الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا، لَا طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً، وَالْبَيْضُ يُحْمَلُ عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ لَا سَمَكٍ وَجَرَادٍ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بَعْضَ الْمَأْكُولَاتِ، إذَا (حَلَفَ) شَخْصٌ (لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ) أَوْ الرَّأْسَ أَوْ لَا يَشْتَرِيهَا (وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا) وَهِيَ رُءُوسُ الْغَنَمِ قَطْعًا، وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَإِنْ اُخْتُصَّ بَعْضُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ (لَا) بِرُءُوسِ (طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ) وَخَيْلٍ (إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً) لِكَثْرَتِهَا وَاعْتِيَادِ أَهْلِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَرُءُوسِ الْأَنْعَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً، بَلْ تُبَاعُ فِي غَيْرِهِ مُفْرَدَةً حَنِثَ عَلَى الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْعُرْفُ فِي مَوْضِعٍ ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ كَخُبْزِ الْأَرُزِّ. قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَأَصْلِهِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا انْتَشَرَ الْعُرْفُ بِحَيْثُ بَلَغَ الْحَالِفَ وَغَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ ا هـ. أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى مُسَمَّى الرَّأْسِ حَنِثَ بِكُلِّ رَأْسٍ وَإِنْ لَمْ تُبَعْ وَحْدَهَا، وَإِنْ قَالَ: لَا آكُلُ رُءُوسَ الشَّوَى حَنِثَ بِرُءُوسِ الْغَنَمِ فَقَطْ، دُونَ رُءُوسِ غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: حَنِثَ بِرُءُوسٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ جَمْعٍ مِنْ الرُّءُوسِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ، أَوْ صَرِيحَهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ، حَتَّى لَوْ أَكَلَ رَأْسًا أَوْ بَعْضَهُ حَنِثَ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ: لَا أَدْرِي مَاذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْأَيْمَانِ، إنْ اتَّبَعَ اللَّفْظَ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ رَأْسٍ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْعُرْفَ، فَأَصْحَابُ الْقُرَى لَا يَعُدُّونَ الْخِيَامَ بُيُوتًا، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ. وَأَجَابَ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ تَارَةً، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِهَا وَشُمُولِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ، وَتَارَةً يَتْبَعُ الْعُرْفَ إذَا اشْتَهَرَ وَاطَّرَدَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ نَحْوَهُ فَقَالَ: قَاعِدَةُ الْأَيْمَانِ الْبِنَاءُ عَلَى الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَضْطَرِبْ، فَإِذَا اضْطَرَبَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللُّغَةِ ا هـ. وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى صَيْدٍ لَشَمِلَ رَأْسَ سَمَكٍ وَطَيْرٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَيْدٌ، وَيَجُوزُ فِي طَيْرٍ وَمَا بَعْدَهُ الرَّفْعُ أَيْضًا، وَيُقَالُ لِبَيَّاعِ الرُّءُوسِ رَآَّسٌ، وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ رَوَّاسٌ (وَالْبَيْضُ) جَمْعُ بَيْضَةٍ (يُحْمَلُ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا (عَلَى) بَيْضٍ (مُزَايِلٍ) أَيْ مُفَارِقٍ (بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ: أَيْ بَيْضِهِ وَبَيْضِ إوَزٍّ وَبَطٍّ (وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ) وَعَصَافِيرَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَمْثِيلِهِ التَّخْصِيصَ بِبَيْضِ الْمَأْكُولِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي، فَقَالَ: وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ حِلُّ أَكْلِهِ بِلَا خِلَافٍ، إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ أَيْ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا الْمُزَايَلَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الدَّجَاجَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا بَيْضٌ مُتَصَلِّبٌ حَنِثَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ بِخِلَافٍ مَا إذَا أَكَلَهُ فِي شَيْءٍ لَا تَظْهَرُ صُورَتُهُ فِيهِ كَالنَّاطِفِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَيَاضِ الْبَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ. قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ، وَبِهِ أَجَابَ الْمَسْعُودِيُّ لَمَّا تَوَقَّفَ الْقَفَّالُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ. ثُمَّ لَقِيَ رَجُلًا فَحَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ، فَإِذَا هُوَ بَيْضٌ، فَقَالَ: يُتَّخَذُ مِنْهُ النَّاطِفُ وَيُؤْكَلُ وَيَكُونُ قَدْ أَكَلَ مِمَّا فِي كُمِّهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْبَيْضَ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ (لَا) بَيْضِ (سَمَكٍ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَطَارِخِ (وَ) لَا بَيْضِ (جَرَادٍ) فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ، عَلَى أَكْلِ الْبَيْضِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَقِّ الْبَطْنِ، وَلَوْ بِيعَ بَيْضُ السَّمَكِ مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ، وَهُوَ الْبَطَارِخُ، وَلَا يَحْنَثُ بِخُصْيَةِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَكَمَا سَبَقَ فِي الرُّءُوسِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَصَارِينِ السَّمَكِ الْمَمْلُوحِ مَعَ بَيْضِهِ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَوِيَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ.
المتن: وَاللَّحْمُ عَلَى نَعَمٍ وَخَيْلٍ وَوَحْشٍ وَطَيْرٍ لَا سَمَكٍ وَشَحْمِ بَطْنٍ، وَكَذَا كَرِشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ فِي الْأَصَحّ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ وَشَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ، وَأَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ، وَأَنَّ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ لَيْسَا شَحْمًا وَلَا لَحْمًا، وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا، وَالدَّسَمُ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَشَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ، وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا.
الشَّرْحُ: (وَ) يُحْمَلُ (اللَّحْمُ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (عَلَى) لَحْمِ (نَعَمٍ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (وَ) لَحْمِ (خَيْلٍ) وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (وَ) لَحْمُ (وَحْشٍ وَطَيْرٍ) مَأْكُولَيْنِ لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْ مُذَكَّاهَا، سَوَاءٌ أَكَلَهُ نِيئًا أَمْ لَا، وَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالْمَيْتَةِ وَالْحِمَارِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ، وَلِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمَأْكُولِ شَرْعًا، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَالِفِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ حِلَّ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا، وَ (لَا) عَلَى لَحْمِ (سَمَكٍ) وَجَرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا أَكَلْتُ لَحْمًا بَلْ سَمَكًا، كَمَا لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِسَاطًا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ لَحْمَ السَّمَكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَجْرِيَ عَادَةُ نَاحِيَتِهِ بِبَيْعِ لَحْمِهِ مُفْرَدًا أَمْ لَا، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ. هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ (وَ) لَا (شَحْمِ بَطْنٍ) وَشَحْمِ عَيْنٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا اللَّحْمَ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ (وَكَذَا كَرِشٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ لِلْحَيَوَانِ كَالْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ (وَكَبِدٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا (وَطِحَالٍ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (وَقَلْبٍ) وَرِئَةٍ وَمِعًى (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ لَحْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَذَا الثَّدْيُ وَالْخُصْيَةُ فِي الْأَقْرَبِ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: وَلَا يَحْنَثُ بِقَانِصَةِ الدَّجَاجَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الِاسْمِ. فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " الْعَقْلُ فِي الْقَلْبِ وَالرَّحْمَةُ فِي الْكَبِدِ وَالرَّأْفَةُ فِي الطِّحَالِ " (وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ) أَيْ اللَّحْمِ (لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا إلَّا مُضَافًا، فَيُقَالُ: لَحْمُ رَأْسٍ، وَلَحْمُ لِسَانٍ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْخَدِّ وَالْأَكَارِعِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأُذُنُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا، لِأَنَّهُ جِنْسٌ غَيْرُ اللَّحْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرِّبَا (وَ) يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ أَيْضًا (شَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ) وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ لَحْمٌ أَحْمَرُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ، وَلِهَذَا يَحْمَرُّ عِنْدَ الْهُزَالِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ نَظَرًا إلَى اسْمِ الشَّحْمِ. قَالَ تَعَالَى: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) أَيْ مَا عَلِقَ بِهَا مِنْهُ فَسَمَّاهُ شَحْمًا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا (لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَحْمٌ، وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُهُ لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ شَحْمٌ. أَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَيَحْنَثُ بِهِ جَزْمًا (وَ) الْأَصَحُّ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (أَنَّ الْأَلْيَةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (وَالسَّنَامَ) بِفَتْحِ السِّينِ (لَيْسَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (شَحْمًا وَلَا لَحْمًا) لِأَنَّهُمَا يُخَالِفَانِ كُلًّا مِنْهُمَا فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ. فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ أَوْ الشَّحْمَ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا (وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا، وَ) السَّنَامُ (لَا يَتَنَاوَلُهَا) لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَنَقْرَأُ الْأَلْيَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ (وَالدَّسَمُ) وَهُوَ الْوَدَكُ (يَتَنَاوَلُهُمَا) أَيْ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ (وَ) يَتَنَاوَلُ (شَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الدُّهْنَ بِكَوْنِهِ يُؤْكَلُ عَادَةً لِيَخْرُجَ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَدُهْنِ خُرُوجٍ أَوْ شَرْعًا كَدُهْنِ مَيْتَةٍ وَهُوَ حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ شَحْمَ الظَّهْرِ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُ لَحْمٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّسَمِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ سَمِينًا صَارَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الدَّسَمِ، وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ الدَّسَمُ عَلَى كُلِّ لَحْمٍ، وَخَرَجَ بِالدُّهْنِ أُصُولُهُ كَالسِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اللَّبَنَ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {شَرِبَ لَبَنًا. ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا}. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ دَسَمٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَكَلَ مِنْهُ الدَّسَمَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ وَلَا يَحْنَثُ بِدُهْنِ السِّمْسِمِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دُهْنًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَفِي مَعْنَاهُ دُهْنُ جَوْزٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا) فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ لِدُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا جَعَلُوهُمَا فِي بَابِ الرِّبَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَقَرُ الْوَحْشِ فِي الْأَصَحِّ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حِمَارًا فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ لِلرُّكُوبِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ هُنَا تَنَاوُلُ الْغَنَمِ لِلْمَعْزِ لِمَا مَرَّ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً لَمْ يَحْنَثْ بِمُذَكَّاةٍ وَلَا بِسَمَكٍ وَجَرَادٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَمًا فَأَكَلَ كَبِدًا أَوْ طِحَالًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَأَكَلَ شِيرَازًا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ يَغْلِي فَيَسْخَنُ جِدًّا وَيَصِيرُ فِيهِ حُمُوضَةٌ، أَوْ دُوغًا وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ ثَخِينٌ نُزِعَ زَبَدُهُ وَذَهَبَتْ مَائِيَّتُهُ، أَوْ مَاشَتًا وَهُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ، وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ: لَبَنُ ضَأْنٍ مَخْلُوطٍ بِلَبَنِ مَعْزٍ حَنِثَ لِصِدْقِ اسْمِ اللَّبَنِ عَلَى ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نَعَمٍ أَوْ مِنْ صَيْدٍ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ خَيْلٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ لُوزًا، وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبِالزَّايِ شَيْءٌ بَيْنَ الْجُبْنِ وَاللَّبَنِ الْجَامِدِ نَحْوُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ فِي بِلَادِ مِصْرَ قَرِيشَةً، أَوْ مَصْلًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا أَقِطًا أَوْ غَيْرَهُ جَعَلُوا اللَّبَنَ فِي وِعَاءٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ خُوصٍ أَوْ كِرْبَاسٍ وَنَحْوِهِ فَيَنِزُّ مَاؤُهُ فَهُوَ الْمَصْلُ، أَوْ جُبْنًا، وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي بَابِ السَّلَمِ أَوْ كَشْكًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ، أَوْ أَقِطًا أَوْ سَمْنًا، إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ اللَّبَنِ، وَأَمَّا الزَّبَدُ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ فَلَهُ حُكْمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْقِشْطَةُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، وَالسَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالدُّهْنُ مُتَغَايِرَةٌ، فَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِالْبَاقِي لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ لَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللِّبَا، وَهُوَ أَوَّلُ اللَّبَنِ وَيَحْدُثُ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا يُحْلَبُ قَبْلَهَا.
المتن: وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ لَا آكُلُ هَذِهِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا، وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا، وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ تَمْرًا وَلَا بُسْرًا، وَلَا عِنَبٌ زَبِيبًا وَكَذَا الْعَكُوسُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (قَالَ) فِي حَلِفِهِ (مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ) مَثَلًا (لَا آكُلُ هَذِهِ) (حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ. هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَمِيعِ، وَقَالُوا: لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ لَمْ يَحْنَثْ بِبَعْضِهِ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ وَهُوَ يُفْهِمُ الْحِنْثَ فِيمَا إذَا بَقِيَ مَا لَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا طُحِنَتْ يَبْقَى فِي ثُقُوبِ الرَّحَى مِنْهَا بَقِيَّةُ دَقِيقٍ وَيَطِيرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا عُجِنَ يَبْقَى فِي الْمِعْجَنِ غَالِبًا مِنْهَا بَقِيَّةٌ، وَإِذَا أَكَلَ الْخُبْزَ يَبْقَى مِنْهُ فُتَاتٌ صَغِيرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي الْحِنْثِ بِأَكْلِ خُبْزِهَا عِنْدَ مَنْ يَنْظُرُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَيَطْرَحُ الْعُرْفَ. وَقَدْ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ. قَالَ: وَكُنْتُ أَجْلِسُ كَثِيرًا فِي مَجْلِسِ الشَّاشِيِّ يَعْنِي صَاحِبَ الْحِلْيَةِ، فَيَأْتِي إلَيْهِ الرَّجُلُ يَقُولُ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أَلْبِسَ هَذَا الثَّوْبَ، وَقَدْ احْتَجْتُ إلَى لُبْسِهِ، فَيَقُولُ: سَلْ مِنْهُ خَيْطًا فَيَسُلُّ مِنْهُ خَيْطًا مِقْدَارَ الشِّبْرِ أَوْ الْأُصْبُعِ. ثُمَّ يَقُولُ: الْبَسْ لَا شَيْءَ عَلَيْكَ ا هـ. وَعَلَى هَذَا إذَا تَحَقَّقَ ذَهَابُ مَا ذَكَرَ لَا يَحْنَثُ (وَلَوْ) صَرَّحَ فِي حَلِفِهِ بِالْإِشَارَةِ مَعَ اسْمٍ كَأَنْ (قَالَ: لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً) مَعَ بَقَاءِ حَيَاتِهَا (وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَزُلْ. فَإِنْ هُرِسَتْ فِي طَبْخِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا) بِضَمِّ الْخَاءِ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَخَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَأَنْ قَالَ: لَا آكُلُ الْحِنْطَةَ هَذِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ (وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ حَلَفَ عَلَى أَكْلِهِ (تَمْرًا وَلَا بُسْرًا) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَلَا بَلَحًا (وَلَا) يُتَنَاوَلُ (عِنَبٌ زَبِيبًا، وَكَذَا الْعَكُوسُ) لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ التَّمْرِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، وَكَذَا الْبَاقِي لِاخْتِلَافِهِمَا اسْمًا وَصِفَةً. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا فَأَكَلَ مُنَصِّفًا، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ حَنِثَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ غَيْرَ الرُّطَبِ مِنْهُ فَقَطْ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ الرُّطَبَ مِنْهُ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: ثَمَرُ النَّخْلِ أَوَّلُهُ طَلْعٌ وَكَافُورٌ، ثُمَّ خَلَالٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ، ثُمَّ بَلَحٌ، ثُمَّ بُسْرٌ، ثُمَّ رُطَبٌ، ثُمَّ تَمْرٌ، فَإِذَا بَلَغَ الْإِرْطَابُ نِصْفَ الْبُسْرَةِ قِيلَ مُنَصِّفَةٌ، فَإِنْ بَدَا مِنْ ذَنَبِهَا وَلَمْ يَبْلُغْ النِّصْفَ قِيلَ مُذَنِّبَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ، وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ بُسْرَةٌ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَضَمِّهَا، وَالْجَمْعُ بُسْرٌ بِضَمِّ السِّينِ وَبُسُرَاتٌ، وَأَبْسَرَ النَّخْلُ صَارَ ثَمَرُهُ بُسْرًا، وَهَلْ يَتَنَاوَلُ الْبُسْرُ الْمُشَدَّخَ وَهُوَ مَا لَمْ يَتَرَطَّبْ بِنَفْسِهِ، بَلْ عُولِجَ حَتَّى تَرَطَّبَ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِالْمَعْمُولِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي رُطَبٍ فَأَحْضَرَ إلَيْهِ مُشَدَّخًا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرُّطَبِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ فَأَكَلَهُ، أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (قَالَ) الْحَالِفُ (لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ) أَيْ صَارَ تَمْرًا (فَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ) وَأَطْلَقَ (فَكَلَّمَهُ شَيْخًا) (فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الِاسْمِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ، وَالثَّانِي: يَحْنَثُ لِبَقَاءِ الصُّورَةِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الصِّفَةُ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا اللَّحْمَ فَجَعَلَهُ شِوَاءً وَأَكَلَهُ. أَمَّا إذَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَكْلِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ وَكَلَامِ هَذَا الشَّخْصِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَإِنْ تَبَدَّلَتْ الصِّفَةُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي نَظَائِرِ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا، أَوْ الْعِنَبِ فَصَارَ زَبِيبًا، أَوْ الْعَصِيرِ فَصَارَ خَمْرًا، أَوْ هَذِهِ الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا، أَوْ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ السَّخْلَةِ أَوْ الْخَرُوفِ فَصَارَ كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَعَتَقَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: شَيْخًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ بَالِغًا يَحْنَثُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَالِغِ لَدَلَّ عَلَى الشَّيْخِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى سَخْلَةٍ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ.
المتن: وَالْخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَأَرُزٍّ وَبَاقِلَّا وَذُرَةً وَحِمَّصٍ، فَلَوْ ثَرَدَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ حَنِثَ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ.
