الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يُبْطِلُ لِرُجُوعِهِ: إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ بِأَنْ يَقْدُمَ غَرِيبٌ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ بَلَدِيٌّ: اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْبُيُوعِ نَهْيًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا، وَفِيهِ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يُبْطِلُ) بِضَمِّ الْيَاءِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ: أَيْ مَعَ كَسْرِ الطَّاءِ: أَيْ النَّهْيُ فِيهِ الْبَيْعَ وَيَجُوزُ فَتْحُ الطَّاءِ مَعَ ضَمِّ الْيَاءِ أَيْضًا وَعَكْسُهُ وَالضَّمِيرُ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالضَّمِيرُ فِي (لِرُجُوعِهِ) يَعُودُ إلَى النَّهْيِ لِدَلَالَةِ الْمَنْهِيِّ عَلَيْهِ (إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ) لَا إلَى ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلْبَيْعِ بِخُصُوصِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، فَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنْ الصُّوَرِ يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ وَيَحْرُمُ إلَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ آخِرَ الْفَصْلِ وَلَوْ قَدَّمَهُمَا عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَالَ (كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ بِأَنْ يَقْدُمَ) شَخْصٌ (غَرِيبٌ) أَوْ غَيْرُهُ (بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ) أَيْ حَاجَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ (إلَيْهِ) كَالطَّعَامِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِبَيْعِهِ سَعَةٌ فِي الْبَلَدِ لِقِلَّتِهِ، أَوْ لِعُمُومِ وُجُودِهِ وَرُخْصِ السِّعْرِ، أَوْ لِكِبَرِ الْبَلَدِ (لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ) أَيْ حَالًّا (فَيَقُولُ) لَهُ شَخْصٌ (بَلَدِيٌّ) أَوْ غَيْرُهُ (اُتْرُكْهُ عِنْدِي) أَوْ عِنْدَ غَيْرِي (لِأَبِيعَهُ) لَكَ (عَلَى التَّدْرِيجِ) أَيْ شَيْئًا فَشَيْئًا (بِأَغْلَى) مِنْ بَيْعِهِ حَالًّا، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ} زَادَ مُسْلِمٌ {دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ} وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: زَادَ مُسْلِمٌ {دَعُوا النَّاسَ فِي غَفَلَاتِهِمْ} إلَخْ وَالْمَعْنَى فِي التَّحْرِيمِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ الْتَمَسَهُ الْبَادِي مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ ابْتِدَاءً: أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ لِتَبِيعَهُ بِالتَّدْرِيجِ أَوْ انْتَفَى عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَأَنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أَصْلًا أَوْ إلَّا نَادِرًا أَوْ عَمَّتْ وَقَصَدَ الْبَدْوِيُّ بَيْعَهُ بِالتَّدْرِيجِ فَسَأَلَهُ الْحَضَرِيُّ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهِ، أَوْ قَصَدَ بَيْعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ، وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِالْإِثْمِ الْحَضَرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَمْكِينُ الْمُحْرِمِ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِرْشَادِ إلَى التَّأْخِيرِ فَقَطْ وَقَدْ انْقَضَتْ لَا الْإِرْشَادِ مَعَ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ الصَّادِرُ مِنْهُ. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا تَضْيِيقَ فِيهِ لَا سِيَّمَا إذَا صَمَّمَ الْمَالِكُ عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُبَاشِرْهُ الْمُشِيرُ عَلَيْهِ بَاشَرَهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ الْحَلَالَ الْمُحْرِمَ مِنْ الْوَطْءِ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ بِنَفْسِ الْوَطْءِ، وَلَوْ اسْتَشَارَهُ الْبَدَوِيُّ فِيمَا فِيهِ حَظُّهُ فَفِي وُجُوبِ إرْشَادِهِ إلَى الِادِّخَارِ وَالْبَيْعِ بِالتَّدْرِيجِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا يَجِبُ إرْشَادُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَمِيلُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي لَا تَوْسِيعًا عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ قَدِمَ الْبَادِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَتَعَرَّضَ لَهُ حَاضِرٌ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رَخِيصًا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالسِّمْسَارِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ تَرَدُّدٌ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: هُوَ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمُ بِهِ، وَالْحَاضِرُ: سَاكِنُ الْحَاضِرَةِ، وَهِيَ الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ، وَهِيَ أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخَصْبٌ، وَالْبَادِي: سَاكِنُ الْبَادِيَةِ، وَهِيَ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحَاضِرِ وَالْبَادِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ أَيُّ شَخْصٍ كَانَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
المتن: وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ: بِأَنْ يَتَلَقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا إلَى الْبَلَدِ فَيَشْتَرِيَهُ قَبْلَ قُدُومِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ، وَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا عَرَفُوا الْغَبْنَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ (وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ بِأَنْ يَتَلَقَّى) شَخْصٌ (طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا) طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ (إلَى الْبَلَدِ) مَثَلًا (فَيَشْتَرِيَهُ) مِنْهُمْ (قَبْلَ قُدُومِهِمْ) الْبَلَدَ (وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ) فَيَعْصِي بِالشِّرَاءِ وَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّلَقِّيَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ احْتِمَالُ غَبْنِهِمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَهُمْ الْمُشْتَرِي كَاذِبًا أَمْ لَمْ يُخْبِرْ (وَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا) غُبِنُوا، وَ (عَرَفُوا الْغَبْنَ) وَلَوْ قَبْلَ قُدُومِهِمْ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ {لَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إلَى السُّوقِ، فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ} وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنْ الْتَمَسُوا الْبَيْعَ مِنْهُ وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِمْ بِالسِّعْرِ، أَوْ لَمْ يَغْبِنُوا كَأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَهُمْ عَالِمُونَ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى السَّابِقِ، وَكَذَا لَا خِيَارَ لَهُمْ إذَا كَانَ التَّلَقِّي بَعْدَ دُخُولِ الْبَلَدِ وَلَوْ خَارِجَ السُّوقِ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِمْ الْأَسْعَارَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَلَقِّينَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْرِفُوا الْغَبْنَ حَتَّى رَخُصَ السِّعْرُ وَعَادَ إلَى مَا بَاعُوا بِهِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ ثُبُوتِهِ كَمَا فِي زَوَالِ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَإِنْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ لِلْبَيْعِ مِنْهُمْ كَالتَّلَقِّي لِلشِّرَاءِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنْ رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مُقَابِلَهُ، وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ لِلْأَذْرَعِيِّ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ، وَالرُّكْبَانِ جَمْعُ رَاكِبٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِهِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ الْقَادِمُ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مَاشِيًا..
