الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا، وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ (الطَّرِيقُ النَّافِذُ) بِمُعْجَمَةٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا، وَالطَّرِيقُ يَكُونُ بِبُنْيَانٍ، وَصَحْرَاءَ، وَنَافِذًا، وَغَيْرَ نَافِذٍ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ) فِي مُرُورِهِمْ فِيهِ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا يَضُرُّ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ بِمَا يُبْطِلُ الْمُرُورَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الْمُرُورَ ضَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدَّقَائِقِ (وَ) عَلَى هَذَا (لَا يُشْرَعُ) أَيْ يُخْرَجُ (فِيهِ جَنَاحٌ) أَيْ رَوْشَنٌ (وَلَا سَابَاطٌ) أَيْ: سَقِيفَةٌ عَلَى حَائِطَيْنِ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا (يَضُرُّهُمْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ لِمَا تَقَدَّمَ (بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ) الْمَاشِي (مُنْتَصِبًا) مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِظْلَامِ الْخَفِيفِ، وَلَوْ أَحْوَجَ الْإِشْرَاعَ إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ عَلَى كَتِفِ الرَّاكِبِ، بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ فَوْقَ الْمَحْمِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ} رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ فِي جَانِبَيْ الشَّارِعِ، فَحَفَرَ تَحْتَ الطَّرِيقِ سِرْدَابًا مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَأَحْكَمَ أَزَجَهُ، بِحَيْثُ يُؤْمَنُ الِانْهِيَارُ لَمْ يُمْنَعْ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَفِقَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَوْ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمَارِّينَ، بِخِلَافِ الْمُفْسِدِ الْمَمْلُوكِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي وَضْعِ الْجَنَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ مَا مُنِعَ مِنْهُ أُزِيلَ {لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ. لَكِنْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ.
تَنْبِيهٌ: مَا أَفْهَمَهُ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ غَيْرِ الْمُضِرِّ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِشْرَاعُ إلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ جَازَ اسْتِطْرَاقُهُ لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْمَنْعِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَسُلُوكُ أَهْلِ الذِّمَّةِ طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ بَلْ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَا يَبْذُلُونَهُ مِنْ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا: إنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ سُكْنَى الدَّارِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي آبَارِ حُشُوشِهِمْ إذَا أَرَادُوا حَفْرَهَا فِي أَفْنِيَةِ دُورِهِمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَلَا مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ إلَى الطَّرِيقِ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ صَاحِبِهِ إذْ لَا ضَرَرَ وَفَوْقَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَى جَنَاحِ صَاحِبِهِ أَوْ مُقَابِلَهُ إنْ لَمْ يُبْطِلْ انْتِفَاعَ صَاحِبِهِ، وَكَذَا مَوْضِعُهُ أَيْضًا إذَا انْهَدَمَ أَوْ هَدَمَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ إعَادَتِهِ وَلَوْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ إعَادَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَعَدَ لِاسْتِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاقُ بِهِ وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ فِي الْقُعُودِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ بَقَاءُ حَقِّهِ هُنَا إذَا عَادَ إلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِاسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ وَعِنْدَ سُقُوطِ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ ثَابِتٌ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلِذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ لِمُشَارَكَتِهِ فِي السَّبَبِ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَقَاعِدِ لَيْسَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ؛ فَلِذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ، وَبِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَا تَدُومُ بَلْ الِانْتِقَالُ عَنْهَا، ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا ضَرُورِيٌّ فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى دَارًا فِي مَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لَهَا جَنَاحًا ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا تُحَاذِيهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ، وَإِنْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْإِحْيَاءِ، وَمَنْ سَبَقَ إلَى أَكْثَرِ الْهَوَاءِ بِأَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ غَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ، وَالطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ طَرِيقًا أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ. أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَصِيرُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَبْدَأِ جَعْلِهِ طَرِيقًا، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ {قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يُجْعَلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ}. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً يُسْبِلُهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ تَوْسِيعُهَا.
المتن: وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ) أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْقَرَارَ كَالْحَمْلِ مِنْ الْأُمِّ وَلِأَنَّهُ إنْ ضَرَّ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَالْمُخْرِجُ مُسْتَحِقُّهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمُرُورِ.
المتن: وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً، أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَضُرَّ جَازَ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً) بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ مِصْطَبَةً أَوْ غَيْرَهَا (أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً) وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِ الطُّرُوقِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهِمَا عِنْدَ الِازْدِحَامِ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْإِمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا، وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَالثَّانِي: بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى ضَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ، فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ (وَقِيلَ إنْ لَمْ يَضُرَّ) ذَلِكَ الْمَارَّ (جَازَ) كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ دَكَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ بِجَوَازِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَلَا يَضُرُّ عَجْنُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ، وَمِثْلُهُ إلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا أَوْ رَبْطُ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ. وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ رَبْطِ دَوَابِّ الْعَلَّافِينَ فِي الشَّوَارِعِ لِلْكِرَاءِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ مِرَارًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ رَفَعَ التُّرَابَ مِنْ الشَّارِعِ وَضَرَبَ مِنْهُ اللَّبِنَ وَغَيْرَهُ وَبَاعَهُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي.
المتن: وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ.
الشَّرْحُ: (وَ) الطَّرِيقُ (غَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ) لِلْجَنَاحِ (إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ) بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ فَأَشْبَهَ الْإِشْرَاعَ إلَى الدُّورِ.
المتن: وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ، وَأَهْلُهُ مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ، وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.
الشَّرْحُ: (وَكَذَا) يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ (لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ أَمْ لَا (إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ) فَيَجُوزُ ضَرَّ أَمْ لَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ إنْ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِقَرَارِهِ فَيَجُوزُ بِهَوَائِهِ كَالشَّارِعِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِهِ بِمَالٍ لِمَا مَرَّ، وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَوْ رَضِيَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِذَلِكَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَا إلَى قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَهُوَ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ، وَلَا إلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَوْ كَانَ فِيمَا لَا حَقَّ لِلْمُخْرِجِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ بَابِ دَارِهِ وَصَدْرِ السِّكَّةِ كَانَ لِمَنْ رَضِيَ الرُّجُوعُ لِيَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحَقِّينَ لَكَانَ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِيَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُشَرِّعُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ فِيهَا بِالْبَاقِينَ. الثَّانِي: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اعْتِبَارُ إذْنِ مَنْ بَابُهُ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِ السِّكَّةِ لِمَنْ بَابُهُ أَبْعَدُ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ إلَى بَابِهِ لَا إلَى آخِرِ الدَّرْبِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي (وَأَهْلُهُ) أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ (مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ) مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ فَهُمْ الْمُلَّاكُ دُونَ غَيْرِهِمْ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْمُرُورُ فِيهِ إلَى مِلْكِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ فُرْنٌ أَوْ حَانُوتٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا) أَيْ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ (لِكُلِّهِمْ)؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا احْتَاجُوا إلَى التَّرَدُّدِ وَالِارْتِفَاقِ بِكُلِّهِ لِطَرْحِ الْقُمَامَاتِ عِنْدَ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ (أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ) وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ: مُعَرَّبٌ (وَبَابِ دَارِهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدِهِ وَمُرُورِهِ وَمَا عَدَاهُ هُوَ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ السِّكَّةِ وَلِأَهْلِ الدَّرْبِ الْمَذْكُورِ قِسْمَةُ صَحْنِهِ كَسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ. وَلَوْ أَرَادَ الْأَسْفَلُونَ لَا الْأَعْلَوْنَ سَدَّ مَا بَيْنَهُمْ أَوْ قِسْمَتَهُ جَازَ، بِخِلَافِ الْأَعْلَيْنَ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى سَدِّ رَأْسِ السِّكَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ وَلَمْ يَفْتَحْهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ. نَعَمْ إنْ سَدَّهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَهُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، وَلَوْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ سَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ ذَلِكَ. وَلَوْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ وُجِدَ ثَمَّ مَسْجِدٌ شَارَكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُرُورِ إلَيْهِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ السَّدِّ وَالْقِسْمَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ عِنْدَ الضَّرَرِ وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ السِّكَّةِ لِحَقِّ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ الْإِشْرَاعُ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُ الدَّرْبِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذُكِرَ مَا سُبِّلَ وَوُقِفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ: كَبِئْرٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي كُلِّهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى غَيْرِ النَّافِذِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَقَدْ أَتَى فِي الْمُحَرَّرِ بِجَمِيعِ الضَّمَائِرِ مُؤَنَّثَةً لِكَوْنِهِ عَبَّرَ أَوَّلًا بِالسِّكَّةِ، وَلَمَّا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِ النَّافِذِ عَدَلَ عَنْ تَأْنِيثِ الضَّمَائِرِ إلَى تَذْكِيرِهَا إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَقَوْلُهُ: لِكُلِّهِمْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ: فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي اسْتِحْقَاقِ كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ: أَيْ لِمَجْمُوعِهِمْ فَإِنَّ الْكُلَّ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ وَالْكُلِّ التَّفْصِيلِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُمْ خَاصَّةً فَلِمَ جَازَ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ الْإِبَاحَةِ مِنْهُ وَمِنْ وَلِيِّهِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الشَّيْخُ عَزُّ الدِّينِ فِي مَسَائِلَ قَرِيبَةٍ مِنْ ذَلِكَ: كَالشُّرْبِ مِنْ أَنْهَارِهِمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ خِلَافَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَصِرْ طَرِيقًا لِلنَّاسِ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِالْمُرُورِ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ السُّلْطَانَ مَحْمُودًا لِمَا قَدْ مَرَّ وَاسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ وَفِيهِمْ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَالْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ الْعَامِرِيُّ: أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ السُّلْطَانِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ وَازْدَحَمُوا، فَتَعَدَّى فَرَسُ الْقَفَّالِ عَنْ الطَّرِيقِ إلَى أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِإِنْسَانٍ، فَقَالَ السُّلْطَانُ لِلْعَامِرِيِّ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَطَرَّقَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: سَلْ الشَّيْخَ فَإِنَّهُ إمَامٌ لَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَسَمِعَ الْقَفَّالُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَجُوزُ السَّعْيُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَخْشَ أَنْ يَتَّخِذَ بِذَلِكَ طَرِيقًا وَلَا عَادَ ضَرَرُهُ عَلَى الْمَالِكِ بِوَجْهٍ آخَرَ كَالنَّظَرِ فِي مِرْآةِ الْغَيْرِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِهِ.
