الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ فَقَبِلَ لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ،
الشَّرْحُ: بَابُ التَّوْلِيَةِ أَصْلُهَا تَقْلِيدُ الْعَمَلِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا يَأْتِي (وَالْإِشْرَاكُ) مَصْدَرُ أَشْرَكَهُ: أَيْ صَيَّرَهُ شَرِيكًا (وَالْمُرَابَحَةُ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَفِيهِ أَيْضًا الْمُحَاطَّةُ مِنْ الْحَطِّ وَهُوَ النَّقْصُ وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: إمَّا لِإِدْخَالِهَا فِي الْمُرَابَحَةِ كَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ رِبْحُ الْمُشْتَرِي. وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَرْجَمَ لِأَشْرَفِ الْقِسْمَيْنِ، وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ} أَيْ وَالْبَرْدَ وَأَهْمَلَ الْمُسَاوَمَةَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْجَمَةِ، فَقَالَ: إذَا (اشْتَرَى) شَخْصٌ (شَيْئًا) بِمِثْلِيٍّ (ثُمَّ قَالَ) بَعْدَ قَبْضِهِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالثَّمَنِ (لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ) قَدْرًا وَصِفَةً بِإِعْلَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِجَاهِلٍ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ) سَوَاءٌ قَالَ بِمَا اشْتَرَيْت أَمْ سَكَتَ (فَقَبِلَ) كَقَوْلِهِ: قَبِلْتُهُ أَوْ تَوَلَّيْتُهُ (لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً. أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِعِوَضٍ فَإِنَّ عَقْدَ التَّوْلِيَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا مِمَّنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعِوَضَ. نَعَمْ، لَوْ قَالَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَقَدْ أَوْلَيْتُك الْعَقْدَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ وَلَّتْ الْمَرْأَةُ فِي صَدَاقِهَا بِلَفْظِ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَهُ الرَّجُلُ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الْأَوَّلِ وَمِثْلُهَا الْبَقِيَّةَ.
المتن: وَهُوَ بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ.
الشَّرْحُ: (وَهُوَ) أَيْ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ (بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ) أَيْ فِي سَائِرِ شُرُوطِهِ كَالتَّقَابُضِ فِي الرِّبَوِيِّ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ صَادِقٌ عَلَيْهِ (وَتَرَتُّبِ) جَمِيعِ (أَحْكَامِهِ) مِنْ تَجْدِيدِ شُفْعَةٍ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا عَفَا عَنْهُ الشَّفِيعُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا بَيْعًا أَنَّ لِلْمُوَلِّي مُطَالَبَةَ الْمُتَوَلِّي بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ يَنْقَدِحُ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ حَتَّى يُطَالِبَهُ بَائِعُهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَمِنْ بَقَاءِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ لِلْمُوَلِّي وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ (لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ) عَقْدُ التَّوْلِيَةِ (إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ) بَلْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِهِ عَنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ خَاصِّيَّتَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَزِمَهُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ.
المتن: وَلَوْ حُطَّ عَنْ الْمُوَلِّي بَعْضُ الثَّمَنِ انْحَطَّ عَنْ الْمُوَلَّى.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ حُطَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ (عَنْ الْمُوَلِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ (بَعْضُ الثَّمَنِ) بَعْدَ التَّوْلِيَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (انْحَطَّ عَنْ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ خَاصِّيَّةَ التَّوْلِيَةِ التَّنْزِيلُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ حَطَّ الْبَائِعِ وَوَارِثِهِ وَوَكِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَطُّ لِلْبَعْضِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ لَمْ تَصِحَّ التَّوْلِيَةُ إلَّا بِالْبَاقِي، وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ الْكُلَّ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ وَلَوْ بَعْدَ اللُّزُومِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ لُزُومِهَا لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ لُزُومِهَا صَحَّتْ وَانْحَطَّ الثَّمَنُ عَنْ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فَخَاصِّيَّتُهَا التَّنْزِيلُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فَهِيَ فِي حَقِّ الثَّمَنِ كَالْبِنَاءِ وَفِي حَقِّ نَقْلِ الْمِلْكِ كَالِابْتِدَاءِ حَتَّى تَتَجَدَّدَ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ كَذَبَ الْمُوَلِّي فِي إخْبَارِهِ بِالثَّمَنِ فَكَالْكَذِبِ فِيهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَسَيَأْتِي. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّوْلِيَةِ بَيْنَ كَوْنِ الثَّمَنِ حَالًّا وَكَوْنُهُ مُؤَجَّلًا وَفِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَوَقَعَتْ بَعْدَ الْحُلُولِ نَظَرٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَكُونُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الثَّانِي مِنْ وَقْتِهَا وَأَنْ يُقَالَ يَكُونُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ حَالًّا، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ صِفَاتِ الثَّمَنِ، وَقَدْ شَرَطُوا الْمِثْلِيَّةَ فِي الصِّفَةِ.
المتن: وَالْإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ إنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ، فَلَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَكَانَ مُنَاصَفَةً، وَقِيلَ لَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ (وَالْإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَى (كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ تَوْلِيَةٌ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ (إنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ) بِأَنْ صَرَّحَ بِالْمُنَاصَفَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكُسُورِ لِتَعْيِينِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَشْرَكْتُك فِي النِّصْفِ كَانَ لَهُ الرُّبْعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنَ النِّصْفُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ لِمُقَابَلَتِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالرُّبْعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مُقَابَلَةٌ بِالثَّمَنِ فَنِصْفُهُ بِنِصْفِهِ.
تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي إدْخَالِهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى بَعْضٍ، وَحُكِيَ مَنْعُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ، فَإِنْ ذَكَرَ بَعْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ (فَلَوْ أَطْلَقَ) الْإِشْرَاكَ (صَحَّ) أَيْضًا (وَكَانَ) الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا (مُنَاصَفَةً) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو (وَقِيلَ لَا) يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ. فَرْعٌ: لِلشَّرِيكِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ رَدَّ هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْعَقْدِ، وَقَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْرَكْتُك فِي بَيْعِ هَذَا أَوْ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَلَا يَكْفِي أَشْرَكْتُكَ فِي هَذَا. وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَأَقَرَّهُ وَعَلَيْهِ أَشْرَكْتُك فِي هَذَا كِنَايَةً..
المتن: وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَقُولُ بِعْتُك بِمَا اشْتَرَيْتُ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ رِبْحِ الإل عِوْدَانٌ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّالِثَ فَقَالَ (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ) شَيْئًا (بِمِائَةٍ) مَثَلًا (ثُمَّ يَقُولَ) لِغَيْرِهِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِذَلِكَ (بِعْتُك) بِمِائَتَيْنِ أَوْ (بِمَا اشْتَرَيْتُ) أَيْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ) أَوْ فِي أَوْ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ (أَوْ رِبْحِ دِهْ يازده)؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ فَكَانَ كَبِعْتُكَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسَا بازده زده دوزاده، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَعَنْ إِسْحَاقَ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ، وده بِالْفَارِسِيَّةِ عَشَرَةٌ، ويازده أَحَدَ عَشَرَ: أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمٌ، وده دوزاده كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمَانِ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً غَيْرَ مَوْزُونَةٍ أَوْ حِنْطَةً مَثَلًا مُعَيَّنَةً غَيْرَ مَكِيلَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً. فَرْعٌ: لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الثَّمَنِ شَيْئًا وَيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَأَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ وَبِعْتُك بِمِائَتَيْنِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ رِبْحُ دِهْ يازده، وَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ، قِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: مَا سَبَبُ كَثْرَةِ مَالِكَ؟. قَالَ: مَا كَتَمْتُ عَيْبًا وَلَا رَدَدْتُ رِبْحًا.
