الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا، وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَالْعِلْمُ بِالنَّصِيبَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالْقِرَاضِ، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ لَكِنْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الثِّمَارُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ: فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ. (يُشْتَرَطُ) فِيهِ (تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ بَعْضِهِ لِغَيْرِهِمَا، (وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ)، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كُلِّ الثَّمَرَةِ لِأَحَدِهِمَا، (وَالْعِلْمُ) أَيْ عِلْمُهُمَا (بِالنَّصِيبَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ)، وَإِنْ قَلَّ كَجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ (كَالْقِرَاضِ) فِي جَمِيع مَا سَبَقَ، وَمِمَّا سَبَقَ الصِّحَّةُ فِيمَا إذَا قَالَ: بَيْنَنَا، وَفِيمَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَنَّ لَك النِّصْفَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْجُزْئِيَّةِ قَدْ يُوهِمُ الْفَسَادَ هُنَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ بِالنِّصْفِ وَآخَرَ بِالثُّلُثِ صَحَّ الْعَقْدُ إنْ عَرَفَا قَدْرَ كُلٍّ مِنْ النَّوْعَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْأَقَلُّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ وَإِنْ جَهِلَا قَدْرَهُمَا، وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْجَرِيدُ وَالْكِرْنَافُ وَاللِّيفُ؛ فَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَلَوْ شُرِطَ جَعْلُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَاهُ فِي الثَّمَرِ فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي. ا هـ. وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ بَطَلَ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ الْعِوَضِ غَيْرَ الثَّمَرِ، فَلَوْ سَاقَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُسَاقَاةً وَلَا إجَارَةً إلَّا إذَا فَصَّلَ الْأَعْمَالَ، وَكَانَتْ مَعْلُومَةً، وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى آخَرَ بِالثُّلُثِ فَسَدَ الْأَوَّلُ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ عَقَدَهُ جَاهِلًا بِفَسَادِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ.
تَنْبِيهٌ: لَا قَلْبَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُهُمَا بِالثَّمَرِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى هُنَا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، وَمَشَى فِي بَابِ الْقِرَاضِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى الِاسْتِعْمَالَيْنِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ}: مَعْنَاهُ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ، وَلَوْ قِيلَ: نَخُصُّ الْعِبَادَةَ بِك كَانَ اسْتِعْمَالًا عُرْفِيًّا، (وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ)؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَرَرِ لِلْوُثُوقِ بِالثَّمَرِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ، (لَكِنَّ) مَحَلَّ الصِّحَّةِ (قَبْل بُدُوِّ الصَّلَاحِ) إذَا جَعَلَ عِوَضَ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ الْعَمَلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَى النَّخْلِ الْمُثْمِرِ وَعَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ ثَمَرِ الْعَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ: أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا كَمَا مَرَّ.
المتن: وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ الْمُسَاقَاةِ لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسًا وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ عَلَى الْعَمَلِ - فَإِنْ قُدِّرَ لَهُ مُدَّةٌ يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ صَحَّ.
الشَّرْحُ: (وَ) عَلَى هَذَا (لَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ)، وَهُوَ - بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَدَالٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ - صِغَارُ النَّخْلِ (لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ)، إذَا لَمْ تَرِدْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ، وَهِيَ رُخْصَةٌ فَلَا تَتَعَدَّى مَوْرِدَهَا، وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ، فَأَشْبَهَ ضَمَّ غَيْرِ التِّجَارَةِ إلَى عَمَلِ الْقِرَاضِ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ الشَّجَرُ بِقَيْدٍ، فَلَوْ قَالَ: وَلَك نِصْفُ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، وَإِذَا عَمِلَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمَالِكِ إنْ تُوُقِّعَتْ الثَّمَرَةُ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْعَامِلِ، وَالْأَرْضُ لِلْمَالِكِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، (وَلَوْ كَانَ) الْوَدِيُّ (مَغْرُوسًا) وَسَاقَاهُ عَلَيْهِ، (وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ عَلَى الْعَمَلِ فَإِنْ قُدِّرَ) فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ (مُدَّةٌ يُثْمِرُ) الْوَدِيُّ (فِيهَا غَالِبًا) كَخَمْسِ سِنِينَ (صَحَّ) الْعَقْدُ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ لَا ثَمَرَ فِيهَا، كَمَا لَوْ سَاقَاهُ خَمْسَ سِنِينَ، وَالثَّمَرَةُ يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي الْخَامِسَةِ خَاصَّةً، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُثْمِرْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا، كَمَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَى النَّخِيلِ الْمُثْمِرَةِ فَلَمْ تُثْمِرْ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ قُدِّرَ مُدَّةٌ لَا يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا (فَلَا) تَصِحُّ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعَمِلَ الْعَامِلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُثْمِرُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا اسْتَحَقَّ، وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالشَّجَرِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ. (وَقِيلَ: إنْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ) فِي الْإِثْمَارِ وَعَدَمِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ مَرْجُوٌّ كَالْقِرَاضِ، فَإِنَّ الرِّبْحَ مَرْجُوُّ الْحُصُولِ، فَإِنْ أَثْمَرَتْ اسْتَحَقَّ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ وَلَا الظَّاهِرُ وُجُودُهُ، فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِيمَا لَا يُوجَدُ غَالِبًا، وَعَلَى هَذَا فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا.
المتن: وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إذَا) اسْتَقَلَّ الشَّرِيكُ بِالْعَمَلِ فِيهَا وَ (شَرَطَ) الْمَالِكُ (لَهُ) أَيْ الشَّرِيكِ (زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ)، كَأَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَشْرِطُ لَهُ ثُلُثَيْ الثَّمَرَةِ لِيَكُونَ السُّدُسُ عِوَضَ عَمَلِهِ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ أَوْ دُونَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ إذْ لَا عِوَضَ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ، بَلْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا دُونَ نَصِيبِهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ ثَمَرَتِهِ أَيْضًا، فَإِنْ عَمِلَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ شَرَطَ لَهُ كُلَّ الثَّمَرَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ، لَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا، وَقَيَّدَهُ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ تَفَقُّهًا بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْفَسَادَ، وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ أَوْجَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ الشَّرِيكُ بِالْعَمَلِ بِأَنْ شَرَطَ مُعَاوَنَتَهُ لَهُ فِي الْعَمَلِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ، كَمَا لَوْ سَاقَى أَجْنَبِيًّا بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِنْ عَاوَنَهُ وَاسْتَوَى عَمَلُهُمَا فَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَا أُجْرَةَ لِلْمُعَاوِنِ إذَا زَادَ عَمَلُهُ، بِخِلَافِ الْآخَرِ إذَا زَادَ عَمَلُهُ فَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِالْحِصَّةِ عَلَى الْمُعَاوِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا. وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ يَجِبُ كَوْنُهُ فِي خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ: وَالْخَلَاصُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ: سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي، حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَمَلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَاقِعًا فِي الْمُشْتَرَكِ، وَبِهَذَا صَوَّرَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَسْأَلَةَ تَبَعًا لِمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُزَنِيِّ، لَكِنَّ كَلَامَ غَيْرِهِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْكِتَابِ. ا هـ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى كُلِّ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ قَالَ: سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: صِحَّةُ مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ أَجْنَبِيًّا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الْآخَرِ، وَلَوْ سَاقَى الشَّرِيكَانِ ثَالِثًا لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا إنْ تَفَاوَتَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ، فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
المتن: وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا.