المتن: وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ: (وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ) إلَّا بِإِذْنِهِمْ لِتَضَرُّرِهِمْ، فَإِنْ أَذِنُوا جَازَ وَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ كَالْعَارِيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بَيْنَهُمَا بِمَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى مَا فَرَّقَ بِهِ شَيْخُنَا مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ وَهُوَ خَسَارَةٌ. فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا، بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ، وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تُرَتَّبُ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ (وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ) بِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ جِدَارِهِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ فَتْحَهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ. وَمَا صَحَّحَهُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّ الْأَفْقَهَ الْمَنْعُ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ، فَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ سَمَّرَهُ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا إذَا فَتَحَهُ لِلِاسْتِضَاءَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ مِنْهُ وَلَا أَخْرُجُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ. نَعَمْ لَوْ رَكَّبَ عَلَى الْمَفْتُوحِ لِلِاسْتِضَاءَةِ شُبَّاكًا أَوْ نَحْوَهُ جَازَ جَزْمًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمْعٍ.
المتن: وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ) أَوْ مِيزَابٌ (فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ) مِنْ بَابِهِ الْأَصْلِيِّ (فَلِشُرَكَائِهِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ (مَنْعُهُ) إذَا كَانَ بَابُهُ أَبْعَدَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ أَسَدَّ الْأَوَّلَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ الدَّرْبِ أَوْ مُقَابِلَ الْمَفْتُوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ: أَيْ الْمَفْتُوحُ الْقَدِيمُ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفَهِمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْجَدِيدُ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْمَفْتُوحِ مُشَارِكٌ فِي الْقَدْرِ الْمَفْتُوحِ فِيهِ فَلَهُ الْمَنْعُ (فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ) أَيْ لِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ لِأَنَّ انْضِمَامَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ يُورِثُ زَحْمَةً وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَضَعَّفَ التَّوْجِيهَ بِالزَّحْمَةِ بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ لَهُ جَعْلُ دَارِهِ حَمَّامًا وَحَانُوتًا مَعَ أَنَّ الزَّحْمَةَ وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي السِّكَّةِ وَطَرْحَ الْأَثْقَالِ بِكَثْرَةٍ أَضْعَافَ مَا عَسَاهُ يَقَعُ نَادِرًا فِي فَتْحِ بَابٍ آخَرَ لِلدَّارِ ا هـ. وَرُبَّمَا يُجَابُ بِأَنَّ مَوْضِعَ فَتْحِ الْبَابِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ، بِخِلَافِ جَعْلِ دَارِهِ مَا ذُكِرَ (وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ) لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ. وَيَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ تَقْدِيمُ بَابِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَجَعْلُ مَا بَيْنَ الدَّارِ وَآخِرِ الدَّرْبِ دِهْلِيزًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ بِوَسَطِ السِّكَّةِ وَأُخْرَى بِآخِرِهَا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْجَمِيعِ لَكِنْ شَرِكَتُهُ سَبَبُهَا إنَّمَا هُوَ إلَيْهَا خَاصَّةً، وَقَدْ يَبِيعُ لِغَيْرِهِ فَيَسْتَفِيدُ زِيَادَةَ الِاسْتِطْرَاقِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي السِّكَّةِ قِطْعَةُ أَرْضٍ فَبَنَاهَا دُورًا وَفَتَحَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَابًا جَازَ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ.
