الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ، وَمَنْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ قَتْلُهُ مِنْ الْكُفَّارِ، وَمَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِهِ (يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) تَأَدُّبًا مَعَهُ، وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ بِمَصَالِحِ الْجِهَادِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالنُّفُوسِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجِهَادِ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْمُتَطَوِّعَةِ أَمَّا الْمُرْتَزِقَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مُرْصَدُونَ لِمُهِمَّاتٍ تَعْرِضُ لِلْإِسْلَامِ يَصْرِفهُمْ فِيهَا الْإِمَامُ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأُجَرَاءِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ صُوَرًا. إحْدَاهَا: أَنْ يَفُوتَهُ الْمَقْصُودُ بِذَهَابِهِ لِلِاسْتِئْذَانِ. ثَانِيهَا: إذَا عَطَّلَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ وَأَقْبَلَ هُوَ وَجُنُودُهُ عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا كَمَا يُشَاهَدُ. ثَالِثُهَا: إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْذَنَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ.
المتن: وَيُسَنُّ إذْ بَعَثَ سَرِيَّةً أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذَ الْبَيْعَةَ بِالثَّبَاتِ.
الشَّرْحُ: (وَيُسَنُّ) لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (إذْ بَعَثَ سَرِيَّةً) لِبِلَادِ الْكُفَّارِ، وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعُمِائَةٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خُلَاصَةِ الْعَسْكَرِ وَخِيَارُهُ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {خَيْرُ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ " إذَا صَبَرُوا وَصَدَقُوا " (أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ) أَمِيرًا مُطَاعًا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ (وَيَأْخُذَ) عَلَيْهِمْ (الْبَيْعَةَ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ: الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (بِالثَّبَاتِ) عَلَى الْجِهَادِ وَعَدَمِ الْفِرَارِ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ، وَأَنْ يَبْعَثَ الطَّلَائِعَ، وَيَتَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ. قَالَ: الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ إلَّا ثِقَةً فِي دِينِهِ، شُجَاعًا فِي بَدَنِهِ، حَسَنَ الْإِنَابَةِ، عَارِفًا بِالْحَرْبِ يَثْبُتُ عِنْدَ الْهَرَبَ وَيَتَقَدَّمُ عِنْدَ الطَّلَبِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَا رَأْيُ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ لِيَسُوسَ الْجَيْشَ عَلَى اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ فِي الطَّاعَةِ وَتَدْبِيرِ الْحَرْبِ فِي انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ. وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوَّلَ النَّهَارِ؛؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَنْ يَبْعَثَ الطَّلَائِعَ، وَيَتَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ، وَيَعْقِدَ الرَّايَاتِ، وَيَجْعَلَ لِكُلِّ فَرِيقٍ رَايَةٍ وَشِعَارًا. رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {: إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لَا يُنْصَرُونَ} قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: حم اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَأَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ، وَأَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَأَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَرْهَبُ، وَأَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ: عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى} وَيَسْتَنْصِرُ بِالضُّعَفَاءِ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ}، وَيُكَبِّرَ بِلَا إسْرَافٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَيَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا إنْ عَلِمَ أَنَّ الدَّعْوَةَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ، وَجَازَ بَيَاتُهُمْ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ الْغُزَاةُ الْآدَابَ الَّتِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا وَمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ، وَمَنْ يُسْهِمُ وَمَنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ.
المتن: وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِكُفَّارٍ تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُمْ، وَيَكُونُونَ بِحَيْثُ لَوْ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ.
الشَّرْحُ: (وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ) عَلَى الْكُفَّارِ (بِكُفَّارٍ) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُمْ). قَالَ: فِي الرَّوْضَةِ: وَأَنْ يُعْرَفَ حُسْنُ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَالرَّافِعِيُّ جَعَلَ مَعْرِفَةَ حُسْنِ رَأْيِهِمْ مَعَ أَمْنِ الْخِيَانَةِ شَرْطًا وَاحِدًا. وَثَانِيهمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيَكُونُونَ بِحَيْثُ لَوْ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ) أَيْ إنَّهُمْ إذَا انْضَمُّوا إلَى الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ، فَإِنْ زَادُوا بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الضِّعْفِ لَمْ تَجُزْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ، وَشَرَطَ الْعِرَاقِيُّونَ قِلَّةَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا الشَّرْطُ وَمَا قَبْلَهُ: أَيْ هُوَ مُقَاوَمَةِ الْفَرِيقَيْنِ كَالْمُتَنَافِيَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَلُّوا حَتَّى احْتَاجُوا لِمُقَاوَمَةِ فِرْقَةٍ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْأُخْرَى كَيْفَ يَقْدِرُونَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمَا مَعًا؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ فِرْقَةً يَسِيرَةً لَا يَكْثُرُ الْعَدَدُ بِهِمْ كَثْرَةً ظَاهِرَةً. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَفِيهِ لِينٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا كَانُوا مِائَتَيْنِ مَثَلًا وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَفِيهِمْ قِلَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِوَاءِ الْعَدَدَيْنِ، فَإِذَا اسْتَعَانُوا بِخَمْسِينَ كَافِرًا فَقَدْ اسْتَوَى الْعَدَدَانِ، وَلَوْ انْحَازَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسُونَ إلَى الْعَدُوِّ فَصَارُوا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ أَمْكَنَ الْمُسْلِمِينَ مُقَاوَمَتِهِمْ لِعَدَمِ زِيَادَتِهِمْ عَلَى الضِّعْفِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَفِي كُتُبِ جَمْعٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ اعْتِبَارُ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْقِلَّةِ، وَالْحَاجَةُ قَدْ تَكُونُ لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَتَنَافَى الشَّرْطَانِ انْتَهَى. وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُخَالِفُوا مُعْتَقَدَ الْعَدُوِّ كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى وَأَقَرَّهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: يَفْعَلُ الْإِمَامُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ إفْرَادِهِمْ بِجَانِبِ الْجَيْشِ أَوْ اخْتِلَاطِهِمْ بِهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْقَرُ لَهُمْ، وَيَرُدَّ الْمُخْذِلَ وَهُوَ مَنْ يُخَوِّفُ النَّاسُ كَأَنْ يَقُولَ: عَدُوُّنَا كَثِيرٌ وَجُنُودُنَا ضَعِيفَةٌ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، وَيَرُدَّ الْمُرْجِفَ، وَهُوَ مَنْ يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ كَأَنْ يَقُولَ: قُتِلَتْ سَرِيَّةُ كَذَا، وَلَحِقَ مَدَدٌ لِلْعَدُوِّ مِنْ جِهَةِ كَذَا، أَوْ لَهُمْ كَمِينٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَيَرُدَّ أَيْضًا الْخَائِنَ، وَهُوَ مَنْ يَتَجَسَّسُ لَهُمْ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ فِي الْغَزَوَاتِ، وَهُوَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ مَعَ ظُهُورِ التَّخْذِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا أَقْوِيَاءَ فِي الدِّينِ لَا يُبَالُونَ بِالتَّخْذِيلِ وَنَحْوِهِ، أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطَّلِعُ بِالْوَحْيِ عَلَى أَفْعَالِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِكَيْدِهِ، وَيَمْنَعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ حَتَّى سَلَبِ قَتِيلِهِمْ.