الشَّرْحُ: (وَالْخُبْزُ) فِي حَلِفِهِ عَلَى أَكْلِهِ (يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (وَأَرُزٍّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ (وَبَاقِلَّا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعَ الْقَصْرِ اسْمٌ لِلْفُولِ (وَذُرَةً) بِإِعْجَامِ الذَّالِ بِخَطِّهِ وَهِيَ الدُّهْنُ، وَتَكُونُ سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ (وَحِمَّصٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُهَا، وَسَائِرُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ كَالْعَدَسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا مَعْهُودًا بِبَلَدِهِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُبْزٌ وَاللَّفْظُ بَاقٍ عَلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْعُمُومِ، وَعَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصًا لِوُجُودِ الِاسْمِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ لَمْ يَعْهَدْهُ بِبَلَدِهِ، وَخُبْزُ الْمَلَّةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الرَّمَادُ الْحَارُّ كَغَيْرِهِ (فَلَوْ ثَرَدَهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفًا (فَأَكَلَهُ حَنِثَ) وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَهُ بِلَا مَضْغٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هُنَا، وَفِي الطَّلَاقِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَلْعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَعُدَّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا. وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فِي الطَّلَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ، وَالْبَلْعُ فِيهَا لَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْبَلْعُ فِيهَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي مَرَقَةٍ حَسْوًا؛ أَيْ مَائِعًا يُشْرَبُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَوْ فَتِيتَا وَهُوَ الْخُبْزُ يُفَتُّ فِي الْمَاءِ بِحَيْثُ يَبْقَى فِيهِ كَالْحَسْوِ فَشَرِبَ الْحَسْوَ أَوْ الْفَتِيتَ، وَيُقَالُ فِيهِ الْفَتُوتَ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا لَمْ يَحْنَثْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى خُبْزًا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ دَقَّ الْخُبْزَ الْيَابِسَ ثُمَّ أَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ كَالدَّقِيقِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَوْزَيْنَقِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْجَوْزِ، وَمِثْلُهُ اللَّوْزَيْنَقِ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِاللُّوزِ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَقْلِيٌّ، وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الضَّابِطَ فِي الْخُبْزِ كُلُّ مَا خُبِزَ لَا مَا قُلِيَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: فَأَمَّا الْبُقْسُمَاطُ وَالْبَسِيسُ وَالرُّقَاقُ وَبَيْضٌ لِذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: أَمَّا الْبُقْسُمَاطُ فَسَمَّاهُ الْجَوْهَرِيُّ خُبْزًا، وَالرُّقَاقُ فِي مَعْنَاهُ. نَعَمْ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ خُبْزًا. وَأَمَّا الْبَسِيسُ فَهُوَ أَنْ يُلَتَّ السَّوِيقُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الْأَقِطُ الْمَطْحُونُ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَلُ، مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ: لَا تَخْبِزْ خُبْزًا وَبَسًّا بَسًّا وَإِذَا عَلِمْت مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا وَاسْتِدْلَالًا قَطَعْتُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَسِيسِ ا هـ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ الْحِنْثُ بِالرُّقَاقِ وَالْبُقْسُمَاطِ، وَكَذَا بِبَسِيسٍ أَوْ خُبْزٍ، لَا إنْ قُلِيَ بِشَيْرَجٍ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِمَا يُخْبَزُ مَا يَتَعَاطَاهُ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْجِنُونَ دَقِيقًا وَيَخْبِزُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ ثُمَّ يَبُسُّونَهُ بِغِرْبَالٍ وَنَحْوِهِ وَيُضِيفُونَ إلَيْهِ سَمْنًا، وَقَدْ يُزَادُ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا ا هـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا إنْ قُلِيَ فِيهِ إشَارَةً إلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَيْهِ يَحْنَثُ بِالْكُنَافَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالزَّلَابِيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ رَجَّحَ الْأُشْمُونِيُّ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ أَنَّ الْبُقْسُمَاطَ وَنَحْوَهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ، لَا مَا يُخْبَزُ وَيُقْلَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي الْجَمِيعِ إنْ اعْتَمَدْنَا اللُّغَةَ، وَعَدَمُهُ إنْ اعْتَمَدْنَا الْعُرْفَ (وَ) الْأَفْعَالُ الْمُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ كَالْأَعْيَانِ لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالشُّرْبُ لَيْسَ أَكْلًا وَلَا عَكْسَهُ، فَعَلَى هَذَا (لَوْ) (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ، أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ) مَبْلُولَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ أَكْلًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ اسْمِ الْأَكْلِ الْمَضْغُ، بَلْ يَكْفِي الْبَلْعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَلَوْ ثَرَدَهُ (وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ السَّوِيقَ (فِي مَاءٍ) أَوْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى انْمَاعَ (فَشَرِبَهُ فَلَا) لِعَدَمِ الْأَكْلِ. فَإِنْ كَانَ خَائِرًا بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْيَدِ حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ) أَيْ السَّوِيقَ (فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا وَلَا يَشْرَبُهُ فَذَاقَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَمَضَغَهُ وَلَفَظَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ مَعْرِفَةُ الطَّعْمِ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَذُوقُ فَأَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ وَبَلَغَ جَوْفَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَذُقْ، أَوْ لَا يُطْعَمُ حَنِثَ بِالْإِيجَارِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَأَجْعَلَنَّهُ لِي طَعَامًا وَقَدْ جَعَلَهُ لِي طَعَامًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْعِنَبَ أَوْ الرُّمَّانَ فَامْتَصَّهُ وَلَمْ يَزْدَرِدْ شَيْئًا مِنْ تُفْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَصَبُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.
المتن: أَوْ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ، أَوْ شَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ.
الشَّرْحُ:
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ) كَالزَّيْتِ (وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ) (حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يُؤْكَلُ (أَوْ شَرِبَهُ فَلَا) يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ بِالثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى لِعَدَمِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السُّكَّرَ فَوَضَعَهُ بِفِيهِ وَذَابَ وَابْتَلَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اتَّخَذَ مِنْهُ إلَّا إنْ نَوَى، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي التَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهِمَا.
المتن: أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا حَنِثَ، وَإِنْ شَرِبَ ذِئْبًا فَلَا، وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا) بِمُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَذَابَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يُشْبِهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَلَا يَحْنَثُ كَمَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ هَهُنَا آكِلٌ لَهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآكِلٍ مَا اشْتَرَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَرِبَ) هـ ذَائِبًا (فَلَا) يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ (وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ) وَهِيَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ: دَقِيقٌ يُلَتُّ بِسَمْنٍ وَيُطْبَخُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتْ بِذَاكَ؛ لِأَنَّهَا تُعْصَدُ بِآلَةٍ أَيْ تُلْوَى (حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً) بِحَيْثُ يَرَى جُرْمَهُ بِأَنْ بَقِيَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ لِمَا مَرَّ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ فَشَرِبَهُ صَرْفًا حَنِثَ وَإِنْ مَزَجَهُ بِغَيْرِهِ حَنِثَ إنْ غَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَمْ يَحْنَثْ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا فَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْ جَعَلَ الْخَلَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي سِكْبَاجٍ فَظَهَرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ حَنِثَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَلَا. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَجَعَلَ مَاءَهُ فِي غَيْرِهِ وَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِالشُّرْبِ مِنْ الْكُوزِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ مَثَلًا، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ فِي كُوزٍ حَنِثَ فِي الْأَوَّلِ وَبَرَّ فِي الثَّانِي وَإِنْ قَلَّ مَا شَرِبَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا أَشْرَبُ أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، أَوْ الْإِدَاوَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ شُرْبًا فِي زَمَانٍ وَإِنْ طَالَ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَبَرَّ فِي الْحَالِ فِي الثَّانِي بِشُرْبِ بَعْضِهِ، بَلْ بِشُرْبِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مَاءَ النِّيلِ، أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ، أَوْ الْغَدِيرِ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَكْسُ ذَلِكَ: سَبْقُ قَلَمٍ ا هـ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَدًا حَنِثَ فِي الْغَدِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الصُّعُودِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَدًا حَنِثَ فِي الْحَالِ، وَلَأَشْرَبَنَّ مَا فِي هَذَا الْكُوزِ وَكَانَ فَارِغًا وَهُوَ عَالِمٌ بِفَرَاغِهِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ زَيْدًا وَهُوَ عَالِمٌ بِمَوْتِهِ حَنِثَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ مِنْهُ قَبْلَ إمْكَانِ شُرْبِهِ فَكَالْمُكْرَهِ، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ بَرَّ إنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّهُ مِنْ الْكُوزِ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَهُ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ مِنْ الْكُوزِ فِيهَا، وَلَمْ يَشْرَبْهُ جَمِيعَهُ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَفَارَقَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَمْسِ وَهُوَ صَادِقٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ الْحِنْثُ بِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا، أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ حَنِثَ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لَا بِالْمِلْحِ، أَوْ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ حُمِلَ عَلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حَنِثَ بِكُلِّ مَاءٍ حَتَّى مَاءِ الْبَحْرِ وَشُرْبِ مَاءِ الثَّلْجِ وَالْجُمْدِ لَا أَكْلِهِمَا، فَشُرْبُهُمَا غَيْرُ أَكْلِهِمَا، وَأَكْلُهُمَا غَيْرُ شُرْبِهِمَا وَالثَّلْجُ غَيْرُ الْجُمْدِ.
المتن: وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ وَأُتْرُجٌّ وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ. قُلْتُ: وَلَيْمُونٌ وَنَبْقٌ وَكَذَا بِطِّيخٌ وَلُبُّ فُسْتُقٍ وَ بُنْدُقٍ وَغَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ، لَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ وَبَاذِنْجَانٌ وَجَزَرٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ يَابِسٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ لَمْ يَدْخُلْ هِنْدِيٌّ.