المتن: وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ إلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ، أَوْ مَسْدُودٍ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ، وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ) بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَوَّلَهُ (إلَى دَرْبَيْنِ) مَمْلُوكَيْنِ (مَسْدُودَيْنِ، أَوْ) دَرْبٍ مَمْلُوكٍ (مَسْدُودٍ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرُورَ فِي الدَّرْبِ، وَرَفْعُ الْحَائِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ حَقَّهُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْبَغَوِيّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْأُولَى يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الدَّارَيْنِ اسْتِطْرَاقًا فِي الدَّرْبِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ: يَثْبُتُ لِلْمُلَاصِقَةِ لِلشَّارِعِ حَقًّا فِي الْمَسْدُودِ لَمْ يَكُنْ لَهَا.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَ الْبَابَيْنِ عَلَى حَالِهِمَا أَوْ يَسُدَّ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَصَّهُ الرَّافِعِيُّ بِمَا إذَا سُدَّ بَابُ أَحَدِهِمَا وَفُتِحَ الْبَابُ لِغَرَضِ الِاسْتِطْرَاقِ، وَقَوْلُهُ: مَسْدُودَيْنِ أَوْ مَسْدُودٍ وَشَارِعٍ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مَمْلُوكٍ وَشَارِعٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ السَّدِّ الْمِلْكُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ فِي أَقْصَاهُ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ تَفْتَحَانِ هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فِي أَوَّلِهِ لِأَنَّ الدَّارَ مُؤَنَّثَةٌ، وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ كَانَ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا لِغَائِبَتَيْنِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَبِهِ وَرَدَ السَّمَاعُ. قَالَ تَعَالَى {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} وَقَالَ {أَنْ تَزُولَا} وَقَالَ {امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} وَجَوَّزَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ الْيَاءَ مِنْ تَحْتُ (وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْأَرْضِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَذْلُ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ الْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ، هَذَا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى الِاسْتِطْرَاقِ. أَمَّا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفَتْحِ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، ثُمَّ إنْ قَدَّرُوا لِلِاسْتِطْرَاقِ مُدَّةً فَهُوَ إجَارَةٌ، وَإِنْ أَطْلَقُوا أَوْ شَرَطُوا التَّأْبِيدَ فَهُوَ بَيْعُ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الدَّرْبِ لَهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَحَدِهِمْ: كَمَا لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى مَالٍ لِيُجْرِيَ فِي أَرْضِهِ مَاءُ النَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِمَكَانِ النَّهْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَهُ بِمَالٍ عَلَى فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارِهِ، أَوْ أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى سَطْحِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ وَالسَّطْحِ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ لَا تُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَإِثْبَاتُهُ فِيهَا يَكُونُ نَقْلًا لِلْمِلْكِ. وَأَمَّا الدَّارُ وَالسَّطْحُ فَلَا يُقْصَدُ بِهِمَا الِاسْتِطْرَاقُ وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ. وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالدَّرْبِ مَسْجِدٌ وَنَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذْ الْبَيْعُ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ. قَالَ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ. وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الدَّرْبِ لِإِنْسَانٍ فِي حَفْرِ سِرْدَابٍ تَحْتَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ، قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ.
المتن: وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ، وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ، فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ إعَارَةٌ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ، وَلَوْ: رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ فَهُوَ إجَارَةٌ وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْته حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَجُوزُ) لِلْمَالِكِ (فَتْحُ الْكَوَّاتِ) فِي جِدَارِهِ فِي الدَّرْبِ النَّافِذِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلِاسْتِضَاءَةِ أَمْ لَا أَذِنُوا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إزَالَةَ جِدَارِهِ وَجَعْلَ شُبَّاكٍ مَكَانَهُ، وَالْكَوَّاتُ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ: الطَّاقَةُ، وَفِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ بِضَمِّهَا وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا وَجَمَعَهَا الْمُصَنِّفُ جَمْعَ تَصْحِيحٍ، وَفِي كَافِهِ اللُّغَتَانِ، وَيُجْمَعُ جَمْعَ تَكْسِيرٍ فَتُجْمَعُ الْمَفْتُوحَةُ عَلَى كِوَاءٍ بِالْكَسْرِ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَالْمَضْمُومَةُ عَلَى كُوًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ.
