الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: الْجَدِيدُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي مُوجِبِ النَّفَقَةِ وَمَوَانِعِهَا كَنُشُوزٍ أَوْ صِغَرٍ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ (الْجَدِيدُ أَنَّهَا) أَيْ النَّفَقَةَ وَتَوَابِعَهَا (تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ) التَّامِّ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا فَتَسْتَحِقُّ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ وَقْتَ الْغُرُوبِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْقِيَاسُ وُجُوبُهَا بِالْغُرُوبِ ا هـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ، فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُهَا لِذَلِكَ مِنْ حِينَئِذٍ، وَهَلْ التَّمْكِينُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَا لَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْحَالِّ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ مِنْ حِينَئِذٍ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ وَإِنْ حَلَّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا طَوِيلًا. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لِامْرَأَتِهِ الْمُطَالَبَةُ بِنَفَقَةِ مُدَّةِ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ كَمَا لَا يَخْرُجُ لِلْحَجِّ حَتَّى يَتْرُكَ لَهَا هَذَا الْمِقْدَارَ، أَيْ: إذَا لَمْ يَسْتَنِبْ مَنْ يَدْفَعُ لَهَا ذَلِكَ يَوْمًا بِيَوْمٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ السَّفَرُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ غَرِيمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُ وَتَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، وَخَرَجَ بِالتَّامِّ الْمُقَدَّرُ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي زَمَنٍ أَوْ مَحَلٍّ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا. . لَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمًا بِيَوْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ وَقْتَ الْغُرُوبِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْقِيَاسُ وُجُوبُهَا بِالْغُرُوبِ ا هـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ، فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُهَا لِذَلِكَ مِنْ حِينَئِذٍ، وَهَلْ التَّمْكِينُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَا لَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْحَالِّ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ مِنْ حِينَئِذٍ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ وَإِنْ حَلَّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا طَوِيلًا. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لِامْرَأَتِهِ لَا الْعَقْدِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدَ مُوجِبُ النَّفَقَةِ كَالْحَامِلِ الْبَائِنِ إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا هَلْ تَحْتَاجُ لِلتَّمْكِينِ أَوْ لَا؟ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُوجِبَ سَقَطَ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ (لَا الْعَقْدِ) فَلَا تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَالْعَقْدُ لَا يُوجِبُ مَالًا مَجْهُولًا، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهَا لَسَاقَهُ إلَيْهَا، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَالْقَدِيمُ وَحُكِيَ جَدِيدًا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِالتَّمْكِينِ، فَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ سَقَطَتْ.
المتن: فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ صُدِّقَ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ مُدَّةً فَلَا نَفَقَةَ فِيهَا، وَإِنْ عَرَضَتْ وَجَبَتْ مِنْ بُلُوغِ الْخَبَرِ، فَإِنْ غَابَ كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ فَيَجِيءَ أَوْ يُوَكِّلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى زَمَنُ وُصُولِهِ فَرَضَهَا الْقَاضِي.
الشَّرْحُ: ، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَوْلَهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَيْ التَّمْكِينِ، فَقَالَتْ: مَكَّنْتُ فِي وَقْتِ كَذَا، وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ عَلَى الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ هِيَ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، فَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى التَّمْكِينِ ثُمَّ ادَّعَى نُشُوزَهَا وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النُّشُوزِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، وَفَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا قَوْلَهُ (فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ) زَوْجَتُهُ (مُدَّةً) مَعَ سُكُوتِهِ عَنْ طَلَبِهَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ (فَلَا نَفَقَةَ) لَهَا (فِيهَا) عَلَى الْجَدِيدِ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ، وَتَجِبُ عَلَى الْقَدِيمِ (وَ) عَلَى الْجَدِيدِ (إنْ عَرَضَتْ) عَلَيْهِ وَهِيَ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ مَعَ حُضُورِهِ فِي بَلَدِهَا كَأَنْ بَعَثَتْ إلَيْهِ تُخْبِرُهُ أَنِّي مُسَلِّمَةٌ نَفْسِي إلَيْكَ فَاخْتَرْ أَنْ آتِيَكَ حَيْثُ شِئْتَ أَوْ تَأْتِيَ إلَيَّ (وَجَبَتْ) نَفَقَتُهَا (مِنْ) حِينِ (بُلُوغِ الْخَبَرِ) لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُقَصِّرٌ (فَإِنْ غَابَ) عَنْ بَلَدِهَا قَبْلَ عَرْضِهَا إلَيْهِ وَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ مُظْهِرَةً لَهُ التَّسْلِيمَ (كَتَبَ الْحَاكِمُ) الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ الْأَمْرَ (لِحَاكِمِ بَلَدِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لِيُعْلِمَهُ) الْحَالَ (فَيَجِيءَ) الزَّوْجُ لَهَا يَتَسَلَّمُهَا (أَوْ يُوَكِّلَ) مَنْ يَجِيءُ يَتَسَلَّمُهَا لَهُ أَوْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ، وَتَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ. تَنْبِيهٌ: مَجِيئُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ حِينَ عِلْمِهِ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَعَ إمْكَانِ الْمَجِيءِ أَوْ التَّوْكِيلِ (وَمَضَى زَمَنُ) إمْكَانِ (وُصُولِهِ) إلَيْهَا (فَرَضَهَا الْقَاضِي) فِي مَالِهِ مِنْ حِينِ إمْكَانِ وُصُولِهِ كَالْمُسْتَلِمِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَلَا يَفْرِضُ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَيَّدُوا بِهِ كَلَامَ الْكِتَابِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ عُلِمَ مَكَانُ الزَّوْجِ، فَإِنْ جُهِلَ كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَى الْحُكَّامِ الَّذِينَ تَرِدُ عَلَيْهِمْ الْقَوَافِلُ مِنْ بَلَدِهِ عَادَةً لِيُنَادِيَ بِاسْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَعْطَاهَا الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا يَصْرِفُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، أَمَّا إذَا غَابَ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ تَسَلُّمِهَا، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تُقَرَّرُ عَلَيْهِ وَلَا تَسْقُطُ بِغَيْبَتِهِ.
المتن: وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيٍّ.
الشَّرْحُ: (وَالْمُعْتَبَرُ فِي) زَوْجَةٍ (مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيٍّ) لَهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَرْضِهِمَا، لَكِنْ لَوْ عَرَضَتْ الْمُرَاهِقَةُ نَفْسَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَتَسَلَّمَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، وَفِي عِبَارَةِ الشَّرْحَيْنِ فَتَسَلَّمَهَا وَصَارَ بِهَا إلَى مَنْزِلِهِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَوْ تَسَلَّمَهَا وَلَمْ يَصِرْ بِهَا لَا تَسْتَحِقُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَنِعْمَ مَا فَعَلَ، وَتَسَلُّمُ الزَّوْجِ وَالْمُرَاهِقِ زَوْجَتَهُ كَافٍ وَإِنْ كَرِهَ الْوَطْءَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَسَلَّمَ الْمُرَاهِقُ الْمَبِيعَ لَمْ يَكْفِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ أَنْ تَصِيرَ الْيَدُ لِلْمُشْتَرِي، وَهِيَ لِلْوَلِيِّ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلْمُرَاهِقِ، لَا لَهُ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُعْصِرِ بَدَلَ الْمُرَاهِقَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: غُلَامٌ مُرَاهِقٌ وَجَارِيَةٌ مُعْصِرٌ، وَلَا يُقَالُ: مُرَاهِقَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذُّكُورِ.
المتن: وَتَسْقُطُ بِنُشُوزٍ وَلَوْ بِمَنْعِ لَمْسٍ بِلَا عُذْرٍ، وَعَبَالَةُ زَوْجٍ، أَوْ مَرَضٌ يَضُرُّ مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ، وَالْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إلَّا أَنْ يُشْرِفَ عَلَى انْهِدَامٍ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي مَوَانِعِ النَّفَقَةِ، فَقَالَ (وَتَسْقُطُ) نَفَقَةُ كُلِّ يَوْمٍ (بِنُشُوزٍ) أَيْ خُرُوجٍ عَنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ بَعْدَ التَّمْكِينِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ فَتَسْقُطُ بِالْمَنْعِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَإِلَّا فَالسُّقُوطُ حَقِيقَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ. تَنْبِيهٌ: نُشُوزُ غَيْرِ الْمُكَلَّفَةِ كَالْمُكَلَّفَةِ لِاسْتِوَاءِ الْفِعْلَيْنِ فِي التَّفْوِيتِ عَلَى الزَّوْجِ، وَسَوَاءٌ أَقَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى رَدِّهَا إلَى الطَّاعَةِ قَهْرًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهَا حَقَّ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ سَقَطَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَلَوْ نَشَزَتْ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بَعْضَ أَحَدِهِمَا سَقَطَتْ نَفَقَةُ جَمِيعِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَلَّمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَا تُفَرَّقُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَقِيلَ: تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ مَا قَبْلَ النُّشُوزِ مِنْ زَمَنِ الطَّاعَةِ بِالْقِسْطِ، وَقَطَعَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ (وَ) تَسْقُطُ وَ (لَوْ) كَانَ نُشُوزُهَا (بِمَنْعِ لَمْسٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ (بِلَا عُذْرٍ) بِهَا إلْحَاقًا لِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ بِالْوَطْءِ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ كَمَنْعِ لَمْسِ مَنْ بِفَرْجِهَا قُرُوحٌ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهَا وَاقَعَهَا لَمْ يَكُنْ مَنْعُهَا نُشُوزًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ مَكَّنَتْ مِنْ الْوَطْءِ وَمَنَعَتْ بَقِيَّةَ الِاسْتِمْتَاعَاتِ أَنَّهُ نُشُوزٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ، وَنَبَّهَ بِاللَّمْسِ عَلَى أَنَّ مَا فَوْقَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ مَنَعَتْهُ النَّظَرَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهَا أَوْ تَوْلِيَتِهِ يَكُونُ نُشُوزًا، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ نُشُوزٌ (وَعَبَالَةُ زَوْجٍ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ كِبَرُ آلَتِهِ بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُهَا الزَّوْجَةُ (أَوْ مَرَضٌ) بِهَا (يَضُرُّ) هَا (مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ) فِي مَنْعِهَا مِنْ وَطْئِهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَعَ مَنْعِ الْوَطْءِ لِعُذْرِهَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ الْمُمْكِنِ، وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَتَثْبُتُ عَبَالَتُهُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يَسْقُطُ بِهَا حَقُّ الزَّوْجِ وَلَهُنَّ نَظَرُ ذَكَرِهِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ لِلشَّهَادَةِ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الزِّفَافِ لِعَبَالَتِهِ، وَلَهَا ذَلِكَ بِالْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقَّعُ الزَّوَالِ. فُرُوعٌ: لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ عَادَةً كَمَرَضٍ وَرَتَقٍ وَقَرْنٍ وَضَنًى، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: مَرَضٌ مُدْنِفٌ، وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ، وَإِنْ قَارَنَتْ تَسْلِيمَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعْذَارٌ بَعْضُهَا يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَبَعْضُهَا دَائِمٌ وَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِيهَا وَقَدْ حَصَلَ التَّسْلِيمُ الْمُمْكِنُ، وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ غَضِبَتْ بِخُرُوجِهَا عَنْ قَبْضَةِ الزَّوْجِ وَفَوَاتُ التَّمَتُّعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِحَبْسِهَا وَلَوْ ظُلْمًا كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ، وَلَوْ حَبَسَهَا الزَّوْجُ بِدَيْنِهِ هَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِهِ؟ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّهَا إنْ مَنَعَتْهُ مِنْهُ عِنَادًا سَقَطَتْ، أَوْ لِإِعْسَارٍ فَلَا، وَلَا أَثَرَ لِزِنَاهَا، وَإِنْ حَبِلَتْ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا (وَالْخُرُوجُ) لِلزَّوْجَةِ (مِنْ بَيْتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ حَاضِرًا كَانَ أَوْ لَا (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (نُشُوزٌ) مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ لِعِبَادَةٍ كَحَجٍّ أَمْ لَا؟ يُسْقِطُ نَفَقَتَهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهَا (إلَّا أَنْ يُشْرِفَ) الْبَيْتُ (عَلَى انْهِدَامٍ) فَلَيْسَ بِنُشُوزٍ لِعُذْرِهَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ الِاسْتِثْنَاءُ حَصَرَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهَا تُعْذَرُ فِي صُوَرٍ غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْهَا مَا إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ ظُلْمًا، وَمِنْهَا مَا إذَا خَرِبَتْ الْمَحَلَّةُ وَبَقِيَ الْبَيْتُ مُنْفَرِدًا وَخَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمَنْزِلُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَأَخْرَجَهَا مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ حَقِّهَا مِنْهُ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَعَسَرَ بِالنَّفَقَةِ سَوَاءٌ أَرَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَمْ لَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ مِنْ حَوَائِجِهَا الَّتِي يَقْتَضِي الْعُرْفُ خُرُوجَ مِثْلِهَا لَهُ لِتَعُودَ عَنْ قُرْبٍ لِلْعُرْفِ فِي رِضَا مِثْلِهِ بِذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ لِاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يُغْنِهَا الزَّوْجُ عَنْ خُرُوجِهَا لَهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ لِبَيْتِ أَبِيهَا لِزِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ قَالَ: إلَّا لِعُذْرٍ لَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ.