الشَّرْحُ: (وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا (رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ) وَتُفَّاحٌ وَسَفَرْجَلٌ وَكُمَّثْرَى وَمِشْمِشٌ وَخَوْخٌ (وَأُتْرُجٌّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، وَيُقَالُ فِيهِ أُتْرُنْجٌ بِالنُّونِ وَتُرُجٌّ (وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ يَابِسٍ وَمُفَلَّقٍ وَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ مَا يُتَفَكَّهُ بِهَا أَيْ مَا يُتَنَعَّمُ بِأَكْلِهَا أَوْ لَا يَكُونُ قُوتًا كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي شُمُولِ الْفَاكِهَةِ لِلزَّيْتُونِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الشُّمُولِ، وَشَرَطَ الزُّبَيْدِيُّ فِي الْفَاكِهَةِ النُّضْجَ. قَالَ: فَلَوْ تَنَاوَلَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ وَنُضْجِهِ وَطِيبِهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي حَانِثًا، وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رَأَيْته؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْغِذَاءِ وَلَا الطَّعَامِ، بَلْ هُوَ كَوَرَقِ الشَّجَرِ لَا يَدْخُلُ فِي التَّفَكُّهِ ا هـ. وَجَزَمَ بِهَذَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ دُخُولِ الْبَلَحِ وَالْحُصْرُمِ فِي ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْبَلَحِ فِي غَيْرِ الَّذِي احْمَرَّ وَاصْفَرَّ وَحَلَا وَصَارَ بُسْرًا، أَوْ تَرَطَّبَ بَعْضُهُ وَلَمْ يَصِرْ رُطَبًا. فَأَمَّا مَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تَوَقُّفَ أَنَّهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ لِأَجْلِ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وَمَيَّزَ الْعِنَبَ عَنْ الْفَاكِهَةِ فِي سُورَةِ عَبَسَ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَقَوْلِهِ: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} فَمَنْ قَالَ: لَيْسَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ: لَا تَعَلُّقَ فِيهَا لِمَنْ أَخْرَجَ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ مِنْ الْفَاكِهَةِ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ تَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَلَمَّا عَطَفَ عَلَيْهَا أَشْعَرَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي قَوْلِهِ فَاكِهَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا خُرُوجُهُمَا مِنْ جِنْسِ الْفَاكِهَةِ كُلِّهَا وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، فَإِنَّهَا فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، وَهِيَ تَعُمُّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي الْأُصُولِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قُلْتُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَلَيْمُونٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِثْبَاتِ النُّونِ فِي آخِرِهِ، الْوَاحِدَةُ لَيْمُونَةٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَغَلِطَ مَنْ نَفَى النُّونَ مُنْكِرًا عَلَى الْمُصَنِّفِ إثْبَاتَهَا. وَقَالَ الْمَعْرُوفُ: لَيْمُو بِحَذْفِ النُّونِ، وَمِثْلُهُ النَّارِنْجُ وَمَحِلُّهُ فِي الطَّرِيِّينَ كَمَا قَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ فَالْمُمَلَّحُ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ، وَالْيَابِسُ مِنْهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الطَّرِيَّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ عُرْفًا، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بِهِ بَعْضُ الْأَطْعِمَةِ كَالْخَلِّ (وَ) يَدْخُلُ أَيْضًا فِي فَاكِهَةٍ (نَبْقٌ) طَرِيَّةٌ وَيَابِسَةٌ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِكَسْرِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي خَطِّهِ: ثَمَرُ حَمْلِ السِّدْرِ (وَكَذَا بِطِّيخٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا (وَلُبُّ فُسْتُقٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا بِخَطِّهِ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْوَاحِدَةُ فُسْتُقَةٌ (وَ) لُبُّ (بُنْدُقٍ) بِمُوَحَّدَةٍ وَدَالٍ مَضْمُومَتَيْنِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْفَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَغَيْرُهُمَا) مِنْ اللُّبُوبِ كَلُبِّ لَوْزٍ وَجَوْزٍ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا الْبِطِّيخُ فَلِأَنَّ لَهُ نُضْجًا وَإِدْرَاكًا كَالْفَوَاكِهِ . وَأَمَّا اللُّبُوبُ فَإِنَّهَا تُعَدُّ مِنْ يَابِسِ الْفَوَاكِهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ فَاكِهَةً، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ (لَا قِثَّاءٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَبِمُثَلَّثَةٍ مَعَ الْمَدِّ (وَ) لَا (خِيَارٌ، وَ) لَا (بَاذِنْجَانٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ (وَ) لَا (جَزَرٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ لَا الْفَوَاكِهِ فَأَشْبَهَتْ الْبَقْلَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِثَّاءَ غَيْرُ الْخِيَارِ، وَهُوَ الشَّائِعُ عُرْفًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ الْقِثَّاءَ مَعَ الْخِيَارِ جِنْسَانِ، لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْقِثَّاءَ الْخِيَارُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. قَالَ الْفَزَارِيّ: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَكُونُ مِنْ الْفَاكِهَةِ مَعَ أَنَّ لُبَّ الْفُسْتُقِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِجَعْلِ الْخِيَارِ فِي أَطْبَاقِ الْفَاكِهَةِ دُونَ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ (وَلَا يَدْخُلُ فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ (الثِّمَارِ) بِمُثَلَّثَةٍ (يَابِسٌ) مِنْهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بِخِلَافِ الْفَاكِهَةِ وَيَدْخُلُ فِيهَا يَابِسُهَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَصَوَّبَ، الْبُلْقِينِيُّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْيَابِسِ أَيْضًا. وَقَالَ أَهْلُ الْعُرْفِ: يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا ثَمَرًا بَعْدَ الْيُبْسِ (وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَاحِدًا مِنْهَا (لَمْ يَدْخُلْ) فِي حَلِفِهِ (هِنْدِيٌّ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِلْمُخَالَفَةِ فِي الصُّورَةِ وَالطَّعْمِ، وَكَذَا لَا يَتَنَاوَلُ الْخِيَارُ خِيَارَ الشِّنْبَرِ، وَالْبِطِّيخُ الْهِنْدِيُّ هُوَ الْأَخْضَرُ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْبِطِّيخِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَخْضَرِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ بِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
المتن: وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى.
الشَّرْحُ: (وَالطَّعَامُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى) لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّعَامَ لَا يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ دَاخِلًا فِي اسْمِ الطَّعَامِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ هُنَاكَ، وَالْحَلْوَى كُلُّ مَا اُتُّخِذَ مِنْ نَحْوِ عَسَلٍ وَسُكَّرٍ مِنْ كُلِّ حُلْوٍ، وَلَيْسَ جِنْسُهُ حَامِضًا كَدِبْسٍ وَقَنْدٍ وَفَانِيدٍ، لَا عِنَبَ وَإِجَّاصٍ وَرُمَّانَ، أَمَّا السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُمَا فَلَيْسَ بِحَلْوَى بِدَلِيلِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ} فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَلْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً فَلَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَى بِغَيْرِ الْمَعْمُولِ بِخِلَافِ الْحُلْوِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَفِي اللَّوْزَيْنَجِ وَالْجَوْزَيْنَجِ وَجْهَانِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْحِنْثُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَهُمَا حَلْوَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِثْلُهُ مَا يُقَالُ لَهُ الْمُكَفَّنُ وَالْخُشْكَنَانُ وَالْقَطَائِفُ، وَإِذَا قُصِرَتْ الْحَلْوَى كُتِبَتْ بِالْيَاءِ وَإِلَّا فَبِالْأَلِفِ. فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {قَلْبُ الْمُؤْمِنِ حُلْوٌ يُحِبُّ الْحَلْوَى} وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي كَوْنِ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرَ. وَقَالَ عُرْفُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ: أَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْمَطْبُوخُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ، وَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْفَوَاكِهِ عُدَّ مِنْ الْحَمْقَى وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى اللُّغَةِ إنْ لَمْ يُعَضِّدْهَا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ إطْلَاقُ الطَّعَامِ عَلَى الْبُرِّ، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ هَذَا حُمِلَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَيْهِ ا هـ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ.
الشَّرْحُ: وَهَلْ يَدْخُلُ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَاللَّحْمُ فِي الْقُوتِ لِمَنْ يَعْتَادُ كُلًّا مِنْهَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ دُخُولِهَا إذَا لَمْ يُعْتَدْ اقْتِيَاتُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْحَالِفُ يَقْتَاتُهَا، وَمِنْ الْأُدْمِ الْفُجْلُ، وَالثِّمَارُ، وَالْبَصَلُ، وَالْمِلْحُ، وَالْخَلُّ، وَالشَّيْرَجُ، وَالتَّمْرُ (وَلَوْ) تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ الْمُشْتَهِرَةُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ لَوْ (قَالَ) الْحَالِفُ (لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا) فَيَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عُرْفًا، وَكَذَا شَحْمُهَا وَكَبِدُهَا وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى اللَّحْمِ (دُونَ وَلَدٍ) لَهَا (وَلَبَنٍ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا حَمْلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَارَفَةِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مَسْمُوطًا حَنِثَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ الْمَجَازُ مُشْتَهِرًا قُدِّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) لَا آكُلُ (مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ) مِنْهَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِهِ (دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ) مِنْهَا حَمْلًا عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ وَالْأَوْرَاقَ لَا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ، وَالْجُمَّارُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ كَالتَّمْرِ قَالَ: وَإِنْ أُكِلَ الْوَرَقُ فِي بَلْدَةٍ أَكْلًا مُتَعَارَفًا كَوَرَقِ بَعْضِ شَجَرِ الْهِنْدِ، فَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ بِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَأَنَّهُ مِثْلُ الْحَلْوَى وَأَحْسَنُ فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا ا هـ. فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ يَكُونُ كَالْجُمَّارِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَإِنَّمَا قَالُوا فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ تُتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ: كَمَا لَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرْعِ بِفِيهِ، وَإِذَا غَرَفَ بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ فَهُوَ مَجَازٌ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ الْكُوزِ لَا مِنْ النَّهْرِ. لَكِنَّهُ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادَرُ، وَالْحَقِيقَةُ قَدْ تُرَادُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّعَاءِ وَغَيْرُهُمْ يَكْرَعُ بِفِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْأُخْرَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدِهِ أَمْ فِي إنَاءٍ فَشَرِبَ أَوْ كَرَعَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ.
لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا - الرَّيْحَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ حَنِثَ بِشَمِّ الصَّيْمَرَانِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْمِيمِ: الرَّيْحَانُ الْفَارِسِيِّ لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَإِنْ شَمَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ مَشْمُومٌ لَا رَيْحَانٌ، وَمِثْلُهُ الْبَنَفْسَجُ وَالنَّرْجِسُ وَالزَّعْفَرَانُ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْمَشْمُومِ حَنِثَ بِذَلِكَ دُونَ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ؛ لِأَنَّهَا طِيبٌ لَا مَشْمُومٌ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُهْنِهِمَا.
المتن: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّهَا فَاخْتَلَطَتْ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ) الْمُعَيَّنَةَ (فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً). قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: أَوْ أَكَلَ الْغُرَابُ مَثَلًا مِنْهُ وَاحِدَةً (لَمْ يَحْنَثْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْوَرَعُ أَنْ يُكَفِّرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَكَلَهَا أَوْ أَكَلَ الْكُلَّ حَنِثَ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَحْنَثُ بِآخِرِ تَمْرَةٍ يَأْكُلُهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ فَالْعِدَّةُ مِنْ حِينَئِذٍ لَا مِنْ وَقْتِ اشْتِغَالِهِ بِالْأَكْلِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ إلَّا بَعْضَ تَمْرَةٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ ذَكَرَهَا لَعُلِمَ مِنْهَا حُكْمُ تَرْكِ جَمِيعِ التَّمْرَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّهَا) أَيْ التَّمْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ (فَاخْتَلَطَتْ) بِتَمْرِ كُلِّهِ (لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا. أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَلِطْ بِهِ كُلِّهِ كَأَنْ وَقَعَتْ فِي جَانِبٍ مِنْ الصُّبْرَةِ فَأَكَلَ ذَلِكَ الْجَانِبَ. بَرَّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ التَّمْرَةُ مُتَمَيِّزَةً عَنْ أَكْثَرِ التَّمْرِ وَهُنَاكَ قَلِيلٌ يُشْبِهُهَا بَرَّ بِأَكْلِ جَمِيعِ مَا يُشْبِهُهَا وَالضَّابِطُ حُصُولُ الْيَقِينِ بِأَكْلِهَا.
المتن: أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ) (فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا) لِتَعَلُّقِ يَمِينِهِ بِالْجَمِيعِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُهَا فَتَرَكَ مِنْهَا حَبَّةً لَمْ يَحْنَثْ.
المتن: أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا حَنِثَ، أَوْ لَا أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا،
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ) وَأَطْلَقَ (لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَلْبَسَ مِنْهُمَا شَيْئًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ أَتَى بِوَاوِ الْعَطْفِ بَدَلًا عَنْ التَّثْنِيَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهَذَا الثَّوْبَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا) أَيْ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ (أَوْ مُرَتَّبًا) بِأَنْ لَبِسَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ قَلَعَهُ ثُمَّ لَبِسَ الْآخَرَ (حَنِثَ) لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ مَعًا لِلِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ وِفَاقًا لِثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ خِلَافُهُ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ (أَوْ) قَالَ فِي حَلِفِهِ: أَنَّهُ (لَا أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ، حَتَّى لَوْ حَنِثَ فِي أَحَدِهِمَا بَقِيَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ حَتَّى إذَا وُجِدَ كَفَّرَ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إدْخَالَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَتَكْرِيرَ " لَا " بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَيُخَالِفُ مَا لَوْ حَذَفَ لَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ جَعْلِهِمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَالشَّيْئَيْنِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ الْحِنْثِ، فَإِذَا أَدْخَلَ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ فَائِدَةٍ وَلَيْسَ إلَّا إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ النُّحَاةُ: إنَّ النَّفْيَ بِلَا لِنَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَدُونَهَا لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ دِرْعًا، وَهِيَ مِنْ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْجَوْهَرِيُّ فِيهَا التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ هَذَا فِي دِرْعِ الرَّجُلِ. وَأَمَّا دِرْعُ الْمَرْأَةِ فَمُذَكَّرٌ بِاتِّفَاقٍ، أَوْ جَوْشَنًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، أَوْ خُفًّا، أَوْ نَعْلًا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، أَوْ خَاتَمًا، أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ نَحْوَهَا مِنْ سَائِرِ مَا يَلْبَسُ حَنِثَ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِذَلِكَ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدِّرْعِ وَالْجَوْشَنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ سَابِغٌ كُلُّهُ. وَالثَّانِي إلَى نِصْفِ الْفَخِذِ وَإِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ بِقَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَجُبَّةٍ وَقُبَاءَ وَنَحْوِهَا، مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ سَوَاءٌ لَبِسَهُ بِالْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ أَمْ لَا بِأَنْ ارْتَدَى، أَوْ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ، أَوْ تَعَمَّمَ بِالسَّرَاوِيلِ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالثَّوْبِ، لَا بِالْجُلُودِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْحَلْيِ لِعَدَمِ اسْمِ الثَّوْبِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةٍ يَعْتَادُونَ لُبْسَ الْجُلُودِ ثِيَابًا فَيُشَبَّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِوَضْعِ الثَّوْبِ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا بِافْتِرَاشِهِ تَحْتَهُ، وَلَا بِتَدَثُّرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى لُبْسًا وَإِنَّمَا حُرِّمَ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِعْمَالٍ فَكَانَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى رِدَاءٍ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّدَاءَ فِي يَمِينِهِ، بَلْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَّعَهُ قَمِيصًا وَلَبِسَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى لُبْسِهِ ثَوْبًا فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا مُنْكَرًا أَوْ مُعَرَّفًا كَهَذَا الْقَمِيصِ فَارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِهِ حَنِثَ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالْقَمِيصِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْحَلِفِ عَلَى لُبْسِ الثَّوْبِ، لَا إنْ ارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِهِ بَعْدَ فَتْقِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْقَمِيصِ، فَلَوْ أَعَادَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى فَكَالدَّارِ الْمُعَادَةِ بِنَقْضِهَا وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا، وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبِسُ هَذَا الثَّوْبَ وَكَانَ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً فَجَعَلَهُ نَوْعًا آخَرَ كَسَرَاوِيلَ حَنِثَ بِلُبْسِهِ؛ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ، أَوْ لَا أَلْبِسُ هَذَا الْقَمِيصَ، أَوْ الثَّوْبَ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ، أَوْ اتَّزَرَ، أَوْ تَعَمَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا أَلْبِسُهُ وَهُوَ قَمِيصٌ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمًا أَوْ مِخْنَقَةَ لُؤْلُؤٍ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْخُنَاقِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، وَالْمُخَنَّقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعُ الْمِخْنَقَةِ مِنْ الْعُنُقِ، أَوْ تَحَلَّى بِالْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ وَلَوْ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً، وَسِوَارًا، وَخَلْخَالًا، وَدُمْلُجًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حُلِيًّا، وَلَا يَحْنَثُ بِسَيْفٍ مُحَلًّى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُلِيًّا، وَيَحْنَثُ بِالْخَرَزِ وَالسَّبَجِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ، وَهُوَ الْخَرَزُ الْأَسْوَدُ، وَبِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَادُونَ التَّحَلِّيَ بِهَا كَأَهْلِ السُّودَانِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي، وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ مِنْ أَصَابِعِهِ حَنِثَتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ مُطْلَقًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الرَّاجِحُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ اللُّبْسِ وَصِدْقِ الِاسْمِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُبْسِهِ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا أَوْ الْوُسْطَى أَوْ السُّفْلَى.
