الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ مِنْ جِنْسٍ بِأَنْ طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا أَوْ عَالِمًا فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنْ الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَمْلًا وَالْأُخْرَى أَقْرَاءً تَدَاخَلَتَا فِي الْأَصَحِّ، فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ، وَيُرَاجِعُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا، أَوْ لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ، أَوْ شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطَلُقَتْ فَلَا تَدَاخُلَ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّتُهُ
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي تَدَاخُلِ عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ، إذَا (لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ) وَلَمْ يَخْتَلِفَا لِكَوْنِهِمَا (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ (بِأَنْ طَلَّقَ) مَثَلًا (ثُمَّ وَطِئَ) وَلَمْ تَحْبَلْ (فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا) فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَأَنْ نَسِيَ طَلَاقَهَا أَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى (أَوْ) وَطِئَ جَاهِلًا أَوْ (عَالِمًا) لَكِنْ (فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا) أَيْ الْعِدَّتَانِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ، فَإِنَّ وَطْءَ الْعَالِمِ بِهَا وَطْءُ زِنًا لَا حُرْمَةَ لَهُ، ثُمَّ أَشَارَ لِتَفْسِيرِ التَّدَاخُلِ بِقَوْلِهِ (فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً) بِأَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ (مِنْ) فَرَاغِ (الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ وَاحِدٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّعَدُّدِ، وَتَكُونُ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ وَاقِعَةً عَنْ الْجِهَتَيْنِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ دُونَ مَا بَعْدَهَا (فَإِنْ) لَمْ تَتَّفِقْ الْعِدَّتَانِ بِأَنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ (كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَمْلًا) وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ بِوَطْءٍ بَعْدَهُ (وَ) كَانَتْ (الْأُخْرَى أَقْرَاءً) بِأَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ أَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْأَقْرَاءِ فَأَحْبَلَهَا (تَدَاخَلَتَا) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَانَتَا كَالْمُتَجَانِسَتَيْنِ (فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ) وَهُوَ وَاقِعٌ عَنْ الْجِهَتَيْنِ، سَوَاءٌ أَرَأَتْ الدَّمَ مَعَ الْحَمْلِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ تُتِمَّ الْأَقْرَاءَ قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ إنَّمَا تَعْتَدُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مَظِنَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ انْتَفَى هُنَا لِلْعِلْمِ بِاشْتِغَالِ الرَّحِمِ، وَمَا قَيَّدَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ أَوْ رَأَتْهُ وَتَمَّتْ الْأَقْرَاءُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَإِلَّا فَتَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْأَقْرَاءِ مَنَعَهُ النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: وَكَأَنَّهُمْ اغْتَرُّوا بِظَاهِرِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلَيْ التَّدَاخُلِ وَعَدَمِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَتَعْلِيلُهُ فِي الْكَبِيرِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ مَعَ الْحَمْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ التَّدَاخُلِ لَيْسَ إلَّا لِرِعَايَةِ صُورَةِ الْعِدَّتَيْنِ تَعَبُّدًا وَقَدْ حَصَلَتْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ (وَيُرَاجِعُ) الزَّوْجُ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَضْعِ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَزِمَهَا عِدَّةٌ أُخْرَى وَالثَّانِي: لَا يَتَدَاخَلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَمَا لَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ ثَيِّبًا (وَقِيلَ: إنْ) كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَ (كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ) فِي أَثْنَاءِ الْأَقْرَاءِ (فَلَا) يُرَاجِعُ قَبْلَ وَضْعِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ قَدْ سَقَطَتْ بِالْوَطْءِ (أَوْ) لَزِمَهَا عِدَّتَانِ (لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ، أَوْ) فِي عِدَّةِ وَطْءِ (شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) وَالْوَاطِئُ غَيْرُ صَاحِبِ الْعِدَّةِ (أَوْ) وُطِئَتْ فِي (نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطَلُقَتْ) بَعْدَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (فَلَا تَدَاخُلَ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَثَرٍ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَلِتَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ، كَمَا فِي الدِّيَتَيْنِ (فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّتُهُ) سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ سَبَبُهُ أَوْ تَأَخَّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُطَلِّقِ ثُمَّ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْحَمْلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِالْأَقْرَاءِ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ النِّفَاسِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ الْوَضْعِ إلَّا وَقْتَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَأَقَرَّاهُ فَلَا يُرَاجِعُهَا فِيهِ لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ عَنْ عِدَّتِهِ بِكَوْنِهَا فِرَاشًا لِلْوَاطِئِ، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَتَمَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ اسْتَأْنَفَتْهَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي تِلْكَ الْبَقِيَّةِ بَعْدَ الْوَضْعِ وَلَوْ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ كَالْحَيْضِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ: كَذَا عَلَّلَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَفِي كَوْنِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَالْحَمْلِ مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ تَجَوُّزٌ، وَهَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ الْوَضْعِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْآنَ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهِيَ رَجْعَةٌ حُكْمًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ التَّوَارُثُ قَطْعًا، وَهَلْ لَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؟ وَجْهَانِ أَيْضًا أَصَحُّهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَنْعُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ التَّجْدِيدَ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ وَالرَّجْعَةَ شَبِيهَةٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، وَإِذَا رَاجَعَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَيْسَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِهَا حَتَّى تَضَعَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا
المتن: وَإِلَّا فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ الْأُخْرَى، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ فَإِذَا رَاجَعَ انْقَضَتْ وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا، وَإِنْ سَبَقَتْ الشُّبْهَةُ قُدِّمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَقِيلَ الشُّبْهَةِ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ اشْتَبَهَ الْحَمْلُ فَلَمْ يُدْرَ أَمِنْ الزَّوْجِ هُوَ أَمْ مِنْ الشُّبْهَةِ جُدِّدَ النِّكَاحُ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَبَعْدَهُ بِأَنْ يُجَدِّدَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قَبْلَ الْوَضْعِ وَمَرَّةً بَعْدَهُ لِيُصَادِفَ التَّجْدِيدُ عِدَّتَهُ يَقِينًا، فَلَا يَكْفِي تَجْدِيدُهُ مَرَّةً لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَانَ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي عِدَّتِهِ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَلِلْحَامِلِ الْمُشْتَبَهِ حَمْلُهَا نَفَقَةُ مُدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى زَوْجِهَا إنْ أَلْحَقَ الْقَائِفُ الْوَلَدَ بِهِ مَا لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا لِنُشُوزِهَا، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ قَبْلَ اللُّحُوقِ، إذْ النَّفَقَةُ لَا تَلْزَمُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ الْقَائِفُ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَا لِلرَّجْعِيَّةِ مُدَّةَ كَوْنِهَا فِرَاشًا لِلْوَاطِئِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ (فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ) وَطْأَهَا بِشُبْهَةٍ (أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ) لِتَقَدُّمِهَا وَقُوَّتِهَا لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى عَقْدٍ جَائِزٍ وَسَبَبٍ مُسَوِّغٍ (ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ) عَقِبَ فَرَاغِهَا مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْعِدَّةَ (الْأُخْرَى) وَهِيَ عِدَّةُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ (الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَتَجْدِيدُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ طَلَاقِهِ، وَيَأْتِي فِي وَقْتِ الْوَطْءِ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيِّ (فَإِذَا رَاجَعَ) فِيهَا أَوْ جَدَّدَ (انْقَضَتْ) عِدَّتُهُ (وَشَرَعَتْ) حِينَئِذٍ (فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَ) مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا (لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا) الزَّوْجُ بِوَطْءٍ جَزْمًا، وَبِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ تَنْقَطِعْ عِدَّةُ الشُّبْهَةِ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِوَطْئِهِ كَالزِّنَا (حَتَّى تَقْضِيَهَا، وَإِنْ سَبَقَتْ الشُّبْهَةُ) طَلَاقَهَا بِأَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَلُقَتْ (قُدِّمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ) فِي الْأَصَحِّ لِقُوَّتِهَا كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ) قُدِّمَتْ عِدَّةُ (الشُّبْهَةِ) لِسَبْقِهَا ثُمَّ تَعْتَدُّ عَنْ الطَّلَاقِ تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ شُبْهَةٍ وَلَا حَمْلَ قُدِّمَتْ الْأُولَى لِتَقَدُّمِهَا، وَلَوْ نَكَحَ شَخْصٌ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ وَطِئَهَا شَخْصٌ آخَرُ بِشُبْهَةٍ قَبْلَ وَطْئِهِ أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قُدِّمَتْ عِدَّةُ الْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ لِتَوَقُّفِ عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى التَّفْرِيقِ بِخِلَافِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ، وَلَيْسَ لِلْفَاسِدِ قُوَّةُ الصَّحِيحِ حَتَّى يُرَجَّحَ بِهَا، وَلَوْ نَكَحَتْ فَاسِدًا بَعْدَ مُضِيِّ قُرْأَيْنِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إلَى مُضِيِّ سِنِّ الْيَأْسِ أَتَمَّتْ الْعِدَّةَ الْأُولَى بِشَهْرٍ بَدَلًا عَنْ الْقَرْءِ الْبَاقِي، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الْمَوْعُودُ بِهِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْفَاسِدِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَمْلٌ فَعِدَّةُ صَاحِبِهِ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا تَقَدَّمَ الْحَمْلُ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهُ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ كَمَا مَرَّ، وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْوَاطِئَيْنِ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ فِي عِدَّتِهِ دُونَ عِدَّةِ الْآخَرِ وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً مُعْتَدَّةً مِنْ حَرْبِيٍّ آخَرَ وَوَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَهُ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ كَفَاهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ وَقْتِ وَطْئِهِ لِضَعْفِ حُقُوقِهِمْ وَعَدَمِ احْتِرَامِ مَائِهِمْ فَيُرَاعَى أَصْلُ الْعِدَّةِ، وَيُجْعَلُ جَمِيعُهُمْ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ وَرَجَّحَهُ آخَرُونَ وَرَجَّحَ آخَرُونَ خِلَافَهُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَسْقُطُ بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَلَا رَجْعَةَ لِلْأَوَّلِ إنْ أَسْلَمَ، وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فِيهَا لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْأَوَّلِ لَمْ تَكْفِهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتَعْتَدُّ لِلثَّانِي بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي كَفَاهَا وَضْعُ الْحَمْلِ وَتَسْقُطُ بَقِيَّةُ الْأُولَى، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي مَعَهَا وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ وَاسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً لِلثَّانِي، لِأَنَّ الْعِدَّةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ هُنَا أَقْوَى حَتَّى تَسْقُطَ بَقِيَّةُ الْأُولَى أَوْ تَدْخُلَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا
