الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ أَوَّلِهِ وَقَعَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، أَوْ فِي نَهَارِهِ أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ، أَوْ آخِرِهِ فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَوْقَاتِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ) أَوْ رَأْسِهِ (أَوْ أَوَّلِهِ) أَوْ دُخُولِهِ أَوْ مَجِيئِهِ أَوْ ابْتِدَائِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ أَوْ أَوَّلِ آخِرِ أَوَّلِهِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِأَوَّلِ جُزْءٍ) مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى (مِنْهُ) أَيْ مَعَهُ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَوَجْهُهُ فِي شَهْرِ كَذَا أَنَّ الْمَعْنَى إذَا جَاءَ شَهْرُ كَذَا وَمَجِيئُهُ يَتَحَقَّقُ بِمَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي دُخُولِهِ بِبَلَدِ التَّعْلِيقِ، فَلَوْ عَلَّقَ بِبَلَدِهِ وَانْتَقَلَ إلَى أُخْرَى وَرَأَى فِيهَا الْهِلَالَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ فِي تِلْكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَأَى الْهِلَالَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِهَا لِأَنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي نَهَارِهِ) أَيْ شَهْرِ كَذَا (أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ شَهْرِ كَذَا (فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ) مِنْهُ تَطْلُقُ إذْ الْفَجْرُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَأَوَّلُ الْيَوْمِ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، فَإِنْ أَرَادَ وَسَطَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ، وَقَدْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ أَرَادَ مِنْ الْأَيَّامِ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غُرَّتَهُ دِينَ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ فِيهِمَا. وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ غُرَرٌ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِغُرَّتِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ النِّصْفَ مَثَلًا لَمْ يُدَيَّنْ؛ لِأَنَّ غُرَّةَ الشَّهْرِ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَرَأْسَهُ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا وَهُوَ فِيهِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ وَهُوَ فِيهِ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَتَطْلُقُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ الْقَابِلِ، إذْ التَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ فِي (آخِرِهِ) أَيْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَلَخَهُ (فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ) تَطْلُقُ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ) تَطْلُقُ (بِأَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ) مِنْهُ إذْ كُلُّهُ آخِرُ الشَّهْرِ فَيَقَعُ بِأَوَّلِهِ، وَرُدَّ بِسَبْقِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَهْمِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لَيْلًا إذَا مَضَى يَوْمٌ فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ، أَوْ نَهَارًا فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ
الشَّرْحُ: فُرُوعٌ: لَوْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِ آخِرِهِ طَلُقَتْ أَيْضًا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ وَأَوَّلَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَآخِرُ أَوَّلِهِ الْغُرُوبُ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ قَبْلَ زَوَالِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ إنَّمَا هُوَ آخِرُ الْيَوْمِ لَا آخِرُ أَوَّلِهِ، وَإِنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ آخِرِهِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آخِرِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِهِ طَلُقَتْ بِآخِرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ بِآخِرِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ بِالْحَقِيقَةِ. وَلَوْ عَلَّقَ بِانْتِصَافِ الشَّهْرِ طَلُقَتْ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ عَلَّقَ بِنِصْفِ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ طَلُقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ الثَّامِنِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ نِصْفِهِ سَبْعُ لَيَالٍ وَنِصْفٌ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَاللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ فَيُقَابِلُ نِصْفَ لَيْلَةٍ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَتُجْعَلُ ثَمَانِ لَيَالٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا وَسَبْعُ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا، وَلَوْ عَلَّقَ بِنِصْفِ يَوْمٍ كَذَا طَلُقَتْ عِنْدَ زَوَالِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ يُحْسَبُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ شَرْعًا وَنِصْفُهُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ طَلُقَتْ بِالْغُرُوبِ إنْ عَلَّقَ نَهَارًا وَإِلَّا فَبِالْفَجْرِ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَجُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ، إذْ لَا فَاصِلَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَقْيَسُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا فِي زَمَنٍ (وَلَوْ قَالَ لَيْلًا) أَيْ فِيهِ (إذَا مَضَى يَوْمٌ) بِالتَّنْكِيرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ) تَطْلُقُ إذْ يَتَحَقَّقُ بِهِ مُضِيُّ الْيَوْمِ (أَوْ) قَالَهُ (نَهَارًا) أَيْ فِيهِ (فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ) تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ فِي جَمِيعِهِ مُتَوَاصِلًا كَانَ أَوْ مُتَفَرِّقًا، فَإِنْ فُرِضَ انْطِبَاقُ التَّعْلِيقِ عَلَى أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَعَ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، إذَا تَمَّ التَّعْلِيقُ وَاسْتَعْقَبَهُ أَوَّلُ النَّهَارِ، أَمَّا لَوْ ابْتَدَأَهُ النَّهَارُ فَقَدْ مَضَى جُزْءٌ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَقَعُ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ.
المتن: أَوْ الْيَوْمُ، فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَإِلَّا لَغَا، وَبِهِ يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) قَالَ إذَا مَضَى (الْيَوْمُ) بِالتَّعْرِيفِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ) تَطْلُقُ وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ الْبَاقِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ فَاللَّامُ الْعَهْدِ فَانْصَرَفَ إلَى الْيَوْمِ الْحَاضِرِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَهُ لَيْلًا (لَغَا) أَيْ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، إذْ لَا نَهَارَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْهُودِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الْجِنْسِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الدُّنْيَا فَكَانَتْ صِفَةً مُسْتَحِيلَةً. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَقُولَ: إذَا مَضَى الْيَوْمُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِرَفْعِ الْيَوْمِ، أَمَّا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ بِالنَّصْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ النَّهَارَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ، وَسَمَّى الزَّمَانَ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ (وَبِهِ) أَيْ الْيَوْمِ (يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ) وَالشَّهْرُ وَالسَّنَةُ. فَإِذَا قَالَ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ إذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَمِنْ لَيْلَةِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَوْ يَوْمِهِ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ التَّعْلِيقُ مِنْ لَيْلَتِهِ أَوْ يَوْمِهِ؛ فَإِنْ عَلَّقَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الشَّهْرِ كَفَى بَعْدَهُ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ، وَإِذَا قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ مَعَ إكْمَالِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّالِثَ عَشَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِذَا أَرَادَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ فَقَدْ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَإِنْ قَالَ: إذَا مَضَى الشَّهْرُ أَوْ قَالَ: السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ تِلْكَ السَّنَةِ وَالْمُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْعَرَبِيَّةُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت غَيْرَهَا أَوْ أَرَدْت بِالسَّنَةِ مُعَرَّفَةً سَنَةً كَامِلَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ظَاهِرًا لِتُهْمَةِ التَّأْخِيرِ، وَيُدَيَّنُ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، نَعَمْ لَوْ كَانَ بِبِلَادِ الرُّومِ أَوْ الْفُرْسِ فَيَنْبَغِي قَبُولُ قَوْلِهِ. قَالَ: وَلَوْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ شُهُورٍ أَوْ الشُّهُورِ فَبِمُضِيِّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي، وَبِمُضِيِّ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عِنْدَ الْجِيلِيِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوْ السَّاعَاتِ فَبِمُضِيِّ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةُ سَاعَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ا هـ. وَكَلَامُ الْجِيلِيِّ أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَكَّ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ التَّعْلِيقِ هَلْ تَمَّ الْعَدَدُ أَوْ لَا عَمِلَ بِالْيَقِينِ وَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ، حَالَ التَّرَدُّدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُضِيِّ الْعَدَدِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمُسْتَحِيلٍ عُرْفًا كَصُعُودِ السَّمَاءِ وَالطَّيَرَانِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى إذَا أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَادَ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} أَوْ عَقْلًا كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى عَلَى غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ شَرْعًا كَنَسْخِ رَمَضَانَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَجِّزْ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ، وَالْيَمِينُ فِيمَا ذُكِرَ مُنْعَقِدَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا الْمُعَلَّقُ عَلَى الْحَلِفِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا قَالُوا فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهَا ثَمَّ لَيْسَ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُسْتَحِيلِ، بَلْ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِمُسْتَحِيلٍ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبِرِّ يَهْتِكُ حُرْمَةَ الِاسْمِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ.
