الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: الْحَضَانَةُ: حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ وَتَرْبِيَتُهُ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الْحَضَانَةِ وَصِفَاتِ الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُونِ (الْحَضَانَةُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْجَنْبُ. فَإِنَّ الْحَاضِنَةَ تَرُدُّ إلَيْهِ الْمَحْضُونَ وَتَنْتَهِي فِي الصَّغِيرِ بِالتَّمْيِيزِ. وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَى الْبُلُوغِ فَتُسَمَّى كَفَالَةً. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا، وَشَرْعًا (حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ) بِأُمُورِ نَفْسِهِ عَمَّا يُؤْذِيهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ كَطِفْلٍ وَكَبِيرٍ مَجْنُونٍ (وَتَرْبِيَتُهُ) أَيْ تَنْمِيَةُ الْمَحْضُونِ بِمَا يُصْلِحُهُ بِتَعَهُّدِهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْكِتَابِ تَفْسِيرُ الْحَضَانَةِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ كَالنَّفَقَةِ، وَلِهَذَا ذُكِرَتْ عَقِبَ النَّفَقَاتِ.
المتن: وَالْإِنَاثُ أَلْيَقُ بِهَا، وَأَوْلَاهُنَّ أُمٌّ ثُمَّ أُمَّهَاتٌ يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُنَّ، وَالْجَدِيدُ تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ أُمُّ أَبٍ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ ثُمَّ أُمُّ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي جَدٍّ كَذَلِكَ، وَالْقَدِيمُ الْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ عَلَيْهِنَّ، وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ عَلَى خَالَةٍ وَخَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَأُخْتٍ، وَبِنْتُ أَخٍ وَأُخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أُخْتِ أَحَدِهِمَا، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ أُخْتٍ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ وَعَمَّةٍ لِأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٍّ، وَسُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ دُونَ أُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْحَضَانَةُ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ، لَكِنَّ (الْإِنَاثَ أَلْيَقُ بِهَا) لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَى التَّرْبِيَةِ وَأَصْبَرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا وَأَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْأَطْفَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُمْ، إمَّا إنَاثٌ فَقَطْ، وَإِمَّا ذُكُورٌ فَقَطْ، وَإِمَّا الْفَرِيقَانِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَأَوْلَاهُنَّ) أَيْ الْإِنَاثِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ وَتَنَازُعِهِنَّ فِي طَلَبِهَا (أُمٌّ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا، وَفِي الْخَبَرِ: {إنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ تَقْدِيمِ الْأُمِّ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ زَوْجٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ إنْ كَانَ لَهُ بِهَا أَوْ لَهَا بِهِ اسْتِمْتَاعٌ، وَالْمُرَادُ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا جِمَاعُهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ تُطِيقَهُ وَإِلَّا فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّدَاقِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا فِي فَتَاوِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا، وَلَهُ نَزْعُهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ الْحُرَّيْنِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى غَيْرِهِمَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ حِينَئِذٍ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَشْتَرِكُ سَيِّدُهُ وَقَرِيبُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِحَضَانَتِهِ فِي حَضَانَتِهِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ أَوْ عَلَى اسْتِئْجَارِ حَاضِنَتِهِ أَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَذَاكَ، وَإِنْ تَمَانَعَا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ مَنْ تَحْضُنُهُ وَأَلْزَمَهُمَا الْأُجْرَةَ (ثُمَّ) بَعْدَ الْأُمِّ (أُمَّهَاتٌ) لَهَا (يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ) وَارِثَاتٍ لِمُشَارَكَتِهِنَّ الْأُمَّ فِي الْإِرْثِ وَالْوِلَادَةِ (يُقَدَّمُ) مِنْهُنَّ (أَقْرَبُهُنَّ) فَأَقْرَبُهُنَّ لِوُفُورِ الشَّفَقَةِ (وَالْجَدِيدُ تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ) أَيْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ (أُمُّ أَبٍ) لِمُشَارَكَتِهَا أُمَّ الْأُمِّ فِي الْمَعْنَى السَّابِقِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِيهِنَّ مُحَقَّقَةٌ، وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ مَظْنُونَةٌ، وَلِأَنَّهُنَّ أَقْوَى مِيرَاثًا مِنْ أُمَّهَاتِهِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَسْقُطْنَ بِالْأَبِ بِخِلَافِ أُمَّهَاتِهِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ) وَارِثَاتٍ لِمَا مَرَّ (ثُمَّ أُمُّ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ) ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ (ثُمَّ أُمُّ أَبِي جَدٍّ كَذَلِكَ) ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ وَهَكَذَا؛ لِأَنَّ لَهُنَّ وِلَادَةً وَوِرَاثَةً كَالْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا، وَتُقَدَّمُ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأُمَّهَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى (وَالْقَدِيمُ) يُقَدَّمُ (الْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ عَلَيْهِنَّ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. أَمَّا الْأَخَوَاتُ فَلِأَنَّهُنَّ اجْتَمَعْنَ مَعَهُ فِي الصُّلْبِ وَالْبَطْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَشَارَكْنَهُ فِي النَّسَبِ، فَهُنَّ عَلَيْهِ أَشْفَقُ. وَأَمَّا الْخَالَاتُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّظَرَ هُنَا إلَى الشَّفَقَةِ، وَهِيَ فِي الْجَدَّاتِ أَغْلَبُ (وَتُقَدَّمُ) قَطْعًا (أُخْتٌ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ (عَلَى خَالَةٍ) لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْهَا (وَ) تُقَدَّمُ (خَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَ) بِنْتِ (أُخْتٍ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ بِخِلَافِهِمَا (وَ) تُقَدَّمُ (بِنْتُ أَخٍ وَ) بِنْتُ (أُخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ) كَمَا يُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْعَمِّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ بِنْتِ الْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْمُقَدَّمُ مِنْهُمَا بِنْتُ الْأُخْتِ (وَ) تُقَدَّمُ (أُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أُخْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ شَفَقَتَهَا أَتَمُّ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمَحْضُونِ فِي الصُّلْبِ وَالرَّحِمِ فَهِيَ أَشْفَقُ (وَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْجَدِيدِ، وَالْقَدِيمُ لَا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ تَفْرِيعِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى الْقَدِيمِ (تَقْدِيمُ أُخْتٍ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ) لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهُ فِي النَّسَبِ وَلِقُوَّةِ إرْثِهَا فَإِنَّهَا قَدْ تَصِيرُ عَصَبَةً، وَالثَّانِي: عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ فَتُقَدَّمُ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِالْأَبِ (وَ) الْأَصَحُّ تَقْدِيمُ (خَالَةٍ) لِأَبٍ (وَعَمَّةٍ لِأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٍّ) لِقُوَّةِ الْجِهَةِ كَالْأُخْتِ، وَالثَّانِي: عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ كَانَ لِقُوَّتِهَا فِي الْإِرْثِ وَلَا إرْثَ هُنَا (وَ) الْأَصَحُّ (سُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ) وَهِيَ مَنْ تُدْلِي بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ فَأَشْبَهَتْ الْأَجَانِبَ، وَالثَّانِي لَا تَسْقُطُ لِوِلَادَتِهَا لَكِنْ تَتَأَخَّرُ عَنْ جَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ لِضَعْفِهَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخَانِ وَفِي مَعْنَى الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ كُلُّ مَحْرَمٍ يُدْلِي بِذَكَرٍ لَا يَرِثُ: كَبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ: كَوْنُ بِنْتِ الْعَمِّ مَحْرَمًا ذُهُولٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى كُلِّ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةً عَلَى بِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ كَمَا تَوَهَّمَهُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ ذُهُولٌ، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ (دُونَ أُنْثَى) هُوَ فِي حَيِّزِ الْأَصَحِّ أَيْضًا، وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ أَيْ وَالْأَصَحُّ سُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ لَا بِسُقُوطِ كُلِّ أُنْثَى (غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ) وَبِنْتِ عَمَّةٍ، وَبِنْتَيْ الْخَالِ، وَالْعَمِّ، لِشَفَقَتِهِنَّ بِالْقَرَابَةِ وَهِدَايَتِهِنَّ إلَى التَّرْبِيَةِ بِالْأُنُوثَةِ، وَالثَّانِي: لَا حَقَّ لَهُنَّ كَالْجَدَّاتِ السَّاقِطَاتِ. وَأَجَابَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجَدَّةَ السَّاقِطَةَ تُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ تُدْلِي بِوَارِثٍ غَيْرُ بِنْتِ الْعَمِّ الْعَصَبَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَرْجِيحُ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الْخَالِ الْحَاضِنَةِ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِإِدْلَائِهَا بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا حَضَانَةَ لَهَا بِخِلَافِ بِنْتِ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فَإِنَّهَا يُدْلِي بِأُنْثَى، وَبِخِلَافِ بِنْتِ الْعَمِّ، أَيْ: الْعَصَبَةِ فَإِنَّهَا تُدْلِي بِذَكَرٍ وَارِثٍ ا هـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ بِنْتَ الْخَالِ لَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَحْضُونِ مَحْرَمٌ قَرِيبٌ، وَهُوَ الْخَالُ ثَبَتَ لَهَا الْحَضَانَةُ، بِخِلَافِ الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ لِبُعْدِهَا، وَالتَّقَرُّبُ لَهُ شَفَقَةٌ فَثَبَتَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ لِذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخِي أَجَابَ بِأَنَّ فِي الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ الْحَضَانَةَ ثَابِتَةٌ لِأَقْرِبَاءَ فِي النَّسَبِ فَانْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ عَنْهَا، وَفِي بِنْتِ الْخَالِ تَرَاخَى النَّسَبُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَوْنُهَا لَمْ تُدْلِ بِوَارِثٍ بِنَسَبٍ، وَتُقَدَّمُ بِنْتُ الْمَحْضُونِ عِنْدَ فَقْدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْجَدَّاتِ.