المتن: أَوْ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ فِي الْغَدِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ حَنِثَ، وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ حَنِثَ، وَإِنْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكَمُكْرَهٍ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ (وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ) أَوْ بَعْضُهُ (فِي الْغَدِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ (وَ) إنْ تَلِفَ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ فَفِي حِنْثِهِ (قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ) أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الْبِرِّ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قَالُوا قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ أَرَادُوا بِهِ مَا إذَا حَلَفَ بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ. أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَطْعًا، وَشَمِلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَبْلَهُ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى مَا إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْغَدِ. وَالثَّانِيَةُ: مَا إذَا تَلِفَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ، وَالْأُولَى لَا يَحْنَثُ فِيهَا قَطْعًا. وَالثَّانِيَةُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهَا، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ، فَإِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَفِي صُورَةِ التَّلَفِ إذَا لَمْ يُنْسَبْ إلَى تَقْصِيرٍ فِي تَلِفَهُ، فَلَوْ أَتْلَفَتْهُ هِرَّةٌ أَوْ صَغِيرٌ مَثَلًا مَعَ إمْكَانِ دَفْعِهِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ حَنِثَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) أَوْ بَعْضَهُ (بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ) عَالِمًا عَامِدًا مُخْتَارًا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْتِيَ الْغَدَاءُ كَمَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ، وَعَلَى هَذَا هَلْ حِنْثُهُ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الْأَكْلِ مِنْ الْغَدِ أَوْ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَاف فِيمَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَلَى قَضِيَّةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دُونَ الْأَصَحِّ (وَإِنْ تَلِفَ) الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ (أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) قَبْلَ الْغَدِ (فَكَمُكْرَهٍ) لِمَا مَرَّ، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ.
المتن: أَوْ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ فَلْيَقْضِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ فَإِنْ قَدِمَ أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ، قَدْرُ إمْكَانِهِ حَنِثَ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَفْرُغْ لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) قَالَ مُخَاطِبًا لِشَخْصٍ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ: وَاَللَّهِ (لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ) أَوْ مَعَهُ، أَوْ مَعَ الِاسْتِهْلَالِ، أَوْ عِنْدَهُ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ مَعَ رَأْسِهِ، أَوْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (فَلْيَقْضِ) الْحَقُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ) الَّذِي قَبْلَهُ لِوُقُوعِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ، وَيُعْرَفُ إمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ الْعَدَدِ، لَكِنْ لَفْظَةُ عِنْدَ أَوْ مَعَ تَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَسَامَحَ فِيهِ وَيَقْنَعَ بِالْمُمْكِنِ أَوْ يُقَالَ: الْتَزَمَ مُحَالًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهَذَا لَا ذَاهِبَ إلَيْهِ ا هـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي (فَإِنْ قَدِمَ) قَضَاءُ الْحَقِّ عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ (أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ قَدْرُ إمْكَانِهِ) أَيْ قَضَاءِ الْحَقِّ (حَنِثَ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَكَذَا لَوْ مَضَى زَمَنُ الشُّرُوعِ وَلَمْ يَشْرَعْ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ زَمَنِ الْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّ الْمَالَ وَيَتَرَصَّدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَقْضِيَهُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَأَقْضِيَنَّ غَدًا وَنَوَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ الْغَدِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ، فَيَجِيءُ مِثْلُهُ هُنَا، فَيُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ قَدِمَ، وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ: أَرَدْت بِقَوْلِي: عِنْدَ إلَيَّ فَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ: مُخْتَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْهُمَا الْقَبُولُ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ) أَوْ الْوَزْنِ، أَوْ الْعَدِّ (حِينَئِذٍ) أَيْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ فِي مُقَدِّمَةِ الْقَضَاءِ كَحَمْلِ الْكَيْلِ أَوْ الْمِيزَانِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى لِفَهْمِ الشُّرُوعِ فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَلَمْ يَفْرُغْ) مِنْ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ الْمَوْزُونِ أَوْ الْمَكِيلِ مَعَ تَوَاصُلِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ (لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ مِيقَاتِهِ، فَإِنْ حَصَلَتْ فَتَرَاتٌ لَا يُعَدُّ الْكَيْلُ أَوْ نَحْوُهُ فِيهَا مُتَوَاصِلًا حَنِثَ حَيْثُ لَا عُذْرَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حُمِلَ الْحَقُّ إلَيْهِ حِينَ الْغُرُوبِ وَمَنْزِلُهُ بَعِيدٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ حَتَّى تَمْضِيَ اللَّيْلَةُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْهِلَالِ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَبَانَ كَوْنُهَا مِنْ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ كَالْمُكْرَهِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ رَأَى الْهِلَالَ بِالنَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ، فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى الْغُرُوبِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ.
المتن: أَوْ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا فَلَا حِنْثَ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ) اللَّهَ تَعَالَى أَوْ حَمِدَهُ أَوْ هَلَّلَهُ أَوْ كَبَّرَهُ، وَكَذَا لَوْ دَعَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِخِطَابِ الْآدَمِيِّ (أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا) فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ (فَلَا حِنْثَ) بِذَلِكَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامًا يَحْنَثُ بِسَمَاعِهِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَرَأَ مِنْ التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ الْيَوْمَ أَوْ الْإِنْجِيلِ لَمْ يَحْنَثْ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الَّذِي قَرَأَهُ مُبَدَّلٌ أَوْ لَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَا يَعْلَمُهُ مُبَدَّلًا كَأَنْ قَرَأَ جَمِيعَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ النَّفْسِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ مَعَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا أَوْ صَلَّى وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْحِنْثُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً، وَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يَعُدُّونَهُ مُخَاطَبَةً لِلنَّاسِ.
المتن: أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا فِي الْجَدِيدِ.
الشَّرْحُ: فَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا (أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) وَسَمِعَ كَلَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ قَالَا: وَلَوْ كَانَ سَلَامُ الصَّلَاةِ (حَنِثَ) أَمَّا عَدَمُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَدْ مَرَّ، وَأَمَّا عَدَمُ كَلَامِهِ فَلِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ بِالسَّلَامِ، فَلَوْ قَصَدَ التَّحَلُّلَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْبَابِ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ كَلَّمَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ السَّلَامِ مُوَاجَهَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَبَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ عَدَمَ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ هُنَاكَ تُصَدِّقُهُ. وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ الْمُوَاجَهَةَ أَيْضًا، فَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ تَعْرِيضٌ لَهُ وَلَمْ يُوَاجِهْهُ كَيَا حَائِطُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ كَذَا لَمْ يَحْنَثْ، وَالْمُرَادُ. بِالْكَلَامِ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ نَائِمٌ بِكَلَامٍ يُوقِظُ مِثْلَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ، يَسْمَعُ كَلَامَهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، سَمِعَ كَلَامَهُ أَمْ لَا (وَإِنْ) (كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا) بِعَيْنٍ أَوْ رَأْسٍ (فَلَا) حِنْثَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (فِي الْجَدِيدِ) حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ النَّفْيِ عَنْ ذَلِكَ. فَيُقَالُ مَا كَلَّمَهُ وَلَكِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا} {فَأَشَارَتْ إلَيْهِ} وَفِي الْقَدِيمِ نَعَمْ، حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} فَاسْتَثْنَى الْوَحْيَ وَالرِّسَالَةَ مِنْ التَّكَلُّمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ، وقَوْله تَعَالَى: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا} فَاسْتَثْنَى الرَّمْزَ مِنْ الْكَلَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْجَدِيدِ، وَحَمَلَ مَا نُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ عَلَى مَا إذَا نَوَى فِي يَمِينِهِ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُرَاسَلَةَ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَ النِّيَّةِ يَحْنَثُ قَطْعًا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَجَازَ تَجُوزُ إرَادَتُهُ بِالنِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ إشَارَةِ النَّاطِقِ وَالْأَخْرَسِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ بِالْإِشَارَةِ حَنِثَ، وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَاطِقٍ فَخَرَسَ، وَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ طَلُقَتْ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَرَسَ مَوْجُودٌ فِيهِ قَبْلَ الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْكَلَامَ مَدْلُولُهُ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدَّى بِاللَّفْظِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ أَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَرَامٌ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، فَإِذَا كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ ارْتَفَعَ الْهِجْرَانُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ أَوْ كَانَتْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِهِمَا وَتَضَمَّنَتْ فِي الْحَالَيْنِ الْأُلْفَةَ بَيْنَهُمَا لَا إنْ كَانَ فِيهِمَا إيذَاءٌ وَإِيحَاشٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِثْمُ، وَلَا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحُضُورِ وَلَمْ تَكُنْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِذَلِكَ.
المتن: وَلَوْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا مَقْصُودَهُ وَقَصَدَ قِرَاءَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (قَرَأَ) الْحَالِفُ (آيَةً أَفْهَمَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ (بِهَا مَقْصُودَهُ) نَحْوَ: (اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمَنِينَ) عِنْدَ طَرْقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ الْبَابَ (وَقَصَدَ قِرَاءَةً) فَقَطْ أَوْ مَعَ إفْهَامِهِ (لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ إفْهَامَهُ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ، وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الْحِنْثِ، وَمِثْلُ هَذَا مَا لَوْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ أَوْ سَبَّحَ لِسَهْوِهِ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ حَنِثَ بِمَا قَرَأَ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ، أَوْ لَيَتْرُكَنَّ الصَّوْمَ أَوْ الْحَجَّ أَوْ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ حَنِثَ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ فِي كُلٍّ مِنْهَا، وَإِنْ فَسَدَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا وَحَاجًّا وَمُعْتَكِفًا وَمُصَلِّيًا بِالشُّرُوعِ لَا بِالشُّرُوعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَصُورَةُ انْعِقَادِ الْحَجِّ فَاسِدًا أَنْ يُفْسِدَ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، وَتَصْوِيرُهُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ مُجَامِعًا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ، إذْ الْأَصَحُّ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ أَوْ لَا أُصَلِّي صَلَاةً حَنِثَ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا وَلَوْ مِنْ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَمِمَّنْ يُومِئُ إلَّا إنْ أَرَادَ صَلَاةً مُجْزِئَةً، فَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَطَوَافٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ: وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ جِنَازَةٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَبَادِرَةٍ عُرْفًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَ زَيْدٍ فَحَضَرَ الْجُمُعَةَ فَوَجَدَهُ إمَامًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صَلَاةِ جُمُعَةٍ غَيْرِ هَذِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَى الصَّلَاةِ بِالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ. وَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَأَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَيَحْنَثُ أَوْ لَا يَؤُمُّ زَيْدًا فَصَلَّى زَيْدٌ خَلْفَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ شَعَرَ بِهِ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إكْمَالُهَا، وَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ فِيهِ مَا مَرَّ.
