الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى جُعِلَ كَمُنْكِرٍ نَاكِلٍ، فَإِنْ ادَّعَى عَشَرَةً فَقَالَ لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ وَلَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَ وَلَا بَعْضُهَا، وَكَذَا يَحْلِفُ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَنَاكِلٌ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونَ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ وَيَأْخُذُهُ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. إذَا (أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى) لِغَيْرِ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ (جُعِلَ) حُكْمُهُ (كَمُنْكِرٍ) لِلْمُدَّعَى بِهِ (نَاكِلٍ) عَنْ الْيَمِينِ، وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِنَحْوِ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ شُرِحَ لَهُ، ثُمَّ حَكَمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسُكُوتُ الْأَخْرَسِ عَنْ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ لِلْجَوَابِ كَسُكُوتِ النَّاطِقِ، وَمَنْ لَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةً كَالْغَائِبِ، وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ أَصْلًا إنْ كَانَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ، وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْبَصِيرُ الْأَصَمُّ أَوْ الْأَخْرَسُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ كَاتِبًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ كِتَابَتُهُ دَعْوَى وَجَوَابًا كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُصِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ (فَإِنْ ادَّعَى) عَلَيْهِ (عَشَرَةً) مَثَلًا (فَقَالَ) فِي جَوَابِهِ هِيَ عِنْدِي، أَوْ لَيْسَ لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ (لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ وَلَمْ يَكْفِ) ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ (حَتَّى يَقُولَ) مُضَافًا لِمَا سَبَقَ (وَلَا بَعْضُهَا، وَكَذَا يَحْلِفُ) إنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْعَشَرَةِ مُدَّعٍ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا، فَاشْتُرِطَ مُطَابَقَةُ الْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ دَعْوَاهُ، وَقَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ إنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِمَجْمُوعِهَا وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا، فَقَدْ تَكُونُ عَشَرَةً إلَّا حَبَّةً (فَإِنْ) (حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ) فِي حَلِفِهِ (عَلَيْهِ) (فَنَاكِلٌ) عَمَّا دُونَ الْعَشَرَةِ (فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونَ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ) وَإِنْ قَلَّ (وَيَأْخُذُهُ) أَيْ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ دَعْوَى. نَعَمْ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْعَشَرَةِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْقَاضِي فِي تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا شَيْءَ مِنْهَا فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مَا دُونَهَا إلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ دَعْوَى وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ لَمْ يُسْنِدْ الْمُدَّعِي إلَى عَقِيدٍ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَيْهِ كَأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا بِخَمْسِينَ كَفَاهُ نَفْيُ الْعَقْدِ بِهَا وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تَحْلِفْ هِيَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا بِدَعْوَى جَدِيدَةٍ لَا تُنَاقِضُ مَا ادَّعَتْهُ، وَإِنْ ادَّعَى دَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي حَلِفِهِ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا كَفَاهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا فَأَنْكَرَ وَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ وَأُعْطِي الْمَالَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي قَبُولُهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَهُ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ بَعْدَ هَذَا، وَكَذَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا أَبْذُلُ الْمَالَ لَهُ بِلَا يَمِينٍ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَقُولَ لَهُ الْحَاكِمُ: إمَّا أَنْ تُقِرَّ بِالْحَقِّ أَوْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ نُكُولِكَ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
المتن: وَإِذَا ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتكَ كَذَا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ شُفْعَةً كَفَاهُ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الشِّقْصِ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا) (ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتكَ كَذَا) (كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ) عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى (لَا تَسْتَحِقُّ) أَنْتَ (عَلَيَّ شَيْئًا) أَوْ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك (أَوْ) ادَّعَى (شُفْعَةً) (كَفَاهُ) فِي الْجَوَابِ (لَا تَسْتَحِقُّ) أَنْتَ (عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ) عَلَيَّ (تَسْلِيمَ الشِّقْصِ) وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ تِلْكَ الْجِهَةِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْإِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ، وَعَرَضَ مَا أَسْقَطَ الْحَقَّ مِنْ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ، فَلَوْ نَفَى السَّبَبَ كَذَبَ أَوْ اعْتَرَفَ وَادَّعَى الْمُسْقِطَ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ قَدْ يَعْجِزُ عَنْهَا فَقُبِلَ الْإِطْلَاقُ لِلضَّرُورَةِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي جَوَابِ دَعْوَى الشُّفْعَةِ، وَقَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ: لَا يَعُدُّونَ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةً عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهَا كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ، فَالْجَوَابُ الْمُعْتَبَرُ لَا شُفْعَةَ لَك عِنْدِي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شُفْعَةً ا هـ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ. وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ أَنْتِ زَوْجَتِي.
المتن: وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ هَذَا، فَإِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ الْحَلِفُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ.
الشَّرْحُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً، فَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ لَا يَلْزَمُنِي التَّسْلِيمُ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّخْلِيَةُ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُنْكِرَ الْإِيدَاعَ أَوْ يَقُولَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ رَدَدْتُهَا (وَيَحْلِفُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى حَسَبِ) بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا: أَيْ قَدْرِ (جَوَابِهِ هَذَا) أَوْ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ، وَلَا يُكَلَّفُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِهِ (فَإِنْ) تَبَرَّعَ، وَ (أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ) كَقَوْلِهِ فِي صُورَةِ الْقَرْضِ السَّابِقَةِ مَا أَقْرَضْتنِي كَذَا (حَلَفَ عَلَيْهِ) أَيْ نَفْيِ السَّبَبِ كَذَلِكَ لِيُطَابِقَ الْيَمِينُ الْإِنْكَارَ (وَقِيلَ: لَهُ الْحَلِفُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ) كَمَا لَوْ أَجَابَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ رَاعَى مُطَابَقَةَ الْيَمِينِ لِلْجَوَابِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَجَابَ بِالْإِطْلَاقِ لَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمُطْلَقِ جَازَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ.
المتن: وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرًى وَادَّعَاهُ مَالِكُهُ كَفَاهُ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ، فَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ وَادَّعَى الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا إنْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ جَحْدَهُ الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ: إِن ادَّعَيْت مِلْكًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمٌ، وَإِنْ ادَّعَيْتَ مَرْهُونًا فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ كَانَ) (بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرًى وَادَّعَاهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (مَالِكُهُ) أَوْ نَائِبُهُ (كَفَاهُ) فِي الْجَوَابِ (لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ) إلَيْكَ وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْمِلْكِ (فَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ) لِلْمُدَّعِي (وَ) لَكِنْ (ادَّعَى) بَعْدَهُ (الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ) وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِدُونِهَا، لِأَنَّ الْيَدَ تُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ (فَإِنْ عَجَزَ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا) أَنَّهُ (إنْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ) لِلْمُدَّعِي (جَحْدَهُ) بِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ: أَيْ خَافَ أَنْ يَجْحَدَ الْمُدَّعِي (الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَحِيلَتُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْ يَقُولَ) فِي الْجَوَابِ (إنْ ادَّعَيْت) عَلَيَّ (مِلْكًا مُطْلَقًا) عَنْ رَهْنٍ وَإِجَارَةٍ (فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمٌ) لِمَا ادَّعَيْتَهُ عَلَيَّ (وَإِنْ ادَّعَيْتَ) عَلَيَّ مِلْكًا (مَرْهُونًا) عِنْدِي أَوْ مُسْتَأْجَرًا (فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ) عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ، وَكَذَا يَقُولُ فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ، وَعَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ وَخَافَ الرَّاهِنُ جُحُودَ الرَّهْنِ لَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّيْنِ قَالَ فِي الْجَوَابِ: إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا لِي عِنْدَكَ بِهَا رَهْنٌ هُوَ كَذَا فَاذْكُرْهُ حَتَّى. أُجِيبَ، وَإِنْ ادَّعَيْت أَلْفًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي. تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: أَوَّلًا بَعْدَ قَوْلِهِ بِالْمِلْكِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ تَعَلُّقَ أَوَّلًا بِ خَافَ، وَلَا مَعْنَى لَهُ.
المتن: وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: لَيْسَ هِيَ لِي، أَوْ هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ، أَوْ هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ، أَوْ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ مَسْجِدِ كَذَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ وَلَا تُنْزَعُ مِنْهُ بَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا) (ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا) عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا (فَقَالَ) فِي الْجَوَابِ (لَيْسَ هِيَ لِي) مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُضِفْهَا (أَوْ) أَضَافَهَا لِمَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ وَ (هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ) أَوْ لَا أُسَمِّيهِ (أَوْ) لِمَعْلُومٍ لَا يُمْكِنُنِي مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ كَقَوْلِهِ: (هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ) أَوْ الْمَجْنُونِ مِلْكٌ لَهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَحْجُورِهِ كَانَ أَوْلَى (أَوْ) قَالَ هِيَ (وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ) عَلَى (مَسْجِدِ كَذَا) وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ النَّاظِرُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ) عَنْهُ (وَلَا تُنْزَعُ) الْعَيْنُ (مِنْهُ) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْيَدِ لِلْمِلْكِ وَمَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ بِمُزِيلٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ (بَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ) لِلْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ) بِهَا رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ الْمُدَّعِي وَتَثْبُتَ لَهُ الْعَيْنُ فِي الْأُولَتَيْنِ، وَفِيمَا لَوْ أَضَافَهَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْبَدَلُ لِلْحَيْلُولَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي تَنْصَرِفُ عَنْهُ وَيَنْتَزِعُ الْحَاكِمُ الْعَيْنَ مِنْ يَدِهِ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا أَخَذَهَا، وَإِلَّا حَفِظَهَا إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ قَيْدٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ بَلْ يُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ ا هـ. وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفَهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ لِنَفْسِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْقَاضِي مُجَلِّي وَغَيْرِهِ.