المتن: عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ بِلَا وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ قُلْت: وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ انْقَضَتْ وَاَللَّه أَعْلَمُ
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي مُعَاشَرَةِ الْمُطَلِّقِ الْمُعْتَدَّةَ، إذَا (عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ) بِخَلْوَةٍ وَلَوْ بِدُخُولِ دَارٍ هِيَ فِيهَا وَنَوْمٍ وَلَوْ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ وَأَكْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (بِلَا وَطْءٍ) لَهَا (فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ، فَأَوْجُهٌ أَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ) عِدَّتُهَا بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مُخَالَطَتَهَا مُحَرَّمَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ فَأَشْبَهَتْ الْمَزْنِيَّ بِهَا فَلَا أَثَرَ لِلْمُخَالَطَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً (فَلَا) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ وَهُوَ بِالْمُخَالَطَةِ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الِافْتِرَاشِ مِنْ الْعِدَّةِ كَمَا لَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْحَالِ لَا يُحْسَبُ زَمَنُ افْتِرَاشِهِ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَا يَضُرُّ دُخُولُ دَارٍ هِيَ فِيهَا بِلَا خَلْوَةٍ وَالثَّانِي: لَا تَنْقَضِي مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا بِالْمُعَاشَرَةِ كَالزَّوْجَةِ وَالثَّالِثُ: عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لَا تُوجِبُ عِدَّةً تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِنَفْيِ الْوَطْءِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ ذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِالْوَطْءِ (وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ) وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ بِهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْمُعْتَبِرِينَ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ: وَقَدْ صَارَ فُقَهَاءُ الْعَصْرِ وَقُضَاتُهُ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يُفْتَى وَيُحْكَمُ إلَّا بِهِ، فَاعْتَمِدْ مَا حَقَّقْتُهُ لَك تَرْشُدْ إنْ شَاءَ اللَّهُ ا هـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: وَيَلْحَقُهَا) حَيْثُ حُكِمَ بِعَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمَا ذُكِرَ (الطَّلَاقُ) أَيْ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً فَقَطْ (إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ أَيْ فَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا صَحَّحَ مِنْ مَنْعِ الرَّجْعَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا وَطْءٍ مَا إذَا وَطِئَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَمْنَعْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ زِنًا لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا امْتَنَعَ الْمُضِيُّ فِي الْعِدَّةِ مَا دَامَ يَطَؤُهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ عَنْ الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْمُعَاشَرَةَ لَا تَمْنَعُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِهِ بِحَالٍ (وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ) بِلَا وَطْءٍ (انْقَضَتْ) عِدَّتُهَا مَعَ مُعَاشَرَتِهِ لَهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِلَا شُبْهَةٍ فَهُوَ زَانٍ، أَوْ بِهَا فَهُوَ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ عَاشَرَهَا بِشُبْهَةٍ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الِاحْتِسَابَ كَمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي زَمَنِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ خَارِجَةٌ عَنْ الْعِدَّةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ وَعَاشَرَهَا سَيِّدُهَا، فَإِنَّ فِيهِ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ فِي الرَّجْعِيَّةِ
المتن: وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ مِنْ حِينِ وَطِئَ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْعَقْدِ
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ظَانًّا انْقِضَاءَهَا وَتَحَلُّلَهَا بِزَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ كَالرَّجْعِيَّةِ (وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ) لِنِكَاحِهَا (وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ) عِدَّتُهَا بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ الْفِرَاشِ بِهِ، وَتَنْقَطِعُ الْعِدَّةُ (مِنْ حِينِ وَطِئَ) لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَلَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَطِعُ وَإِنْ عَاشَرَهَا لِانْتِفَاءِ الْفِرَاشِ (وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْعَقْدِ) لِإِعْرَاضِهَا عَنْ الْأَوَّلِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ
المتن: وَلَوْ رَاجَعَ حَائِلًا ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ تَبْنِي إنْ لَمْ يَطَأْ، أَوْ حَامِلًا فَبِالْوَضْعِ فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا عِدَّةَ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: تَرَدُّدُهُ فِي الْخِلَافِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحَيْنِ كَوْنَهُ وَجْهًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ لِذِكْرِهَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ سَابِقًا، وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا. أُجِيبَ بِأَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَهُنَاكَ لِتَصْوِيرِ عِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ (وَلَوْ رَاجَعَ) فِي الْعِدَّةِ (حَائِلًا) وَطِئَهَا بَعْدَ رَجْعَتِهَا أَمْ لَا (ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ) عِدَّةً فِي الْجَدِيدِ لِعَوْدِهَا بِالرَّجْعَةِ إلَى النِّكَاحِ الَّذِي وُطِئَتْ فِيهِ (وَفِي الْقَدِيمِ) لَا تَسْتَأْنِفُ بَلْ (تَبْنِي) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِدَّتِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ (إنْ لَمْ يَطَأْ) هَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، وَاحْتَرَزَ بِ " رَاجَعَ " عَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً قَبْلَ مُرَاجَعَتِهَا، فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ مَعًا. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ فِي حِكَايَةِ الْبِنَاءِ قَوْلًا قَدِيمًا لِلرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ (أَوْ) رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ (حَامِلًا) ثُمَّ طَلَّقَهَا (فَبِالْوَضْعِ) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَطِئَهَا بَعْدَ رَجْعَتِهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَضْعِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِدَّةً مُسْتَقِلَّةً (فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَطَأْ) هَا (بَعْدَ الْوَضْعِ) أَوْ قَبْلَهُ (فَلَا عِدَّةَ) عَلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْوَضْعِ وَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِبُعْدِ الْوَضْعِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا فِي الرَّوْضَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ حَذْفَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْته
المتن: وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً) لَهُ (ثُمَّ نَكَحَهَا) فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهِ (ثُمَّ) مَاتَ أَوْ (وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ) أَوْ خَالَعَ ثَانِيًا (اسْتَأْنَفَتْ) عِدَّةً لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ (وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ) مِنْ عِدَّتِهَا السَّابِقَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّهُمَا لِوَاحِدٍ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ صِحَّةَ نِكَاحِ الْمُخْتَلِعَةِ فِي عِدَّتِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّ النِّكَاحَ يَقْطَعُ الْعِدَّةَ الْأُولَى وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَطِئَ عَمَّا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَلَا عِدَّةَ لِهَذَا الطَّلَاقِ وَعَلَيْهِ فِيهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ فِي نِكَاحٍ جَدِيدٍ طَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ الْوَطْءِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِدَّةٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الرَّجْعِيَّةِ، وَاعْتُرِضَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ " بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِدَّةٌ بَعْدَ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْفَارِقِيُّ بِهَذَا عَلَى عِبَارَةِ الْمُهَذَّبِ تَتِمَّةٌ: لَوْ أَحْبَلَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا هَلْ تَنْقَضِي عِدَّةُ الشُّبْهَةِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْأُولَى وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ فِي الثَّانِيَةِ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ، وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا انْقَطَعَتْ الْعِدَّةُ فِي الْحَالِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَحَلَّتْ لَهُ وَتَبْقَى بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ مِلْكُهُ، فَحِينَئِذٍ تَقْضِيهَا حَتَّى لَوْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
المتن: عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَأَمَةٍ نِصْفُهَا وَإِنْ مَاتَ عَنْ رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى وَفَاةٍ أَوْ بَائِنٍ فَلَا، وَحَامِلٍ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ
الشَّرْحُ: ثُمَّ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِلضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِفُرْقَةِ مَيِّتٍ وَيَذْكُرُ مَعَهُ الْمَفْقُودَ وَالْإِحْدَادَ بِفَصْلٍ فَقَالَ: (فَصْلٌ) (عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ) أَوْ حَامِلٍ بِحَمْلٍ لَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْعِدَّةِ (لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ) أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ زَوْجَةَ صَبِيٍّ أَوْ مَمْسُوحٍ (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} إلَى {وَعَشْرًا} وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْحَرَائِرِ لِمَا سَيَأْتِي، وَعَلَى الْحَائِلَاتِ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ، وَكَالْحَائِلَاتِ الْحَامِلَةُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ} فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مُتَقَدِّمَةٌ وَهَذِهِ مُتَأَخِّرَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ فِي التِّلَاوَةِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي النُّزُولِ، وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَيُكَمَّلُ الْمُنْكَسِرُ بِالْعَدَدِ كَنَظَائِرِهِ، فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهَا الْأَهِلَّةُ كَالْمَحْبُوسَةِ اعْتَدَّتْ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا الْوَطْءُ كَمَا فِي عِدَّةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ فُرْقَةَ الْوَفَاةِ لَا إسَاءَةَ فِيهَا مِنْ الزَّوْجِ فَأُمِرَتْ بِالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِ الْحُزْنِ بِفِرَاقِهِ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْدَادُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلِأَنَّهَا قَدْ تُنْكِرُ الدُّخُولَ وَلَا مُنَازِعَ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْأَعْظَمَ حِفْظُ حَقِّ الزَّوْجِ دُونَ مَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ بِالْأَشْهُرِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَالَ: بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ وَالْأَصَمَّ قَالَا: تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ قَالَا: لِأَنَّ الْعَشْرَ تُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ صِيغَةَ التَّأْنِيثِ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً، فَيَقُولُونَ: سِرْنَا عَشْرًا، وَيُرِيدُونَ بِهِ اللَّيَالِيَ وَالْأَيَّامَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مَعَ فَجْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ الشَّهْرِ لَا تَكْفِي مَعَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْهِلَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي، وَيُحْمَلُ الْعَشْرُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ جَازَ إثْبَاتُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا (وَ) عِدَّةُ (أَمَةٍ) أَوْ حَامِلٍ بِمَنْ لَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْعِدَّةِ (نِصْفُهَا) أَيْ الْمَدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ، وَهُوَ مُمْكِنُ الْقِسْمَةِ كَمَا فِي الِاعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ، وَيَأْتِي فِي الِانْكِسَارِ وَالْخَفَاءِ مَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ الْمُبَعَّضَةِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهَا كَالْقِنَّةِ، وَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ مَعَ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ كَحُرَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَإِنْ مَاتَ عَنْ) مُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى) عِدَّةِ (وَفَاةٍ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، فَتَلْغُو أَحْكَامُ الرَّجْعَةِ، وَسَقَطَتْ بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ مِنْ إحْدَادٍ وَغَيْرِهِ (أَوْ) مَاتَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ (بَائِنٍ) (فَلَا) تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ وَفَاةٍ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَتُكَمِّلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا تُحِدُّ، وَلَهَا النَّفَقَةُ إنْ كَانَتْ حَامِلًا، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَذَكَرَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا هُنَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَاعْتُبِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادِ لَا يَلْزَمَانِ أُمَّ الْوَلَدِ وَفَاسِدَةَ النِّكَاحِ وَالْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ بِمَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَإِنْ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَقُلْنَا: لَا تَرِثُ احْتِيَاطًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَ) عِدَّةُ وَفَاةِ (حَامِلٍ بِوَضْعِهِ) أَيْ الْحَمْلِ (بِشَرْطِهِ السَّابِقِ) وَهُوَ انْفِصَالُ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ، وَإِمْكَانُ نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فَهُوَ مُقَيِّدٌ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {: لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَقَدْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
المتن: فَلَوْ مَاتَ صَبِيٌّ عَنْ حَامِلٍ فَبِالْأَشْهُرِ، وَكَذَا مَمْسُوحٌ إذْ لَا يَلْحَقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَلْحَقُ مَجْبُوبًا بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ بِهِ، وَكَذَا مَسْلُولٌ بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَا يَأْتِي هُنَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ: وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ كَالْبَائِنِ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ (فَلَوْ) (مَاتَ صَبِيٌّ) لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ (عَنْ حَامِلٍ) (فَبِالْأَشْهُرِ) تَعْتَدُّ لَا بِالْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ يَقِينًا لِعَدَمِ إنْزَالِهِ (وَكَذَا) لَوْ مَاتَ (مَمْسُوحٌ) وَهُوَ الْمَقْطُوعُ جَمِيعُ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ عَنْ حَامِلٍ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْوَضْعِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (إذْ لَا يَلْحَقُهُ) وَلَدٌ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ، فَإِنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ الَّذِي يَتَدَفَّقُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ وَلَمْ يُعْهَدْ لِمِثْلِهِ وِلَادَةٌ، وَقِيلَ: يَلْحَقُهُ، وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالْقَاضِيَانِ الْحُسَيْنُ وَأَبُو الطَّيِّبِ؛ لِأَنَّ مَعْدِنَ الْمَاءِ الصُّلْبِ، وَهُوَ يَنْفُذُ مِنْ ثُقْبِهِ إلَى الظَّاهِرِ وَهُمَا بَاقِيَانِ حُكِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ حَرْبَوَيْهِ قُلِّدَ قَضَاءَ مِصْرَ وَقَضَى بِهِ، فَحَمَلَهُ الْمَمْسُوحُ عَلَى كَتِفِهِ وَطَافَ بِهِ الْأَسْوَاقَ، وَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْقَاضِي يُلْحِقُ أَوْلَادَ الزِّنَا بِالْخُدَّامِ (وَيَلْحَقُ) الْوَلَدُ (مَجْبُوبًا) قُطِعَ جَمِيعُ ذَكَرِهِ، وَ (بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ) لِوَفَاتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ (بِهِ) أَيْ الْوَضْعِ كَالْفَحْلِ لِبَقَاءِ أَوْعِيَةِ الْمَنِيِّ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ الْمُحِيلَةِ لِلدَّمِ، وَالذَّكَرُ آلَةٌ تُوصِلُ الْمَاءَ إلَى الرَّحِمِ بِالْإِيلَاجِ، وَقَدْ يَصِلُ بِلَا إيلَاجٍ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: إنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا تَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ مَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ دُخُولٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ (وَكَذَا مَسْلُولٌ) خُصْيَتَاهُ وَ (بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ) يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فَتَنْقَضِي بِوَضْعِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ آلَةَ الْجِمَاعِ بَاقِيَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ قَدْ يُبَالِغُ فِي الْإِيلَاجِ فَيَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا، وَقِيلَ: يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا: يُولَدُ لِمِثْلِهِ لَحِقَهُ وَإِلَّا فَلَا
المتن: وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ أَوْ تَعْيِينٍ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ، وَكَذَا إنْ وَطِئَ وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ أَوْ أَقْرَاءٍ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ فَإِنْ كَانَ بَائِنًا اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الْمَوْتِ، وَالْأَقْرَاءُ مِنْ الطَّلَاقِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ) مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً كَقَوْلِهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَنَوَى مُعَيَّنَةً أَمْ لَا (وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ) لِلْمُعَيَّنَةِ (أَوْ تَعْيِينٍ) لِلْمُبْهَمَةِ (فَإِنْ كَانَ) قَبْلَ مَوْتِهِ (لَمْ يَطَأْ) وَاحِدَةً مِنْهُمَا (اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالطَّلَاقِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالْمَوْتِ (وَكَذَا إنْ وَطِئَ) كُلًّا مِنْهُمَا (وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ) فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ (أَوْ) هُمَا ذَوَاتَا (أَقْرَاءٍ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ) هُوَ قَيْدٌ فِي الْأَقْرَاءِ فَتَعْتَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا عِدَّةَ وَفَاةٍ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمَا إلَّا عِدَّةُ الطَّلَاقِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ، وَكَذَا ذَاتُ الْأَقْرَاءِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ أَيْضًا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَيْضًا، وَلَا يُلْتَفَتُ لِبَيَانِ الْوَارِثِ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ خِلَافَهُ (فَإِنْ كَانَ) الطَّلَاقُ (بَائِنًا) فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ (اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهَا بِعِدَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ تَأْتِيَ بِذَلِكَ لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ كَمَنْ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مِنْ صَلَاتَيْنِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا (وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الْمَوْتِ) تُحْسَبُ جَزْمًا (وَالْأَقْرَاءُ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ تُحْسَبُ (مِنْ الطَّلَاقِ) عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتُ الْوُجُوبِ، فَلَوْ مَضَى قَرْءٌ أَوْ قُرْءَانِ مِنْ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا الْأَقْصَى مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَمِنْ قَرْءٍ أَوْ قُرْأَيْنِ مِنْ أَقْرَائِهَا لِبَيْنُونَةِ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلَاقِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا إنَّمَا تُحْسَبُ مِنْ التَّعْيِينِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا يَئِسَ مِنْ التَّعْيِينِ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَتَقْتَصِرُ الْحَامِلُ مِنْهُمَا عَلَى الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالتَّقْدِيرَيْنِ، فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ اخْتِيَارٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَنْ تَعْتَدَّ بِأَكْثَرِ الْعِدَّتَيْنِ
المتن: وَمَنْ غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ، وَفِي الْقَدِيمِ تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ وَتَنْكِحُ، فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ قَاضٍ نُقِضَ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْمَفْقُودِ فَقَالَ (وَمَنْ غَابَ) عَنْ زَوْجَتِهِ أَوْ لَمْ يَغِبْ عَنْهَا، بَلْ فُقِدَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، أَوْ انْكَسَرَتْ بِهِ سَفِينَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ (لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ) لِغَيْرِهِ (حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ) أَوْ يَثْبُتَ بِمَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ (أَوْ) يُتَيَقَّنَ (طَلَاقُهُ) عَلَى الْجَدِيدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ وَلَا تَنْكِحْ حَتَّى يَأْتِيَهَا " يَعْنِي مَوْتَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ نَقُولُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ مَا ذُكِرَ بِعَدْلَيْنِ كَفَى وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّهَادَاتِ الِاكْتِفَاءُ فِي الْمَوْتِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مَعَ عَدَمِ إفَادَتِهَا الْيَقِينَ، وَلَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً بِمَوْتِ زَوْجِهَا حَلَّ لَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَدِيدِ هُنَا وَقَيَّدَاهُ فِي الْفَرَائِضِ بِمَا إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا قَالَا: فَإِنْ مَضَتْ فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهَا التَّزْوِيجَ كَمَا يُقَسَّمُ مَالُهُ قَطْعًا، وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (وَفِي الْقَدِيمِ تَرَبَّصُ) بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تَتَرَبَّصُ زَوْجَةُ الْغَائِبِ الْمَذْكُورِ (أَرْبَعَ سِنِينَ) مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ (ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرِ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ (وَتَنْكِحُ) غَيْرَهُ لِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجَ مِنْ النِّكَاحِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ هُنَا حَاصِلٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَرْبَعِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ قَاضٍ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي وَإِذَا ضَرَبَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَالِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ بِوَفَاتِهِ وَبِحُصُولِ الْفُرْقَةِ، وَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَفَسْخِهِ بِالْعُنَّةِ أَوْ بَاطِنًا فَقَطْ؟ وَجْهَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا - وَتَرَكَ بَيَاضًا وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا - قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ نُفُوذِهِ ظَاهِرًا فَقَطْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُسْتَوْلَدَة كَالزَّوْجَةِ، وَأَنَّ الزَّوْجَةَ الْمُنْقَطِعَةَ الْخَبَرُ كَالزَّوْجِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا (فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ) أَيْ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ وُجُوبِ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَمِنْ الْحُكْمِ بِوَفَاتِهِ وَبِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (قَاضٍ نُقِضَ) حُكْمُهُ (عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ) لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِوَفَاتِهِ فِي قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ قَطْعًا، وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فُرْقَةِ النِّكَاحِ قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ: رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: إنْ حَكَمَ بِهِ قَاضٍ نُقِضَ قَضَاؤُهُ إنْ بَانَ لَهُ أَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ لَا يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ، وَالثَّانِي: لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ نَفَذَ فِي الزَّوْجَةِ طَلَاقُ الْمَفْقُودِ وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِ الزَّوْجِ فِي زَوْجَتِهِ لِلْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ أَمْ بَعْدَهَا، وَيَسْقُطُ بِنِكَاحِهَا غَيْرَهُ نَفَقَتُهَا عَنْ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَيَسْتَمِرُّ السُّقُوطُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمَفْقُودُ عَوْدَهَا إلَى طَاعَتِهِ وَأَنَّهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَاعْتَدَّتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ إنَّمَا يَزُولُ حِينَئِذٍ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي، إذْ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إلَّا فِيمَا أَنْفَقَهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ (وَلَوْ نَكَحَتْ) زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ (بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَ) بَعْدَ (الْعِدَّةِ) وَقَبْلَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ (فَبَانَ) الزَّوْجُ (مَيِّتًا) وَقْتَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ (صَحَّ) نِكَاحُهَا (عَلَى الْجَدِيدِ) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِفَقْدِ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ حَالَ الْعَقْدِ، وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُرْتَابَةِ إذَا حَصَلَتْ الرِّيبَةُ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ نَكَحَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْرَاءِ مَعَ بَقَاءِ الرِّيبَةِ وَإِنْ بَانَ أَنَّ النِّكَاحَ صَادَفَ الْبَيْنُونَةَ، وَأَيْضًا فَقَدْ جَعَلُوا الشَّكَّ فِي حَالِ الْمَنْكُوحَةِ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَمَّا اسْتَنَدَ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ خَفَّ أَمْرُهُ أَمَّا إذَا بَانَ حَيًّا بَعْدَ أَنْ نَكَحَتْ فَالزَّوْجُ الْأَوَّلُ بَاقٍ عَلَى زَوْجِيَّتِهِ، لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ الثَّانِي، وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمَفْقُودُ لَحِقَ بِالثَّانِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِتَحَقُّقِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْمَفْقُودِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ يَلْحَقْ بِالْمَفْقُودِ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ وَادَّعَاهُ لَمْ يُعْرَضْ عَلَى الْقَائِفِ حَتَّى يَدَّعِيَ وَطْئًا مُمْكِنًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الدَّعْوَى بِهِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ غَيْرَ اللِّبَإِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَةً غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، وَإِذَا جَازَ لَهُ الْمَنْعُ وَمَنَعَهَا فَخَالَفَتْ وَأَرْضَعَتْهُ فِي مَنْزِلِ الْمَفْقُودِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ وَلَا وَقَعَ خَلَلٌ فِي التَّمْكِينِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَتْ
المتن: وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ، لَا رَجْعِيَّةٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِبَائِنٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، وَهُوَ تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ وَإِنْ خَشُنَ، وَقِيلَ يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ، وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ، وَكَذَا إبْرَيْسَمٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ، وَيَحْرُمُ حُلِيُّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَكَذَا لُؤْلُؤٌ فِي الْأَصَحِّ، وَطِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَطَعَامٍ وَكُحْلٍ، وَاكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ، وَإِسْفِيذَاجٍ وَدُمَامٍ، وَخِضَابِ حِنَّاءٍ، وَنَحْوِهِ، وَيَحِلُّ تَجْمِيلُ فِرَاشٍ وَأَثَاثٍ، وَتَنْظِيفٌ بِغَسْلِ نَحْوِ رَأْسٍ وَقَلْمٍ وَإِزَالَةِ وَسَخٍ قُلْت: وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ وَحَمَّامٌ إنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ تَرَكَتْ الْإِحْدَادَ عَصَتْ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ فَارَقَتْ الْمَسْكَنَ، وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَانَتْ مُنْقَضِيَةً، وَلَهَا إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْإِحْدَادِ فَقَالَ (وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ) الْآتِي بَيَانُهُ (عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْأَئِمَّةُ قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى زَوْجٍ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ، وَظَاهِرُهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا الْجَوَازَ، لَكِنْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْوُجُوبَ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْوَاجِبَ مِنْ الْحَرَامِ ا هـ. وَنُقِضَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ فِي الشَّامِلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ. تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِإِيمَانِ الْمَرْأَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِمَّنْ لَهَا أَمَانٌ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ، وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَائِلِ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَتُحِدُّ مُدَّةَ بَقَاءِ حَمْلِهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ، وَعَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ مَنْعُهُمَا مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ غَيْرُهُمَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِشُمُولِهِ فَرْعًا حَسَنًا، وَهُوَ مَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِشُبْهَةٍ وَقُلْنَا: إنَّهَا تَعْتَدُّ عَنْهُ ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِلْوَفَاةِ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يُومِئُ إلَيْهِ (لَا) زَوْجَةٍ مُعْتَدَّةٍ (رَجْعِيَّةٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَكْثَرِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فِيهَا، وَيُسَنُّ لَهَا الْإِحْدَادُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ أَنَّ الْأَوْلَى لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إلَى رَجْعَتِهَا، وَضَعُفَ هَذَا بِاحْتِمَالِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْفَرَحِ بِفِرَاقِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَنْ تَرْجُو عَوْدَهُ (وَيُسْتَحَبُّ) الْإِحْدَادُ (لِبَائِنٍ) بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لِئَلَّا تَدْعُوَ الزِّينَةُ إلَى الْفَسَادِ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَيْضًا (يَجِبُ) الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِجَامِعِ الِاعْتِدَادِ عَنْ نِكَاحٍ، وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّهَا إنْ فُورِقَتْ بِطَلَاقٍ فَهِيَ مَجْفُوَّةٌ بِهِ، أَوْ بِفَسْخٍ فَالْفَسْخُ مِنْهَا، أَوْ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يَلِيقُ بِهَا فِيهِمَا إيجَابُ الْإِحْدَادِ، بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَخَرَجَ بِالزَّوْجَةِ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ، وَبِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُسَنُّ لَهُنَّ الْإِحْدَادُ كَمَا مَرَّ (وَهُوَ) أَيْ الْإِحْدَادُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنْ أَحَدَّ، وَيُقَالُ فِيهِ: الْحِدَادُ مِنْ حَدَّ: لُغَةً: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمُحِدَّةَ تَمْنَعُ نَفْسَهَا مِمَّا سَيَأْتِي، وَقِيلَ بِالْجِيمِ مِنْ جَدَّدْت الشَّيْءَ قَطَعْته، فَكَأَنَّهَا انْقَطَعَتْ عَنْ الزِّينَةِ، وَشَرْعًا (تَرْكُ لُبْسٍ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ {الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ} تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ لِزِينَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَصْبُوغٍ أَيْ إنْ كَانَ الْمَصْبُوغُ مِمَّا يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ، وَكَذَا الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ الصَّافِيَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُعَصْفَرَ وَالْمُمَشَّقَةَ، وَهِيَ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِهَا، وَيُقَالُ: طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا، وَلَوْ أَرَادَ مُطْلَقَ الصِّبْغِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَائِدَةٌ، وَنَعَتَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ خَشُنَ) أَيْ الْمَصْبُوغُ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَوَازِ (وَقِيلَ: يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ) كَالْبُرُودِ لِخَبَرِ {لَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ} وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُعْصَبُ غَزْلُهُ أَيْ يُجْمَعُ، ثُمَّ يُشَدُّ، ثُمَّ يُصْبَغُ مَعْصُوبًا، ثُمَّ يُنْسَجُ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ " وَلَا ثَوْبَ عَصْبٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مَكَانَ " إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ "، " إلَّا مَغْسُولًا " فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ، أَوْ يُؤَوَّلُ بِالصِّبْغِ الَّذِي لَا يَحْرُمُ كَالْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُصْبَغُ قَبْلَ النَّسْجِ أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي يُصْبَغُ بَعْدَهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُصْبَغُ قَبْلَ النَّسْجِ إلَّا الرَّفِيعُ (وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ) وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ الْخِلْقِيُّ وَكَانَ نَفِيسًا؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ بِالْمَصْبُوغِ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَصْبُوغِ مُبَاحٌ، وَلِأَنَّ نَفَاسَتَهَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا مِنْ زِينَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُغَيِّرَ لَوْنَهَا بِسَوَادٍ وَنَحْوِهِ (وَكَذَا) يُبَاحُ لَهَا (إبْرَيْسَمٌ) أَيْ حَرِيرٌ لَمْ يُصْبَغْ (فِي الْأَصَحِّ) إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ زِينَةٌ كَالْكَتَّانِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ تَزْيِينٌ، وَلَهَا لُبْسُ الْخَزِّ قَطْعًا لِاسْتِتَارِ الْإِبْرَيْسَمِ فِيهِ بِالصُّوفِ وَنَحْوِهِ (وَ) يُبَاحُ (مَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ) كَالْأَسْوَدِ، وَكَذَا الْأَزْرَقُ وَالْأَخْضَرُ الْمُشَبَّعَانِ الْمُكَدَّرَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ، بَلْ لِنَحْوِ حَمْلِ وَسَخٍ أَوْ مُصِيبَةٍ. تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا صُبِغَ لِزِينَةٍ يَحْرُمُ، وَمَا صُبِغَ لَا لِزِينَةٍ كَالْأَسْوَدِ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الزِّينَةِ عَنْهُ، فَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ، فَإِنْ كَانَ بَرَّاقًا صَافِيَ اللَّوْنِ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ، أَوْ كَدِرًا أَوْ مُشَبَّعًا، أَوْ أَكْهَبَ بِأَنْ يَضْرِبَ إلَى الْغُبْرَةِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّعَ مِنْ الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ، وَمِنْ الْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْكُحْلِيَّ، وَمِنْ الْأَكْهَبِ يُقَارِبُهُمَا (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهَا الطِّرَازُ عَلَى الثَّوْبِ إنْ كَبُرَ وَأَمَّا إنْ صَغُرَ، فَإِنْ رُكِّبَ عَلَى الثَّوْبِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ نُسِجَ مَعَ الثَّوْبِ فَلَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا (حَلْيُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ كَبِيرًا كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارِ أَوْ صَغِيرًا كَالْخَاتَمِ وَالْقُرْطِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْحَلْيَ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَخْتَضِبُ} وَالْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ جَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْمُفْرَدُ، وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي حُسْنِهَا كَمَا قِيلَ: وَمَا الْحَلْيُ إلَّا زِينَةٌ لِنَقِيصَةٍ يُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصَّرَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفَّرًا كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُزَوَّرَا تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ تَحْرِيمَ الْحَلْيِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ لَيْلٍ وَنَهَارٍ، وَاَلَّذِي فِي الشُّرُوحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُهُ لَيْلًا لِحَاجَةٍ كَالْإِحْرَازِ لَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ الْمَصْبُوغُ يَحْرُمُ لَيْلًا، فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ الْحَلْيِ، وَأَمَّا لُبْسُهُ نَهَارًا فَحَرَامٌ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِحْرَازِهِ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالتَّقْيِيدُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُفْهِمُ جَوَازَ التَّحَلِّي بِغَيْرِهِمَا كَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إنْ تَعَوَّدَ قَوْمُهَا التَّحَلِّيَ بِهِمَا، أَوْ أَشْبَهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِتَأَمُّلٍ أَوْ مُوِّهَا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالتَّمْوِيهُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَيْ مِمَّا يَحْرُمُ تَزَيُّنُهَا بِهِ كَالتَّمْوِيهِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِهِمَا اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ (وَكَذَا لُؤْلُؤٌ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا التَّزَيُّنُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الزِّينَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ قَالَ تَعَالَى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} وَتَرَدَّدَ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ، فَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهَ لِلْأَصْحَابِ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (طِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ {كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَأَنْ نَكْتَحِلَ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ، وَأَنْ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا} (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا اسْتِعْمَالُهَا الطِّيبَ (فِي طَعَامٍ وَكُحْلٍ) غَيْرِ مُحَرَّمٍ قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ، وَضَابِطُ الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهَا كُلُّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، لَكِنْ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ الْكَائِنِ مَعَهَا حَالَ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا فِي اسْتِعْمَالِهِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى اسْتِعْمَالَهَا عِنْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ، وَكَذَا مِنْ النِّفَاسِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَلِيلًا مِنْ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ، وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْبَخُورِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ فِي مُسْلِمٍ، وَلَوْ احْتَاجَتْ إلَى تَطَيُّبٍ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قِيَاسًا عَلَى الِاكْتِحَالِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا دَهْنُ شُعُورِ رَأْسِهَا وَلِحْيَتِهَا إنْ كَانَ لَهَا لِحْيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ بِخِلَافِ دَهْنِ سَائِرِ الْبَدَنِ وَ (اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ: حَجَرٌ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْكُحْلُ الْأَسْوَدُ، وَيُسَمَّى بِالْأَصْبَهَانِيِّ، وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَارِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَزِينَةً لِلْعَيْنِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلسَّوْدَاءِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ الْكُحْلِ الْأَبْيَضِ كَالتُّوتْيَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ لَا زِينَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ يُوهِمُ جَوَازَ الْأَصْفَرِ وَهُوَ الصَّبْغُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْبَاءِ وَبِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى السَّوْدَاءِ وَكَذَا عَلَى الْبَيْضَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يُحَسِّنُ الْعَيْنَ (إلَّا) اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ أَوْ صَبْرٍ (لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ) فَيَجُوزُ لَهَا لِلضَّرُورَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ حَادَّةٌ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنِهَا صَبْرًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ هُوَ صَبْرٌ لَا طِيبَ فِيهِ، فَقَالَ: إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ أَيْ يُوقِدُهُ وَيُحَسِّنُهُ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلَّا لَيْلًا وَامْسَحِيهِ نَهَارًا} وَحَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ لَيْلًا فَأَذِنَ لَهَا فِيهِ لَيْلًا بَيَانًا لِلْجَوَازِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ {جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا؟ قَالَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا} فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْخَوْفَ عَلَى عَيْنِهَا، أَوْ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِدُونِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ زَادَهَا عَبْدُ الْحَقِّ {إنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا، قَالَ: لَا وَإِنْ انْفَقَأَتْ}. وَأُجِيبَ عَنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ انْفَقَأَتْ عَيْنُهَا فِي زَعْمِكِ لِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْفَقِئُ، وَإِذْ قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِهِ خَصَّهُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَعَمْ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ نَهَارًا أَيْضًا جَازَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازَ عَلَى ذَلِكَ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (إسْفِيذَاجٌ) لِأَنَّهُ يُزَيَّنُ بِهِ الْوَجْهُ، وَهُوَ بِفَاءٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَا يُتَّخَذُ مِنْ رَصَاصٍ يُطْلَى بِهِ الْوَجْهُ لِيُبَيِّضَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ لَفْظٌ مُوَلَّدٌ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (دُمَامٌ) لِأَنَّهُ يُزَيَّنُ بِهِ الْوَجْهُ أَيْضًا، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، وَضَبَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّهِ بِالضَّمِّ فَقَطْ الْمُسَمَّى بِالْحُمْرَةِ الَّتِي يُوَرَّدُ بِهَا الْخَدُّ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا طَلْيُ الْوَجْهِ بِالصَّبْرِ؛ لِأَنَّهُ يُصَفِّرُ الْوَجْهَ فَهُوَ كَالْخِضَابِ (وَ) يَحْرُمُ (خِضَابُ حِنَّاءٍ) وَهُوَ مُذَكَّرٌ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، وَاحِدُهُ حِنَّاةٌ (وَنَحْوُهُ) أَيْ الْحِنَّاءِ كَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ أَيْ الْخِضَابُ بِذَلِكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ تَكُونُ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، لَا فِيمَا تَحْتَ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّبْرِ لَيْلًا لِخَفَائِهِ عَلَى الْأَبْصَارِ فَكَذَا مَا أَخْفَاهُ ثِيَابُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَالِيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهَا كَالْخِضَابِ، وَيَحْرُمُ تَطْرِيفُ أَصَابِعِهَا وَتَصْفِيفُ شَعْرِ طُرَّتِهَا وَتَجْعِيدُ شَعْرِ صُدْغَيْهَا وَحَشْوُ حَاجِبَيْهَا بِالْكُحْلِ وَتَدْقِيقُهُ بِالْحَفِّ (وَيَحِلُّ) لَهَا (تَجْمِيلُ فِرَاشٍ) وَهُوَ مَا تَرْقُدُ أَوْ تَقْعُدُ عَلَيْهِ مِنْ نَطْعٍ وَمَرْتَبَةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا (وَ) تَجْمِيلُ (أَثَاثٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَبِمُثَلَّثَتَيْنِ: مَتَاعُ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي الْبَدَنِ لَا فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْغِطَاءُ فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَنَّهُ كَالثِّيَابِ لَيْلًا نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِالنَّهَارِ (وَ) يَحِلُّ لَهَا (تَنْظِيفُ بِغَسْلِ نَحْوِ رَأْسٍ وَقَلْمٍ) لِأَظْفَارٍ وَاسْتِحْدَادٍ وَنَتْفِ شَعْرِ إبِطٍ (وَإِزَالَةِ وَسَخٍ) وَلَوْ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ: أَيْ الدَّاعِيَةِ إلَى الْوَطْءِ فَلَا يُنَافِي اسْمَهَا عَلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا إزَالَةُ الشَّعْرِ الْمُتَضَمِّنِ زِينَةً: كَأَخْذِ مَا حَوْلَ الْحَاجِبَيْنِ وَأَعْلَى الْجَبْهَةِ فَتُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَلْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ وَأَمَّا إزَالَةُ شَعْرِ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ يَنْبُتُ لَهَا فَتُسَنُّ إزَالَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمَرَّ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِابْنِ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ بِالْحُرْمَةِ (قُلْت: وَيَحِلُّ) لَهَا (امْتِشَاطٌ) بِلَا تَرَجُّلٍ بِدُهْنٍ وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ لِلنَّصِّ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَحُمِلَ حَدِيثُ " وَلَا تَمْشُطُ " عَلَى تَمْشُطُ بِطِيبٍ وَنَحْوِهِ (وَ) يَحِلُّ لَهَا (حَمَّامٌ) بِنَاءً عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ دُخُولِهَا لَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِقَيْدٍ حَسَنٍ مَحْذُوفٍ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ قَوْلُ (إنْ لَمْ يَكُنْ) فِيهِ (خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ) فَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ (وَلَوْ تَرَكَتْ) الْمُحِدَّةُ الْمُكَلَّفَةُ (الْإِحْدَادَ) الْوَاجِبَ عَلَيْهَا كُلَّ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْضَهَا (عَصَتْ) إنْ عَلِمَتْ حُرْمَةَ التَّرْكِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي كَتَرْكِهَا الْوَاجِبَ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ فَيَعْصِي وَلِيُّهَا إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا (وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ) مَعَ الْعِصْيَانِ، وَهَذَا (كَمَا لَوْ فَارَقَتْ الْمُعْتَدَّةُ) الْمُحِدَّةُ أَوْ غَيْرُهَا بِلَا عُذْرٍ (الْمَسْكَنَ) الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا مُلَازَمَتُهُ بِلَا عُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهَا تَعْصِي وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي انْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ) أَيْ مَوْتُ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقُهُ (بَعْدَ الْمُدَّةِ) لِلْعِدَّةِ (كَانَتْ مُنْقَضِيَةً) وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا لِمَا مَرَّ (وَلَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ) مِنْ الْمَوْتَى (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَأَقَلَّ (وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ) عَلَيْهَا بِقَصْدِ الْإِحْدَادِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَوْ تَرَكَتْ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الشِّقَاقِ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلِأَنَّ فِي تَعَاطِيهِ إظْهَارَ عَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَالْأَلْيَقُ بِهَا التَّقَنُّعُ بِجِلْبَابِ الصَّبْرِ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا لِحَبْسِهَا عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ قَدْ لَا تَسْتَطِيعُ فِيهَا الصَّبْرَ، وَلِذَلِكَ تُسَنُّ فِيهَا التَّعْزِيَةُ وَبَعْدَهَا تَنْكَسِرُ أَعْلَامُ الْحُزْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ الزَّوْجِ الْقَرِيبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي، فَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ الْإِحْدَادُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَصْلًا وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَ الْغَزِّيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّدِيقَ كَالْقَرِيبِ، وَكَذَا الْعَالِمُ وَالصَّالِحُ وَضَابِطُهُ مَنْ يَحْصُلُ بِمَوْتِهِ حُزْنٌ، فَكُلُّ مَنْ حَزِنَتْ بِمَوْتِهِ لَهَا أَنْ تُحِدَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ ا هـ. ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَحَمْلُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ الْإِحْدَادُ عَلَى قَرِيبهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ التَّحَزُّنَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ مَنَعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلنِّسَاءِ لِنَقْصِ عَقْلِهِنَّ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الصَّبْرِ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى النِّسَاءِ الْإِحْدَادَ دُونَ الرِّجَالِ