المتن: وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ أَوْ لِحَاجَتِهِ لَا يُسْقِطُ وَلِحَاجَتِهَا يَسْقُطُ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ) وَلَوْ لِحَاجَتِهَا (أَوْ) وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ (لِحَاجَتِهِ لَا يُسْقِطُ) نَفَقَتَهَا لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ فِي الْأُولَى، وَفِي غَرَضِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى مَا لَوْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا فَمُقْتَضَى الْمُرَجَّحِ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ خَرَجْت لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ مَا كَتَبْتُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ ظَهَرَ لِي مِنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ مَا يَقْتَضِي السُّقُوطَ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا سَافَرَتْ الْحُرَّةُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا قَسَمَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي أَشْخَصَهَا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَلَا قَسَمُهَا. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ أَخْذَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ نَظِيرِهَا الْمُشَارِكِ لَهَا فِي الْمُدْرَكِ أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِظَاهِرِ لَفْظِ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَشْخَصَهَا لِإِمْكَانِ تَأْوِيلِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: يَنْبَغِي سُقُوطُهَا أَخْذًا مِمَّا رَجَّحُوهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّا مَعًا قَبْلَ الْوَطْءِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعُ فَقُدِّمَ الْمَانِعُ ا هـ. وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا قَالَ بَلْ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ مَا احْتَجَّ بِهِ لَا يُنَافِي عَدَمَ سُقُوطِ نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهَا خَالِيًا مِنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَالْأَصْلُ هُنَا بَعْدَ التَّمْكِينِ عَدَمُ سُقُوطِ النَّفَقَةِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِهَا خَالِيًا مِنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُوجَدْ، إذْ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ خُرُوجِهَا لِغَرَضِهَا وَحْدَهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ السُّقُوطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا نَقَلَاهُ فِي الصَّدَاقِ عَنْ مُجَرَّدِ الْحَنَّاطِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِبَغْدَادَ امْرَأَةً بِالْكُوفَةِ، وَقُلْنَا: اعْتِبَارُ التَّسْلِيمِ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ فَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا بِبَغْدَادَ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ أَنْ تَصِلَ بَغْدَادَ مَعَ أَنَّ السَّفَرَ لِبَغْدَادَ لِحَاجَتِهِمَا. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: مَا إذَا سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَةِ ثَالِثٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهَا كَحَاجَةِ نَفْسِهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ بِسُؤَالِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِخُرُوجِهَا لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ.
المتن: وَلَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ فَأَطَاعَتْ لَمْ تَجِبْ فِي الْأَصَحِّ وَطَرِيقُهَا أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ كَمَا سَبَقَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ نَشَزَتْ) فِي حُضُورِ الزَّوْجِ بِأَنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَغَابَ) عَنْهَا (فَأَطَاعَتْ) بَعْدَ غَيْبَتِهِ بِرُجُوعِهَا إلَى بَيْتِهِ (لَمْ تَجِبْ) نَفَقَتُهَا زَمَنَ الطَّاعَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمِ إذْ لَا يَحْصُلَانِ مَعَ الْغَيْبَةِ، وَالثَّانِي يَجِبُ لِعَوْدِهَا إلَى الطَّاعَةِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (طَرِيقُهَا) فِي عَوْدِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لَهَا بَعْدَ طَاعَتِهَا فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا (أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ) بَعْدَ رَفْعِهَا الْأَمْرَ إلَيْهِ (كَمَا سَبَقَ) فِي ابْتِدَاءِ التَّسْلِيمِ فَيَكْتُبُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ بِالْحَالِ، فَإِنْ عَادَ أَوْ وَكِيلُهُ وَاسْتَأْنَفَ تَسَلُّمَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ، وَإِنْ مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ الْعَوْدِ وَلَمْ يَعُدْ وَلَا بَعَثَ وَكِيلَهُ عَادَتْ النَّفَقَةُ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا كَانَ نُشُوزُهَا بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا كَأَنْ ارْتَدَّتْ أَوْ خَالَفَتْهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ مِنْ الْمَنْزِلِ عَادَتْ النَّفَقَةُ بِعَوْدِهَا إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الطَّاعَةِ فِي غَيْبَتِهِ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمَتْنِ خِلَافَهُ.
المتن: وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ لِزِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِصَغِيرَةٍ وَأَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ عَلَى صَغِيرٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ) لَا عَلَى وَجْهِ النُّشُوزِ بَلْ (لِزِيَارَةٍ) لِأَقَارِبِهَا أَوْ جِيرَانِهَا (وَنَحْوِهَا) كَعِيَادَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ (لَمْ تَسْقُطْ) نَفَقَتُهَا إذْ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ نُشُوزًا عُرْفًا. تَنْبِيهٌ: فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَقْيِيدُ الزِّيَارَةِ بِبَيْتِ أَبِيهَا، وَنَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَيْدَ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْمَحَارِمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَشْمَلُ الْأَجَانِبَ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ خُرُوجُهَا إلَى بَيْتِ أَبِيهَا أَوْ أَقَارِبِهَا أَوْ جِيرَانِهَا لِزِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ أَوْ تَعْزِيَةٍ، وَلِهَذَا تَبِعْته فِي حَلِّ الْمَتْنِ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَمَوِيِّ شَارِحِ التَّعْجِيزِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ لِمَوْتِ أَبِيهَا وَلَا شُهُودِ جِنَازَتِهِ وَأَقَرَّهُ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ) وَلَا تَوَابِعَهَا (لِصَغِيرَةٍ) لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِتَعَذُّرِهِ لِمَعْنًى فِيهَا، وَالثَّانِي تَجِبُ كَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَالْمَرِيضَةِ كَمَا مَرَّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَرَضَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَالرَّتَقَ وَالْقَرَنَ مَانِعٌ دَائِمٌ قَدْ رَضِيَ بِهِ وَيَشُقُّ مَعَهُ تَرْكُ النَّفَقَةِ مَعَ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لَا يَفُوتُ كَمَا مَرَّ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ) وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، لَا الْبَالِغَةُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ (عَلَى) زَوْجٍ (صَغِيرٍ) لَا يُمْكِنُ مِنْهُ جِمَاعٌ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا أَوْ عَرَضَتْهَا عَلَى وَلِيِّهِ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ جِهَتِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى كَبِيرٍ فَهَرَبَ.
المتن: وَإِحْرَامُهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا، فَإِنْ مَلَكَ فَلَا حَتَّى تَخْرُجَ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا، أَوْ بِإِذْنٍ فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ.
الشَّرْحُ: (وَإِحْرَامُهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَوْ مُطْلَقًا (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الزَّوْجِ (نُشُوزٌ) مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ (إنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا) مِمَّا أَحْرَمَتْ بِهِ وَهُوَ فِي إحْرَامِهَا بِفَرْضٍ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا بِذَلِكَ، فَتَكُونُ نَاشِزَةً مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا (فَإِنْ مَلَكَ) تَحْلِيلَهَا بِأَنْ كَانَ مَا أَحْرَمَتْ بِهِ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ (فَلَا) يَكُونُ إحْرَامُهَا حِينَئِذٍ نُشُوزًا فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: بِحَجٍّ. أَوْ عُمْرَةٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ؛ لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ نُشُوزًا، وَالْمَذْكُورُ فِي بَابِهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِئْذَانِ، فَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ مَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَمَا لَا يُسْقِطُهَا، لَا بَيَانُ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهَا الْمَأْذُونَ فِيهِ بِجِمَاعٍ فَإِنَّهَا تَقْضِيهِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَهَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ مَعَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَحَيْثُ قِيلَ بِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا فَتَسْتَمِرُّ (حَتَّى تَخْرُجَ) مِنْ بَيْتِهَا فَإِذَا خَرَجَتْ (فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا) فَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ مَعَهُ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَاشِزَةٌ كَمَا مَرَّ (أَوْ) أَحْرَمَتْ بِمَا ذُكِرَ (بِإِذْنٍ) مِنْ زَوْجِهَا (فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ) لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَدَفَعَ بِأَنَّ فَوَاتَهُ تَوَلَّدَ مِنْ إذْنِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَخْرُجْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا، فَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا لَمْ تَسْقُطْ كَمَا مَرَّ.