المتن: وَتَثْبُتُ لِكُلِّ ذَكَرٍ مَحْرَمٍ وَارِثٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، وَكَذَا غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ مُشْتَهَاةٌ بَلْ إلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ مَحْضُ الذُّكُورِ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: مَحْرَمٌ وَارِثٌ، وَوَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَمَحْرَمٌ غَيْرُ وَارِثٍ، وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَلَا وَارِثَ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا، فَقَالَ (وَتَثْبُتُ) الْحَضَانَةُ (لِكُلِّ ذِي مَحْرَمٍ وَارِثٍ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَالْعَمِّ كَذَلِكَ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَالْإِرْثِ وَالْوِلَايَةِ (عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ) عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، فَيُقَدَّمُ أَبٌ، ثُمَّ جَدٌّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ أَخٌ شَقِيقٌ، ثُمَّ لِأَبٍ، وَهَكَذَا، فَالْجَدُّ هُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ لَكَانَ أَوْلَى (وَكَذَا) ذَكَرٌ وَارِثٌ (غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ) فَإِنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ بِالْوِلَايَةِ، وَالثَّانِي لَا لِفَقْدِ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّانِي. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُهُ يَشْمَلُ الْمُعْتِقَ فَإِنَّهُ وَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ مَعَ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ. أُجِيبَ: بِأَنَّ تَمْثِيلَهُ بِابْنِ الْعَمِّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ فِي الْحَاضِنِ (وَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ مُشْتَهَاةٌ) حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ (بَلْ) تُسَلَّمُ (إلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ التَّعْيِينِ لَا بِتَخْفِيفِهَا مِنْ الْمَعُونَةِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّعْيِينُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهُ، وَيُفَارِقُ ثُبُوتَ الْحَضَانَةِ لَهُ عَلَيْهَا عَدَمُ ثُبُوتِهَا لِبِنْتِ الْعَمِّ عَلَى الذَّكَرِ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الِاسْتِنَابَةِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، وَلِاخْتِصَاصِ ابْنِ الْعَمِّ بِالْعُصُوبَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ مَثَلًا يَسْتَحِي مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْعَدَدِ جُعِلَتْ عِنْدَهُ مَعَ بِنْتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَبِنْتُهُ مَعَهُ لَا فِي رَحْلِهِ سُلِّمَتْ إلَيْهَا لَا لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ وَلَمْ تَكُنْ بِنْتُهُ فِي بَيْتِهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا حَيْثُ قَالُوا فِي مَوْضِعٍ: تُسَلَّمُ إلَيْهِ، وَفِي آخَرَ تُسَلَّمُ إلَيْهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثِقَةً، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ: وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ غَيْرَتَهَا عَلَى قَرَابَتِهَا وَأَبِيهَا تُغْنِي عَنْ ذَكَرٍ مَرْدُودٌ، وَلِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ الشَّفَقَةُ حَسْمًا لِلْبَابِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُ الذَّكَرُ مُطْلَقًا الْمُشْتَهِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَهَى إلَيْهِ.
المتن: فَإِنْ فُقِدَ الْإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ أَوْ الْإِرْثُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ فُقِدَ) فِي الذَّكَرِ الْحَاضِنِ (الْإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ) مَعًا كَابْنِ خَالٍ وَابْنِ عَمَّةٍ، وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّالِثُ (أَوْ الْإِرْثُ) فَقَطْ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بَاقِيَةٌ كَأَبِي أُمٍّ وَخَالٍ، وَهُوَ الصِّنْفُ الرَّابِعُ (فَلَا) حَضَانَةَ لَهُمْ (فِي الْأَصَحِّ) لِفَقْدِ الْإِرْثِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي الْأُولَى وَلِضَعْفِ قَرَابَتِهِ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يَلِي وَلَا يَعْقِلُ، وَالثَّانِي لَهُ الْحَضَانَةُ لِشَفَقَتِهِ بِالْقَرَابَةِ. تَنْبِيهٌ: لَا حَقَّ لِلْمَحْرَمِ بِالرَّضَاعِ فِي الْحَضَانَةِ وَلَا فِي الْكَفَالَةِ وَلَا لِلْمُولَى وَعَصَبَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِفَقْدِ الْإِرْثِ فِي الْأَوَّلِ، وَفَقْدِ الْقَرَابَةِ فِي الثَّانِي وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ الْإِرْثُ. .
المتن: وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَالْأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأَبُ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ، وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الْحَاشِيَةِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْأَصَحُّ الْأَقْرَبُ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى، وَإِلَّا فَيُقْرَعُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ (وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ) وَتَنَازَعُوا فِي الْحَضَانَةِ (فَالْأُمُّ) تُقَدَّمُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا) الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي مَعْنَى الْأُمِّ فِي الشَّفَقَةِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ (الْأَبُ) عَلَى أُمَّهَاتِهِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُنَّ (وَقِيلَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ) لِإِدْلَائِهِمَا بِالْأُمِّ فَيَسْقُطُ بِهِمَا، بِخِلَافِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ لِإِدْلَائِهَا بِهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى أُمَّهَاتِهِ كَمَا مَرَّ (وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِالتَّرْتِيبِ الْمَارِّ (عَلَى الْحَاشِيَةِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ لِقُوَّةِ الْأُصُولِ. تَنْبِيهٌ: فِي جَزْمِهِ بِتَقْدِيمِ الْأَصْلِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ: قِيلَ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ (فَإِنْ فُقِدَ) الْأَصْلُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَهُنَاكَ حَوَاشٍ (فَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ (الْأَقْرَبُ) فَالْأَقْرَبُ كَالْإِرْثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا يُرَجَّحُ الْمُعْتَقُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمُّ أَبٍ مُعْتَقٌ لَمْ يُرَجَّحْ الْمُعْتَقُ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَقْرَبُ وَيُشَارِكُهُ الْمُسَاوِي (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَقْرَبُ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَفِيهِمْ أُنْثَى وَذَكَرٌ (فَالْأُنْثَى) مُقَدَّمَةٌ عَلَى الذَّكَرِ كَأُخْتٍ عَلَى أَخٍ وَبِنْتِ أَخٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ؛ لِأَنَّهَا أَبْصَرُ وَأَصْبَرُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بَنَاتُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى ذُكُورِهِ، وَالْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ، فَلَا يُقَدَّمُ الذَّكَرُ فِي مَحَلٍّ لَوْ كَانَ أُنْثَى لَقُدِّمَ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْأُنُوثَةِ، فَلَوْ ادَّعَى الْأُنُوثَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ غَالِبًا فَتَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ وَإِنْ أَبْهَمَ تَثْبُتُ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أُنْثَى وَذَكَرٌ بِأَنْ اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ (فَيُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ وَإِنْ بَعُدْنَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ الذُّكُورِ، وَإِنْ كَانُوا عَصَبَاتٍ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلْحَضَانَةِ. .