المتن: وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ سُئِلَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَقِيلَ: تُسَلَّمُ إلَى يَدِ الْمُدَّعِي، وَقِيلَ يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ) (أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ (لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ) بِالْبَلَدِ (يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ) (سُئِلَ) عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ صَدَّقَهُ) انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَ (صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ) أَيْ الْحَاضِرِ لِصَيْرُورَةِ الْيَدِ لَهُ، وَالْخُصُومَةُ إنَّمَا تَدُورُ بَيْنَ مُتَنَازِعَيْنِ. (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَوْلِهِ: يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ أَوْ يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ. الثَّانِي: كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَهُوَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَنْصَرِفُ إلَى وَلِيِّهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَصَدَّقَهُ، فَإِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ يُفْهِمُ انْصِرَافَهَا عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لِلْمُدَّعِي طَلَبُ يَمِينِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ الْبَدَلَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) كَمَا مَرَّ تَصْحِيحُهُ فِي كِتَابِهِ " الْإِقْرَارُ " وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِيُعِيدَ التَّصْرِيحَ بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ (وَقِيلَ تُسَلَّمُ إلَى يَدِ الْمُدَّعِي) إذْ لَا طَالِبَ لَهُ سِوَاهُ (وَقِيلَ يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ) لَهُ.
المتن: وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ فَالْأَصَحُّ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا، وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، فَيَحْلِفُ مَعَهَا، وَقِيلَ عَلَى حَاضِرٍ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ) (أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِمِلْكِ الْمُدَّعِي بِهِ (فَالْأَصَحُّ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ عَنْهُ) إلَيْهِ لِمَا مَرَّ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرَقَبَةِ الْمُدَّعَى بِهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفُ فِي الْأَصَحِّ بَلْ لَهُ تَحْلِيفُهُ كَمَا مَرَّ (وَيُوقَفُ الْأَمْرُ) فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُدَّعَى بِهِ لِغَائِبٍ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ (حَتَّى يَقْدَمَ) ذَلِكَ (الْغَائِبُ) لِأَنَّ الْمَالَ بِظَاهِرِ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَائِبَ لَوْ قَدِمَ وَصَدَّقَ أَخَذَهُ، وَالثَّانِي: لَا تَنْصَرِفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ (فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى) لَهُ (بِهَا) وَسُلِّمَتْ لَهُ الْعَيْنُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُتَهَافِتٌ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْأَمْرِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ سَالِمَةٌ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ يُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَيَقْضِي لَهُ ا هـ. وَبِمَا قَدَّرْتُهُ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ (وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَيَحْلِفُ) الْمُدَّعِي (مَعَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَقَالَا: إنَّهُ أَقْوَى وَأَلْيَقُ بِالْوَجْهِ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَقِيلَ) بَلْ هُوَ قَضَاءٌ (عَلَى حَاضِرٍ) إذْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ فَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ عَنْ تَرْجِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَهُ. ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ رُدَّ إلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْمُدَّعِي الْخُصُومَةَ مَعَهُ، وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْغَائِبِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا إذَنْ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِوَكَالَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ لَا لِتَثْبُتَ الْعَيْنُ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ، بَلْ لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ الْيَمِينُ وَتُهْمَةُ الْإِضَافَةِ إلَى الْغَائِبِ، سَوَاءٌ تَعَرَّضَتْ بَيِّنَتُهُ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَهَذِهِ الْخُصُومَةُ لِلْمُدَّعِي مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلِلْمُدَّعِي مَعَ الْغَائِبِ خُصُومَةٌ أُخْرَى، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هِيَ مَعِي رَهْنٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَإِجَارَةٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ بِلَا نِيَابَةٍ. تَنْبِيهٌ: لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهَا وَإِنْ مَا أَقَرَّ بِهِ مَلَكَ الْمُقَرُّ لَهُ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لَهُ أَوْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ وَيُغَرِّمَهُ الْقِيمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ، بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلثَّانِي، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالْعَيْنِ ثَانِيًا وَغَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ. ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْعَيْنِ أَوْ حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُقِرِّ لَهُ رَدَّ الْقِيمَةَ وَأَخَذَ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْحَيْلُولَةِ، وَقَدْ زَالَتْ. فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَى جَارِيَةً عَلَى مُنْكِرِهَا فَاسْتَحَقَّهَا بِحُجَّةٍ وَوَطِئَهَا وَأَوْلَدَهَا. ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ مَا يَقُولُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْإِيلَادُ وَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ بِأَنْ وَافَقَتْهُ الْجَارِيَةُ عَلَى ذَلِكَ، إذْ لَا يُرْفَعُ مَا حُكِمَ بِهِ بِرُجُوعٍ مُحْتَمَلٍ فَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ تَعْتَرِفْ هِيَ بِالزِّنَا وَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ إنْ نَقَصَتْ وَلَمْ يُوَلِّدْهَا، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ إنْ أَوْلَدَهَا وَلَا يَطَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَوَقَفَ وَلَاؤُهَا إنْ مَاتَ قَبْلَ شِرَائِهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ وَحَلَفَ أَنَّهَا لَهُ وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَيَأْتِي فِيهَا جَمِيعُ مَا مَرَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ هُوَ فِي جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُرِّ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَحُكْمُ جَوَابِ دَعْوَاهُ مَذْكُورٌ فِي قَاعِدَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ.
المتن: وَمَا قُبِلَ إقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجَوَابُ، وَمَا لَا كَأَرْشٍ فَعَلَى السَّيِّدِ.
الشَّرْحُ: (وَ) هِيَ (مَا قُبِلَ إقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ) لِآدَمِيٍّ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ (فَالدَّعْوَى) بِذَلِكَ (عَلَيْهِ، وَ) كَذَا (عَلَيْهِ) أَيْضًا (الْجَوَابُ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي ذَلِكَ دُونَ السَّيِّدِ لِعَوْدِ أَثَرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْآدَمِيِّ عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَلَا يُطَالَبُ الْجَوَابُ كَمَا جَزَمَا بِهِ بَعْدُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَالِفِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِلْمُدَّعِي، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ وَالْإِثْبَاتِ. تَنْبِيهٌ: تَصِحُّ الدَّعْوَى أَيْضًا عَلَى الرَّقِيقِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةِ تِجَارَةٍ أَذِنَ فِيهَا سَيِّدُهُ. وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ دَعْوَى قَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فِي مَحِلِّ لَوْثٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُقْسِمُ، وَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ، صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ فِي كِتَابِ الْقَسَامَةِ (وَمَا لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ (كَأَرْشٍ) لِتَعْيِيبٍ أَوْ إتْلَافٍ (فَعَلَى السَّيِّدِ) الدَّعْوَى بِهِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا جَوَابُهَا؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُهَا حَقُّ السَّيِّدِ فَإِقْرَارُ الرَّقِيقِ فِيهَا لَا يُقْبَلُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَفِي سَمَاعِهَا وَجْهَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْوَجْهُ أَنَّهَا تُسْمَعُ لِإِثْبَاتِ الْأَرْشِ فِي الذِّمَّةِ لَا لِتَعَلُّقِهِ بِالرَّقَبَةِ. قَالَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصْلَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ الْأَرْشَ الْمُتَعَلِّقَ بِالرَّقَبَةِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ أَيْضًا، وَأَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ بِالْمُؤَجَّلِ. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْمُؤَجَّلِ، وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. تَتِمَّةٌ: قَدْ تَكُونُ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الرَّقِيقِ وَسَيِّدِهِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ أَوْ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى التَّزْوِيجِ، فَلَوْ أَقَرَّ سَيِّدُ الْمُكَاتَبَةِ بِالنِّكَاحِ حَلَفَتْ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي حُكِمَ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّتْ فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ حَلَفَ السَّيِّدُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحُكِمَ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُبَعَّضَةِ
المتن: تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ، وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ، وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ.