المتن: وَ بِعَبِيدٍ بِإِذْنِ السَّادَةِ وَ مُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ.
الشَّرْحُ: (وَ) الِاسْتِعَانَةُ (بِعَبِيدٍ بِإِذْنِ السَّادَةِ)؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِمْ فِي الْقِتَالِ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْمُكَاتَبَ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِمَا. قَالَ: شَيْخُنَا: وَفِيمَا قَالَهُ فِي الْمُكَاتَبِ وَقْفَةٌ. ا هـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ (وَ) لَهُ أَيْضًا الِاسْتِعَانَةُ بِأَشْخَاصٍ (مُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ) فِي قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ كَسَقْيِ مَاءٍ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى لِمَا مَرَّ. وَيَصْحَبُ أَيْضًا النِّسَاءَ لِمِثْلِ ذَلِكَ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَأَصْنَعُ لَهُمْ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي لَهُمْ الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى}. تَنْبِيهٌ: الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءُ إنْ كَانُوا أَحْرَارًا كَالْمُرَاهِقِينَ فِي اسْتِئْذَانِ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ أَرِقَّاءَ فَكَالْعَبِيدِ فِي اسْتِئْذَانِ السَّادَاتِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ. أَمَّا إحْضَارُ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَصِبْيَانِهِمْ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْجَوَازَ وَقَالَ: إنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ فِي الْأُمِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ الْإِذْنِ فِي الْعَبِيدِ دُونَ الْمُرَاهِقِينَ، وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ: ابْنُ شُهْبَةَ اعْتِبَارَ إذْنِ الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا إذْنَهُ فِي الْبَالِغِ فَفِي الْمُرَاهِقِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فِي الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُرَاهِقِينَ تَغْرِيرٌ بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا أَثَرَ لِرِضَاهُمْ وَرِضَا الْأَوْلِيَاءِ بِذَلِكَ لِغَرَضِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي إتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ أَثَرًا ظَاهِرًا، وَهُوَ تَمَرُّنُهُمْ عَلَى الْجِهَادِ.
المتن: وَلَهُ بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ) إعَانَةً لِلْغَازِي، وَلِلْإِمَامِ ثَوَابُ إعَانَتِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا} وَأَمَّا ثَوَابُ الْجِهَادِ فَلِمُبَاشِرِهِ، وَلِلْآحَادِ بَذْلُ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَهُمْ ثَوَابُ إعَانَتِهِمْ، وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ كَمَا مَرَّ، وَمَحِلُّهُ فِي الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا، بَلْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى اجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَخُونُ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مَحِلُّهُ إذَا بَذَلَ ذَلِكَ، لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ لِلْبَاذِلِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
المتن: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ)؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْمُرْتَزِقَةُ مِنْ الْفَيْءِ، وَالْمُتَطَوِّعَةُ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ لَهُمْ، بَلْ هُوَ مُرَتَّبُهُمْ وَجِهَادُهُمْ وَاقِعٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ جَمَاعَةً عَلَى الْغَزْوِ لَمْ يَسْتَحِقُّوا أُجْرَةً لِوُقُوعِ غَزْوِهِمْ لَهُمْ، قَالَ: الْبَغَوِيّ: هَذَا إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَهُمْ الْأُجْرَةُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى حُضُورِ الْوَقْعَةِ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ فَلْيُحْمَلْ إطْلَاقُهُمْ عَلَيْهِ. .
المتن: وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ لِلْإِمَامِ. قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ، وَذَكَرَ هَهُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ) وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ (لِلْإِمَامِ) حَيْثُ تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ وَلَوْ بِأَكْثَرِ مِنْ سَهْمٍ لِرَاجِلٍ أَوْ فَارِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ. فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ الدَّوَابِّ، وَاغْتَفَرَتْ الْجَهَالَةُ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْقِتَالُ، وَلِأَنَّ مُعَاقَدَةَ الْكُفَّارِ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي مُعَاقَدَةِ الْمُسْلِمِينَ (قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ) مِنْ الْآحَادِ كَالْأَذَانِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَا تَتَوَلَّاهَا الْآحَادُ، وَالْأَذَانُ الْأَجِيرُ فِيهِ مُسْلِمٌ، وَهَذَا كَافِرٌ لَا يُؤْتَمَنُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ اسْتِئْجَارِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ بِأَيْ مَالٍ كَانَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُسَمًّى أَوْ أُجْرَةَ مِثْلٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ غَنِيمَةِ قِتَالِهِ لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَلَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْضَرُ لِلْمَصْلَحَةِ، لَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، فَإِنْ أَسْلَمَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِمَجْهُولٍ كَأَنْ قَالَ: أُرْضِيكَ أَوْ أُعْطِيكَ مَا تَسْتَعِينُ بِهِ وَقَاتِلْ وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْ كَنَظَائِرِهِ، وَإِنْ قَهَرَ الْكُفَّارَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ فَهَرَبُوا قَبْلَ وُقُوعِهِمْ فِي الصَّفِّ، أَوْ خَلَّى سَبِيلَهُمْ قَبْلَهُ فَلَهُمْ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ وَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُمْ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ حِينَئِذٍ كَيْفَ شَاءُوا وَلَا حَبْسَ وَلَا اسْتِئْجَارَ، وَإِنْ رَضُوا بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَعِدْهُمْ بِشَيْءٍ رَضَخَ لَهُمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَتُفَارِقُ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ طَامِعًا بِلَا مُسَمًّى فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فَجُعِلَ فِي الْقِسْمَةِ مَعَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهَا عِوَضٌ مَحْضٌ وَنَظَرُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَجُعِلَتْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِيَدِ الْإِمَامِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْغَانِمُونَ. أَمَّا إذَا خَرَجُوا بِلَا إذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّبِّ عَنْ الدِّينِ بَلْ مُتَّهَمُونَ بِالْخِيَانَةِ وَالْمَيْلِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ أَنَهَاهُمْ عَنْ الْخُرُوجِ أَمْ لَا، بَلْ لَهُ تَعْزِيرُهُمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ إنْ رَآهُ.
المتن: وَيُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ وَ مَحْرَمٍ أَشَدُّ. قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَيُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ) لَهُ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ قَدْ تَحْمِلُ عَلَى النَّدَامَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَعْفِهِ عَنْ الْجِهَادِ، وَلِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحْمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَإِنْ اقْتَضَتْ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ (وَ) قَتْلُ قَرِيبٍ (مَحْرَمٍ) لَهُ (أَشَدُّ) كَرَاهَةً؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قَتْلِ وَلَدِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَمَنَعَ أَبَا حُذَيْفَةَ مِنْ قَتْلِ أَبِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ (قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ) أَوْ يَعْلَمَ بِطَرِيقٍ يَجُوزُ لَهُ اعْتِمَادُهُ أَنَّهُ (يَسُبُّ اللَّهَ) تَعَالَى (أَوْ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِأَنْ يَذْكُرَهُ بِسُوءٍ فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بَلْ يَنْبَغِي الِاسْتِحْبَابُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ} زَادَ مُسْلِمٌ {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وَكَذَا لَا كَرَاهَةَ إذَا قَصَدَ هُوَ قَتْلَهُ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ.