المتن: أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ لَغْوٌ أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ، وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ قَالَ طَلَّقْت فِي نِكَاحٍ آخَرَ، فَإِنْ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْحُ: (أَوْ) قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ) أَوْ الشَّهْرَ الْمَاضِي أَوْ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ (وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ) عَلَى الصَّحِيحِ وَلَغَا قَصْدُ الِاسْتِنَادِ إلَى أَمْسِ لِاسْتِحَالَتِهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَصَدَ إيقَاعَهُ أَمْسِ، أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ شَيْئًا أَوْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ خَرَسٍ وَلَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةٌ، لَكِنْ فِي صُورَةِ قَصْدِ إيقَاعِهِ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ (وَقِيلَ: لَغْوٌ) لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ طَلَاقًا مُسْتَنِدًا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِنَادُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إنْشَاءَ طَلَاقٍ لَا حَالًّا وَلَا مَاضِيًا بَلْ (قَصَدَ) الْإِخْبَارَ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ (أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ) فِي هَذَا النِّكَاحِ (وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ) مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْإِضَافَةِ إلَى أَمْسِ وَتُحْسَبُ عِدَّتُهَا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ إنْ صَدَّقَتْهُ وَإِلَّا بِأَنْ كَذَّبَتْهُ، أَوْ قَالَتْ: لَا عِلْمَ لِي كَمَا فِي الْكَافِي حِينَ الْإِقْرَارِ (أَوْ) قَصَدَ بِمَا (قَالَ: طَلَّقْت) هَذِهِ (فِي نِكَاحٍ آخَرَ) غَيْرِ نِكَاحِي هَذَا وَبَانَتْ مِنِّي ثُمَّ جَدَّدْت نِكَاحَهَا أَوْ طَلَّقَهَا زَوْجٌ آخَرُ فِي نِكَاحٍ سَابِقٍ (فَإِنْ عُرِفَ) نِكَاحٌ سَابِقٌ وَطَلَاقٌ فِيهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي إرَادَةِ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ، نَعَمْ إنْ صَدَّقَتْهُ فِيهَا فَلَا يَمِينَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا ذِكْرٌ (فَلَا) يُصَدَّقُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِبُعْدِ دَعْوَاهُ. تَنْبِيهٌ: نُقِلَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْإِمَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِيمَا قَالَهُ بِاحْتِمَالِهِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْكَبِيرِ عَلَى بَحْثِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ إلَيْهِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَا فِي الْكِتَابِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: طَلُقَتْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ، وَلَوْ قَالَ نَهَارًا: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَمْسِ، أَوْ أَمْسِ غَدٍ بِالْإِضَافَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ غَدَ أَمْسِ، وَأَمْسِ غَدٍ هُوَ الْيَوْمُ، فَإِنْ قَالَهُ لَيْلًا وَقَعَ غَدًا فِي الْأُولَى وَحَالًا فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ غَدًا أَوْ غَدًا أَمْسِ بِغَيْرِ إضَافَةٍ لَغَا ذِكْرُ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْغَدِ وَبِأَمْسِ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوعُ فِيهِمَا وَلَا الْوُقُوعُ فِي أَمْسِ فَيَتَعَيَّنُ الْوُقُوعُ فِي الْغَدِ لِإِمْكَانِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا وَقَعَ طَلْقَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْيَوْمَ طَالِقٌ غَدًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ نِصْفَهَا الْيَوْمَ وَنِصْفَهَا الْآخَرَ غَدًا وَقَعَ أَيْضًا طَلْقَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَا أَخَّرَهُ تَعَجَّلَ، فَإِنْ أَرَادَ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ غَدًا وَقَعَ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ تَبِينَ بِالْأُولَى، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ طَلُقَتْ طَلْقَةً غَدًا فَقَطْ، وَلَا تَطْلُقُ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِالْغَدِ، وَذِكْرُهُ الْيَوْمَ بَعْدَهُ لِتَعْجِيلِ الطَّلَاقِ بِالْمُعَلَّقِ وَهُوَ لَا يَتَعَجَّلُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ أَوْ فِي اللَّيْلِ وَفِي النَّهَارِ وَقَعَ فِي كُلٍّ طَلْقَتَانِ فِي الْأُولَى فِي الْيَوْمَيْنِ وَطَلْقَتَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً بِاللَّيْلِ وَأُخْرَى بِالنَّهَارِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الظَّرْفِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ الدَّلِيلُ بِوَاضِحٍ فَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَظْرُوفُ وَيَخْتَلِفُ الظَّرْفُ ا هـ. وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي كُلٍّ طَلْقَةٌ فَقَطْ لِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِلِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا طَلُقَتْ فِي الْغَدِ فَقَطْ لِمَا ذُكِرَ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ، فَإِنْ نَوَى طَلْقَةً تَقَعُ فِي يَوْمٍ لَا فِي تَالِيهِ وَهَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَفَاضِلَةٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ الْغَدُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِوُجُودِهَا فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، وَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَهُ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي أَوْ فِي حَيَاتِي طَلُقَتْ فِي الْحَالِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَإِنْ ضَمَّ الْقَافَ وَفَتَحَ الْبَاءَ مِنْ قُبَلَ، أَوْ قَالَ قُبَيْلَ بِالتَّصْغِيرِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مَا ذُكِرَ مِنْ فَتْحِ بَاءِ قُبَلَ غَلَطٌ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ ضَمُّ الْبَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ قَبْلِ مَوْتِي طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَبْلِ مَوْتِهِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَا بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا بَعْدَهُ الشَّهْرُ طَلُقَتْ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ فَقُبَيْلَ فَجْرِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إنْ كَانَ تَامًّا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ بِلَيْلَتِهِ فَقُبَيْلَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ إنْ كَانَ تَامًّا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَمَا قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا قَبْلَهُ الشَّهْرَ طَلُقَتْ بِمُسْتَهَلِّ ذِي الْقَعْدَةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْيَوْمَ بِاللَّيْلَةِ بَعْدَهُ فَفِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ اللَّيْلَةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ أَوَّلِ شَوَّالٍ، وَلَوْ عَلَّقَ بِالطَّلَاقِ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ طَلُقَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ أَنَّهَا تَطْلُقُ أَوَّلَ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ بِأَفْضَلَ الْأَيَّامِ طَلُقَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ بِأَفْضَلِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ طَلُقَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ بِأَفْضَلِ الشُّهُورِ طَلُقَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سَيِّدُ الشُّهُورِ رَمَضَانُ}.
المتن: وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ: مَنْ كَمَنْ دَخَلَتْ، وَإِنْ وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا وَكُلَّمَا وَأَيُّ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْت، وَلَا يَقْتَضِينَ فَوْرًا إنْ عُلِّقَ بِإِثْبَاتٍ فِي غَيْرِ خُلْعٍ إلَّا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَلَا تَكْرَارًا إلَّا كُلَّمَا، وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا. فَقَالَ (وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ) وَذَكَرَ مِنْهَا سَبْعَةً وَهِيَ (مَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (كَمَنْ دَخَلَتْ) مِنْ نِسَائِي الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ (وَإِنْ) وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَإِذَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) بِزِيَادَةِ مَا (وَكُلَّمَا) دَخَلَتْ الدَّارَ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِي فَهِيَ طَالِقٌ (وَأَيُّ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْت) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَيُضَافُ لِهَذِهِ السَّبْعَةَ عَشَرَ أَدَوَاتٌ أُخْرَى، وَهِيَ إذْمَا عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ وَمَهْمَا وَهِيَ بِمَعْنَى مَا وَمَا الشَّرْطِيَّةُ وَإِذْمَا وَأَيَّامَا كَلِمَةً وَأَيَّانَ وَهِيَ كَمَتَى فِي تَعْمِيمِ الْأَزْمَانِ، وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا لِتَعْمِيمِ الْأَمْكِنَةِ، وَكَيْفَمَا لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الْأَحْوَالِ. تَنْبِيهٌ: فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ بِلَا فِي بَلَدٍ عَمَّ الْعُرْفُ فِيهَا كَقَوْلِ أَهْلِ بَغْدَاد: أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ، وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ أَيْضًا بَلْو كَأَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَ) هَذِهِ الْأَدَوَاتُ (لَا يَقْتَضِينَ) بِالْوَضْعِ (فَوْرًا) فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَا تَرَاخِيًا (إنْ عُلِّقَ بِإِثْبَاتٍ) أَيْ بِمُثْبَتٍ كَالدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ (فِي غَيْرِ خُلْعٍ) أَمَّا فِيهِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْفَوْرِيَّةَ فِي بَعْضِ صِيَغِهِ كَإِنْ وَإِذَا: كَإِنْ ضَمِنْت، أَوْ إذَا ضَمِنْت لِي مَالًا فَأَنْتِ طَالِقٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ، بِخِلَافِ مَتَى وَمَتَى مَا وَأَيْ فَلَا يَقْتَضِينَ فَوْرًا، وَلَيْسَ اقْتِضَاءُ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الصِّيغَةِ بَلْ إنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْإِيجَابِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ اقْتِضَاءِ الْأَدَوَاتِ الْفَوْرِيَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (إلَّا) فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ نَحْوُ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ) أَوْ إذَا (شِئْت) فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِي الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَتَى شِئْت، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَّقَ بِإِثْبَاتٍ عَمَّا إذَا عَلَّقَ بِنَفْيٍ وَسَيَذْكُرُهُ (وَ) الْأَدَوَاتُ الْمَذْكُورَةُ (لَا) تَقْتَضِي أَيْضًا بِالْوَضْعِ (تَكْرَارًا) فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بَلْ إذَا وُجِدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَا إكْرَاهٍ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ إنْ تَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهَا وَكَذَا أَسْمَاءُ الشُّرُوطِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ قَيَّدَ بِالْأَبَدِ كَقَوْلِهِ: خَرَجْت أَبَدَ الْآبِدِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَقَالَ: لَمْ يَلْزَمْهُ التَّكْرَارُ أَيْضًا، بَلْ مَعْنَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ (إلَّا) فِي (كُلَّمَا) فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِهَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَسَيَأْتِي التَّعْلِيقُ بِالنَّفْيِ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَاعِدَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ جَزْمًا كَالتَّنْجِيزِ وَإِيقَاعٌ فِي الْأَصَحِّ (وَ) ذَلِكَ كَمَا (لَوْ قَالَ). لِمَدْخُولٍ بِهَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ، وَلَوْ ذُكِرَ التَّقْيِيدُ هُنَا لِيُفْهَمَ مِنْهُ التَّقْيِيدُ فِي الْآتِي لَكَانَ أَوْلَى (إذَا طَلَّقْتُك) أَوْ أَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقِي، أَوْ وَقَعَ مِنْ بَابِ أَوْلَى (فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ) بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ (طَلَّقَ) أَيْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا بِنَفْسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مَجَّانًا بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ مَعَ نِيَّةٍ.