الشَّرْحُ: (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ (أَنْ لَا يَشْرِطَ) الْمَالِكُ فِي عَقْدِهَا (عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا) الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ الْعَامِلِ بِهَا كَحَفْرِ بِئْرٍ، فَإِنْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ وَاشْتِرَاطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانَ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ لِيَعْرِفَ أَنَّ شَرْطَ غَيْرِهَا مُفْسِدٌ، كَمَا جَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ كَذَا. ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً إلَخْ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْعَقْدِ مَا عَلَى الْعَامِلِ، كَذَا قَالَاهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمَالِكِ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
المتن: وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ وَبِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ، وَمَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَنْفَرِدَ) الْعَامِلُ (بِالْعَمَلِ)، فَلَوْ شَرَطَ عَمَلَ الْمَالِكِ مَعَهُ فَسَدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَا عَمَلَ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ بِلَا شَرْطِ يَدٍ وَلَا مُشَارَكَةٍ فِي تَدْبِيرٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَإِنْ شُرِطَتْ فِي الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ جُزْءٍ مَعْلُومٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَا يَبْقَى يَكُونُ مَجْهُولًا، أَوْ شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ وَقُدِّرَتْ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، وَهُوَ كَاسْتِئْجَارِ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ صَحَّ أَيْضًا، وَالْعُرْفُ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَ الْغُلَامِ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ، أَوْ اسْتِئْجَارِ مُعَاوِنٍ لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ مَالِ الْمَالِكِ - لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ تَكُونَ الْأَعْمَالُ وَمُؤَنُهَا عَلَى الْعَامِلِ. أَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ. (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَنْفَرِدَ (بِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ أَوْ بِيَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ. فَائِدَةٌ: الْحَدِيقَةُ: أَرْضٌ ذَاتُ شَجَرٍ. قَالَهُ اللَّيْثُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْحَائِطُ: أَيْ الْبُسْتَانُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّمَا يُقَالُ حَدِيقَةٌ لِلْبُسْتَانِ عَلَيْهِ حَائِطٌ. (وَ) يُشْتَرَطُ (مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ) جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ: كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ) إلَى مُدَّةٍ تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا لِلِاسْتِغْلَالِ، فَلَا تَصِحُّ مُطْلَقَةً وَلَا مُؤَبَّدَةً؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَأَشْبَهَتْ الْإِجَارَةَ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ أَقَلُّ مُدَّتِهَا مَا يَطْلُعُ فِيهَا الثَّمَرُ وَيَسْتَغْنِي عَنْ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ السُّنَّةَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا خِلَافٌ، فَإِذَا سَاقَاهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ سَنَةٍ، فَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَ السِّنِينَ لَمْ يَضُرَّ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَإِنْ شَرَطَ ثَمَرَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَالْأَشْجَارِ بِحَيْثُ تُثْمِرُ كُلَّ سَنَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ سَاقَاهُ عَشْرَ سِنِينَ مَثَلًا لِتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تُتَوَقَّعْ إلَّا فِي الْعَاشِرَةِ صَحَّ، وَتَكُونُ السُّنُونَ بِمَثَابَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ شُرِطَ لَهُ فِيهَا سَهْمٌ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ، فَإِنْ أَثْمَرَ قَبْلَ الْعَاشِرَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ.
تَنْبِيهٌ: السَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي التَّأْجِيلِ عَرَبِيَّةٌ، فَإِنْ شَرَطَا رُومِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا وَعَرَّفَا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَعَلَى النَّخِيلِ طَلْعٌ أَوْ بَلَحٌ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ، وَعَلَى الْمَالِكِ التَّعَهُّدُ إلَى الْجِدَادِ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُرْشِدِ: إنَّ التَّعَهُّدَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أُجْرَةٌ لِتَبْقِيَةِ حِصَّتِهِ عَلَى الشَّجَرِ إلَى حِينِ الْإِدْرَاك؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا ثَمَرَةً مُدْرَكَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الثَّمَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَعْمَلَ الْبَقِيَّةَ بِلَا أُجْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ الثَّمَرُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ. (وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ) لِمُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ (بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ) لِجَهَالَتِهِ بِالتَّقَدُّمِ تَارَةً وَالتَّأَخُّرِ أُخْرَى. وَالثَّانِي: يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْجِدَادُ..
المتن: وَصِيغَتُهَا: سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ بِكَذَا أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ، وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ.
الشَّرْحُ: ثَمّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَقَالَ: (وَصِيغَتُهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ (سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ) أَوْ الْعِنَبِ (بِكَذَا) مِنْ ثَمَرِهِ كَنِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لَهَا، (أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ)، أَوْ اعْمَلْ فِي نَخِيلِي أَوْ تَعْهَدْ نَخِيلِي بِكَذَا لِأَدَائِهِ مَعْنَاهُ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً، وَأَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ الْأَوَّلُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْأَشْبَهُ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: بِكَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ، فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ. وَلَوْ سَاقَاهُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، قَالُوا: لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ صَرِيحٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ فِي مَحَلِّهِ نَفَذَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَصْحِيحُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ مُشْكِلٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي بَابِهِ إنَّمَا يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَلَا تَطْلُقُ، وَيَقَعُ الظِّهَارُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ ذَلِكَ. ا هـ. وَلَمَّا كَانَ الْإِشْكَالُ قَوِيًّا قُلْت تَبَعًا لِشَيْخِنَا: قَالُوا: فَإِنْ وُجِدَتْ الْإِجَارَةُ بِشُرُوطِهَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ أَوْ كُلِّهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَكَذَا قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَمْ يَكُنْ النِّصْفُ شَائِعًا كَأَنْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَةً مُعَيَّنَةً صَحَّ، وَلَوْ قَالَ: سَاقَيْتُك بِالنِّصْفِ مَثَلًا لِيَكُونَ أُجْرَةً لَك لَمْ يَضُرَّ لِسَبْقِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ. (وَيُشْتَرَطُ) فِيهَا (الْقَبُولُ) لَفْظًا مِنْ النَّاطِقِ لِلُزُومِهَا كَإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا، وَتَصِحُّ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَكِتَابَتِهِ (دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ) فِيهَا، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْعَقْدِ، (وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ) فِيهَا فِي الْعَمَلِ، إذْ الْمَرْجِعُ فِي مِثْلِهِ إلَى الْعُرْفِ، هَذَا إذَا عَرَفَاهُ، فَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَجَبَ التَّفْصِيلُ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي وَإِنْ عُقِدَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي إلَّا فِي لَفْظِهَا.
المتن: وَعَلَى الْعَامِلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَسَقْيٍ وَتَنْقِيَةِ نَهْرٍ وَإِصْلَاحِ الْأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْمَاءُ وَتَلْقِيحٍ وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَقُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ، وَتَعْرِيشٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ وَكَذَا حِفْظُ الثَّمَرِ وَجِذَاذُهُ وَتَجْفِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ وَمَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ فَعَلَى الْمَالِكِ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْعَامِلِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (مَا) أَيْ عَمَلٌ (يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ) فِي الْعَمَلِ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، (كَسَقْيٍ) إنْ لَمْ يَشْرَبْ بِعُرُوقِهِ، وَيَدْخُلُ فِي السَّقْيِ تَوَابِعُهُ مِنْ إصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ، وَفَتْحِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ وَسَدِّهَا عِنْدَ السَّقْيِ، فَلَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمَالِكِ فَقِيلَ: يَجُوزُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ عَلَى النَّخْلِ الْبَعْلِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَا عَلَى الْعَامِلِ إذَا شُرِطَ عَلَى الْمَالِكِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ. وَأَمَّا مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ سَقْيَهَا عَلَى الْعَامِلِ. وَالثَّانِي: عَلَى الْمَالِكِ. وَالثَّالِثُ: أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى الْعَامِلِ، فَإِنْ أُطْلِقَ صَحَّ وَيَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ. (وَتَنْقِيَةُ) بِئْرٍ وَ (نَهْرٍ) أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ مِنْ الطِّينِ وَنَحْوِهِ، (وَإِصْلَاحُ الْأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْمَاءُ) وَهِيَ الْحُفَرُ حَوْلَ الشَّجَرِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَهُ، شُبِّهَتْ بِالْأَجَاجِينِ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا، (وَتَلْقِيحٌ) لِلنَّخْلِ، وَهُوَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ طَلْعِ الذُّكُورِ فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ، وَقَدْ يَسْتَغْنِي بَعْضُ النَّخِيلِ عَنْ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهَا تَحْتَ رِيحِ الذُّكُورِ فَيَحْمِلُ الْهَوَاءُ رِيحَ الذُّكُورِ إلَيْهَا، (وَتَنْحِيَةُ)، أَيْ إزَالَةُ (حَشِيشٍ) مُضِرٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْكَلَأِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ يَقَعُ عَلَى الْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ، وَالْحَشِيشُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْيَابِسِ عَلَى الْمَشْهُورِ، (وَ) تَنْحِيَةُ (قُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ) بِالشَّجَرِ، وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَصَرْفُهُ عَنْ وُجُوهِ الْعَنَاقِيدِ لِتُصِيبَهَا الشَّمْسُ وَيَتَيَسَّرُ قَطْفُهَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ، وَتَقْلِيبُ الْأَرْضِ بِالْمَسَاحِي وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَهُ بِعَمَلٍ لِيَخْرُجَ الطَّلْعُ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ، وَالْقَوْصَرَّةُ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الْعَنَاقِيدُ حِفْظًا عَنْ الطُّيُورِ وَالزَّنَابِيرِ، وَالْمِنْجَلُ وَالْمِعْوَلُ - بِكَسْرِ مِيمَيْهِمَا - وَالثَّوْرُ وَآلَتُهُ مِنْ الْمِحْرَاثِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ، وَإِنَّمَا يُكَلَّفُ الْعَامِلُ الْعَمَلَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسَاقَاةِ، وَتَكْلِيفُهُ الْعَامِلَ إجْحَافٌ بِهِ، (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (تَعْرِيشٌ) أَيْ إصْلَاحُ الْعَرِيشِ الَّتِي (جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ) لِتِلْكَ الْبَلَدِ الَّتِي يُطْرَحُ الْكُرُومُ فِيهَا عَلَى الْعَرِيشِ، وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ أَعْوَادًا وَيُظَلِّلَهَا وَيَرْفَعَ الْعِنَبَ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَنَصْبُ الْأَقْصَابِ فِيمَا يَكُونُ عَلَى الْقَصَبِ، (وَكَذَا) عَلَيْهِ (حِفْظُ الثَّمَرِ) عَلَى الشَّجَرِ مِنْ السُّرَّاقِ وَمِنْ الطُّيُورِ وَالزَّنَابِيرِ بِجَعْلِ كُلِّ عُنْقُودٍ فِي وِعَاءٍ يُهَيِّئُهُ الْمَالِكُ، كَقَوْصَرَّةٍ، وَعَنْ الْمُشْمِسِ بِجَعْلِ حَشِيشٍ أَوْ نَحْوِهِ فَوْقَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، (وَ) عَلَيْهِ (جِدَادُهُ) أَيْ قَطْعُهُ وَحِفْظُهُ فِي الْجَرِينِ مِنْ السُّرَّاقِ وَنَحْوِهِمْ، (وَتَجْفِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَصَالِحِهِ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِالصَّحِيحِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ خَارِجٌ عَنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ، وَكَذَا الْجِدَادُ وَالتَّجْفِيفُ؛ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الثَّمَرِ.
تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْوُجُوبَ فِي التَّجْفِيفِ عَلَى الْعَامِلِ بِمَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَوْ شَرَطَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالتَّجْفِيفِ فِي ذَلِكَ الْحِفْظَ وَالْجِدَادَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَزِمَ التَّجْفِيفُ وَجَبَ تَسْوِيَةُ الْجَرِينِ وَنَقْلُهُ إلَيْهِ وَتَقْلِيبُهَا فِي الشَّمْسِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ كَانَ لَهُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ فَعَلَهُ الْعَامِلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ إذْنَهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا كَأَمْرِهِ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ، (وَ) كُلُّ (مَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الثَّمَرِ وَهُوَ الشَّجَرُ (وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ) لِلْبُسْتَانِ، (وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ) لَهُ وَإِصْلَاحِ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ وَنَصْبِ الدُّولَابِ وَالْأَبْوَابِ (فَعَلَى الْمَالِكِ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا خَرَاجُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ وَضْعَ الشَّوْكِ عَلَى الْجِدَارِ وَالتَّرْقِيعَ الْيَسِيرَ الَّذِي يُفْتَقُ فِي الْجِدَارِ لَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَتَعْبِيرُهُ بِجَدِيدٍ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ عَلَى الْمَالِكِ، وَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ عَلَى الْمَالِكِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ كَوْنِهِمَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ.
المتن: وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ) أَيْ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِجَارَةِ، بِجَامِعِ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا فِي أَعْيَانٍ تَبْقَى بِحَالِهَا، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ لَا تَبْقَى أَعْيَانُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِلُزُومِهَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَرَدَتْ عَلَى الذِّمَّةِ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ دَيْنٌ عَلَى الْعَامِلِ، وَالثَّمَرَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا إلَّا إنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى لُزُومِهَا، وَكُنْت أَوَدُّ لَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا حَتَّى كُنْت أُوَافِقُهُ.. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قَدْ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَهَذِهِ أَوْلَى لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَعَنْ الثَّانِي بِمَا مَرَّ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ فِيهَا حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ وِقَايَةٌ لَرَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ. نَعَمْ. إنْ عُقِدَتْ الْمُسَاقَاةُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ، وَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ قَطَعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، قَالَ: وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ: ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي: لَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ
المتن: فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ مُتَبَرِّعًا بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ، وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَنْ يُتِمُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ فَلْيُشْهِدْ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اللُّزُومِ قَوْلَهُ (فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ) أَوْ مَرِضَ أَوْ عَجَزَ بِغَيْرِ ذَلِكَ (قَبْلَ الْفَرَاغِ) مِنْ عَمَلِهَا، (وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ) بِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ (مُتَبَرِّعًا) بِالْعَمَلِ أَوْ بِمُؤْنَتِهِ عَنْ الْعَامِلِ (بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ) كَتَبَرُّعِ الْأَجْنَبِيِّ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِالْهَرَبِ، بَلْ لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِحُضُورِهِ كَانَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ كَانَ كَذَلِكَ، وَالْمَالِكُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا عَنْ الْعَامِلِ فَكَذَلِكَ، سَوَاءٌ أَجَهِلَهُ الْمَالِكُ أَمْ عَلِمَهُ؟ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إجَابَةُ الْأَجْنَبِيِّ الْمُتَطَوِّعِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَيْدِ التَّبَرُّعِ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَالِكِ كَمَا فِي الْجَعَالَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَسْتَحِقُّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَعَالَةِ بِاللُّزُومِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ (اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ) بَعْدَ رَفْعِ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَهَرَبِ الْعَامِلِ وَتَعَذُّرِ طَلَبِهِ، كَأَنْ لَمْ يُعْرَفْ مَكَانُهُ (مَنْ يُتِمُّهُ) مِنْ مَالِ الْعَامِلِ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ عَقَارًا، وَهَلْ تُجْعَلُ نَفْسُ الْأَرْضِ أَوْ بَعْضُهَا أُجْرَةً، أَوْ تُبَاعُ وَيُجْعَلُ مِنْهَا أُجْرَةٌ؟ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بَاعَ نَصِيبَ الْعَامِلِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَاسْتَأْجَرَ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ سَوَاءٌ أَظْهَرَتْ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا؟ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ مُدَّةَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِ بَعْضِهِ وَحْدَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى شَرْطِ قَطْعِهِ وَتَعَذُّرِهِ فِي الشَّائِعِ وَاسْتَأْجَرَ بِمَا اقْتَرَضَهُ، وَيَقْضِيهِ الْعَامِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، أَوْ يَقْضِيهِ الْحَاكِمُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَإِنْ وُجِدَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ الِاقْتِرَاضِ وَحَصَلَ الْغَرَضُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ الْمَالِكَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ فَأَنْفَقَ لِيَرْجِعَ - رَجَعَ كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ، وَمَتَى تَعَذَّرَ الِاقْتِرَاضُ وَغَيْرُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ وَبَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَمْ يَفْسَخْ الْمَالِكُ؛ لِأَجْلِ الشَّرِكَةِ، وَلَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهَا لِلشُّيُوعِ إلَّا إنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ هُنَا: وَأَنْ يَشْتَرِيَ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْعَامِلِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ ضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا سَبْقُ قَلَمٍ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ فَلَهُ الْفَسْخُ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ.
تَنْبِيهٌ: يَسْتَأْجِرُ الْحَاكِمُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْعَامِلُ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ الْيَمَنِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ وَارِدَةً عَلَى الْعَيْنِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُعِينِ الْيَمَنِيُّ وَالنَّشَائِيُّ الْمَنْعُ فِي الْوَارِدَةِ عَلَى الْعَيْنِ لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الْفَسْخِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَوْلُهُمْ: اسْتَقْرَضَ وَاكْتَرَى عَنْهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ الْمَالِكُ (عَلَى) مُرَاجَعَةِ (الْحَاكِمِ) إمَّا لِكَوْنِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ حَاضِرًا وَلَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا الْتَمَسَهُ (فَلْيُشْهِدْ عَلَى) الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ أَوْ (الْإِنْفَاقِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ) بِمَا يَعْمَلُهُ أَوْ يُنْفِقُهُ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ حَالَ الْعُذْرِ كَالْحُكْمِ، وَيُصَرِّحُ فِي الْإِشْهَادِ بِإِرَادَةِ الرُّجُوعِ، فَإِنْ لِمَ يُشْهِدْ كَمَا ذُكِرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ.