الشَّرْحُ: فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ، وَفِي ضَابِطِ الْحَالِفِ (تُغَلَّظُ) نَدْبًا (يَمِينُ مُدَّعٍ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَ) تُغَلَّظُ نَدْبًا أَيْضًا يَمِينُ (مُدَّعًى عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ تَغْلِيظَهَا (فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ) كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ، وَلِعَانٍ، وَقَوَدٍ، وَعِتْقٍ، وَإِيلَادٍ، وَوِصَايَةٍ، وَوَكَالَةٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّغْلِيظُ يَجْرِي فِي كُلِّ حَالَةٍ خَطَرٍ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْوِلَادَةُ وَالرَّضَاعُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَيَجْرِي فِيهَا التَّغْلِيظُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَبُولُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالنِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ لِقِلَّةِ خَطَرِهَا، بَلْ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا غَالِبًا، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِهَذَا الْجَوَابِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ، وَالْمَعْنَى فِي التَّغْلِيظِ أَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّعَدِّي، فَشُرِعَ التَّغْلِيظُ مُبَالَغَةً وَتَأْكِيدًا لِلرَّدْعِ، فَاخْتُصَّ بِمَا هُوَ مُتَأَكِّدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الْوَكَالَةِ، وَقَالَ: التَّغْلِيظُ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ، وَالْوَكَالَةُ فِي دِرْهَمٍ لَا تَزِيدُ عَلَى مِلْكِ الدِّرْهَمِ، فَلَا يَبْعُدُ مَنْعُ التَّغْلِيظِ فِيهَا، وَلَكِنْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ا هـ. (وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ) لَا فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْمُوَاسَاةَ فِيهِ. نَعَمْ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ إنْ رَآهُ لِجَرَاءَةٍ يَجِدُهَا فِي الْحَالِفِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّغْلِيظُ فِي أَيِّ نِصَابٍ كَانَ مِنْ نَعَمٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً تَحْدِيدًا، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ قِيمَةً، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ اُعْتُبِرَ بِالذَّهَبِ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ مَا قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، وَحُقُوقُ الْأَمْوَالِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَالٍ هُوَ نِصَابٌ غَلُظَ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا، وَاحْتُجَّ لِلتَّغْلِيظِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ، فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي وَلَوْ مَعَ شَاهِدٍ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ التَّغْلِيظَ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَعَبْدٍ خَسِيسٍ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ ادَّعَى عَلَى سَيِّدِهِ عِتْقًا أَوْ كِتَابَةً فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ لَيْسَ بِمَالٍ، لَا عَلَى سَيِّدِهِ إذَا حَلَفَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ مَالٍ قَلِيلٍ، وَتُغَلَّظُ فِي الْوَقْفِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْخُلْعُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ وَحَلَفَتْ أَوْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ هُوَ فَلَا تَغْلِيظَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ وَحَلَفَ أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ هِيَ غُلِّظَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَصْدَهَا الْفِرَاقُ وَقَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ. أَمَّا الْخُلْعُ بِالْكَثِيرِ فَتُغَلَّظُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَلَا تُغَلَّظُ عَلَى حَالِفٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ مُسْتَحَبٌّ وَلَوْ كَانَ حَلِفُهُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ النَّصِّ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهِ بِالطَّلَاقِ (وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ) بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَحُضُورِ جَمْعٍ (فِي) أَثْنَاءِ كِتَابِ (اللِّعَانِ) لَكِنْ لَا يُغَلَّظُ هُنَا بِحُضُورِ جَمْعٍ كَمَا صَوَّبَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ انْحِصَارُ التَّغْلِيظِ فِيمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُنْدَبُ التَّغْلِيظُ بِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَيْضًا كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ، أَوْ بِاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى كَذَا قَالَاهُ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَوْقِيفٍ، وَلَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي الطَّالِبِ الْغَالِبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ أَسْمَاءِ الْمُفَاعَلَةِ الَّذِي غَلَبَهُ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ دُونَ الصِّفَةِ، فَالْتَحَقَ بِالْأَفْعَالِ، وَإِضَافَةُ الْأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْقِيفٍ، وَلِذَلِكَ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْمِيدَاتِهِمْ وَتَمْجِيدَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ اجْتِنَابُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ا هـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْحَالِفِ {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} وَيُحْضَرَ الْمُصْحَفُ وَيُوضَعَ فِي حِجْرِ الْحَالِفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُطَرِّفٌ قَاضِي صَنْعَاءَ يُحَلِّفَانِ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ، وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ مِنْ الْأُمِّ: وَقَدْ كَانَ مِنْ حُكَّامِ الْآفَاقِ مَنْ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ عِنْدِي حَسَنٌ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَهَذَا التَّغْلِيظُ مُسْتَحَبٌّ. هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَقِ، أَوْ نَصْرَانِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَا يُحَلِّفُهُمْ بِمَا يَجْهَلُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ كَذَا أَوْ أَنْزَلَ كَذَا لِرَسُولٍ وَكِتَابٍ لَا يَعْرِفُهُمَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرِيضُ الَّذِي بِهِ مَرَضٌ شَاقٌّ وَالزَّمِنُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ لِعُذْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامُ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِاسْتِحْلَافَ بِذَلِكَ.
المتن: وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ، وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ إنْ كَانَ إثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ أَبْرَأَنِي حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَوْ قَالَ جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ. قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجُوزُ الْبَتُّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ (وَيَحْلِفُ) الشَّخْصُ (عَلَى الْبَتِّ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْجَزْمُ (فِي فِعْلِهِ) إثْبَاتًا كَانَ أَوْ نَفْيًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ وَاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَفِي النَّفْيِ وَاَللَّهِ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ الْفِعْلُ مِنْهُ فِي جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ سُكْرِهِ الطَّافِحِ وَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا ا هـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَالِبِ (وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ) يَحْلِفُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الْبَتِّ (إنْ كَانَ إثْبَاتًا) كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ يُشْهَدُ بِهِ (وَإِنْ كَانَ نَفْيًا) مُطْلَقًا (فَعَلَى) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى (نَفْيِ الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ يُعْسَرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ذَلِكَ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ اُعْتُدَّ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ مَا ذُكِرَ فِي النَّفْيِ الْمُطْلَقِ. أَمَّا النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فَكَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِهِ كَمَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ فَيَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَصْرُ الْيَمِينِ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرٍ، وَقَدْ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى تَحْقِيقِ مَوْجُودٍ لَا إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَنْكَرَ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ ا هـ. قَالَ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ: وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَأُورِدَ عَلَى الضَّابِطِ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى تَلَفَ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَحْلِفْ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمُودَعَ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ: الِاخْتِصَارُ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ: يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي كُلِّ يَمِينٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعَاقِلَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِي الْقَاتِلَ ابْتِدَاءً (وَلَوْ) (ادَّعَى) عَلَى شَخْصٍ (دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَبْرَأَنِي) مُوَرِّثُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ (حَلَفَ) الْمُدَّعِي (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ) مِمَّا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَعَ قَوْلِهِ: أَبْرَأَنِي مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. قَالَا: وَكُلُّ مَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِلْعِلْمِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحِلُّهُ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَمِثْلُ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ دَعْوَى الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْحَوَالَةِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ، ثُمَّ أَشَارَ لِاسْتِثْنَاءِ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى النَّفْيِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ) فِي الدَّعْوَى عَلَى سَيِّدٍ بِمَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ (جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا) وَأَنْكَرَ (فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ) أَيْ السَّيِّدِ (عَلَى الْبَتِّ)؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلَهُ كَفِعْلِهِ وَلِذَلِكَ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْعَاقِلِ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا حَلَفَ السَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ كَالْبَهِيمَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ أَوْ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ السَّيِّدِ فِي كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ فَيَحْلِفُ قَطْعًا (قُلْتُ:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك) عَلَى زَرْعِي مَثَلًا فَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهَا وَضَمَانُ جِنَايَتِهَا بِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحَالِفِ. تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ مِنْ حَلِفِ الْمَالِكِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الدَّعْوَى وَالْيَمِينَ عَلَيْهِ دُونَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِ أَجِيرٍ فَالدَّعْوَى وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْقَطْعِ فَإِنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ الْيَقِينُ (وَ) حِينَئِذٍ (يَجُوزُ الْبَتُّ) فِي الْحَلِفِ (بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ) فِيهِ الْحَالِفُ (خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ) مَثَلًا إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الظَّنِّ، وَيُقَالُ: لَا يَحْصُلُ الظَّنُّ إلَّا إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْحَلِفِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ، وَلَكِنْ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ حَتَّى يَتَذَكَّرَ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ لَا يُتَصَوَّرُ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ بِخِلَافِ خَطِّ الْأَبِ ا هـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْحِصَارُ ذَلِكَ فِي خَطِّهِ وَخَطِّ أَبِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِهَذَا زِدْتُ مَثَلًا فِي كَلَامِهِ، إذْ نُكُولُ خَصْمِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ قَالَ: كَاعْتِمَادِ خَطِّهِ إلَخْ كَانَ أَوْلَى.
المتن: وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ، فَلَوْ وَرَّى أَوْ تَأَوَّلَ خِلَافَهَا أَوْ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي لَمْ يَدْفَعْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ.