المتن: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى مُشْكِلٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَمَنْ بِهِ رِقٌّ (وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى مُشْكِلٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأُلْحِقَ الْمَجْنُونُ بِالصَّبِيِّ، وَالْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ سِوَاهُمْ فَلَهُ قَتْلُهُمْ وَأَكْلُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. الثَّانِيَةُ: إذَا قَاتَلُوا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا فِي الْمُحَرَّرِ. الثَّالِثَةُ: حَالُ الضَّرُورَةِ عِنْدَ تَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. الرَّابِعَةُ: إذَا كَانَتْ النِّسَاءُ مِنْ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ كَالدَّهْرِيَّةِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَامْتَنَعْنَ مِنْ الْإِسْلَامِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: فَيُقْتَلْنَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. الْخَامِسَةُ: إذَا سَبَّ الْخُنْثَى أَوْ الْمَرْأَةُ الْإِسْلَامَ أَوْ الْمُسْلِمِينَ لِظُهُورِ الْفَسَادِ، وَيُقْتَلُ مُرَاهِقٌ نَبَتَ الشَّعْرُ الْخَشْنُ عَلَى عَانَتِهِ؛ لِأَنَّ إنْبَاتَهُ دَلِيلُ بُلُوغِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ لَا إنْ ادَّعَى اسْتِعْجَالَهُ بِدَوَاءٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ لَيْسَ بُلُوغًا بَلْ دَلِيلُهُ، وَحَلِفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلِفَ مَنْ يَدَّعِي الصِّبَا لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْبُلُوغِ فَلَا يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ.
المتن: وَيَحِلُّ قَتْلُ رَاهِبٍ وَأَجِيرٍ وَشَيْخٍ وَأَعْمَى وَزَمِنٍ لَا قِتَالَ فِيهِمْ وَلَا رَأْيٍ فِي الْأَظْهَرِ، فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ.
الشَّرْحُ: (وَيَحِلُّ قَتْلُ رَاهِبٍ وَأَجِيرٍ) وَمُحْتَرِفٍ (وَشَيْخٍ) وَلَوْ ضَعِيفًا (وَأَعْمَى وَزَمِنٍ) وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الصَّفَّ، وَ (لَا قِتَالَ فِيهِمْ وَلَا رَأْيَ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} وَلِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُكَلَّفُونَ فَجَازَ قَتْلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ قَاتَلُوا قُتِلُوا قَطْعًا، وَالْمُرَادُ بِالرَّاهِبِ عَابِدُ النَّصَارَى، فَيَشْمَلُ الشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: لَا رَأْيَ فِيهِمْ عَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ رَأْيٌ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ لَا قِتَالَ فِيهِمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الشَّيْخِ وَمَنْ بَعْدَهُ؛ فَإِنَّ الرَّاهِبَ وَالْأَجِيرَ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ الْقِتَالُ، وَيَجُوزُ قَتْلُ السُّوقَةِ لَا الرُّسُلِ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِجَرَيَانِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ، وَإِذَا جَازَ قَتْلُ الْمَذْكُورِينَ (فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ) وَصِبْيَانُهُمْ وَمَجَانِينُهُمْ (وَ) تُغْنَمُ (أَمْوَالُهُمْ) وَإِذَا مَنَعْنَا قَتْلَهُمْ رَقُّوا بِنَفْسِ الْأَسْرِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى سَبْيِ النِّسَاءِ يُوهِمُ أَنَّ صِبْيَانَهُمْ وَمَجَانِينَهُمْ لَا تُسْبَى، وَهُوَ وَجْهٌ. وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا تَقَرَّرَ.
المتن: وَيَجُوزُ حِصَارُ الْكُفَّارِ فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَإِرْسَالُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَمَنْجَنِيقَ
الشَّرْحُ: (وَيَجُوزُ حِصَارُ الْكُفَّارِ فِي الْبِلَادِ) وَالْحُصُونِ (وَالْقَلَّاعِ، وَإِرْسَالُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ، وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ) وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ هَدْمِ بُيُوتِهِمْ، وَقَطْعِ الْمَاءِ عَنْهُمْ، وَإِلْقَاءِ حَيَّاتٍ أَوْ عَقَارِبَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ}، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ} وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ نَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ "، وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ جَوَازُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَاحْتُمِلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ، وَمَحِلُّ جَوَازِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ وَحَرَمِهَا، فَلَوْ تَحَصَّنَ بِهَا أَوْ بِمَوْضِعٍ مِنْ حَرَمِهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى طَائِفَةٌ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ. نَعَمْ يُكْرَهُ حِينَئِذٍ إذْ لَا نَأْمَنُ أَنْ نُصِيبَ مُسْلِمًا مِنْ الْجَيْشِ نَظُنُّهُ كَافِرًا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
المتن: وَتَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَجُوزُ (تَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ) وَهُوَ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا وَهُمْ غَافِلُونَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسُئِلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ}.
تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ. قَالَ: فَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ضُمِنَ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِأَصْلِ الْقِتَالِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) أَوْ نَحْوُهُ (جَازَ ذَلِكَ) أَيْ الرَّمْيُ بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ بِحَبْسِ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمْ وَقَدْ لَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَإِنْ أُصِيبَ رُزِقَ الشَّهَادَةَ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْجَوَازِ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ سَوَاءٌ اُضْطُرُّوا إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَمُلَخَّصُ مَا فِي الرَّوْضَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: الْمَذْهَبُ إنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً كُرِهَ تَحَرُّزًا مِنْ إهْلَاكِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً كَخَوْفِ ضَرَرِهِمْ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَتْحُ الْقَلْعَةِ إلَّا بِهِ جَازَ قَطْعًا وَكَالْمُسْلِمِ الطَّائِفَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ.