المتن: وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ (وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) لِخَبَرِ {لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ} وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيذَاءُ، وَذِكْرُ الرَّجُلِ وَالْأَخِ لَيْسَ لِلتَّقَيُّدِ بَلْ الْأَوَّلُ: لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. وَالثَّانِي: لِلرَّأْفَةِ وَالْعَطْفِ، فَغَيْرُهُمَا مِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ (وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ) بِالتَّرَاضِي صَرِيحًا وَقَبْلَ الْعَقْدِ، كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَ شَيْءٍ بِكَذَا: لَا تَأْخُذْهُ وَأَنَا أَبِيعُكَ خَيْرًا مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ بِأَقَلَّ أَوْ يَقُولَ لِمَالِكِهِ: لَا تَبِعْهُ، وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ الْمَالِكُ بِالْإِجَابَةِ، بِأَنْ عَرَضَ بِهَا أَوْ سَكَتَ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ إذْ ذَاكَ يُنَادِي عَلَيْهِ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ لَكِنْ يُكْرَهُ فِيمَا إذَا عَرَضَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ.
المتن: وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ، فَقَالَ: (وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ) أَيْ الْبَيْعِ بِأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ. أَمَّا بَعْدَ لُزُومِهِ فَلَا مَعْنَى لَهُ، نَعَمْ لَوْ اطَّلَعَ بَعْدَ اللُّزُومِ عَلَى عَيْبٍ وَلَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ مُضِرًّا، كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ التَّحْرِيمُ لِمَا ذُكِرَ (بِأَنْ) أَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ (يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ) أَيْ الْمَبِيعِ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ.
المتن: وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، فَقَالَ (وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ كَمَا مَرَّ (بِأَنْ) أَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ (يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ) بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَكِلَا الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ، وَلَوْ رَأَى الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى وَالْبَائِعُ فِي الثَّانِيَةِ مَغْبُونًا لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ،} زَادَ النَّسَائِيُّ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ، وَفِي مَعْنَاهُ الشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا الْإِيذَاءُ، وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ نَهْيِ الرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ سِلْعَةً مِثْلَ الَّتِي اشْتَرَاهَا خَشْيَةَ أَنْ يَرُدَّ الْأُولَى وَمِثْلُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي ذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ طَلَبَ السِّلْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِزِيَادَةِ رِبْحٍ وَالْبَائِعُ حَاضِرٌ لِأَدَائِهِ إلَى الْفَسْخِ أَوْ النَّدَمِ ثُمَّ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، فَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَقَدْ أَسْقَطَاهُ، وَلِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ كَانَ الْآذِنُ مَالِكًا، فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحْرِيمِ تَحَقُّقُ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ لِوُجُودِ الْإِيذَاءِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ خِلَافًا لِابْنِ النَّقِيبِ فِي اشْتِرَاطِهِ.
تَنْبِيهٌ: الْأَمْرُ بِالْفَسْخِ وَقَعَ فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ شَرْطًا، وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ سِلْعَةً مِثْلَهَا بِأَرْخَصَ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ ا هـ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ،.
المتن: وَالنَّجْشُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ السَّادِسَةِ، فَقَالَ (وَالنَّجْشُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ) لِلسِّلْعَةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلْبَيْعِ (لَا لِرَغْبَةٍ) فِي شِرَائِهَا (بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ) فَيَشْتَرِيهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيذَاءُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ) لِلْمُشْتَرِي لِتَفْرِيطِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَأَمَّلْ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ. وَالثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ لِلتَّدْلِيسِ كَالتَّصْرِيَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ مُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ لِلنَّاجِشِ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ جَزْمًا، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَعْطَيْتُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ كَذَا فَبَانَ خِلَافُهُ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَارِفٌ بِأَنَّ هَذَا عَقِيقٌ أَوْ فَيْرُوزَجُ بِمُوَاطَأَةٍ فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ زَادَ لِيُسَاوِي قِيمَةَ السِّلْعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَالْمُتَّجَهُ التَّحْرِيمُ لِإِيذَاءِ الْمُشْتَرِي، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ}.
المتن: وَبَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ السَّابِعَةِ، فَقَالَ: (وَبَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ) وَنَحْوِهِمَا كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ (لِعَاصِرِ الْخَمْرِ) وَالنَّبِيذِ: أَيْ لِمُتَّخِذِهَا لِذَلِكَ بِأَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ بَيْعُ الْغِلْمَانِ الْمُرْدِ مِمَّنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ بِالْغِلْمَانِ وَبَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ بَاغٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِمَا، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي إلَى مَعْصِيَةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ. أَمَّا إذَا شَكَّ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ تَوَهَّمَهُ فَالْبَيْعُ مَكْرُوهٌ، وَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ لِلتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ: وَهُوَ إمْسَاكُ مَا اشْتَرَاهُ وَقْتَ الْغَلَاءِ لِيَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ إمْسَاكِ مَا اشْتَرَاهُ وَقْتَ الرُّخْصِ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَا إمْسَاكِ غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ، وَلَا مَا اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ لِيَبِيعَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ، وَفِي كَرَاهَةِ إمْسَاكِ مَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ سَنَةً وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى بَيْعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَيَخْتَصُّ تَحْرِيمُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ، وَمِنْهَا الذُّرَةُ وَالْأُرْزُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ، وَيَحْرُمُ التَّسْعِيرُ وَلَوْ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْوَالِي السُّوقَةَ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إلَّا بِكَذَا لِلتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَطْعِمَةِ: وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ سَعَّرَ الْإِمَامُ عُزِّرَ مُخَالِفُهُ بِأَنْ بَاعَ بِأَزْيَدَ مِمَّا سَعَّرَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاهَرَةِ الْإِمَامِ بِالْمُخَالَفَةِ، وَصَحَّ الْبَيْعُ إذْ لَمْ يَعْهَدْ الْحَجْرَ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَرَّعٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِمَا مَرَّ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. وَقَالُوا: إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى جَوَازِهِ وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ فِي جَمِيعِ الْمَنَاهِي عِلْمُ النَّهْيِ بِهَا حَتَّى فِي النَّجْشِ كَمَا نَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِبَحْثِ الرَّافِعِيِّ.