المتن: وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَمَجْنُونٍ، وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَنَاكِحَةِ غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ إلَّا عَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ رَضِيعًا اُشْتُرِطَ أَنْ تُرْضِعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْحَاضِنِ شُرُوطًا ذَكَرَ مِنْهَا الْمُصَنِّفُ سِتَّةً، وَأَنَا أَذْكُرُ بَاقِيَهَا فِي الشَّرْحِ: أَحَدُهَا الْحُرِّيَّةُ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ) وَلَوْ مُبَعَّضًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْثَرْ إذْنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَيُشَوِّشُ أَمْرَ الْوَالِدِ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ فَإِنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَحَضَانَتُهُ لَهَا مَا لَمْ تَنْكِحْ كَمَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَقَرَّهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمَعْنَى فِيهِ فَرَاغُهَا لِمَنْعِ السَّيِّدِ مِنْ قُرْبَانِهَا مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهَا، وَثَانِيهَا الْعَقْلُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (مَجْنُونٍ) فَلَا حَضَانَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِفْظُ وَلَا التَّعَهُّدُ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْضُنُهُ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَسِيرًا كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَبِيرِ وَالرَّوْضَةِ كَيَوْمٍ فِي سِنِينَ لَمْ تَسْقُطْ الْحَضَانَةُ بِهِ كَمَرَضٍ يَطْرَأُ وَيَزُولُ، وَثَالِثُهَا الْأَمَانَةُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (فَاسِقٍ)؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي وَلَا يُؤْتَمَنُ، وَلِأَنَّ الْمَحْضُونَ لَا حَظَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهِ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَشُهُودِ النِّكَاحِ. نَعَمْ إنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي التَّرْشِيحِ: وَبِهِ أَفْتَيْت فِيمَا إذَا تَنَازَعَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْوَلَدِ، فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَهُ فَلَا يُنْزَعُ مِمَّنْ تَسَلَّمَهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ ا هـ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَرَابِعُهَا: الْإِسْلَامُ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا فَتَنَهُ فِي دِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ وَأُمِّهِ الْمُشْرِكَةِ، فَمَالَ إلَى الْأُمِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَعَدَلَ إلَى أَبِيهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ، وَأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَبَ الْمُسْلِمَ، وَقَصْدُهُ بِتَخْيِيرِهِ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ أُمِّهِ وَبِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَ لِأُمِّهِ حَقٌّ لَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ وَلَمَا دَعَا، وَحِينَئِذٍ فَيَحْضُنُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَارِّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَضَنَهُ الْمُسْلِمُونَ وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُنْزَعُ نَدْبًا مِنْ الْأَقَارِبِ الذِّمِّيِّينَ وَلَدُ ذِمِّيٍّ وَصَفَ الْإِسْلَامَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ اللَّقِيطِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُخْتَارُ، وَظَاهِرُ النَّصِّ الْوُجُوبُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ ثُبُوتَهَا لِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ. وَخَامِسُهَا: أَنْ تَخْلُوَ الْحَاضِنَةُ مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (نَاكِحَةِ) زَوْجٍ (غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَرَضِيَ أَنْ يَدْخُلَ الْوَلَدُ دَارِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ: " أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي "، وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ عَنْهُ بِحَقِّ الزَّوْجِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِأَنَّ عَلَى الْوَلَدِ وَعَصَبَتِهِ عَارًا فِي مُقَامِهِ مَعَ زَوْجِ أُمِّهِ، وَلَا أَثَرَ لِرِضَا الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَقَطَ حَقُّ الْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَظَاهِرُهُ بَقَاءُ حَقِّ الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَطْلَبِ، إذْ كَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّ الْجَدَّةِ بِرِضَا الْأَبِ؟، وَلِذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْيَسُ عَدَمُ السُّقُوطِ، وَقَدْ يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَدَّةَ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحَقُّ إلَيْهَا حِينَئِذٍ حَتَّى يُقَالَ سَقَطَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ سُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ مَا لَوْ اخْتَلَعَتْ بِالْحَضَانَةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَنَكَحَتْ فِي أَثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ لَازِمَةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ الِاسْتِحْقَاقُ هُنَا بِالْقَرَابَةِ بَلْ بِالْإِجَارَةِ (إلَّا) مَنْ نَكَحَتْ (عَمَّهُ) أَيْ الطِّفْلِ (وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ) فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا حِينَئِذٍ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ مَنْ نَكَحَتْهُ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَشَفَقَتُهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى كَفَالَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ الْأَبِ، وَلِقَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَ حَمْزَةَ لِخَالَتِهَا لَمَّا قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: إنَّهَا بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ حَقُّهَا لِاشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ الْآنَ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ الَّذِي نَكَحَهَا بِحَضَانَتِهَا وَإِلَّا فَتَسْقُطُ جَزْمًا؛ لِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُ ابْنِ الْأَخِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا كَأَنْ تَتَزَوَّجَ أُخْتُ الطِّفْلِ لِأُمِّهِ بِابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ بَلْ ضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إلَّا لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَرَضِيَ لَعَمَّ مَا ذُكِرَ. أَمَّا مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا كَالْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ فَيَسْقُطُ حَضَانَةُ الْمَرْأَةِ بِتَزْوِيجِهَا بِهِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ الْخَالَ، وَالْخَالُ لَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأُجَوِّزُ أَنَّهُ حُرِّفَ سَهْوًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ، أَوْ نَكَحَتْ أَخًا لَهُ فَأُغْفِلَتْ الْأَلِفُ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ. وَسَادِسُهَا: أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُرْضِعًا لِلطِّفْلِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْضُونُ (رَضِيعًا اُشْتُرِطَ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِنَةِ (أَنْ تُرْضِعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ وَعَلَى الْأَبِ اسْتِئْجَارُ مُرْضِعَةٍ تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْحَاضِنَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْأَبِ اسْتِئْجَارَ مُرْضِعَةٍ تَتْرُكُ مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْحَاضِنَةِ عُسْرًا عَلَيْهِ فَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا لَبَنَ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ، وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: حَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ فَالْأَصَحُّ لَا حَضَانَةَ لَهَا ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَسَابِعُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ دَائِمٌ كَالسِّلِّ وَالْفَالِجِ إنْ عَاقَ تَأَلُّمُهُ عَنْ نَظَرِ الْمَحْضُونِ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ أَلَمُهُ عَنْ كَفَالَتِهِ وَتَدَبُّرِ أَمْرِهِ أَوْ عَنْ حَرَكَةِ مَنْ يُبَاشِرُ الْحَضَانَةَ فَتَسْقُطُ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ بِنَظَرِهِ وَيُبَاشِرُهَا غَيْرُهُ، وَثَامِنُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَبْرَصَ وَلَا أَجْذَمَ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الْعَلَائِيِّ. وَتَاسِعُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَعْمَى كَمَا أَفْتَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَاسْتَنْبَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ: إنْ بَاشَرَ غَيْرَهُ وَهُوَ مُدَّبِّرٌ أُمُورَهُ فَلَا مَنَعَ كَمَا فِي الْفَالِجِ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَعَاشِرُهَا: أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا فَلَا حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَحَادِي عَشَرَهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مُغْفَلَا كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي. وَثَانِيَ عَشَرَهَا: أَنْ لَا يَكُونَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.
المتن: فَإِنْ كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ حَضَنَتْ، وَإِنْ غَابَتْ الْأُمُّ أَوْ امْتَنَعَتْ فَلِلْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ) فُقِدَ مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ ثُمَّ وُجِدَ كَأَنْ (كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ) بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ، أَوْ تَابَتْ فَاسِقَةٌ، أَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ عَتَقَتْ رَقِيقَةٌ (أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ) بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ (حَضَنَتْ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَتَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ الْحَضَانَةَ فِي الْحَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُطَلَّقَةِ الْحَضَانَةَ رِضَا الزَّوْجِ بِدُخُولِ الْمَحْضُونِ بَيْتَهُ إنْ كَانَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ تَسْتَحِقَّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ (وَإِنْ غَابَتْ الْأُمُّ أَوْ امْتَنَعَتْ) مِنْ الْحَضَانَةِ (فَلِلْجَدَّةِ) مَثَلًا أُمِّ الْأُمِّ (عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا لَوْ مَاتَتْ أَوْ جُنَّتْ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَرِيبَ إذَا امْتَنَعَ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِمَنْ يَلِيهِ. وَالثَّانِي: تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ كَمَا لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ أَوْ عَضَلَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَرِيبَ أَشْفَقُ وَأَكْثَرُ فَرَاغًا مِنْ السُّلْطَانِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ إجْبَارِ الْأُمِّ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا لِلْوَلَدِ الْمَحْضُونِ فَإِنْ وَجَبَتْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا مَالٌ أُجْبِرَتْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ النَّفَقَةِ، فَهِيَ حِينَئِذٍ كَالْأَبِ (هَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا (كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ) وَهُوَ كَمَا مَرَّ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ كَطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ بَالِغٍ.