المتن: وَيَمْنَعُهَا صَوْمُ نَفْلٍ فَإِنْ أَبَتْ فَنَاشِزَةٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَتَضَيَّقُ كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا، وَأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ، وَسُنَنٍ رَاتِبَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَمْنَعُهَا) أَيْ يَجُوزُ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ (صَوْمِ نَفْلٍ) مُطْلَقٍ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ جِمَاعُهَا أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ لِعُذْرٍ حِسِّيٍّ كَجَبِّهِ أَوْ رَتَقِهَا، أَوْ شَرْعِيٍّ اكْتَسَبَهُ بِوَاجِبٍ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمُتَحَيِّرَةٍ وَمَنْ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَلَهُ قَطْعُهُ أَيْضًا إذَا شَرَعَتْ فِيهِ (فَإِنْ أَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْفِطْرِ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهَا بِهِ (فَنَاشِزَةٌ فِي الْأَظْهَرِ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ: الْأَصَحُّ لِامْتِنَاعِهَا مِنْ التَّمْكِينِ وَإِعْرَاضِهَا عَنْهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَصَوْمُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَامٌ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ هُنَاكَ وَجْهَيْنِ: أَصَحُّهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. قَالَ: فَلَوْ صَامَتْ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِي نَظَائِرِهِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الثَّوَابِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَكَذَا هُنَا، وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ مَتَى شَاءَ، أَمَّا النَّفَلُ الرَّاتِبُ كَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ فِطْرِهِ فَهُوَ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَكَحَهَا صَائِمَةً تَطَوُّعًا لَمْ يُجْبِرْهَا عَلَى الْفِطْرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمَرْوَزِيِّ، وَفِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا السُّقُوطُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ عِنْدَ طَلَبِ التَّمَتُّعِ، وَحَيْثُ سَقَطَتْ بِالصَّوْمِ هَلْ سَقَطَ الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَضَاءَهُ) مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ (لَا يَتَضَيَّقُ) بِأَنْ لَمْ يَجِبْ فَوْرًا كَفِطْرِهَا بِعُذْرٍ فِي رَمَضَانَ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ أَوْ نَامَتْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا حُكْمُهُ (كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا) أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَمِنْ إتْمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ كَالنَّفْلِ فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ، أَمَّا مَا يَتَضَيَّقُ كَالْفِطْرِ تَعَدِّيًا أَوْ بِعُذْرٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا قَدْرُهُ أَوْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَالنَّفَقَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ بِتَرْجِيحِ السُّقُوطِ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ نَذَرَتْهُ بَعْدَ النِّكَاحِ بِلَا إذْنٍ وَمِنْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ إنْ لَمْ تَعْصِ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَمِنْ مَنْذُورِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ مُطْلَقٍ، سَوَاءٌ أَنْذَرَتْهُ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ مُوسَعٌ (وَ) الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ لَا مَنْعَ) لَهُ (مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ) لِحِيَازَةِ فَضِيلَتِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ التَّعْجِيلِ إذَا لَمْ يَنْدُبْ كَالْإِبْرَادِ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالثَّانِي: لَهُ الْمَنْعُ لِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِقِصَرِ مُدَّةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَا مُسَافِرَيْنِ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ تَعْجِيلِ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْفَزَارِيّ وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْفِطْرُ أَفْضَلَ (وَ) لَا مَنْعَ مِنْ (سُنَنٍ رَاتِبَةٍ) لِتَأَكُّدِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعْجِيلِهَا مَعَ الْمَكْتُوبَةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَكَذَا مِنْ تَطْوِيلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِنْ التَّطْوِيلِ الزَّائِدِ فِي الْفَرَائِضِ، بَلْ تَأْتِي بِالْأَكْمَلِ مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ. تَنْبِيهٌ: تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالِاعْتِكَافِ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ زَوْجِهَا وَهُوَ مَعَهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ، لَكِنْ إنْ اعْتَكَفَتْ بِنَذْرٍ مُعَيَّنٍ سَابِقٍ لِلنِّكَاحِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَأَوْرَدَ عَلَى تَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ السُّنَنَ بِالرَّوَاتِبِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ فِعْلِهِمَا فِي الْمَنْزِلِ، وَلَكِنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِذَلِكَ،. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّاتِبَةِ مَا لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، سَوَاءٌ تَوَابِعُ الْفَرَائِضِ وَغَيْرُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحُ الْقُدَمَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَيَدْخُلُ الْعِيدُ وَالتَّرَاوِيحُ وَالضُّحَى، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّفْلِ. فَرْعٌ: لَوْ نَكَحَ مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ عَلَيْهِ نَهَارًا مَعَ عُذْرِهِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِتَمْكِينِهِ مِنْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَوَعْدٌ لَا يَلْزَمُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي خِيَارِ النِّكَاحِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ ثُبُوتَهُ غَرِيبٌ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا بِنَذْرِهَا الصَّوْمَ أَوْ الِاعْتِكَافَ الْمُعَيَّنَ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هُنَا يَدًا حَائِلَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَتَيْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ.
المتن: وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ الْمُؤَنُ إلَّا مُؤْنَةَ تَنَظُّفٍ.
الشَّرْحُ: (وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ) حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ حَائِلٍ أَوْ حَامِلٍ (الْمُؤَنُ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِبَقَاءِ حَبْسِ الزَّوْجِ لَهَا وَسَلْطَنَتِهِ عَلَيْهَا وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهَا بِالرَّجْعَةِ، وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهَا إلَّا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ، وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُهُ لَهَا حَتَّى تُقِرَّ هِيَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ فِي اسْتِمْرَارِ النَّفَقَةِ كَمَا تُصَدَّقُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ (إلَّا مُؤْنَةَ تَنَظُّفٍ) فَلَا تَجِبُ لَهَا لِامْتِنَاعِ الزَّوْجِ عَنْهَا إلَّا إنْ تَأَذَّتْ بِالْهَوَامِّ لِلْوَسَخِ فَيَجِبُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا تُرَفَّهُ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْخَادِمِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ نَفَقَةِ الرَّجْعِيَّةِ مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلِيَ الرَّجْعَةُ، وَقَالَتْ بَلْ قَبْلَهَا، وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِزَعْمِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ رَاجَعَهَا لِإِنْكَارِهَا اسْتِحْقَاقَهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ وَحَلَفَ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَسَمِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ، قَالَ: لَكِنْ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ ا هـ. وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِأَجْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ الرَّضَاعَ وَأَنْكَرَ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُك قَبْلَ الْوَضْعِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَلَا نَفَقَةَ لَك الْآنَ، فَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقْتَنِي بَعْدَهُ فَلِي النَّفَقَةُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِيهِ وَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ وَسَقَطَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ بِزَعْمِهِ.
المتن: فَلَوْ ظُنَّتْ حَامِلًا فَأَنْفَقَ فَبَانَتْ حَائِلًا اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ بَعْدَ عِدَّتِهَا.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ ظُنَّتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُطَلَّقَتُهُ الرَّجْعِيَّةُ (حَامِلًا) بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ (فَأَنْفَقَ) زَوْجُهَا عَلَيْهِ (فَبَانَتْ) بَعْدَ إنْفَاقِهِ (حَائِلًا) وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ) إلَيْهَا مِنْ النَّفَقَةِ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ (عِدَّتِهَا)؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي مُدَّتِهَا بِيَمِينِهَا إنْ كَذَّبَهَا، وَبِدُونِهِ إنْ صَدَّقَهَا، فَإِنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِضَائِهَا قَدَّرَتْ بِعَادَتِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ اُعْتُبِرَ بِأَقَلِّهَا فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا زَادَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ وَهِيَ لَا تَدَّعِي زِيَادَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ نَسِيَتْهَا اُعْتُبِرَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَيَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ أَخْذًا بِغَالِبِ الْعَادَاتِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ انْتَفَى عَنْهُ الْوَلَدُ الَّذِي أَتَتْ بِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ لُحُوقِهِ اسْتَرَدَّ الزَّوْجُ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَكِنَّهَا تُسْأَلُ عَنْ الْوَلَدِ فَقَدْ تَدَّعِي وَطْءَ شُبْهَةٍ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَالْحَمْلُ يَقْطَعُهَا كَالنَّفَقَةِ فَتُتِمُّ الْعِدَّةَ بَعْدَ وَضْعِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا تَتْمِيمَهَا.
المتن: وَالْحَائِلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ، وَيَجِبَانِ لِحَامِلٍ لَهَا، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَمْلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ لِحَامِلٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. قُلْت: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْمُعْتَدَّةُ (الْحَائِلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ) فِي الْحُرِّ وَاثْنَتَيْنِ فِي الْعَبْدِ (لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ) قَطْعًا لِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا (وَيَجِبَانِ) أَيْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ (لِحَامِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمِائَةٍ فَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِرَحِمِهَا فَسَارَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، إذْ النَّسْلُ مَقْصُودٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا أَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ بِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ لَهَا الْأُدْمُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا مَرَّ آخِرَ الْعَدَدِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا وُجُوبَ الْخَادِمِ لِمَخْدُومَةٍ، وَاحْتُرِزَ بِالْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ أَوْ الثَّلَاثِ عَنْ الْبَائِنِ بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ كَالْعَيْبِ وَالْغُرُورِ فَلَا نَفَقَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِهِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ كَالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ إنْ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ فَيَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قُطِعَ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الدَّمِيرِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ أَنْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْحَائِلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَامِلِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَالْوَاجِبُ فِيمَا ذُكِرَ (لَهَا) بِسَبَبِ الْحَمْلِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَجِبُ مُقَدَّرَةً، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ يَجِبُ مَا ذُكِرَ (لِلْحَمْلِ) فَقَطْ لِوُجُوبِ مَا ذُكِرَ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ بِعَدَمِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا صُرِفَ لَهَا لِتُغَذِّيَهُ بِغِذَائِهَا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْخِلَافِ قَوْلَهُ (فَعَلَى الْأَوَّلِ ) الْأَصَحُّ (لَا تَجِبُ) نَفَقَةٌ وَلَا غَيْرُهَا (لِحَامِلٍ عَنْ) وَطْءِ (شُبْهَةٍ) وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ (أَوْ) لِحَامِلٍ عَنْ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي حَالِ التَّمْكِينِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى، وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ كَمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُ الْحَامِلِ الْبَائِنِ رَقِيقًا، إنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لَهَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا الْمَنْكُوحَةُ إذَا حَبِلَتْ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْوَاطِئِ سَقَطَتْ عَنْ الزَّوْجِ قَطْعًا، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ مَا دَامَ الزَّوْجُ حَيًّا، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا السُّقُوطُ، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَدَمُ السُّقُوطِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (قُلْت: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا ثَمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَاغْتُفِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ هُنَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَقَدْ بَانَتْ بِالْمَوْتِ، وَالْحَائِلُ الْبَائِنُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَإِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهَا بِسَبَبِهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْحَاضِنَةِ لِلْوَلَدِ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَاضِنَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ: تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى بِنَفْيِ الْحَمْلِ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَلَوْ كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الرَّضَاعِ. فَإِنْ قِيلَ رُجُوعُهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى الْوَلَدِ يُنَافِي إطْلَاقَهُمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِقَرْضٍ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُنَا تَعَدَّى بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ، فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ.