المتن: وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ، وَإِذَا فَرَّقَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَا فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَقَالَ (وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ) الرَّقِيقَةِ (وَالْوَلَدِ) الرَّقِيقِ الصَّغِيرِ الْمَمْلُوكَيْنِ لِوَاحِدٍ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ فَسْخٍ بِإِقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا بِعِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ (حَتَّى يُمَيِّزَ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَسَوَاءٌ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَا لِمَالِكَيْنِ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ. وَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّقِيقِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَمَا إذَا فَرَّقَ بِعِتْقٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مُحْسِنٌ، وَكَذَا الْوَاقِفُ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تَقْتَضِي التَّفْرِيقَ بِوَضْعِهَا فَلَعَلَّ الْمَوْتَ يَكُونُ بَعْدَ زَمَانِ التَّحْرِيمِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ مَنْعُ التَّفْرِيقِ بِرُجُوعِ الْمُقْرِضِ، وَمَالِكُ اللُّقَطَةِ دُونَ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْقَرْضِ وَاللُّقَطَةِ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ رَجَعَ فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ فِيهَا الرُّجُوعَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ بِشَيْءٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِي لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمْيِيزِ الْوَلَدِ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ الْقَبُولُ وَحِينَئِذٍ، أَمَّا بَعْدَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّعَهُّدِ وَالْحَضَانَةِ، وَخَبَرُ " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، قِيلَ إلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ " ضَعِيفٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنْ حَصَلَ قَبْلَ السَّبْعِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ، وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ إلَى سَبْعِ سِنِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُمْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي الْحَضَانَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ هُنَا مَنْعُ التَّمْيِيزِ قَبْلَهَا لِيَحْصُلَ لَهُ قُوَّةٌ وَاسْتِبْدَادٌ عَلَى الِانْفِرَادِ ا هـ. هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ حَتَّى يُمَيِّزَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ الْمَجْنُونِ الْبَالِغِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَتْبَاعُهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ (وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ هَذَا الْقَوْلُ الْبُلُوغَ لِنُقْصَانِ تَمْيِيزِهِ قَبْلَهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَفْهَمَ جَوَازَ التَّفْرِيقِ بَعْدَهُ جَزْمًا، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ وَكَذَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالتَّمْيِيزِ أَنَّ غَيْرَ الْآدَمِيِّ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ، لَكِنْ يُكْرَهُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَيَجُوزُ بِالذَّبْحِ قَطْعًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمُرَادُهُ ذَبْحُ الْوَلَدِ. أَمَّا ذَبْحُهَا مَعَ بَقَائِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَغَيْرِ الذَّبْحِ، وَظَاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَبْحُ الْمَأْكُولِ إذْ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا بَيْعُهُ لِذَبْحِهِ بِحَالٍ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي حَدِّ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الطِّفْلُ؛ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، وَقِيلَ: أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَوْ اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالْأُمُّ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَحَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ أَوْ اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِ الْأُمِّ فَهُمَا سَوَاءٌ فَيُبَاعُ مَعَ أَيِّهِمَا كَانَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ كَالْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِهَا لَا عِنْدَ وُجُودِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْجَدَّاتِ وَالْأَجْدَادِ لِلْأَبِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبَوَيْنِ وَأُمِّ الْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الشَّيْخَانِ فِي بَابِ السِّيَرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، ثَالِثُهَا: جَوَازُ التَّفْرِيقِ فِي الْأَجْدَادِ دُونَ الْجَدَّاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلتَّرْبِيَةِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَظْهَرُ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ، وَأَمَّا الْجَدُّ لِلْأُمِّ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنَّهُ كَالْجَدِّ لِلْأَبِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّهُ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلُ، وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَإِنْ قَوَّى السُّبْكِيُّ التَّحْرِيمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ (وَإِذَا فَرَّقَ) بَيْنَ الْوَلَدِ بَعْدَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ وَبَيْنَ مَنْ يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ (بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَا فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْعًا. وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْإِضْرَارِ لَا لِلْخَلَلِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى هَذَا لَا نُقِرُّهُمَا عَلَى التَّفْرِيقِ، بَلْ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ اسْتَمَرَّ الْعَقْدُ وَإِلَّا فُسِخَ كَمَا قَالَاهُ. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّمْلِيكِ، وَأَمَّا قَبْلَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ فَيَبْطُلُ جَزْمًا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَصِحَّةُ الْبَيْعِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْحُرِّيَّةِ. وَلِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْإِعْتَاقِ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَعَ بَعْضِ الْآخَرِ وَبَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ عَدَمِ التَّسَاوِي. فَإِنْ تَسَاوَى الْبَعْضَانِ كَأَنْ بَاعَ نِصْفَهُمَا مَعًا جَازَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي السِّيَرِ. وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ التَّفْرِيقَ بِالسَّفَرِ بِالتَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ وَطَرَدَهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ لَا يَحْرُمُ لِإِمْكَانِ صُحْبَتِهَا لَهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ مَلَكَ كَافِرٌ صَغِيرًا وَأَبَوَيْهِ وَهُمَا كَافِرَانِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبُ وَتَخَلَّفَتْ الْأُمُّ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُهُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُمَا دُونَهَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَبُ أَنْ يُبَاعَ الْوَلَدُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِثْلُهُ لَوْ تَبِعَ الطِّفْلُ السَّابِي فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَلَكَ أُمَّهُ الْكَافِرَةَ فَلَهُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِيمَا يَظْهَرُ ا هـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ، وَالتَّفْرِيقُ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلضَّرُورَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَطَلَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَانَ الْأَحْسَنُ إسْقَاطَ الْأَلِفِ مِنْهُ. فَإِنَّ الْأَفْصَحَ فِي الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ أَوْ أَنْ يُؤْتَى بِهِ مُفْرَدًا تَقُولُ إذَا لَقِيتَ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَأَكْرِمْهُ. وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَالصَّوَابُ حَذْفُ الْأَلِفِ ا هـ. وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}.