المتن: تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٍ، إلَّا نَاشِزَةً
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَمُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَ فِرَاقِهَا (تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ) حَائِلٍ أَوْ حَامِلٍ (وَلَوْ بَائِنٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ، وَالْأَوْلَى نَصْبُهُ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَلَوْ هِيَ بَائِنٌ وَيَسْتَمِرُّ سُكْنَاهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} أَيْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ وَأَضَافَهَا إلَيْهِنَّ لِلسُّكْنَى، إذْ لَوْ كَانَتْ إضَافَةُ مِلْكٍ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْمُطَلَّقَاتِ، وَلَوْ أُسْقِطَتْ مُؤْنَةُ الْمَسْكَنِ عَنْ الزَّوْجِ لَمْ تَسْقُطْ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ عَنْ طَلَاقٍ أَنَّهُ لَا سُكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا لِأُمِّ وَلَدٍ إنْ أُعْتِقَتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْمُعْتَدَّةِ قَوْلَهُ (إلَّا نَاشِزَةً) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طَلَاقِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، أَمْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهَا لَا سُكْنَى لَهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ عَادَ حَقُّ السُّكْنَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَتِهِ، وَإِلَّا صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ فَإِنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَالَةَ النِّكَاحِ، وَالْأَمَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا كَالْمُسْلِمَةِ لَيْلًا فَقَطْ أَوْ نَهَارًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي فَصْلِ نِكَاحِ الْعَبْدِ وَإِلَّا مَنْ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِقَوْلِهَا بِأَنْ طَلُقَتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالْإِصَابَةِ وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَإِنْ قِيلَ: لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ الصَّغِيرَةِ مِنْ ذَلِكَ، إذْ الْكَلَامُ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ، وَالصَّغِيرَةُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِاسْتِدْخَالِهَا مَاءَ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بُعْدٌ
المتن: وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الْأَظْهَرِ
الشَّرْحُ: (وَ) يَجِبُ السُّكْنَى أَيْضًا (لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الْأَظْهَرِ) {لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرَيْعَةَ بِضَمِّ الْفَاءِ، بِنْتَ مَالِكٍ أُخْتَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَمَّا قُتِلَ زَوْجُهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، فَاعْتَدَّتْ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي: لَا سُكْنَى لَهَا كَمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّكْنَى لِصِيَانَةِ مَائِهِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ الْوَفَاةِ، كَالْحَيَاةِ، وَالنَّفَقَةَ لِسَلْطَنَتِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَبِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا فَسَقَطَتْ إلَى الْمِيرَاثِ، وَالسُّكْنَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَسْقُطْ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ رَجْعِيًّا وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْهَا بِالطَّلَاقِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ حَكَى الْجُرْجَانِيِّ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ يَأْتِي إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ
المتن: وَفَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتُسَكَّنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ قُلْت: وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَكَذَا بَائِنٌ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا لَيْلًا إلَى دَارِ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا
الشَّرْحُ: (وَ) يَجِبُ أَيْضًا لِمُعْتَدَّةٍ (فَسْخٌ) بِعَيْبٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ رَضَاعٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِفُرْقَةٍ فِي الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ اسْتِثْنَاءِ النَّاشِزَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الْفَسْخِ مَعَ أَنَّ حُكْمَهَا كَالنَّاشِزَةِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي فِيمَنْ مَاتَ عَنْهَا نَاشِزًا، فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: إلَّا نَاشِزَةً إلَى هُنَا لَشَمِلَ ذَلِكَ، وَشَمِلَ إطْلَاقَهُ الْمُلَاعَنَةَ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ قَطْعًا، وَحَيْثُ لَا تَجِبُ السُّكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ فَلِلزَّوْجِ إسْكَانُهَا حِفْظًا لِمَائِهِ، وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَعَلَيْهَا الْإِجَابَةُ، وَحَيْثُ لَا تَرِكَةَ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَجِبْ إسْكَانُهَا، فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالسُّكْنَى لَزِمَتْهَا الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي صَوْنِ مَاءِ مُوَرِّثِهِ، وَغَيْرُ الْوَارِثِ كَالْوَارِثِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي عَدَمُ اللُّزُومِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِوَفَاءِ دَيْنِ مَيِّتٍ أَوْ مُفْلِسٍ لَمْ يَلْزَمْ الدَّائِنَ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْوَارِثِ، وَبِأَنَّ اللُّزُومَ فِيهِ تَحَمُّلٌ مِنْهُ مَعَ كَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ لَا غَرَضَ لَهُ صَحِيحٌ فِي صَوْنِ مَاءِ الْمَيِّتِ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُلَازَمَةَ الْمُعْتَدَّةِ لِلْمَسْكَنِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا بَدَلَ لَهُ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَبُولُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُهُ، وَبِأَنَّ حِفْظَ مَاءِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ التَّبَرُّعُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ سُنَّ لِلْإِمَامِ حَيْثُ لَا تَرِكَةَ إسْكَانُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ مُتَّهَمَةً بِرِيبَةٍ وَإِنْ لَمْ يُسْكِنْهَا أَحَدٌ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ (وَ) إذَا وَجَبَتْ السُّكْنَى فَإِنَّمَا (تُسَكَّنُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ: أَيْ الْمُعْتَدَّةُ حَتْمًا (فِي مَسْكَنٍ) مُسْتَحَقٍّ لِلزَّوْجِ لَائِقٍ بِهَا (كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ فُرَيْعَةَ السَّابِقَيْنِ (وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ) مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحَقُّ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالتَّرَاضِي - بِالضَّادِ -، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الرَّجْعِيَّةَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ، وَفِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا فَضْلًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَيْسَتْ كَالزَّوْجَاتِ (قُلْت: وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) وَعِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ (وَكَذَا بَائِنٌ) وَمَفْسُوخٍ نِكَاحُهَا، وَضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَقْضِيهَا حَاجَتَهَا لَهَا الْخُرُوجُ (فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ) وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ (وَ) بَيْعِ (غَزْلٍ وَنَحْوِهِ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ {وَلِقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلَاثًا، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلًا لَهَا، فَنَهَاهَا رَجُلٌ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: اُخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ وَلَعَلَّكِ أَنْ تَتَصَدَّقِي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَنَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، وَالْجِدَادُ لَا يَكُونُ إلَّا نَهَارًا أَيْ غَالِبًا، أَمَّا مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ رَجْعِيَّةٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ أَوْ بَائِنٍ أَوْ حَامِلٍ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ ضَرُورَةٍ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُنَّ مَكْفِيَّاتٌ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ (وَكَذَا) لَهَا الْخُرُوجُ لِذَلِكَ (لَيْلًا) إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا نَهَارًا وَكَذَا (إلَى دَارِ جَارَةٍ) لَهَا (لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا) لِلتَّأَنُّسِ لَكِنْ (بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا {: أَنَّ رِجَالًا اُسْتُشْهِدُوا بِأُحُدٍ فَقَالَتْ نِسَاؤُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فِي بُيُوتِنَا فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا فَأَذِنَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ النَّوْمِ تَأْوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى بَيْتِهَا} تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ: كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، إذَا أَمِنَتْ الْخُرُوجَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يُؤْنِسُهَا، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَوْ يَعْلَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ " وَهَذَا فِي زَمَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ وَقْتِ الرُّجُوعِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ
المتن: وَتَنْتَقِلُ مِنْ الْمَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ، أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الشَّرْحُ: (وَتَنْتَقِلُ) الْمُعْتَدَّةُ (مِنْ الْمَسْكَنِ) الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لِعُذْرٍ، وَذَلِكَ (لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ) عَلَى مَالِهَا أَوْ وَلَدِهَا (أَوْ) لِخَوْفٍ (عَلَى نَفْسِهَا) تَلَفًا أَوْ فَاحِشَةً لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد {عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ فِي مَكَان وَحْشٍ مُخِيفٍ فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} أَيْ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ (أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، قَوْله تَعَالَى {: إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} بِالْبَذَاءَةِ عَلَى الْأَحْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ {أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ كَانَتْ تَبْدُو عَلَى أَحْمَائِهَا فَنَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ} وَوَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَعُدَّ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الِانْتِقَالَ عِنْدَ هَذِهِ الضَّرُورَاتِ وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهَا تَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: الَّذِي أَوْرَدَهُ الْجُمْهُورُ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْكَنِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الزَّوْجَ يُحَصِّنُهَا حَيْثُ رَضِيَ لَا حَيْثُ شَاءَتْ، وَتَقْيِيدُهُ الْأَذَى بِالشَّدِيدِ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ تَأَذَّتْ بِهِمْ قَلِيلًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَمِنْ الْجِيرَانِ الْأَحْمَاءُ وَهُمْ أَقَارِبُ الزَّوْجِ، نَعَمْ إنْ اشْتَدَّ أَذَاهَا بِهِمْ أَوْ عَكْسُهُ وَكَانَتْ الدَّارُ ضَيِّقَةً نَقَلَهُمْ الزَّوْجُ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْهُ لِاسْتِطَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَنْتَقِلُونَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَبَذَتْ عَلَيْهِمْ نَقَلُوا دُونَهَا لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِدَارِ أَبَوَيْهَا: كَذَا قَالَاهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَوْلَى نَقْلُهُمْ دُونَهَا وَهُوَ حَسَنٌ، وَخَرَجَ بِالْجِيرَانِ مَا لَوْ طَلُقَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَتَأَذَّتْ بِهِمْ أَوْ هُمْ بِهَا فَلَا نَقْلَ؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ لَا تَطُولُ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْتِقَالُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ لَوْ لَزِمَهَا حَدٌّ أَوْ يَمِينٌ فِي دَعْوَى وَهِيَ بَرْزَةٌ خَرَجَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً حُدَّتْ وَحُلِّفَتْ فِي مَسْكَنِهَا بِأَنْ يَحْضُرَ إلَيْهَا الْحَاكِمُ أَوْ يَبْعَثَ إلَيْهَا نَائِبَهُ، وَلَوْ لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ هَاجَرَتْ مِنْهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ فَلَا تُهَاجِرُ حَتَّى تَعْتَدَّ، أَوْ زَنَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَهِيَ بِكْرٌ غُرِّبَتْ، وَلَا يُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَيُخَالِفُ هَذَا تَأْخِيرَ الْحَدِّ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْحَدِّ وَيُعِينَانِ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْعِدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْحَدِّ وَلَا تُعْذَرُ فِي الْخُرُوجِ لِتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَتَعْجِيلِ حَجَّةِ إسْلَامٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَغْرَاضِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الزِّيَادَاتِ دُونَ الْمُهِمَّاتِ