المتن: أَوْ لَا مَالَ لَهُ حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ، وَإِنْ قَلَّ حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ، وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَمَا وَصَّى بِهِ، وَدَيْنٍ حَالٍّ، وَكَذَا مُؤَجَّلٌ فِي الْأَصَحِّ، لَا مُكَاتَبٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) (لَا مَالَ لَهُ) وَأَطْلَقَ (حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ وَإِنْ قَلَّ) وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ (حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ) لِصِدْقِ اسْمِ الْمَالِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِكُلِّ نَوْعٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ تَقْسِيمِ الْمَالِ إلَى أَعْيَانٍ وَمَنَافِع، لَكِنْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةً بِوَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْأَعْيَانُ ا هـ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَإِنْ قَلَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَمَوَّلِ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالْمُتَمَوَّلِ وَاسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَوْلُهُ: " وَثَوْبٍ " مَجْرُورٌ بِحَتَّى عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ قَبْلَهُ، وَشَرْطُ جَمْعٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ، فِي عَطْفِهَا عَلَى الْمَجْرُورِ إعَادَةَ عَامِلِ الْجَرِّ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ حَتَّى بِثَوْبٍ (وَ) حَتَّى (مُدَبَّرٍ) لَهُ (وَ) رَقِيقٍ لَهُ (مُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) أَمَّا مُدَبَّرُ مُوَرِّثِهِ الَّذِي تَأَخَّرَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَدُخُولِ دَارٍ أَوْ الَّذِي أَوْصَى مُوَرِّثُهُ بِإِعْتَاقِهِ. فَلَا يَحْنَثُ بِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ (وَ) حَتَّى (مَا وَصَّى بِهِ) الْحَالِفُ مِنْ رَقِيقٍ وَغَيْرِهِ (وَدَيْنٍ حَالٍّ) وَلَوْ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا عَلَى جَاحِدٍ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ (وَكَذَا) دَيْنٌ (مُؤَجَّلٌ) يَحْنَثُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْحِنْثِ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، دَيْنُهُ عَلَى مَدِينٍ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً، وَدَيْنُهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ أَوْ ضَالٌّ أَوْ مَغْصُوبٌ أَوْ مَسْرُوقٌ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ هَلْ يَحْنَثُ بِهِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهَا، وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ بَقَاءَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا أَوْجَهُ، وَيَحْنَثُ بِمُسْتَوْلَدَتِهِ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا وَأَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا (لَا مُكَاتَبٍ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يَحْنَثُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا ذُكِرَ فَهُوَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَالثَّانِي: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ قِصَاصٍ، فَلَوْ كَانَ قَدْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ بِمَالٍ حَنِثَ، فَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْ الْمَالِ اخْتَصَّ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا مِلْكَ لَهُ حَنِثَ بِمَغْصُوبٍ مِنْهُ وَآبِقٍ وَمَرْهُونٍ لَا بِزَوْجَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ وَلَا بِزَيْتٍ نَجَسٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَنْهُ بِالتَّنَجُّسِ كَمَوْتِ الشَّاةِ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا عَبْدَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمُكَاتَبِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً تَنْزِيلًا لِلْكِتَابَةِ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ.
المتن: أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ فَالْبِرُّ بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا، وَلَا يُشْتَرَطُ إيلَامٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ، وَعَضٌّ، وَخَنْقٌ، وَنَتْفُ شَعَرٍ ضَرْبًا، قِيلَ وَلَا لَطْمٌ وَوَكْزٌ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ أَوْ خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً أَوْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، بَرَّ إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ، أَوْ تَرَاكَمَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ أَلَمُ الْكُلِّ قُلْت: وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَبِرَّ بِهَذَا.
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ) (فَالْبِرُّ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِخَطِّهِ فِي يَمِينِهِ يَتَعَلَّقُ (بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا) فَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ وَرَفْعُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ (إيلَامٌ) لِصِدْقِ الِاسْمِ بِدُونِهِ، إذْ يُقَالُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يُؤْلِمْهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الزَّجْرُ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) أَوْ يَنْوِيَ (ضَرْبًا شَدِيدًا) أَوْ نَحْوِهِ كَمُبَرِّحٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيلَامُ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي الْإِيلَامُ وَحْدَهُ كَوَضْعِ حَجَرٍ ثَقِيلٍ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا حَدَّ يَقِفُ عِنْدَهُ فِي تَحْصِيلِ الْبِرِّ، وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَا يُسَمَّى شَدِيدًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ لَا مَحَالَةَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَضْرُوبِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ (وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَى ضَرْبِهِ (وَ) لَا (عَضٌّ، وَ) لَا (خَنِقٌ) بِكَسْرِ النُّونِ بِخَطِّهِ مَصْدَرُ خَنَقَهُ: عَصْرُ عُنُقِهِ (وَنَتْفُ شَعَرٍ) بِفَتْحِ عَيْنِهِ (ضَرْبًا) فَلَا يَبِرُّ الْحَالِفُ عَلَى ضَرْبِ زَيْدٍ مَثَلًا بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا عُرْفًا، وَيَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ (قِيلَ: وَلَا لَطْمٌ) وَهُوَ ضَرْبُ الْوَجْهِ بِبَاطِنِ الرَّاحَةِ (وَ) لَا (وَكْزٌ) وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ مُطَبَّقَةً. قَالَ تَعَالَى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} أَيْ لَا يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمَا ضَرْبًا، وَالْأَصَحُّ يُسَمَّى، وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّفْسُ وَاللَّكْمُ أَوْ الصَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَبِرِجْلِهِ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْمَاءُ الضَّرْبِ. تَنْبِيهٌ: يَبِرُّ الْحَالِفُ بِضَرْبِ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَلٌّ لِلضَّرْبِ، لَا بِضَرْبِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ (أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، أَوْ) مِائَةَ (خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ السِّيَاطِ أَوْ الْخَشَبِ (وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً) وَاحِدَةً بَرَّ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا تَكْفِي السِّيَاطُ عَنْ الْخَشَبِ وَعَكْسِهِ (أَوْ) ضَرَبَهُ (بِعِثْكَالٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ عُرْجُونٍ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعِثْكَالِ (مِائَةُ شِمْرَاخٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ (بَرَّ) الْحَالِفُ (إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ) مِنْ الشَّمَارِيخِ بِأَنْ عَايَنَ إصَابَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ بِأَنْ بَسَطَهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَالْحَصِيرِ (أَوْ تَرَاكَمَ بَعْضٌ) مِنْهَا (عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ) أَيْ الْمَضْرُوبَ بِهَا (أَلَمُ الْكُلِّ) أَيْ ثِقَلُهُ فَإِنَّهُ يَبِرُّ أَيْضًا، وَإِنْ حَالَ ثَوْبٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُ تَأَثُّرَ الْبَشَرَةِ بِالضَّرْبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} فَإِنَّ الضِّغْثَ هُوَ الشَّمَارِيخُ الْقَائِمَةُ عَلَى السَّاقِ، وَيُسَمَّى الْعِثْكَالَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ شَرْعُ مِنْ قَبْلِنَا، فَقَدْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا تَقْرِيرُهُ فِي قِصَّةِ الزَّانِي الضَّعِيفِ كَمَا قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الزِّنَا، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، هَلْ هُوَ شَرْعٌ لَنَا أَوْ لَا؟ وَقَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ يَبِرُّ فِي قَوْلِهِ: مِائَةَ سَوْطٍ بِالْعُثْكَالِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَبِرُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سِيَاطًا، وَإِنَّمَا يَبِرُّ بِسِيَاطِ مَجْمُوعَةٍ بِشَرْطِ عِلْمِهِ إصَابَتَهَا بَدَنُهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَيْضًا إنْ تَرَاكَمَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ الشَّدِّ كَيْفَ كَانَ يَحْصُلُ بِهِ أَلَمُ الثِّقَلِ؟ وَلَكِنْ صَوَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ مَشْدُودَةَ الْأَسْفَلِ مَحْلُولَةَ الْأَعْلَى وَاسْتُحْسِنَ (قُلْت: وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ الْإِصَابَةُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ تَخَلُّفِ بَعْضِهَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَلَمْ يَدْخُلْ وَمَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ عَلَى النَّصِّ بِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الِانْكِبَاسِ، وَالْمَشِيئَةِ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَخَرَجَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ. تَنْبِيهٌ: الشَّكُّ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ تَرَجَّحَ عَدَمُ إصَابَةِ الْكُلِّ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمَ الْبِرِّ (أَوْ) حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَبِرَّ بِهَذَا) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمِائَةِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ الْعِثْكَالِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَدَدَ لِلضَّرَبَاتِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مِائَةُ ضَرْبَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى ضَرْبَةً وَاحِدَةً، وَهَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَالِي فِي ذَلِكَ أَوْ لَا، ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ، وَابْنِ الصَّلَاحِ الثَّانِي، وَهُوَ أَوْجَهُ.