المتن: وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنٍ النِّكَاحِ، وَقِيلَ تَجِبُ الْكِفَايَةُ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ، فَإِذَا ظَهَرَ وَجَبَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَقِيلَ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنِ) أَيْ كَنَفَقَةِ زَمَنِ (النِّكَاحِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهِ (وَقِيلَ) لَا تُقَدَّرُ بَلْ (تَجِبُ الْكِفَايَةُ) فَتُزَادُ وَتَنْقُصُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ، وَالرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ (دَفْعُهَا) لِلْحَامِلِ (قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ) سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهَا لَهَا أَمْ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ سَبَبَ الْوُجُوبِ (فَإِذَا ظَهَرَ) حَمْلُهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الزَّوْجِ أَوْ تَصْدِيقِهِ لَهَا (وَجَبَ) دَفْعُ النَّفَقَةِ لَهَا (يَوْمًا بِيَوْمٍ) أَيْ كُلَّ يَوْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أُخِّرَتْ إلَى الْوَضْعِ لَتَضَرَّرَتْ (وَقِيلَ) لَا يَجِبُ دَفْعُهَا كَذَلِكَ بَلْ (حَتَّى تَضَعَ) فَتُدْفَعَ لَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ السَّبَبُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ أَمْ لَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْلَمُ، وَعَلَيْهِ لَوْ ادَّعَتْ ظُهُورَهُ فَأَنْكَرَ فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ، وَتَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَيَثْبُتُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ، وَلَهُنَّ أَنْ يَشْهَدْنَ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا عَرَفْنَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْفَقَ يَظُنُّ الْحَمْلَ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا، وَمَرَّ مِثْلُهُ فِي الرَّجْعِيَّةِ (وَلَا تَسْقُطُ) نَفَقَةُ الْعِدَّةِ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) مِنْ غَيْرِ إنْفَاقٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا فَتَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا أَوْ لِلْحَمْلِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: بِالْأَوَّلِ لَمْ تَسْقُطْ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي سَقَطَتْ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ النَّفَقَةِ. إنْ قُلْنَا: إنَّهَا لَهَا سَقَطَتْ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: لَا نَفَقَةَ لِحَامِلٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَعْتَقَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَامِلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَدَّ نَفَقَةُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الْحَامِلِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ نَشَزَتْ الْحَامِلُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَلَوْ بَائِنًا، وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بَلْ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَإِتْلَافِهِ مَنَافِعَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا وَكَانَ قَدْ تَسَلَّمَهَا اسْتَرَدَّ، وَلَيْسَ مُرَادًا. .
المتن: أَعْسَرَ بِهَا فَإِنْ صَبَرَتْ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَارِ بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا، إذَا (أَعْسَرَ) الزَّوْجُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ فَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِهَا) أَيْ: نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَتَلَفِ مَالِهِ (فَإِنْ صَبَرَتْ) بِهَا وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَتْهُ (صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يُقْرِضْهَا الْقَاضِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَإِنْ مَنَعَتْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا عَلَيْهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِمْهَالِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَصْبِرْ (فَلَهَا الْفَسْخُ) بِالطَّرِيقِ الْآتِي (عَلَى الْأَظْهَرِ) وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الثَّانِي، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: سَنَةً؟ فَقَالَ: نَعَمْ سَنَةٌ "، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَبِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَزْنِيِّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ}، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ بِنُشُوزِهَا وَعَجْزِهَا عَنْ التَّمْكِينِ. فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُقَابِلِهِ. أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا فَسْخَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فَسْخَ لَهَا أَيْضًا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ، سَوَاءٌ أَخَدَمَتْ نَفْسَهَا أَمْ اسْتَأْجَرَتْ أَمْ أَنْفَقَتْ عَلَى خَادِمهَا. نَعَمْ تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمَخْدُومَةِ لِرُتْبَتِهَا. أَمَّا مَنْ تُخْدَمُ لِمَرَضِهَا وَنَحْوِهِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ كَالْقَرِيبِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ فُرْقَةَ طَلَاقٍ بَلْ فَسْخٍ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَتْنِ، وَالرَّجْعِيَّةُ كَالَّتِي فِي الْعِصْمَةِ، قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ.
المتن: وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ، وَلَوْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهَا الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا، وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ) لِلزَّوْجَةِ (بِمَنْعِ) أَيْ امْتِنَاعِ (مُوسِرٍ) مِنْ الْإِنْفَاقِ بِأَنْ لَمْ يُوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَ (حَضَرَ) زَوْجُهَا (أَوْ غَابَ) عَنْهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ أَوْ بِيَدِهَا إنْ قَدَرَتْ وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا فَيُلْزِمُهُ بِدَفْعِ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ بِأَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا؟ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا فَسْخَ مَا دَامَ الزَّوْجُ مُوسِرًا، وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ ا هـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَغَالِبُ ظَنِّي الْوُقُوفُ عَلَى هَذَا النَّصِّ فِي الْأُمِّ، فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ نَصٌّ يُخَالِفُهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُ الْمَنْعُ بِالتَّعَذُّرِ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ ا هـ. وَهَذَا أَحْوَطُ، وَالْأَوَّلُ أَيْسَرُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " مُوسِرٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ غَابَ وَجُهِلَ حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِصْحَابًا لِدَوَامِ النِّكَاحِ. قَالَ: فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا بِالْبَلَدِ خَفِيَ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لَمْ يُؤْثَرْ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهَا تَعْلَمُهُ وَيَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ (وَلَوْ حَضَرَ) الزَّوْجُ (وَغَابَ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ) غَائِبًا (بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرَ (فَلَهَا الْفَسْخُ) وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي فَسْخِ الْبَائِعِ عِنْدَ غَيْبَةِ الثَّمَنِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِنَحْوِ اسْتِدَانَةٍ وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ لَهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُحْضِرُهُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إجَابَتُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (فَلَا) فَسْخَ لَهَا (وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ) بِسُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ (وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ) مَثَلًا (بِهَا) عَنْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ (لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ) بَلْ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِقَضَائِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا، وَلَوْ سَلَّمَهَا الْمُتَبَرِّعُ لِلزَّوْجِ ثُمَّ سَلَّمَهُ الزَّوْجُ لَهَا لَمْ يُفْسَخْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَالزَّوْجُ تَحْتَ حَجْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَبُولُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِهِ وَلَدَ الزَّوْجِ وَسَيِّدَهُ. قَالَ: وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا أَعْسَرَ الْأَبُ وَتَبَرَّعَ وَلَدُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لَهَا إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِ مُؤَجِّلٍ بِقَدْرِ مُدَّةِ إحْضَارِ مَالِ الْغَائِبِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الْفَسْخُ بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِ بِدُونِ ذَلِكَ. وَلَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا لِكَوْنِ مَالِهِ عُرُوضًا لَا يُرْغَبُ فِيهَا وَلِكَوْنِ دَيْنِهِ حَالًّا عَلَى مُعْسِرٍ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ الْإِعْسَارِ لَا تَصِلُ إلَى حَقِّهَا، وَالْمُعْسِرُ يَنْظُرُ بِخِلَافِهَا فِي حَالِ الْيَسَارِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَلَى مُوسِرٍ حَاضِرٍ غَيْرِ مُمَاطِلٍ، وَلَوْ غَابَ الْمَدْيُونُ الْمُوسِرُ وَكَانَ مَالُهُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا وَمَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ الزَّوْجِ غَائِبًا، وَلَا يُفْسَخُ بِكَوْنِ الزَّوْجِ مَدْيُونًا وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ حَتَّى يَصْرِفَهُ إلَيْهَا، وَلَا تُفْسَخُ بِضَمَانِ غَيْرِهِ لَهُ بِإِذْنِهِ نَفَقَةُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ بِأَنْ تَجَدَّدَ ضَمَانُ كُلِّ يَوْمٍ. وَأَمَّا ضَمَانُهَا جُمْلَةً لَا يَصِحُّ فَتُفْسَخُ بِهِ (وَقُدْرَتُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ) أَيْ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهَا هَكَذَا تَجِبُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدَّخِرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَّصِلًا ثُمَّ لَا يَكْسِبُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَلَا فَسْخَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ، وَلَا تَشُقُّ الِاسْتِدَانَةُ لِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُصْبِرَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا نَفَقَةٍ، بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْوَاجِدِ لِنَفَقَتِهَا وَتُنْفِقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أُسْبُوعٍ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ فِيهِ لِعَارِضٍ فَسَخَتْ لِتَضَرُّرِهَا، وَيَكُونُ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِقَدْرِ مَا مَرَّ فِيهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْكَسْبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَمْ تَفْسَخْ، كَالْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ تَعَاطِيهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوَائِلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى كَسْبٍ وَاسِعٍ لَا يُخْرِجهُ عَنْ حَدِّ الْإِعْسَارِ وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْكَسْبَ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَلَالٍ. أَمَّا إذَا كَانَ الْكَسْبُ بِأَعْيَانٍ مُحَرَّمَةٍ كَبَيْعِ الْخَمْرِ أَوْ كَانَ الْفِعْلُ الْمُوَصِّلُ لِلْكَسْبِ مُحَرَّمًا كَكَسْبِ الْمُنَجِّمِ وَالْكَاهِنِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ؛ وَإِنْ خَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي (وَإِنَّمَا يُفْسَخُ) لِلزَّوْجَةِ النِّكَاحُ (بِعَجْزِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ) حَاضِرَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ مُتَوَسِّطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ الْآنَ نَفَقَةُ مُعْسِرٍ فَلَا يَصِيرُ الزَّائِدُ دَيْنًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ إذَا أَنْفَقَ مُدًّا فَإِنَّهَا لَا تُفْسَخُ وَيَصِيرُ الْبَاقَّيْ دَيْنًا عَلَيْهِ. فُرُوعٌ: لَوْ وَجَدَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْمُدِّ بُكْرَةَ غَدٍ وَقْتِهِ وَنِصْفَهُ عِشَاءً كَذَلِكَ لَمْ تُفْسَخُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَجَدَ يَوْمًا مُدًّا وَيَوْمًا نِصْفَ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَلَوْ وَجَدَ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا كَمَا شَمِلَتُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ.
المتن: وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ، وَكَذَا بِالْأُدْمِ، وَالْمَسْكَنِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ فِي الْأُدْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ كَهُوَ) أَيْ كَالْإِعْسَارِ (بِالنَّفَقَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَبْقَى الْبَدَنُ بِدُونِهَا غَالِبًا، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى بِدُونِهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِعْسَارِ بِبَعْضِ الْكِسْوَةِ، وَأَطْلَقَ الْفَارِقِيُّ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَالتَّحْرِيرَ فِيهَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْقَمِيصِ، وَالْخِمَارِ، وَجُبَّةِ الشِّتَاءِ، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ بُدٌّ كَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَبَعْضِ مَا يُفْرَشُ وَالْمِخَدَّةِ فَلَا خِيَارَ وَلَا فَسْخَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا كَالسُّكْنَى وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ (وَكَذَا) الْإِعْسَارُ (بِالْأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ) كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُعْسَرُ الصَّبْرُ عَلَى الْخُبْزِ الْبَحْتِ، أَيْ: الَّذِي بِلَا أُدْمٍ، وَلَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَسْكَنٍ يَقِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. وَالثَّانِي: لَا فَسْخَ بِذَلِكَ. أَمَّا الْمَسْكَنُ فَلِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْدَمُ مَسْجِدًا أَوْ مَوْضِعًا مُبَاحًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَالْحَوَالَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى السُّؤَالِ. وَأَمَّا الْأُدْمُ فَلِأَنَّ الْبَدَنَ يَقُومُ بِدُونِهِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ) أَيْ: مَنْعُ فَسْخِهَا (فِي) الْإِعْسَارِ بِسَبَبِ (الْأُدْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِخِلَافِ الْقُوتِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الْكَبِيرِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، وَتَوَسَّطَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْقُوتُ مِمَّا يَنْسَاغُ دَائِمًا لِلْفُقَرَاءِ بِلَا أُدْمٍ فَلَا فَسْخَ وَإِلَّا فُسِخَتْ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ.
المتن: وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا تُفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ لَا بَعْدَهُ، وَلَا فَسْخَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ إعْسَارُهُ فَيَفْسَخَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ فِي قَوْلٍ يُنَجَّزُ الْفَسْخُ، وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ، وَلَوْ مَضَى يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ وَعَجَزَ الرَّابِعَ بَنَتْ، وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ.
الشَّرْحُ: (وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ (تَفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ مَعَ بَقَاءِ الْمُعَوَّضِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا الْفَسْخُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَكَلَامُ التَّتِمَّةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَ (لَا) تُفْسَخُ (بَعْدَهُ) لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ وَصَيْرُورَةِ الْعِوَضِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِ الْمَهْرِ. وَالثَّالِثُ: تُفْسَخُ مُطْلَقًا، أَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَمَّا مَرَّ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُتْلَفُ حَقِيقَةً بِالْوَطْءِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا، فَلَوْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ وَأَعْسَرَ بِالْبَاقِي أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ بِعَجْزِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ بِقِسْطِهِ، فَلَوْ فَسَخَتْ لَعَادَ لَهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ لِتَعَذُّرِ الشَّرِكَةِ فِيهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ فِيمَا اسْتَقَرَّ لِلزَّوْجِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْفَلَسِ لِإِمْكَانِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَيْعِ، وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِصِدْقِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَهْرِ بِالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الْوَجْهُ نَقْلًا وَمَعْنًى ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ يَلْزَمُ عَلَى فَتْوَى ابْنِ الصَّلَاحِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إجْبَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ بَعْضِ الصَّدَاقِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِمَّا اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ، وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ، وَلَوْ أُجْبِرَتْ لَاتَّخَذَ الْأَزْوَاجُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنْ حَبْسِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ صَدَاقٍ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ جَوَّزْنَا لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخَ لَعَادَ إلَيْهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْفَسْخُ لَلَزِمَ إجْبَارُهَا عَلَى تَسْلِيمِ الْبُضْعِ بِكَمَالِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي رُجُوعِ الْبُضْعِ إلَيْهَا بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ بِكَمَالِهِ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْهُ (وَلَا فَسْخَ) بِإِعْسَارِ زَوْجٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (حَيْثُ يَثْبُتُ عِنْدَ قَاضٍ) بَعْدَ الرَّفْعِ أَوْ عِنْدَ مُحَكِّمٍ (إعْسَارُهُ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ، وَيَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي إذَا قُلْنَا: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَفْسَخَهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ (أَوْ يَأْذَنُ لَهَا فِيهِ) وَلَيْسَ لَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالْعَجْزِ الْفَسْخُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ إلَى إيقَاعِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْفَسْخِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا قَدَرَتْ عَلَى الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي، فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِعَدَمِ حَاكِمٍ وَمُحَكِّمٍ، أَوْ عَجَزَتْ عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلضَّرُورَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَكَذَا بَاطِنًا كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ نَقْلِ الْإِمَامِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَفْسَخُهُ بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فِيهِ وَفِي يَأْذَنُ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى يَثْبُتَ (ثُمَّ) عَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ لَا يُمْهَلُ بِهَا (فِي قَوْلٍ) وَنُسِبَ لِلْقَدِيمِ بَلْ (يُنَجَّزُ الْفَسْخُ) عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْإِعْسَارُ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَا تَلْزَمُ الْإِمْهَالَ بِالْفَسْخِ (وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ الْإِمْهَالَ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ لِعَارِضٍ ثُمَّ يَزُولُ، وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ يُتَوَقَّعُ فِيهَا الْقُدْرَةُ بِقَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَهَا) بَعْدَ الْإِمْهَالِ (الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ) بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ بِلَا مُهْلَةٍ إلَى بَيَاضِ النَّهَارِ لِتَحَقُّقِ الْإِعْسَارِ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ) أَيْ الرَّابِعِ فَقَطْ فَلَا تُفْسَخُ لِمَا مَضَى حِينَئِذٍ لِتَبَيُّنِ زَوَالِ الْعَارِضِ الَّذِي كَانَ الْفَسْخُ لِأَجْلِهِ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ نَفَقَةَ الرَّابِعِ عَنْ نَفَقَةِ الْخَامِسِ بَنَتْ عَلَى الْمُدَّةِ وَلَمْ تَسْتَأْنِفْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَوْ مَضَى) عَلَى زَوْجِهَا (يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ) بِأَنْ سَلَّمَ زَوْجَتَهُ نَفَقَتَهُ (وَعَجَزَ الرَّابِعَ) أَيْ: عَجَزَ فِيهِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفَقَتِهِ (بَنَتْ) عَلَى الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الْخَامِسِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ لِتَضَرُّرِهَا بِالِاسْتِئْنَافِ (وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ) مُدَّةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ الْأَوَّلَ قَدْ زَالَ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً فَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَةَ يَوْمٍ قَدَرَ فِيهِ عَنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ قَبْلَهُ عَجَزَ فِيهِ عَنْ نَفَقَتِهِ لِتَفْسَخَ عِنْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدِّي، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: لَهَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ بِالتَّلْفِيقِ. وَثَانِيهِمَا: لَا، وَتُجْعَلُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا مُبْطِلَةً لِلْمُهْلَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَبَادِرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ فَسْخِهَا بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أَيَّامِ الْمُهْلَةِ لَا فِيهَا.
المتن: وَلَهَا الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ لَيْلًا.
الشَّرْحُ: (وَلَهَا الْخُرُوجُ) مِنْ بَيْتِهَا (زَمَنَ الْمُهْلَةِ) نَهَارًا (لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ) بِكَسْبٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ سُؤَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَقِيرَةً أَمْ غَنِيَّةً؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَالطَّاعَةَ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا لَمْ يُوَفِّهَا مَا عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا حَجْرًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهَا أَوْ كَسْبٍ فِي بَيْتِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ (وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ) إلَى بَيْتِهَا (لَيْلًا) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِيوَاءِ دُونَ الْعَمَلِ وَالِاكْتِسَابِ، وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَهَارًا، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ فَكَذَا لَيْلًا، لَكِنْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْ ذِمَّةِ الزَّوْجِ مُدَّةَ مَنْعِهَا، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي سُقُوطُهَا حَيْثُ مَنَعَتْهُ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، فَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّمَتُّعَ بِهَا لَيْلًا لَا نَهَارًا مِنْ الْمُهْلَةِ، فَإِنْ أَبَتْ نَهَارَهُ فَلَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ، أَوْ لَيْلًا فَنَاشِزَةٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَتَبِعَهُ فِي الْكِفَايَةِ.