المتن: وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ فَفِي الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ ثُمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَلَوْ أَذِنَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ، أَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ وَالْمُضِيُّ، فَإِنْ مَضَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ) فِي الْبَلَدِ (بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ) فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ الْمُهِمَّاتِ (قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى مَسْكَنٍ) فِي الْبَلَدِ (بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ) فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ مَوْتٍ (قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ) أَيْ الْمَسْكَنِ (اعْتَدَّتْ فِيهِ) لَا فِي الْأَوَّلِ (عَلَى النَّصِّ) فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْمُقَامِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ تَعْتَدُّ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ وَقْتَ الْفِرَاقِ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ تَتَخَيَّرُ لِتَعَلُّقِهَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بَعْدَ وُصُولِهَا فِيهِ فَتَعْتَدُّ فِيهِ جَزْمًا تَنْبِيهٌ: الْعِبْرَةُ فِي النُّقْلَةِ بِبَدَنِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْقُلْ الْأَمْتِعَةَ وَالْخَدَمَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ عَادَتْ لِنَقْلِ مَتَاعِهَا أَوْ خَدَمِهَا فَطَلَّقَهَا فِيهِ اعْتَدَّتْ فِي الثَّانِي (أَوْ) كَانَ انْتِقَالُهَا مِنْ الْأَوَّلِ (بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَلَوْ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الْمُقَامِ فِيهِ (فَفِي الْأَوَّلِ) تَعْتَدُّ لِعِصْيَانِهَا بِذَلِكَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِالْمُقَامِ فِيهِ كَانَ كَالنُّقْلَةِ بِإِذْنِهِ (وَكَذَا) تَعْتَدُّ أَيْضًا فِي الْأَوَّلِ وَ (لَوْ أَذِنَ) لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ (ثُمَّ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا الْعِدَّةُ (قَبْلَ الْخُرُوجِ) مِنْهُ وَإِنْ بَعَثَتْ أَمْتِعَتَهَا وَخَدَمَهَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمَنْزِلُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ (وَلَوْ أَذِنَ) لَهَا (فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ) فِيمَا ذُكِرَ (أَوْ) أَذِنَ لَهَا (فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ) عُمْرَةٍ وَ (تِجَارَةٍ) أَوْ اسْتِحْلَالِ مَظْلَمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَدِّ آبِقٍ وَالسَّفَرِ لِحَاجَتِهَا (ثُمَّ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا الْعِدَّةُ (فِي) أَثْنَاءِ (الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ) إلَى الْأَوَّلِ (وَالْمُضِيُّ) فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ فِي قَطْعِهَا عَنْ السَّفَرِ مَشَقَّةٌ، لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَتْ عَنْ الْبَلَدِ وَخَافَتْ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الرُّجُوعُ وَالْعَوْدُ إلَى الْمَنْزِلِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّاهُ، وَهِيَ فِي سَيْرِهَا مُعْتَدَّةٌ، وَخَرَجَ بِالطَّرِيقِ مَا لَوْ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ فَلَا تَخْرُجُ قَطْعًا، وَمَا لَوْ وَجَبَتْ فِيهِ وَلَمْ تُفَارِقْ عُمْرَانَ الْبُلْدَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَوْدُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْرَعْ فِي السَّفَرِ (فَإِنْ) لَمْ تَرْجِعْ فِيمَا إذَا خُيِّرَتْ وَ (مَضَتْ) لِمَقْصَدِهَا أَوْ بَلَغَتْهُ (أَقَامَتْ) فِيهِ (لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَمَلًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ زَادَتْ إقَامَتُهَا عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ، وَأَفْهَمَ أَنَّ الْحَاجَةَ إذَا انْقَضَتْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا اسْتِكْمَالُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ اسْتِكْمَالَهَا (ثُمَّ يَجِبُ) عَلَيْهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهَا (الرُّجُوعُ) فِي الْحَالِ (لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ) مِنْ الْعِدَّةِ (فِي الْمَسْكَنِ) الَّذِي فَارَقَتْهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَمْضِ اعْتَدَّتْ الْبَقِيَّةَ فِي مَسْكَنِهَا تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ، يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَوَقَّعْ بُلُوغَ الْمَسْكَنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فِي الطَّرِيقِ أَنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا وَعَوْدَهَا مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِ، أَمَّا إذَا سَافَرَتْ لِنُزْهَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ سَافَرَ بِهَا الزَّوْجُ لِحَاجَتِهِ فَلَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ ثُمَّ تَعُودُ، فَإِنْ قَدَّرَ لَهَا مُدَّةً فِي نُقْلَةٍ أَوْ سَفَرِ حَاجَةٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَاعْتِكَافٍ اسْتَوْفَتْهَا وَعَادَتْ لِتَمَامِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ انْقَضَتْ فِي الطَّرِيقِ كَمَا مَرَّ وَتَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ فِي الطَّرِيقِ وَعَدَمِ رُفْقَةٍ، وَلَوْ جَهِلَ أَمْرَ سَفَرِهَا بِأَنْ أَذِنَ لَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ حَاجَةً وَلَا نُزْهَةً وَلَا أَقِيمِي وَلَا ارْجِعِي حُمِلَ عَلَى سَفَرِ النُّقْلَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَرْعٌ: لَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ بِإِذْنِ زَوْجِهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ، فَإِنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ كَضِيقِ الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مُعْتَدَّةً لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ الْفَوَاتَ لِسَعَةِ الْوَقْتِ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى ذَلِكَ لِمَا فِي تَعْيِينِ الصَّبْرِ مِنْ مَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ بِإِذْنٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ، سَوَاءٌ أَخَافَتْ الْفَوَاتَ أَمْ لَا لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ فِي الْأُولَى، وَلِعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا أَوْ حَجَّهَا إنْ بَقِيَ وَقْتُهُ، وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ
المتن: وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوفَةِ فَطَلَّقَ وَقَالَ مَا أَذِنْت فِي الْخُرُوجِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَتْ: نَقَلْتَنِي فَقَالَ بَلْ أَذِنْت لِحَاجَةٍ صُدِّقَ عَلَى الْمَذْهَبِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوفَةِ) لَهَا بِالسُّكْنَى فِيهَا (فَطَلَّقَ وَقَالَ: مَا أَذِنْتُ) لَكِ (فِي الْخُرُوجِ) وَقَالَتْ: بَلْ أَذِنْتَ لِي (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ حَالًا إلَى الْمَأْلُوفَةِ، فَإِنْ وَافَقَهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ حَالًا وَاخْتِلَافُهَا فِي إذْنِهِ فِي الْخُرُوجِ لِغَيْرِ الْبَلْدَةِ الْمَأْلُوفَةِ كَالدَّارِ (وَلَوْ قَالَتْ) لَهُ: (نَقَلْتَنِي) أَيْ أَذِنْتَ لِي فِي النُّقْلَةِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَيَجِبُ عَلَيَّ الْعِدَّةُ فِيهِ (فَقَالَ) لَهَا: (بَلْ أَذِنْتُ) لَكِ فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ (لِحَاجَةٍ) عَيَّنَهَا فَارْجِعِي فَاعْتَدِّي فِي الْأَوَّلِ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ
المتن: وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعْرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَارِثِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي الْمَنْزِلِ الثَّانِي يَشْهَدُ بِصِدْقِهَا، وَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا عَلَى جَانِبِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُرَجَّحُ عَلَى جَانِبِ الزَّوْجِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِمَا وَالْوَارِثُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِمَا جَرَى مِنْ الْوَارِثِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ (وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ لِسُكَّانِ الْبَادِيَةِ، وَهُوَ مِنْ شَاذِّ النَّسَبِ كَمَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ (وَبَيْتُهَا مِنْ) نَحْوِ (شَعَرٍ) كَصُوفٍ (كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ) فِي لُزُومِ مُلَازَمَتِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَلَوْ ارْتَحَلَ فِي أَثْنَائِهَا كُلُّ الْحَيِّ ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ ارْتَحَلَ بَعْضُ الْحَيِّ نُظِرَ، إنْ كَانَ أَهْلُهَا مِمَّنْ لَمْ يَرْتَحِلْ وَفِي الْمُقِيمِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا الِارْتِحَالُ، وَإِنْ ارْتَحَلَ أَهْلُهَا وَفِي الْبَاقِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ وَبَيْنَ أَنْ تَرْحَلَ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْأَهْلِ عُسْرَةٌ مُوحِشَةٌ، وَهَذَا مِمَّا تُخَالِفُ فِيهِ الْبَدَوِيَّةُ الْحَضَرِيَّةَ، فَإِنَّ أَهْلَهَا لَوْ ارْتَحَلُوا لَمْ تَرْتَحِلْ مَعَهُمْ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ إذَا كَانَ مُطَلِّقُهَا فِي الْمُقِيمِينَ وَاخْتَارَ إقَامَتَهَا يُسْكِنُهَا مَتَى شَاءَ أَوْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَلَهَا إذَا ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ أَنْ تُقِيمَ دُونَهُمْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي الطَّرِيقِ لِتَعْتَدَّ فَإِنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ السَّيْرِ، وَإِنْ هَرَبَ أَهْلُهَا خَوْفًا مِنْ عَدُوٍّ وَأَمِنَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَهْرُبَ مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ إذَا أَمِنُوا تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى إلْحَاقِ الْبَدَوِيَّةِ بِالْحَضَرِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ بَيْتٍ فِي الْحِلَّةِ إلَى آخَرَ مِنْهَا فَخَرَجَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الْآخَرِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُضِيُّ أَوْ الرُّجُوعُ؟ أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ تِلْكَ الْحِلَّةِ إلَى حِلَّةٍ أُخْرَى فَوُجِدَ سَبَبُ الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ بَيْنَ الْحِلَّتَيْنِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلٍ وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ حِلَّتِهَا، فَهَلْ تَمْضِي أَوْ تَرْجِعُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْحَضَرِيَّةِ؟ وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ
المتن: وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا تَعَيَّنَ
الشَّرْحُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا مَلَّاحُ سَفِينَةٍ أَوْ مَاتَ وَكَانَ مَسْكَنُهَا السَّفِينَةُ اعْتَدَّتْ فِيهَا إنْ انْفَرَدَتْ عَنْ الزَّوْجِ فِي الْأُولَى بِمَسْكَنٍ فِيهَا بِمُرَافَقَةٍ لِاتِّسَاعِهَا مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى بُيُوتٍ مُتَمَيِّزَةِ الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ فِي الْخَانِ وَإِنْ لَمْ تَنْفَرِدْ بِذَلِكَ، فَإِنْ صَحِبَهَا مَحْرَمٌ لَهَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِتَسْيِيرِ السَّفِينَةِ خَرَجَ الزَّوْجُ مَعَهَا وَاعْتَدَّتْ هِيَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا مَوْصُوفًا بِذَلِكَ خَرَجَتْ إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَى الشَّطِّ وَاعْتَدَّتْ فِيهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْخُرُوجُ مِنْهُ تَسَتَّرَتْ وَتَنَحَّتْ عَنْهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ) مِلْكًا (لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا) بِأَنْ يَسْكُنَ مِثْلُهَا فِي مِثْلِهِ (تَعَيَّنَ) اسْتِدَامَتُهَا فِيهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ السَّابِقَةِ