المتن: وَالْمُمَيِّزُ إنْ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ كَانَ عِنْدَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ فَالْحَقُّ لِلْآخَرِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أُمٍّ وَجَدٍّ، وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةُ أُمِّهِ وَيَمْنَعُ أُنْثَى، وَلَا يَمْنَعُهَا دُخُولًا عَلَيْهِمَا زَائِرَةً، وَالزِّيَارَةُ مَرَّةً فِي أَيَّامٍ، فَإِنْ مَرِضَا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا، وَإِنْ اخْتَارَهَا ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا، وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا، وَيُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ أَوْ حِرْفَةٍ، أَوْ أُنْثَى فَعَنَدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيَزُورُهَا الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ، وَإِنْ اخْتَارَهُمَا أَقُرِعَ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فَالْأُمُّ أَوْلَى، وَقِيلَ يُقْرَعُ.
الشَّرْحُ: (وَالْمُمَيِّزُ) الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (إنْ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ) مِنْ النِّكَاحِ وَصَلُحَا لِلْحَضَانَةِ، وَلَوْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دِينًا أَوْ مَالًا أَوْ مَحَبَّةً (كَانَ عِنْدَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ}، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْغُلَامَةُ كَالْغُلَامِ فِي الِانْتِسَابِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْكَفَالَةِ الْحِفْظُ لِلْوَلَدِ، وَالْمُمَيِّزُ أَعْرَفُ بِحَظِّهِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، وَسِنُّ التَّمْيِيزِ غَالِبًا سَبْعُ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ تَقْرِيبًا، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى السَّبْعِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الثَّمَانِ، وَالْحُكْمُ مَدَارُهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى السِّنِّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا أُخِّرَ إلَى حُصُولِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَخَيَّرُ وَلَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّ الْآخِرَ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا فَامْتَنَعَ مِنْ كَفَالَتِهِ كَفَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ أُعِيدَ التَّخْيِيرُ، وَإِنْ امْتَنَعَا وَبَعْدَهُمَا مُسْتَحِقَّانِ لَهَا كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ أَمَّا إذَا صَلُحَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ (جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ) أَيْ الْأُنْثَى أَجْنَبِيًّا (فَالْحَقُّ لِلْآخِرِ) فَقَطْ وَلَا تَخْيِيرَ لِوُجُودِ الْمَانِعِ بِهِ، فَإِنْ عَادَ صَلَاحُ الْآخَرِ أَنْشَأَ التَّخْيِيرَ (وَيُخَيَّرُ) الْمُمَيِّزُ أَيْضًا عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (بَيْنَ أُمٍّ وَجَدٍّ) أَيْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ لِوِلَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِ الْأُمِّ، أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا كَالْأُمِّ فَيُخَيَّرُ الْوَلَدُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ (وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ) أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ حَاشِيَةِ النَّسَبِ مَعَ أُمٍّ تُخَيَّرُ بَيْنَ كُلٍّ وَبَيْنَ الْأُمِّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ الْعُصُوبَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْحَوَاشِي كَالْأُصُولِ (أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ. وَالثَّانِي: تُقَدَّمُ فِي الْأُولَيَيْنِ الْأُمُّ وَفِي الْآخَرِ بَيْنَ الْأَبِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ الْعَمِّ مَعَ الْأُمِّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَمِثْلُ الْأَخِ وَالْعَمِّ ابْنُ الْعَمِّ فِي حَقِّ الذَّكَرِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُ بِالْأُنْثَى، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ وَتَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّخْيِيرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا جَرَيَانُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْأَبِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الشَّقِيقَةِ وَفِي الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ. أَمَّا الْأُخْتُ لِلْأَبِ فَلَا، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ اخْتَارَ) الْمُمَيِّزُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مَنْ أُلْحِقَ بِهِمَا كَمَا ذُكِرَ (ثُمَّ) اخْتَارَ (الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنْ اخْتَارَهُ أَوَّلًا، وَلِأَنَّ الْمُتَّبَعَ شَهْوَتُهُ كَمَا قَدْ يَشْتَهِي طَعَامًا فِي وَقْتٍ وَغَيْرَهُ فِي آخَرَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ مُرَاعَاةَ الْجَانِبَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُحَوَّلُ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ دَائِمًا ، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ سَبَبَهُ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ جُعِلَ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَجْرِي بَيْنَ ذَكَرَيْنِ وَلَا أُنْثَيَيْنِ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُنْثَيَيْنِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ جَرَيَانُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فَبَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْلَى (فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أُمِّهِ) وَلَا يُكَلِّفُهَا الْخُرُوجَ لِزِيَارَتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَاعِيًا فِي الْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. تَنْبِيهٌ: هَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلُ (وَيَمْنَعُ) الْأَبُ (أُنْثَى) إذَا اخْتَارَتْهُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهَا لِتَأْلَفَ الصِّيَانَةَ وَعَدَمَ الْبُرُوزِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا لِسِنِّهَا وَخِبْرَتِهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ عَنْ الْخُنْثَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْأُنْثَى، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأُمِّ بَيْنَ الْمُخَدَّرَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ الْفَرْقَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَهَا مِنْ زِيَارَتِهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِزِيَارَتِهَا عِيَادَتُهَا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (وَلَا يَمْنَعُهَا) أَيْ الْأُمَّ (دُخُولًا عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَدَيْهَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَوْ الْخُنْثَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهَا أَيْ الْأُنْثَى (زَائِرَةً) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَطْعًا لِلرَّحِمِ، لَكِنْ لَا تُطِيلُ الْمُكْثَ، وَعَبَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَبَ، أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ الدُّخُولِ وَلَا يُوَلِّهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفْهِمُ عَدَمَ اللُّزُومِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ، فَقَالَ: فَإِنْ بَخِلَ الْأَبُ بِدُخُولِهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهُ إلَيْهَا ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ (وَالزِّيَارَةُ) عَلَى الْعَادَةِ (مَرَّةً فِي أَيَّامٍ) أَيْ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَنْزِلُهَا قَرِيبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَ كُلَّ يَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. تَنْبِيهٌ: نَصَبَ مَرَّةً عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ عَلَى الظَّرْفِ (فَإِنْ مَرِضَا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا) لِأَنَّهَا أَهْدَى إلَيْهِ وَأَصْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبِ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي بَيْتِهِ) فَذَاكَ ظَاهِرٌ (وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا) يَكُونُ التَّمْرِيضُ وَيَعُودُهُمَا، وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا فِي بَيْتِهِ؛ أَمَّا إذَا مَاتَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهِمَا إذَا دُفِنَا فِي مِلْكِهِ وَالْحُكْمُ فِي الْعَكْسِ كَذَلِكَ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي دَفْنِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا فِي تُرْبَةِ أَحَدِهِمَا أُجِيبَ الْأَبُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ مَرِضَتْ الْأُمُّ لَزِمَ الْأَبُ أَنْ يُمَكِّنَ الْأُنْثَى مِنْ تَمْرِيضِهَا إنْ أَحْسَنَتْ تَمْرِيضَهَا بِخِلَافِ الذَّكَرِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَحْسَنَ التَّمْرِيضَ (وَإِنْ اخْتَارَهَا) أَيْ الْأُمَّ (ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا، وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا) يُعَلِّمُهُ الْأُمُورَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ (وَيُؤَدِّبُهُ) أَيْ يُعَلِّمُهُ أَدَبَ النَّفْسِ وَالْبَرَاعَةَ وَالظُّرْفِ، فَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ صَغِيرًا سُرَّ بِهِ كَبِيرًا، يُقَالُ: الْأَدَبُ عَلَى الْآبَاءِ، وَالصَّلَاحُ عَلَى اللَّهِ (وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ التَّاءِ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُتَعَلَّمُ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْكُتَّابُ، وَقَالَ ابْنُ دَاوُد: الْأَفْصَحُ الْمَكْتَبُ؛ لِأَنَّ الْكُتَّابَ جَمْعُ كَاتِبٍ (أَوْ) ذِي (حِرْفَةٍ) يَتَعَلَّمُ مِنْ الْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ وَمِنْ الثَّانِي الْحِرْفَةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْوَلَدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الشَّرِيفِ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَهُ الصَّنْعَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَزْرِي بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ صَنْعَةٌ شَرِيفَةٌ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَهُ صَنْعَةً رَدِيئَةً، لِأَنَّ عَلَيْهِ رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَمَا فِيهِ الْحَظُّ لَهُ وَلَا يَكِلُهُ فِي ذَلِكَ إلَى أُمِّهِ لِعَجْزِ النِّسَاءِ عَنْ الْقِيَامِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، فَقَالَ: يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُ الْوَلَدِ وَتَعْلِيمُهُ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا وَأُجْرَةُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمَا قَالَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَوْ كَانَتْ حِرْفَةُ الْأَبِ كَالْأَتُونِيِّ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّيْلَ فِي حَقِّهِ كَالنَّهَارِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ لَيْلًا، لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَعِنْدَ الْأُمِّ نَهَارًا كَمَا قَالُوا فِي الْقَسَمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ (أَوْ) كَانَ الَّذِي اخْتَارَ الْأُمَّ (أُنْثَى) أَوْ خُنْثَى كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (فَعَنَدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا) لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانَيْنِ فِي حَقِّهَا طَلَبًا لِسِتْرِهَا (وَ) لَا يَطْلُبُ الْأَبُ إحْضَارَهَا، بَلْ (يَزُورُهَا الْأَبُ) لِتَأْلَفَ السَّتْرَ وَالصِّيَانَةَ (عَلَى الْعَادَةِ) مَرَّةً فِي يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ يَقْتَضِي مَنْعُهُ مِنْ زِيَارَتِهَا لَيْلًا، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ وَالرِّيبَةِ. وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَسْكَنِ زَوْجٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَخْرَجَتْهَا إلَيْهِ لِيَرَاهَا وَيَتَفَقَّدَ حَالَهَا وَيُلَاحِظَهَا بِقِيَامِ تَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحْمِلُ مُؤْنَتَهَا، وَكَذَا حُكْمُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَا تَسْتَقِلُّ الْأُمُّ بِضَبْطِهِ فَيَكُونَانِ عِنْدَ الْأُمِّ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا مَرَّ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ الْمَجْنُونِ (وَإِنْ اخْتَارَهُمَا) أَيْ اخْتَارَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ أَبَوَيْهِ (أَقُرِعَ) بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَيَكُونُ عَنَدَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمَا (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) وَاحِدًا مِنْهُمَا (فَالْأُمُّ أَوْلَى) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَلَمْ يُخْتَرْ غَيْرَهَا (وَقِيلَ يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى أَيْضًا اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ.
المتن: وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ حَتَّى يَعُودَ، أَوْ سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْأَبُ أَوْلَى بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ وَالْبَلَدِ الْمَقْصُودِ، قِيلَ وَمَسَافَةُ قَصْرٍ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ فِي أَبَوَيْنِ مُقِيمَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدَةٍ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ) كَتِجَارَةٍ وَحَجٍّ طَوِيلًا كَانَ السَّفَرُ أَمْ لَا (كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ (حَتَّى يَعُودَ) الْمُسَافِرُ مِنْهُمَا لِمَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْخَطَرِ وَالضَّرَرِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْمُقِيمُ الْأُمَّ وَكَانَ فِي مُقَامِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أَوْ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْحِرْفَةَ وَهُمَا بِبَلَدٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَمْكِينُ الْأَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ، لَا سِيَّمَا إنْ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا السَّفَرَ لِحَاجَةٍ، وَاخْتَلَفَ طَرِيقُهُمَا وَمَقْصِدُهُمَا. وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: يُدَامُ حَقُّ الْأُمِّ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعَ الَّذِي مَقْصِدُهُ أَقْرَبُ أَوْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَقْصَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ (أَوْ) أَرَادَ أَحَدُهُمَا (سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْأَبُ أَوْلَى) مِنْ الْأُمِّ بِالْحَضَانَةِ سَوَاءٌ انْتَقَلَ الْأَبُ أَمْ الْأُمُّ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَلَدٍ حِفْظًا لِلنَّسَبِ فَإِنَّهُ يَحْفَظُهُ الْآبَاءُ أَوْ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَسُهُولَةِ الْإِنْفَاقِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَافَقَتْهُ الْأُمُّ فِي سَفَرِهِ دَامَ حَقُّهَا وَلَوْ عَادَ مِنْ سَفَرِ النُّقْلَةِ إلَى بَلَدِهَا عَادَ حَقُّهَا، وَإِنَّمَا يَنْقُلُ الْأَبُ وَلَدَهُ الْمُمَيِّزَ إلَى غَيْرِ بَلَدِ الْأُمِّ (بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ، وَ) أَمْنِ (الْبَلَدِ الْمَقْصُودِ) لَهُ، وَإِلَّا فَيُقِرُّ عِنْدَ أُمِّهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْوَزِيُّ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ أَمْنٍ، وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِخَوْفِ الطَّرِيقِ السَّفَرَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْوَلَدُ، أَمَّا إذَا حَمَلَهُ فِيمَا يَقِيهِ ذَلِكَ فَلَا، وَشَرَطَ الْمُتَوَلِّي فِي الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَوْ لَا؟ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجْرِ (قِيلَ: وَ) يُشْتَرَطُ (مَسَافَةُ قَصْرٍ) بَيْنَ الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لِمَا دُونَهَا كَالْإِقَامَةِ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ الْبَلَدِ الْمُتَّسَعِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ الْوَلَدِ، وَالْأَصَحُّ لَا فَرْقَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: أُرِيدُ الِانْتِقَالَ وَقَالَتْ: بَلْ أَرَدْت التِّجَارَةَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَأَمْسَكَتْ الْوَلَدَ.
المتن: وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ فِي هَذَا كَالْأَبِ، وَكَذَا ابْنُ عَمٍّ لِذَكَرٍ وَلَا يُعْطَى أُنْثَى، فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ سُلِّمَ إلَيْهَا.
الشَّرْحُ: (وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ) كَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ (فِي هَذَا) الْمَذْكُورِ فِي سَفَرِ النُّقْلَةِ (كَالْأَبِ) فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ، أَمَّا مَحْرَمٌ لَا عُصُوبَةَ لَهُ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ، فَلَيْسَ لَهُ النَّقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: لِلْأَبِ نَقْلُهُ عَنْ الْأُمِّ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ أَقَامَ الْجَدُّ بِبَلَدِهَا وَلِلْجَدِّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، وَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ بِبَلَدِهَا لَا الْأَخُ مَعَ إقَامَةِ الْعَمِّ أَوْ ابْنِ الْأَخِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلٌ فِي النَّسَبِ فَلَا يَعْتَنِي بِهِ غَيْرُهُمَا كَاعْتِنَائِهِمَا، وَالْحَوَاشِي مُتَقَارِبُونَ، فَالْمُقِيمُ مِنْهُمْ يَعْتَنِي بِحِفْظِهِ. هَذَا مَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَعَلَيْهِ فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ إلَى آخِرِهِ، وَلَكِنَّ الْبُلْقِينِيُّ جَرَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ، وَقَالَ: مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُفْرَدَاتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا (وَكَذَا ابْنُ عَمٍّ) كَالْأَبِ فِي انْتِزَاعِهِ (لِذَكَرٍ) مُمَيِّزٍ مِنْ أُمِّهِ عِنْدَ انْتِقَالِهِ لِمَا مَرَّ (وَلَا يُعْطَى أُنْثَى) تُشْتَهَى حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لِانْتِفَاءِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ) أَوْ نَحْوُهَا كَأُخْتِهِ الثِّقَةِ (سُلِّمَ) الْوَلَدُ الْأُنْثَى (إلَيْهَا) لَا لَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ فِي رِحْلَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِنْتُهُ أَوْ نَحْوُهَا فِي رِحْلَةٍ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ وَبِذَلِكَ تُؤْمَنُ الْخَلْوَةُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ بِهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَالْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ أُعْطِيت لَهُ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: سُلِّمَتْ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته وَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْأُنْثَى، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ النُّقْلَةِ لِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحَضَانَةِ. تَنْبِيهٌ: مَا مَرَّ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَحْضُونُ، فَإِنْ بَلَغَ فَإِنْ كَانَ غُلَامًا وَبَلَغَ رَشِيدًا وَلِيَ أَمْرَ نَفْسِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَمَّنْ يَكْفُلُهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِقَامَةِ عِنْدَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُمَا لِيَبَرَّهُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعِنْدَ الْأَبِ أَوْلَى لِلْمُجَانَسَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ أَمْرَدَ أَوْ خِيفَ مِنْ انْفِرَادِهِ فَفِي الْعُدَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ بَلَغَ عَاقِلًا غَيْرَ رَشِيدٍ فَأَطْلَقَ مُطْلِقُونَ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ كَانَ لِعَدَمِ إصْلَاحِ مَالِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِدَيْنِهِ فَقِيلَ: تُدَامُ حَضَانَتُهُ إلَى ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ، وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ ا هـ. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، فَإِنْ بَلَغَتْ رَشِيدَةً، فَالْأُولَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَا مُفْتَرَقَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مُجْتَمِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رِيبَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَلِلْأُمِّ إسْكَانُهَا مَعَهَا، وَكَذَا لِلْوَلِيِّ مِنْ الْعَصَبَةِ إسْكَانُهَا مَعَهُ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا، وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعٍ لَائِقٍ بِهَا يُسْكِنُهَا وَيُلَاحِظُهَا دَفْعًا لِعَارِ النَّسَبِ كَمَا يَمْنَعُهَا نِكَاحَ غَيْرِ الْكُفْءِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرَدُ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الرِّيبَةِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ إسْكَانَهَا فِي مَوْضِعِ الْبَرَاءَةِ أَهْوَنُ مِنْ الْفَضِيحَةِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، وَإِنْ بَلَغَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَارُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ؛ حَضَانَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَكَفَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ حَتَّى يَجِيءَ فِي جَوَازِ اسْتِقْلَالِهِ وَانْفِرَادِهِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ إذَا شَاءَ وَجْهَانِ ا هـ. وَيُعْلَمُ التَّفْصِيلُ مِمَّا مَرَّ.