المتن: أَوْ عَلَّقَ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ، أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي فَطَلَّقَ فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ وَفِي غَيْرِهَا، طَلْقَةٌ.
الشَّرْحُ: (أَوْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِصِفَةٍ) كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ) وَاحِدَةٌ بِتَطْلِيقِهَا مُنَجِّزًا أَوْ التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ وُجِدَتْ وَأُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّهَا تَصِيرُ مُطَلَّقَةً بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ، فَإِنْ وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا فَطَلَّقَ وَكِيلُهُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِطَلْقَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا هُوَ، وَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِالْأُولَى وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: مَلَّكْتُك طَلَاقَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَهَلْ هُوَ كَطَلَاقِ الْوَكِيلِ فَلَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ كَطَلَاقِ نَفْسِهِ فَيَقَعُ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ أَيْضًا، رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الثَّانِي. وَاسْتُشْكِلَ بِالتَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّتُهُ لِمَا وُكِّلَ فِيهِ فَكَانَ مُسْتَقِلًّا، وَالْمَرْأَةُ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهَا فَكَانَ الْمُفَوِّضُ هُوَ الْمُطَلِّقَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ عَلَّقَ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ التَّعْلِيقِ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا أَوَّلًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الصِّفَةِ وُقُوعٌ لَا تَطْلِيقٌ وَلَا إيقَاعٌ، وَالتَّعْلِيقُ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ وَإِيقَاعٌ. أَمَّا مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ بِتَطْلِيقٍ وَلَا إيقَاعٍ وَلَا وُقُوعٍ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّعْلِيقِ بِالْوُقُوعِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ وُقُوعٌ لَا إيقَاعٌ كَمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ (أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ) عَلَيْك (طَلَاقِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَطَلَّقَ) بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ طَلْقَةً (فَثَلَاثٌ) تَقَعُ (فِي مَمْسُوسَةٍ) وَمُسْتَدْخِلَةٍ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ حِينَ وُجُودِ الصِّفَةِ لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ وَاحِدَةٌ بِالتَّنْجِيزِ وَثِنْتَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِكُلَّمَا وَاحِدَةٌ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَأُخْرَى بِوُقُوعِ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ (وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ (طَلْقَةٌ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْمُنَجَّزَةِ فَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ بَعْدَهَا. تَنْبِيهٌ: خَرَجَ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَقَعَ مَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَلَّقَ فَثِنْتَانِ فَقَطْ، الْمُنَجَّزَةُ، وَأُخْرَى بِحُصُولِ التَّعْلِيقِ الْمُعَلَّقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالْوُقُوعِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ لِلزَّوْجِ وَالثَّانِيَ لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ حُكْمًا ثَابِتًا بِالشَّرْعِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ إنْ طَلَّقْت وَاحِدَةً فَعَبْدٌ حُرٌّ، وَإِنْ ثِنْتَيْنِ فَعَبْدَانِ، وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ، وَإِنْ أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ فَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عَتَقَ عَشَرَةً، وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) عَلَّقَ بِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَأَنْ (قَالَ) مَنْ لَهُ عَبِيدٌ (وَتَحْتَهُ) نِسْوَةٌ (أَرْبَعٌ: إنْ) أَوْ مَتَى أَوْ مَهْمَا أَوْ إذَا (طَلَّقْت وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ (فَعَبْدٌ) مِنْهُمْ (حُرٌّ، وَإِنْ) طَلَّقْت (ثِنْتَيْنِ) مِنْهُنَّ (فَعَبْدَانِ) مِنْهُمْ حُرَّانِ (وَإِنْ) طَلَّقْت (ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ (فَثَلَاثَةٌ) مِنْهُمْ أَحْرَارٌ (وَإِنْ) طَلَّقْت (أَرْبَعًا) مِنْهُنَّ (فَأَرْبَعَةٌ) مِنْهُمْ أَحْرَارٌ (فَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عَتَقَ عَشَرَةٌ) مِنْهُمْ مُبْهَمَةٌ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِطَلَاقِ الْأُولَى يَعْتِقُ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ، وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ، وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ عَشَرَةٌ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ تَقْرِيرُهُ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَنَّهُ قَيْدٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ عَطَفَ الزَّوْجُ بِثُمَّ لَمْ يَضُمَّ الْأَوَّلَ لِلثَّانِي لِلْفَصْلِ بِثُمَّ فَلَا يَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ بَعْدَ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَلَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَرْبَعًا، وَيَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ اثْنَانِ، فَمَجْمُوعِ الْعُتَقَاءِ ثَلَاثَةٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ. ثُمَّ قَالَ: وَيُتَّجَهُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ كَثُمَّ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَا قَالَهُ فِيهِمَا يَأْتِي فِي طَلَاقِهِنَّ مُرَتَّبًا، فَلَوْ طَلَّقَهُنَّ مَعًا عَتَقَ عَبْدٌ وَاحِدٌ (وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا) كَقَوْلِ مَنْ لَهُ عَبِيدٌ وَتَحْتَهُ نِسْوَةٌ: كُلَّمَا طَلَّقْت وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِي الْأَرْبَعِ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ التَّعْلِيقَاتِ الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ طَلَّقَ النِّسْوَةَ الْأَرْبَعَ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا (فَخَمْسَةَ عَشَرَ) عَبْدًا يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ، وَالْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا عُدَّ مَرَّةً بِاعْتِبَارٍ لَا يُعَدُّ أُخْرَى بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، فَمَا عُدَّ فِي يَمِينِ الثَّانِيَةِ ثَانِيَةً لَا يُعَدُّ بَعْدَهَا أُخْرَى ثَانِيَةً، وَمَا عُدَّ فِي يَمِينِ الثَّالِثَةِ ثَالِثَةً لَا يُعَدُّ بَعْدَهَا ثَالِثَةً فَيَعْتِقُ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ، وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ، وَطَلَاقُ ثَلَاثٍ وَسَبْعَةٍ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ، وَطَلَاقُ اثْنَتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ، وَطَلَاقُ أَرْبَعَةٍ فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ شِئْت قُلْت: إنَّمَا عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ آحَادٍ وَاثْنَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً. وَالثَّانِي يُعْتِقُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِي طَلَاقِ الثَّالِثَةِ وَرَاءَ الصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ صِفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ طَلَاقُ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْأُولَى فَيَعْتِقُ عَبْدَانِ آخَرَانِ. وَالثَّالِثُ: يَعْتِقُ عِشْرُونَ؛ سَبْعَةَ عَشَرَ لِمَا ذُكِرَ وَثَلَاثَةٌ لِأَنَّ فِي طَلَاقِ الرَّابِعَةِ صِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ طَلَاقُ ثَلَاثٍ بَعْدَ الْأُولَى. وَالرَّابِعُ يَعْتِقُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَسَوَاءٌ أَتَى بِكُلَّمَا فِي التَّعْلِيقَاتِ كُلِّهَا أَمْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، أَمْ فِي الْأُولَيَيْنِ، إذْ لَا تَكْرَارَ فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَإِنَّمَا صَوَّرَهَا الْأَصْحَابُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْكُلِّ لِيَتَأَتَّى مَجِيءُ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا الَّتِي مِنْهَا أَنَّهُ يَعْتِقُ عِشْرُونَ. لَكِنْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، لَوْ أَتَى بِهَا فِي الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَخِيرَيْنِ عَتَقَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، أَوْ فِي الثَّانِي وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَخِيرَيْنِ فَاثْنَا عَشَرَ. تَنْبِيهٌ: تَعْيِينُ الْعَبِيدِ الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِمْ إلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَطْلَقُوا ذَلِكَ وَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا يُعْتِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَبِالثِّنْتَيْنِ وَبِالثَّلَاثِ وَبِالْأَرْبَعِ فَإِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي الْأَكْسَابِ إذَا طَلَّقَ مُرَتِّبًا لَا سِيَّمَا مَعَ التَّبَاعُدِ وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: كُلَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَهَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ فَصَلَّى عَشْرًا عَتَقَ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ عَبْدًا، وَإِنْ عَلَّقَ بِإِنْ وَنَحْوِهَا فَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ، وَجَمِيعُ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ بِالنَّفْيِ مُقْتَضِيَةٌ لِلْفَوْرِ إلَّا فِي كَلِمَةِ إنْ فَلِلتَّرَاخِي كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ.