تَنْبِيهٌ: مَتَى أَنْفَقَ وَأَشْهَدَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، رَجَّحَ السُّبْكِيُّ مِنْهُمَا قَوْلَ الْمَالِكِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ بِالْمَسْأَلَةِ، وَكَلَامُهُمَا فِي هَرَبَ الْجِمَالِ يَقْتَضِي تَصْدِيقَ الْعَامِلِ، فَإِنَّهُمَا رَجَّحَا قَبُولَ قَوْلِ الْجَمَّالِ، وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّ الْمُنْفِقَ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى ائْتِمَانٍ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ..
المتن: وَلَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَتَمَّ الْوَارِثُ الْعَمَلَ مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ مَاتَ) الْعَامِلُ الْمُسَاقَى فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ (وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَتَمَّ الْوَارِثُ الْعَمَلَ مِنْهَا) بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى مُوَرِّثِهِ فَيُؤَدِّي مِنْ تَرِكَتِهِ كَغَيْرِهِ، وَفِي مَعْنَى التَّرِكَةِ نَصِيبُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، (وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ) - إنْ اخْتَارَ - وَيَسْتَحِقَّ الْمَشْرُوطَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، وَعَلَى الْمَالِكِ تَمْكِينُهُ إنْ كَانَ عَارِفًا بِعَمَلِ الْمُسَاقَاةِ أَمِينًا، وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً لَمْ يُقْتَرَضْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ بِخِلَافِ الْحَيِّ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِ الْعَامِلِ، فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، بَلْ يُتِمُّ الْعَامِلُ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ، وَلَوْ سَاقَى الْبَطْنُ الْأَوَّلُ الْبَطْنَ الثَّانِيَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَكَانَ الْوَقْفُ وَقْفَ تَرْتِيبٍ - فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْفَسِخَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ. قَالَ: وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: مُسَاقَاةٌ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ أَيْ الْمَالِكِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْوَارِثَ: أَيْ إذَا سَاقَى الْمُوَرِّثُ مَنْ يَرِثُهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ لِمَا مَرَّ.
المتن: وَلَوْ ثَبَتَ خِيَانَةُ عَامِلٍ ضُمَّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ ثَبَتَ خِيَانَةُ عَامِلٍ) فِيهَا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ (ضُمَّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ) إلَى أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ، وَلَا تُزَالُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَتَعَيَّنَ سُلُوكُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَأُجْرَةُ الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ. نَعَمْ، لَوْ لَمْ تَثْبُتْ الْخِيَانَةُ وَلَكِنْ ارْتَابَ الْمَالِكُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ وَأُجْرَتُهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ، (فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ) أَيْ الْمُشْرِفِ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَ (اُسْتُؤْجِرَ) عَلَيْهِ (مِنْ مَالِ الْعَامِلِ) مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ، كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ لَا يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ.
المتن: وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ مُسْتَحَقًّا فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ) بَعْدَ الْعَمَلِ (مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِ الْمُسَاقِي، كَأَنْ أَوْصَى بِثَمَنِ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ، أَوْ خَرَجَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا (فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ فَيَرْجِعُ بِبَدَلِهَا، هَذَا إذَا عَمِلَ جَاهِلًا بِالْحَالِ، فَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ لَهُمَا بَيِّنَتَانِ وَسَقَطَتَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْقِرَاضِ، وَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمَالِكِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ إنْ فُسِخَ الْعَقْدُ بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ الشَّجَرُ، وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ بِهَا، وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا الْعَامِلُ.
خَاتِمَةٌ: بَيْعُ الْمَالِكِ شَجَرَ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِيهَا، فَكَأَنَّ الْمَالِكَ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَصَحِيحٌ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَعَ الْمُشْتَرِي، كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهِ لِشُيُوعِهِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ: إذَا شَرَطَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ أَعْمَالًا تَلْزَمُهُ، فَأَثْمَرَتْ الْأَشْجَارُ وَالْعَامِلُ لَمْ يَعْمَلْ بَعْضَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ اسْتَحَقَّ مِنْ الثَّمَرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ، فَإِنْ عَمِلَ نِصْفَ مَا لَزِمَهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا شُرِطَ لَهُ، مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَيْسَ بِشَرِيكٍ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ شَرِيكٌ، فَيَسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخِي، وَلِمُسَاقِي الْمَالِكِ فِي ذِمَّتِهِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، ثُمَّ إنْ شَرَطَ لَهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ أَوْ دُونَهُ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ، أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ الْعَقْدُ فِيمَا يُقَابِلُ قَدْرَ نَصِيبِهِ دُونَ الزَّائِدِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَلَزِمَهُ لِلزَّائِدِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ وَعَامَلَ غَيْرَهُ انْفَسَخَتْ بِتَرْكِهِ الْعَمَلَ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَكَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْمَالِكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَلِلثَّانِي عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ يَتَعَهَّدَهَا، وَفَوَائِدُهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُمْكِنُهُ إيجَارُ الدَّابَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهَا فِيهِ غَرَرٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوَائِدُ لَا تُحَصَّلُ بِعَمَلِهِ. وَلَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَعْلِفَهَا مِنْ عِنْدِهِ بِنِصْفِ دَرِّهَا فَفَعَلَ ضَمِنَ لَهُ الْمَالِكُ الْعَلَفَ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: بَدَلُ النِّصْفِ نُسِبَ إلَى سَبْقِ الْقَلَمِ، وَضَمِنَ الْآخَرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الدَّرِّ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بِعِوَضٍ، فَإِنْ قَالَ: لِتَعْلِفَهَا بِنِصْفِهَا فَفَعَلَ؛ فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَالِفِ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ. كِتَابُ الْإِجَارَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الْمَشْهُورِ. وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ ضَمَّهَا، وَصَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ فَتْحَهَا، وَهِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ. ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ فِي الْعَقْدِ. وَشَرْعًا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مَعْلُومَةٍ قَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةٍ الْعَيْنُ، وَبِمَقْصُودَةٍ التَّافِهَةُ، كَاسْتِئْجَارِ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ، وَبِمَعْلُومَةٍ الْقِرَاضُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَبِقَابِلَةٍ لِمَا ذَكَرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُسَمَّى إجَارَةً. فَإِنْ قِيلَ: مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَمْ تَدْخُلْ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهَا، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، فَلِهَذَا أُخْرِجَتْ بِقَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ، وَبِعِوَضٍ هِبَةُ الْمَنَافِعِ وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَالشَّرِكَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَبِمَعْلُومٍ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ كَالْحَجِّ بِالرِّزْقِ، وَدَلَالَةِ الْكَافِرِ لَنَا عَلَى قَلْعَةٍ يُحَارِبُهُمْ مِنْهَا، نَعَمْ، يَرُدُّ عَلَيْهِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوُهُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِرْضَاعَ بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعٌ لَا يُوجِبُ أُجْرَةً، وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا ظَاهِرُ الْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ}، وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ}، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ}، وَخَبَرُ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ}، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ فَاسْتَقَى لَهُ: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ حَتَّى بَلَغَ بِضْعًا وَأَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا، إذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ، فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كَمَا جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَارِ.
المتن: شَرْطُهُمَا كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ.