الشَّرْحُ: (وَتُعْتَبَرُ) فِي الْحَلِفِ (نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ) لِلْخَصْمِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقَاضِي فِي مَذْهَبِهِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ {الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحُمِلَ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِحْلَافِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ، إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَقْصِدُ، فَإِذَا ادَّعَى حَنَفِيٌّ عَلَى شَافِعِيٍّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَالْقَاضِي يَعْتَقِدُ إثْبَاتَهَا، فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا عَلَيْهِ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ: مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ بَدَلَ: الْقَاضِي لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَالْمُحَكَّمَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحِلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُحِقًّا لِمَا نَوَاهُ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقَاضِي ا هـ. وَمُرَادُهُ بِالْمُحِقِّ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي، فَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَحَكَمَ عَلَى شَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَإِنَّهُ إنْ اُسْتُحْلِفَ فَحَلَفَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَثِمَ. أَمَّا إذَا حَلَّفَهُ الْغَرِيمُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ أَوْ حَلَّفَهُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ طَلَبِهِ فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ هُوَ بِنَفْسِهِ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (فَلَوْ) (وَرَّى) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ قَصَدَ خِلَافَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عِنْدَ تَحْلِيفِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ كَقَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ، فَدِرْهَمُ قَبِيلَةٍ وَدِينَارُ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ وَمَا لَهُ قِبَلِي ثَوْبٌ وَلَا شُفْعَةٌ وَلَا قَمِيصٌ فَالثَّوْبُ الرُّجُوعُ وَالشُّفْعَةُ الْعَبْدُ وَالْقَمِيصُ غِشَاءُ الْقَلْبِ (أَوْ تَأَوَّلَ) بِأَنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ (خِلَافَهَا) أَيْ خِلَافَ نِيَّةِ الْقَاضِي كَحَنَفِيٍّ حَلَّفَ شَافِعِيًّا عَلَى شُفْعَةِ الْجِوَارِ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ (أَوْ اسْتَثْنَى) الْحَالِفُ كَقَوْلِهِ عَقِبَ يَمِينِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ وَصَلَ بِاللَّفْظِ شَرْطًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ (بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي) ذَلِكَ (لَمْ يَدْفَعْ) مَا ذُكِرَ (إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِيَهَابَ الْخَصْمُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ صَحَّ تَأْوِيلُهُ لَبَطَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فِي اللُّغَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصْوِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَاضِي؟ إذْ لَا يُقَالُ: وَاَللَّهِ مَا أَتْلَفْت أَوْ مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَوْجِيهُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى عَقْدِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى تَنْعَقِدُ يَمِينِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا إذَا وَجَّهَهُ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالشَّرْطِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُ إثْمَ الْيَمِينِ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ لَحَلَفَ وَوَرَّى نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا حَيْثُ يُبْطِلُ بِهَا حَقَّ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ كَالْحَنَفِيِّ فَحَلَّفَهُ بِهِ نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ فِي بَابِ التَّوْرِيَةِ ا هـ. وَنُوزِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ تَصْوِيرُهَا بِأَنْ يَرَى الْقَاضِي ذَلِكَ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَنْ لَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُهُ بِالطَّلَاقِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ ا هـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ يَرَاهُ لَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ ظَالِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّ الظَّالِمَ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَيُنْكِرُ، فَإِنْ اكْتَفَى بِالْيَمِينِ فَلْيَحْلِفْ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّوْرِيَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْمُعْسِرِ فَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ وَنَوَى بِالِاسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمَ الْآنَ صَحَّ تَأْوِيلُهُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِيَمِينِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ السَّابِقَةِ بَلْ خَصْمُهُ ظَالِمٌ بِمُطَالَبَتِهِ إنْ عَلِمَ، وَمُخْطِئٌ إنْ جَهِلَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ عَمَّا إذَا سَمِعَ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ وَيُعِيدُ الْيَمِينَ، وَإِنْ وَصَلَ بِهَا كَلَامًا لَمْ يَفْهَمْهُ الْقَاضِي مَنَعَهُ وَأَعَادَ الْيَمِينَ، فَإِنْ قَالَ: كُنْت أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا وَقْتَهُ.
المتن: وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ فَأَنْكَرَ حُلِّفَ، وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ، وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ.
الشَّرْحُ: وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْحَلِفِ وَكَيْفِيَّتِهِ شَرَعَ فِي ضَابِطِ الْحَلِفِ بِقَوْلِهِ (وَ) كُلُّ (مَنْ تَوَجَّهَتْ) أَيْ وَجَبَتْ (عَلَيْهِ يَمِينٌ) بِأَنْ أُلْزِمَ بِهَا فِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ (لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا) أَيْ الدَّعْوَى (لَزِمَهُ) ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ (فَأَنْكَرَ حُلِّفَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ لِخَبَرِ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ {الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ}. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: يَمِينٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ، وَصَوَابُهُ دَعْوَى كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَقَوْلُهُ فَأَنْكَرَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى لَا بَعْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ، وَقَدْ يَنْدَفِعُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ: وَتَعْبِيرُ الْمِنْهَاجِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الدَّعْوَى إلَى الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْلُبُ الْيَمِينَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فِيمَا إذَا طَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَ الْمَقْذُوفِ أَوْ وَارِثِهِ: أَيْ الْمَطَالِبِ لَهُ أَنَّهُ مَا زَنَى، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى وَطَلَبَ الْيَمِينَ أَوْ طَلَبَهَا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى. أُجِيبَ إلَى تَحْلِيفِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، إذْ لَهُ غَرَضٌ فِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الزِّنَا حَتَّى لَا يَكُونَ قَاذِفًا ثَانِيًا، لَكِنْ قَدْ يُحْتَاجُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِمَعْنَى طُلِبَتْ مِنْهُ. قَالَ: لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ فَأَنْكَرَ غَيْرُ مُتَّضِحٍ، فَإِنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى لَا بَعْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْكَارِ ا هـ. ثُمَّ إنْ حَلَفَ الْمَقْذُوفُ أَوْ وَارِثُهُ حُدَّ الْقَاذِفُ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْقَاذِفُ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا بِحَلِفِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الزِّنَا، وَخَرَجَ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ نَائِبُ الْمَالِكِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ فَلَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي ضَابِطِ الْحَلِفِ بِأَنَّهُ كُلُّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ. ثُمَّ حَكَى ضَابِطَ الْمَتْنِ بِقِيلَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ شَرْحٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا اضْطِرَابَ حِينَئِذٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ ضَابِطًا لِكُلِّ حَالِفٍ، فَإِنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَا يَمِينُ الرَّدِّ وَلَا أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْحَالِفَ فِي جَوَابِ دَعْوَى أَصْلِيَّةٍ، وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِاسْتِثْنَائِهِمْ مِنْهُ صُوَرًا كَثِيرَةً أَشَارَ فِي الْمَتْنِ لِبَعْضِهَا بِقَوْلِهِ (وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ) فِي حُكْمِهِ (وَلَا) يُحَلَّفُ (شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ) فِي شَهَادَتِهِ لِارْتِفَاعِ مَنْصِبِهِمَا عَنْ ذَلِكَ. وَاحْتَرَزْتُ بِقَوْلِهِ فِي حُكْمِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ كَدَعْوَى مَالٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ، وَيَحْكُمُ فِيهِ خَلِيفَتُهُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيٌّ لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ حَتَّى يَبْلُغَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيٌّ) وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ (لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ) أَمْرُهُ فِي الْخُصُومَةِ (حَتَّى يَبْلُغَ) فَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ فِي وَقْتِ احْتِمَالِهِ قُبِلَ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ يُثْبِتُ صِبَاهُ، وَصِبَاهُ يُبْطِلُ حَلِفَهُ، فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالُ تَحْلِيفِهِ. نَعَمْ الْكَافِرُ الْمَسْبِيُّ الْمُنْبَتُ إذَا قَالَ تَعَجَّلْت الْعَانَةَ حَلَفَ وُجُوبًا فِي الْأَظْهَرِ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةٌ لِلْبُلُوغِ، فَإِنْ نَكَلَ قُتِلَ وَلَوْ كَانَ الصِّبَا مِنْ غَيْرِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى لَهُ وَلِيُّهُ مَالًا، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ ادَّعَى لَهُ الْمَالَ بَالِغٌ فَلِلْوَلِيِّ طَلَبُ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ صَغِيرًا، فَإِنْ نَكَلَ لَا يُحَلَّفُ الْوَلِيُّ عَلَى صِبَاهُ، وَهَلْ يَحْلِفُ الصَّبِيُّ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَسِيرِ، وَيُسْتَثْنَى مَعَ اسْتِثْنَاءِ الْمُصَنِّفِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْمَرْأَةِ كَالدُّخُولِ فَادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَلَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وُقُوعَ ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ، نَعَمْ إنْ ادَّعَتْ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهَا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّهُ. وَمِنْهَا مَا إذَا ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ الْوَطْءَ وَأُمِّيَّةَ الْوَلَدِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْوَطْءِ، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَصَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ التَّحْلِيفَ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَصَوَّبَ السُّبْكِيُّ حَمْلَ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَتْ لِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِيَمْتَنِعَ مِنْ بَيْعِهَا وَتُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَحْلِفُ. قَالَ: وَقَدْ قَطَعُوا بِتَحْلِيفِ السَّيِّدِ إذَا أَنْكَرَ الْكِتَابَةَ، وَكَذَا التَّدْبِيرُ إذَا قُلْنَا: إنَّ إنْكَارَهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. وَمِنْهَا مَا لَوْ طَالَبَ الْإِمَامُ السَّاعِيَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ. فَقَالَ: لَمْ آخُذْ شَيْئًا لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لَزِمَهُ، حَكَاهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَسَّمَ الْحَاكِمُ الْمَالَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ وَقَالَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ أَنْتَ تَعْلَمُ وُجُوبَ دَيْنِي وَطَلَبَ يَمِينَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَمِنْهَا مَا لَوْ ادَّعَى مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ مُسْقِطًا لَمْ يَحْلِفْ إيجَابًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِ الدَّعْوَى لَزِمَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا فَأَنْكَرَ أَنَّ مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى: لَوْ ادَّعَى عَلَى مَنْ يَسْتَخْدِمُهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ إنْكَارِهِ الرِّقَّ لَمْ يُقْبَلْ، لَكِنْ فَائِدَةُ التَّحْلِيفِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّوْقِيتِ مِنْ تَغْرِيمِ الْقِيمَةِ لَوْ نَكَلَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَرَى الْعَقْدُ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَحَالُفُهُمَا مَعَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ لَا يُقْبَلُ، لَكِنْ فَائِدَتُهُ الْفَسْخُ.