المتن: وَلَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي وَقَعَ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الدُّخُولِ، أَوْ بِغَيْرِهَا فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِنَفْيِ فِعْلٍ) كَدُخُولٍ، أَوْ نَفْيِ تَطْلِيقٍ، أَوْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الدُّخُولِ) لِلدَّارِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ يُجَنَّ الزَّوْجُ جُنُونًا مُتَّصِلَا بِمَوْتِهِ فَيَقَعَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ لِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ بِمُجَرَّدِ جُنُونِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِفَاقَةِ وَالتَّطْلِيقِ بَعْدَهَا، وَكَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْخَرَسِ الَّذِي لَا كِنَايَةَ لِصَاحِبِهِ وَلَا إشَارَةَ مُفْهِمَةٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالتَّعْبِيرُ بِقُبَيْلَ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، وَالصَّوَابُ وُقُوعُهُ إذَا بَقِيَ مَا لَا يَسَعُ التَّطْلِيقَ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، فَإِنْ فَسَخَ النِّكَاحَ أَوْ انْفَسَخَ أَوْ طَلَّقَهَا وَكِيلُهُ وَمَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ أَوْ الرَّجْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ رَجْعِيًّا، إذْ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالِانْفِسَاخِ إنْ لَمْ يُجَدَّدْ وَعَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ إنْ جُدِّدَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَتَعَيَّنَ وُقُوعُهُ قَبْلَ الِانْفِسَاخِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَقَعْ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَمْنَعُ الِانْفِسَاخَ فَيَقَعُ الدَّوْرُ، إذْ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ الِانْفِسَاخُ فَلَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ، أَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ غَيْرِ التَّطْلِيقِ كَالضَّرْبِ فَضَرَبَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْبِرَّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ضَرْبَ الْمَجْنُونِ فِي تَحَقُّقِ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَضَرْبِ الْعَاقِلِ، وَالضَّرْبُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ حِينَئِذٍ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّهُ يَقَعُ قُبَيْلَ الْبَيْنُونَةِ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِغَيْرِهَا) أَيْ إنْ كَإِذَا (فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ) الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي صُورَتَيْ إنْ وَإِذَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ إنْ حَرْفُ شَرْطٍ لَا إشْعَارَ لَهَا بِالزَّمَانِ، وَإِذَا ظَرْفُ زَمَانٍ كَمَتَى فِي التَّنَاوُلِ لِلْأَوْقَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ: مَتَى أَلْقَاك صَحَّ أَنْ يَقُولَ إذَا أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ نَحْوَهُمَا، وَلَا يَصِحُّ إنْ شِئْت، فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ إنْ فَاتَنِي تَطْلِيقُك وَفَوَاتُهُ بِالْيَأْسِ، وَقَوْلُهُ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ أَيْ وَقْتٌ فَاتَنِي فِيهِ التَّطْلِيقُ وَفَوَاتُهُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ التَّطْلِيقُ وَلَمْ يُطَلِّقْ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ قَوْلَانِ بِتَخْرِيجِ قَوْلٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْأُخْرَى. أَمَّا غَيْرُ إنْ وَإِذَا مِنْ الْأَدَوَاتِ كَمَتَى وَمَتَى مَا فَلِلْفَوْرِ قَطْعًا كَمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِإِذَا مَعْنَى إنْ قُبِلَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ، وَإِنْ أَرَادَ بِإِنْ مَعْنَى إذَا قُبِلَ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِغَيْرِ إنْ وَقْتًا مُعَيَّنًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا دِينَ لِاحْتِمَالِ مَا أَرَادَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ إنَّهُ إذَا أَرَادَ بِإِذَا مَعْنَى إنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ ثُمَّ أَرَادَ بِلَفْظِ مَعْنَى لَفْظَ آخَرَ بَيْنَهُمَا اجْتِمَاعٌ فِي الشَّرْطِيَّةِ بِخِلَافِهِ هُنَا. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ لِحُصُولِ الْيَأْسِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ قَالَ: إنْ تَرَكْت طَلَاقَك أَوْ إنْ سَكَتُّ عَنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ اُشْتُرِطَ الْفَوْرُ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَالِ طَلُقَتْ لِوُجُودِ، الصِّفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَاهُمَا، فَقَالَ: إنْ لَمْ أَتْرُكْ طَلَاقَك أَوْ إنْ لَمْ أَسْكُتْ عَنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ طَلَّقَ فَوْرًا وَاحِدَةً ثُمَّ سَكَتَ انْحَلَّتْ يَمِينُ التَّرْكِ فَلَا يَقَعُ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ طَلَاقَهَا، وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُ السُّكُوتِ فَتَقَعُ أُخْرَى لِسُكُوتِهِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عَلَّقَ فِي الْأُولَى عَلَى التَّرْكِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى السُّكُوتِ وَقَدْ وُجِدَ، إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ سَكَتَ عَنْ طَلَاقِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ أَوَّلًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: تَرَكَ طَلَاقَهَا إذَا لَمْ يَتْرُكْهُ أَوَّلًا، وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ بِصِيغَةِ كُلَّمَا فَمَضَى قَدْرُ مَا يَسَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ بِلَا تَطْلِيقٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَبِنْ بِالْأُولَى، وَإِلَّا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَحِينَ أَوْ حَيْثُ أَوْ مَهْمَا أَوْ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك كَقَوْلِهِ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فِيمَا مَرَّ.
المتن: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي بِفَتْحِ أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ. قُلْت: إلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ فَتَعْلِيقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت) الدَّارَ (أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي) بِفَتْحِ هَمْزَةِ (أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ) دَخَلَتْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَأَنْ دَخَلْت، وَحَذْفُ اللَّامِ مَعَ أَنْ كَثِيرٌ، قَالَ تَعَالَى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لِلتَّعْلِيلِ فِي غَيْرِ التَّوْقِيتِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَلَا كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ السُّنَّةُ أَوْ الْبِدْعَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَأَنْ جَاءَتْ، وَاللَّامُ فِي مِثْلِهِ لِلتَّوْقِيتِ: كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُ ا هـ. . وَمَا قَالَهُ فِي لَأَنْ جَاءَتْ مَمْنُوعٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَئِنْ سَلِمَ فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا ذَلِكَ فِي إنْ جَاءَتْ. فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ لَيْسَ فِي قُوَّةِ الْمَلْفُوظِ مُطْلَقًا (قُلْت: إلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ فَتَعْلِيقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُوجَدَ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لَهُ، وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَدَوَاتِ، وَالثَّانِي يَقَعُ حَالًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَا يُغَيَّرُ بِلَا قَصْدٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إذْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ إذْ وَإِذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ إنْ وَأَنْ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الشِّيرَازِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَتْحِ، أَوْ إذْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ فِي الْحَالِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْوَاحِدَةُ هِيَ الْيَقِينُ فِي الثَّالِثِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحِهِ هُنَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ وَبَيْنَ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ فِيهِمَا كَمَا قِيلَ بِهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ حَمْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى التَّعْلِيقِ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ أَصْلًا، بِخِلَافِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَيْضًا الْمَشِيئَةُ لَا يُغَلَّبُ فِيهَا التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ تَنْصَرِفُ لِلتَّعْلِيلِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُغَلَّبُ فِيهِ التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ نَحْوِيٌّ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ طَلَّقْتُك بِالْفَتْحِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ: إحْدَاهَا بِإِقْرَارِهِ وَالْأُخْرَى بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَتَطْلُقُ حِينَئِذٍ طَلْقَتَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، هَذَا إنْ لَمْ تَبِنْ بِالطَّلْقَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا، وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هُنَا فِي اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَإِنْ أَكَلْت إنْ شَرِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا فَلَا تَطْلُقُ فِي هَذَا الْمِثَالِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ شُرْبُهَا عَلَى أَكْلِهَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَيْدٌ فِي الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِتَقَدُّمِهِ عَدَمُ تَأْخِيرِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ التَّدْبِيرِ.