الشَّرْحُ: وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: عَاقِدَانِ وَصِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِشَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (شَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ - وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِمَا - (كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) فِي شَرْطِهِمَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ثَمَّ نَعَمْ، إسْلَامُ الْمُشْتَرِي شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ، فَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ - كَمَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إجَارَةَ ذِمَّةٍ، وَكَذَا إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُسْلِمٍ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبَائِعٍ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَكُونُ مُؤَجِّرًا وَإِنْ جَازَ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ: يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ السَّفِيهَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ عَمَلِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالْعَمَلِ؛ فَأَوْلَى بِعِوَضٍ، بِخِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ عَمَلِ مِثْلِهِ، وَيُرَدُّ عَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ أَجَّرَ السَّيِّدُ عَبْدَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَبِيعَهُ نَفْسَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. وَالشَّرِيكَانِ فِي الْعَقَارِ إذَا تَنَازَعَا الْمُهَايَأَةَ أَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا، وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
المتن: وَالصِّيغَةُ آجَرْتُك هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا فَيَقُولُ: قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت، وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ: آجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا، وَمَنْعُهَا بِقَوْلِهِ: بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَالصِّيغَةُ) نَحْوُ قَوْلِ الْمُؤَجِّرِ (آجَرْتُك هَذَا) الثَّوْبَ مَثَلًا، (وَأَكْرَيْتُكَ) إيَّاهُ، (أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا)، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ كَمَا سَيَأْتِي (فَيَقُولُ): الْمُسْتَأْجِرُ - فَوْرًا - (قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت) أَوْ اسْتَكْرَيْتُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَالصِّيغَةُ مُبْتَدَأٌ لَا مَعْطُوفٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: آجَرْتُك هَذَا إلَخْ، وَمَعْنَى آجَرْتُك سَنَةً: أَيْ مَنَافِعَ سَنَةٍ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةٍ ظَرْفًا: أَيْ مَفْعُولًا فِيهِ لَآجَرْتُكَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ زَمَنُهُ يَسِيرٌ، بَلْ الْمَعْنَى آجَرْتُكَ وَاسْتَمِرَّ أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ سَنَةً، كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} إنَّ الْمَعْنَى فَأَمَاتَهُ اللَّهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مِائَةَ عَامٍ، وَإِلَّا فَزَمَنُ الْإِمَاتَةِ يَسِيرٌ. وَأَمَّا نَحْوُ أَجَرْتُك الدَّارَ سَنَةً، فَالدَّارُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَسَنَةً ظَرْفٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَأْخُوذٍ مِنْ أَجَرْتُك: أَيْ لِتَنْتَفِعَ بِهَا سَنَةً، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةً مَفْعُولًا؛ لِأَنَّ أَجَرَ لَا يَتَعَدَّى إلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ، وَوَزْنُ آجَرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَاعَلَ كَضَارَبَ لَا أَفْعَلَ كَأَكْرَمَ، وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْقَابِلِ، وَلَوْ بِقَبِلْت كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْبَيْعِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ، وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَبِالْكِنَايَةِ كَالْبَيْعِ، وَمِنْ الْكِنَايَاتِ هُنَا اُسْكُنْ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا، أَوْ جَعَلْت لَك مَنْفَعَتَهَا بِكَذَا، وَالْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ جَارٍ هُنَا، وَفِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَآخَرِينَ، قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَلَا أَدْرِي هَلْ يَخْتَارُ النَّوَوِيُّ صِحَّةَ الْمُعَاطَاةِ فِيهَا، كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ لَا، فَإِنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ مَقْصُودَ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ، وَهِيَ مَوْرِدُ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ إذْ لَوْ كَانَ مَوْرِدُهَا الْعَيْنَ لَامْتَنَعَ رَهْنُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَرْهُونَةِ وَقِيلَ: مَوْرِدُهَا الْعَيْنُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي لَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْعَيْنَ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ كَمَا تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْعَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا: أَنَّ حُلِيَّ الذَّهَبِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالذَّهَبِ، وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالْفِضَّةِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا عَلَى التَّخْرِيجِ بِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ الْعَيْنُ فَقَدْ صَارَ خِلَافًا مُحَقَّقًا، وَنَشَأَ عَنْهُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَرْعِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ قُلْنَا: مَوْرِدُ الْعَقْدِ الْعَيْنُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُؤَجِّرِ لِدَارٍ مَثَلًا: (آجَرْتُك) أَوْ أَكْرَيْتُكَ (مَنْفَعَتَهَا) سَنَةً مَثَلًا بِكَذَا؛ فَيَقْبَلُ الْمُسْتَأْجِرُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ آجَرْتُكَهَا، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ تَأْكِيدًا كَقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُك عَيْنَ هَذِهِ الدَّارِ وَرَقَبَتَهَا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ وُضِعَ مُضَافًا لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْعَقْدُ إلَيْهَا؟، وَجَعَلَ فِي الْمَطْلَبِ هَذَا مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَوْرِدَهَا الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ، (وَ) الْأَصَحُّ (مَنْعُهَا) أَيْ مَنْعُ انْعِقَادِهَا (بِقَوْلِهِ: بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا)؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْأَعْيَانِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَكَلَفْظِ الْبَيْعِ لَفْظُ الشِّرَاءِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَجَزَمَ بِهِ التَّنْبِيهُ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي أَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ هَلْ الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ؟ وَالصِّحَّةُ عَلَى قَوْلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْعُ عَلَى قَوْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَيْهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ كِنَايَةً فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِعْتُك يُنَافِي قَوْلَهُ سَنَةً فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ. هَذَا كُلُّهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ. أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَكْفِي فِيهَا أَلْزَمْت ذِمَّتَك بِكَذَا عَنْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا، فَيَقُولُ: قَبِلْت كَمَا فِي الْكَافِي أَوْ الْتَزَمْت.
المتن: وَهِيَ قِسْمَانِ: وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ، وَعَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً.
الشَّرْحُ: (وَهِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ (قِسْمَانِ:) أَحَدُهُمَا: إجَارَةٌ (وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ) أَيْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِعَيْنٍ، (كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ)، وَقَوْلُهُ: (مُعَيَّنَيْنِ) صِفَةُ دَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ غَلَبَ فِيهِ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ: مُعَيَّنٌ بِالْإِفْرَادِ لَوَافَقَ الْمَعْرُوفَ لُغَةً مِنْ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ يَقْتَضِي الْإِفْرَادَ، وَلِهَذَا. أُجِيبَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْوِيعُ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَبْوَابِ. (وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي: إجَارَةٌ وَارِدَةٌ (عَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ) لَحَمْلٍ مَثَلًا، (وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ) أَيْ الشَّخْصِ عَمَلًا (خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً) أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَقُولَ الْآخَرُ: قَبِلْت أَوْ اكْتَرَيْت. وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْعَقَارَ مِنْ قِسْمِ الْوَارِدَةِ عَلَى عَيْنٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْأَمْرَانِ. وَالسُّفُنُ هَلْ تَلْحَقُ بِالدَّوَابِّ أَوْ بِالْعَقَارِ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُهَا بِالدَّوَابِّ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ.
تَنْبِيهٌ: تَقْسِيمُ الْإِجَارَةِ إلَى وَارِدَةٍ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٍ عَلَى الذِّمَّةِ لَا يُنَافِي تَصْحِيحَهُمْ أَنَّ مَوْرِدَهَا الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَةَ، وَهُنَا مَا يُقَابِلُ الذِّمَّةَ، وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ، وَقِيلَ ذِمَّةٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ: (اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ) لِي (كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ) فِي الْأَصَحِّ لِلْإِضَافَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ، كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُك لِهَذِهِ الدَّابَّةِ، (وَقِيلَ): إجَارَةُ (ذِمَّةٍ) نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعَمَلِ مِنْ جِهَةِ الْمُخَاطَبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْتَحْقَيْتُ كَذَا عَلَيْك فَلَهُ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَفْظُ الذِّمَّةِ وَلَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَقَدْ قَطَعُوا بِالْأَوَّلِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَمَثَّلُوا اسْتِئْجَارَ عَيْنِ الشَّخْصِ لِلْحَجِّ بِاسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ الْخِلَافَ.
المتن: وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهَا، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتَّأْجِيلُ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَعَجَّلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً مُلِكَتْ فِي الْحَالِ.
الشَّرْحُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي) صِحَّةِ (إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ) قَطْعًا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ السَّلَمِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ، وَكَذَا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَلَا الْحَوَالَةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَا الْإِبْرَاءُ مِنْهَا.