المتن: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ، وَإِلَّا فَهِبَةً.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ) وَهُوَ (بِأَنْ يَشْتَرِيَ) سِلْعَةً (وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ) مَثَلًا (لِتَكُونَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ وَإِلَّا فَهِبَةً) بِالنَّصْبِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ شَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ أَحَدُهُمَا: شَرْطُ الْهِبَةِ. وَالثَّانِي: شَرْطُ الرَّدِّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَرْضَى.
تَنْبِيهٌ: فِي الْعُرْبُونِ سِتُّ لُغَاتٍ: فَتْحُ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ: وَهِيَ الْفَصِيحَةُ، وَضَمُّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانُ الرَّاءِ، وَعُرْبَانٌ بِالضَّمِّ وَالْإِسْكَانِ وَإِبْدَالِ الْعَيْنِ هَمْزَةً مَعَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ التَّسْلِيفُ وَالتَّقْدِيمُ. فَائِدَةٌ: الْبَيْعُ يَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَهِيَ الْوَاجِبُ وَالْحَرَامُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ، فَالْوَاجِبُ كَبَيْعِ الْوَلِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ إذَا تَعَيَّنَ بَيْعُهُ، وَبَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْمُفْلِسِ بِشُرُوطِهِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمَاءِ لِمُحْتَاجِهِ وَالطَّعَامِ مِنْ الْمُضْطَرِّ، فَالْوَاجِبُ فِيهِمَا التَّمْلِيكُ لَا الْبَيْعُ نَفْسُهُ، وَبَعْضُهُمْ أَدْرَجَهُمَا فِي الْبَيْعِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا الْحَرَامُ فَغَالِبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَكَالْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ زَمَنَ الْغَلَاءِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَكَبَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَالْبَيْعِ مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ أَوْ فِيهِ حَرَامٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَرَامِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ، وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ، قِيلَ وَثَمَنُهُ يُقَابِلُ الدَّفَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ، وَقِيلَ: إنَّهُ بَدَلُ أُجْرَةِ نَسْخِهِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ: وَبَيْعُ الْعِينَةِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالنُّونِ أَنْ يَبِيعَهُ عَيْنًا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ مُؤَجَّلٍ وَيُسَلِّمَهَا لَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِنَقْدٍ يَسِيرٍ لِيَبْقَى الْكَثِيرُ فِي ذِمَّتِهِ. وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَغَالِبُ الْبُيُوعِ. فَرْعٌ: الْمَقْبُوضُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كُلَّ لَحْظَةٍ، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَأَقْصَى قِيمَةٍ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَلَا يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ كَالرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَ وَلَوْ جَهِلَ الْفَسَادَ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ إلَّا إذَا عَلِمَهُ، وَالثَّمَنُ مَيْتَةٌ أَوْ دَمٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَمْلِكُ بِهِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَحْوَ خَمْرٍ كَخِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِهِ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَيْثُ لَا حَدَّ يَجِبُ الْمَهْرُ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَمَهْرُ بِكْرٍ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَأَرْشُ بَكَارَةٍ لِإِتْلَافِهَا بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ فِي صَحِيحِ الْبَيْعِ دُونَ صَحِيحِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ زَوَالِ بَكَارَتِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِكْرًا مَغْصُوبَةً وَوَطِئَهَا جَاهِلًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَهْرُ ثَيِّبٍ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ هُنَا كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ، وَلَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْحَقَا شَرْطًا فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ كَالْعَقْدِ.
المتن: بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ صَحَّ فِي مِلْكِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ فَإِنْ: أَجَازَ فَبِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا، وَتَفْرِيقُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ فِي الدَّوَامِ أَوْ فِي اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَقَالَ لَوْ (بَاعَ) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ حِلًّا وَحُرْمًا كَأَنْ بَاعَ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ (خَلًّا وَخَمْرًا) أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا (أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ) عَبْدَهُ (وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي مِلْكِهِ) مِنْ الْخَلِّ وَالْمُذَكَّاةِ وَالشَّاةِ وَعَبْدِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَبَطَلَ فِي غَيْرِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) أَعْطَاهُ حُكْمَهُ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ فِيهِمَا وَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَا اجْتَمَعَ حَرَامٌ وَحَلَالٌ إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ " وَالثَّانِي: جَهَالَةُ الْعِوَضِ الَّذِي يُقَابِلُ الْحَلَالَ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَمْثِيلِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُشْتَرَكِ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْحِصَّةَ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ قِيلَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَعَلِمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا كَانَ الْأَوَّلُ مَرْجُوعًا عَنْهُ فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ هُوَ الثَّانِي، وَقَدْ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ، وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْبُطْلَانَ هُوَ آخِرُ قَوْلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهِيَ دَقِيقَةٌ غَفَلُوا عَنْهَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا كَانَ رَاوِي الْمَذْهَبِ قَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ فَفِي النَّفْسِ حَزَازَةٌ مِنْ تَرْجِيحِ الصِّحَّةِ مَعَ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّبِيعِ إنَّ الْبُطْلَانَ آخِرُ قَوْلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمَا فِي الذِّكْرِ لَا فِي الْفَتْوَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُتَأَخِّرُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ إذَا أَفْتَى بِهِ. أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ: وَهِيَ آخِرُ قَوْلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ أَحَدَ قَوْلَيْهِ بِالدَّالِ فَقُصِرَتْ فَقُرِئَتْ بِالرَّاءِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرَكِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْإِذْنِ يَصِحُّ جَزْمًا، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَيْهِ وَإِلَى عَبْدِ الْغَيْرِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ وَبَاعَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ الثَّمَنَ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَإِنْ فَصَلَهُ صَحَّ جَزْمًا لَكِنْ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ وَتِلْكَ صَفْقَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: الظَّاهِرُ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ كَانَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَحَلُّ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ إذَا كَانَ كُلُّ مَنْ مَلَكَهُ وَغَيْرُهُ مَعْلُومًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْجَهْلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ التَّقْسِيطِ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ (فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ) الْحَالَ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ (فَإِنْ أَجَازَ) الْبَيْعَ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ (فَبِحِصَّتِهِ) أَيْ الْمَمْلُوكِ لَهُ (مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا)؛ لِأَنَّهُمَا أَوْقَعَا الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا قِسْطَهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّا نَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُمَا قِيمَةً، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَالصَّوَابُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّا نُقَدِّرُ الْخَمْرَ خَلًّا وَالْمَيْتَةَ مُذَكَّاةً وَالْخِنْزِيرَ شَاةً وَالْحُرَّ رَقِيقًا، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا ثَلَاثَمِائَةٍ، وَالْمُسَمَّى مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الْمَمْلُوكِ مِائَةً فَحِصَّتُهُ مِنْ الْمُسَمَّى خَمْسُونَ (وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا إلَى مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَانَ الْآخَرُ كَالْمَعْدُومِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَرَامُ مَقْصُودًا كَالدَّمِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْإِجَازَةَ بِكُلِّ الثَّمَنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَابِلًا لِلْعَقْدِ، لَكِنْ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ كَنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَيَجْرِي فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ. مِنْهَا إذَا أَجَرَّ الرَّاهِنُ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مَحَلِّ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى شَيْئَيْنِ مَوْجُودَيْنِ أَحَدُهُمَا حِلٌّ وَالْآخَرُ حَرَامٌ، وَالْمَنْفَعَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَا وَجْهَ فِيهَا إلَّا الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْبُطْلَانِ، وَالصِّحَّةُ مُتَعَذِّرَةٌ لِعَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَبَطَلَ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَمِنْهَا مَا إذَا فَاضَلَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَمِنْهَا مَا إذَا زَادَ فِي الْعَرَايَا عَلَى الْقَدْرِ الْجَائِزِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ زَادَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ جَزْمًا أَوْ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ يَبْطُلُ قَطْعًا، وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ قَطْعًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِنْهَا مَا لَوْ قَدَّمَ الْبَاطِلَ كَأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي لَا تَطْلُقْ لِعَطْفِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ ا هـ. وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي قِيَاسَهُ، وَإِنَّمَا قِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْحُرُّ مَبِيعٌ مِنْكَ وَعَبْدِي. فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْأَوَّلِ عَامِلٌ فِي الثَّانِي، وَقِيَاسُهُ فِي الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ طَلَّقْتُ نِسَاءَ الْعَالَمِينَ وَزَوْجَتِي فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَ) إذَا لَمْ يَجِبْ إلَّا الْحِصَّةَ (لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ حَيْثُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَطَمِعَ فِي ثَمَنِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ،.
المتن: وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْآخَرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، بَلْ يَتَخَيَّرُ، فَإِنْ أَجَازَ فَبِالْحِصَّةِ قَطْعًا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا، فَقَالَ (وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ) مَثَلًا (فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ) انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ وَ (لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ (بَلْ يَتَخَيَّرُ) الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ (فَإِنْ أَجَازَ فَبِالْحِصَّةِ) مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ تَوَزَّعَ عَلَيْهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالْقَسْمُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا، وَقَوْلُهُ (قَطْعًا) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ. أَحَدُهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَضَعُفَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ وَبَيْنَ مَا حَدَثَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَيْهِمَا ابْتِدَاءً، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَكِنَّهُ مُشْكِلٌ. لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ التَّفْرِيطُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَنْفَسِخُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ. وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ وَغَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِقَبْضِهِ، وَفِي مَعْنَى مَا فِي الْمَتْنِ مَا لَوْ بَاعَ عَصِيرًا صَارَ بَعْضُهُ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ،.
المتن: وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ صَحَّا فِي الْأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ صَحَّ النِّكَاحُ، وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ، وَتَتَعَدَّدُ الصِّفَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا، وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ: (وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ) كَأَنْ يَقُولَ أَجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا وَبِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا بِدِينَارٍ (أَوْ) إجَارَةٍ وَ (سَلَمٍ) كَأَنْ يَقُولَ أَجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا وَبِعْتُكَ صَاعَ قَمْحٍ فِي ذِمَّتِي سَلَمًا بِكَذَا (صَحَّا فِي الْأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا) أَيْ قِيمَةِ الْمُؤَجَّرِ مِنْ حَيْثُ الْأُجْرَةُ وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ اشْتِرَاطُ التَّأْقِيتِ فِيهَا، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةُ تَنْفَسِخُ بِالتَّلَفِ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَهُ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ فِي السَّلَمِ دُونَهَا، وَالثَّانِي يَبْطُلَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ، وَالِانْفِسَاخُ مَا يَقْتَضِي فَسْخَ أَحَدِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْزِيعِ، وَيَلْزَمُ الْجَهْلُ عِنْدَ الْعَقْدِ بِمَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعِوَضِ، وَذَلِكَ مَحْذُورٌ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ وَشِقْصٍ مِنْ دَارٍ فِي صَفْقَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُكْمِ الشُّفْعَةِ وَاحْتِيجَ إلَى التَّوْزِيعِ بِسَبَبِهَا، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مُثِّلَ بِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدَانِ لَازِمَيْنِ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ لَازِمٍ وَجَائِزٍ كَبَيْعٍ وَجَعَالَةٍ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُسَابَقَةِ أَوْ كَانَ الْعَقْدَانِ جَائِزَيْنِ كَشَرِكَةٍ وَقِرَاضٍ صَحَّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ بَابُهَا وَاسِعٌ، وَإِنَّمَا قَالَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَلَمْ يَقُلْ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِيَشْمَلَ بَيْعَ عَبْدَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ وَالْعَقْدَ وَاحِدٌ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِجَارَةِ مَعَ السَّلَمِ إجَارَةُ الْعَيْنِ، فَإِنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ كَالسَّلَمِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ كَصَاعِ بُرٍّ وَثَوْبٍ بِصَاعِ شَعِيرٍ (أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ) وَمُسْتَحَقِّ الثَّمَنِ وَالْمَهْرُ وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ عَبْدَهَا وَهِيَ فِي حِجْرِهِ، أَوْ زَوَّجْتُكَ أَمَتِي وَبِعْتُكَ ثَوْبِي (صَحَّ النِّكَاحُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الصَّدَاقِ (وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا صِحَّتُهُمَا، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي بُطْلَانُهُمَا، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَ الْمُصَنِّفُ أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ بِأَبْسَطَ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَا. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ عَبْدِي بِكَذَا. فَإِنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا الصَّدَاقَ كَمَا لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ فَبَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَخُلْعٍ صَحَّ الْخُلْعُ وَفِي الْبَيْعِ وَالْمُسَمَّى الْقَوْلَانِ.