المتن: عَلَّقَ بِحَمْلٍ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ، وَإِلَّا فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ التَّعْلِيقِ بَانَ وُقُوعُهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَتْ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ بِهِ فَلَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِمَا، إذَا (عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِحَمْلٍ) كَقَوْلِهِ: إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَإِنْ كَانَ) بِهَا (حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ) الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِظُهُورِ الْحَمْلِ أَنْ تَدَّعِيَهُ الزَّوْجَةُ وَيُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ رَجُلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ لَا بِقَوْلِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ شَهِدْنَ بِوِلَادَةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهِنَّ: نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ لَمْ يَقَعْ حَالًا وَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ (فَإِنْ وَلَدَتْ) وَلَدًا كَامِلًا (لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ) حِينِ (التَّعْلِيقِ بَانَ وُقُوعُهُ) حِينَئِذٍ لِوُجُودِ الْحَمْلِ حِينَ التَّعْلِيقِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ كَامِلًا لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا أَلْقَتْ لِدُونِهَا عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً يُمْكِنُ حُدُوثُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (أَوْ) وَلَدَتْ (لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ) مِنْ التَّعْلِيقِ (أَوْ بَيْنَهُمَا) أَيْ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْأَرْبَعِ سِنِينَ (وَوُطِئَتْ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ (وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ) أَيْ الْحَمْلِ (بِهِ) أَيْ الْوَطْءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ (فَلَا) يَقَعُ بِالتَّعْلِيقِ طَلَاقٌ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلِجَوَازِ حُدُوثِهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْوَطْءِ اسْتِصْحَابُ أَصْلِ دَوَامِ النِّكَاحِ. وَلَا فَرْقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَطَأَ أَمْ لَا، وَالتَّمَتُّعُ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فِيهِمَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ، وَلَكِنْ يُسَنُّ لَهُ اجْتِنَابُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا احْتِيَاطًا، فَلَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَانَتْ حَامِلًا كَانَ شُبْهَةً، وَالِاسْتِبْرَاءُ هُنَا كَمَا فِي الْأَمَةِ، فَيَكُونُ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِشَهْرٍ، وَقِيلَ: التَّعْلِيقُ كَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ حَالِهَا فِي الْحَمْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُوطَأْ أَصْلًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ أَوْ وُطِئَتْ بَعْدَهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَلَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُ حَمْلٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَضْعِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (فَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ) لِتَبَيُّنِ الْحَمْلِ ظَاهِرًا، وَلِهَذَا حُكِمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْحَمْلِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِاسْتِدْخَالِهَا مَنِيَّهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ وَلَكِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ حَرُمَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ فِي النِّسَاءِ الْحِيَالُ، وَالْفَرَاغُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ لِظَاهِرِ الْحَالِ فَتَحْسِبُ الْحَيْضَةَ أَوْ الشَّهْرَ مِنْ الْعِدَّةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ فَتُتِمُّهَا، وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى مُوجِبِهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَوْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ تَطْلُقْ إنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ تُوطَأْ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا كَانَتْ، حَامِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ، لَا إنْ وُطِئَتْ وَطْئًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِيَالُهَا حِينَئِذٍ وَحُدُوثُ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا إنْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ مِنْ التَّعْلِيقِ لِتَحَقُّقِ الْحِيَالِ عِنْدَهُ، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ لَا الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحْبَلُ، كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَحْبَلْتك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالتَّعْلِيقُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْحَمْلِ، فَلَوْ كَانَتْ، حَامِلًا لَمْ تَطْلُقْ بَلْ يَتَوَقَّفْ طَلَاقُهَا عَلَى حَمْلٍ حَادِثٍ، فَإِنْ وَضَعَتْ أَوْ كَانَتْ، حَائِلًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْوَطْءِ، وَكُلَّمَا وَطِئَ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا. فَإِنْ قِيلَ: تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَلْ يُسَنُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَهَذَا فِيمَا بَعْدَهُ.
المتن: وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَقَعَ ثَلَاثٌ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ) أَوْ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ (فَطَلْقَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَكَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَقَعَ ثَلَاثٌ) لِتَحَقُّقِ الصِّفَتَيْنِ وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ وَتُوقَفُ الثَّانِيَةُ إلَى بَيَانِ حَالِهِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْوِلَادَةِ وَيَكُونُ الْوُقُوعُ مِنْ اللَّفْظِ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى وَخُنْثَى فَطَلْقَتَانِ وَتُوقَفُ الثَّالِثَةُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُ الْخُنْثَى وَتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ اللَّفْظِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ الْحَمْلُ حِينَ الْحَلِفِ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ كَوْنِ الْحَمْلِ إذْ ذَاكَ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَإِنْ تُخُيِّلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي قَوْلِهِ: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}: فَالْيَمِينُ لَا يَنْزِلُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَبِالتَّخْطِيطِ ظَهَرَ ذَلِكَ ا هـ. وَأَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ تَعْلِيقَيْنِ.
المتن: أَوْ إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَوْ
الشَّرْحُ: (أَوْ) قَالَ (إنْ كَانَ حَمْلُك) أَوْ مَا فِي بَطْنِك (ذَكَرًا فَطَلْقَةً) أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ كَوْنُ جَمِيعِ الْحَمْلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَكَذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَيَقَعُ بِالذَّكَرِ طَلْقَةٌ وَبِالْأُنْثَى طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ كَانَ حَمْلُك أَوْ مَا فِي بَطْنِك مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَذَكَرًا وُقِفَ الْحُكْمُ فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَوَاحِدَةً أَوْ أُنْثَى لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَأُنْثَى وُقِفَ الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى فَطَلْقَتَانِ أَوْ ذَكَرًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ (أَوْ) قَالَ.
المتن: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي.
الشَّرْحُ: (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) طَلُقَتْ بِانْفِصَالِ مَا تَمَّ تَصْوِيرُهُ وَلَوْ مَيِّتًا وَسَقْطًا، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتِمَّ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ لَمْ يُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَمْ تُوجَدْ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْوِلَادَةِ (فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ) مِنْهُمَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي) إنْ لَحِقَ الزَّوْجُ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ حَمْلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمْ مِنْ حَمْلٍ آخَرَ بِأَنْ وَطِئَهَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ وَأَتَتْ بِالثَّانِي لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ، وَخَرَجَ بِمُرَتَّبًا مَا لَوْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا فَإِنَّهَا وَإِنْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِمَا وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ وَضْعِهِمَا. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَطَلْقَةٌ أَوْ أُنْثَى فَثِنْتَانِ فَوَلَدَتْهُمَا مَعًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ فَوَاحِدَةً، أَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَثَلَاثٌ أَوْ خُنْثَى فَوَاحِدَةً، فَإِنْ اتَّضَحَ حُكِمَ بِمُقْتَضَاهُ.