المتن: وَالْيَمِينُ تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لَا بَرَاءَةً، فَلَوْ حَلَّفَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً حَكَمَ بِهَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ فَقَالَ (وَالْيَمِينُ) غَيْرُ الْمَرْدُودَةِ (تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ) وَعَدَمَ الْمُطَالَبَةِ (فِي الْحَالِ) وَ (لَا) تُفِيدُ (بَرَاءَةً) لِذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا بَعْدَ مَا حَلَفَ بِالْخُرُوجِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ كَذِبَهُ} كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةً (فَلَوْ حَلَّفَهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (ثُمَّ أَقَامَ) الْمُدَّعِي (بَيِّنَةً) بِمُدَّعَاهُ شَاهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَكَذَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَكَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (حَكَمَ بِهَا) وَإِنْ نَفَاهَا الْمُدَّعِي حِينَ الْحَلِفِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْكُمَ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ} فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا لَا كِلَاهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَصَرَ حَقَّهُ فِي النَّوْعَيْنِ أَيْ لَا ثَالِثَ لَهُمَا - وَأَمَّا مَنْعُ جَمْعِهِمَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَنَكَلَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِلتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِدَعْوَاهُ: بَيِّنَتِي كَاذِبَةٌ أَوْ مُبْطِلَةٌ سَقَطَتْ وَلَمْ تَبْطُلْ دَعْوَاهُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَلِفَهُ يُفِيدُ الْبَرَاءَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فَإِنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ. فَرْعٌ: لَوْ اشْتَمَلَتْ دَعْوَى عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْوَاعٍ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. أُجِيبَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا يَمِينًا نُظِرَ، إنْ فَرَّقَهَا فِي الدَّعْوَى أُجِيبَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
المتن: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الَّذِي طَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ (قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً) عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفِي ثَانِيًا (فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي) قَبْلَ ذَلِكَ (مُكِّنَ) مِنْ تَحْلِيفِهِ الْمُدَّعِيَ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ، وَهَكَذَا فَيَدُورُ الْأَمْرُ وَلَا يَنْفَصِلُ، وَأُجِيبَ بِعَدَمِ سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِي لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَخَلَّصَ مِنْ الْخُصُومَةِ، فَلَوْ قَصَدَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الْأَصْلِ لَا يَمِينَ التَّحْلِيفِ الْمَرْدُودَةَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ فِي دَعْوَى أُخْرَى. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ: حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَطْلَقَ. فَإِنْ قَالَ: حَلَّفَنِي عِنْدَكَ، فَإِنْ حَفِظَ الْقَاضِي ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ وَمَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ طَلَبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ حَلَّفَهُ وَلَا يَنْفَعُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى تَذَكَّرَ حُكْمَهُ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ غَيْرَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَسْتَفْسِرُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحَلِّفُهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ خَصْمُهُ لَا يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ.
المتن: وَإِذَا نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقَضَى لَهُ وَلَا يَقْضِي بِنُكُولِهِ، وَالنُّكُولُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا نَاكِلٌ أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ فَيَقُولُ لَا أَحْلِفُ، فَإِنْ سَكَتَ حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ، وَقَوْلُهُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكِمَ بِنُكُولِهِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ النُّكُولِ وَحُكْمِهِ فَقَالَ (وَإِذَا) (نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ يَمِينٍ طُلِبَتْ مِنْهُ (حَلَفَ الْمُدَّعِي) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ إلَيْهِ (وَقَضَى لَهُ) بِمُدَّعَاهُ (وَلَا يَقْضِي بِنُكُولِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أَيْ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَيْمَانِ الْوَاجِبَةِ، فَدَلَّ عَلَى نَقْلِ الْأَيْمَانِ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ، الْمَعْنَى أَنَّ النُّكُولَ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزًا عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَلَا يَقْضِي مَعَ التَّرَدُّدِ. فُرُوعٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَقَضَى لَهُ، لَهُ تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ، لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمُ التَّوَقُّفِ. (وَالنُّكُولُ) لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ نَكَلَ عَنْ الْعَدُوِّ وَعَنْ الْيَمِينِ جُبْنٌ. وَشَرْعًا (أَنْ يَقُولَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَيْهِ (أَنَا نَاكِلٌ) عَنْهَا (أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ فَيَقُولُ: لَا أَحْلِفُ) لِصَرَاحَتِهِمَا فِي الِامْتِنَاعِ فَيَرُدُّ الْيَمِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِالنُّكُولِ. تَنْبِيهٌ: أُورِدَ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ النُّكُولُ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ بِاَللَّهِ فَقَالَ: بِالرَّحْمَنِ، فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ نُكُولٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ قُلْ: بِاَللَّهِ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ، أَوْ تَاللَّهِ فَهَلْ هُوَ نُكُولٌ كَالصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ نُكُولًا، وَنَسَبَهُ لِلنَّصِّ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ غَلَّظَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ وَامْتَنَعَ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ نُكُولًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ بِذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا فَلَا يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُ نَاكِلًا. وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي التَّغْلِيظِ اللَّفْظِيِّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ نَاكِلٌ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهِ فِي الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ لَا اللَّفْظِيِّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ: تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فَقَالَ بِالْمُوَحَّدَةِ. قَالَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَفَّالِ: يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَشْهَرُ (فَإِنْ سَكَتَ) بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لَا لِدَهْشَةٍ وَنَحْوِهَا (حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ) كَمَا أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الِابْتِدَاءِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ هُنَا لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، يُرَدُّ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي، وَلِلْخَصْمِ الْعَوْدُ إلَى الْحَلِفِ بَعْدَ نُكُولِهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِنُكُولِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَنْزِيلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي وَالْحُكْمُ كَقَوْلِهِ: جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، أَوْ نَكَّلْتُكَ بِالتَّشْدِيدِ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا سَكَتَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، وَيُبَيِّنُ النُّكُولَ لِلْجَاهِلِ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ نَكَلْت عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ مِنْكَ الْحَقَّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَلْقِينِ الدَّعْوَى، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَكَمَ بِنُكُولِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ لِتَقْصِيرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْ حُكْمِ النُّكُولِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي فِي صُورَةِ السُّكُوتِ (لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكْمٌ بِنُكُولِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ.
المتن: وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ، وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَمْ تُسْمَعْ.
الشَّرْحُ: (وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ) بِرَدِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْقَاضِي (فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ) يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي (وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ تَوَصَّلَ لِلْحَقِّ فَأَشْبَهَ إقْرَارَهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ (لَمْ تُسْمَعْ) عَلَى الثَّانِي وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِإِقْرَارِهِ وَتُسْمَعُ عَلَى الْأَوَّلِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إبْرَاءٍ " أَنَّ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ فَقَطْ وَأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُسْمَعُ فِي الْعَيْنِ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا.
المتن: فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ، وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ أَبَدًا، وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ لَمْ يُمْهَلْ. وَقِيلَ ثَلَاثَةً، وَلَوْ اُسْتُمْهِلَ فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ) (لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي) يَمِينَ الرَّدِّ (وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ) أَيْ لَمْ يُبْدِ عِلَّةً وَلَا عُذْرًا وَلَا طَلَبَ مُهْلَةٍ (سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ) الْمَرْدُودَةِ وَغَيْرِهَا لِإِعْرَاضِهِ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ (وَلَيْسَ لَهُ) فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ (مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ) إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً، كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) أَوْ سُؤَالِ فَقِيهٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ أَوْ لَا (أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ) أَوْ بِأَنْ يَتَرَوَّى (أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا إضْرَارٌ بِالْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ (وَقِيلَ) يُمْهَلُ (أَبَدًا)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يَشَاءَ كَالْبَيِّنَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ لَا تُسَاعِدُهُ وَلَا تَحْضُرُ وَالْيَمِينُ إلَيْهِ، وَهَلْ هَذَا الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ؟ وَجْهَانِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ) (اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ) (لَمْ يُمْهَلْ) إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي طَلَبِ حَقِّهِ وَتَأْخِيرِهِ (وَقِيلَ:) يُمْهَلُ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ كَالْمُدَّعِي، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ عَمَّا لَوْ اُسْتُمْهِلَ لِيُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى دَافِعٍ مِنْ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةً كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ (وَلَوْ اسْتَمْهَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ (فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ) لِيُرَاجِعَ حِسَابَهُ وَنَحْوَهُ (أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ). قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ فِي التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي وَالْبَارِزِيِّ: إنْ شَاءَ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَهُ التَّرْكُ بِالْكُلِّيَّةِ، ثُمَّ يَحْلِفُ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى، كَمَا لَوْ حَضَرَ مُوَكِّلُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى، وَنُكُولُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ كَنُكُولِهِ عَنْ الْمَرْدُودَةِ، فَإِنْ قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ.