المتن: وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا، وَلَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ) الْعَارِضِ (أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ الرِّضَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهَا: رَضِيت بِإِعْسَارِهِ أَبَدًا فَإِنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ يَوْمَ الرِّضَا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَيَتَجَدَّدُ الْإِمْهَالُ إذَا طَلَبَتْ الْفَسْخَ بَعْدَ الرِّضَا (وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا) فَسْخَ لَهَا بِذَلِكَ بَعْدَ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَالْحَاصِلُ مَرْضِيٌّ بِهِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ، بَلْ قَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الْفَسْخِ، لَكِنَّهُمَا رَجَّحَا عَدَمَهُ، كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ بَدَا لَهَا أَنْ تَفْسَخَ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، فَقَدْ حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ، وَذَلِكَ عَنْ الْقَدِيمِ، وَقَدْ اغْتَرَّ فِي الرَّوْضَةِ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ عِنْدِهِ لَمَّا لَمْ يَقِفْ عَلَى غَيْرِهِ وَزَادَ فَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَعَلَى الْفَسْخِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ ا هـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْفَسْخِ لِمَا مَرَّ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَمَّا لَوْ نَكَحَتْ ثُمَّ عَلِمَتْ بِإِعْسَارِهِ فَأَمْسَكَتْ عَنْ الْمُحَاكَمَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَهُوَ فِي الْحَاوِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِهَا الْمَهْرَ كَانَ رِضًا بِالْإِعْسَارِ وَسَقَطَ خِيَارُهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَسْقُطْ، فَقَدْ تُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ لِوَقْتِ الْيَسَارِ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي عَلَى الْفَوْرِ، فَلَوْ أَخَّرَتْ الْفَسْخَ سَقَطَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَقَدْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ وَقَبْلَهُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَخِّرُ الطَّلَبَ لِتَوَقُّعِ الْيَسَارِ، وَعُلِمَ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا دُونَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِتَأْخِيرِ النَّفَقَةِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ (وَ) اعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَحِينَئِذٍ (لَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ) وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا (بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ) كَمَا لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ وَالشَّهْوَةِ فَلَا يُفَوَّضُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقَّةٍ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَنَفَقَةِ الْخَلِيَّةِ وَتَصِيرُ نَفَقَتُهُمَا وَمَهْرُهُمَا دَيْنًا عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ عَدَمَ فَسْخِ وَلِيِّ الْبَالِغَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَالسَّفِيهَةُ الْبَالِغَةُ هُنَا كَالرَّشِيدَةِ.
المتن: وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ بِالنَّفَقَةِ فَلَهَا الْفَسْخُ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ: افْسَخِي أَوْ جُوعِي.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ) أَوْ مَنْ فِيهَا رِقٌّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (بِالنَّفَقَةِ) أَوْ الْكِسْوَةِ (فَلَهَا الْفَسْخُ) بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، فَإِنْ ضَمِنَ لَهَا النَّفَقَةَ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِهَا صَحَّ كَضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَضْمَنُ السَّيِّدُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْأَصْلِ لَهَا، ثُمَّ يَتَلَقَّاهَا السَّيِّدُ فَصَحَّ ضَمَانُهُ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا مَا لَوْ أَنْفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا حِينَئِذٍ، وَمَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَةَ أَحَدِ أُصُولِ سَيِّدِهَا الْمُوسِرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا لَهَا، وَأُلْحِقَ بِهَا نَظَائِرُهَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ وَاسْتَخْدَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَيَظْهَرُ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ إنْ لَمْ تَرْضَ بِذِمَّتِهِ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا السَّيِّدُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (فَإِنْ رَضِيَتْ) وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِإِعْسَارِهِ (فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي النَّفَقَةِ لَهُ وَضَرَرُ فَوَاتِهَا يَعُودُ إلَيْهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ فَيَكُونُ الْفَسْخُ لَهَا. تَنْبِيهٌ: اُحْتُرِزَ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ لَهَا بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، بَلْ هُوَ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي فَوَاتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ نَفَقَتَهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً وَلَكِنْ (لَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ) أَيْ الْفَسْخِ (بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ) لَهَا (افْسَخِي أَوْ جُوعِي) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِذَا فَسَخَتْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا أَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَفَى نَفْسَهُ مُؤْنَتَهَا، أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إلْجَاؤُهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُهُمَا الْفَسْخُ. فُرُوعٌ: لِلْأَمَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِالنَّفَقَةِ كَمَا كَانَتْ تُطَالِبُ السَّيِّدَ، فَإِنْ أَعْطَاهَا لَهَا بَرِئَ مِنْهَا وَمَلَكَهَا السَّيِّدُ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ، لَكِنْ لَهَا قَبْضُهَا وَتَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْمَأْذُونَةِ فِي الْقَبْضِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ، وَفِي تَنَاوُلِهَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَتَعَلَّقَتْ الْأَمَةُ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ إبْدَالِهَا لَهَا بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِحَقِّ الْمِلْكِ، لَكِنْ لَهَا فِيهَا حَقُّ التَّوَثُّقِ، فَإِنْ أَبْدَلَهَا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ لَهَا إبْرَاءُ زَوْجِهَا مِنْ نَفَقَةِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَكَأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَتَمَحَّضُ الْحَقُّ لَهَا، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا مِنْ نَفَقَةِ أَمْسِ كَمَا فِي الْمَهْرِ، وَأَمَّا السَّيِّدُ فَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَمْسِ لَا نَفَقَةِ الْيَوْمِ، وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ تَسْلِيمَ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَأَنْكَرَتْ الْأَمَةُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ بَرِئَ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لِلسَّيِّدِ فِي الْمَاضِيَةِ كَالْمَهْرِ دُونَ الْحَاضِرَةِ، وَمَنْ طُولِبَ بِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَادَّعَى الْإِعْسَارَ يَوْمَ وُجُوبِهَا حَتَّى يَلْزَمَهُ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ وَادَّعَتْ هِيَ الْيَسَارَ فِيهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ الْكَسْبِ الَّذِي كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ وَلَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِذِمَّتِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَإِنْ رَضِيَتْ صَارَتْ نَفَقَتُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَوْ عَجَزَ السَّيِّدُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ أُجْبِرَ عَلَى تَخْلِيَتِهَا لِتَكْتَسِبَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى إيجَارِهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهَا أَوْ تَزْوِيجِهَا كَمَا لَا يُرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ بِالْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ فَنَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ.
المتن: يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ، وَإِنْ عَلَا، وَالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَالْمُوجِبُ لَهَا قَرَابَةُ الْبَعْضِيَّةِ فَقَطْ (يَلْزَمُهُ) أَيْ الشَّخْصَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (نَفَقَةُ الْوَالِدِ) الْحُرِّ (وَإِنْ عَلَا) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَالْوَلَدِ) الْحُرِّ (وَإِنْ سَفَلَ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا، وَخَبَرُ: {أَطْيَبُ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مُلْحَقُونَ بِهِمَا إنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي عُمُومِ ذَلِكَ كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمَا فِي الْعِتْقِ وَالْمِلْكِ وَعَدَمِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، إذْ إيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ: {خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالْأَوْلَادِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُنْبِطَ مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ غَيْرَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُكْمًا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ النَّقِيبِ وَذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَلَا يَضُرُّ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافُ الدِّينِ كَمَا قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا) فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْكَافِرِ الْمَعْصُومِ وَعَكْسُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْمِيرَاثِ؟. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَخَرَجَ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَفَقَةَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ الدِّينِ فِي غَيْرِ الْأَبْعَاضِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ كَمَا قَيَّدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالْحُرِّ الرَّقِيقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا، فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمُعْسِرِ، وَالْمُعْسِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ هُنَا؟. أُجِيبَ: بِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ وَتَلْزَمُ الْمُعْسِرَ، وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ مُوَاسَاةٌ، وَلَا تَلْزَمُ الْمُعْسِرَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ لِإِعْسَارِهِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ تَامَّةٌ لِتَمَامِ مِلْكِهِ فَهُوَ كَحُرِّ الْكُلِّ، وَقِيلَ: بِحَسَبِ حُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَتُبَعَّضُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالسَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ رِقٍّ وَحُرِّيَّةٍ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ قَرِيبَهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ هُنَا لِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ، بَلْ نَفَقَتُهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ؛ لِأَنَّ مَا مَعَهُ إمَّا غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمْلُوكٌ مُسْتَحَقٌّ فِي كِتَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وُلِدَ مِنْ أَمَتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ رَقَّ رَقَّ الْوَلَدُ أَيْضًا فَيَكُونُ قَدْ أَنْفَقَ مَالَ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ أَوْ وَلَدٍ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ أَمَةُ سَيِّدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ، فَإِنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ رَقَّ فَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَ سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ وَلَدِهِ مِنْ مُكَاتَبَةِ سَيِّدِهِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْتِقُ فَيَتْبَعُهَا الْوَلَدُ لِكِتَابَتِهِ عَلَيْهَا وَيَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مَالَ سَيِّدِهِ، وَبِالْمَعْصُومِ غَيْرُهُ مِنْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: تَجِبُ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمَا سَيَأْتِي. . أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّقِيقَ لَمَّا كَانَ السَّيِّدُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يُزِلْ مِلْكَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. تَنْبِيهٌ: كَمَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ نَفَقَةُ الْأَبِ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ الْمُحْتَاجِ لِخِدْمَتِهِ وَكَذَا زَوْجَتُهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِعْفَافِ بِخِلَافِ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى الْأَصَحِّ.
المتن: بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ، وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَيَلْزَمُ كَسُوبًا كَسْبُهَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَقَالَ: (بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ) مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْيَسَارُ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُ الْوَالِدِ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَسْتَقْرِضُ عَلَيْهِ وَيُؤْمَرُ بِوَفَائِهِ إذَا أَيْسَرَ (بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ) وَلَيْلَتِهِ الَّتِي تَلِيهِ سَوَاءٌ أَفَضَلَ ذَلِكَ بِكَسْبٍ أَمْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْقُوتِ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ مَسْكَنٍ وَمَلْبَسٍ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِالْحَاجَةِ كَانَ أَوْلَى، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْعِيَالَ وَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِالزَّوْجَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ خَادِمَهَا وَأُمَّ وَلَدِهِ فِي حُكْمِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْفَلَسِ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَوَّلَ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ خِلَافَهُ (وَيُبَاعُ فِيهَا) أَيْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ) مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِذَا بِيعَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ فَفِي الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَفِي كَيْفِيَّةِ بَيْعِ الْعَقَارِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُبَاعُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. وَالثَّانِي: يَسْتَقْرِضُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يَسْهُلُ بَيْعُ الْعَقَارِ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ ا هـ. وَقَدْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ تَصْحِيحَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْعَبْدِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلْيُرَجَّحْ هُنَا، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي إلَّا الْكُلَّ وَتَعَذَّرَ الْإِقْرَاضُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَبِيعُ الْكُلَّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشْطِيرِ (وَيَلْزَمُ كَسُوبًا) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (كَسْبُهَا فِي الْأَصَحِّ) إذَا وَجَدَ مُبَاحًا يَلِيقُ بِهِ لِخَبَرِ: {كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ}، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ بِالْمَالِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَكَمَا يَلْزَمُهُ إحْيَاءُ نَفْسِهِ بِالْكَسْبِ فَكَذَا بَعْضُهُ، وَالثَّانِي لَا، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْرُهَا يَسِيرٌ، وَالدَّيْنُ لَا يَنْضَبِطُ قَدْرُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ الْقَرِيبُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلَا أَنْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ، فَإِنْ فَعَلَ وَصَارَ بِذَلِكَ غَنِيًّا لَزِمَهُ مُؤْنَةُ قَرِيبِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الِاكْتِسَابِ لِزَوْجَةِ الْأَبِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى اكْتِسَابِ مُتَوَسِّطٍ أَوْ مُوسِرٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْبَارَ.