المتن: وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ وَقَعَ بِالْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَلَدْت) وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ) مُرَتَّبًا (وَقَعَ بِالْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ) لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ (وَانْقَضَتْ) عِدَّتُهَا (بِالثَّالِثِ) لِتَبَيُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ (وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ، إذْ بِهِ يَتِمُّ انْفِصَالُ الْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يُقَارِنُهُ طَلَاقٌ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي لَمْ يَقَعْ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِهَاءِ النِّكَاحِ أَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَ لَمْ يَقَعْ أُخْرَى لِمُصَادَفَتِهَا الْبَيْنُونَةَ، وَالثَّانِي: يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِالْأَقْرَاءِ. أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُمْ مَعًا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ نَوَى وَلَدًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِنْ وَلَدَتْ أَرْبَعًا مُرَتَّبًا وَقَعَ ثَلَاثٌ بِوِلَادَةِ ثَلَاثٍ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالرَّابِعِ، أَوْ وَلَدَتْ اثْنَيْنِ وَقَعَ طَلْقَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَانِيَةً لِمَا مَرَّ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا، وَكَذَا الْأُولَى إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا، وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ الْأُولَى، وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقِيلَ طَلْقَةً، وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ) حَوَامِلَ مِنْهُ (كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْكُنَّ أَوْ أَيَّتُكُنَّ وَلَدَتْ (فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طَلُقْنَ) أَيْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَ صَوَاحِبَ فَيَقَعُ بِوِلَادَتِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ، وَلَا يَقَعُ بِهَا نَفْسِهَا شَيْءٌ وَعِدَّتُهُنَّ جَمِيعًا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ، وَصَوَاحِبُ جَمْعُ صَاحِبَةٍ كَضَوَارِبَ جَمْعُ ضَارِبَةٍ. تَنْبِيهٌ: تَصْوِيرُهُ بِكُلَّمَا تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَالرَّوْضَةَ، وَهُوَ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ أَدَاةِ التَّكْرَارِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِإِنْ كَذَلِكَ، فَلَوْ مَثَّلَ بِهَا كَانَ أَحْسَنَ، وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا الثَّانِي دَافِعٌ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ طَلَاقِ الْمَجْمُوعِ ثَلَاثًا (أَوْ) وَلَدْنَ (مُرَتَّبًا) بِحَيْثُ لَا تَنْقَضِي عِدَّةُ وَاحِدَةٍ بِأَقْرَائِهَا قَبْلَ وِلَادَةِ الْأُخْرَى (طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا) بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْ صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا وَانْقَضَتْ بِوِلَادَتِهَا (وَكَذَا الْأُولَى) تَطْلُقُ أَيْضًا ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْ صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً (إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا) عِنْدَ وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرَ وَلَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً لِلطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، بَلْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا (وَ) طَلُقَتْ (الثَّانِيَةُ طَلْقَةً) بِوِلَادَةِ الْأُولَى (وَ) طَلُقَتْ (الثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ) بِوِلَادَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا) فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا طَلَاقٌ بِوِلَادَةِ مَنْ بَعْدَهُمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ وَضْعُ ثَانِي تَوْأَمَيْهِمَا إلَى وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ وَلَا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا (وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ الْأُولَى) أَصْلًا (وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً) بِوِلَادَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُنَّ صَوَاحِبُهَا عِنْدَ وِلَادَتِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الزَّوْجِيَّةِ حِينَئِذٍ، وَبِطَلَاقِهِنَّ انْقَضَتْ الصُّحْبَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ، فَلَا تُؤَثِّرُ وِلَادَتُهُنَّ فِي حَقِّ الْأُولَى وَلَا وِلَادَةُ بَعْضِهِنَّ فِي حَقِّ بَعْضٍ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَنْفِي الصُّحْبَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ نِسَائِهِ دَخَلَتْ الرَّجْعِيَّةُ فِيهِ (وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ) وَلَدَتْ (ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (ثَلَاثًا ثَلَاثًا) طَلْقَةً بِوِلَادَةِ مَنْ وَلَدَتْ مَعَهَا وَطَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُخْرَيَيْنِ وَعِدَّتُهُمَا بِالْأَقْرَاءِ (وَقِيلَ) طَلُقَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا (طَلْقَةً) فَقَطْ بِوِلَادَةِ رَفِيقَتِهَا وَانْتَفَتْ الصُّحْبَةُ مِنْ حِينَئِذٍ (وَالْأُخْرَيَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ) بِوِلَادَةِ كُلِّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَةً وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى شَيْءٌ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثٌ مَعًا ثُمَّ الرَّابِعَةُ طَلُقَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ الْبَاقِيَاتِ طَلْقَةً فَقَطْ وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مُرَتَّبًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مُرَتَّبًا طَلُقَ كُلٌّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَالرَّابِعَةُ ثَلَاثًا وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ وَاحِدَةٌ طَلُقَ كُلٌّ مِنْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَلْقَةً وَتَبِينُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مُحَصَّلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ ثَمَانِ صُوَرٍ، وَضَابِطُهَا أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ هُوَ الْقَاعِدَةُ إلَّا مَنْ وَضَعَتْ عَقِبَ وَاحِدَةٍ فَقَطْ فَتَطْلُقُ طَلْقَةً فَقَطْ أَوْ عَقِبَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ فَقَطْ.
المتن: وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ، لَا فِي وِلَادَتِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ فَقَالَ (وَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ حَيْضِ مُقْبِلٍ، فَلَوْ عَلَّقَ فِي حَالِ حَيْضِهَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضِ، فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، أَوْ قَالَ: إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبِتَمَامِ حَيْضَةٍ مُقْبِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ اللَّفْظِ، وَ (تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا) سَوَاءٌ وَافَقَ عَادَتَهَا أَمْ لَا (إذَا عَلَّقَهُ) أَيْ طَلَاقَهَا (بِهِ) أَيْ الْحَيْضِ وَقَالَتْ: حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ مِنْهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهَا كَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا حَلَفَتْ لِلتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فَلَا تَحْلِيفَ (لَا فِي وِلَادَتِهَا) إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهَا كَإِنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: وَلَدْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ، وَقَالَ: هَذَا الْوَلَدُ مُسْتَعَارٌ مَثَلًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ أَيْ يَتَعَسَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ شُوهِدَ الدَّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الشَّهَادَاتِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الْجَزْمُ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْحَيْضِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي إنَّهُ لَا تَعَارُضَ، لِأَنَّ مَا هُنَا ثُبُوتُ حَيْضٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ بِالْحَيْضِ، وَمَا هُنَاكَ ثُبُوتُ حَيْضٍ بِشَهَادَةِ نِسْوَةٍ فَلَا تَعَارُضَ. وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ: تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي رَحِمِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ فِي الْعِدَّةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، أَمَّا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ فَلَا تُصَدَّقُ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، بَلْ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ أَوْ شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ (وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ) أَيْ الْحَيْضِ (فِي تَعْلِيقِ) طَلَاقِ (غَيْرِهَا) عَلَى حَيْضِهَا كَإِنْ حِضْت فَضَرَّتُك طَالِقٌ، فَقَالَتْ: حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَصْدِيقِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِذَا حَلَفَتْ لَزِمَ الْحُكْمُ لِلْإِنْسَانِ بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. تَنْبِيهٌ: اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِلَا يَمِينٍ وَيَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَقَالَ: شِئْت فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ا هـ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَيْضِ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْحَيْضِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَيْضًا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مُمْكِنٌ، فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ كَمَا سَيَأْتِي، فَهَذَا الْفَرْقُ مَمْنُوعٌ، وَالْإِشْكَالُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ لَهُ أَوْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَقَوْلُهُ: قَدْ وَقَعَتْ مِنِّي الْمَشِيئَةُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الزَّوْجُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ.