المتن: وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ أَوْ ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسَائِلَ تُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ فَقَالَ: (وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ) فِي مَالٍ نَعَمٍ أَوْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ (فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ)، (أَوْ) لَمْ يَدَّعِ دَفْعَهَا بَلْ (ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ) بَعْدَ الْتِزَامِهِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ (وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ) بِأَنْ لَمْ يَنْحَصِرْ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَلَا رَدَّ عَلَى السَّاعِي وَالسُّلْطَانِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِ النِّصَابِ وَمُضِيِّ الْحَوْلِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ أَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بِالنُّكُولِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاصِّ الثَّانِي: لَا، إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، فَإِنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ وَمَنَعْنَا نَقْلَهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يَتَعَذَّرْ رَدُّ الْيَمِينِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُتَقَدِّمُ فِي بَابِ زَكَاةِ النَّبَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى لَهُ حُكْمُ الزَّكَاةِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ. قَالَ: وَمِنْهُ مَا لَوْ ادَّعَى وَلَدُ الْمُرْتَزِقَةِ الْبُلُوغَ بِالْإِنْزَالِ وَرَامَ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ فَالْأَصَحُّ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُعْطَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَهُوَ قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ حُجَّتَهُ الْيَمِينُ وَلَمْ تُوجَدْ، وَلَوْ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مِثَالِ الزَّكَاةِ إلَى مِثَالِ الْجِزْيَةِ، وَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَ: أَسْلَمْتُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَقَالَ الْعَامِلُ: بَعْدَ تَمَامِهَا لَكَانَ التَّفْرِيعُ فِيهِ جَارِيًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَحْلِفُ إيجَابًا وَأَنَّهُ إذَا نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَجَدَهُ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يُتْرَكَ؟ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي، وَهَكَذَا فِي الدَّعْوَى لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِي وَقْفٍ عَامٍّ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ.
المتن: وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ دَيْنًا لَهُ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ لَمْ يُحَلَّفْ الْوَلِيُّ. وَقِيلَ: يُحَلِّفُ. وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ حُلِّفَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ أَشَارَ لِمَا يُسْتَثْنَى مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ (وَلَوْ) (ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ) أَوْ مَجْنُونٍ (دَيْنًا) مَثَلًا (لَهُ) عَلَى إنْسَانٍ (فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (لَمْ يُحَلَّفْ الْوَلِيُّ)؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْحَقِّ لِغَيْرِ الْحَالِفِ بَعِيدٌ فَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِمَا جَرَى مَحْضَرًا وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ (وَقِيلَ يُحَلَّفُ) مُطْلَقًا مَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّبِيُّ أَوْ يُفِقْ الْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي (وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ) أَيْ ادَّعَى ثُبُوتَهُ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (حُلِّفَ)؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ا هـ. وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِهِ، وَهِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَقَامَ الْوَلِيُّ شَاهِدًا هَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ فَأَنْكَرَ وَفِي قَيِّمِ مَسْجِدٍ أَوْ وَقْفٍ ادَّعَى شَيْئًا فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ وَنَكَلَ، وَلَوْ أَقَرَّ الْقَيِّمُ بِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ انْعَزَلْ وَأَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْقَيِّمَ قَبَضَهُ فَأَنْكَرَ حَلَفَ. تَتِمَّةٌ: يَحْلِفُ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ لَهُ إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ وَيَقُولُ لَهُ: وَيَلْزَمُك التَّسْلِيمُ إلَى وَلِيٍّ وَلَا يَقُلْ إلَيَّ، بِخِلَافِ وَلِيِّهِ فِي دَعْوَاهُ عَنْهُ، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهَا بِالْمَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ، وَالتَّجْوِيزُ مِنْ قَوْلِ الْبُوَيْطِيِّ لَا الشَّافِعِيِّ، وَنُقِلَ الْمَنْعُ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
المتن: ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدٍ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً سَقَطَتَا، وَفِي قَوْلٍ تُسْتَعْمَلَانِ، فَفِي قَوْلٍ يُقْسَمُ، وَقَوْلٍ يُقْرَعُ، وَ قَوْلٍ تُوقَفُ حَتَّى يَبِينَ أَوْ يَصْطَلِحَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ، وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا بَيِّنَةً وَهُوَ بَيِّنَةً قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ، وَقِيلَ: لَا وَلَوْ قَالَ الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك، فَقَالَ بَلْ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَ الْخَارِجُ.
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ: إذَا (ادَّعَيَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَيْنًا) وَهِيَ (فِي يَدٍ ثَالِثٍ) وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهَا (وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً) بِهِمَا مُطْلَقَتَيْ التَّارِيخِ، أَوْ مُتَّفِقَتَيْهِ، أَوْ إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةٌ (سَقَطَتَا) لِتَنَاقُصِ مُوجِبَيْهِمَا فَأَشْبَهَ الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَلَا مُرَجِّحَ، فَعَلَى هَذَا كَأَنْ لَا بَيِّنَةَ وَيُصَارُ إلَى التَّحَالُفِ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا، فَإِنْ رَضِيَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِجَزْمِ الْإِمَامِ بِالْجَوَازِ وَإِنْ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ (وَفِي قَوْلٍ تُسْتَعْمَلَانِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلَهُ: أَيْ الْبَيِّنَتَانِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَعَلَى هَذَا تُنْزَعُ الْعَيْنُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ مَا يُفْعَلُ بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَقْوَالُ الْآتِيَةُ (فَفِي قَوْلٍ يُقْسَمُ) بَيْنَهُمَا: أَيْ يَكُونُ لِكُلٍّ نِصْفُهَا (وَ) فِي (قَوْلٍ يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا وَنُرَجِّحُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (وَ) فِي (قَوْلٍ تُوقَفُ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا (حَتَّى يَبِينَ) الْأَمْرُ فِيهَا (أَوْ يَصْطَلِحَا) عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَشْكَلَ الْحَالُ فِيمَا يُرْجَى انْكِشَافُهُ فَيُوقَفُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ وَلَمْ يُرَجِّحْ الْمُصَنِّفُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِتَفْرِيعِهَا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، وَلَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي أَوَائِلِ التَّحَالُفِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، قَدْ يَخْرُجُ بِهِ تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي النَّسَبِ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَجِيءُ الْقِسْمَةُ وَلَا الْوَقْفُ وَكَذَا الْقُرْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، قِيلَ: وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ تَسْقُطُ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ إلَّا هَذَا (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ الْعَيْنُ الَّتِي ادَّعَاهَا اثْنَانِ (فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) (بَقِيَتْ) فِي يَدِهِمَا (كَمَا كَانَتْ) أَوَّلًا تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ التَّسَاقُطُ، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ وَلَا يَجِيءُ الْوَقْفُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ، وَفِي الْقُرْعَةِ وَجْهَانِ.
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ أَنْ تَشْهَدَ كُلُّ بَيِّنَةٍ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ. فَأَمَّا إذَا شَهِدَ بِالنِّصْفِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَالْبَيِّنَتَانِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحِلٍّ وَاحِدٍ، فَلَا تَجِيءُ أَقْوَالُ التَّعَارُضِ، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ كَمَا كَانَ لَا بِجِهَةِ التَّسَاقُطِ وَلَا بِجِهَةِ التَّرْجِيحِ بِالْيَدِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ السَّابِقُ مِنْهُمَا إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا لِلنِّصْفِ الَّذِي بِيَدِهِ لِيَقَعَ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَحَيْثُ لَا بَيِّنَةَ تَبْقَى فِي يَدِهِمَا أَيْضًا سَوَاءٌ أَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَمْ نَكَلَ، وَلَوْ أَثْبَتَ أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى لَهُ بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِجَمِيعِهَا أَمْ بِالنِّصْفِ الَّذِي بِيَدِ الْآخَرِ، وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ نَكَلَ صَاحِبُهُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ كَفَى الْآخَرَ يَمِينٌ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَصَوَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِعَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ مُلْقًى فِي طَرِيقٍ وَادَّعَيَاهَا، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِمَا (وَلَوْ كَانَتْ) تِلْكَ الْعَيْنُ (بِيَدِهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا وَيُسَمَّى الدَّاخِلُ (فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا بَيِّنَةً وَ) أَقَامَ (هُوَ) بِهَا (بَيِّنَةً) (قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ) أَيْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ بِيَدِهِ كَالْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا قِيَاسٌ، فَيَقْضِي لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ شَاهِدَيْنِ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةِ صَاحِبِ الْيَدِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَإِرْثٍ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْدِيمِ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا لَقِيطًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ صَاحِبُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، فَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا (وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ الدَّاخِلِ (إلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْخَارِجُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ إقَامَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ تُسْمَعُ مَعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ تُعَدَّلْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِتَعَرُّضِ يَدِهِ لِلزَّوَالِ (وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ) أَيْ الدَّاخِلِ عَنْ الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ (بِبَيِّنَةٍ) أَقَامَهَا الْخَارِجُ وَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي بِهَا (ثُمَّ أَقَامَ) الدَّاخِلُ (بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ) لِلْعَيْنِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ (مُسْتَنِدًا) فِي الْغَايَةِ (إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ) مَعَ اسْتِدَامَتِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى (وَاعْتَذَرَ) عَنْ ذَلِكَ (بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ) مَثَلًا (سُمِعَتْ) بَيِّنَتُهُ (وَقُدِّمَتْ) عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ حُكِمَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَسْتَنِدْ بَيِّنَتُهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ بِمَا ذُكِرَ أَوْ نَحْوِهِ، فَلَا تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ (وَقِيلَ: لَا) تُسْمَعُ فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ قَالَ: أَشْكَلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً لِمَا فِيهَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَتَرَدَّدَ فِيهَا جَوَابِي، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ (وَلَوْ) أَطْلَقَ الدَّاخِلُ دَعْوَى الْمِلْكِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَ (قَالَ) أَيْ قَيَّدَ (الْخَارِجُ) الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ (هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك، فَقَالَ) الدَّاخِلُ (بَلْ) هُوَ (مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) بِذَلِكَ (قُدِّمَ الْخَارِجُ) أَيْ بَيِّنَتُهُ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِالِانْتِقَالِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ الدَّاخِلُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ أَجَّرَهُ لَهُ وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَكْسُ الْمَتْنِ، وَهُوَ لَوْ قَالَ الدَّاخِلُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً قُدِّمَ الدَّاخِلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْخَارِجُ هُوَ مِلْكِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي، وَقَالَ الدَّاخِلُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ أَبِيكَ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَخَفِيَ التَّارِيخُ قُدِّمَ الدَّاخِلُ، وَلَوْ تَدَاعَيَا بَعِيرًا لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ مَتَاعٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ بِيَمِينِهِ لِانْفِرَادِهِ بِالِانْتِفَاعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَدَاعَيَا عَبْدًا لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ثَوْبٌ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ حَمْلِهِ عَلَى الْبَعِيرِ انْتِفَاعٌ بِهِ قَيَّدَهُ عَلَيْهِ، وَالْمَنْفَعَةُ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ لِلْعَبْدِ لَا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَلَا يَدَ لَهُ، وَلَوْ تَدَاعَيَا جَارِيَةً حَامِلًا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لِأَحَدِهِمَا. قَالَ الْبَغَوِيّ: فَهِيَ لِصَاحِبِ الْحَمْلِ.