المتن: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ، وَقِيلَ بَاطِلٌ، أَوْ مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ نُقِلَتْ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، أَوْ لَهَا اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ قَدْ رَهَنَ الْمَسْكَنَ بِدَيْنٍ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ وَفَاؤُهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ وَتُنْقَلُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي بِإِقَامَتِهَا فِيهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: يَلِيقُ بِهَا ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْمَسْكَنِ بِحَالِهَا لَا بِحَالِ الزَّوْجِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ يُرَاعَى حَالُ الزَّوْجِيَّةِ حَالُ الزَّوْجِ يُخَالِفُهُ هُنَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا أَعْرِفُ التَّفْرِقَةَ لِغَيْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا (إلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ كَبَيْعِهِ، وَمَرَّ فِي الْإِجَارَةِ صِحَّةُ بَيْعِهِ فِي الْأَظْهَرِ فَبَيْعُ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ كَذَلِكَ، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (وَقِيلَ) بَيْعُ مَسْكَنِهَا (بَاطِلٌ) أَيْ قَطْعًا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ لَا تَمْلِكُهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمُطَلِّقَ بَاعَهُ وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهُ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَذَلِكَ بَاطِلٌ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْمُعْتَدَّةُ هِيَ الْمُشْتَرِيَةَ، فَإِنْ كَانَتْ صَحَّ الْبَيْعُ لَهَا جَزْمًا، أَمَّا عِدَّةُ الْحَمْلِ وَالْأَقْرَاءِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ (أَوْ) كَانَ (مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا) الْعِدَّةُ (فِيهِ) لِأَنَّ السُّكْنَى ثَابِتَةٌ فِي الْمُسْتَعَارِ ثُبُوتَهَا فِي الْمَمْلُوكِ فَشَمِلَتْهَا الْآيَةُ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ نَقْلُهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ (فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ) فِيهِ (وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ) لِمِثْلِ مَسْكَنِهَا وَطَلَبَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِيجَارِ (نُقِلَتْ) إلَى أَقْرَبِ مَا يُوجَدُ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ امْتَنَعَ النَّقْلُ وَلَزِمَ الزَّوْجَ بَذْلُهَا، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَسْكَنِ مَجَّانًا لِعَارِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ رُجُوعِهِ خُرُوجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ بِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ زَوَالِ اسْتِحْقَاقٍ بِانْقِضَاءِ إجَارَةٍ أَوْ مَوْتٍ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ الْإِعَارَةِ قَبْلَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْدُ وَعُلِمَ بِالْحَالِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ لِمَا فِي الرُّجُوعِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ كَمَا يَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ ا هـ. بَلْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ (وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ) وَلَمْ يَرْضَ مَالِكُهُ بِتَجْدِيدِ أُجْرَةِ مِثْلٍ تُنْقَلُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ} رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ فَلَا تَنْتَقِلُ، وَفِي مَعْنَى الْمُسْتَأْجَرِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا مُدَّةً وَانْقَضَتْ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ بَعْدَ أَنْ نُقِلَتْ نَظَرْتَ، إنْ كَانَ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ مُسْتَعَارًا رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ، أَوْ مُسْتَأْجَرًا لَمْ تُرَدَّ، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَاهَا إلَى الْأَوَّلِ إضَاعَةَ مَالٍ أَمَّا إذَا رَضِيَا بِعَوْدِهَا بِعَارِيَّةٍ فَلَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ مِنْ الرُّجُوعِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ كَمَا مَرَّ (أَوْ) مِلْكًا (لَهَا اسْتَمَرَّتْ) فِيهِ جَوَازًا (وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ) مِنْ الْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَيْ أُجْرَةُ أَقَلِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ الْمَسْكَنِ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ فِيهِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ بِالْإِقَامَةِ فِيهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ جَازَ وَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ طَلَبَتْ الِانْتِقَالَ فَلَهَا ذَلِكَ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بَذْلُ مَسْكَنِهَا لَا بِإِجَارَةٍ وَلَا بِإِعَارَةٍ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إلَّا بِطَلَبِهَا، فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِسُقُوطِهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ وَقَدْ وُجِدَ فَلَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تُمْلَكُ لَوْ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَسْكَنُ لَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي وَقْتٍ وَقَدْ مَضَى، وَكَذَا لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً لَوْ سَكَنَتْ فِي مَنْزِلِهَا مَعَ الزَّوْجِ فِي الْعِصْمَةِ عَلَى النَّصِّ إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ الْعَارِيَ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ مُنَزَّلٌ عَلَى الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: أَيْ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
المتن: فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا فَلَهُ النَّقْلُ إلَى لَائِقٍ بِهَا، أَوْ خَسِيسًا، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ، وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتِهَا وَلَا مُدَاخَلَتِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ أَوْ لَهُ أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ جَازَ
الشَّرْحُ: (فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا فَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (النَّقْلُ إلَى) أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ مَسْكَنِ النِّكَاحِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (لَائِقٍ بِهَا) لِأَنَّ النَّفِيسَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ سَمَحَ بِهِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ، وَهَلْ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ تَرَدُّدٌ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَنَقْلِ الزَّكَاةِ إذَا عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْأَقْرَبُ، وَإِنْ رَضِيَ بِبَقَائِهَا فِيهِ لَزِمَهَا (أَوْ) كَانَ (خَسِيسًا) لَا يَلِيقُ بِهَا (فَلَهَا الِامْتِنَاعُ) مِنْ اسْتِمْرَارِهَا فِيهِ وَطَلَبُ النُّقْلَةِ إلَى لَائِقٍ بِهَا إذْ لَيْسَ هُوَ حَقَّهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَمَحَتْ بِهِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْمَى (مُسَاكَنَتُهَا وَلَا مُدَاخَلَتُهَا) فِي الدَّارِ الَّتِي تَعْتَدُّ فِيهَا، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْخَلْوَةِ بِهَا وَهِيَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا بِهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} أَيْ فِي الْمَسْكَنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَمْ رَجْعِيًّا (فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ) الْوَاسِعَةِ الَّتِي زَادَتْ عَلَى سُكْنَى مِثْلِهَا (مَحْرَمٌ لَهَا) وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (مُمَيِّزٌ) يَسْتَحْيِي مِنْهُ، وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مُرَاهِقٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، أَوْ مُرَاهِقًا، أَوْ مُمَيِّزًا يُسْتَحْيَى مِنْهُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِنْ الْمُرَاهَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى، وَقَوْلُهُ (ذَكَرٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْأُنْثَى كَأُخْتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ ثِقَةً، فَقَدْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الثِّقَةِ، فَالْمَحْرَمُ أَوْلَى (أَوْ) مَحْرَمٌ (لَهُ) مُمَيِّزٌ (أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ جَازَ) مَا ذُكِرَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِاحْتِمَالِ النَّظَرِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ أَنْ يَكُونَا ثِقَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ لِمَا عِنْدَهَا مِنْ الْغَيْرَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، فَلَا يَكْفِي الْأَعْمَى، كَمَا لَا يَكْفِي فِي السَّفَرِ بِالْمَرْأَةِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا
المتن: وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ الْأُخْرَى فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَسُفْلٌ وَعُلُوٌّ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَتَيْنِ أَجْنَبِيَّتَيْنِ ثِقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ - مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو بِالنِّسَاءِ إلَّا الْمَحْرَمُ - مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الثِّقَاتِ لِيُوَافِقَ الْمَذْكُورَ هُنَا فَإِنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَيَحْرُمُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خَلْوَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ بِامْرَأَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْيَاءَ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِحْيَاءِ الرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ (وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ) وَهِيَ كُلُّ بِنَاءٍ مَحُوطٍ أَوْ نَحْوُهَا كَطَبَقَةٍ (فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (وَ) سَكَنَ (الْآخَرُ) الْحُجْرَةَ (الْأُخْرَى) مِنْ الدَّارِ (فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ) لِلدَّارِ وَهِيَ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ فِيهَا (كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ) وَمَصَبِّ مَاءٍ وَمَرْقَى سَطْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ) حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ فِيمَا ذُكِرَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَتَّحِدْ الْمَرَافِقُ، بَلْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْ الْحُجْرَتَيْنِ بِمَرَافِقَ (فَلَا) يُشْتَرَطُ مَحْرَمٌ، وَيَجُوزُ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَالدَّارَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْمَرَافِقُ خَارِجَ الْحُجْرَةِ فِي الدَّارِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيَنْبَغِي) أَنْ يُشْتَرَطَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ (أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (مِنْ بَابٍ) وَسَدُّهُ أَوْلَى (وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْحُجْرَتَيْنِ بِحَيْثُ يَمُرُّ فِيهِ (عَلَى) الْحُجْرَةِ (الْأُخْرَى) مِنْ الدَّارِ كَمَا اشْتَرَطَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْخَلْوَةِ (وَسُفْلٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهُ (وَعُلُوٌّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ وَكَسْرُهُ، حُكْمُهُمَا (كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ) فِيمَا ذُكِرَ قَالَ فِي التَّجْرِيدِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْكِنَهَا الْعُلُوَّ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا خَاتِمَةٌ: يَكْتَرِي الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ مُطَلِّقٍ لَا مَسْكَنَ لَهُ مَسْكَنًا لِمُعْتَدَّتِهِ لِتَعْتَدَّ فِيهِ إنْ فُقِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا الْحَاكِمُ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ تَكْتَرِيَ الْمَسْكَنَ مِنْ مَالِهَا جَازَ وَتَرْجِعُ بِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ نَظَرْتَ فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ أَوْ لَمْ تَقْدِرْ وَلَمْ تُشْهِدْ لَمْ تَرْجِعْ، وَإِنْ قَدَرَتْ وَأَشْهَدَتْ رَجَعَتْ، وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي حَيَاتِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْعِدَّةُ عَنْهَا وَلَمْ تَرِثْ لِإِقْرَارِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا قَيَّدَهُ الْقَفَّالُ بِالرَّجْعِيَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا؟ فَادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ رَجْعِيًّا وَأَنَّهَا تَرِثُ فَالْأَشْبَهُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ
|