تَنْبِيهٌ: غَالِبُ مَا تُفْتَحُ الْكَوَّاتُ لِلِاسْتِضَاءَةِ، وَلَهُ نَصْبُ شُبَّاكٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ غِطَاؤُهُ كَانَ كَالْجَنَاحِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُعْمَلَ فِي الطَّاقَاتِ أَبْوَابٌ تُخْرِجُ فَيُمْنَعُ مِنْ هَوَاءِ الدَّرْبِ، هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْفَتْحُ لِلِاسْتِطْرَاقِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ مِنْ أَبْوَابِ الطَّاقَاتِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ كَوْنِ الْكَوَّةِ عَالِيَةً أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَهُ الْجُرْجَانِيِّ بِمَا إذَا كَانَتْ عَالِيَةً لَا يَقَعُ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى دَارِ جَارِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِجَوَازِ فَتْحِ كَوَّةٍ فِي مِلْكِهِ مُشْرِفَةً عَلَى جَارِهِ وَعَلَى حَرِيمِهِ، وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، فَإِذَا رَفَعَ بَعْضَهُ لَمْ يُمْنَعْ (وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ) لِبِنَاءَيْنِ (قَدْ يَخْتَصُّ) أَيْ يَنْفَرِدُ (بِهِ أَحَدُهُمَا) وَيَكُونُ سَائِرًا لِلْآخَرِ (وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ) بِهِ أَحَدُهُمَا (لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَشَبِهِ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ) لَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ وَضْعِهَا لِخَبَرِ {لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ. وَلِخَبَرِ {لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ} قَالَ الْمُصَنِّفُ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْقَدِيمُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ {لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ} ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا: أَيْ عَنْ السُّنَّةِ مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ: أَيْ بَيْنَكُمْ، وَرُوِيَ بِالنُّونِ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا بَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْكَنَفَ هُوَ الْجَانِبُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَمْ نَجِدْ فِي السُّنَّةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا تَصِحُّ مُعَارَضَتُهُ بِالْعُمُومَاتِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارَضَةِ، وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِصَاحِبِ الْخَشَبِ: أَيْ لَا يَمْنَعُ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي التَّعْبِيرُ بِالْجَدِيدِ أَنَّ مُقَابِلَهُ قَدِيمٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا، حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ الْجَدِيدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ شُرُوطٌ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْمَالِكُ إلَى وَضْعِ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ، وَأَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَزَجًا، وَأَنْ لَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا لَا يَحْمِلُهُ الْجِدَارُ وَلَا يَضُرَّ بِهِ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْجَارُ شَيْئًا مِنْ جِدَارِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا جِدَارًا وَاحِدًا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْوَضْعِ اخْتِصَاصُ الْخِلَافِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْجُذُوعِ فِي الْحَائِطِ قَطْعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِ أَيْضًا، وَفَرْضُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ يُخْرِجُ السَّابَاطَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَأَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْجُذُوعِ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّضَا قَطْعًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجِدَارَ لَيْسَ بَيْنَ مَالِكَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ مُرَادًا فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْجَدِيدِ (فَلَوْ رَضِيَ) الْمَالِكُ بِالْوَضْعِ (بِلَا عِوَضٍ) وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ (فَهُوَ إعَارَةٌ) لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ فَيَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْوَضْعَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ رَفَعَ جُذُوعَهُ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا، أَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ فَبَنَاهُ صَاحِبُهُ بِتِلْكَ الْآلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَضْعُ ثَانِيًا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَرَّةً فَقَطْ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ) قَطْعًا (وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ. وَالثَّانِي: لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعَوَارِيِّ يُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ كَالْإِعَارَةِ لِدَفْنِ الْمَيِّتِ (وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ) أَيْ الْمَوْضُوعَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ (بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ) ذَلِكَ (وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ لِذَلِكَ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ، فَإِنَّ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَجَازَ أَنْ تُسْتَتْبَعَ وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يُسْتَتْبَعُ (وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (فَقَطْ)؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ يَضُرُّ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّ الْجُذُوعَ إذَا ارْتَفَعَتْ أَطْرَافُهَا عَنْ جِدَارٍ لَا تَسْتَمْسِكُ عَلَى الْجِدَارِ الْآخَرِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ) عَلَى قَوْلِ مَنْعِ الْإِجْبَارِ (فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ) عَلَيْهَا (فَهُوَ إجَارَةٌ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُسْتَأْجَرُ لِلْمَنَافِعِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى دَوَامِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَالنِّكَاحِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِ وَأَجَّرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ قَطْعًا، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ) الْوَاقِعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ) لِكَوْنِهِ مُؤَبَّدًا (وَ) شَوْبُ (إجَارَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مَنْفَعَةٌ فَقَطْ إذْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ عَيْنًا، فَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاشْتَرَطْنَا تَأْقِيتَهَا أَوْ بَيْعًا مَحْضًا لَكَانَ رَأْسُ الْجِدَارِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ بَيْعٌ يَمْلِكُ بِهِ مَوَاضِعَ رُءُوسِ الْجُذُوعِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إجَارَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لِلْحَاجَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ عَمَّا إذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَطْعًا وَيَنْتَفِعُ بِهِ بِمَا عَدَا الْبِنَاءِ مِنْ مُكْثٍ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَحُكْمُ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ السَّقْفِ أَوْ الْجِدَارِ بِلَا جُذُوعٍ كَذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ شَوْبٌ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ شَائِبَةٌ مَحْضُ تَصْحِيفٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا يَظْهَرُ لِي وَجْهُ التَّصْحِيفِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّوْبَ الْخَلْطَ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوطِ بِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَالشَّائِبَةُ يُشَابُ بِهَا، فَكُلٌّ مِنْهُمَا صَوَابٌ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: التَّعْبِيرُ بِالتَّصْحِيفِ هُنَا لَا مَدْخَلَ لَهُ. بَلْ صَوَابُهُ التَّحْرِيفُ.
