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ مَعْلُومَانِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الرِّقِّ حِينَ أَوْقَعَهُمَا، فَإِنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ الْعِتْقِ عَلَيْهِمَا وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى يَوْمِ الْعِتْقِ أَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتٍ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِوَقْتِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى يَوْمِ الطَّلَاقِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَادَّعَى الْعِتْقَ قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الرِّقِّ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ) وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً: لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}. فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ، فَقَالَ: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ رِقٌّ لِزَوْجَةٍ لِمَا مَرَّ. وَاعْتَبَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالنِّسَاءِ كَالْعِدَّةِ.
المتن: وَيَقَعُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ لَا بَائِنٍ، وَفِي الْقَدِيمِ تَرِثُهُ.
الشَّرْحُ: (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُطَلِّقِ كَمَا يَقَعُ فِي صِحَّتِهِ (وَيَتَوَارَثَانِ) أَيْ الزَّوْجُ الْمَرِيضُ وَزَوْجَتُهُ (فِي عِدَّةِ) طَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الرَّجْعَةِ بِلُحُوقِ الطَّلَاقِ لَهَا وَالْإِيلَاءِ مِنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (لَا) فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ (بَائِنٍ) لِانْقِطَاعِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ (وَفِي الْقَدِيمِ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ فَيَكُونُ جَدِيدًا (تَرِثُهُ) وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْثِ فَيُعَاقَبُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. تَنْبِيهٌ: لِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: كَوْنُ الزَّوْجَةِ وَارِثَةً، فَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا. ثَانِيهَا: عَدَمُ اخْتِيَارِهَا، فَلَوْ اخْتَلَعَتْ أَوْ سَأَلَتْ فَلَا. ثَالِثُهَا: كَوْنُ الْبَيْنُونَةِ فِي مَرَضِ مَخُوفٍ وَنَحْوِهِ وَمَاتَ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ فَلَا. رَابِعُهَا: كَوْنُهَا بِطَلَاقٍ لَا بِلِعَانٍ وَفَسْخٍ. خَامِسُهَا: كَوْنُهُ مُنْشَأً لِيُخْرِجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِهِ. سَادِسُهَا: كَوْنُهُ مُنَجَّزًا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَلَهَا حُكْمُ بَقِيَّةِ الْبَوَائِنِ إلَّا إنْ قَصَدَ بِطَلَاقِهَا فِرَارَهُ مِنْ الْإِرْثِ فَيَجْرِي فِي تَحْرِيمِهِ خِلَافُ تَحْرِيمِ بَيْعِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: تَرِثُهُ دُونَ يَتَوَارَثَانِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ.
المتن: قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَوْ (قَالَ) شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ وَلَوْ نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً (طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الصَّرِيحِ وَإِنْ لَمْ يُخَاطِبْهَا كَقَوْلِهِ: هَذِهِ طَالِقٌ (وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ) سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَفْسِيرِهِ بِهِ وَمَا احْتَمَلَ إذَا نَوَاهُ وَقَعَ كَالطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَتِهَا لِجَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْ تَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (وَكَذَا الْكِنَايَةُ) كَأَنْتِ بَائِنٌ إذَا نَوَى فِيهَا عَدَدًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ الْمَنْوِيُّ. قُلْت: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَاحِدَةٌ وَنَوَى عَدَدًا فَالْمَنْوِيُّ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ (وَنَوَى عَدَدًا فَوَاحِدَةً) لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ يُنَاقِضُ الْمَنْوِيَّ وَاللَّفْظُ أَقْوَى فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ الَّذِي رُجِّحَ، وَالرَّفْعُ وَالْجَرُّ وَالسُّكُونُ كَالنَّصْبِ فِي هَذَا وَفِيمَا سَيَأْتِي، وَتَقْدِيرُ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، وَالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجَرِّ عَلَى أَنْتِ ذَاتُ وَاحِدَةٍ، فَحَذَفَ الْجَارَّ وَأَبْقَى الْمَجْرُورَ بِحَالٍ كَمَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: كَيْفَ أَصْبَحْت. قَالَ خَيْرٍ: أَيْ بِخَيْرٍ، أَوْ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ لَحَنَ، وَاللَّحْنُ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ عِنْدَنَا وَالسُّكُونُ عَلَى الْوَقْفِ (وَقِيلَ) يَقَعُ (الْمَنْوِيُّ) لَا الْمَلْفُوظُ عَمَلًا بِالنِّيَّةِ، وَمَعْنَى أَنْتِ وَاحِدَةٌ: أَيْ أَنَّك تَتَوَحَّدِينَ مِنِّي بِالْعَدَدِ الَّذِي أَوْقَعْتُهُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ وَحَذَفَ طَالِقٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ وَاحِدَةٌ أَيْضًا ا هـ. وَيُؤَيِّدُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ وَبَيْنَ أَنْتِ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ وَحَذْفِ طَالِقٍ كَمَا سَيَأْتِي (قُلْت: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ) بِالرَّفْعِ (وَنَوَى عَدَدًا فَالْمَنْوِيُّ) حَمْلًا لِلتَّوَحُّدِ عَلَى التَّفَرُّدِ عَنْ الزَّوْجِ بِالْعَدَدِ الْمَنْوِيِّ لِقُرْبِهِ مِنْ اللَّفْظِ (وَقِيلَ) يَقَعُ (وَاحِدَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ لَفْظَ الْوِحْدَةِ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ. تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اعْتِبَارُ الْمَنْوِيِّ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: يَظْهَرُ مَجِيءُ الْخِلَافِ فِيهِ أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ مَا نَوَى أَوْ لَا يَقَعُ إلَّا ثِنْتَانِ؟ وَالرَّاجِحُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَوَى الثَّلَاثَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ ثِنْتَيْنِ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ رَفْعَ مَا وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ بَائِنٌ ثَلَاثًا وَنَوَى وَاحِدَةً فَهَلْ يُنْظَرُ إلَى اللَّفْظِ أَوْ إلَى النِّيَّةِ؟ وَجْهَانِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي الْجَزْمُ بِالثَّلَاثِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا اخْتَلَفَتْ مَعَ اللَّفْظِ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمَا.
المتن: وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ) أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا أَوْ أَخَذَ شَخْصٌ عَلَى فِيهِ (قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَحَلِّ الطَّلَاقِ قَبْلَ تَمَامِهِ (أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ) شُرُوعِهِ فِي قَوْلِهِ (ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلثَّلَاثِ حِينَ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَدْ تَمَّ مَعَهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي حَيَاتِهَا، أَوْ قَبْلَ إسْلَامِهَا، أَوْ قَبْلَ رِدَّتِهَا، أَوْ قَبْلَ إمْسَاكٍ فِيهِ (وَقِيلَ:) يَقَعُ (وَاحِدَةٌ) وَيُلْغَى قَوْلُهُ ثَلَاثًا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا (وَقِيلَ: لَا شَيْءَ) يَقَعُ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ نَقَلَا تَصْحِيحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، ثُمَّ قَالَا: وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ: الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَقَصَدَ أَنْ يُحَقِّقَهُ بِاللَّفْظِ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ ا هـ. وَصَحَّحَ هَذَا فِي الْأَنْوَارِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمَا ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَوْتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِثَالٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَمَّا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى عَزْمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فَمَاتَتْ، فَقَالَ: ثَلَاثًا. قَالَ الْإِمَامُ: لَا شَكَّ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ بَلْ يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَيْفَ سَبِيلُهُ، فَقِيلَ: قَوْلُهُ: ثَلَاثًا مَنْصُوبٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالتَّمْيِيزِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا جَهْلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ طَالِقٌ طَلَاقًا ثَلَاثًا، كَقَوْلِهِ: ضَرَبْت زَيْدًا شَدِيدًا، يَعْنِي ضَرْبًا شَدِيدًا. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَوْ إنْ لَمْ، وَقَالَ قَصَدْت الشَّرْطَ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا إلَّا إنْ مُنِعَ الْإِتْمَامَ كَأَنْ وَضَعَ غَيْرُهُ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَحَلَفَ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا لِلْقَرِينَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ، أَوْ كَأَلْفٍ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بِوَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فِي الثَّلَاثِ فَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ يَمْنَعُ لُحُوقَ الْعَدَدِ، وَذِكْرَ الْوَزْنِ فِي الثَّالِثَةِ مُلْغًى؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوزَنُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت كَمِائَةِ طَالِقٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى يُتِمَّ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْمَلَهَا وَلَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْوَانًا مِنْ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْوَاعًا مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْنَاسًا مِنْهُ أَوْ أَصْنَافًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ. فَإِنْ قِيلَ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْبَغِي وُقُوعُ الثَّلَاثِ كَمَا لَوْ قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا، فَقَالَتْ بِلَا نِيَّةٍ: طَلَّقْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّائِلَ فِي تِلْكَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ قَالَ: جَعَلْتهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ الدُّنْيَا أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْبَرَهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَشَدَّهُ أَوْ نَحْوَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعَدَدِ التُّرَابِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ لَا جَمْعٍ، أَوْ بِعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ؛ لِأَنَّهُ نَجَّزَ الطَّلَاقَ وَرَبَطَ عَدَدَهُ بِشَيْءٍ شَكَكْنَا فِيهِ فَنُوقِعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَنُلْغِي الْعَدَدَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ أَوْ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ كُلَّهُ، أَوْ يَا مِائَةُ طَالِقٍ، أَوْ أَنْت مِائَةُ طَالِقٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِظُهُورِ ذَلِكَ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَقَلَّ مِنْ طَلْقَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَقَعَ طَلْقَتَانِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي وَصَوَّبَهُ.
المتن: وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ، وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدًا فَوَاحِدَةٌ أَوْ اسْتِئْنَافًا فَثَلَاثٌ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَكَسَ فَثِنْتَانِ أَوْ بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى فَثَلَاثٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ، فَقَالَ (وَإِنْ) أَتَى بِثَلَاثِ جُمَلٍ تَكَرَّرَ فِيهَا لَفْظُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ كَأَنْ (قَالَ) لِمَدْخُولٍ بِهَا (أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ) سَوَاءٌ أَقَصَدَ التَّأْكِيدَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لَكِنْ إذَا قَالَ: قَصَدْت التَّأْكِيدَ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الْخَبَرِ فَقَطْ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ فَكَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْقَاضِي فِي قَوْلٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ الْمُكَرَّرَ بَلْ نَصَبَهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ، لَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلْقَتَانِ، وَالتَّقْدِيرُ إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْفَصْلِ أَنْ يَسْكُتَ فَوْقَ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الِاتِّصَالِ لَا كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّهُ كَلَامُ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ. أَمَّا الْمُعَلَّقِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَعَدَّدُ إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ، فَإِنْ نَوَاهُ تَعَدَّدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ، فَقَصْدُ الِاسْتِئْنَافِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ فَصْلٌ (فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدًا) أَيْ قَصَدْنَا تَأْكِيدَ الْأُولَى بِالْأَخِيرَتَيْنِ (فَوَاحِدَةٌ) أَيْ تَقَعُ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي كَلَامِهِمْ مَعْهُودٌ فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ. تَنْبِيهٌ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ اشْتِرَاطَ نِيَّةِ التَّأْكِيدِ مِنْ أَوَّلِ التَّأْسِيسِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ (أَوْ) قَصَدَ (اسْتِئْنَافًا فَثَلَاثٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ وَتَأْكِيدٌ بِالنِّيَّةِ (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا يَقَعُ ثَلَاثٌ (فِي الْأَظْهَرِ) عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَلِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَالثَّانِي لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ مُحْتَمَلٌ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّفْصِيلُ يَأْتِي فِي تَكْرِيرِ الْكِنَايَاتِ كَقَوْلِهِ: اعْتَدِّي، اعْتَدِّي، اعْتَدِّي، كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، لَوْ كَانَتْ الْأَلْفَاظُ مُخْتَلِفَةً وَنَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بِكُلِّ لَفْظَةٍ طَلْقَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ أَلْفَاظُ الصَّرِيحِ كَأَنْتَ مُطَلَّقَةٌ، أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَقَعُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ قَطْعًا، حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْإِطْلَاقِ مَا لَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ا هـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَتَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ التَّأْكِيدَ بِثَلَاثٍ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إرَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالرَّابِعَةِ. وَقَالَ فِي التَّوْشِيحِ: أَنَّهُ الَّذِي يُتَّجَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ الْعَرَبَ لَا تُؤَكِّدُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْحُكْمُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي صُورَةِ تَكْرِيرِهِ ثَلَاثًا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّلَ أَنَّ الرَّابِعَةَ تَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ لِفَرَاغِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ التَّأْكِيدُ بِمَا يَقَعُ لَوْلَا قَصْدُ التَّأْكِيدِ فَلَأَنْ يُؤَكِّدَ بِمَا لَا يَقَعُ عِنْدَ قَصْدِ التَّأْكِيدِ أَوْلَى ا هـ. وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّأْكِيدُ مُطْلَقًا كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا) لِلْأُولَى (وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ اسْتِئْنَافًا وَبِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدًا لِلثَّانِيَةِ (فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ بِقَصْدِهِ، وَلَيْسَ هَذَا عَكْسُ صُورَةِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي قَوْلِهِ (أَوْ) قَصَدَ (بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى) وَبِالثَّانِيَةِ الِاسْتِئْنَافَ (فَثَلَاثٌ فِي الْأَصَحِّ) لِتَخَلُّلِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمُؤَكَّدِ وَالْمُؤَكِّدِ. وَالثَّانِي: طَلْقَتَانِ وَيُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ. تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مَا لَوْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا، أَوْ بِالثَّالِثَةِ الِاسْتِئْنَافَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا، وَالْأَظْهَرُ وُقُوعُ ثَلَاثٍ فِيهِمَا.
المتن: وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ، لَا الْأَوَّلِ بِالثَّانِي، وَهَذِهِ الصُّوَرُ فِي مَوْطُوءَةٍ، فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَدَخَلَتْ فَثِنْتَانِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ) كَرَّرَ الْخَبَرَ بِعَطْفٍ كَأَنْ (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ) بِالْوَاوِ كَمَا مُثِّلَ أَوْ الْفَاءِ أَوْ ثُمَّ (صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصِّيغَةِ (لَا) تَأْكِيدِ (الْأَوَّلِ بِالثَّانِي) لِاخْتِصَاصِ الثَّانِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَمُوجِبُهُ التَّغَايُرِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيه نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَفِيهَا قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ (وَهَذِهِ الصُّوَرُ) السَّابِقَةُ كُلُّهَا (فِي) زَوْجَةٍ (مَوْطُوءَةٍ) غَيْرِ مُخَالَعَةٍ (فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا (وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (إنْ دَخَلْت الدَّارَ) مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ (فَدَخَلَتْ) هَا (فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِالدُّخُولِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَقَعَانِ مَعًا، وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً كَالْمُنَجَّزِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَطَفَ بِثُمَّ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَمْ يَقَعْ بِالدُّخُولِ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الشَّرْطَ أَمْ أَخَّرَهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ طَلْقَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ طَلْقَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ، بِخِلَافِ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ التَّلَفُّظُ بِالثَّلَاثِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَائِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فِي الْإِقْرَارِ لَا يَدْخُلُ الطَّرَفُ الْأَخِيرُ، فَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ فَأَدْخَلْنَا الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ الْمُقِرِّ بِهَا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ بِمَعْنَى مِنْ بِقَرِينَةِ إلَى كَمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهَا الصَّادِقَةُ بِالْبَيْنِيَّةِ بِجَعْلِ الثَّلَاثِ بِمَعْنَى الثَّالِثَةِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ، وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ) طَلْقَةٍ (أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ) أُخْرَى (فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ لِقَبُولِ الْمَحَلِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ مَعًا وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقِيلَ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَيُبْنَى عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ (وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ) يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ (فِي الْأَصَحِّ) عَلَى قَوْلِ الْمَعِيَّةِ، وَعَلَى التَّرْتِيبِ وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِهَا.