المتن: عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً، وَكِسْوَةً وَإِنْ كَانَ أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ، وَلَا يَكْفِي سِتْرُ الْعَوْرَةِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي مُؤْنَةِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَعَهَا: يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَالِكِ (كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً) طَعَامًا وَأُدْمًا، وَتُعْتَبَرُ كِفَايَتُهُ فِي نَفْسِهِ زَهَادَةً وَرَغْبَةً وَإِنْ زَادَتْ عَلَى كِفَايَةِ مِثْلِهِ غَالِبًا (وَ) عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ (كِسْوَةً) وَكَذَا سَائِرُ مُؤْنَةٍ لِخَبَرِ {لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ} وَخَبَرِ {كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَنْ مَمْلُوكِهِ قُوتَهُ} رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذُكِرَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ شِرَاءُ مَاءِ طَهَارَتِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وُجُوبُهُ كَفِطْرَتِهِ، وَكَذَا يَجِبُ شِرَاءُ تُرَابِ تَيَمُّمِهِ إنْ احْتَاجَهُ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْكِفَايَةِ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى وُجُوبِ الْإِشْبَاعِ (وَإِنْ كَانَ) رَقِيقُهُ كَسُوبًا أَوْ مُسْتَحِقًّا مَنَافِعَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً) وَمُسْتَأْجَرًا وَمُعَارًا وَآبِقًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجَمِيعِ، وَلِعُمُومِ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ. نَعَمْ الْمُكَاتَبُ وَلَوْ فَاسِدَ الْكِتَابَةِ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَرِقَّائِهِ. نَعَمْ إنْ عَجَزَ نَفْسُهُ وَلَمْ يَفْسَخْ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَزِيزَةُ النَّقْلِ فَاسْتَفِدْهَا، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الْكِفَايَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ جِنْسِ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، بَلْ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ) مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) مِنْ غَالِبِ (أُدْمِهِمْ) مِنْ سَمْنٍ وَزَيْتٍ وَجُبْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) مِنْ غَالِبِ (كِسْوَتِهِمْ) مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ {لِلْمَمْلُوكِ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ بِبَلَدِهِ، وَيُرَاعَى حَالُ السَّيِّدِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الشَّرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا}، وَلَوْ تَقَشَّفَ السَّيِّدُ بِأَنْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَلْبَسُ دُونَ الْمُعْتَادِ غَالِبًا رِيَاضَةً أَوْ بُخْلًا لَزِمَ السَّيِّدَ رِعَايَةُ الْغَالِبِ لَهُ (وَلَا يَكْفِي سِتْرُ الْعَوْرَةِ) لِرَقِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ وَالتَّحْقِيرِ، هَذَا بِبِلَادِنَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. أَمَّا بِبِلَادِ السُّودَانِ وَنَحْوِهَا فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ، وَهَذَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ: مِنْ الْغَالِبِ، فَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ أَصْلًا وَجَبَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
المتن: وَسُنَّ أَنْ يُنَاوِلَهُ مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَ) لَوْ تَنَعَّمَ السَّيِّدُ بِمَا هُوَ فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ (سُنَّ لَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ) أَيْ رَقِيقَهُ (مِمَّا يَتَنَعَّمُ) هُوَ (بِهِ) (مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ) لِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا يَلْزَمُهُ، بَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَالِبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ} (1) فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ، عُلِمَ حَالُهُ. فَأَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ، وَكَسْبُهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ إنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ عَلَى خَسِيسِهِ كُرِهَ فِي الْعَبِيدِ وَسُنَّ فِي الْإِمَاءِ، فَتُفَضَّلُ أَمَةُ التَّسَرِّي مَثَلًا عَلَى أَمَةِ الْخِدْمَةِ فِي الْكِسْوَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ، وَفِي الطَّعَامِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تُفَضَّلُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمِلْكِ. وَقِيلَ يُسَنُّ تَفْضِيلُ النَّفِيسِ مِنْ الْعَبِيدِ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعُرْفِ، فَلَيْسَ كِسْوَةُ الرَّاعِي وَالسَّايِسِ كَكِسْوَةِ مَنْ قَامَ بِالتِّجَارَةِ، وَيُسَنُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْلِسَ بِضَمِّ الْيَاءِ رَقِيقَهُ مَعَهُ لِلْأَكْلِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ أَوْ امْتَنَعَ الرَّقِيقُ مِنْ جُلُوسِهِ مَعَهُ تَوْقِيرًا لَهُ، رَوَّغَ لَهُ مِنْ الدَّسَمِ لُقْمَةً كَبِيرَةً تَسُدُّ مَسَدًّا، لَا صَغِيرَةً تُهَيِّجُ الشَّهْوَةَ وَلَا تَقْضِي النَّهْمَةَ، أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ يُنَاوِلُهُ ذَلِكَ، وَإِجْلَاسُهُ مَعَهُ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ، وَهُوَ فِيمَنْ يُعَالِجُ الطَّعَامَ آكَدُ، وَلَا سِيَّمَا إنْ حَضَرَ الْمُعَالِجُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ} وَالْمَعْنَى تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِمَا تُشَاهِدُهُ، وَهَذَا يَقْطَعُ شَهْوَتَهَا، وَالْأَمْرُ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ طَلَبًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَوْ أَعْطَى السَّيِّدُ رَقِيقَهُ طَعَامًا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ بِمَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ تَبْدِيلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ.
المتن: وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ.
الشَّرْحُ: (وَتَسْقُطُ) كِفَايَةُ الرَّقِيقِ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِاقْتِرَاضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ وَاقْتَرَضَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِهَا بِالْكِفَايَةِ (وَيَبِيعُ الْقَاضِي) أَوْ يُؤَجِّرُ (فِيهَا مَالَهُ) إنْ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ، لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ، وَكَيْفِيَّةُ بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ بَيْعُ مَالِهِ أَوْ إيجَارُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كَعَقَارٍ اسْتَدَانَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يُسَهِّلُ الْبَيْعَ أَوْ الْإِيجَارَ ثُمَّ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ مَا يَفِي بِهِ لِمَا فِي بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُبَاعُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ وَلَا إجَارَتُهُ وَتَعَذَّرَتْ الِاسْتِدَانَةُ بَاعَ جَمِيعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ (فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ) الَّذِي يُنْفِقُهُ عَلَى رَقِيقِهِ (أَمَرَهُ) الْقَاضِي (بِبَيْعِهِ) أَوْ إجَارَتِهِ (أَوْ إعْتَاقِهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجَّرَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إجَارَتُهُ بَاعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ الْقِيَامُ بِهِ، وَالدَّفْعُ هُنَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُكْنَى عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْعَبْدُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ مَجَّانًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ السَّيِّدُ فَقِيرًا وَمُحْتَاجًا إلَى خِدْمَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ ا هـ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَبِيعُهُ إذَا تَعَذَّرَتْ إجَارَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيِّ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ بَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ. أَمَّا هِيَ فَيُخَلِّيهَا لِلْكَسْبِ، أَوْ يُؤَخِّرُهَا، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَلَا كَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ، وَأَيْضًا هَذِهِ ثَبَتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْعِتْقِ وَفِي غَيْرِ الْمُبَعَّضِ. أَمَّا هُوَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ النَّوْبَةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ.