تَنْبِيهٌ: شَرْطُ التَّوْزِيعِ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ حِصَّةُ النِّكَاحِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا إنْ أَذِنَتْ الرَّشِيدَةُ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى فَيُعْتَبَرُ التَّوْزِيعُ مُطْلَقًا (وَتَتَعَدَّدُ الصِّفَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ) مِنْ الْبَائِعِ (كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا) فَيُقْبَلُ فِيهِمَا سَوَاءٌ أَفَصَلَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبُولِ أَمْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ وَجَارِيَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي: الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ (وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ) كَبِعْنَاكَ هَذَا بِكَذَا، وَالْمَبِيعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيُقْبَلُ فِيهِمَا وَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ، فَلَوْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي جَوَابَهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي الصِّحَّةَ (وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي) كَبِعْتُكُمَا هَذَا بِكَذَا (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَائِعِ، وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِي يَبْنِي عَلَى الْإِيجَابِ السَّابِقِ، وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ إنْ قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ الصِّحَّةَ كَمَا مَرَّ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا وَالشُّفْعَةِ. أَوْ فِيهِمَا فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا، وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فِي الْأَظْهَرِ عَكْسُ مَا هُنَا (وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ) لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ مِنْ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالثَّانِي اعْتِبَارُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ فَأَصْلَحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ فِي الدَّقَائِقِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ، وَمَعْنَاهُ لَوْ وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا أَوْ وَكَّلَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ، وَمَحَلُّ مَا قَالَهُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ وَالشُّفْعَةِ. أَمَّا فِيهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْمُوَكِّلِ لَا الْوَكِيلِ اعْتِبَارًا بِاتِّحَادِ الدَّيْنِ وَالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا فِي رَهْنِ عَبْدِهِمَا عِنْدَ زَيْدٍ بِمَا لَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ انْفَكَّ نَصِيبُهُ.
خَاتِمَةٌ: قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ حَرَامًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا شَاذٌّ لَيْسَ مَذْهَبًا بَلْ الْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ ا هـ. أَيْ بَلْ الْمَمْنُوعُ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْحَرَامِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مُبَايَعَةُ مَنْ فِي يَدِهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ كَالظَّلَمَةِ وَالْمَكَّاسِينَ وَالْمُنَجِّمِينَ وَاَلَّذِي يَضْرِبُ بِالنَّفِيرِ وَالْحَصَى وَالرَّمْلِ فَكُلُّ مَا يَأْخُذُهُ هَؤُلَاءِ بِهَذَا الْفِعْلِ حَرَامٌ، وَلَوْ نُهِبَ مَتَاعٌ مَخْصُوصٌ وَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْئًا يُبَاعُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَنْهُوبُ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ، وَالْوَرَعُ لِمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي.
المتن: يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ: كَالصَّرْفِ وَالطَّعَامِ بِطَعَامٍ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٍ فَلَهُمَا الْخِيَارُ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ.
الشَّرْحُ: بَابُ الْخِيَارِ لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ شَرَعَ فِي لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ، وَالْخِيَارُ هُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إمْضَاءِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ نَقْلُ الْمِلْكِ، وَقَضِيَّةُ الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ، وَكِلَاهُمَا فَرْعُ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ فِيهِ الْخِيَارَ رِفْقًا بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَهُوَ نَوْعَانِ: خِيَارُ تَشَهٍّ، وَخِيَارُ نَقِيصَةٍ، فَخِيَارُ التَّشَهِّي مَا يَتَعَاطَاهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا وَشَهْوَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فَوَاتِ أَمْرٍ فِي الْمَبِيعِ، وَسَبَبُهُ الْمَجْلِسُ أَوْ الشَّرْطُ، وَخِيَارُ النَّقِيصَةِ سَبَبُهُ خُلْفٌ لَفْظِيٌّ أَوْ تَغْرِيرٌ فِعْلِيٌّ أَوْ قَضَاءٌ عُرْفِيٌّ، فَمِنْهُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ وَالْحَلِفِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ شَرَعَ فِي سَبَبِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " {الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ} قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَوْلُهُ أَوْ يَقُولَ مَنْصُوبٌ بِأَوْ بِتَقْدِيرِ إلَّا أَنْ أَوْ إلَى أَنْ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ فَقَالَ أَوْ يَقُلْ، وَبَيَّنَ أَنْوَاعَ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ (كَالصَّرْفِ وَ) بَيْعِ (الطَّعَامِ بِطَعَامٍ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَخَرَجَ بِصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى دَيْنٍ فَإِبْرَاءٌ أَوْ عَلَى عَيْنٍ فَهِبَةٌ، (وَلَا خِيَارَ فِيهِمَا، لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصُّلْحَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ)، وَلَا خِيَارَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهَا، وَيَتَنَاوَلُ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ مَا يُخَالِفُهُ، وَيُثْبِتُ أَيْضًا فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ طَرَفَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَكَذَا فِي الْخِيَارِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ وَرَدَ عَلَى الْغَالِبِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ صُوَرٌ لَا خِيَارَ فِيهَا: مِنْهَا الْحَوَالَةُ فَإِنَّهَا وَإِنْ جُعِلَتْ مُعَاوَضَةً لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاوَضَاتِ وَرُبَّمَا يُقَالُ: إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ فَلَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ بِدَيْنٍ، وَمِنْهَا شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ كَالْكِتَابَةِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْمُوعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ بَيْعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ يُشْبِهُ الْفِدَاءَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ. وَمِنْهَا قِسْمَتَا الْإِفْرَازِ وَالتَّعْدِيلِ سَوَاءٌ أُجْرِيَا بِإِجْبَارٍ أَمْ بِتَرَاضٍ إذَا قُلْنَا: إنَّهُمَا فِي حَالَةِ التَّرَاضِي بَيْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا الشَّرِيكُ أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا؛ وَالْإِجْبَارُ يُنَافِي الْخِيَارَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ. أَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ فَفِيهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لَا إجْبَارَ فِيهَا، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي شِرَاءِ الْجَمْدِ وَلَوْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِحَيْثُ يَنْمَاعُ بِهَا. وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ تَرَوِّي الْعَاقِدِ فِي اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ لَهُ، وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي الرِّبَوِيِّ، فَالْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَانِ، فَإِذَا قَطَعَ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَيْفَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَمَا قَالَهُ لَا يَتَأَتَّى فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَلْ فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ بَلْ الْخِيَارُ لَيْسَ مَحْصُورًا فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِخُلْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) مِنْ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ بَنَى الْخِيَارَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْمِلْكِ (فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ) عَلَى مَرْجُوحٍ (أَوْ مَوْقُوفٍ) عَلَى الْأَظْهَرِ (فَلَهُمَا الْخِيَارُ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى بِلَا مَانِعٍ (وَإِنْ قُلْنَا): الْمِلْكُ (لِلْمُشْتَرِي) عَلَى مَرْجُوحٍ (تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ) أَمَّا تَخَيُّرُ الْبَائِعِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا عَدَمُ تَخَيُّرِ الْمُشْتَرِي، فَلِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِهِ لَهُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ، وَلَا يُحْكَمَ بِعِتْقِهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْعَقْدُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، وَلَوْ شَرَطَ نَفْيَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ مَثَلًا: إذَا بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَعْتِقْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ نَافِذٌ.