المتن: وَالْمُحَاطَّةِ كَبِعْت بِمَا اشْتَرَيْتُ وَحَطِّ الإل عِوْدَانٌ وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ، وَقِيلَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَإِذَا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتَرَيْت لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الرَّابِعَ الَّذِي لَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ فَقَالَ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (الْمُحَاطَّةِ) وَيُقَالُ لَهَا الْمُوَاضَعَةُ وَالْمُخَاسَرَةُ (كَبِعْت) أَيْ كَقَوْلِ مَنْ ذَكَرَ لِغَيْرِهِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِالثَّمَنِ بِعْتُكَهُ (بِمَا اشْتَرَيْتُ) أَيْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَحَطِّ دِهْ يازده) أَوْ وَحَطِّ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ فِي أَوْ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ فَيَقْبَلُ (وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ) كَمَا أَنَّ الرِّبْحَ فِي مُرَابَحَةِ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَالثَّمَنُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ فَالثَّمَنُ مِائَةٌ (وَقِيلَ) يُحَطُّ (مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ) وَاحِدٌ كَمَا زِيدَ فِي الْمُرَابَحَةِ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ: يُحَطُّ دِرْهَمٌ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ فَالْمَحْطُوطُ الْعَاشِرُ؛ لِأَنَّ مِنْ تَقْتَضِي إخْرَاجَ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ بِخِلَافِ اللَّامِ وَفِي وَعَلَى، وَالظَّاهِرُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي الصِّحَّةُ مَعَ الرِّبْحِ وَتُحْمَلُ مِنْ عَلَى فِي أَوْ عَلَى تَجَوُّزًا، وَقَرِينَةُ التَّجَوُّزِ قَوْلُهُ: وَرِبْحِ دِرْهَمٍ إلَخْ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَإِذَا قَالَ بِعْت) لَك (بِمَا اشْتَرَيْت) أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ (لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا فِيهِ حَطٌّ عَمَّا عَقَدَ بِهِ الْعَقْدَ أَوْ زِيَادَةً عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَلَوْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ قَالَهُ الشَّيْخَانِ قُبَيْلَ الْكَلَامِ عَلَى الِاحْتِكَارِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: حَادِثَةٌ: وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ رَجُلًا بَاعَ وَلَدَهُ دَارًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ أَسْقَطَ عَنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ.. فَأُجِيبَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَسْتَمِرُّ الدَّارُ عَلَى مِلْكِ الْوَالِدِ ا هـ. وَمَا قَالُوهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَمَّا إذَا وَقَعَ الْحَطُّ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمُرَابَحَةِ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْحَطُّ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا، فَإِنْ حَطَّ الْكُلَّ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِقَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ، وَيَجُوزُ بِلَفْظِ اشْتَرَيْتُ، وَإِنْ حَطَّ الْبَعْضَ أُجِيزَ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ، وَلَا يَجُوزُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ إلَّا بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَحْطُوطِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةُ الصِّبْغِ وَسَائِرُ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ): بِعْتُك (بِمَا قَامَ عَلَيَّ دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ) لِلثَّمَنِ الْمَكِيلِ (وَالدَّلَّالِ) لِلثَّمَنِ الْمُنَادَى عَلَيْهِ: أَيْ إنْ اشْتَرَى بِهِ الْمَبِيعَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَطْلَبِ (وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ) بِالْمَدِّ مِنْ رَفَأْتُ الثَّوْبَ بِالْهَمْزِ، وَرُبَّمَا قِيلَ بِالْوَاوِ (وَالصَّبَّاغِ) لِلْمَبِيعِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (وَقِيمَةُ الصِّبْغِ) لَهُ (وَسَائِرُ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ) كَأُجْرَةِ الْمَكَانِ، وَأُجْرَةِ الْخِتَانِ فِي الرَّقِيقِ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إذَا اشْتَرَاهُ مَرِيضًا، وَأُجْرَةِ تَطْيِينِ الدَّارِ، وَعَلَفِ تَسْمِينٍ، وَكَذَا الْمَكْسُ الْمَأْخُوذُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ التِّجَارَةِ. أَمَّا الْمُؤَنُ الْمَقْصُودَةُ لِلْبَقَاءِ كَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتِهِ، وَعَلَفِ الدَّابَّةِ غَيْرِ الزَّائِدِ لِلتَّسْمِينِ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إذَا حَدَثَ الْمَرَضُ فَلَا تُحْسَبُ، وَيَقَعُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْمَبِيعِ، وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ فَفَدَاهُ أَوْ غُصِبَ فَبَذَلَ مُؤْنَةً فِي اسْتِرْدَادِهِ لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ.. إلَخْ أَنَّ مُطْلَقَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ، وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ ثَبَتَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ تَصْوِيرَ أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ، فَإِنَّهُمَا عَلَى الْبَائِعِ، وَصَوَّرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَصُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ بِأَنْ يَتَرَدَّدَ فِي صِحَّةِ مَا اكْتَالَهُ الْبَائِعُ فَيَسْتَأْجِرُ مَنْ يَكْتَالُهُ ثَانِيًا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ نَقْصٌ، وَصَوَّرَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جِزَافًا ثُمَّ كَالَهُ بِأُجْرَةٍ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ تَوَقُّفٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَعَ غَيْرِهِ صُبْرَةً ثُمَّ يَقْتَسِمَاهَا كَيْلًا، فَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ عَلَيْهِمَا.
المتن: وَلَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ، وَلْيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ) أَوْ طَيَّنَ (أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ) مَعَ الثَّمَنِ فِي قَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَمَا تَطَوَّعَ بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَامَ عَلَيْهِ مَا بَذَلَهُ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا أَوْ أُجْرَةُ عَمَلِي أَوْ عَمَلِ الْمُتَطَوِّعِ عَنِّي وَهِيَ كَذَا أَوْ رِبْحُ كَذَا، وَفِي مَعْنَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ أُجْرَةٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِمِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمُكْتَرًى، وَعَمَلُ غُلَامِهِ كَعَمَلِهِ، وَلَوْ صَبَغَهُ بِنَفْسِهِ حُسِبَتْ قِيمَةُ الصِّبْغِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ، وَمِثْلُهُ ثَمَنُ الصَّابُونِ فِي الْقِصَارَةِ (وَلْيُعْلِمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (ثَمَنَهُ) أَيْ الْمَبِيعِ وُجُوبًا فِي نَحْوِ بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ (أَوْ مَا قَامَ بِهِ) فِي نَحْوِ بِعْتُ بِمَا قَامَ عَلَيَّ (فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ. وَالثَّالِثُ: إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي قَدْرَ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا.
المتن: وَلْيُصَدَّقْ الْبَائِعَ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَالْأَجَلِ
الشَّرْحُ: (وَلْيُصَدَّقْ الْبَائِعَ) وُجُوبًا (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَفِي صِفَتِهِ كَصِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَخُلُوصٍ وَغِشٍّ (وَ) فِي (الْأَجَلِ)؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَمَانَةِ لِاعْتِمَادِ الْمُشْتَرِي نَظَرَ الْبَائِعِ وَرِضَاهُ لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ مَعَ زِيَادَةٍ أَوْ حَطٍّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ " قَدْرَ " لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ قَدْرِ الْأَجَلِ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا إنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ، وَلَوْ وَاطَأَ صَاحِبَهُ فَبَاعَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعِشْرِينَ لِيُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ كُرِهَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَالْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْقَائِلُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَمْ يَقُلْ بِالْكَرَاهَةِ بَلْ بِالتَّحْرِيمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ يَجِبُ إظْهَارُهُ كَالْعَيْبِ. قَالَ وَعَلَيْهِ فَفِي جَزْمِ النَّوَوِيِّ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ تَقْوِيَةِ الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ نَظَرٌ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمِائَةٍ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَاشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ وَجَبَ الْإِخْبَارُ بِالْخَمْسِينَ.
المتن: وَالشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ
الشَّرْحُ: (وَ) يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي (الشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ) فَيَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ كَذَا، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْعَرْضِ يُشَدِّدُ فَوْقُ مَا يُشَدِّدُ الْبَائِعُ بِالنَّقْدِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَمْ بِلَفْظِ الْقِيَامِ كَمَا قَالَاهُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ غَلَطٌ، وَإِنَّ الصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِلَفْظِ الْقِيَامِ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ.
المتن: وَبَيَانُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ.