المتن: فَإِذَا بَنَى فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ.
الشَّرْحُ: (فَإِذَا بَنَى) بَعْدَ قَوْلِهِ: بِعْته لِلْبِنَاءِ أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ وَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ (فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ) أَيْ نَقْضُ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي (بِحَالٍ) أَيْ لَا مَجَّانًا وَلَا مَعَ إعْطَاءِ أَرْشِ نَقْصِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الدَّوَامَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ. نَعَمْ إنْ اشْتَرَى مَالِكُ الْجِدَارِ حَقَّ الْبِنَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ، وَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَوَّزْنَاهُمَا لَوْ أَعَارَ لِزَوَالِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِ الْجُذُوعِ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ تَمْكِينِ الْبَائِعِ مِنْ هَدْمِ حَائِطِ نَفْسِهِ وَمِنْ مَنْعِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَنَى، وَلَا شَكَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُمَا، وَلَوْ وَجَدْنَا الْجُذُوعَ مَوْضُوعَةً عَلَى الْجِدَارِ وَلَمْ نَعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَتْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ فَلَا تُنْقَضُ وَيُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِهَا دَائِمًا، فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَتُهَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَشَكَكْنَا فِي الْمُجَوِّزِ لِلرُّجُوعِ وَلِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْدَمًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ.
المتن: وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ فَلِلْمُشْتَرِي إعَادَةُ الْبِنَاءِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ) بَعْدَ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي أَوْ قَبْلَهُ (فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ) بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ (فَلِلْمُشْتَرِي) أَوْلَى مِنْهُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ (إعَادَةُ الْبِنَاءِ) فِي الْأَوْلَى وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّانِيَةِ بِتِلْكَ الْآلَاتِ وَبِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَبْنِهِ الْمَالِكُ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ إعَادَتَهُ مِنْ مَالِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَفُهِمَ مِمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِعَارِضِ هَدْمٍ أَوْ انْهِدَامٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِالْتِحَاقِهِ بِالْبُيُوعِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلِلْمُشْتَرِي اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا إذَا أَجَّرَهُ إجَارَةً مُؤَقَّتَةً فَيَجْرِي فِي انْفِسَاخِهَا الْخِلَافُ فِي انْهِدَامِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَخَرَجَ بِانْهِدَامٍ مَا لَوْ هَدَمَهُ شَخْصٌ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُ بِقِيمَةِ حَقِّ وَضْعِ بِنَائِهِ عَلَى الْجِدَارِ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ سَوَاءٌ أَبَنَى أَمْ لَا مَعَ غُرْمِ أَرْشِ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ، فَإِنْ أُعِيدَ الْجِدَارُ اُسْتُعِيدَتْ الْقِيمَةُ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى وَإِعَادَتُهُ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى.
المتن: وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَا يَغْرَمُ الْهَادِمُ أُجْرَةَ الْبِنَاءِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَا لَا يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ عَمَّا لَا يَتَنَاهَى. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ، وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْجِدَارِ عَلَى مَالِكِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ ابْتِدَاءً عُدْوَانًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ، وَإِنْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَالِكُهُ وَقَدْ اسْتُهْدِمَ لَمْ تَجِبْ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ ا هـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَيَغْرَمُ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمَالِكِ أَرْشَ الْجِدَارِ مَسْلُوبَ مَنْفَعَةِ رَأْسِهِ، وَإِذَا أَعَادَهُ الْمَالِكُ اسْتَرَدَّ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا أَخَذَهُ فِي نَظِيرِهَا (وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ) فِي وَضْعِ الْبِنَاءِ عَلَى غَيْرِ أَرْضٍ (بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا) وَبَيَانِ مَحَلِّهِ (وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ) بِفَتْحِ السِّينِ (وَكَيْفِيَّتِهَا) أَيْ: الْجُدْرَانِ أَهِيَ مُجَوَّفَةٌ أَوْ مُنَضَّدَةٌ؟ وَهِيَ مَا الْتَصَقَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا) أَهُوَ مِنْ أَزَجٍ، وَهُوَ الْعَقْدُ الْمُسَمَّى بِالْقَبْوِ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِوَزْنِ الْآلَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَتُغْنِي مُشَاهَدَةُ الْآلَةِ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ. فَائِدَةٌ: ارْتِفَاعُ الْجِدَارِ مِنْ الْأَرْضِ سَمْكٌ بِفَتْحِ السِّينِ، وَالْمَنْزُولُ مِنْهُ إلَيْهَا عُمْقٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، لَا طُولٌ وَعَرْضٌ، بَلْ طُولُهُ امْتِدَادُهُ مِنْ زَاوِيَةِ الْبَيْتِ مَثَلًا إلَى زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى، وَعَرْضُهُ هُوَ الْبُعْدُ النَّافِذُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْهِ إلَى الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ هَمْزَةً قَبْلَ كَانَ وَيَأْتِيَ بِأَمْ عِوَضًا عَنْ أَوْ، وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ مِثْلُ هَذَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