المتن: وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ) وَهِيَ الَّتِي صَرَّحَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ عَنْهَا أَوْ أَطْلَقَ، وَقُلْنَا: لَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ لَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا خِيَارَ أَيْضًا فِي الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَكَذَا الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْقِرَاضِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ.
المتن: وَكَذَا ذَاتُ الثَّوَابِ
الشَّرْحُ: (وَكَذَا) الْهِبَةُ (ذَاتُ الثَّوَابِ) لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا كَذَا قَالَاهُ هُنَا، وَقَالَا فِي بَابِ الْهِبَةِ: الْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعٌ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ، وَعَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا هِبَةٌ، وَإِنْ قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقَيَّدَةَ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ بَيْعٌ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ هُنَا بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَا هُنَاكَ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُنَا، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمْ.
المتن: وَالشُّفْعَةُ
الشَّرْحُ: (وَ) كَذَا (الشُّفْعَةُ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ فِيمَا أُخِذَ بِالْقَهْرِ وَالْإِجْبَارِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُلْحَقٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ بِدَلِيلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَصَحَّحَ هَذَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَاسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ.
المتن: وَالْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالصَّدَاقُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَ) كَذَا (الْإِجَارَةُ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ، إذْ هُوَ عَقْدٌ عَلَى مَعْدُومٍ، وَالْخِيَارُ غَرَرٌ فَلَا يُضَمَّ غَرَرٌ إلَى غَرَرٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ. قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ. أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ قَطْعًا كَالسَّلَمِ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّلَمِ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْخِيَارِ اسْمُ الْبَيْعِ وَبِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ أَقْوَى. وَقِيلَ يَثْبُتُ أَيْضًا فِي الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِمُدَّةٍ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ (وَ) كَذَا (الْمُسَاقَاةُ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ كَالْإِجَارَةِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا (وَ) كَذَا (الصَّدَاقُ) لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الْخَمْسِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَوَجْهُ عَدَمِ إثْبَاتِهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ فِي النِّكَاحِ لَا مَقْصُودٌ، وَوَجْهُ إثْبَاتِهِ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ، وَمِثْلُ الصَّدَاقِ عِوَضُ الْخُلْعِ.
المتن: وَيَنْقَطِعُ بِالتَّخَايُرِ بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ لِلْآخَرِ.
الشَّرْحُ: (وَيَنْقَطِعُ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ (بِالتَّخَايُرِ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ (بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ) أَيْ الْعَقْدِ بِهَذَا اللَّفْظِ كَقَوْلِهِمَا: تَخَايَرْنَا أَوْ اخْتَرْنَا أَوْ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِمَا: أَمْضَيْنَا الْعَقْدَ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَبْطَلْنَا الْخِيَارَ أَوْ أَفْسَدْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمَا كَخِيَارِ الشَّرْطِ (فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا) لُزُومَهُ (سَقَطَ حَقُّهُ) مِنْ الْخِيَارِ (وَبَقِيَ) الْحَقُّ فِيهِ (لِلْآخَرِ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَقِيلَ: لَا يَبْقَى لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الثُّبُوتِ فَلَا يَتَبَعَّضُ فِي السُّقُوطِ. لَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاخْتَارَ الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِلْحُكْمِ بِعِتْقِ الْمَبِيعِ قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ بَهْجَتِهِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْقَائِلِ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَرْ صَاحِبُهُ لِتَضَمُّنِهِ الرِّضَا بِاللُّزُومِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا اللُّزُومَ عَنْ اخْتِيَارِهِ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْآخَرُ اللُّزُومَ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ الْإِجَازَةِ لِأَصَالَتِهَا وَتَبَايُعِهِمَا فِي الْعِوَضَيْنِ، وَلَوْ رِبَوِيَّيْنِ بَعْدَ قَبْضِهِمَا بَيْعًا ثَانِيًا إجَارَةً لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رِضًا بِلُزُومِهِ وَيَصِحُّ الثَّانِي وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ، وَلَوْ أَجَازَا فِي الرِّبَوِيِّ قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ، وَإِنْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ.