المتن: وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ، وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ) طَلْقَةً (بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ (فِي مَوْطُوءَةٍ) إذْ مُقْتَضَاهُ إيقَاعُ إحْدَاهُمَا فِي الْحَالِ وَتَعْقُبُهَا الْأُخْرَى فَيَقَعَانِ كَذَلِكَ (وَطَلْقَةٌ) فَقَطْ (فِي غَيْرِهَا) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَلَمْ تُصَادِفْ الثَّانِيَةَ نِكَاحًا (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ) طَلْقَةً (قَبْلَهَا طَلْقَةٌ) أَوْ تَحْتَ طَلْقَةٍ، أَوْ تَحْتَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ، أَوْ فَوْقَهَا طَلْقَةٌ (فَكَذَا) يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَيَقَعُ بِهِ أَوَّلًا الْمُضَمَّنَةُ ثُمَّ الْمُنَجَّزَةُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ بَعْدَ طَلْقَةٍ، أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ، أَوْ تَحْتَهَا طَلْقَةٌ. وَبِالْعَكْسِ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ، أَوْ فَوْقَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ تَحْتَ طَلْقَةٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَبْلَهَا طَلْقَةٌ مَمْلُوكَةٌ أَوْ ثَابِتَةٌ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ، نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَأَقَرَّاهُ فَلْيُقَيِّدْ بِهِ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ، وَوَقَعَ فِي تَحْتَ وَفَوْقَ خِلَافٌ هَلْ هُمَا كَمَعَ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَعَلَيْهِ مَشَى شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ، أَوْ هُمَا كَبَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا طَلْقَةٌ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ تُوَزَّعُ قَبْلُ وَبَعْدُ ثُمَّ يَكْمُلُ النِّصْفَانِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَمْ تَطْلُقْ، كَذَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي، وَحَكَاهُ فِي التَّهْذِيبِ عَنْ الْمُهَذَّبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
المتن: وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مَعَ فَطَلْقَتَانِ أَوْ الظَّرْفَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ أَوْ ظَرْفًا فَوَاحِدَةٌ، أَوْ حِسَابًا وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ فَطَلْقَةٌ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَطَلْقَةٌ، وَفِي قَوْلٍ ثِنْتَانِ إنْ عَرَفَ حِسَابًا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ) بِفِي طَلْقَةٍ مَعْنَى (مَعَ) طَلْقَةٍ (فَطَلْقَتَانِ) لِأَنَّ فِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَ اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ}؟ (أَوْ) أَرَادَ (الظَّرْفَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ) لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا بِأَنْ (أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ) فِي الْجَمِيعِ إذَا اقْتَضَى الظَّرْفُ وَالْحِسَابُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُحَقِّقُ فِي الْإِطْلَاقِ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ) وَلَمْ يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ (فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) مِمَّا ذَكَرَ مِنْ إرَادَةِ الْمَعِيَّةِ أَوْ الظَّرْفِ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ عَدَمِ إرَادَةِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ. تَنْبِيهٌ: لَفْظَةُ نِصْفُ الثَّانِيَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَهُوَ صَوَابٌ كَمَا ذَكَرْت فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ قَصْدِ الْمَعِيَّةِ طَلْقَتَانِ وَعَلَى إثْبَاتِهَا لَوْ أَرَادَ نِصْفًا مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ فَطَلْقَتَانِ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَعِيَّةَ فَثِنْتَانِ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ) بِفِي طَلْقَتَيْنِ (مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ) لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ (أَوْ ظَرْفًا فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُقُوعُ الْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ، وَمَسْأَلَةُ قَصْدِ الظَّرْفِ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ مَعَ ذِكْرِ الْوَجِيزِ لَهَا (أَوْ) قَصَدَ (حِسَابًا وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ) لِأَنَّهُمَا مُوجِبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ (وَإِنْ جَهِلَهُ) أَيْ الْحِسَابَ (وَقَصَدَ مَعْنَاهُ) عِنْدَ أَهْلِهِ (فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ (وَقِيلَ) الْوَاقِعُ (ثِنْتَانِ) لِأَنَّهُ مُوجِبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ كَمَا مَرَّ وَقَدْ قَصَدَهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ (وَإِنْ) أَطْلَقَ بِأَنْ (لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَطَلْقَةٌ) فِي الْأَظْهَرِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْحِسَابَ أَمْ جَهِلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحِسَابَ وَالظَّرْفَ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ طَلْقَةٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَفِي قَوْلِ) الْوَاقِعِ (ثِنْتَانِ إنْ عَرَفَ حِسَابًا) حَمْلًا عَلَيْهِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ بَعْضَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (بَعْضَ طَلْقَةٍ) أَوْ عَيَّنَ الْبَعْضَ كَرُبْعِ طَلْقَةٍ (فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَإِيقَاعُ بَعْضِهِ كَإِيقَاعِ كُلِّهِ لِقُوَّتِهِ، وَقَدْ حَكَى فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ، وَهَلْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، أَوْ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ أَوْقَعْنَا ثَلَاثًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِي الْإِيقَاعِ لَا فِي الرَّفْعِ. الثَّانِيَةُ: إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا فَقِيلَ يُسْتَحَقُّ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ طَلْقَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ. وَقِيلَ: نِصْفُ الْأَلْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ نِصْفَ الثَّلَاثِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّاجِحَ السِّرَايَةُ (أَوْ) قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَلْقَةٌ، وَكَذَا كُلُّ تَجْزِئَةٍ لَا تَزِيدُ أَجْزَاؤُهَا عَلَى طَلْقَةٍ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ) فَيَقَعَ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِقَصْدِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ): أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ) يَقَعُ بِهِ (طَلْقَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ نِصْفُهُمَا، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ فَلَا نُوقِعُ مَا زَادَ بِالشَّكِّ. وَالثَّانِي يَقَعُ طَلْقَتَانِ نَظَرًا إلَى نِصْفِ كُلِّ طَلْقَةٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ قَطْعًا (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ) يَقَعُ بِهِ (طَلْقَتَانِ) فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِزِيَادَةِ النِّصْفِ الثَّالِثِ عَلَى الطَّلْقَةِ فَتُحْسَبُ مِنْ أُخْرَى. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِتَكْرِيرِ لَفْظِ طَلْقَةٍ مَعَ الْعَطْفِ. وَقِيلَ: لَا يَقَعُ فِيهِمَا إلَّا طَلْقَةٌ إلْغَاءً لِلزِّيَادَةِ فِي الْأُولَى، وَنَظَرًا فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُضَافَيْنِ مِنْ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَزِدْ الْمُكَرَّرُ عَلَى أَجْزَاءِ طَلْقَتَيْنِ كَخَمْسَةِ أَثْلَاثٍ أَوْ سَبْعَةِ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ، فَإِنْ زَادَ كَسَبْعَةِ أَثْلَاثِ أَوْ تِسْعَةِ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُقُوعِ طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ فِي الْأَصَحِّ لِانْتِفَاءِ تَكَرُّرِ لَفْظِ طَلْقَةٍ وَلَمْ يَزِدْ مَجْمُوعُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ عَلَى طَلْقَةٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ لِانْتِفَاءِ الْعَطْفِ. تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ أَنَّهُ إنْ كَرَّرَ لَفْظَ طَلْقَةٍ مَعَ الْعَاطِفِ وَلَمْ تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عَلَى طَلْقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ طَلْقَةً، وَإِنْ أَسْقَطَ لَفْظَ طَلْقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، أَوْ أَسْقَطَ الْعَاطِفَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ طَلْقَةٍ رُبْعَ طَلْقَةٍ كَانَ الْكُلُّ طَلْقَةً، فَإِنْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ كَنِصْفِ وَثُلُثِ وَرُبْعِ طَلْقَةٍ كَمُلَ الزَّائِدُ مِنْ طَلْقَةٍ أُخْرَى وَوَقَعَ بِهِ طَلْقَةٌ، وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَهَا وَنِصْفَهَا فَثَلَاثٌ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالنِّصْفِ الثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي فَطَلْقَتَانِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ، فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ، وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ ثَلَاثٌ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِبَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ) مِنْهُنَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ (طَلْقَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِنَّ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ بَعْضُ طَلْقَةٍ فَتَكْمُلُ (فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ (فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ، وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ ثَلَاثٌ) عَمَلًا بِقَصْدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ لِبُعْدِهِ عَنْ الْفَهْمِ، وَلَوْ قَالَ: خَمْسًا أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا فَطَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّوْزِيعَ، وَلَوْ قَالَ: تِسْعًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِبَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ) مُبْهَمًا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَوْ مُعَيَّنًا كَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ (لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي شَرِكَتَهُنَّ وَلَكِنْ يُدَيَّنُ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ بَيْنِكُنَّ لِمَا أَرَادَهُ، بِخِلَافِ عَلَيْكُنَّ فَلَا يُقْبَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْضَهُنَّ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ فَضَّلَ بَعْضَهُنَّ عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ " ثَلَاثًا " ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إيقَاعَ طَلْقَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ وَقِسْمَةَ الْأُخْرَى عَلَى الْبَاقِيَاتِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَهُوَ وَجْهٌ وَحَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْقَبُولُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْقَعَ بَيْنَ أَرْبَعٍ أَرْبَعَةً وَقَالَ: أَرَدْت عَلَى ثِنْتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ لَحِقَ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَتَانِ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَلَحِقَ الْأُخْرَيَيْنِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الطَّلَاقُ فِي بَعْضِهِنَّ، وَلَوْ قَالَ: أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ سُدُسَ طَلْقَةٍ وَرُبْعَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ ثَلَاثًا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ تَغَايُرَ الْأَجْزَاءِ وَعَطْفَهَا يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ جُزْءٍ بَيْنَهُنَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا رَجَّحَهُ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ.