المتن: وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّةً إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ وَيُسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ)؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ إلَّا بِقَدْرِ مَكَانِ الْبِنَاءِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَيَانُ قَدْرِ حَفْرِ الْأَسَاسِ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ. فَإِنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَحْفِرُ سِرْدَابًا أَوْ غَيْرَهُ تَحْتَ الْبِنَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ، وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُزَاحَمَةُ تَعْمِيقِ الْأَسَاسِ (وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ الْآخَرِ (فِي الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمِ لَهُ ذَلِكَ كَالْقَدِيمِ فِي الْجَارِ، وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا، وَهُوَ هُنَا أَوْلَى (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ أَحَدِهِمَا (أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا) بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا فِي الثَّانِي (أَوْ يَفْتَحَ) فِيهِ (كَوَّةً) أَوْ يُتَرِّبَ كِتَابَهُ مِنْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَوْ عِلْمِهِ بِرِضَاهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ، وَأَفْهَمَ جَوَازُ الْفَتْحِ وَغَيْرُهُ بِالْإِذْنِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْفَتْحِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا عَلَى الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَإِذَا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ لَهُ السَّدُّ إلَّا بِالْإِذْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ، وَ) أَنْ (يَسْنُدَ) إلَيْهِ (مَتَاعًا) بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ (لَا يَضُرُّ، وَلَهُ) وَلِغَيْرِهِ (ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِكِ فَلَا يُضَايَقُ فِيهِ بَلْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ عِنَادٌ مَحْضٌ بَلْ ادَّعَى الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إلَى جِدَارِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِنَادٍ يَضُرُّ وَلِلشَّرِيكَيْنِ قِسْمَةُ الْجِدَارِ عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ، وَهَذِهِ صُورَتُهُ وَطُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ: وَهَذِهِ صُورَتُهُ لَكِنْ بِالتَّرَاضِي لَا بِالْجَبْرِ: فَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ لِاقْتِضَاءِ الْإِجْبَارِ الْقُرْعَةَ: وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ هُنَا؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَخْرَجَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَضُرُّ الْآخَرَ فِي انْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ، وَكَيْفَ يُقْسَمُ الْجِدَارُ: هَلْ يُشَقُّ بِالْمِنْشَارِ أَوْ يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ كَخَطٍّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: جَوَازُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا نَظَرَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ شِقَّ الْجِدَارِ إتْلَافٌ لَهُ وَتَضْيِيعٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُبَاشِرَانِ الْقِسْمَةَ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ هَدَمَاهُ وَاقْتَسَمَا النَّقْضَ، وَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ عَرْصَةِ الْجِدَارِ، وَلَوْ كَانَ عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ لِيَخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يَلِيهِ، فَلَا يَقْتَسِمَانِهَا بِالْقُرْعَةِ لِئَلَّا يَخْرُجَ بِهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَلِي الْآخَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَسَمَاهَا طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ، وَفَارَقَ مَا ذُكِرَ فِي عَرْصَةِ الْجِدَارِ مَا مَرَّ فِيهِ بِأَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَتَتَيَسَّرُ قِسْمَتُهَا غَالِبًا بِخِلَافِهِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْقِسْمَةِ.
المتن: لَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ.
الشَّرْحُ: (وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ) وَلَوْ بِهَدْمِ الشَّرِيكَيْنِ لِلْمُشْتَرَكِ لِاسْتِهْدَامٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يُجْبِرُهُ عَلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. نَعَمْ يُجْبَرُ فِي الْأَرْضِ عَلَى إجَارَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ الْقَدِيمُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ الْإِجْبَارُ صِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنْ التَّعَطُّلِ، وَأَفْتَى بِهَذَا ابْنُ الصَّلَاحِ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: إنَّ الْقَاضِيَ يُلَاحِظُ أَحْوَالَ الْمُتَخَاصِمِينَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ لَمْ يُجْبِرْهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عِنَادٌ أَجْبَرَهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاِتِّخَاذِ سُتْرَةٍ بَيْنَ سَطْحَيْهِمَا وَإِصْلَاحِ دُولَابٍ بَيْنَهُمَا تُشَعَّثُ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ التَّنْقِيَةِ أَوْ الْعِمَارَةِ، وَلَوْ هَدَمَ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لَزِمَهُ أَرْشُ النَّقْصِ لَا إعَادَةُ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ مِثْلِيًّا، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِنْ نَصَّ فِي غَيْرِهِ عَلَى لُزُومِ الْإِعَادَةِ، وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى سَقْيِ النَّابِتِ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِلنَّجُورِيِّ، وَلَا إعَادَةُ السُّفْلِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ.