المتن: وَلَا تَجِبُ لِمَالِكٍ كِفَايَتَهُ وَلَا لِمُكْتَسِبِهَا، وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَإِلَّا فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ، وَالثَّالِثُ لِأَصْلٍ، لَا فَرْعٍ. قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِمَالِكٍ كِفَايَتَهُ) وَلَوْ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا (وَلَا لِمُكْتَسِبِهَا) بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى كَسْبِ كِفَايَتِهِ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ يَلِيقُ بِهِ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَكْسِبُ دُونَ كِفَايَتِهِ اسْتَحَقَّ الْقَدْرَ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ خَاصَّةً. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَدَرَتْ الْأُمُّ أَوْ الْبِنْتُ عَلَى النِّكَاحِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ؟. أُجِيبَ: بِأَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ لَا نِهَايَةَ لَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاكْتِسَابِ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِالْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا إلَى أَنْ يَفْسَخَ لِئَلَّا تَجْمَعَ بَيْنَ نَفَقَتَيْنِ (وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا) وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ الْعَاجِزَ بِمَرَضٍ أَوْ عَمًى، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (أَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) لِعَجْزِهِ عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ، وَلِلْوَلِيِّ حَمْلُ الصَّغِيرِ عَلَى الِاكْتِسَابِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ، فَلَوْ هَرَبَ أَوْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى وَلِيِّهِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَرَامٍ كَالْكَسْبِ بِآلَةِ الْمَلَاهِي فَهُوَ كَالْعَدَمِ، وَكَذَا الْكَسْبُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا ذَكَرَهُ (فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ) مُطْلَقًا لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبُحُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُكَلِّفَ قَرِيبَهُ الْكَسْبَ مَعَ اتِّسَاعِ مَالِهِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ عَنْ غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ (لِأَصْلٍ لَا فَرْعٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِتَأْكِيدِ حُرْمَةِ الْأَصْلِ (قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ) لِمَا ذُكِرَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَاقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحَيْنِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ مَأْمُورٌ بِمُعَاشَرَةِ أَصْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْهَا تَكْلِيفُهُ الْكَسْبَ مَعَ كِبَرِ السِّنِّ، وَكَمَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ، وَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ.
المتن: وَهِيَ الْكِفَايَةُ.
الشَّرْحُ: (وَهِيَ) أَيْ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ (الْكِفَايَةُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ}، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ، وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ، وَيَجِبُ إشْبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَجِبُ إشْبَاعُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الشِّبَعِ، وَيَجِبُ لَهُ الْأُدْمُ كَمَا يَجِبُ لَهُ الْقُوتُ، وَيَجِبُ لَهُ مُؤْنَةُ خَادِمٍ إنْ احْتَاجَهُ مَعَ كِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَثَمَنِ أَدْوِيَةٍ.
المتن: وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ سُلِّمَتْ النَّفَقَةُ إلَى الْقَرِيبِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَجَبَ إبْدَالُهَا، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ فِي إبْدَالِهَا إجْحَافٌ بِالدَّافِعِ خُصُوصًا مَعَ تَكْرَارِ الْإِتْلَافِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّافِعَ مُقَصِّرٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ، لَكِنْ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ فِيهِ الضَّمَانُ إذَا أَيْسَرَ كَمَا قَالَاهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ فِي الرَّشِيدِ دُونَ غَيْرِهِ لِتَقْصِيرِ الدَّافِعِ بَلْ سَبِيلُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يُطْعِمُهُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ شَيْئًا، وَالنَّفَقَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا إمْتَاعٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا) بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَإِنْ تَعَدَّى الْمُنْفِقُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا تَصِيرُ دَيْنًا) فِي ذِمَّتِهِ (إلَّا بِفَرْضِ) بِالْفَاءِ بِخَطِّهِ (قَاضٍ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ) بِالْقَافِ (لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِتَأَكُّدِ ذَلِكَ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ، وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الطَّرِيقَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَحُكَّامُ الْعَصْرِ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ ظَانِّينَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهَا وَتَحْرِيرُهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِهِ لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ، وَمُحَاوَلَةُ إثْبَاتِ خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ فِيهِ تَكَلُّفٌ مَحْضٌ ا هـ. فَالْمُعْتَمَدُ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِافْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ، أَيْ: قَدَّرَهَا، وَأَذِنَ الْإِنْسَانَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الطِّفْلِ مَثَلًا مَا قَدَّرَهُ فِي غَيْبَةِ الْقَرِيبِ أَوْ مَنَعَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى قَرِيبِهِ، فَإِذَا أَنْفَقَ صَارَ فِي ذِمَّةِ الْقَرِيبِ، قَالَ: وَهِيَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْرَاضِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الِاسْتِقْرَاضُ بَعْدَ إذْنِ الْقَاضِي وَمَضَى زَمَنٌ لَمْ يُسْتَقْرَضْ فِيهِ، أَيْ: لَمْ يَجِبْ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَذِنَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ فَاسْتَقْرَضَ ا هـ. وَهَذَا الْحَمْلُ هُوَ الْمُرَادُ، وَإِلَّا فَيُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مِنْ اللَّفْظِ لَا مِنْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَرِيبِ إنَّمَا هُوَ وَفَاءُ الدَّيْنِ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا الْوَفَاءُ نَفَقَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأَبَ لَوْ نَفَى الْوَلَدَ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَاسْتَقْرَضَتْ الْأُمُّ عَنْهُ وَأَشْهَدَتْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا اسْتَقْرَضَتْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ لَهَا، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ جَعَلْنَا النَّفَقَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا الْتَحَقَتْ بِنَفَقَتِهَا، وَلِلْقَرِيبِ أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ إنْ وَجَدَ جِنْسَهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ الِاسْتِقْرَاضُ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا وَعَجَزَ الْقَاضِي، وَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ كَجَدِّ الطِّفْلِ الْمُحْتَاجِ وَأَبُوهُ غَائِبٌ مَثَلًا، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَخْذُ " النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ فَرْعِهِمَا الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَلَهُمَا إيجَارُهُ لَهَا لِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَلَا تَأْخُذُهَا الْأُمُّ مِنْ مَالِهِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَلَا الِابْنُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْحَاكِمِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا فَيُؤَدِّي الْقَاضِي الِابْنَ الزَّمِنَ إجَارَةَ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا صَلُحَ لِنَفَقَتِهِ.
المتن: وَعَلَيْهَا إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ.
الشَّرْحُ: (وَعَلَيْهَا) أَيْ الْأُمِّ (إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ) وَهُوَ بِهَمْزٍ وَقَصْرٍ: اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا، وَغَيْرِهَا وَلَا يُغْنِي كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا أَوْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى وَتَشْتَدُّ بِنْيَتُهُ إلَّا بِهِ. قَالَ: وَإِلَّا فَنُشَاهِدُ مَنْ يَعِيشُ بِلَا لِبَإٍ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، وَلَا يَلْزَمُهَا التَّبَرُّعُ بِإِرْضَاعِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ بَدَلَ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ إلَّا بِالْبَدَلِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُتَعَرَّضُوا لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ بِهِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: مُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْقِيَ اللِّبَأَ حَتَّى يُرْوَى وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعُ إلَى الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا تَكْفِيهِ مَرَّةٌ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ كَفَتْ وَإِلَّا عُمِلَ بِقَوْلِهِمْ.
المتن: ثُمَّ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ إرْضَاعُهُ، وَإِنْ وُجِدَتَا لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ، فَإِنْ رَغِبَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (ثُمَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إرْضَاعِ اللِّبَإِ (إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ) أَيْ الْأُمُّ (أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ) عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا (إرْضَاعُهُ) إبْقَاءً لِلْوَلَدِ، وَلَهُمَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَإِنْ وُجِدَتَا) أَيْ الْأُمُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ (لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ) وَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ أَبِيهِ عَلَى إرْضَاعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}، وَإِذَا امْتَنَعَتْ حَصَلَ التَّعَاسُرُ (فَإِنْ رَغِبَتْ) فِي إرْضَاعِهِ (وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ أَبِيهِ) أَيْ الرَّضِيعِ (فَلَهُ مَنْعُهَا) مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ إرْضَاعِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَصْرُوفَةِ إلَى الرَّضَاعِ، وَهَذَا أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا) مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا (وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ أَشْفَقُ وَلَبَنُهَا لَهُ أَصْلَحُ، وَلَا تُزَادُ نَفَقَتُهَا لِلْإِرْضَاعِ، وَإِنْ احْتَاجَتْ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْغِذَاءِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَحَاجَتِهَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ مَنْكُوحَةُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَائِنًا أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ جَزْمًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنْ تَبَرَّعَتْ لَمْ يُنْزَعْ الْوَلَدُ مِنْهَا وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةً فَهِيَ كَالَّتِي فِي نِكَاحِهِ إذَا تَوَافَقَا وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ، وَقَوْلُهُ: أَبِيهِ، أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةَ غَيْرِ أَبِيهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْجَرَةً لِلْإِرْضَاعِ قَبْلَ نِكَاحِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْحُرَّيْنِ، أَمَّا لَوْ كَانَ رَقِيقًا وَالْأُمُّ حُرَّةً فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرٌّ أَوْ رَقِيقٌ قَالَ : فَقَدْ يُقَالُ مَنْ وَافَقَهُ السَّيِّدُ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمُجَابُ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ ا هـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ.