المتن: وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ، فَإِنْ نَوَى طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرُ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ طَلَّقَهَا) أَيْ إحْدَى زَوْجَاتِهِ (ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا) أَوْ جَعَلْتُك شَرِيكَتَهَا (أَوْ أَنْتِ) مِثْلُهَا، أَوْ (كَهِيَ، فَإِنْ نَوَى) بِذَلِكَ طَلَاقَهَا الْمُنَجَّزَ (طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا) تَطْلُقُ لِاحْتِمَالِ قَصَدْتُ أَنَّ الْأُولَى لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الْأُخْرَى لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إذَا دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ قَبْلُ وَطَلُقَتَا بِدُخُولِهَا، أَوْ أَرَدْت تَعْلِيقَ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ بِدُخُولِهَا نَفْسِهَا كَمَا فِي الْأُولَى قُبِلَ وَتَعَلَّقَ طَلَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُخُولِ نَفْسِهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ (وَكَذَا لَوْ) طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ، وَ (قَالَ) رَجُلٌ (آخَرُ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ) كَقَوْلِهِ: أَشْرَكْتُك مَعَ مُطَلَّقَةِ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ جَعَلْتُك شَرِيكَتَهَا، فَإِنْ نَوَى طَلَاقَهَا طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ أَشْرَكَهَا مَعَ ثَلَاثٍ طَلَّقَهُنَّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَنَوَى وَأَرَادَ أَنَّهَا شَرِيكَةُ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، أَوْ أَنَّهَا مِثْلُ إحْدَاهُنَّ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً وَلَا عَدَدًا لِأَنَّ جَعْلَهَا كَإِحْدَاهُنَّ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَأَظْهَرُ مِنْ تَقْدِيرِ تَوْزِيعِ كُلِّ طَلْقَةٍ، وَإِنْ أَشْرَكَهَا مَعَ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ثَلَاثًا وَنَوَى الشَّرِكَةَ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا مَعَهَا فِي ثَلَاثٍ فَيَخُصُّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَتَكْمُلُ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا مَعَهَا فِي كُلِّ طَلْقَةٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَلَوْ أَوْقَعَ بَيْنَ ثَلَاثٍ طَلْقَةً ثُمَّ أَشْرَكَ الرَّابِعَةَ مَعَهُنَّ وَقَعَ عَلَى الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ، وَعَلَى الرَّابِعَةِ طَلْقَتَانِ، إذْ يَخُصُّهَا بِالشَّرِكَةِ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الثَّلَاثِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ: أَشْرَكْتُك مَعَهَا ثُمَّ لِلثَّالِثَةِ أَشْرَكْتُك مَعَ الثَّانِيَةِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا مِنْ الْأُولَى طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، وَالثَّالِثَةِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا عَلِمَ طَلَاقَ الَّتِي شُورِكَتْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي مِثْلَ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ طَلَّقَ زَيْدٌ وَنَوَى عَدَدَ طَلَاقِ زَيْدٍ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَمُرَادُهُ الْعَدَدُ لَا أَصْلُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
|