المتن: وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَمْ يَقَعْ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ فَقَطْ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَ كُلٍّ مِنْ زَوْجَتَيْهِ بِحَيْضِهِمَا مَعًا كَأَنْ (قَالَ) لَهُمَا (إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ) أَيْ الْحَيْضَ وَصَدَّقَهُمَا الزَّوْجُ فِيهِ طَلُقَتَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا بِاعْتِرَافِهِ (وَ) إنْ (كَذَّبَهُمَا) فِيمَا زَعَمَتَاهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يَقَعْ) طَلَاقُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَيْضِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ. نَعَمْ إنْ أَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِحَيْضِهَا وَقَعَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا فَشَهِدَ بِهَا النِّسْوَةُ لَا يَقَعُ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: إنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ الْحَيْضُ، وَإِذَا ثَبَتَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ إذَا ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ وَلَمْ يَقَعْ (وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً) مِنْهُمَا فَقَطْ (طَلُقَتْ) أَيْ الْمُكَذَّبَةُ (فَقَطْ) إنْ حَلَفَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ لِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِيَمِينِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ، وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُ ضَرَّتِهَا إلَّا بِيَمِينِهَا، وَالْيَمِينُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَالِفِ كَمَا مَرَّ، وَتَطْلُقُ الْمُكَذِّبَةُ فَقَطْ بِلَا يَمِينٍ فِي قَوْلِهِ لَهُمَا: مَنْ حَاضَتْ مِنْكُمَا فَصَاحِبَتُهَا طَالِقٌ وَادَّعَيَاهُ وَصَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى لِثُبُوتِ حَيْضِ الْمُصَدَّقَةِ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُهُ زَعَمَتَاهُ بِالْفَاءِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا لَوْ قَالَتَا فَوْرًا حِضْنَا يُقْبَلَانِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضٍ مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي زَمَنًا، وَيُشْعِرُ أَيْضًا بِاسْتِعْمَالِ الزَّعْمِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَالْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ أُقِيمَ عَلَى خِلَافِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَقِيلَ: لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا طَلَاقٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَحِيضَا حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا إذَا حَاضَتَا طَلُقَتَا بِحَيْضِهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ نَشَأَتْ مِنْ قَوْلِهِ: حَيْضَةً فَتُلْغَى وَيَبْقَى التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ حَيْضِهِمَا فَتَطْلُقَانِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. أَمَّا إذَا قَالَ: وَلَدًا وَاحِدًا أَوْ حَيْضَةً وَاحِدَةً فَهُوَ مُحَالٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ نَصٌّ فِي الْوِحْدَةِ، بِخِلَافِ الْحَيْضَةِ وَالْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجِنْسَ. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَقُلْنَ: حِضْنَ، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ جَعَلَ حَيْضَ كُلٍّ مِنْهُنَّ صِفَةً لِطَلَاقِ الْبَوَاقِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ صَوَاحِبَ وَقَدْ حِضْنَ، وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا، وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَتَيْنِ ثَبَتَ حَيْضُهُمَا وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَتَيْنِ طَلْقَةً؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَاحِبَةً وَوَاحِدَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ لَهَا ثَلَاثُ صَوَاحِبَ ثَبَتَ حَيْضُهُنَّ وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَاتِ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَاحِبَتَيْنِ ثَبَتَ حَيْضُهُمَا،. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَ، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلُقْنَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ يُطَلَّقْنَ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً وَحَلَفَتْ طَلُقَتْ طَلْقَةً دُونَ الْبَاقِيَاتِ، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالسُّرَيْجِيَّةِ، وَهِيَ الدَّرْوِيَّةُ الْمَنْسُوبَةُ لِابْنِ سُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى) أَوْ نَحْوُهُ (طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا) طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ (وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ) وَلَا يَقَعُ مَعَهُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِهِ، فَوُقُوعُهُ مُحَالٌ بِخِلَافِ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ، إذْ قَدْ يَتَخَلَّفُ الْجَزَاءُ عَنْ الشَّرْطِ بِأَسْبَابٍ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ سَالِمٍ بِعِتْقِ غَانِمٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَا يَفِي ثُلُثُ مَالِهِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عِتْقُ غَانِمٍ، وَشِبْهُ هَذَا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ أَخٌ بِابْنِ الْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ دُونَ الْإِرْثِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ مُمْتَنِعٌ، وَوُقُوعُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَالْمُنَجَّزُ أَوْلَى بِأَنْ يَقَعَ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَلَّقَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمُنَجَّزِ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَهَذَا الْوَجْهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ أَوْلَى، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى بِهِ أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: مَنْ نَقَلَ عَنْهُ غَيْرَهُ فَقَدْ وَهَمَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَكْثَرِ النَّقَلَةِ (وَقِيلَ) وَقَعَ (ثَلَاثٌ) وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ تَقَعُ الطَّلْقَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَطَلْقَتَانِ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ حَصَلَ شَرْطُ وُقُوعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ فَيَقَعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ تَمَامُ الثَّلَاثِ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَدْخُولًا بِهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ طَلْقَتَيْنِ بَعْدَ طَلْقَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالثَّانِي: يَقَعُ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَتَى تَلَفَّظْت بِأَنَّك طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، وَزَيَّفَهُ الْإِمَامُ، وَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا (وَقِيلَ: لَا شَيْءَ) يَقَعُ لَا الْمُنَجَّزُ وَلَا الْمُعَلَّقُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَوَقَعَ قَبْلَهُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ عَنْ النَّصِّ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى جُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُعْظَمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا نَقَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَنْ كِتَابِ الْغُنْيَةِ لَهُ، وَبِهِ اُشْتُهِرَتْ الْمَسْأَلَةُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَرَأَيْتُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْوَدَائِعِ، لَكِنْ فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقَعَ الْمُنَجَّزُ، وَهَذَانِ النَّقْلَانِ سَبَبُ اضْطِرَابِهِمْ فِي النَّقْلِ عَنْهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِ شَيْءٍ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمْ، وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ، وَنَصَرَهُ السُّبْكِيُّ أَوَّلًا، وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَنَصَرَ الْقَائِلَ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ: إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، خُصُوصًا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ شَيْخَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْقَفَّالَ شَيْخَ الْمَرَاوِزَةِ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَكَيْفَ يَسُوغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامَ الْأَكْثَرِينَ ا هـ. وَلَمَّا اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الْوَجْهَ قَالَ: لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَعَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيِّ الْجَوَازُ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: إذَا قُلْنَا بِانْحِسَامِ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ فَلَهُ طُرُقٌ: مِنْهَا أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِي طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا. وَمِنْهَا أَنْ يُضِيفَ الطَّلَاقَ لِبَعْضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَ بَعْضَهَا، وَمَحَلُّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالتَّطْلِيقِ، فَإِنْ كَانَ بِالْوُقُوعِ كَأَنْ قَالَ: مَتَى وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي لَمْ يَقَعْ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَطَرِيقُهُ حِينَئِذٍ الْمُفَارَقَةُ بِالْفَسْخِ إنْ وُجِدَ سَبَبُهُ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت بِعَيْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت) نِكَاحِي (بِعَيْبِك) مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ كُلِّ مَا ذُكِرَ (ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ) مِنْ الظِّهَارِ أَوْ غَيْرِهِ (فَفِي صِحَّتِهِ) أَيْ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَهُوَ الظِّهَارُ وَمَا بَعْدَهُ (الْخِلَافُ) فَعَلَى الْأَوَّلِ الرَّاجِحِ يَصِحُّ وَيَلْغُو تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْغُوَانِ جَمِيعًا، وَلَا يَأْتِي الثَّانِي هُنَا.
المتن: وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك) وَطْئًا (مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ) وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ (ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ (قَطْعًا) إذْ لَوْ طَلُقَتْ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ مُبَاحًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ الْخِلَافُ هُنَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ إذَا انْسَدَّ بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ يَأْتِي الطَّلَاقُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُنَا لَمْ يَنْسَدَّ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا وَقَعَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: إنْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا نَفَذَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِلدَّوْرِ.
المتن: وَلَوْ عَلَّقَهُ، بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا اُشْتُرِطَتْ عَلَى فَوْرٍ، أَوْ غَيْبَةً، أَوْ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ شِئْت كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَقَعَ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ بَاطِنًا.