المتن: وَيُجْبِرُ أَمَتَهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ فَضَلَ عَنْهُ، وَفَطْمِهِ قَبْلَ حَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِرْضَاعِهِ بَعْدَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهَا.
الشَّرْحُ: (وَيُجْبِرُ أَمَتَهُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ إجْبَارُهَا (عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَرَادَ تَسْلِيمَ وَلَدِهَا مِنْهُ إلَى غَيْرِهَا وَأَرَادَتْ إرْضَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مَنْعُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ لَهُ ضَمُّهُ فِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ إلَى غَيْرِهَا إلَى الْفَرَاغِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَيَسْتَرْضِعُهَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ مَالِكِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرُّوهُ (وَكَذَا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ وَلَدِهَا بِجَبْرِهَا عَلَى إرْضَاعِهِ أَيْضًا (إنْ فَضَلَ) لَبَنُهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا، إمَّا لِاجْتِزَائِهِ بِغَيْرِهِ، وَإِمَّا لِقِلَّةِ شُرْبِهِ، وَإِمَّا لِغَزَارَةِ لَبَنِهَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ فَلَا إجْبَارَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} وَلِأَنَّ طَعَامَهُ اللَّبَنُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ كِفَايَتِهِ كَالْقُوتِ (وَ) يُجْبِرُهَا أَيْضًا عَلَى (فَطْمِهِ قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ الْفَطْمُ بِأَنْ اكْتَفَى بِغَيْرِ لَبَنِهَا وَلَمْ يَضُرَّهَا أَيْضًا (وَ) يُجْبِرُهَا عَلَى (إرْضَاعِهِ بَعْدَهُمَا) أَيْ الْحَوْلَيْنِ (إنْ لَمْ يَضُرَّهَا) وَلَمْ يَضُرَّهُ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهَا اسْتِقْلَالٌ بِرَضَاعٍ وَلَا فَطْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرْبِيَةِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ كَمَا قَالَ.
المتن: وَلِلْحُرَّةِ حَقٌّ فِي التَّرْبِيَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ وَلَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلِأَحَدِهِمَا بَعْدَ حَوْلَيْنِ، وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ.
الشَّرْحُ: (وَلِلْحُرَّةِ حَقٌّ فِي التَّرْبِيَةِ) وَحِينَئِذٍ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ الْحُرَّيْنِ (فَطْمُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلَيْنِ) إلَّا بِرِضَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ لَمْ تَتِمَّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي فَطْمِهِ أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ يُجَابُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ إجَابَةَ مَنْ دَعَا لِلْأَصْلَحِ لِلْوَلَدِ فَقَدْ يَكُونُ الْفَطْمُ مَصْلَحَةً لَهُ لِمَرَضِ أُمِّهِ أَوْ حَمْلِهَا وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا فَظَهَرَ تَعَيُّنُ الْفِطَامِ هُنَا، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ، بَلْ إطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ (وَلَهُمَا) فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) الْفَطْمُ لِاتِّفَاقِهِمَا وَعَدَمِ الضَّرَرِ بِالطِّفْلِ. فَإِنْ ضَرَّهُ فَلَا (وَلِأَحَدِهِمَا) فَطْمُهُ إنْ اجْتَزَأَ بِالطَّعَامِ (بَعْدَ حَوْلَيْنِ) مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ التَّامِّ، فَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ لَا يَجْتَزِي بِغَيْرِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ فِطَامُهُ، وَعَلَى الْأَبِ بَذْلُ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ حَدًّا يَجْتَزِي فِيهِ بِالطَّعَامِ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ إرْضَاعِهِ أَجْبَرَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ قَالَ الْفَارِقِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْأَبِ إرْضَاعُهُ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ فِطَامَهُ فِيهِ يُفْضِي إلَى الْإِضْرَارِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَمَامِهِمَا فِي فَصْلٍ مُعْتَدِلٍ (وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ) عَلَى حَوْلَيْنِ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَلَمْ تَضُرَّهُ الزِّيَادَةُ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: يُسَنُّ قَطْعُ الرَّضَاعَةِ عِنْدَ الْحَوْلَيْنِ، إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ.
المتن: وَلَا يُكَلِّفُ رَقِيقَهُ إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ، وَيَجُوزُ مُخَارَجَتُهُ بِشَرْطِ رِضَاهُمَا وَهِيَ: خَرَاجٌ يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ، وَعَلَيْهِ عَلْفُ دَوَابِّهِ، وَسَقْيُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ فِي الْمَأْكُولِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ، وَفِي غَيْرِهِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ
الشَّرْحُ: (وَلَا يُكَلِّفُ) الْمَالِكُ (رَقِيقَهُ إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ) أَيْ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمَارِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا عَلَى الدَّوَامِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجَزُ عَنْهُ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ: أَيْ الَّتِي لَا تَضُرُّهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَيْسَ هُوَ بِبَعِيدٍ عَنْ قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ ا هـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرٌ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِخَلَاصِهِ، فَلَوْ كَانَ يَمْتَنِعُ إذَا مُنِعَ عَنْهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ بَيْعُهُ، وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِي تَكْلِيفِهِ رَقِيقَهُ مَا يُطِيقُهُ اتِّبَاعُ الْعَادَةِ فَيُرِيحُهُ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النَّوْمُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، وَفِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ، وَفِي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَمِنْ الْعَمَلِ آنَاءَ اللَّيْلِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا، أَوْ النَّهَارِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا، وَإِنْ سَافَرَ بِهِ أَرْكَبَهُ وَقْتًا فَوَقْتًا كَالْعَادَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَإِنْ اعْتَادَ السَّادَةُ الْخِدْمَةَ مِنْ الْأَرِقَّاءِ نَهَارًا مَعَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ لِطُولِهِ اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ، وَعَلَى الرَّقِيقِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ وَتَرْكُ الْكَسَلِ فِي الْخِدْمَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ لِمَالِكِهِ: رَبِّي، بَلْ يَقُولُ: سَيِّدِي وَمَوْلَايَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لَهُ: عَبْدِي أَوْ أَمَتِي، بَلْ يَقُولُ: غُلَامِي أَوْ جَارِيَتِي أَوْ فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَلَا كَرَاهَةَ فِي إضَافَةِ رَبٍّ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَرَبِّ الدَّارِ وَرَبِّ الْغَنَمِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْفَاسِقِ وَالْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ يَا سَيِّدِي (وَيَجُوزُ) لِلْمَالِكِ (مُخَارَجَتُهُ) أَيْ ضَرْبُ خَرَاجٍ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا (بِشَرْطِ رِضَاهُمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَرَقِيقِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إجْبَارُ الْآخَرِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّرَاضِي. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ لَمَّا حَجَمَهُ صَاعَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ} وَنَقَلَتْ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ كَانَ لِلزُّبَيْرِ أَلْفُ مَمْلُوكٍ تُؤَدِّي إلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ خَرَاجِهِمْ شَيْئًا، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ " تَنْبِيهٌ: يَسْتَفِيدُ الرَّقِيقُ بِالْمُخَارَجَةِ، مَا يَسْتَفِيدهُ الرَّقِيقُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَهِيَ خَرَاجٌ) مَعْلُومٌ يَضْرِبُهُ السَّيِّدُ عَلَى رَقِيقِهِ (يُؤَدِّيهِ) مِمَّا يَكْسِبُهُ (كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ) أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ اتِّفَاقِهِمَا، وَتُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى كَسْبٍ مُبَاحٍ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَتِهِ إنْ جُعِلَتْ فِي كَسْبِهِ، فَلَوْ لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِخَرَاجِهِ لَمْ تَصِحَّ مُخَارَجَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ: وَيَمْنَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أَمَتِهِ خَرَاجًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَمَلٌ دَائِمٌ أَوْ غَالِبٌ، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْعَمَلَ. وَرَوَى بِسَنَدِهِ إلَى عُثْمَانَ فِي خُطْبَتِهِ: لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَيَسْرِقَ، وَلَا الْجَارِيَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَتَكْسِبَ بِفَرْجِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا مِمَّا تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ، فَكَأَنَّ السَّيِّدَ أَبَاحَهُ الزَّائِدَ فِيمَا إذَا وَفَّى وَزَادَ كَسْبُهُ تَوَسُّعًا عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا عَوَارِضُ تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَمُؤْنَتُهُ تَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَيُجْبَرُ النَّقْصُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ صَاحِبِ دَوَابَّ (عَلْفُ دَوَابِّهِ) الْمُحْتَرَمَةِ (وَسَقْيُهَا) أَوْ تَخْلِيَتِهَا لِلرَّعْيِ وَوُرُودِ الْمَاءِ إنْ اكْتَفَتْ بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكْتَفِ بِهِ كَجَدْبِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ أَضَافَ إلَيْهِ مَا يَكْفِيهَا، وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ} بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا: أَيْ هَوَامِّهَا. وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ الدَّابَّةِ وُصُولُهَا لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهَا كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ. تَنْبِيهٌ الْعَلَفُ بِفَتْحِ اللَّامِ: مَطْعُومُ الدَّوَابِّ، وَبِإِسْكَانِهَا الْمَصْدَرُ، وَيَجُوزُ هُنَا الْأَمْرَانِ، وَضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْإِسْكَانِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) أَيْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ مَالٌ (أُجْبِرَ فِي) الْحَيَوَانِ (الْمَأْكُولِ عَلَى) أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (بَيْعٍ) لَهُ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِهِ (أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ، وَ) أُجْبِرَ (فِي غَيْرِهِ عَلَى) أَحَدِ أَمْرَيْنِ (بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ) وَيَحْرُمُ ذَبْحُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِأَكْلِهِ، وَإِنَّمَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَالُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ إكْرَاهًا عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُبَاعَ مَا أَمْكَنَ إجَارَتُهُ، وَحَكَى عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّقِيقِ؛ وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ثَمَّ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّتُهُ لَا تُمْلَكُ، كَكَلْبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَكْفِيَهَا أَوْ يَدْفَعَهَا لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ يُرْسِلَهَا، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ حَيَوَانٌ يُؤْكَلُ وَآخَرُ لَا يُؤْكَلُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا نَفَقَةَ أَحَدِهِمَا وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُمَا فَهَلْ يُقَدِّمُ نَفَقَةَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَيَذْبَحُ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ يُسَاوِي أَلْفًا وَغَيْرُهُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ ا هـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي ذَبْحِ الْمَأْكُولِ، فَقَدْ قَالُوا فِي التَّيَمُّمِ: إنَّهُ يَذْبَحُ شَاتَهُ لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ، فَإِذَا كَانَ يَذْبَحُ لِنَفْسِ الْكَلْبِ، فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لِيَأْكُلَ وَيُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِ. نَعَمْ إنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِلْمَأْكُولِ لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ كَأَنْ كَانَ جَمَلًا وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ مَتَى ذَبَحَهُ انْقَطَعَ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ غَصْبُ الْعَلَفِ لِلدَّابَّةِ، وَغَصْبُ الْخَيْطِ لِجِرَاحَتِهَا، وَلَكِنْ بِالْبَدَلِ إنْ تَعَيَّنَا وَلَمْ يُبَاعَا كَمَا يَجِبُ سَقْيُهَا الْمَاءَ، وَالْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ، وَيَجُوزُ تَكْلِيفُهَا عَلَى الدَّوَامِ مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ.
المتن: وَلَا يَحْلِبُ مَا ضَرَّ وَلَدَهَا
الشَّرْحُ: (وَلَا يَحْلِبُ) الْمَالِكُ مِنْ لَبَنِ دَابَّتِهِ: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِبَ (مَا ضَرَّ وَلَدَهَا) لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ لِأَنَّهُ كَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَإِنَّمَا يَحْلِبُ مَا فَضَلَ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيَعْنِي بِالرِّيِّ مَا يُقِيمُهُ حَتَّى لَا يَمُوتَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ الِاكْتِفَاءُ بِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا التَّوَقُّفُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إلَى لَبَنِ غَيْرِ أُمِّهِ إنْ اسْتَمْرَأَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ بِلَبَنِ أُمِّهِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَلْبُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ لِقِلَّةِ عَلَفِهَا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَلَا تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا إذَا كَانَ يَضُرُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهَا كُرِهَ تَرْكُهُ لِلْإِضَاعَةِ. فُرُوعٌ: يُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ فِي الْحَلْبِ، بَلْ يَدَعُ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا، وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَفَاحَشَ طُولُ الْأَظْفَارِ وَكَانَ يُؤْذِيهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْبُهَا مَا لَمْ يَقُصَّ مَا يُؤْذِيهَا، وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا حَلْقُهُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ، وَلَا يُنَافِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي حُرْمَتِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلْبِسَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ مَا يَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا.
المتن: وَمَا لَا رُوحَ لَهُ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا.
الشَّرْحُ: (وَمَا لَا رُوحَ لَهُ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ) عَلَى مَالِكِهَا الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (عِمَارَتُهَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَنَاةِ وَالدَّارِ، فَإِنْ ذَلِكَ تَنْمِيَةً لِلْمَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ فَيُكْرَهُ، هَكَذَا عَلَّلَ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إضَاعَةِ الْمَالِ، لَكِنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِتَحْرِيمِهَا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ بِلَا خَوْفٍ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ، وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا تَرْكَ أَعْمَالٍ تَشُقُّ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ تَرْكُ سَقْيِ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ بِتَوَافُقِ الْمُعَانِدِينَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَرَاتٌ تَفِي بِمُؤْنَةِ سَقْيِهَا، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا، قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ السَّقْيِ تَجْفِيفَ الْأَشْجَارِ لِأَجْلِ قَطْعِهَا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْوَقُودِ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا. أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إصْلَاحُ زَرْعِهِ بِسَقْيٍ وَغَيْرِهِ وَعِمَارَةُ دَارِهِ وَيَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْأَوْقَافِ حِفْظُ رِقَابِهَا وَمُسْتَغِلَّاتِهَا. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمَا لَا رُوحَ فِيهِ عَنْ كُلِّ ذِي رُوحٍ مُحْتَرَمَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ الْقِيَامُ بِمَصْلَحَتِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ النَّحْلُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُبْقِيَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ فِي الْكُوَارَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ إنْ لَمْ يَكْفِهِ غَيْرُهُ، وَإِلَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ: تُشْوَى لَهُ دَجَاجَةٌ وَيُعَلِّقُهَا بِبَابِ الْكُوَارَةِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَمَنْ ذَلِكَ دُودُ الْقَزِّ يَعِيشُ بِوَرَقِ التُّوتِ فَعَلَى مَالِكِهِ عَلْفُهُ مِنْهُ أَوْ تَخْلِيَتُهُ لِأَكْلِهِ إنْ وُجِدَ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَيُبَاعُ فِيهِ مَالُهُ كَالْبَهِيمَةِ، وَيَجُوزُ تَجْفِيفُهُ بِالشَّمْسِ عِنْدَ حُصُولِ نَوْلِهِ، وَإِنْ أَهْلَكَهُ لِحُصُولِ فَائِدَةٍ كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ. خَاتِمَةٌ: الزِّيَادَةُ فِي الْعِمَارَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَرُبَّمَا قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا، وَصَحَّ " إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا فِي هَذَا التُّرَابِ " قَالَ ابْنُ حِبَّانَ مَعْنَاهُ لَا يُؤْجَرُ إذَا أَنْفَقَ فِيهَا فَضْلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَمَالِهِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِهِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَهُ} وَقَدْ ضَعَّفَ النَّاسُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْمُفَسِّرَ مَعَ جَلَالَتِهِ لِرِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ دُعَاءَ حَبِيبٍ عَلَى حَبِيبِهِ} وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِ. وَرَوَى أَبُو مُوسَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوْسَ بْنَ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي بَنَاتٍ وَأَنَا أَدْعُو عَلَيْهِنَّ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ {يَا ابْنَ سَاعِدَةَ لَا تَدْعُو عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْبَنَاتِ، هُنَّ الْمُجْمِلَاتُ عِنْدَ النِّعْمَةِ، وَالْمُنْعِيَاتُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالْمُمَرِّضَاتُ عِنْدَ الشِّدَّةِ: ثِقَلُهُنَّ عَلَى الْأَرْضِ، وَرِزْقُهُنَّ عَلَى اللَّهِ} وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
|