المتن: وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا، وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ الِانْتِقَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا لَا تُرَجِّحُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا رَجُلَانِ وَلِلْآخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (ثُمَّ ادَّعَاهُ) لِنَفْسِهِ (لَمْ تُسْمَعْ) دَعْوَاهُ بِهِ (إلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا) مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَمْسِ بِشَيْءٍ يُطَالِبُ بِهِ الْيَوْمَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقْرَارِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُسْتَصْحَبُ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الِانْتِقَالُ، وَهَلْ يَكْفِي فِي دَعْوَى الِانْتِقَالِ أَنْ يَقُولَ: انْتَقَلَ إلَيَّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؟ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْفَقِيهِ الْمُوَافِقِ لِلْقَاضِي وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَخْبَارِ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُهُ لَهُ وَمِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِلُزُومِ الْهِبَةِ لِجَوَازِ اعْتِقَادِهِ لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَقْفٌ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ (وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ) قَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ (ثُمَّ ادَّعَاهُ) (لَمْ يُشْتَرَطْ) فِي دَعْوَاهُ (ذِكْرُ الِانْتِقَالِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِهِ فَتُرَجَّحُ بِالْيَدِ السَّابِقَةِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ صُوَرِ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ إلَخْ، فَلَوْ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا كَانَ أَوْلَى. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالْإِقْرَارِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ إلَّا عَلَى التَّلَقِّي فِي الْحَالِ فَلَمْ يَتَسَلَّطْ أَثَرُهَا عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ وَأُطْلِقَتْ. أَمَّا لَوْ أَضَافَتْ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ، فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَزِيَادَةَ وَصْفِهِمْ مِنْ وَرَعٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا تُرَجِّحُ) بَيِّنَتَهُ، بَلْ يَتَعَارَضَانِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقِ تَرْجِيحٍ كَالرِّوَايَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لِلشَّهَادَةِ نِصَابًا فَيُتَّبَعُ، وَلَا ضَبْطَ فِي الرِّوَايَةِ فَيُعْمَلُ بِأَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ (وَكَذَا لَوْ) (كَانَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ بَيِّنَةٌ هِيَ (رَجُلَانِ وَلِلْآخَرِ) بَيِّنَةٌ هِيَ (رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لَا يُرَجَّحُ الرَّجُلَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يُرَجَّحَانِ لِزِيَادَةِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِمَا، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ بِهِمَا مَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَفِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ خِلَافٌ. وَالثَّانِي: يَتَعَادَلَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي الْمَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ. تَنْبِيهٌ:
مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يَدٌ، فَإِنْ كَانَ قُدِّمَ صَاحِبُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلِاعْتِضَادِ بِالْيَدِ الْمَحْسُوسَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَرْجِيحِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ.
المتن: وَلَوْ شَهِدَتْ لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ، وَلِلْآخَرِ مِنْ أَكْثَرَ، فَالْأَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ، وَلِصَاحِبِهَا الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ) فِي عَيْنٍ (مِنْ سَنَةٍ) إلَى الْآنَ (وَ) بَيِّنَةٌ (لِلْآخَرِ) بِمِلْكٍ (مِنْ أَكْثَرَ) مِنْ سَنَةٍ إلَى الْآنَ كَسَنَتَيْنِ (فَالْأَظْهَرُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ (تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ)؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي وَقْتٍ لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ الْأُخْرَى وَفِي وَقْتٍ تُعَارِضُهَا فِيهِ الْأُخْرَى فَيَتَسَاقَطَانِ فِي مَحِلِّ التَّعَارُضِ، وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا فِيمَا قَبْلَ مَحِلِّ التَّعَارُضِ، وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ. وَالثَّانِي: لَا تَرْجِيحَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الشَّهَادَةِ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدٍ مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ رُجِّحَ قَطْعًا أَوْ فِي يَدٍ مُتَأَخِّرَةَ التَّارِيخِ فَسَيَأْتِي، وَصَوَّرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا شَهِدَا مَعَ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ لَا تُسْمَعُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تُرَجَّحَ (وَ) عَلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ يَكُونُ (لِصَاحِبِهَا الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ) أَيْ يَوْمِ مِلْكِهِ بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأُجْرَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَلَوْ أَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا الْمِلْكَ وَبَيَّنَتْ الْأُخْرَى سَبَبَهُ، أَوْ أَنَّ الثَّمَرَةَ مِنْ شَجَرَةٍ، أَوْ الْحِنْطَةَ مِنْ بَذْرِهِ قُدِّمَتْ عَلَى الْمُطْلَقَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا وَلِإِثْبَاتِهَا ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ لِصَاحِبِهَا. وَمَحِلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ يَدٍ وَإِلَّا فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ.
المتن: وَلَوْ أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ وَأَرَّخَتْ أُخْرَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ قُدِّمَ، وَ أَنَّهَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يَقُولُوا وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ أَوْ وَلَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ) شَهَادَتَهَا مِنْ تَارِيخٍ (وَأَرَّخَتْ) أَيْ قَيَّدَتْ (أُخْرَى) شَهَادَتَهَا مِمَّا أُرِّخَتْ بِهِ الْمُوَرَّخَةُ. وَقِيلَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تُقَدَّمُ الْمُؤَرَّخَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ. قَالَ: الْأَوَّلُ، لَكِنَّهَا لَا تَنْفِيهِ، وَفِي الشَّرْحِ حِكَايَةُ طَرِيقَيْنِ طَارِدٌ لِلْقَوْلَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَقَاطِعٌ بِالتَّسْوِيَةِ، وَكَيْفَ فُرِضَ؟ فَالظَّاهِرُ التَّسْوِيَةُ ا هـ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْحَقِّ وَالْأُخْرَى بِالْإِبْرَاءِ وَأَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا وَأَرَّخَتْ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ كَمَا قَالَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ (وَ) الْمَذْهَبُ كَمَا يُشْعِرُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّهُ لَوْ) (كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ قُدِّمَ) عَلَى صَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ لِتَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ حَالًّا فَتَتَسَاقَطَانِ فِيهِ وَيَبْقَى مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْيَدُ وَمِنْ الْأُخْرَى الْمِلْكُ السَّابِقُ، وَالْيَدُ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا لَا تُزَالُ بِهِ الْيَدُ. وَالثَّانِي: يُرَجَّحُ السَّبْقُ. وَالثَّالِثُ: يَتَسَاقَطَانِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْأَوَّلِ، وَبِهِ يَتِمُّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ؛ فَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَدُ لِصَاحِبِ مُتَقَدِّمَةِ التَّارِيخِ قُدِّمَ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ شَاهِدَةً بِوَقْفٍ وَالْمُتَأَخِّرَةُ الَّتِي مَعَهَا يَدٌ شَاهِدَةً بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ، وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْيَدَ عَادِيَةٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِهَا عَلَى بَيْعٍ صَدَرَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، فَهُنَاكَ يُقَدَّمُ الْعَمَلُ بِالْوَقْفِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ، وَيُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةٍ بِمِلْكٍ سَابِقٍ أَنْ تَسْتَصْحِبَهُ إلَى الْحَالِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَ) الْمَذْهَبُ (أَنَّهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ) بِكَسْرِ السِّينِ، أَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِ الشَّهْرِ الْمَاضِي مَثَلًا (وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ) تِلْكَ الشَّهَادَةُ (حَتَّى يَقُولُوا) مَعَ ذَلِكَ (وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ، أَوْ) يَقُولُوا (وَلَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ) أَيْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ السَّابِقِ لَا تُسْمَعُ فَكَذَا الْبَيِّنَةُ، وَ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ لَهُ بِمَا لَمْ يَدَّعِهِ، وَفِي قَوْلٍ تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ وَيَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ أَمْسِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ السَّمَاعِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: مَا لَوْ ادَّعَى رِقَّ شَخْصٍ بِيَدِهِ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَذِكْرُ الْمِلْكِ السَّابِقِ وَقَعَ تَبَعًا. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ وَضَعَتْهُ أَمَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَذِهِ الثَّمَرَةُ أَثْمَرَتْهَا نَخْلَتُهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِلْكِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فِي الْحَالِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هُوَ كَالْبَيِّنَةِ بِالْمِلْكِ. الثَّالِثَةُ: إذَا شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ أَيْضًا وَذَكَرَ مَعَهُ مَا إذَا شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الطَّيْرَ مِنْ بَيْضِهِ وَالْآجُرَّ مِنْ طِينِهِ. الرَّابِعَةُ: إذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ وَرِثَهَا. قَالَ الْعِمْرَانِيُّ: حُكِمَ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَالْمُزَنِيَّ نَقَلَا ذَلِكَ. الْخَامِسَةُ: إذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَمْسِ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ قُبِلَتْ. السَّادِسَةُ: لَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ اشْتَرَاهَا الْمُدَّعِي مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَقُولُوا وَهِيَ الْآنَ مِلْكُ الْمُدَّعِي قُبِلَتْ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِمِلْكٍ أَصْلًا بَلْ شَهِدَتْ عَلَى حَاكِمٍ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ الْمِلْكُ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: كَعَادَةِ الْمَكَاتِيبِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَيُحْتَمَلُ التَّوَقُّفُ.