تَنْبِيهٌ: لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ وُجُوبُ كَوْنِ الْأُجْرَةِ حَالَّةً وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَبْضِ الْحُلُولُ، (وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّتِهَا (ذَلِكَ) أَيْ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ (فِيهَا) فِي الْمَجْلِسِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ مَكَانًا تَعَيَّنَ، وَإِلَّا فَمَوْضِعُ الْعَقْدِ كَمَا نَقَلَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ، (وَيَجُوزُ) فِي الْأُجْرَةِ (فِيهَا) أَيْ إجَارَةِ الْعَيْنِ (التَّعْجِيلُ) لِلْأُجْرَةِ (وَالتَّأْجِيلُ) فِيهَا (إنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأُجْرَةُ (فِي الذِّمَّةِ) كَالثَّمَنِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَالْحَوَالَةُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ، (وَإِنْ أُطْلِقَتْ) تِلْكَ الْإِجَارَةُ (تَعَجَّلَتْ) فَتَكُونُ حَالَّةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، (وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً) أَوْ مُطْلَقَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (مُلِكَتْ فِي الْحَالِ) بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُرَاعًى، بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ عَلَى السَّلَامَةِ بَانَ أَنَّ الْمُؤَجَّرَ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ. أَمَّا اسْتِقْرَارُ جَمِيعِهَا فَبِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِتَفْوِيتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ آخِرَ الْبَابِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا كَانَ أَوْلَى. وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَكَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
تَنْبِيهٌ: كَمَا يَمْلِكُ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا، وَتَحْدُثُ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ أَجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ دَفْعُ جَمِيعِهَا لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يُعْطَى بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَاتَ الْآخِذُ ضَمِنَ النَّاظِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي. قَالَهُ الْقَفَّالُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ الْأُجْرَةِ لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ بِمَوْتِهِ. ا هـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ. أَمَّا إذَا قَصُرَتْ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ. أَمَّا صَرْفُهَا فِي الْعِمَارَةِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ.
المتن: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ وَلَا لِيَسْلُخَ بِالْجِلْدِ وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِث ذَاكِرًا لِشَرْطِهِ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ) الَّتِي فِي الذِّمَّةِ (مَعْلُومَةً) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِهَا صِحَّةُ الْحَجِّ بِالرِّزْقِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ أَنَّ الرِّزْقَ مَجْهُولٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ، بَلْ نَوْعُ جَعَالَةٍ يُغْتَفَرُ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْجَعْلِ. وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ (فَلَا تَصِحُّ) اسْتِئْجَارُ الدَّارِ مَثَلًا (بِالْعِمَارَةِ)، كَأَجَّرْتُكَهَا بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عِمَارَةٍ أَوْ بِدِينَارٍ مَثَلًا تَعْمُرُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بَعْضُ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَإِنْ أَجَرَهُ الدَّارَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِلَا شَرْطٍ وَأَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا فِي الْعِمَارَةِ صَحَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا، وَإِذَا أَنْفَقَ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ الْمُنْفَقِ صُدِّقَ الْمُنْفِقُ بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَى قَدْرًا مُحْتَمَلًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، (وَ) لَا يَصِحُّ أَيْضًا إجَارَةُ دَابَّةٍ شَهْرًا مَثَلًا بِنَحْوِ (الْعَلْفِ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ. الْأَوَّلُ: مَصْدَرٌ، وَالثَّانِي: اسْمٌ لِمَا يُعْلَفُ بِهِ كَرِيَاضَتِهَا لِلْجَهَالَةِ، (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا اسْتِئْجَارُ سَلَّاخٍ (لِيَسْلُخَ) الشَّاةَ (بِالْجِلْدِ) الَّذِي عَلَيْهَا، (وَلَا) طَحَّانٍ عَلَى أَنْ (يَطْحَنَ) الْبُرَّ مَثَلًا (بِبَعْضِ الدَّقِيقِ) مِنْهُ كَرُبْعِهِ (أَوْ بِالنُّخَالَةِ) مِنْهُ لِلْجَهْلِ بِثَخَانَةِ الْجِلْدِ وَبِقَدْرِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ، وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُجْرَةِ حَالًا، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطِّحَانِ}، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الطَّحْنِ قَفِيزًا مَطْحُونًا، وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ شَيْئًا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمِنْهُ مَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ جَعْلِ أُجْرَةِ الْجَابِي الْعُشْرَ مِمَّا يَسْتَخْرِجُهُ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَك نَظِيرُ الْعُشْرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا، وَفِي صِحَّتِهِ جَعَالَةً نَظَرٌ. ا هـ. وَالظَّاهِرُ فِيهَا الْبُطْلَانُ لِلْجَهْلِ بِالْجَعْلِ.
تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الطَّحْنَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لِتَطْحَنْ الْكُلَّ أَوْ يُطْلِقَ. فَإِنْ قَالَ لِتَطْحَنْ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ الْمَجْعُولِ أُجْرَةً صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ) كَرُبُعِهِ (فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ)، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ عَمَلِهَا يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمُسَاقَاةِ شَرِيكِهِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً مِنْ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ أَجِيرًا عَلَى شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ. ا هـ. وَالتَّحْقِيقُ مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ، كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ لِتَطْحَنَ لِي هَذِهِ الْوَيْبَةَ بِرُبْعِهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي حِصَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ جَارٍ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَ حِصَّتِي مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ.
المتن: وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ، وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ، وَكَلْبٌ لِلصَّيْدِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ - وَلَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ - مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِ الشُّرُوطِ، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً)، لَمْ يُرِدْ بِالْمُتَقَوِّمَةِ هُنَا مُقَابِلَةَ الْمِثْلِيَّةِ، بَلْ مَا لَهَا قِيمَةٌ لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، وَالْمِسْكِ وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إمَّا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لِخِسَّتِهَا أَوْ قِلَّتِهَا يَكُونُ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا سَفَهًا وَتَبْذِيرًا، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعْلُومَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ. وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ كُلُّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعْلُومَةً مَقْصُودَةً تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَتُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ تَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ) تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ؛ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لَا تُقْصَدُ لَهُ فَهِيَ كَحَبَّةِ بُرٍّ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ، وَلَا اسْتِئْجَارُ (بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ) قَائِلَهَا (وَإِنْ) كَانَتْ إيجَابًا وَقَبُولًا وَ (رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ)، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا. لَكِنْ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُتْعَبْ بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَادَةً نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ. أَمَّا مَا يَحْصُل فِيهِ التَّعَبُ مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَهُ آيَةً لَا تَعَبَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ}، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الصَّدَاقِ، وَكَذَا عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّ فِيهِ كُلْفَةَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتْ صَافِيَةً مِنْ الْإِشْكَالِ، وَتَقْوَى الصِّحَّةُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْأَذَانِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا طَبِيبٌ بِدَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ بِمَعْرِفَتِهِ، إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَفَ الصَّيْقَلُ الْمَاهِرُ إزَالَةَ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الْعِوَضِ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِنَاعَاتٌ يَتْعَبُ فِي تَعْلِيمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَبَ، وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، (وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ) لِلْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا، (وَكَلْبٌ) مُعَلَّمٌ (لِلصَّيْدِ) وَنَحْوِهِ كَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ دَرْبٍ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّزْيِينِ بِالنَّقْدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تُقَابَلُ بِمَالٍ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِلزِّينَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَالْكَلْبُ لَا قِيمَةَ لِعَيْنِهِ فَكَذَا لِمَنْفَعَتِهِ. وَالثَّانِي: يُنَازِعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ التَّزْيِينِ فِي ذَلِكَ الضَّرْبُ عَلَى سِكَّتِهَا وَالْوَزْنُ بِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّزْيِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا، وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَخَرَجَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحُلِيُّ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَجَرَةً لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أَوْ الرَّبْطِ بِهَا، أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أَوْ لَوْنِهِ كَالطَّاوُسِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ فِي الْهِرَّةِ لِدَفْعِ الْفَأْرِ، وَالشَّبَكَةِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّ لِمَنَافِعِهَا قِيمَةً.