المتن: وَلَوْ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ جَازَ رَمْيُهُمْ، وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ تَرَكْنَاهُمْ، وَإِلَّا جَازَ رَمْيُهُمْ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ) وَخَنَاثَى (وَصِبْيَانٍ) وَمَجَانِينَ مِنْهُمْ (جَازَ) حِينَئِذٍ (رَمْيُهُمْ) إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَنَتَوَقَّى مَنْ ذُكِرَ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ الْجِهَادِ وَطَرِيقًا إلَى الظَّفَرِ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّا إنْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ لِأَجْلِ التَّتَرُّسِ بِمَنْ ذُكِرَ لَا يَكُفُّونَ عَنَّا فَالِاحْتِيَاطُ لَنَا أَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِمَنْ ذُكِرَ (وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ) وُجُوبًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ جَوَازُ رَمْيِهِمْ كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُمْ، وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً إلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ، وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَمَّا إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ مَكْرًا وَخَدِيعَةً لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ شَرْعَنَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَرْكَ حِصَارِهِمْ وَلَا الِامْتِنَاعَ مِنْ رَمْيِهِمْ وَإِنْ أَفْضَى إلَى قَتْلِ مَنْ ذُكِرَ قَطْعًا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَشَرْطُ جَوَازِ الرَّمْيِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ التَّوَصُّلَ إلَى رِجَالِهِمْ (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ) وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ ذِمِّيِّينَ كَذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ تَرَكْنَاهُمْ) وُجُوبًا صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَفَارَقَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مَحْقُونَا الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَالنِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ حُقِنُوا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ بِأَنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ حَالَ الْتِحَامِ الْقِتَالِ بِحَيْثُ لَوْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ ظَفِرُوا بِنَا وَكَثُرَتْ نِكَايَتُهُمْ (جَازَ رَمْيُهُمْ) حِينَئِذٍ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ، وَنَقْصِدُ بِذَلِكَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ وَنَتَوَقَّى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ، وَيُحْتَمَلُ هَلَاكُ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ رَمْيُ الْكُفَّارِ إلَّا بِرَمْيِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَكَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْمَنُ. تَنْبِيهٌ: إذَا رَمَى شَخْصٌ إلَيْهِمْ فَأَصَابَ مُسْلِمًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا، وَكَذَا الدِّيَةُ إنْ عَلِمَهُ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا، أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَوَقِّيه وَالرَّمْيُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَجْوِيزِ الرَّمْيِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَحَيْثُ تَجِبُ فِي الْحُرِّ دِيَةٌ تَجِبُ فِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِمَالِ مُسْلِمٍ أَوْ رَكِبَ مَرْكُوبَهُ فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الِالْتِحَامِ الدَّفْعُ إلَّا بِإِصَابَتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَإِنْ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ عِنْد الضَّرُورَةِ، وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فِي نَحْوِ قَلْعَةٍ عِنْدَ مُحَاصَرَتِهَا فَلَا نَرْمِي التُّرْسَ؛ لِأَنَّا فِي غُنْيَةٍ عَنْ رَمْيِهِ.
المتن: وَيَحْرُمُ الِانْصِرَافُ عَنْ الصَّفِّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيْنَا إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا، وَيَجُوزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ لَزِمَهُ الْجِهَادُ عِنْدَ الْتِقَاءِ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ (الِانْصِرَافُ عَنْ الصَّفِّ) وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ قُتِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ}، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ} وَعَدَّ مِنْهَا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَخَرَجَ بِمَنْ لَزِمَهُ الْجِهَادُ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَرِيضٍ وَامْرَأَةٍ، وَبِالصَّفِّ مَا لَوْ لَقِيَ مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَإِنْ طَلَبَاهُ، وَكَذَا إنْ طَلَبَهُمَا فَقَطْ فَلَهُ الِانْصِرَافُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِنْ قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: إنْ الْأَظْهَرَ وَمُقْتَضَى نَصِّ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْصِرَافُ، هَذَا (إذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيْنَا) بِأَنْ كَانُوا مِثْلَيْنَا أَوْ أَقَلَّ، قَالَ: تَعَالَى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ: أَيْ لِيَصْبِرْ مِائَةٌ لِمِائَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى: {إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} إذْ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَقَعْ، بِخِلَافِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي إخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ عَلَى الضَّعْفِ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ، وَالْكَافِرَ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا (إلَّا) مُنْصَرِفًا عَنْهُ (مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ) وَأَصْلُ التَّحَرُّفِ الزَّوَالُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِوَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِانْتِقَالُ مِنْ مَضِيقٍ إلَى مُتَّسَعٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْقِتَالُ أَوْ يَتَحَوَّلُ عَنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ الَّذِي يَسُفُّ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ إلَى مَوْضِعٍ وَاسِعٍ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُعْطَشٍ، فَانْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ مَاءٌ ( أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ) أَيْ طَائِفَةٍ قَرِيبَةٍ تَلِيه مِنْ الْمُسْلِمِينَ (يَسْتَنْجِدُ بِهَا) لِلْقِتَالِ يَنْضَمُّ إلَيْهَا وَيَرْجِعُ مَعَهَا مُحَارِبًا فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ} وَالتَّحَيُّزُ أَصْلُهُ الْحُصُولُ فِي حَيِّزٍ وَهُوَ النَّاحِيَةُ وَالْمَكَانُ الَّذِي يَحُوزُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الذَّهَابُ بِنِيَّةِ الِانْضِمَامِ إلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَرْجِعَ مَعَهُمْ مُحَارِبًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْفِئَةِ الْمُتَحَيِّزِ إلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ عَزْمَهُ الْعَوْدَ لِذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ الِانْصِرَافَ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْجِهَادُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ الصَّرِيحِ كَمَا لَا تَجِبُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَفِي الْعَزْمِ أَوْلَى (وَيَجُوزُ) التَّحَيُّزُ (إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ، لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلِأَنَّ عَزْمَهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْقِتَالِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ قُرْبُهَا لِيُتَصَوَّرَ الِاسْتِنْجَادَ بِهِمْ فِي هَذَا الْقِتَالِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ عَجَزَ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ كَغَلَبَةِ عَقْلٍ بِلَا إثْمٍ أَوْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِلَاحٌ جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَا إذَا حَضَرَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: بَلْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ ذَهَبَ سِلَاحُهُ وَأَمْكَنَ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْ الصَّفِّ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ صَحَّحَ الِانْصِرَافَ، وَإِنْ ذَهَبَ فَرَسُهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ رَاجِلًا جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ فَرَّ لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ قَصْدُ التَّحَيُّزِ أَوْ التَّحَرُّفِ لِيَخْرُجَ عَنْ صُورَةِ الْفِرَارِ الْمُحَرَّمِ، وَإِذَا عَصَى بِالْفِرَارِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي تَوْبَتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِتَالِ أَوْ يَكْفِيه أَنَّهُ مَتَى عَادَ لَا يَنْهَزِمُ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي.
المتن: وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى بَعِيدَةٍ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ، وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى قَرِيبَةٍ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى) فِئَةٍ (بَعِيدَةٍ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ)؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ تَفُوتُ بِبُعْدِهِ. أَمَّا مَا غَنِمُوهُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ فَيُشَارِكُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى) فِئَةٍ (قَرِيبَةٍ) الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ نُصْرَتِهِ فَهُوَ كَالسَّرِيَّةِ الْقَرِيبَةِ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ، وَالثَّانِي لَا يُشَارِكُهُ لِمُفَارَقَتِهِ، وَيُشَارِكُ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ وَالْمُتَحَرِّفُ يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَهَا نَصَّ عَلَيْهِ: أَيْ إذَا بَعُدَ، وَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا فَصَّلَ فِي الْفِئَةِ. فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَى الْهَارِبُ التَّحَرُّفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عَادَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْجَمِيعِ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا فَفِي الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ فَقَطْ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ: وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، وَالْجَاسُوسُ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِيَنْظُرَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَنْقُلَ أَخْبَارَهُمْ إلَيْنَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَصْلَحَتِنَا وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّبَاتِ فِي الصَّفِّ.