المتن: وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الْآنَ اسْتِصْحَابًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا.
الشَّرْحُ: (وَتَجُوزُ) (الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الْآنَ) (اسْتِصْحَابًا لِمَا) أَيْ لِحُكْمٍ (سَبَقَ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا) اعْتِمَادًا عَلَى الِاسْتِصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ وَجَازَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ جَازَ زَوَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَمِدْ الِاسْتِصْحَابَ لَعَسِرَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَمْلَاكِ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَنُ، هَذَا إذَا أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ، فَإِنْ صَرَّحَ فِي شَهَادَتِهِ بِاعْتِمَادِ الِاسْتِصْحَابِ لَمْ يُقْبَلْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يُقْبَلُ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِ الِاسْتِصْحَابِ تَرَدُّدٌ، أَيْ وَكَلَامُ الْقَاضِي عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنْ قَالَا: لَا نَدْرِي هَلْ زَالَ أَوْ لَا؟ لَمْ تُقْبَلْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ مُرْتَابٍ بَعِيدَةٌ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ.
المتن: وَلَوْ شَهِدَتْ بِإِقْرَارِهِ أَمْسِ بِالْمِلْكِ لَهُ اُسْتُدِيمَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَمْسِ بِالْمِلْكِ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (اُسْتُدِيمَ) الْإِقْرَارُ أَيْ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى أَمْرٍ يَقِينِيٍّ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْخَصْمُ: كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ مِلْكَكَ أَمْسِ وَأَخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ فَتُنْزَعُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَمْسِ وَفَارَقَتْ مَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ أَمْسِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، وَالشَّاهِدُ بِالْمِلْكِ قَدْ يَتَسَاهَلُ وَيَعْتَمِدُ التَّخْمِينَ، فَإِذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْجَزْمُ فِي الْحَالِ ضَعُفَ. تَنْبِيهٌ: الْأَصْلُ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي الْمُطْلَقَةَ لَا تُوجِبُ قَبُولَ الْمِلْكِ لَهُ بَلْ تُظْهِرُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ سَابِقًا عَلَى إقَامَتِهَا، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ السَّبْقُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ يَكْفِي لِصِدْقِ الشُّهُودِ لَحْظَةً لَطِيفَةً؛ لِأَنَّ هَذَا تَقَدُّمٌ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ وَالنِّتَاجَ الْحَاصِلَيْنِ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ كَمَا قَالَ.
المتن: وَلَوْ أَقَامَهَا بِالْمِلْكِ دَابَّةً أَوْ شَجَرَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً، وَلَا وَلَدًا مُنْفَصِلًا وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (أَقَامَهَا بِالْمِلْكِ دَابَّةً أَوْ شَجَرَةً) (لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً، وَلَا) يَسْتَحِقُّ (وَلَدًا مُنْفَصِلًا) عِنْدَ الشَّهَادَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْمِلْكِ، بَلْ يَبْقَيَانِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ وَالْوَلَدَ لَيْسَا مِنْ أَجْزَاءِ الدَّابَّةِ وَالشَّجَرَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يَتْبَعَانِهِمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ بِأَنْ لَا تَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهَا مُؤَبَّرَةً فِي ثَمَرِ النَّخْلِ، أَوْ بَارِزَةً فِي التِّينِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ اسْتَحَقَّهَا مُقِيمُ الْبَيِّنَةِ بِمِلْكِ الشَّجَرَةِ. قَالَ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ شَاهِدٌ لِذَلِكَ، وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالظَّاهِرِ (وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا) مَوْجُودًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ (فِي الْأَصَحِّ) تَبَعًا لِلْأُمِّ وَإِنْ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ الْبَيِّنَةُ. وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ بِوَصِيَّةٍ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَيِّنَةٍ مُطْلَقَةٍ، فَإِنْ تَعَرَّضَتْ لِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ ادَّعَاهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَمَا يَحْصُلُ مِنْ النِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ لَهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى وَقْتِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ كَانَتْ شَهَادَةً بِالْأُسِّ لَا الْمَغْرَسِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ.
المتن: وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَقِيلَ لَا إلَّا إذَا اُدُّعِيَ فِي مِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى الشِّرَاءِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (اشْتَرَى) شَخْصٌ (شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ) أَيْ غَيْرِ مُؤَرَّخَةٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لِسَبَبِ الْمِلْكِ (رَجَعَ) الشَّخْصُ (عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ) وَإِنْ اُحْتُمِلَ انْتِقَالُهُ مِنْهُ أَيْ الْمُدَّعِي لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي عُهْدَةِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِهِ مِنْهُ إلَيْهِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الْمَشْهُودُ بِهِ إلَى مَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِبَقَاءِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ لِلْمُدَّعِي كَمَا تَقَرَّرَ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَصْلِ (وَقِيلَ: لَا) يَرْجِعُ (إلَّا إذَا اُدُّعِيَ) بِضَمِّ الدَّالِ بِخَطِّهِ (فِي مِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى الشِّرَاءِ) لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُدَّعِي، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. قَالَ: وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ جَامِعَةٌ لِأَمْرٍ مُحَالٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ النِّتَاجَ وَالثَّمَرَةَ وَالزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ كُلَّهَا، وَهُوَ قَضِيَّةُ صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ فَسَادِ الْبَيْعِ، وَهَذَا مُحَالٌ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَرَّرَ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " مُطْلَقَةٍ " عَمَّا لَوْ اسْتَنَدَ الِاسْتِحْقَاقُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ فَيَرْجِعُ قَطْعًا، وَمَحِلُّ الرُّجُوعِ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ أَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لَمْ يَرْجِعْ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَظْلُومٌ. نَعَمْ لَوْ صَدَّقَهُ. أَوْ قَالَ: هُوَ مِلْكِي عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ وَاعْتُمِدَ ظَاهِرُ الْيَدِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً بِعْنِي هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهَا مِلْكُكَ. ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فِي الظَّاهِرِ. فَقَالَ: أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ وَحَلَفَ فَحُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ صَرَّحَ فِي مُنَازَعَتِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى بَائِعِهِ عَمَّا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَانْتُزِعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِبَائِعِهِ، بَلْ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى بَائِعِهِ.
المتن: وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ مَعَ سَبَبِهِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا، وَهُمْ سَبَبًا آخَرَ ضَرَّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (ادَّعَى) شَخْصٌ (مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ) بِهِ (مَعَ) بَيَانِ (سَبَبِهِ) (لَمْ يَضُرَّ) مَا زَادُوهُ أَيْ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ، وَلَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمِلْكُ، وَقَدْ وَافَقَتْ فِيهِ الْبَيِّنَةُ الدَّعْوَى. تَنْبِيهٌ: لَا تُقَدَّمُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بِذِكْرِ السَّبَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ مُرَجَّحٌ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا السَّبَبَ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ وَالِاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَفَادَ الْمُدَّعِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ فَشَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ حِينَئِذٍ (وَإِنْ ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (سَبَبًا) لِلْمِلْكِ (وَهُمْ) أَيْ الشُّهُودُ ذَكَرُوا (سَبَبًا آخَرَ) لِلْمِلْكِ (ضَرَّ) ذَلِكَ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ بَلْ يُقْبَلُ عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ وَيَلْغُو السَّبَبُ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُرَجَّحِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ.
|