الشَّرْحُ: ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ وَإِنْ بَدَأْتُكَ بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا لَمْ تَطْلُقْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُبْتَدِئًا بِقَوْلِهَا إنْ بَدَأْتُكَ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ إذَا كَلَّمَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ كَوْنِهَا مُبْتَدِئَةً بِكَلَامِهِ، فَلَوْ كَلَّمَتْهُ أَوَّلًا عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّهَا ابْتَدَأَتْ كَلَامَهُ، وَكَذَا لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ لَوْ قَالَ: كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ بَدَأْتُكِ بِالسَّلَامِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَسَلَّمَا مَعًا لِعَدَمِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ لِلُزُومِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قَبْلَ دُخُولِهِمَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ حِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا حَاصِلَةً وَلَا يَأْتِي فِي هَذِهِ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهَا سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ دَخَلَا مُرَتَّبًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ، فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا فَلَمْ تَحْصُلُ صِفَةُ طَلَاقِهَا، وَإِنْ دَخَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَةَ قَبْلَهُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلُقَتْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِنْدَ الدُّخُولِ بِالصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ، وَإِنْ دَخَلَا مُرَتَّبًا فَكَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرَتِهَا (وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ (بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا) أَيْ وَهُوَ مُخَاطِبٌ لَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَوْ إذَا شِئْت، أَوْ أَنْ أَوْ إذَا شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ( اُشْتُرِطَتْ) مَشِيئَتُهَا لَفْظًا (عَلَى فَوْرٍ) لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ لِتَمْلِيكِهَا الطَّلَاقَ كَطَلِّقِي نَفْسَك كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّهَا اسْتِبَانَةٌ لِرَغْبَتِهَا فَكَانَ جَوَابُهَا عَلَى الْفَوْرِ كَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ كَمَا قَالَاهُ هُنَا وَفِي الْخُلْعِ، وَقِيلَ: إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، لِأَنَّ حَرِيمَ الْعَقْدِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَقِيلَ: أَيُّ وَقْتٍ شَاءَتْ طَلُقَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِوَقْتٍ: كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ نَحْوِ مَتَى كَأَيِّ وَقْتٍ. أَمَّا فِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا (غَيْبَةً) كَزَوْجَتِي طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ وَلَوْ حَضَرَتْ وَسَمِعَتْهُ (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ) خِطَابًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيٍّ: إنْ شِئْت فَزَوْجَتِي طَالِقٌ (فَلَا) يُشْتَرَطُ فَوْرٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِبُعْدِ التَّمْلِيكِ فِي الْأُولَى لِانْتِفَائِهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ نَظَرًا إلَى تَضَمُّنِ التَّمْلِيكِ فِي الْأُولَى وَإِلَى الْخِطَابِ فِي الثَّانِيَةِ. أَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ غَيْبَةً كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ جَزْمًا، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا وَبِمَشِيئَةِ زَيْدٍ كَذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْفَوْرُ فِي مَشِيئَتِهَا فَقَطْ دُونَ زَيْدٍ إعْطَاءً لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ لَوْ انْفَرَدَ (وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (شِئْت كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَقَعَ) الطَّلَاقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَفْظُ الْمَشِيئَةِ وَهَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَنَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَقِيلَ: لَا يَقَعُ بَاطِنًا) لِانْتِفَاءِ الْمَشِيئَةِ فِي الْبَاطِنِ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَنَقَلَا فِي أَوَائِلِ الْإِقْرَارِ مَا يُوهِمُ تَرْجِيحَهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَيْضًا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَا فِي الْبَاطِنِ لِخَفَائِهِ لَا يُقْصَدُ التَّعْلِيقُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا شِئْت إنْ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ ذُكِرَ وَلَمْ تُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ تَعْلِيقُهَا، وَالْمَشِيئَةُ خَبَرٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ الْإِرَادَةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ أَهْلًا لِلْمَشِيئَةِ بِقَوْلِهِ.
المتن: وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ، وَقِيلَ يَقَعُ بِمُمَيِّزٍ وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَقَعُ) طَلَاقٌ عُلِّقَ (بِمَشِيئَةِ) كُلٍّ مِنْ (صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ) وَإِنْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَشِيئَتِهَا فِي التَّصَرُّفَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِصَغِيرَةٍ طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ لَمْ يَقَعْ، فَكَذَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا (وَقِيلَ يَقَعُ) الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ (بِ) مَشِيئَةِ (مُمَيِّزٍ) لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَتَقْيِيدُهُ بِمُمَيِّزٍ مِنْ زَوَائِدِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ جَزْمًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَذَا لَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ مَجْنُونٍ عُلِّقَ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَلَوْ بَالِغًا جَزْمًا؛ لِأَنَّا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَلَا بُدَّ مِنْ صُدُورِهِ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ مُعْرِبًا عَنْ مَشِيئَتِهِ. نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ أَوْ لِصَغِيرٍ: إنْ قُلْت شِئْت فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَقَالَ: شِئْت طَلُقَتْ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ أَخْرَسَ فَأَشَارَ إشَارَةً مُفْهِمَةً وَقَعَ، أَوْ نَاطِقٍ فَخَرِسَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ شَاءَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَةٍ حَالَ سُكْرِهِ الَّذِي أَثِمَ بِهِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ نَاقِصٍ بِصِبًا أَوْ جُنُونٍ فَشَاءَ فَوْرًا بَعْدَ كَمَالِهِ لَمْ يَقَعْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَطْلُقْ إذْ لَهُمْ مَشِيئَةٌ وَلَمْ نَعْلَمْ حُصُولَهَا، وَالتَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ بَهِيمَةٍ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ (وَلَا رُجُوعَ لَهُ) أَيْ شَخْصٌ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ (قَبْلَ الْمَشِيئَةِ) مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَفِيهِ شَائِبَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى صِفَةٍ فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً لَمْ تَطْلُقْ، وَقِيلَ تَقَعُ طَلْقَةً، وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ وَعَلِمَ بِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَيَقَعُ قَطْعًا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ) مَثَلًا (طَلْقَةً فَشَاءَ) زَيْدٌ (طَلْقَةً) أَوْ أَكْثَرَ (لَمْ تَطْلُقْ) شَيْئًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَهَا فَلَا تَطْلُقِينَ أَصْلًا، كَمَا لَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَدْخُلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَدَخَلَ (وَقِيلَ تَقَعُ طَلْقَةً) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَ طَلْقَةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: يَقَعُ طَلْقَتَانِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ عَدَمَ وَاحِدٍ فَيَقَعَ الْبَاقِي، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ قُبِلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَشَأْ شَيْئًا وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ ثَلَاثًا فَشَاءَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَوْ شَاءَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ وَاحِدَةً، وَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ وَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهِ أَوْ جُنَّ لَمْ تَطْلُقْ (وَلَوْ عَلَّقَ) زَوْجٌ طَلَاقًا (بِفِعْلِهِ) كَدُخُولِ الدَّارِ (فَفَعَلَ) الْمُعَلَّقَ بِهِ (نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ) ذَاكِرًا لَهُ (مُكْرَهًا) عَلَى الْفِعْلِ أَوْ طَائِعًا جَاهِلًا (لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ) لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ: {إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} أَيْ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ رَفْعُ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ كُلَّ حُكْمٍ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، فَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالطَّلَاقِ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَقَعُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فِي النِّسْيَانِ، وَالثَّانِي: تَطْلُقُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَلَيْسَ النِّسْيَانُ وَنَحْوُهُ دَافِعًا لِلْوُقُوعِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا حَنِثَ بِفِعْلِهِ سَهْوًا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْسَى فَنَسِيَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ بَلْ نُسِّيَ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِفِعْلِ غَيْرِهِ) وَقَدْ قَصَدَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ، وَهُوَ (مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ) أَيْ يَشُقُّ عَلَيْهِ حِنْثُهُ، فَلَا يُخَالِفُهُ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ فَيَحْرِصُ عَلَى إبْرَارِ قَسَمِهِ وَلَوْ حَيَاءً لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خَشْيَةَ الْعُقُوبَةِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ (وَعَلِمَ) غَيْرُهُ (بِهِ) أَيْ بِتَعْلِيقِهِ (فَكَذَلِكَ) لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَظْهَرِ إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ، أَوْ كَانَ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِ (قَطْعًا) وَإِنْ اتَّفَقَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ نِسْيَانٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ تَعْلِيقِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَنْعٍ أَوْ حَثٍّ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَتْنِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ فِيمَا إذَا قَصَدَ فِيمَنْ يُبَالِي بِهِ إعْلَامَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَطْلُقُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ لِلْجُمْهُورِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ. أَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَقَعَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ نَاسِيًا لَهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّ زَيْدًا لَيْسَ فِي الدَّارِ وَكَانَ فِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ عَلِمَ وَنَسِيَ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ أَوْ فِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ عِلْمُهُ: أَيْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ، وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ أَطْلَقَ فَفِي الْحِنْثِ قَوْلَانِ: رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ الْحِنْثَ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، إذْ لَا حَثَّ وَلَا مَنْعَ بَلْ تَحْقِيقٌ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَثَبَّتَ قَبْلَ الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْحِنْثِ، وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعَدَمَ الْحِنْثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهَذَا أَوْجَهُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِ بَهِيمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَطِفْلٍ فَدَخَلَتْ مُخْتَارَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَتْ مُكْرَهَةً لَمْ يَقَعْ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُعَلَّقُ التَّعْلِيقَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ أَوْ مِمَّنْ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ وَدَخَلَ مُكْرَهًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِعْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ أَتَى بِهِ مُكْرَهًا. وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِهِ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّهَا حِينَ الْإِكْرَاهِ لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا، وَحُكْمُ الْيَمِينِ فِيمَا ذُكِرَ كَالطَّلَاقِ، وَلَا يَنْحَلُّ بِفِعْلِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ.
|