المتن: أَوْ لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ فَهَرَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ لَمْ يَحْنَثْ، قُلْت: الصَّحِيحُ لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ فَارَقَهُ أَوْ وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ وَكَانَا مَاشِيَيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ احْتَالَ عَلَى غَرِيمٍ ثُمَّ فَارَقَهُ أَوْ أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ حَنِثَ، وَإِنْ اسْتَوْفَى وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ نَاقِصًا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، لَكِنَّهُ أَرْدَأُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ عَالِمٌ، وَفِي غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) قَالَ لِغَرِيمِهِ: وَاَللَّهِ (لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ) حَقِّي مِنْك (فَهَرَبَ) مِنْهُ غَرِيمُهُ (وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ) لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِعُذْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ (قُلْت: الصَّحِيحُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ) وَلَمْ يَتَّبِعْهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ مَا يَقْطَعُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ بِالْمَقَامِ مُفَارِقٌ (وَإِنْ فَارَقَهُ) الْحَالِفُ مُخْتَارًا ذَاكِرًا لِلْيَمِينِ (أَوْ) لَمْ يُفَارِقْهُ بَلْ (وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ) غَرِيمُهُ (وَكَانَا مَاشِيَيْنِ) وَهَذِهِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ (أَوْ أَبْرَأَهُ) الْحَالِفُ مِنْ الْحَقِّ (أَوْ احْتَالَ) بِهِ (عَلَى غَرِيمٍ) لِلْغَرِيمِ أَوْ أَحَالَ هُوَ بِهِ عَلَى غَرِيمِهِ (ثُمَّ فَارَقَهُ، أَوْ أَفْلَسَ) أَيْ ظَهَرَ أَنْ غَرِيمَهُ مُفْلِسٌ (فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ) وَفِي الْمُحَرَّرِ إلَى أَنْ يُوسِرَ (حَنِثَ) فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ لِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ وَلِتَفْوِيتِهِ فِي الثَّالِثَةِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَفِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ الْحَوَالَةَ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ اسْتِيفَاءٌ فَلَيْسَتْ اسْتِيفَاءً حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ كَالِاسْتِيفَاءِ فِي الْحُكْمِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّهِ، فَحِينَئِذٍ يَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى مَا قَصَدَهُ وَلَا يَحْنَثُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ فَصَلَّى، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً، فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِمُفَارَقَتِهَا، فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ، وَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَكَانَا مَاشِيَيْنِ عَمَّا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ وَابْتَدَأَ الْغَرِيمُ بِالْمَشْيِ فَلَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ الْمَشْيُ، وَهُوَ فِعْلُ الْغَرِيمِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اسْتَوْفَى مِنْ وَكِيلِ غَرِيمِهِ أَوْ مِنْ مُتَبَرِّعٍ بِهِ وَفَارَقَهُ حَنِثَ إنْ كَانَ قَالَ مِنْك، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ، فَإِنْ قَالَ: لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي أَوْ حَتَّى تُوفِيَنِي حَقِّي فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فِرَاقَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ الْغَرِيمِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْمُفَارَقَةِ، فَإِنْ نَسِيَ الْغَرِيمُ الْحَلِفَ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ فَفَارَقَ فَلَا حِنْثَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ فَرَّ الْحَالِفُ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهِ، فَإِنْ قَالَ: لَا نَفْتَرِقُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي حَنِثَ بِمُفَارَقَةِ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ عَالِمًا مُخْتَارًا، وَكَذَا إنْ قَالَ لَا افْتَرَقْنَا حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك لِصِدْقِ الِافْتِرَاقِ بِذَلِكَ، فَإِنْ فَارَقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ (وَإِنْ) (اسْتَوْفَى) الْحَالِفُ حَقَّهُ مِنْ غَرِيمِهِ (وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ) أَيْ مَا اسْتَوْفَاهُ (نَاقِصًا) نَظَرْت (إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، لَكِنَّهُ أَرْدَأُ) مِنْهُ (لَمْ يَحْنَثْ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ قَلِيلًا يَتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِالْأَوَّلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسَ حَقِّهِ بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ خَالِصَةً فَخَرَجَ مَا أَخَذَ مَغْشُوشًا أَوْ نُحَاسًا (حَنِثَ عَالِمٌ) بِحَالِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ لِلْمُفَارَقَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ الْعَالِمِ، وَهُوَ الْجَاهِلُ بِالْحَالِ (الْقَوْلَانِ) فِي حِنْثِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي، أَظْهَرُهُمَا لَا حِنْثَ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَوْلَيْنِ لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ، فَقَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ: وَلَا عَهْدَ مُقَدَّمٌ يُحِيلُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ حَلَفَ الْغَرِيمُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُوفِيَك حَقَّك فَسَلَّمَهُ لَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ أَوَّلًا، اسْتَوْفَيْت حَقَّك مِنِّي فَأَخَذَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ عَالِمًا مُخْتَارًا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا.
المتن: أَوْ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى وَتَمَكَّنَ فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ، وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ، فَإِنْ عُزِلَ فَالْبِرُّ بِالرَّفْعِ إلَى الثَّانِي، أَوْ إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ، أَوْ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ فَرَآهُ ثُمَّ عُزِلَ فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ إنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَتَرَكَهُ وَإِلَّا فَكَمُكْرَهٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ
الشَّرْحُ: (أَوْ) حَلَفَ (لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي) أَوْ لَا أَرَى لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً إلَّا رَفَعَهَا إلَيْهِ (فَرَأَى) الْحَالِفُ ذَلِكَ (وَتَمَكَّنَ) مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ (فَلَمْ يَرْفَعْ) ذَلِكَ (حَتَّى مَاتَ) الْحَالِفُ (حَنِثَ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّفْعِ، بَلْ لَهُ الْمُهْلَةُ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ الْقَاضِي، فَمَتَى رَفَعَهُ إلَيْهِ بَرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّفْعِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا بِذَلِكَ فَيُخْبِرَهُ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ إخْبَارُهُ، وَالْإِخْبَارُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَلَوْ رَأَى الْمُنْكَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِهِ؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهَلْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا رَأَى الْقَاضِيَ يَتَعَاطَى الْمُنْكَرَ أَوْ يُقَالُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لَا يَتَنَاوَلُ الْقَاضِي؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَيَظْهَرُ الثَّانِي (وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى التَّعْرِيفِ بِأَلْ (فَإِنْ عُزِلَ) قَاضِي الْبَلَدِ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ (فَالْبِرُّ) يَحْصُلُ (بِالرَّفْعِ إلَى) الْقَاضِي (الثَّانِي) وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَوْجُودِ حَالَةَ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلْجِنْسِ، وَيُشْتَرَطُ فِي رَفْعِ الْمُنْكَرِ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَبَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ مُوجِبِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ قَاضِيَانِ، كَفَى الرَّفْعُ إلَى أَحَدِهِمَا، وَإِنْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاحِيَةٍ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اخْتَصَّ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ قَاضِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا فَاعِلُ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ إذَا دَعَاهُ، إذْ رَفَعَ الْمُنْكَرَ إلَى الْقَاضِي مَنُوطٌ بِإِخْبَارِهِ بِهِ كَمَا مَرَّ لَا بِوُجُوبِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ (أَوْ) حَلَفَ لَا رَأَى مُنْكَرًا (إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ) (بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ) فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ لِصِدْقِ الِاسْمِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَاضِيًا حَالَ الْيَمِينِ أَمْ وُلِّيَ بَعْدَهُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ (أَوْ) إلَّا رَفَعَهُ (إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ) هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ اسْمِ عَلَمٍ لِمَنْ يَعْقِلُ، وَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ (فَرَآهُ) أَيْ الْمُنْكَرَ (ثُمَّ) لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى (عُزِلَ) الْقَاضِي (فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ إنْ) رَأَى الْمُنْكَرَ وَ (أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ) إلَيْهِ (فَتَرَكَهُ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، إنَّهُ إذَا عُزِلَ لَمْ يَبِرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْزُولٌ وَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ تَمَكَّنَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وُلِّيَ ثَانِيًا وَالْيَمِينُ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُوَلَّى بَانَ الْحِنْثُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ هُنَا بِدَوَامِ كَوْنِهِ قَاضِيًا وَالدَّيْمُومَةُ تَنْقَطِعُ بِالْعَزْلِ، وَغَفَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ. فَأَجَابَ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَزْلٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ إلَيْهِ (فَكَمُكْرَهٍ) وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْحِنْثِ. تَنْبِيهُ: جُعِلَا مِنْ صُوَرِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ الْمَرَضُ وَالْحَبْسُ وَمَا إذَا جَاءَ إلَى بَابِ الْقَاضِي فَحُجِبَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ يَحْنَثَ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) مَا دَامَ قَاضِيًا (بَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ) قَطْعًا إنْ نَوَى عَيْنَهُ وَذَكَرَ الْقَضَاءَ لِلتَّعْرِيفِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ أَطْلَقَ نَظَرَ إلَى التَّعْيِينِ وَوَجْهِ مُقَابَلَةِ النَّظَرِ إلَى الصِّفَةِ.
|