المتن: فَإِنْ زَادَ عَلَى مِثْلَيْنِ جَازَ الِانْصِرَافُ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ زَادَ) عَدَدُ الْكُفَّارِ (عَلَى مِثْلَيْنِ) مِنَّا (جَازَ الِانْصِرَافُ) عَنْ الصَّفِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الْآيَةَ (إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ) مِنْ الْكُفَّارِ (فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ لَوْ ثَبَتُوا، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ اعْتِبَارًا بِالْعَدَدِ. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يُغَلِّبُ الظَّنَّ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ الزِّيَادَةَ عَلَى مِثْلَيْهِمْ وَيَرْجُونَ الظَّفَرَ بِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنَى يُخَصِّصُهُ أَوْ لَا، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا خُصِّصَ عُمُومُ: {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْقِتَالُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ الْغَلَبَةُ دَائِرٌ مَعَ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لَا مَعَ الْعَدَدِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي عَكْسِهِ وَهُوَ فِرَارُ مِائَةٍ مِنْ ضُعَفَائِنَا عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعِينَ مِنْ أَبْطَالِهِمْ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ضُعَفَائِهِمْ، وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: تَجُوزُ الْهَزِيمَةُ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ الْمِثْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فُرْسَانًا وَالْكُفَّارُ رَجَّالَةً، وَيَحْرُمُ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانُوا بِالْعَكْسِ، قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ: أَيْ الضُّعَفَاءِ مَعَ الْأَبْطَالِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعْنَى أَوْ بِالْعَدَدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: مَا صَحَّحَهُ مِنْ إدَارَةِ الْحَالِ عَلَى الْمَعْنَى مُخَالِفٌ لِظَوَاهِرِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي احْتَجَّ عَلَيْهَا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. .
المتن: وَتَجُوزُ الْمُبَارَزَةُ فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَحْسُنُ مِمَّنْ جَرَّبَ نَفْسَهُ وَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: إذَا زَادَتْ الْكُفَّارُ عَلَى الضِّعْفِ وَرَجَى الظَّفَرَ بِأَنْ ظَنَنَّاهُ إنْ ثَبَتْنَا اُسْتُحِبَّ لَنَا الثَّبَاتُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا الْهَلَاكُ بِلَا نِكَايَةٍ وَجَبَ عَلَيْنَا الْفِرَارُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} أَوْ بِنِكَايَةٍ فِيهِمْ اُسْتُحِبَّ لَنَا الْفِرَارُ (وَتَجُوزُ) بِلَا نَدْبٍ وَكُرِهَ (الْمُبَارَزَةُ) وَهِيَ ظُهُورُ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَالِ، مِنْ الْبُرُوزِ وَهُوَ الظُّهُورُ فَهِيَ مُبَاحَةٌ لَنَا؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَابْنَ عَفْرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ إلَيْهِ) أَيْ لِمُبَارَزَتِهِ لِمَا فِي التَّرْكِ مِنْ الضَّعْفِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالتَّقْوِيَةِ لِلْكَافِرِينَ (وَإِنَّمَا تَحْسُنُ) أَيْ تُنْدَبُ الْمُبَارَزَةُ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا (مِمَّنْ) أَيْ شَخْصٍ (جَرَّبَ نَفْسَهُ) بِأَنْ عَرَفَ مِنْهَا الْقُوَّةَ وَالْجَرَاءَةَ، وَإِلَّا فَتُكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاءٍ وَإِجَابَةً (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي كَوْنُهَا (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ الْأَبْطَالِ. فَإِنْ بَارَزَ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِقَتْلِهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا بِهَزِيمَةٍ تَحْصُلُ لَنَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَنَا. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا وَلَا فَرْعًا وَلَا مَدْيُونًا مَأْذُونًا لَهُمْ فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ فِي الْبِرَازِ، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لَهُمْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَبَارَزَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعِينَ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْلِمَ وَلَا الْكَافِرُونَ الْكَافِرَ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ أَوْ كَانَ عَدَمُ الْإِعَانَةِ عَادَةً فَقَتَلَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ أَوْ وَلَّى أَحَدُهُمَا مُنْهَزِمًا أَوْ أُثْخِنَ الْكَافِرُ جَازَ لَنَا قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ كَانَ إلَى انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَدْ انْقَضَى، وَإِنْ شُرِطَ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِلْمُثْخَنِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ شُرِطَ الْأَمَانُ إلَى دُخُولِهِ الصَّفَّ وَجَبَ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ فَرَّ الْمُسْلِمُ عَنْهُ فَتَبِعَهُ لِيَقْتُلَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ الْكَافِرُ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَتْلِهِ. وَقَتَلْنَا الْكَافِرَ، وَإِنْ خَالَفْنَا شَرْطَ تَمْكِينِهِ مِنْ إثْخَانِهِ لِنَقْضِهِ الْأَمَانَ فِي الْأُولَى، وَانْقِضَاءِ الْقِتَالِ فِي الثَّانِيَةِ. فَإِنْ شُرِطَ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْ قَتْلِهِ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَهَلْ يَفْسُدُ أَصْلُ الْأَمَانِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ. فَإِنْ أَعَانَهُ أَصْحَابُهُ قَتَلْنَاهُمْ وَقَتَلْنَاهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَدَمَ الْإِعَانَةِ وَلَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا، وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ إلَى بِلَادِنَا، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنْكَرَ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَفْعَلْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَا رُوِيَ مِنْ حَمْلِ رَأْسِ أَبِي جَهْلٍ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي ثُبُوتِهِ، وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا حُمِلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، لَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ لِيَنْظُرَ النَّاسَ إلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُوا مَوْتَهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ نِكَايَةٌ لِلْكُفَّارِ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَالَهُ: الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيّ، وَإِنْ قَالَ: الرَّافِعِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ.
المتن: وَيَجُوزُ إتْلَافُ بِنَائِهِمْ وَشَجَرِهِمْ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ وَالظَّفَرِ بِهِمْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ حُصُولُهَا لَنَا، فَإِنْ رُجِيَ نُدِبَ التَّرْكُ.
الشَّرْحُ: (وَيَجُوزُ) لَنَا (إتْلَافُ بِنَائِهِمْ) بِالتَّخْرِيبِ (وَشَجَرِهِمْ) بِالْقَطْعِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ (لِحَاجَةِ الْقِتَالِ وَالظَّفَرِ بِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وَسَبَبُ نُزُولِهَا {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَطْعِ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ. فَقَالَ: وَاحِدٌ مِنْ الْحِصْنِ إنَّ هَذَا لَفَسَادٌ يَا مُحَمَّدُ، وَإِنَّكَ تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ فَنَزَلَتْ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَإِنْ تَوَقَّفَ الظَّفَرُ عَلَى إتْلَافِ ذَلِكَ وَجَبَ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا) يَجُوزُ إتْلَافُهُ (إنْ لَمْ يُرْجَ) أَيْ يُظَنُّ (لَهَا) أَيْ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ (لَنَا) مُغَايَظَةً لَهُمْ وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ قَالَ: تَعَالَى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} (فَإِنْ رُجِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ حُصُولُهَا لَنَا (نُدِبَ التَّرْكُ) وَكُرِهَ الْإِتْلَافُ حِفْظًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ شَيْئًا فَيَظْهَرُ خِلَافُهُ. أَمَّا إذَا غَنِمْنَاهَا بِأَنْ فَتَحْنَا دَارَهُمْ قَهْرًا وَصُلْحًا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَنَا أَوْ لَهُمْ أَوْ غَنِمْنَا أَمْوَالَهُمْ وَانْصَرَفْنَا فَيَحْرُمُ إتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ غَنِيمَةً لَنَا.