الشَّرْحُ: (وَ) فِي (بَيَانِ الْعَيْبِ) الْقَدِيمِ (الْحَادِثِ عِنْدَهُ) بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَادِثَ يَنْقُصُ بِهِ الْمَبِيعُ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ تَبْيِينُ الْعَيْبِ فَقَطْ لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ كَذَلِكَ وَأَنَّ الثَّمَنَ الْمَبْذُولَ كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَعَ الْعَيْبِ، وَلَوْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ بَيَانُهُ أَيْضًا وَبَيَانُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ طِفْلِهِ أَوْ بِدَيْنِ مُمَاطِلٍ أَوْ مُعْسِرٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْبٍ وَبَاعَ بِلَفْظِ قَامَ عَلَيَّ حَطَّ الْأَرْشَ أَوْ بِلَفْظِ مَا اشْتَرَيْت ذَكَرَ صُورَةَ مَا جَرَى بِهِ الْعَقْدُ مَعَ الْعَيْبِ وَأَخْذِ الْأَرْشَ، لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَ الْأَرْشَ عَنْ جِنَايَةٍ: كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ الرَّقِيقِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَنَقَصَ ثَلَاثِينَ مَثَلًا وَأَخَذَ مِنْ الْجَانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ خَمْسِينَ، فَالْمَحْطُوطُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ إنْ بَاعَ بِلَفْظِ قَامَ عَلَيَّ، فَإِنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ كَسِتِّينَ حَطَّ مَا أَخَذَ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ أَخْبَرَ مَعَ إخْبَارِهِ بِقِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ بِلَفْظِ مَا اشْتَرَيْتُ ذَكَرَ الثَّمَنَ وَالْجِنَايَةَ.
المتن: فَلَوْ قَالَ بِمِائَةٍ فَبَانَ بِتِسْعِينَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ قَالَ) اشْتَرَيْته (بِمِائَةٍ) وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً (فَبَانَ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ (بِتِسْعِينَ) بِإِقْرَارِهِ أَوْ حُجَّةٍ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا)؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِاعْتِمَادِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَتَحُطُّ الزِّيَادَةَ عَنْهُ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ إذَا أَخَذْت بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِي وَكَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا بِمَا بَقِيَ. وَالثَّانِي: لَا يُحَطُّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سُمِّيَ عِوَضًا وَعَقَدَ بِهِ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَالتَّغْرِيرُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَمَا لَوْ رَوَّجَ عَلَيْهِ مَعِيبًا (وَ) الْأَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى الْحَطِّ (أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي) وَلَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَمْ تَالِفًا، فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الْمُشْتَرِي لَشَمِلَهُمَا. أَمَّا الْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالْأَكْثَرِ فَبِالْأَقَلِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِتَدْلِيسِهِ. وَالثَّانِي يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْبَائِعِ، وَقِيلَ: قَوْلٌ. أَمَّا الْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِإِبْرَارِ قَسَمٍ أَوْ إنْفَاذِ وَصِيَّةٍ. وَأَمَّا الْبَائِعُ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا سَمَّاهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْأَجَلَ أَوْ الْعَيْبَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَدْلِيسِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا سُقُوطَ فِي غَيْرِ الْكَذِبِ، وَيَنْدَفِعُ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِالسُّقُوطِ وَهُوَ حَطُّ التَّفَاوُتِ.
المتن: وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مِائَةٌ وَعَشَرَةً وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحّ. قُلْت: الْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) غَلِطَ الْبَائِعُ فَنَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ كَأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً ثُمَّ (زَعَمَ أَنَّهُ) أَيْ: الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ (مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ) مَثَلًا (وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) فِي ذَلِكَ (لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) الْوَاقِعُ بَيْنَهُمَا مُرَابَحَةً (فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ مَزِيدًا فِيهِ الْعَشَرَةُ الْمَتْبُوعَةُ بِرِبْحِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ. وَأَمَّا النَّقْصُ فَهُوَ مَعْهُودٌ بِدَلِيلِ الْأَرْشِ (قُلْت: الْأَصَحُّ صِحَّتُهُ) كَمَا لَوْ غَلِطَ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ، وَلَا تَثْبُتُ الْعَشَرَةُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ).
المتن: وَإِنْ كَذَّبَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْغَلَطِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ بَيَّنَ فَلَهُ التَّحْلِيفُ، وَالْأَصَحُّ سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ.
الشَّرْحُ: وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ مُشْكِلَةٌ حَيْثُ رَاعَى هُنَا الْمُسَمَّى وَهُنَاكَ الْعَقْدَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ هُنَاكَ نَقَصَ حَقُّهُ، فَنَزَلَ الثَّمَنُ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُنَا يَزِيدُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَذَّبَهُ) أَيْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي (وَلَمْ يُبَيِّنْ) أَيْ الْبَائِعُ (لِلْغَلَطِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ (وَلَا بَيِّنَتُهُ) إنْ أَقَامَهَا عَلَيْهِ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِقَوْلِهِ: الْأَوَّلُ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ عِنْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا كَمَا لَا تُسْمِعُ بَيِّنَتُهُ، وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ حَلَفَ أَمْضَى الْعَقْدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، فَيَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ ثَمَنَهُ الْمِائَةُ وَالْعَشَرَةُ. قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ الْخِيَارُ: أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِثُبُوتِ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَقَالَ الشَّيْخَانِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِنَا أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَنْ يَعُودَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا حَالَةَ التَّصْدِيقِ: أَيْ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: إنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، قَالَ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ غَيْرَ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيَّ أَوْرَدُوا أَنَّهُ كَالتَّصْدِيقِ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ كَذَا أَطْلَقُوهُ إلَخْ مَا فَائِدَتُهُ مَعَ أَنَّا وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهَا كَالْبَيِّنَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا حُكْمَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيُحِيلَا عَلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا بَحَثَاهُ جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا لَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَّا فِيمَا إذَا بَيَّنَ لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الْمُتَقَدِّمِ (وَإِنْ بَيَّنَ) لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا، كَقَوْلِهِ جَاءَنِي كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِكَذَا فَبَانَ كَذِبًا عَلَيْهِ أَوْ تَبَيَّنَ لِي بِمُرَاجَعَةِ جَرِيدَتِي أَنِّي غَلِطْت مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ إلَى غَيْرِهِ (فَلَهُ التَّحْلِيفُ) كَمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يُحَرِّكُ ظَنَّ صِدْقِهِ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى التَّحْلِيفِ (سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ) الَّتِي يُقِيمُهَا بِأَنَّ الثَّمَنَ مَا ذَكَرَهُ، وَالثَّانِي: لَا لِتَكْذِيبِهِ لَهَا. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ اتَّهَبَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ ذَكَرَهُ وَبَاعَ بِهِ مُرَابَحَةً أَوْ اتَّهَبَهُ بِلَا عِوَضٍ أَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَ الْقِيمَةَ وَبَاعَ بِهَا مُرَابَحَةً، وَلَا يَبِيعُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ وَلَا الشِّرَاءِ وَلَا رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي عَبْدٍ هُوَ أُجْرَةٌ أَوْ عِوَضُ خُلْعٍ أَوْ نِكَاحٌ أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ بِذِكْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَهْرِهِ فِي الْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالدِّيَةِ فِي الصُّلْحِ، وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْتُ وَلَا رَأْسَ الْمَالِ كَذَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَالدَّرَاهِمُ فِي قَوْلِهِ: اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا أَوْ بِعْتُكَهُ بِهِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ يَكُونُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَمْ لَا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ عَيَّنَّا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عُمِلَ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ.
المتن: قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ السَّاحَةَ أَوْ الْبُقْعَةَ وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ.