المتن: فَإِنْ اتَّفَقَا وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ أُجِيبَتْ، أَوْ فَوْقَهَا فَلَا.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ اتَّفَقَا) عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تُرْضِعُهُ (وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ) لَهُ (أُجِيبَتْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَكَانَتْ أَحَقَّ بِهِ لِمَا مَرَّ، فَاسْتِئْجَارُ الزَّوْجِ لَهَا لِذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا آخَرَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ مِنْهُ رِضًا بِتَرْكِ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِذَا أَرْضَعَتْ بِالْأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُنْقِصُهُ فَلَهَا مَعَ الْأُجْرَةِ النَّفَقَةُ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَنْكُوحَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالتَّسْوِيَةِ فَقَالَ: فَإِنْ وَافَقَا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ إلَى آخِرِهِ، فَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ (أَوْ) طَلَبَتْ الْأُمُّ (فَوْقَهَا) أَيْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ (فَلَا) تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ لِتَضَرُّرِهِ.
المتن: وَكَذَا إنْ تَبَرَّعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: ، وَلَهُ اسْتِرْضَاعُ أَجْنَبِيَّةٍ (وَكَذَا إنْ تَبَرَّعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ) بِإِرْضَاعِهِ (أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلّ) مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الْأُمِّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ الْأُجْرَةَ مَعَ الْمُتَبَرِّعَةِ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا رَضِيَتْ بِهِ إضْرَارًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}، وَالثَّانِي: تُجَابُ الْأُمُّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا اسْتَمْرَأَ الْوَلَدُ لَبَنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِلَّا أُجِيبَتْ الْأُمُّ إلَى إرْضَاعِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَطْعًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الْعُدُولِ عَنْهَا مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّضِيعِ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ ادَّعَى الْأَبُ وُجُودَ مُتَبَرِّعَةٍ أَوْ رَاضِيَةٍ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَنْكَرَتْ الْأُمُّ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ أُجْرَةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
المتن: وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ أَنْفَقَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَى فَبِالْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ، وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ، أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ، وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فَعَلَى الْأَبِ، وَقِيلَ عَلَيْهِمَا لِبَالِغٍ، أَوْ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ إنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالْأَقْرَبُ، وَإِلَّا فَبِالْقُرْبِ، وَقِيلَ الْإِرْثُ، وَقِيلَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ، وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَفِي الْأَصَحِّ عَلَى الْفَرْعِ، وَإِنْ بَعُدَ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ مِنْ جَانِبِ الْمُنْفِقِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُحْتَاجِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ) فِي قُرْبٍ وَإِرْثٍ أَوْ عَدَمِهِمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَعَدَمِهَا كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ ابْنٍ وَبِنْتٍ (أَنْفَقَا) عَلَيْهِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي قَدْرِ الْيَسَارِ أَوْ أَيْسَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ وَالْآخَرُ بِالْكَسْبِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ إيجَابِ النَّفَقَةِ تَشْمَلُهُمَا، فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أُخِذَ قِسْطُهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا أَمَرَ الْحَاكِمُ الْحَاضِرَ بِالْإِنْفَاقِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ مَالِهِ إذَا وَجَدَهُ. هَذَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ أَهْلًا لِذَلِكَ مُؤْتَمَنًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِلَّا اقْتَرَضَ مِنْهُ الْحَاكِمُ وَأَمَرَ عَدْلًا بِالصَّرْفِ إلَى الْمُحْتَاجِ يَوْمًا فَيَوْمًا (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَفَا فِي الْقُرْبِ (فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ (فَإِنْ اسْتَوَى) قُرْبُهُمَا (فَبِالْإِرْثِ) تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ (فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّتِهِ كَابْنٍ وَابْنِ بِنْتٍ فَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا أَثَرَ لِلْإِرْثِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا أَنْ تَعْتَبِرَ أَوَّلًا (بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ) بَعْدَهُ فَيُقَدَّمُ الْوَارِثُ الْبَعِيدُ عَلَى غَيْرِ الْقَرِيبِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ قُدِّمَ أَقْرَبُهُمَا. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَلَمَّا كَانَتْ طُرُقُ الْأَصْحَابِ قَدْ تُسَمَّى وُجُوهًا صَحَّ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ عَنْهَا بِالْأَصَحِّ (وَالْوَارِثَانِ) عَلَى كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْإِرْثِ دُونَ غَيْرِهِ كَابْنٍ وَبِنْتٍ هَلْ (يَسْتَوِيَانِ) فِي قَدْرِ الْإِنْفَاقِ (أَمْ يُوَزَّعُ) الْإِنْفَاقُ بَيْنَهُمَا (بِحَسَبِهِ) أَيْ الْإِرْثِ (وَجْهَانِ) وَجْهُ التَّوْزِيعِ إشْعَارُ زِيَادَةِ الْإِرْثِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْقُرْبِ، وَوَجْهُ الِاسْتِوَاءِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْإِرْثِ، وَرَجَّحَ هَذَا الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ لَهُ أَبَوَانِ، وَقُلْنَا: نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي فِي الْمِنْهَاجِ بِلَا تَرْجِيحٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا إلَّا مَا كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ (وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ) هُوَ مِنْ تَثْنِيَةِ التَّغْلِيبِ: أَيْ أَبٌ وَأُمٌّ (فَعَلَى الْأَبِ) نَفَقَتُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. أَمَّا الْأُولَى، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وَأَمَّا الثَّانِي فَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ هِنْدٍ (وَقِيلَ) النَّفَقَةُ (عَلَيْهِمَا لِبَالِغٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَبَ فِي الصِّغَرِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ زَالَتْ وَهَلْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا أَمْ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْإِرْثِ؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ الْبَالِغُ غَيْرَ مَعْتُوهٍ، وَإِلَّا فَكَالصَّغِيرِ وَأَبُو الْأَبِ مَعَ الْأُمِّ كَالْأَبِ عَلَى الْأَصَحِّ (أَوْ) كَانَ لِلْفَرْعِ (أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ إنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالْأَقْرَبُ) مِنْهُمْ، فَالْأَقْرَبُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُدْلِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ (فَبِالْقُرْبِ) يُعْتَبَرُ لُزُومُ النَّفَقَةِ (وَقِيلَ الْإِرْثِ) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي طَرَفِ الْفُرُوعِ (وَقِيلَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ) لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِتَفْوِيضِ التَّرْبِيَةِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِوِلَايَةِ الْمَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا الْجِهَةُ الَّتِي تَفِيدُهَا، لَا نَفْسُ الْوِلَايَةِ الَّتِي قَدْ يَمْنَعُ مِنْهَا مَانِعٌ مَعَ وُجُودِ الْجِهَةِ، وَعَلَى هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ (وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَفِي الْأَصَحِّ) تَجِبُ النَّفَقَةُ (عَلَى الْفَرْعِ وَإِنْ بَعُدَ) كَأَبٍ وَابْنِ ابْنٍ لِأَنَّ عُصُوبَتَهُ أَقْوَى، وَهُوَ أَوْلَى بِالْقِيَامِ بِشَأْنِ أَبِيهِ لِعِظَمِ حُرْمَتِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا عَلَيْهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْبَعْضِيَّةِ.
المتن: أَوْ مُحْتَاجُونَ يُقَدِّمُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ الْأَقْرَبَ، وَقِيلَ الْوَارِثَ، وَقِيلَ الْوَلِيُّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ، فَقَالَ: (أَوْ) لَهُ (مُحْتَاجُونَ) مِنْ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجَاتٍ، فَإِنْ قَدَرَ كِفَايَةَ كُلِّهِمْ فَوَاضِحٌ، أَوْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ (يُقَدِّمُ) مِنْهُمْ (زَوْجَتَهُ) بَعْدَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَمَا مَرَّ (ثُمَّ) بَعْدَ نَفَقَتِهَا يُقَدِّمُ (الْأَقْرَبَ) فَالْأَقْرَبَ، فَيُقَدِّمُ بَعْدَ زَوْجَتِهِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِشِدَّةِ عَجْزِهِ، وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ الْمَجْنُونُ. ثُمَّ الْأُمَّ بِذَلِكَ، وَلِتَأَكُّدِ حَقِّهَا بِالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ. ثُمَّ الْأَبَ ثُمَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ ثُمَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَالْأَبُ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَتَقَدَّمَ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (وَقِيلَ) يُقَدِّمُ (الْوَارِثَ) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْأَبْعَدُ زَمِنًا قُدِّمَ عَلَى الْأَقْرَبِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ، وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ ابْنٍ وَبِنْتٍ صُرِفَ إلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَتُقَدَّمُ بِنْتُ ابْنٍ عَلَى ابْنِ بِنْتٍ لِضَعْفِهَا وَعُصُوبَةِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ رَضِيعًا أَوْ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ قُدِّمَ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجَدَّيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ فِي دَرَجَةِ عَصْبَةٍ كَأَبِي الْأَبِ مَعَ أَبِي الْأُمِّ قُدِّمَ مِنْهُمَا الْعَصَبَةُ، فَإِنْ بَعُدَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا لِتَعَادُلِ الْقُرْبِ وَالْعُصُوبَةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الدَّرَجَةُ اسْتَوَيَا فِي الْعُصُوبَةِ أَوْ عَدَمِهَا فَالْأَقْرَبُ مُقَدَّمٌ (وَقِيلَ الْوَلِيُّ). تَنْبِيهٌ: لَوْ كَثُرَ أَهْلُ دَرَجَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسُدُّ قِسْطُ كُلٍّ مِنْهُمْ إنْ وُزِعَ الْمَوْجُودُ عَلَيْهِمْ مَسَدًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. فُرُوعٌ: لَوْ اجْتَمَعَ جَدَّتَانِ فِي دَرَجَةٍ وَزَادَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِوِلَادَةٍ أُخْرَى قُدِّمَتْ، فَإِنْ قَرُبَتْ الْأُخْرَى دُونَهَا قُدِّمَتْ لِقُرْبِهَا، وَلَوْ عَجَزَ الْأَبُ عَنْ نَفَقَةِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَهُ أَبٌ مُوسِرٌ لَزِمَتْ أَبَاهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ رَضِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَخْذِ وَلَدٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِنْفَاقِ بِالشَّرِكَةِ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَنَازَعَا أُجِيبَ طَالِبُ الِاشْتِرَاكِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ عَجَزَ الْوَلَدُ عَنْ نَفَقَةِ أَحَدِ وَالِدَيْهِ وَلَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ، فَعَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ أَبِي أَبِيهِ لِاخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِالِابْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَلَوْ أَعْسَرَ الْأَقْرَبُ بِالنَّفَقَةِ لَزِمَتْ الْأَبْعَدَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ إذَا أَيْسَرَ بِهِ.
|