المتن: وَيَحْرُمُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ إلَّا مَا يُقَاتِلُونَا عَلَيْهِ لِدَفْعِهِمْ أَوْ ظَفْرٍ بِهِمْ أَوْ غَنِمْنَاهُ وَخِفْنَا رُجُوعَهُ إلَيْهِمْ وَضَرَرَهُ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ) الْمُحْتَرَمِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِأَكْلِهِ، وَخَالَفَ الْأَشْجَارَ؛ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَتَيْنِ: حَقُّ مَالِكِهِ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِذَا سَقَطَتْ حُرْمَةُ الْمَالِكِ لِكُفْرِهِ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الْخَالِقِ فِي بَقَائِهِ، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ مَالِكُ الْحَيَوَانِ مِنْ إجَاعَتِهِ وَعَطَشِهِ بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ (إلَّا) حَيَوَانًا مَأْكُولًا فَيُذْبَحُ لِلْأَكْلِ خَاصَّةً لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ الْمَارِّ، أَوْ (مَا يُقَاتِلُونَا عَلَيْهِ) أَوْ خِفْنَا أَنْ يَرْكَبُوهُ لِلْغَدْرِ كَالْخَيْلِ فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ (لِدَفْعِهِمْ أَوْ ظَفَرٍ بِهِمْ)؛ لِأَنَّهَا كَالْآلَةِ لِلْقِتَالِ، وَإِذَا جَازَ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ عِنْدَ التَّتَرُّسِ بِهِمْ فَالْخَيْلُ أَوْلَى، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي السِّيَرِ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (أَوْ) إلَّا إذَا (غَنِمْنَاهُ وَخِفْنَا رُجُوعَهُ إلَيْهِمْ وَضَرَرَهُ) لَنَا فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ وَمُغَايَظَةً لَهُمْ. أَمَّا إذَا خِفْنَا الِاسْتِرْدَادَ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ عَقْرُهَا وَإِتْلَافُهَا، بَلْ تُذْبَحُ لِلْأَكْلِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَنَحْوِهِمَا مِنَّا لَمْ يُقْتَلُوا لِتَأْكِيدِ احْتِرَامِهِمْ. تَتِمَّةٌ: مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ كُتُبِهِمْ الْكُفْرِيَّةِ وَالْمُبَدَّلَةِ وَالْهَجْرِيَّةِ وَالْفَحْشِيَّةِ لَا التَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَكُتُبِ الشِّعْرِ وَالطِّبِّ وَاللُّغَةِ يُمْحَى بِالْغَسْلِ إنْ أَمْكَنَ مَعَ بَقَاءِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَإِلَّا مُزِّقَ، وَإِنَّمَا نُقِرُّهُ بِأَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِاعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَنُدْخِلُ الْمَغْسُولَ وَالْمُمَزَّقَ فِي الْغَنِيمَةِ، وَخَرَجَ بِتَمْزِيقِهِ تَحْرِيقُهُ فَهُوَ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لِلْمُمَزَّقِ قِيمَةً وَإِنْ قَلَّتْ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَمَعَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ وَأَحْرَقَهُ أَوْ أَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ لَمَّا جَمَعَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِانْتِشَارِ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهَا هُنَا. أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْخُمُورِ فَيَجُوزُ إتْلَافُهَا، لَا أَوَانِي الْخُمُورِ الثَّمِينَةِ، فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا، بَلْ تُحْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمِينَةً بِأَنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا عَلَى مُؤْنَةِ حَمْلِهَا أُتْلِفَتْ، هَذَا إذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ فِيهَا، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِ وَلَا تُتْلَفَ، وَإِنْ كَانَ الْخِنْزِيرُ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَجَبَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. قَالَ: فِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: بَلْ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ تُرَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَدُوٌّ.
المتن: نِسَاءُ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانُهُمْ إذَا أُسِرُوا رَقُّوا، وَكَذَا الْعَبِيدُ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (نِسَاءُ الْكُفَّارِ) أَيْ النِّسَاءِ الْكَافِرَاتُ وَالْخَنَاثَى (وَصِبْيَانُهُمْ) وَمَجَانِينُهُمْ (إذَا أُسِرُوا رَقُّوا) بِفَتْحِ الرَّاءِ: أَيْ صَارُوا أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ الْأَسْرِ، فَالْخُمْسُ مِنْهُمْ لِأَهْلِ الْخُمْسِ، وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ،؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَسِّمُ السَّبْيَ كَمَا يُقَسِّمُ الْمَالَ، وَالْمُرَادُ بِالسَّبْيِ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ تَنْبِيهٌ: مَنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ، الْعِبْرَةُ فِيهِ بِحَالِ الْأَسْرِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِمَامُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ (وَكَذَا الْعَبِيدُ) لِلْكُفَّارِ، وَلَوْ كَانُوا مُرْتَدِّينَ أَوْ مُسْلِمِينَ صَارُوا أَرِقَّاءَ لَنَا. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْعَبِيدِ هُنَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَرِقُّ، فَالْمُرَادُ اسْتِمْرَارُهُ لَا تَجْدِيدُهُ، وَمِثْلُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ الْمُبَعَّضُونَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُقْتَلُ مَنْ ذُكِرَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا. فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَلَوْ لَشَرِّهِمْ وَقُوَّتِهِمْ ضَمِنَ قِيمَتَهُمْ لِلْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.
المتن: وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ، وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ، لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ بِأَسْرَى أَوْ مَالٍ وَاسْتِرْقَاقٍ، فَإِنْ خَفِيَ الْأَحَظُّ حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ.
الشَّرْحُ: (وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ) أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ (فِي) أَسْرَى الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ (الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ) وَهُمْ الذُّكُورُ الْبَالِغُونَ الْعَاقِلُونَ (وَيَفْعَلُ) فِيهِمْ وُجُوبًا بَعْدَ أَسْرِهِمْ (الْأَحَظَّ) لِلْإِسْلَامِ كَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ، وَالْأَحَظَّ (لِلْمُسْلِمِينَ) مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ مَذْكُورَةٍ فِي قَوْلِهِ (مِنْ قَتْلٍ) بِضَرْبِ رَقَبَةٍ لَا بِتَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ (وَمَنٍّ) عَلَيْهِمْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ (وَفِدَاءٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ مَعَ الْمَدِّ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْقَصْرِ (بِأَسْرَى) مُسْلِمِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ رِجَالٌ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (أَوْ مَالٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ مِنْ مَالِنَا فِي أَيْدِيهمْ (وَاسْتِرْقَاقٍ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ: تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} وَقَالَ: تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وَقَالَ: تَعَالَى: {حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} أَيْ بِالِاسْتِرْقَاقِ تَنْبِيهٌ: شَمَلَ إطْلَاقُهُ الِاسْتِرْقَاقَ اسْتِرْقَاقَ كُلِّ شَخْصٍ، وَكَذَا بَعْضُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: بِنَاءً عَلَى تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِي وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَإِذَا مَنَعْنَا اسْتِرْقَاقَ بَعْضِهِ فَخَالَفَ رِقَّ كُلِّهِ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ لَنَا صُورَةٌ يَسْرِي فِيهَا الرِّقُّ كَمَا يَسْرِي فِيهَا الْعِتْقُ (فَإِنْ خَفِيَ) عَلَى الْإِمَامِ (الْأَحَظُّ) السَّابِقُ (حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ لَا إلَى التَّشَهِّي فَيُؤَخَّرُ لِظُهُورِ الصَّوَابِ.