الشَّرْحُ: بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ: الْأُصُولُ وَالشَّجَرُ وَالْأَرْضُ وَالثِّمَارُ جَمْعُ ثَمَرٍ، وَهُوَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: أَخَذَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مِنْ التَّنْبِيهِ وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: ذَكَرَهَا مَنْصُورٌ التَّمِيمِيُّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ تَرْجَمَتَيْ بَابَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ: أَحَدُهُمَا بَابُ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ، وَالْآخَرُ بَابُ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُتَنَاوَلَ غَيْرُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ: الْأَرْضُ أَوْ نَحْوُهَا، فَإِذَا (قَالَ بِعْتُك) أَوْ رَهَنْتُك (هَذِهِ الْأَرْضَ) أَوْ الْعَرْصَةَ (أَوْ السَّاحَةَ) وَهِيَ الْفَضَاءُ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ (أَوْ الْبُقْعَةَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ) فَإِنْ بَاعَهَا أَوْ رَهَنَهَا بِمَا فِيهَا مِنْ أَشْجَارٍ وَأَبْنِيَةٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا، وَلَوْ بِقَوْلِهِ: بِعْتُك أَوْ رَهَنْتُك الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا أَوْ عَلَيْهَا أَوْ بِهَا أَوْ بِحُقُوقِهَا، وَفِي قَوْلِهِ: بِحُقُوقِهَا وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الرَّهْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ حُقُوقَ الْأَرْضِ إنَّمَا تَقَعُ عَلَى الْمَمَرِّ وَمَجْرَى الْمَاءِ إلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَثْنَاهَا: كَبِعْتُكَ أَوْ رَهَنْتُكَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا، وَإِنْ أَطْلَقَ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ) الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ الرَّطْبُ (فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِيهِمَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِمَا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ مُسَمَّى الْأَرْضِ، وَحَمَلَ نَصَّهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا، وَالثَّالِثُ: فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّصِّ وَالتَّخْرِيجِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لِلدَّوَامِ فَأَشْبَهَا أَجْزَاءَ الْأَرْضِ، وَلِهَذَا يُلْحَقَانِ بِهَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ نَحْوِ هِبَةٍ: كَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ كَالْبَيْعِ، وَمَا لَا يَنْقُلُهُ مِنْ نَحْوِ عَارِيَّةٍ: كَإِقْرَارٍ كَالرَّهْنِ. أَمَّا الشَّجَرُ الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَتَنَاوَلُ غُصْنَهُ الْيَابِسَ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ وَتِدٍ وَنَحْوَهُ فَيَكُونُ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ فِيهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مُثْبَتًا فَصَارَ كَجُزْئِهَا بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ، وَلِهَذَا لَوْ عُرِّشَ عَلَيْهَا عَرِيشٌ نَحْوَ عِنَبٍ أَوْ جُعِلَتْ دِعَامَةً لِجِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ صَارَتْ كَالْوَتِدِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَعَدَّ الْبَغَوِيّ شَجَرَ الْمَوْزِ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَشِرْبُهَا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ نَصِيبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حَتَّى يَشْرُطَهُ، كَأَنْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَرْضِ. أَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعٍ أَوْ غِرَاسٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ.
تَنْبِيهٌ: دُخُولُ الْفَاءِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْمَذْهَبُ مُعْتَرَضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ شَرْطٌ وَلَا مَا يَقْتَضِي الرَّبْطَ، وَلِذَا قُدِّرَتْ فِي كَلَامِهِ فَإِذَا، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِهِ.
المتن: وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى سَنَتَيْنِ كَالْقَتِّ وَالْهُنْدَبَا كَالشَّجَرِ، وَلَا يَدْخُلُ مَا يُؤْخَذُ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ.
الشَّرْحُ: (وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى) فِي الْأَرْضِ (سَنَتَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ بَلْ أَوْ أَقَلَّ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَيُجَزُّ مَا ذُكِرَ مِرَارًا (كَالْقَتِّ) وَهُوَ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ عَلَفُ الْبَهَائِمِ، وَيُسَمَّى الْقُرْطُ وَالرَّطْبَةُ وَالْفِصْفِصَةُ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ (وَالْهُنْدَبَا) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْقَضْبِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَالْكُرَّاثِ وَالْكُرْفُسِ وَالنَّعْنَاعِ أَوْ تُؤْخَذُ ثَمَرَتُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالنَّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْقُطْنِ الْحِجَازِيِّ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ (كَالشَّجَرِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِلثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَالثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَكَذَا الْجِزَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَا يُجَزُّ مِرَارًا لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْكَامِنَةِ لِكَوْنِهَا كَالْجُزْءِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالْجِزَّةِ غَيْرِ الْمَوْجُودَةِ فَيَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَعَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْجِزَّةِ يُشْتَرَطُ عَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ أَوَانَ الْجَزِّ لِئَلَّا تَزِيدَ فَيُشْتَبَهَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَكَالْجِزَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاعْتِبَارُ كَثِيرِينَ وُجُوبَ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَرْطٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إلَّا الْقَصَبَ: أَيْ الْفَارِسِيَّ فَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِمَا ضَبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ فَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ حَتَّى يَكُونَ قَدْرًا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَشَجَرَ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ كَالْقَصَبِ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ الْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِانْتِفَاعُ فِي الْكُلِّ أَوْ لَا يُعْتَبَرَ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْبَائِعِ قَطْعَ مَا اسْتَثْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُرَادُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا بُعْدَ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْقَطْعِ حَالًا لِمَعْنًى بَلْ قَدْ عَهِدَ تَخَلُّفَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا يَدْخُلُ) فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَوْ قَالَ بِحُقُوقِهَا كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ (مَا يُؤْخَذُ) بِقَلْعٍ أَوْ قَطْعٍ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً (كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الزُّرُوعِ) كَالْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَقُطْنِ خُرَاسَانَ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلدَّوَامِ، فَأَشْبَهَ مَنْقُولَاتِ الدَّارِ.
تَنْبِيهٌ: عَدَّ الشَّيْخَانِ مِمَّا يُؤْخَذُ دَفْعَةً السِّلْقَ بِكَسْرِ السِّينِ وَاعْتَرَضَهُمَا جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا. وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ مَا أَرَادَهُ الشَّيْخَانِ، وَنَوْعٌ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ وَأَكْثَرِ بِلَادِ الشَّامِ.
المتن: وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْبَذْرُ كَالزَّرْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرَيْ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ.
الشَّرْحُ: (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ) قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الزَّرْعُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي، تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي: أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ حَائِلَةٌ. أَمَّا الزَّرْعُ الَّذِي يَدْخُلُ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِلَا خِلَافٍ، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ) أَيْ الزَّرْعَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ بِأَنْ كَانَ قَدْ رَآهَا قَبْلَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ لَمْ يَسْتُرْهَا الزَّرْعُ: أَيْ كَأَنْ رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ إذَا رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ لَا خِيَارَ لَهُ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ جَهِلَ كَوْنَهُ بَاقِيًا إلَى الشِّرَاءِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ رَأَى الزَّرْعَ وَلَهُ الْخِيَارُ؟. نَعَمْ إنْ تَرَكَهُ لَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِتَمْلِيكٍ أَوْ قَصُرَ زَمَنُ التَّفْرِيغِ سَقَطَ خِيَارُهُ. أَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ. نَعَمْ إنْ ظَهَرَ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْحَصَادِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَلَهُ الْخِيَارُ (وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ) الْمَذْكُورُ (دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ. وَالثَّانِي: يُمْنَعُ كَمَا تُمْنَعُ الْأَمْتِعَةُ الْمَشْحُونِ بِهَا الدَّارُ مِنْ قَبْضِهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ (وَالْبَذْرُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (كَالزَّرْعِ) فَالْبَذْرُ الَّذِي لَا ثَبَاتَ لِنَبَاتِهِ، وَيُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ، وَمِثْلُهُ الْقَلْعُ فِيمَا يُقْلَعُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ وَتَضَرَّرَ بِهِ وَصَحَّ قَبْضُهَا مَشْغُولَةً بِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَهُ الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ، وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفْرِغُ الْأَرْضَ وَأَمْكَنَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَضُرَّ سَقَطَ خِيَارُهُ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ كَنَوَى النَّخْلِ وَبَزْرِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَالشَّجَرِ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ) قَالَ الشَّارِحُ: الَّذِي جَهِلَهُ وَأَجَازَ كَمَا لَا أَرْشَ فِي الْإِجَازَةِ بِالْعَيْبِ ا هـ. وَلِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ رَضِيَ بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ، وَالثَّانِي: لَهُ الْأُجْرَةُ. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَعْقُودِ لَهُ: أَيْ فَلَيْسَتْ كَالْعَيْبِ. أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ جَزْمًا، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ، وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ) بِهَا (لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ) عَنْهَا: أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَبُرٍّ لَمْ يُرَ: كَأَنْ يَكُونَ فِي سُنْبُلِهِ أَوْ كَانَ مَسْتُورًا بِالْأَرْضِ كَالْفُجْلِ وَالْبَذْرِ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ هُوَ مَا لَمْ يَرَهُ أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْجَمِيعِ) جَزْمًا لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذَّرَ التَّوْزِيعُ. نَعَمْ إنْ دَخَلَ فِيهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ كَانَ دَائِمَ الثَّبَاتِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ فَرَضُوهُ فِي الْبَذْرِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ إذَا لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ حَمْلِهَا؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَحَقَّقِ الْوُجُودِ بِخِلَافٍ مَا هُنَا، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَمْلِ (وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا كَالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي: الصِّحَّةُ فِيهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ الْبَذْرَ بَعْدَ صِفَةِ الزَّرْعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكِتَابِ. قِيلَ: لِتَعُودَ الصِّفَةُ إلَيْهِ أَيْضًا فَيَخْرُجَ بِهَا مَا رُئِيَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ فِي الدَّقَائِقِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْبَذْرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ لَا يُفْرَدَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ إفْرَادُ الضَّمِيرِ وَالزَّرْعُ الَّذِي يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَالْقَصِيلِ الَّذِي لَمْ يُسَنْبِلْ أَوْ سَنْبَلَ وَثَمَرَتُهُ ظَاهِرَةٌ كَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ.