المتن: وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا، فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا، وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا خِيَارُ الْمَجْلِسِ (بِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا)، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَوْ تَبَايَعَ شَخْصَانِ مُلْتَصِقَانِ دَامَ خِيَارُهُمَا مَا لَمْ يَخْتَارَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا بَاعَ لِابْنِهِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَفَارَقَ الْمَجْلِسَ انْقَطَعَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ شَخْصٌ وَاحِدٌ. لَكِنْ أُقِيمَ مَقَامَ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الْمُلْتَصِقَيْنِ فَإِنَّهُمَا شَخْصَانِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْآخَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ لَا يَتَبَعَّضُ بِخِلَافِ التَّخَايُرِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ " إذَا ابْتَاعَ شَيْئًا فَارَقَ صَاحِبَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ " قَامَ يَمْشِي هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ ". فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ ذَلِكَ حِلُّ الْفِرَاقِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلُهُ صَاحِبُهُ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: {الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ}. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ، وَلَوْ حُمِلَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فَأُخْرِجَ مِنْ الْمَجْلِسِ مُكْرَهًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَكَذَا لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَلَوْ لَمْ يَسُدَّ فَمَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ كَلَا فِعْلٍ وَالسُّكُوتَ عَنْ الْفَسْخِ لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْمَجْلِسِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ النَّاسِيَ وَالْجَاهِلَ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا مَعَ تَسْوِيَتِهِمَا لِلْمُكْرَهِ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ. أُجِيبَ بِنِسْبَتِهِمَا لِلتَّقْصِيرِ هُنَا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ، فَإِنْ فَارَقَهُ الْإِكْرَاهُ فِي مَجْلِسٍ فَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ أَوْ مَارًّا فَحَتَّى يُفَارِقَ مَكَانَهُ الَّذِي انْقَطَعَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ. وَأَمَّا صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ إلَّا إنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ، وَلَوْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَخِيَارِ الْهَارِبِ، وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَنْ يَتْبَعَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ، وَلِأَنَّ الْهَارِبَ فَارَقَ مُخْتَارًا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ بَقِيَ خِيَارُهُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ فَفَارَقَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا مَنُوطٌ بِالتَّفَرُّقِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَاكَ مَنُوطٌ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ الْحَالِفِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا نَفْتَرِقُ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا هُنَا. أَمَّا إذَا تَبِعَهُ فَالْخِيَارُ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَبَاعَدَا كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّبَاعُدَ قَوْلُ الْبَسِيطِ: إنْ لَحِقَهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى مَسَافَةٍ يَحْصُلُ بِمِثْلِهَا الْمُفَارَقَةُ عَادَةً فَالْخِيَارُ بَاقٍ وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِلُحُوقِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا أَيْضًا مَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي مَنْ ضَبَطَهُ بِفَوْقَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَاحِدٌ (وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ) فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلَا لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ فَبِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى الصُّفَّةِ أَوْ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مُتَفَاحِشِ السَّعَةِ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ سَمَاعِ خِطَابِهِ، وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ صَغِيرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ صَغِيرٍ فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ أَوْ صُعُودِهِ السَّطْحَ، وَلَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِإِقَامَةِ سِتْرٍ وَلَوْ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ بَاقٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَاهُ أَوْ يُبْنَى بِأَمْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِالْحُصُولِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ: وَلَوْ تَنَادَيَا بِالْبَيْعِ مِنْ بَعْدُ ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ وَامْتَدَّ مَا لَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ، فَإِنْ فَارَقَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا بَطَلَ خِيَارُهُمَا، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ جِهَةَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِدَوَامِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ حُكْمُ مَا لَوْ تَبَايَعَا بِالْمُكَاتَبَةِ.
المتن: وَلَوْ مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ مَاتَ) أَحَدُهُمَا (فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ) أَيْ الْخِيَارِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (إلَى الْوَارِثِ) وَلَوْ عَامًّا (وَ) فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى (الْوَلِيِّ) مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ وَإِلَى السَّيِّدِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْمَأْذُونِ لَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ سَوَاءٌ فِيهِ عَقْدُ الرِّبَا وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَفْعَلُ عَنْهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ، وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ إنْ كَانَ مَنْ ذُكِرَ فِي الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لَهُ مَعَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ الْخِيَارُ وَامْتَدَّ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَوَصَلَهُ الْخَبَرُ امْتَدَّ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْحَيَاةِ أَوْلَى بِهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ وَفِي مَعْنَاهَا مُفَارَقَةُ الْعَقْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ وَرِثَهُ جَمَاعَةٌ حُضُورٌ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُمْ بِفِرَاقِ بَعْضِهِمْ لَهُ بَلْ يَمْتَدُّ حَتَّى يُفَارِقُوهُ كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْمُوَرِّثِ وَهُوَ لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ إلَّا بِمُفَارَقَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ غَائِبُونَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لَهُمْ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضِ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَفِي بَعْضِهَا إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَارِثُ الْغَائِبُ وَاحِدًا أَمْ مُتَعَدِّدًا، وَلَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ الْآخَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِ بَعْضِهِمْ فِي نَصِيبِهِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ، وَلَوْ أَجَازَ الْبَاقُونَ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْمُوَرِّثُ فِي الْبَعْضِ وَأَجَازَ فِي الْبَعْضِ وَلَا يَتَبَعَّضُ الْفَسْخُ لِلْإِضْرَارِ بِالْحَيِّ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُمْ ثُمَّ اطَّلَعُوا عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَفَسَخَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْفَسِخُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ، وَهُوَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْبَعْضِ فَهَلَّا كَانَ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ لِلضَّرَرِ ثَمَّ جَابِرًا وَهُوَ الْأَرْشُ وَلَا جَابِرَ لَهُ هُنَا، وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ أَوْ فَسَخَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ نَفَذَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ نُفُوذُ فَسْخِهِ دُونَ إجَازَتِهِ، وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ وَلَا كِتَابَةَ لَهُ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ: كَمَا لَوْ جُنَّ وَإِنْ أَمْكَنَتْ الْإِجَازَةُ مِنْهُ بِالتَّفَرُّقِ، وَلَيْسَ هُوَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ نَابَ عَنْهُ فِيمَا تَعَذَّرَ مِنْهُ بِالْقَوْلِ. أَمَّا إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ أَوْ كَانَ لَهُ كِتَابَةٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِطِفْلِهِ شَيْئًا فَبَلَغَ رَشِيدًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْخِيَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيَبْقَى لِلْوَلِيِّ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ، وَأَجْرَاهُمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ.
المتن: وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ أَوْ الْفَسْخِ قَبْلَهُ صُدِّقَ النَّافِي.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ) بِأَنْ جَاءَا مَعًا وَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَأَرَادَ الْفَسْخَ (أَوْ) فِي (الْفَسْخِ قَبْلَهُ) أَيْ التَّفَرُّقِ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى حُصُولِ التَّفَرُّقِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا: فَسَخْتُهُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (صُدِّقَ النَّافِي) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الِاجْتِمَاعِ وَعَدَمُ الْفَسْخِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ.
|