المتن: وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيٌّ وَكَذَا عَرَبِيٌّ فِي قَوْلٍ.
الشَّرْحُ: لَوْ بَذَلَ الْأَسِيرُ الْجِزْيَةَ فَفِي قَبُولِهَا وَجْهَانِ. قَالَ: صَاحِبُ الْبَيَانِ: الَّذِي يَقْتَضِيه الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَالٌ أَوْ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَأَنْ يَجُوزَ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْلَى. قَالَ: فِي الشَّامِلِ: إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ حَرُمَ قَتْلُهُ وَتَخَيَّرَ الْإِمَامُ فِيمَا عَدَا الْقَتْلَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ. ثُمَّ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّخْيِيرِ هُوَ فِيمَنْ لَهُ كِتَابٌ. أَمَّا غَيْرُهُ فَأَشَارَ إلَى خِلَافٍ فِي اسْتِرْقَاقِهِ بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيٌّ) كَمَا لَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ بِالْجِزْيَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَيُفَادَى جَازَ أَنْ يُسْتَرَقَّ كَالْكِتَابِيِّ (وَكَذَا عَرَبِيٌّ) لَا يَجُوزُ أَيْضًا اسْتِرْقَاقُهُ (فِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ لِحَدِيثٍ فِيهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ، وَقَدْ سَبَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَقَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ الرِّقَّ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَا تُرَدُّ أَسْلِحَتُهُمْ الَّتِي بِأَيْدِينَا عَلَيْهِمْ بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لَنَا: كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نَبِيعَهُمْ السِّلَاحَ وَنَرُدَّهَا لَهُمْ بِأُسَارَى مِنَّا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِمْ وَلِأَنَّ مَا نَأْخُذُهُ خَيْرٌ مِمَّا نَبْذُلُهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يُمْنَعُ كَمَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِمَالٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْكُفَّارَ الْأَصْلِيِّينَ الْمُرْتَدُّونَ فَيُطَالِبُهُمْ الْإِمَامُ بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا فَالسَّيْفُ. فَرْعٌ: مَنْ اسْتَبَدَّ بِقَتْلِ أَسِيرٍ، إنْ كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى التَّعْزِيرِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ أَرَقَّهُ الْإِمَامُ ضَمِنَهُ الْقَاتِلُ بِقِيمَتِهِ وَيَكُونُ غَنِيمَةً، وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي مَأْمَنِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ فَدَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْإِمَامِ فِدَاءَهُ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِطْلَاقِهِ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَسْرِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
المتن: وَ لَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ عَصَمَ دَمَهُ وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي، وَفِي قَوْلٍ يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ وَإِسْلَامُ كَافِرٍ قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ، يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ وَصِغَارَ وَلَدِهِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ) مُكَلَّفٌ لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ مَنًّا وَلَا فِدَاءً (عَصَمَ) الْإِسْلَامُ (دَمَهُ) فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} " وَقَوْلُهُ: وَأَمْوَالَهُمْ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَسْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " إلَّا بِحَقِّهَا ". وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غَنِيمَةٌ (وَبَقِيَ) فِيهِ (الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي) مِنْ خِصَالِ التَّخْيِيرِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ الْمَنُّ وَالْإِرْقَاقُ وَالْفِدَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ إذَا سَقَطَ بَعْضُهَا لِتَعَذُّرِهِ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي كَالْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ إذَا كَانَ عَزِيزًا فِي قَوْمِهِ، أَوْ لَهُ فِيهِمْ عَشِيرَةٌ وَلَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ فِي دِينِهِ وَلَا نَفْسِهِ. أَمَّا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ قَبْلَ إسْلَامِهِ الْمَنَّ أَوْ الْفِدَاءَ انْتَهَى التَّخْيِيرُ وَتَعَيَّنَ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ (وَفِي قَوْلٍ يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ) بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ كَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الصِّبْيَانَ وَالنِّسَاءَ لَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا فِيهِمْ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ (وَإِسْلَامُ كَافِرٍ) مُكَلَّفٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ (قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ) وَهُوَ أَسْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ قَبْلَ أَسْرِهِ وَالظَّفَرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ (وَ) يَعْصِمُ (صِغَارَ وَلَدِهِ) الْأَحْرَارِ عَنْ السَّبْيِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحَدُّ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لِمَا مَرَّ، وَوَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ الْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ، وَلَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، وَيَعْصِمُ الْحَمْلَ تَبَعًا لَهُ، لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَبِ فَلَا يُبْطِلُ إسْلَامُهُ رِقَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. أَمَّا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَلَا يَعْصِمُهُ إسْلَامُ الْأَبِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْإِسْلَامِ.
المتن: لَا زَوْجَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ اسْتَرَقَّتْ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا اُنْتُظِرَتْ الْعِدَّةَ فَلَعَلَّهَا تَعْتِقُ فِيهَا.
الشَّرْحُ: وَ (لَا) يَعْصِمُ إسْلَامُ الزَّوْجِ (زَوْجَتَهُ) عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِاسْتِقْلَالِهَا وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَا تَسْتَرِقُّ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا كَافِرًا ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِحَالٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ مَنَعَ إرْقَاقَ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ فَكَانَ الْإِسْلَامُ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُ الشَّخْصِ بِهِ لَا يَحْصُلُ فِيهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، وَالْبَالِغَةُ تَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تَسْتَقِلُّ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ (فَإِنْ اسْتَرَقَّتْ) أَيْ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ زَوْجَةَ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الظَّفَرِ أَنَّهَا تَرِقُّ (انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الْحَالِ) أَيْ حَالِ السَّبْيِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِامْتِنَاعِ إمْسَاكِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ لِلنِّكَاحِ كَمَا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ {أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ} وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهَا زَوْجٌ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) اسْتِرْقَاقُهَا (بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا اُنْتُظِرَتْ الْعِدَّةَ فَلَعَلَّهَا تَعْتِقُ فِيهَا) فَيَدُومُ النِّكَاحُ كَالرِّدَّةِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَرْقِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الرِّقِّ يَقْطَعُ النِّكَاحَ فَأَشْبَهَ الرَّضَاعَ.