المتن: وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا، فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَأَعْمَى لِلْحِفْظِ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ، وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ، وَيَجُوزُ إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، وَكَذَا إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ، وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ فِي الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا (كَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا) حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ تَشْمَلُ مِلْكَ الْأَصْلِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ الْمُسْتَأْجِرُ، فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَكَذَا لِلْمُقْطَعِ أَيْضًا إجَارَةُ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، قَالَ: لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ فَأَفْتَوْا بِالْبُطْلَانِ، فَإِنَّ الْمُقْطَعَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِيجَارِ أَوْ يَجْرِيَ عُرْفٌ عَامٌّ كَدِيَارِ مِصْرَ فَيَصِحُّ وَإِلَّا فَيُمْتَنَعُ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ (فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ مَنْ هُمَا فِي يَدِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ. أَمَّا الْغَاصِبُ أَوْ الْقَادِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ أَوْ مَنْ وَقَعَ الْآبِقُ فِي يَدِهِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ أَوْ الْمَشْرُوطِ عِتْقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ، (وَ) لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (أَعْمَى) إجَارَةَ عَيْنٍ (لِلْحِفْظِ) فِيمَا يَحْتَاجُ لِلنَّظَرِ وَلَا أَخْرَسَ لِلتَّعْلِيمِ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِحِفْظِ شَيْءٍ بِيَدِهِ أَوْ جُلُوسِهِ خَلْفَ بَابٍ لِلْحِرَاسَةِ لَيْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ، وَعَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَلَا اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْقَارِئِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اتَّسَعَتْ الْمُدَّةُ لِيُعَلِّمَهُ قَبْلَ تَعْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ مِنْ عَيْنِهِ وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِهَا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ، (وَ) لَا اسْتِئْجَارُ (أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ) أَيْ مُسْتَمِرٌّ (وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ كَثَلْجٍ وَنَدَاوَةٍ، وَلَا تُسْقَى بِمَاءٍ غَالِبِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ لَا يَكْفِي كَإِمْكَانِ عَوْدِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُكْرَى: أَنَا أَحْفِرُ لَك بِئْرًا وَأَسْقِي أَرْضَك مِنْهَا، أَوْ أَسُوقُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لَهَا كَالْمَفَازَةِ، (وَيَجُوزُ) اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ (إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ وَلَوْ صَغِيرًا، (وَكَذَا) يَجُوزُ (إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ) فِي نَحْوِ جَبَلٍ، (وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حُصُولُ الْغَالِبِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِحُصُولِ مَا ذُكِرَ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أَرَاضِي مِصْرٍ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ رَيِّهَا بِالزِّيَادَةِ، وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ كَانَتْ تُرْوَى مِنْ الزِّيَادَةِ الْغَالِبَةِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَمَا دُونَهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا يُرْوَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ كَالْمَوْثُوقِ بِهِ عَادَةً، وَمَا يُرْوَى مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ غَالِبُ الْحُصُولِ، وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ مُتَطَرِّقًا إلَى السِّتَّةَ عَشَرَ قَلِيلًا وَإِلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ كَثِيرًا. ا هـ. بَلْ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا وُصُولُ الزِّيَادَةِ إلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ انْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهَا وَإِنْ سَتَرَهَا عَنْ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا كَاسْتِتَارِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْقِشْرِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ عَقِبَ الْعَقْدِ شَرْطٌ وَالْمَاءُ يَمْنَعْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ وَبِأَنَّ صَرْفَهُ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ يَنْصَبُّ إلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الزَّرْعِ حَالًا، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ لَا أُجْرَةَ لَهُ، هَذَا إنْ وُثِقَ بِانْحِسَارِهِ وَقْتَ الزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْرِقُهَا وَتَنْهَارُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا، وَإِنْ احْتَمَلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِيهَا شِرْبُهَا إنْ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ بِعُرْفٍ مُطَّرِدٍ، وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ: النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ أَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ فِيهِ أَوْ اسْتَثْنَى الشِّرْبَ وَلَمْ يُوجَدْ شِرْبٌ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلِاضْطِرَابِ فِي الْأَوَّلِ، وَكَمَا لَوْ اسْتَثْنَى، مَمَرَّ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فِي الثَّانِي، فَإِنْ وُجِدَ شِرْبُ غَيْرِهِ صَحَّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالِاغْتِنَاءِ عَنْ شِرْبِهَا، (وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ) لِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ (كَالْحِسِّيِّ) فِي حُكْمِهِ.
تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فِي صَلَاتِهِ الَّتِي تُسْقِطُ الْقَضَاءَ، ثُمَّ تَلِفَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّنَفُّلُ بَعْدَ السَّلَامِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مَعَ أَنَّهُ رَآهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ كَمَا لَوْ رَآهُ وَثَمَّ مَانِعٌ مِنْهُ حِسِّيٌّ كَسَبُعٍ وَعَدُوٍّ. وَمِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِيلَاءِ أَنَّ الْمَانِعَ إذَا قَامَ بِالْمَرْأَةِ إنْ كَانَ حِسِّيًّا مَنَعَ مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ، أَوْ شَرْعِيًّا فَلَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَمِنْهَا الْإِقَالَةُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ بَيْعِ الْمَبِيعِ أَوْ إجَارَتِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ فَقَدَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الْأُخْرَى؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَهُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا تُغْسَلُ لَمْ يَمْسَحْ خُفَّ الْأُخْرَى عَلَى الصَّحِيحِ.
المتن: فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ) لِحُرْمَةِ قَلْعِهَا، وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ عُضْوٍ سَلِيمٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ قِصَاصٍ. أَمَّا الْعَلِيلَةُ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِقَلْعِهَا إنْ صَعُبَ الْأَلَمُ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ قَلْعَهَا يُزِيلُ الْأَلَمَ. وَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ قَلْعَهَا فِي قِصَاصٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ فِي الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ جَائِزٌ، وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ إذَا لَمْ يَنْصِبْ الْإِمَامُ جَلَّادًا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقُهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَلَوْ كَانَ السِّنُّ صَحِيحًا وَلَكِنْ انْصَبَّ تَحْتَهُ مَادَّةٌ مِنْ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: لَا تَزُولُ الْمَادَّةُ إلَّا بِقَلْعِهَا فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازُ الْقَلْعِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْيَدُ الْمُتَأَكِّلَةُ كَالسِّنِّ الْوَجِعَةِ، وَكَذَا الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْبَيَّاعِ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَصْدَ وَنَحْوَهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ سِنٍّ وَجِعَةٍ فَبَرِئَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِتَعَذُّرِ الْقَلْعِ. فَإِنْ لَمْ تَبْرَأْ وَمَنَعَهُ مِنْ قَلْعِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَمُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْعَمَلِ، لَكِنَّهَا تَكُونُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، حَتَّى لَوْ سَقَطَتْ رَدَّ الْأُجْرَةَ كَمَنْ مَكَّنَتْ الزَّوْجَ فَلَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ فَارَقَ، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ مُدَّةَ إمْكَانِ السَّيْرِ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ.
المتن: وَلَا حَائِضٍ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا (وَ) لَا اسْتِئْجَارُ مُسْلِمَةٍ (حَائِضٍ) أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُسْتَحَاضَةٍ إجَارَةِ عَيْنٍ (لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ)، وَإِنْ أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ، وَجَوَّزْنَا الْعُبُورَ لِاقْتِضَاءِ الْخِدْمَةِ الْمُكْثَ أَوْ التَّرَدُّدَ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ. أَمَّا الْكَافِرَةُ إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ تَمْكِينِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ مِنْ الْمُكْثِ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَكَنَسَتْ عَصَتْ وَلَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً، وَفِي مَعْنَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ، وَفِي مَعْنَى الْحَائِضِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ نَضَّاحَةٌ إذَا لَمْ يَأْمَنْ التَّلْوِيثَ. وَأَمَّا إجَارَةُ مَنْ ذُكِرَ فِي الذِّمَّةِ فَتَصِحُّ، وَلَا اسْتِئْجَارٌ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالسِّحْرِ وَالْفُحْشِ وَالنُّجُومِ وَالرَّمْلِ، وَلَا لِخِتَانِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ، وَلَا لِخِتَانِ الْكَبِيرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا لِتَثْقِيبِ الْأُذُنِ وَلَوْ لِأُنْثَى وَلَا لِلزَّمْرِ وَالنِّيَاحَةِ وَحَمْلِ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لَا لِلْإِرَاقَةِ، وَلَا لِتَصْوِيرِ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَجَعَلَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْغِنَاءَ، وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ. أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ حَمْلِ الْمُحْتَرَمَةِ فَجَائِزٌ كَنَقْلِ الْمَيْتَةِ إلَى الْمَزْبَلَةِ، وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَكِّ الْأَسِيرِ، وَإِعْطَاءِ الشَّاعِرِ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ، وَالظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ، وَالْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ، فَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ عَلَيْهَا، (وَكَذَا) حُرَّةٌ (مَنْكُوحَةٌ) لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ تَمْلِكُ مَنَافِعَ نَفْسِهَا، وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا إجَارَةَ عَيْنٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا لَا يُؤَدِّي لِخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ (بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَهَا مُسْتَغْرِقَةٌ بِحَقِّهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّكَاحِ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي لَبَنِهَا وَخِدْمَتِهَا؛ لَكِنْ لَهُ فَسْخُهَا حِفْظًا لِحَقِّهِ.
تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً، أَوْ كَانَ طِفْلًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: إنَّ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَنَافِعَ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ أَنْ يَنْتَفِعَ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. وَخَرَجَ بِالْحُرَّةِ الْأَمَةُ فَإِنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا نَهَارًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهَا. نَعَمْ الْمُكَاتَبَةُ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا، وَالْعَتِيقَةُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا أَبَدًا لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الزَّوْجِ فِي إيجَارِهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَبِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْكُوحَةُ لَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُهَا وَلَوْ لِوَلَدِهِ مِنْهَا، وَبِتَمَلُّكِ مَنَافِعِهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا قَطْعًا. فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاسْتِئْجَارِ الْعَكَّامِينَ لِلْحَجِّ، وَقَدْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ لِلْعَكْمِ فَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعَكْمِ إذْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْعَكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْأَزْمِنَةَ. وَبِإِجَارَتِهَا إجَارَةَ عَيْنٍ مَا لَوْ الْتَزَمَتْ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهَا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ مَا لَوْ أَذِنَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ، وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا فِي أَوْقَاتِ فَرَاغِهَا خَوْفَ الْحَبَلِ وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا قَالَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ.. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُ مَنَافِعَ الْأَمَةِ، وَقَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرَّهْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ.
المتن: وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا.
الشَّرْحُ: (وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ)؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. فَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ حَالًّا. وَقَوْلُهُ: (كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ) لِكَذَا (إلَى مَكَّةَ) مَثَلًا (أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَأْجِيلٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي السَّلَمِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ. فَلَوْ مَثَّلَ كَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِغُرَّةِ شَهْرِ كَذَا لَكَانَ أَوْلَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَوَّلِ الْمُسْتَهِلَّ فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِلتَّمْثِيلِ بِالْغُرَّةِ.
المتن: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ أَوْ رَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا، وَذَا أَيَّامًا وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَجُوزُ)؛ وَلَا يَصِحُّ (إجَارَةِ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ)، كَإِجَارَةِ الدَّارِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَوْ سَنَةً أَوَّلُهَا مِنْ الْغَدِ. وَاحْتُرِزَ بِالْعَيْنِ عَنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْكِتَابِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا يُعْمَلُ إلَّا بِالنَّهَارِ وَعَقَدَ الْإِجَارَةَ لَيْلًا وَأُطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْعَمَلِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فِي وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْمُبَادَرَةُ فِيهِ إلَى زِرَاعَتِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ مَسْأَلَتَيْنِ: أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ أَجَّرَ) الْمَالِكُ (السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ) ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِاتِّصَالِ الْمُدَّتَيْنِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِنْهُ السَّنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ يَنْفَسِخُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّصَالُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ ظُهُورُهُ فَلَا يَقْدَحُ عُرُوضُ الِانْفِسَاخِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا لِغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا عَمَّا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ فَقَدْ أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً أُخْرَى، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِمُسْتَحِقِّ مَنْفَعَةِ السَّنَةِ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ صُورَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ إحْدَاهُمَا: الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةً يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً ثَانِيَةً قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا. الثَّانِيَةُ: الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلسُّكْنَى بِدَارٍ تَصِحُّ إجَارَتُهَا لَهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ الدَّارُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا السَّنَةَ الْأُخْرَى مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ الْآنَ لِلْمَنْفَعَةِ، لَا مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ تَرْجِيحِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَيَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ فَرَاغِ الْأُولَى لِاتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ، خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَ الْوَارِثُ مَا أَجَّرَهُ مُوَرِّثُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُ لِمَا مَرَّ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فَصْلٌ بَيْنَ السَّنَتَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ قَطْعًا، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْمُطْلَقَ وَالْوَقْفَ إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ سَنَةً فِي عَقْدٍ، ثُمَّ سَنَةً فِي عَقْدٍ آخَرَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ الصِّحَّةَ، وَلَوْ أَجَّرَ عَيْنًا فَأَجَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ - صَحَّتْ الْإِقَالَةُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَمْ تَنْفَسِخْ الثَّانِيَةُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْبَيْعِ بِانْقِطَاعِ عُلْقَتِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ أَجَرَهُ حَانُوتًا أَوْ نَحْوَهُ، مِمَّا يَسْتَمِرُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَادَةً أَيَّامَ شَهْرٍ لَا لَيَالِيِهِ أَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الِانْتِفَاعِ لَمْ يَتَّصِلْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْإِجَارَةِ يُرَفَّهَانِ فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُطِيقَانِ الْعَمَلَ دَائِمًا، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ جَمْعُ عُقْبَةٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهِيَ النَّوْبَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْقُبُ صَاحِبَهُ وَيَرْكَبُ مَوْضِعَهُ (وَهُوَ) أَيْ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي (أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا) مَثَلًا (لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ) يَعْنِي كَنِصْفِهِ أَوْ رُبْعِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمُؤَجِّرُ الْبَعْضَ الْآخَرَ تَنَاوُبًا مَعَ عَدَمِ شَرْطِ الْبُدَاءَةِ بِالْمُؤَجِّرِ، سَوَاءٌ أَشَرَطَاهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ أَطْلَقَا أَوْ قَالَا لِيَرْكَبْ أَحَدُنَا، وَسَوَاءٌ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ حَالًا، وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ. أَمَّا إذَا اشْتَرَطَا أَنْ يَرْكَبَهَا الْمُؤَجِّرُ أَوَّلًا فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِتَأْخِيرِ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَتَعَلُّقِ الْإِجَارَةِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، (أَوْ) يُؤَجِّرَهَا (رَجُلَيْنِ) مَثَلًا (لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا) مَعْلُومَةً (وَذَا أَيَّامًا) كَذَلِكَ تَنَاوُبًا، (وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ) فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَادَةً مَضْبُوطَةً بِزَمَانٍ أَوْ مَسَافَةٍ اُتُّبِعَتْ، (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي الْأُولَى، وَالْمُكْتَرِيَانِ فِي الثَّانِيَةِ: الرُّكُوبَ بِالتَّرَاضِي عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ أُقْرِعَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْمَنْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةُ أَزْمَانٍ مُنْقَطِعَةٌ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِ زَمَنِ الْإِجَارَةِ فِيهَا دُونَ الْأُولَى. وَالثَّالِثُ: تَصِحُّ فِيهِمَا إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا تَصِحُّ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً. وَاعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ: أَيَّامًا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ جَوَازُ كَوْنِ النَّوْبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا طَلَبُ الرُّكُوبِ ثَلَاثًا وَالْمَشْيَ ثَلَاثًا لِلْمَشَقَّةِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشَارِطَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ عَلَى يَوْمٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ ثَلَاثٍ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: كَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ يَوْمًا. ا هـ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِلْمَاشِي وَلَا لِلدَّابَّةِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْبَيَانِ وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى، وَالزَّمَانُ الْمَحْسُوسُ فِي الْمُبَادَرَةِ زَمَنُ السَّيْرِ دُونَ النُّزُولِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، حَتَّى لَوْ نَزَلَ أَحَدُهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لِعَلَفِ الدَّابَّةِ لَمْ يُحْسَبْ زَمَنُ النُّزُولِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الزَّمَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ دَابَّةً لَا تَحْمِلُهُمَا حُمِلَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْمِلُهُمَا رَكِبَاهَا جَمِيعًا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ مُتَوَالِيًا صَحَّ قَطْعًا، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ اسْتَأْجَرَ نِصْفَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ مُشَاعَةً كَبَيْعِ الْمُشَاعِ، وَيَقْتَسِمَانِ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَسَافَةِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: يُضَافُ إلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: مَا لَوْ أَجَّرَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ إجَارَةِ عَيْنٍ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَتَأَتَّ تَأْدِيَتُهُ مِنْ بَلَدِ الْعَقْدِ إلَّا بِالسَّيْرِ قَبْلَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِلْخُرُوجِ عَقِبَهُ. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَثَلًا بِبَلَدٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ. الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ الرَّابِعَةُ: مَا سَبَقَ مِنْ صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ، وَعَلَيْهَا الْمَاءُ قَبْلَ انْحِسَارِهِ. فَرْعٌ: اسْتِئْجَارُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي الْحَالِ كَجَحْشٍ صَغِيرٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ، بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا لَا يُثْمِرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُثْمِرُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الثِّمَارِ يُحْتَمَلُ فِي كُلِّ مُسَاقَاةٍ.
|