المتن: وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا، دُونَ الْمَدْفُونَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا، وَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ.
الشَّرْحُ: (وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ) أَوْ الْمُثْبَتَةُ (فِيهَا)؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُقْصَدُ لِذَلِكَ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ (دُونَ الْمَدْفُونَةِ) فِيهَا كَالْكُنُوزِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهَا كَبَيْعِ دَارٍ فِيهَا أَمْتِعَةٌ (وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ) الْحَالَ وَلَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا. نَعَمْ إنْ جَهِلَ ضَرَرَهَا وَكَانَ لَا يَزُولُ بِالْقَلْعِ أَوْ تَتَعَطَّلُ بِهِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ) الْقَلْعُ وَ (النَّقْلُ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَلِلْبَائِعِ التَّفْرِيغُ أَيْضًا وَإِنْ ضَرَّ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ حُفَرِ الْأَرْضِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: بِأَنْ يُعِيدَ التُّرَابَ الْمُزَالَ بِالْقَلْعِ مِنْ فَوْقِ الْحِجَارَةِ مَكَانَهُ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَوِّ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُسَوِّيهَا بِتُرَابٍ آخَرَ مِنْ مَكَان خَارِجٍ أَوْ مِمَّا فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ إيجَابَ عَيْنٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ، وَفِي الثَّانِي تَغْيِيرُ الْمَبِيعِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَتْ (وَكَذَا) لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي (إنْ جَهِلَ) الْحَالَ (وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا) بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِهِ وَلَمْ يُحْوِج النَّقْلُ وَالتَّسْوِيَةُ إلَى مُدَّةِ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ ضَرَّ) قَلْعُهَا بِأَنْ نَقَصَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ أَحْوَجَ التَّفْرِيغُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (فَلَهُ الْخِيَارُ) ضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَغْرَمُ لَكَ الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ لِلْمِنَّةِ، فَلَوْ تَرَكَ لَهُ الْحِجَارَةَ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ الْمُشْتَرِي سَقَطَ خِيَارُهُ. فَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنَّةٌ أَيْضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِنَّةِ الَّتِي فِيهَا حَصَلَتْ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٍ بِالْمَبِيعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ بِخِلَافِهَا فِي ذَلِكَ، وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَيَعُودُ بِرُجُوعِهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي. نَعَمْ لَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَاجْتَمَعَتْ شُرُوطُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ فِيهَا، فَإِنْ فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ فَهُوَ إعْرَاضٌ كَالتَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ بَقِيَ الْعُمُومُ (فَإِنْ أَجَازَ) حَيْثُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (لَزِمَ الْبَائِعَ) الْقَلْعُ وَ (النَّقْلُ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي (وَ) لَزِمَهُ (تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) كَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ أَنَقَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ، فَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَفِيهِ مَا سَبَقَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ ضَرَرَ التَّرْكِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَاسْتَدْرَكَ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْمَعُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَتْرُكُهَا لَهُ، وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بِأَنَّ طَمَعَهُ فِي تَرْكِهَا لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَلَا يُقَاسُ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ فِيمَا لَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا دُونَ تَرْكِهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ جَاهِلٌ بِهَا وَهُنَا عَالِمٌ بِهَا.
المتن: وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ.
الشَّرْحُ: (وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ) إذَا نَقَلَ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ) حَيْثُ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ الْمُفَوِّتَ لِلْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ جِنَايَةٍ مِنْ الْبَائِعِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ [ كَالْآفَةِ. وَالثَّانِي: تَجِبُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ]. وَالثَّالِثَ: لَا تَجِبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ إجَازَةَ الْمُشْتَرِي رِضًا بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ النَّقْلِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا قَالَا فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ فِيمَا لَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ عَيْبٌ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَوْ بَاعَ الْبَائِعُ الْأَحْجَارَ بِطَرِيقِهِ فَهَلْ يَحِلُّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّ الْبَائِعِ أَوْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْبَائِعِ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي ا هـ. وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُخَيِّرْ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّفْرِيغِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ.
تَنْبِيهٌ: هَلْ تَجِبُ أُجْرَةُ مُدَّةِ تَفْرِيغِ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ كَمُدَّةِ تَفْرِيغِهَا مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: نَعَمْ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْأَرْضِ غَرْسًا وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ عَلِمَ بِهَا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ، وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ نَقْصًا حَدَثَ بِالْقَلْعِ فِي الْغِرَاسِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ اخْتَصَّ النَّقْصُ الْمَذْكُورُ بِالْغِرَاسِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّ الْغِرَاسَ عَيْبٌ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَقَدْ حَدَثَ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ قَلْعُ الْغِرَاسِ وَالْفَسْخُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْغَرْسِ وَقَلْعِ الْمَغْرُوسِ نَقْصٌ فِي الْأَرْضِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ الْأَرْشَ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْغَرْسُ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ أَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِأَحَدِهِمَا تُرِكَ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ، وَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ، وَإِذَا قَلَعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ الْحَصَادِ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ..
المتن: وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ، وَكَذَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّانِي وَهُوَ الْبُسْتَانُ، فَقَالَ: (وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ) وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَجَمْعُهُ بَسَاتِينُ. وَالْبَاغُ، وَهُوَ الْبُسْتَانُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَالْكَرْمُ وَالْحَدِيقَةُ وَالْجُنَيْنَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ) الْمُحِيطَةُ بِهَا لِدُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الْبُسْتَانِ، بَلْ لَا يُسَمَّى بُسْتَانًا بِدُونِ حَائِطٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا) يَدْخُلُ (الْبِنَاءُ) الَّذِي فِيهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ، وَقِيلَ فِي دُخُولِهِ قَوْلَانِ، وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي دُخُولِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَيُدْخَلُ عَرِيشٌ تُوضَعُ عَلَيْهِ قُضْبَانُ الْعِنَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَزَارِعُ الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ الْبُسْتَانَ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جَمِيعًا، أَوْ هَذِهِ الْحَائِطَ الْبُسْتَانَ، أَوْ هَذِهِ الْمَحُوطَةُ دَخَلَ الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وَمَا فِيهِ مِنْ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ.
المتن: وَفِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّورُ، لَا الْمَزَارِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّالِثَ وَهُوَ الْقَرْيَةُ وَنَحْوُهَا، فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَبْنِيَةُ) مِنْ سُورٍ وَغَيْرِهِ (وَسَاحَاتٍ) وَأَشْجَارٍ (يُحِيطُ بِهَا السُّورُ) بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْهُ (لَا الْمَزَارِعُ) وَالْأَشْجَارُ الَّتِي حَوْلَهَا فَلَا تَدْخُلُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْقَرْيَةَ بِدُخُولِهَا، وَالثَّانِي: تَدْخُلُ، وَالثَّالِثُ: إنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَتْ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ دَخَلَ مَا اخْتَلَطَ بِبِنَائِهَا مِنْ الْمَسَاكِنِ وَالْأَبْنِيَةِ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَبْنِيَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ السُّورِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَرِيمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِدُخُولِ حَرِيمِ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دُخُولِ السُّورِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ اسْمِهَا وَحَيْثُ دَخَلَ السُّورُ دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ الَّتِي مِنْ دَاخِلِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِثْلُ الْقَرْيَةِ فِيمَا مَرَّ الدَّسْكَرَةُ، وَتُقَالُ لِقَصْرٍ حَوْلَهُ بُيُوتٌ، وَلِلْقَرْيَةِ وَالْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ وَالصَّوْمَعَةِ وَلِبُيُوتِ الْأَعَاجِمِ يَكُونُ فِيهَا الشَّرَابُ وَالْمَلَاهِي.
المتن: وَفِي بَيْعِ الدَّارِ الْأَرْضُ، وَكُلُّ بِنَاءٍ حَتَّى حَمَّامُهَا، لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ وَالسَّرِيرِ، وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا وَالْإِجَّانَاتُ وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ الْمُسَمَّرَانِ، وَكَذَا الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْأَعْلَى وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الرَّابِعَ وَهُوَ الدَّارُ فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الدَّارِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَرْضُ) إجْمَاعًا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً أَوْ مُحْتَكَرَةً لَمْ تَدْخُلْ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ (وَكُلُّ بِنَاءٍ) مِنْ عُلْوٍ وَسُفْلٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ، وَتَدْخُلُ الْأَجْنِحَةُ وَالرَّوَاشِنُ وَالدَّرَجُ وَالْمَرَاقِي الْمَعْقُودَةُ وَالسَّقْفُ وَالْآجُرُّ وَالْبَلَاطُ الْمَفْرُوشُ الثَّابِتُ فِي الْأَرْضِ (حَتَّى حَمَّامُهَا) الْمُثْبَتُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا. وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ حَمَّامَهَا لَا يَدْخُلُ، وَحَمَلَهُ الرَّبِيعُ عَلَى حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ، وَهِيَ بُيُوتٌ مِنْ خَشَبٍ تُنْقَلُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ حَمَّامُهَا مَرْفُوعٌ، قِيلَ: لِأَنَّ حَتَّى عَاطِفَةٌ كَالْوَاوِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ ذَكَرَ أَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ يَخْتَصُّ بِالْوَاوِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَائِيَّةً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أَيْ يَدْخُلُ، وَيَدْخُلُ شَجَرٌ رَطْبٌ مَغْرُوسٌ فِيهَا أَمَّا الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَتَدْخُلُ حَرِيمُهَا بِشَجَرِهِ الرَّطْبِ إنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ فَلَا حَرِيمَ لَهَا (لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ) بِإِسْكَانِ الْكَافِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا (وَالسَّرِيرِ) غَيْرِ الْمُسَمَّرِ وَالدَّفِينِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ (وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَغَلَقُهَا الْمُثْبَتُ وَالْخَوَابِي وَمَعَاجِنُ الْخَبَّازِينَ وَخَشَبُ الْقَصَّارِينَ (وَالْإِجَّانَاتُ) الْمُثْبَتَةُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مَا يُغْسَلُ فِيهَا (وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (الْمُسَمَّرَانِ) وَمِثْلُ التَّسْمِيرِ التَّطْيِينُ (وَكَذَا) يَدْخُلُ (الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ) لِثَبَاتِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَإِنَّمَا أُثْبِتَ لِسُهُولَةِ الِارْتِفَاقِ بِهِ كَيْ لَا يَتَزَحْزَحَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ (وَ) يَدْخُلُ (الْأَعْلَى) أَيْضًا مِنْ الْحَجَرَيْنِ (وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ: مَا يُغْلَقُ بِهِ الْبَابُ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِشَيْءٍ مُثْبَتٍ بِخِلَافِ مِفْتَاحِ الْقُفْلِ، فَإِنَّ الْقُفْلَ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُثْبَتٍ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ الْأَسْفَلِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَالْمِنْهَاجِ، وَأَسْقَطَ مِنْهُ تَقْيِيدَ الْإِجَّانَاتِ بِالْمُثْبَتَةِ وَحِكَايَةُ وَجْهٍ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا وَلَفْظُ الْمُحَرَّرِ، وَكَذَا الْإِجَّانَاتُ وَالرُّفُوفُ الْمُثْبَتَةُ وَالسَّلَالِمُ الْمُسَمَّرَةُ وَالتَّحْتَانِيُّ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّقْيِيدَ وَحِكَايَةَ الْخِلَافِ لِمَا وَلِيَاهُ فَقَطْ، وَتَدْخُلُ أَلْوَاحُ الدَّكَاكِينِ وَكُلُّ مُنْفَصِلٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ نَفْعٌ مُتَّصِلٌ كَرَأْسِ التَّنُّورِ وَصُنْدُوقِ الْبِئْرِ وَالطَّاحُونِ وَآلَاتِ السَّفِينَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُقَيِّدُوا أَلْوَاحَ الدَّكَاكِينِ بِالْمَنْصُوبَةِ كَمَا فَعَلُوا فِي بَابِ الدَّارِ لِمَاذَا؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي انْفِصَالِ أَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ بِخِلَافِ بَابِ الدَّارِ. فَرْعٌ: لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا إذَا كَانَ بِهَا بِئْرُ مَاءٍ مَاءُ الْبِئْرِ الْحَاصِلُ حَالَةَ الْبَيْعِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَمَاءُ الصِّهْرِيجِ، فَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ دُخُولَهُ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ دُخُولِهِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَاءِ الصِّهْرِيجِ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا الظَّاهِرَةُ كَالْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَالْكِبْرِيتِ، فَحُكْمُ الظَّاهِرِ كَالْمَاءِ الْحَاصِلِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا ذُكِرَ وَلَا تَدْخُلُ هِيَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهَا.
المتن: وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا، وَكَذَا ثِيَابُ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ قُلْت: الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الْخَامِسِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا) وَبَرَّتُهَا، وَهِيَ حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِهَا إنْ لَمْ يَكُونَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلَانِ لِلْعُرْفِ فِيهِمَا وَلِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهَا حِينَئِذٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْعَذَارُ وَالْمِقْوَدُ وَاللِّجَامُ وَالسَّرْجُ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ (وَكَذَا) تَدْخُلُ (ثِيَابُ الْعَبْدِ) الَّتِي عَلَيْهِ (فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِلْعُرْفِ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ) فِي بَيْعِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلَوْ كَانَتْ سَاتِرَةَ الْعَوْرَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ الَّذِي فِي أُذُنِ الرَّقِيقِ، وَلَا الْخَاتَمُ الَّذِي فِي يَدِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَجَعَلُوا الْمَدَاسَ كَذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالثِّيَابِ.