المتن: وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ، وَكَذَا عَتِيقُهُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ) إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً: أَيْ تَرِقُّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَيَنْقَطِعُ بِهِ نِكَاحُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلُهَا، أَوْ يُحْمَلُ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ حِينَ الْعَقْدِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ (وَكَذَا عَتِيقُهُ) الْحَرْبِيُّ يَجُوزُ إرْقَاقُهُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اسْتَرَقَّ فَعَتِيقُهُ أَوْلَى. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الْوَلَاءِ.
المتن: لَا عَتِيقَ مُسْلِمٍ
الشَّرْحُ: (لَا عَتِيقَ مُسْلِمٍ) الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَسْتَرِقُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا حَالَ الْعِتْقِ أَمْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِ الْعَتِيقِ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْفَرْعِ: أَيْ وَهُوَ مَا إذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ اسْتِرْقَاقَهُ، إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ لَيْسَ عِتْقَ مُسْلِمٍ.
المتن: وَزَوْجَتُهُ الْحَرْبِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِذَا سُبِيَ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ إنْ كَانَا حُرَّيْنِ قِيلَ أَوْ رَقِيقَيْنِ.
الشَّرْحُ: (وَ) لَا (زَوْجَتُهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (الْحَرْبِيَّةُ) فَلَا تَسْتَرِقُّ إذَا سُبِيَتْ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ الْجَوَازَ فَإِنَّهُمَا سَوِيًّا فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الْأَصْلِيَّ أَقْوَى مِنْ الْإِسْلَامِ الطَّارِئِ. قَالَ: ابْنُ كَجٍّ: وَلَوْ تَزَوَّجَ بِذِمِّيَّةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْتَحَقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا تَسْتَرِقُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَإِذَا سُبِيَ زَوْجَانِ) مَعًا (أَوْ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) بَيْنَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ (إنْ كَانَا حُرَّيْنِ) لَمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُمْ لَمَّا امْتَنَعُوا يَوْمَ أَوْطَاسٍ مِنْ وَطْءِ السَّبَايَا؛ لِأَنَّ لَهُنَّ أَزَوْجًا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ} أَيْ الْمُتَزَوِّجَاتُ {إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَحَرَّمَ الْمُتَزَوِّجَاتِ إلَّا الْمَمْلُوكَاتِ بِالسَّبْيِ، فَدَلَّ عَلَى ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، وَإِلَّا لَمَا حَلَلْنَ، وَلِعُمُومِ خَبَرِ {لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ} إذَا لَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ إذَا حَدَثَ زَالَ مِلْكُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَلَأَنْ تَزُولَ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ أَوْلَى. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحِلُّ الِانْفِسَاخِ فِي سَبْيِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَامِلًا، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ، فَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ أَوْ الْمَنَّ عَلَيْهِ اسْتَمَرَّتْ الزَّوْجِيَّةُ، وَمَحِلُّهُ فِي سَبْيِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ هَلْ تُسْبَى أَوْ لَا؟ ثَانِيهمَا: التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِمَا حُرَّيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِانْفِسَاخِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخِرُ رَقِيقًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَهُوَ رَقِيقٌ وَسُبِيَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَهُ انْفَسَخَ أَيْضًا، وَالْحُكْمُ فِي عَكْسِهِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ مُكَلَّفًا وَأَرَقَّهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَزَوْجَتُهُ كَذَلِكَ (قِيلَ: أَوْ رَقِيقَيْنِ) فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لِحُدُوثِ السَّبْيِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إذْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ مَالِكٍ إلَى آخَرَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْخِلَافُ جَارٍ سَوَاءٌ أَسْلَمَا أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا فَاسْتَرَقَّ أَوْ دَارِهِ فَغَنِمَتْ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْوَالِ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا تَامًّا مَضْمُونَةً بِالْيَدِ كَأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ، وَكَمَا لَا تُغْنَمُ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ لَا تُغْنَمُ الْمَنَافِعُ الْمَمْلُوكَةُ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَإِنَّهَا تُسْتَبَاحُ وَلَا تُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا، وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ.
المتن: وَإِذَا أُرِقَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْقُطْ فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا أُرِقَّ) حَرْبِيٌّ (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ (لَمْ يَسْقُطْ)؛ لِأَنَّ شَغْلَ الذِّمَّةِ قَدْ حَصَلَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطَهُ. أَمَّا إذَا كَانَ لِحَرْبِيٍّ فَيَسْقُطُ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ دَيْنُ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ (فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ) حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ (إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ) وَلَوْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالرِّقِّ كَمَا أَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَدِّ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ وَإِنْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْغَنِيمَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّ دَيْنَهُ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ وَيُوسِرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ إرْقَاقِهِ مَا إذَا غَنِمَ قَبْلَهُ فَلَا يُقْضَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهُ، وَكَذَا مَا غَنِمَ مَعَ اسْتِرْقَاقِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَالِ وَحَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ، وَهَلْ يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ بِالرِّقِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَوْتَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَيَقْطَعُ النِّكَاحَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْحَرْبِيِّ لِلسَّابِي قَالَ: الشَّيْخَانِ: فَفِي سُقُوطِهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَمَلَكَهُ: أَيْ فَيَسْقُطُ، وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَأَمَّا الْخُمْسُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْقِطَ مَا يُقَابِلُهُ قَطْعًا، وَلِهَذَا عَدَلَ ابْنُ الْمُقْرِي عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَقَالَ: فَلَوْ مَلَكَهُ الْغَرِيمُ سَقَطَ. ا هـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُهُ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِحَرْبِيٍّ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ فَرَّقَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يُوقَفُ فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَفَيْءٌ.
المتن: وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ قَبِلَا جِزْيَةً دَامَ الْحَقُّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ) مَالًا (أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ) شَيْئًا بِمَالٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (أَوْ) لَمْ يُسْلِمَا. بَلْ (قَبِلَا جِزْيَةً) أَوْ حَصَل لَهُمَا أَمَانٌ، أَوْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِهِمَا وَغَيْرُهُ لِلْآخَرِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (دَامَ الْحَقُّ) فِي ذَلِكَ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ، وَخَرَجَ بِالْمَالِ نَحْو الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِمَّا لَا يَصِحُّ طَلَبُهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ قَبِلَ جِزْيَةً دُونَ الْآخَرِ لَا يَدُومُ الْحَقُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا فِي إسْلَامِ صَاحِبِ الدَّيْنِ قَطْعًا وَفِي إسْلَامِ الْمَدْيُونِ فِي الْأَظْهَرِ.
المتن: وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ فَأَسْلَمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْحَرْبِيُّ (لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ) آخَرُ شَيْئًا أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ (فَأَسْلَمَا) أَوْ أَسْلَمَ الْمُتْلِفُ أَوْ الْغَاصِبُ أَوْ قَبِلَا الْجِزْيَةَ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا، وَالْإِتْلَافُ لَيْسَ عَقْدًا يُسْتَدَامُ وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَهَرَ حَرْبِيًّا عَلَى مَالٍ مَلَكَهُ، وَالْإِتْلَافُ نَوْعٌ مِنْ الْقَهْرِ، وَلِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْحَرْبِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ عِنْدَهُمْ.
|