المتن:
فَرْعٌ: بَاعَ شَجَرَةً دَخَلَ عُرُوقُهَا وَوَرَقُهَا وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَجْهٌ، وَأَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعُ، وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَغْرِسِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ. وَلَوْ كَانَتْ يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْقَلْعُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّادِسِ وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَرْعٍ فَقَالَ: فَرْعٌ: إذَا (بَاعَ شَجَرَةً) رَطْبَةً وَأَطْلَقَ وَلَوْ مَعَ الْأَرْضِ تَبَعًا أَوْ بِالتَّصْرِيحِ (دَخَلَ عُرُوقُهَا) إنْ لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهَا (وَوَرَقُهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُسَمَّاهَا، وَلَا فَرْقَ فِي دُخُولِ الْوَرَقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِرْصَادٍ وَسِدْرٍ وَحِنَّاءٍ وَتُوتٍ أَبْيَضَ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي وَرَقِ التُّوتِ) الْأَبْيَضِ الْأُنْثَى الْمَبِيعِ شَجَرَتُهُ فِي الرَّبِيعِ، وَقَدْ خَرَجَ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ، وَكَذَا فِي وَرَقِ النَّبِقِ، وَصَحَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ وَرَقَ الْحِنَّاءِ لَا يَدْخُلُ. وَعَلَّلَ عَدَمَ الدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ كَثَمَرِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ، وَالتُّوتُ بِتَاءَيْنِ عَلَى الْفَصِيحِ، وَفِي لُغَةٍ أَنَّهُ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ (وَ) دَخَلَ (أَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ) فَلَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ تُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْقَطْعُ كَالثَّمَرَةِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ أَغْصَانَ شَجَرِ الْخِلَافِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ بِالدُّخُولِ وَفِي آخَرَ بِعَدَمِهِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي: إنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ: مَا يُقْطَعُ مِنْ أَصْلِهِ فَتَدْخُلُ أَغْصَانُهُ، وَمَا يُتْرَكُ سَاقُهُ وَتُؤْخَذُ أَغْصَانُهُ فَلَا تَدْخُلُ وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْكِمَامُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ ثَمَرُهَا مُؤَبَّرًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بِبَقَاءِ الْأَغْصَانِ، وَمِثْلُهَا الْعُرْجُونُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لِمَنْ لَهُ الثَّمَرَةُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعُرُوقِ وَالْأَوْرَاقِ بَيْنَ الْيَابِسَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، لَكِنْ فِي الْعُرُوقِ خَاصَّةً. ا هـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْعُرُوقِ أَنَّ الْأَوْرَاقَ الْيَابِسَةَ لَا تَدْخُلُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي؛ لِأَنَّ الْوَرَقَ أَوْلَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ مِنْ الْغُصْنِ الْيَابِسِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ) وَتَدْخُلُ الْعُرُوقُ (أَوْ الْقَطْعُ) وَلَا تَدْخُلُ كَمَا مَرَّ بَلْ تُقْطَعُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ (وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ) وَيُتْبَعُ الشَّرْطُ (وَالْإِطْلَاقُ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ قَلْعًا وَلَا قَطْعًا وَلَا إبْقَاءً (يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ) فِي الشَّجَرَةِ الرَّطْبَةِ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا (الْمَغْرِسِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعِ غَرْسِهَا حَيْثُ أُبْقِيَتْ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَلَا أَنْ يَغْرِسَ بَدَلَهَا إذَا قُلِعَتْ (لَكِنْ يَسْتَحِقُّ) الْمُشْتَرِي (مَنْفَعَتَهُ) فَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ أَوْ مُسْتَحَقِّ مَنْفَعَتِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ (مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ) تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ بَذَلَ مَالِكُهُ أَرْشَ الْقَلْعِ لِمَالِكِهَا وَأَرَادَ قَلْعَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَلْعُهَا، وَلَوْ تَفَرَّخَتْ مِنْهَا شَجَرَةٌ أُخْرَى فَهَلْ يَسْتَحِقُّ إبْقَاءَهَا إلْحَاقًا لَهَا بِمَا يَتَجَدَّدُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْعُرُوقِ وَالْغِلَظِ أَوْ يُؤْمَرُ بِقَطْعِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ حَالَةَ الْعَقْدِ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي اسْتِخْلَافِهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ احْتِمَالَاتٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَبْقَى مُدَّةَ الْأَصْلِ، فَإِنْ زَالَ أُزِيلَتْ ا هـ. وَهَذَا أَظْهَرُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَمَا يُعْلَمُ اسْتِخْلَافُهُ كَشَجَرِ الْمَوْزِ، فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ بَقَائِهِ ا هـ. وَالثَّانِي: يَدْخُلُ لِاسْتِحْقَاقِهِ مَنْفَعَتَهُ لَا إلَى غَايَةٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا يُسَامِتُ الشَّجَرَةَ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ مَا يَمْتَدُّ إلَيْهِ أَغْصَانُهَا أَمْ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ؟، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لِلْمُشْتَرِي كُلُّ وَقْتِ مِلْكٌ لَمْ يَكُنْ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ: وَهُوَ مَا يُسَامِتُ أَصْلَ الشَّجَرَةِ خَاصَّةً وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَشِرُ فِيهِ عُرُوقُ الشَّجَرَةِ حَرِيمٌ لِلْمُغْرِسِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَغْرِسَ إلَى جَانِبِهَا مَا يَضُرُّ بِهَا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ شَجَرَةً هَلْ يَبْقَى لَهَا مَغْرِسُهَا أَوْ لَا، وَفِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا مَيِّتٌ مَدْفُونٌ هَلْ يَبْقَى لَهُ مَكَانُ الدَّفْنِ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الدَّفْنِ. (وَلَوْ كَانَتْ) الشَّجَرَةُ الْمَبِيعَةُ مَعَ الْإِطْلَاقِ (يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِي الْقَلْعَ) لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَلْعِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَدْخُلُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنْ شَرَطَ قَطْعَهَا أَوْ قَلْعَهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ أَوْ إبْقَاءَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً وَشَرَطَ عَدَمَ قَطْعِهَا عِنْدَ الْجُذَاذِ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ فِي إبْقَائِهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ كَأَنْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِأَرْضِهِ وَقَصَدَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا جُذُوعًا أَوْ بِنَاءً أَوْ نَحْوَهُ كَعَرِيشٍ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ.
المتن: وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ، وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ: كَتِينٍ وَعِنَبٍ إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي، وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ كَمِشْمِشٍ وَتُفَّاحٍ فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ، وَكَذَا إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ وَبَعْضُهَا مُؤَبَّرٌ فَلِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَتْ فِي بَسَاتِينَ فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ، وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى الْجِدَادِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ. وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا وَتَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ، وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ أَنْ يَسْقِيَ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ أَوْ يَسْقِيَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَمَرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَلَوْ مَشْمُومًا كَالْوَرْدِ فَقَالَ (وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْلَ التَّأْبِيرِ أَمْ بَعْدَهُ وَفَاءً بِالشَّرْطِ، وَلَوْ شَرَطَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي كَانَ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَشَرْطِ الْحَمْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُشْرَطْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ) كُلُّهَا (لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا) بِأَنْ تَأَبَّرَ مِنْهَا شَيْءٌ (فَلِلْبَائِعِ) أَيْ فَهِيَ كُلُّهَا لَهُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ {مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ} مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْرُطَهَا الْبَائِعُ، وَكَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ لِلْبَائِعِ صَادِقٌ بِأَنْ يَشْرُطَ لَهُ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَوْنُهَا فِي الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي صَادِقٌ بِذَلِكَ، وَأُلْحِقَ بِالنَّخْلِ سَائِرُ الثِّمَارِ وَبِتَأْبِيرِ كُلِّهَا تَأْبِيرُ بَعْضِهَا بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُؤَبَّرِ لِمَا فِي تَتَبُّعِ ذَلِكَ مِنْ الْعُسْرِ، وَالتَّأْبِيرُ تَشْقِيقُ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَذَرِّ طَلْعِ الذُّكُورِ فِيهِ لِيَجِيءَ رُطَبُهَا أَجْوَدَ مِمَّا لَمْ يُؤَبَّرُ، وَالْعَادَةُ الِاكْتِفَاءُ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ وَالْبَاقِي يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ وَيَنْبَثُّ رِيحُ الذُّكُورِ إلَيْهِ، وَقَدْ لَا يُؤَبَّرُ بِشَيْءٍ وَيَتَشَقَّقُ الْكُلُّ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمُؤَبَّرِ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ الْمَقْصُودِ، وَلِذَلِكَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً إلَى مَا قَالَهُ، وَشَمِلَ طَلْعُ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُشَقَّقُ غَالِبًا، وَفِيمَا لَمْ يَتَشَقَّقْ مِنْهُ وَجْهٌ: أَنَّهُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا ثَمَرَ لَهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ ظُهُورُهَا بِخِلَافِ طَلْعِ الْإِنَاثِ، وَتُسَمَّى ذُكُورُ النَّخْلِ فُحَّالَةٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ طَلْعِهَا الْكَشِّيُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ مَا يُلَقَّحُ بِهِ الْإِنَاثُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ حَتَّى يَتَشَقَّقَ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلَ (وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ: أَيْ زَهْرٍ (كَتِينٍ وَعِنَبٍ) وَفُسْتُقٍ بِفَتْحِ التَّاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، وَجَوْزٍ (إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ) أَيْ ظَهَرَ (فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَبْرُزْ (فَلِلْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّ الْبُرُوزَ هُنَا كَالتَّشَقُّقِ فِي الطَّلْعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَشَقُّقُ الْقِشْرِ الْأَعْلَى مِنْ نَحْوِ جَوْزٍ بَلْ هُوَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا لِاسْتِتَارِهِ بِمَا هُوَ مِنْ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ تَشَقُّقُ الْأَعْلَى مِنْهُ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ التِّينِ أَوْ الْعِنَبِ فَمَا ظَهَرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَلِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْمُهَذَّبِ، وَالتَّهْذِيبِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ، وَجَزَمَ بِالتَّوَقُّفِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَفَرَّقَ الْأَئِمَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْعِ النَّخْلِ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً، وَالتِّينُ وَنَحْوُهُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَكَانَتْ الْأُولَى لِلْبَائِعِ وَالثَّانِيَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَالتِّينِ فِيمَا ذُكِرَ الْجُمَّيْزُ وَنَحْوُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ لِأَنَّهَا بُطُونٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا (وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ) نَوْرُهُ (كَمِشْمِشٍ) بِكَسْرِ مِيمَيْهِ، وَحُكِيَ فَتْحُهُمَا، وَرُمَّانٍ (وَتُفَّاحٍ) وَلَوْزٍ (فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ)؛ لِأَنَّهَا كَالْمَعْدُومَةِ (وَكَذَا) هِيَ لَهُ أَيْضًا (إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لَهَا بِالطَّلْعِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَهَا بِالنَّوْرِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِكِمَامِهِ، وَالثَّانِي: يُلْحِقُهَا بِهِ بَعْدَ تَشَقُّقِهِ لِاسْتِتَارِهِ بِالْقِشْرِ الْأَبْيَضِ فَتَكُونُ لِلْبَائِعِ (وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ) قَطْعًا لِظُهُورِهَا، وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنْ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ تَابِعٌ لِمَا ظَهَرَ.
تَنْبِيهٌ: عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ يَخْرُجُ الْمُنَاسِبُ لِلتَّقْسِيمِ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّارِحُ: كَأَنَّهُ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ ضَرْبَانِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ كِمَامٍ ثُمَّ يَنْفَتِحُ كَالْوَرْدِ الْأَحْمَرِ إنْ بِيعَ أَصْلُهُ بَعْدَ تَفَتُّحِهِ فَلِلْبَائِعِ كَالطَّلْعِ الْمُتَشَقِّقِ أَوْ قَبْلَهُ فَلِلْمُشْتَرِي، وَمَا يَخْرُجُ ظَاهِرًا كَالْيَاسَمِينِ، فَإِنْ خَرَجَ وَرْدُهُ فَلِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي، وَتَشَقُّقُ جَوْزِ قُطْنٍ يَبْقَى أَصْلُهُ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَتَأْبِيرِ النَّخْلِ فَيَتْبَعُ الْمُسْتَتِرَ غَيْرُهُ، وَمَا لَا يَبْقَى أَصْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إنْ بِيعَ قَبْلَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالزَّرْعِ سَوَاءٌ أَخَرَجَ الْجَوْزُ أَمْ لَا. ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْطَعْ حَتَّى خَرَجَ الْجَوْزُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ بِيعَ بَعْدَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ وَتَشَقُّقِ جَوْزِهِ صَحَّ الْعَقْدُ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ وَدَخَلَ الْقُطْنُ فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ إذَا تَشَقَّقَ يَكُونُ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ مَقْصُودَةٌ كَثِمَارِ سَائِرِ الْأَعْوَامِ، وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ جَوْزُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِاسْتِتَارِ قُطْنِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ (وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ خَرَجَ طَلْعُهَا (وَبَعْضُهَا) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الطَّلْعُ (مُؤَبَّرٌ) دُونَ بَعْضٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْعَقْدُ (فَلِلْبَائِعِ) طَلْعُهَا جَمِيعُهُ الْمُؤَبَّرُ وَغَيْرُهُ لِمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الطَّلْعُ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُتْبَعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي: لَا يُتْبَعُ جَزْمًا (فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ) بِالْبَيْعِ وَاتَّحَدَ النَّوْعُ (فَلِلْمُشْتَرِي) طَلْعُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: هُوَ لِلْبَائِعِ اكْتِفَاءً بِدُخُولِ وَقْتِ التَّأْبِيرِ عَنْهُ، وَأَمَّا الْمُؤَبَّرُ فَلِلْبَائِعِ، وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ خَرَجَ طَلْعٌ آخَرَ كَانَ لَهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَا بِهِ. قَالَا: لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ. قَالَ شَيْخُنَا قُلْت: وَإِلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ النَّخَلَاتُ الْمَذْكُورَةُ (فِي بَسَاتِينَ) أَيْ الْمُؤَبَّرَةِ فِي بُسْتَانٍ وَغَيْرِهَا فِي بُسْتَانٍ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ وَالْجِنْسُ وَالْمَالِكُ (فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ) سَوَاءٌ أَتَبَاعَدَا أَمْ تَلَاصَقَا، وَالثَّانِي: هُمَا كَالْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ. أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ أَوْ تَعَدَّدَ الْمَالِكُ أُفْرِدَ كُلٌّ بِحُكْمِهِ جَزْمًا (وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ) بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ) وَفَاءً بِالشَّرْطِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ الْإِبْقَاءَ وَهُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى) زَمَنِ (الْجِدَادِ) تَحْكِيمًا لِلْعَادَةِ كَمَا يَجِبُ تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَإِبْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي السَّفِينَةِ فِي اللُّجَّةِ إلَى الْوُصُولِ إلَى الشَّطِّ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَحُكِيَ إعْجَامُهُمَا. ثُمَّ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْجِدَادِ لَيْسَ لَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَأْخُذَهَا عَلَى التَّدْرِيجِ وَلَا تَأْخِيرُهَا إلَى تَنَاهِي نُضْجِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ نَوْعٍ يُعْتَادُ قَطْعُهُ قَبْلَ النُّضْجِ كَالْمَوْزِ الْأَخْضَرِ فِي بِلَادٍ لَا يَنْتَهِي فِيهَا كُلِّفَ الْبَائِعُ قَطْعَهَا عَلَى الْعَادَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّبْقِيَةِ صُورَتَانِ: الْأُولَى إذَا تَعَذَّرَ سَقْيُ الثَّمَرَةِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَعِظَمِ ضَرَرِ الشَّجَرِ بِإِبْقَائِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا. الثَّانِيَةُ إذَا أَصَابَتْهَا آفَةٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْإِبْقَاءِ (السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ) أَوْ أَحَدُهُمَا (وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ) مِنْهُ لِعَدَمِ ضَرَرِهِ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْآخَرُ، وَيُؤْخَذَ مِنْهَا عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ إذْ لَا غَرَضَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَمْكِينَهُ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا) مَعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّقْيُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ عَلَيْهِ ضَرَرًا، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ جَازَ. فَإِنْ قِيلَ إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ فَفِيهِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَهُوَ حَرَامٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِفْسَادَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَقِيلَ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُمَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا) أَيْ ضَرَّ الشَّجَرَ وَنَفَعَ الثَّمَرَ أَوْ الْعَكْسَ (وَتَنَازَعَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ فِي السَّقْيِ (فُسِخَ الْعَقْدُ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ إلَّا بِإِضْرَارِ أَحَدِهِمَا وَالْفَاسِخُ لَهُ الْمُتَضَرِّرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غُضُونِ كَلَامِهِمْ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَقِيلَ: الْحَاكِمُ، وَجَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ ضَرَّ السَّقْيُ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَ تَرْكُهُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِ مَنْعِ حُصُولِهَا لَهُ انْتِفَاعًا بِالسَّقْيِ، وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ (إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ) فَلَا فَسْخَ حِينَئِذٍ لِزَوَالِ النِّزَاعِ، فَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْسَانًا وَمُسَامَحَةً. نَعَمْ، الْكَلَامُ فِي الْمَالِكَيْنِ الْمُطْلَقَيْ التَّصَرُّفِ لَا مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ (أَنْ يَسْقِيَ) وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ قَدِمَ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ فَلَا فَسْخَ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَحَيْثُ احْتَاجَ الْبَائِعُ إلَى سَقْيِ ثَمَرَتِهِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَسْقِي مِنْهُ فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ الْمَاءُ الْمُعَدُّ لِسَقْيِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا (وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ) وَالسَّقْيُ مُمْكِنٌ بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لَهُ (لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ) ثَمَرَتَهُ (أَوْ يَسْقِيَ) الشَّجَرَ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي، لَوْ تَعَذَّرَ السَّقْيُ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ تَعَيَّنَ الْقَطْعُ.
|