المتن: فَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ، وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ، وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ، وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ.
الشَّرْحُ: فَلَوْ كَانَ عُلْوُ الدَّارِ لِوَاحِدٍ وَسُفْلُهَا لِآخَرَ وَانْهَدَمَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إجْبَارُ الثَّانِي عَلَى إعَادَةِ السُّفْلِ، وَلَا لِلثَّانِي إجْبَارُ الْأَوَّلِ عَلَى مُعَاوَنَتِهِ فِي إعَادَتِهِ وَالسُّفْلُ وَالْعُلْوُ بِضَمِّ أَوَّلِهَا وَكَسْرِهِ (فَإِنْ أَرَادَ) الشَّرِيكُ (إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ) لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ بِذَلِكَ، وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِذَلِكَ، فَقَالَا: أَسَاسُ الْجِدَارِ مُشْتَرَكٌ فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ بِنَاءَهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ، وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ؟ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْعَرْصَةُ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا حَقَّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الِاسْتِبْدَادِ بِهَا، لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُمْكِنُهُ الْمُقَاسَمَةُ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْمُقَاسَمَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ ا هـ. وَصَوَّرَ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْأَسَاسُ لِلْبَانِي وَحْدَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَارِزِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَالْمَنْقُولُ مَا فِي الْمَتْنِ. وَأُجِيبَ عَمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ فَكَانَ لَهُ إعَادَةُ الْجِدَارِ لِأَجْلِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِنَاءٌ وَلَا جُذُوعٌ لَا يَكُونُ لَهُ إعَادَتُهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا (وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ)؛ لِأَنَّهُ بِآلَتِهِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ جِذْعٌ خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ تَمْكِينِ الشَّرِيكِ مِنْ إعَادَتِهِ وَنَقْضِ بِنَائِهِ لِيَبْنِيَ مَعَهُ الْآخَرُ وَيُعِيدُ جِذْعَهُ (وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ: لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي) أَيْ قِيمَةَ مَا يَخُصُّنِي (لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ) عَلَى الْجَدِيدِ كَابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ. أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ لُزُومُ الْعِمَارَةِ فَعَلَيْهِ إجَابَتُهُ، وَلَوْ عَمَّرَ الْبِئْرَ أَوْ النَّهْرَ لَمْ يَمْنَعْ شَرِيكَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدُّولَابِ وَالْآلَاتِ الَّتِي أَحْدَثَهَا (وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَنْعِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ بِلَا شَكٍّ، وَالنِّقْضُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا، وَجَمْعُهُ أَنْقَاضُ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ) بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا (بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ) قَبْلَ إعَادَتِهِ، فَلَوْ شَرَطَا زِيَادَةً لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ شَرْطُ عِوَضٍ مِنْ غَيْرِ مُعَوَّضٍ (وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابِلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) وَقَدْ صَوَّرَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، وَهِيَ الْأَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ فَيَصِيرُ لَهُ الثُّلُثَانِ وَيَكُونُ السُّدُسُ فِي مُقَابِلَةِ عَمَلِهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ الزِّيَادَةَ مِنْ النَّقْضِ وَالْعَرْصَةِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ شَرَطَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِآلَتِهِ، فَإِذَا شَرَطَ لَهُ الْآخَرُ السُّدُسَ كَمَا مَرَّ فَقَدْ قَابَلَ ثُلُثَ الْآلَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَعَمَلُهُ بِسُدُسِ الْعَرْصَةِ الْمُبْنَى عَلَيْهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْآلَاتِ وَبِصِفَاتِ الْجُدْرَانِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. تَتِمَّةٌ: لِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاءُ السُّفْلِ بِمَالِهِ وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ، وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ السُّكْنَى فِي الْمُعَادِ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ وَتِدٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَكَذَا لِلْأَسْفَلِ إنْ بَنَاهُ الْأَعْلَى قَبْلَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْبِنَاءِ مَا لَمْ يَبْنِ الْأَعْلَى عُلْوَهُ، فَإِنْ بَنَاهُ فَلِلْأَسْفَلِ تَمَلُّكُ السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ وَلَيْسَ لَهُ هَدْمُهُ. أَمَّا إذَا بَنَى السُّفْلَ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ وَلَا هَدْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ، سَوَاءٌ أَبَنَى الْأَعْلَى عُلْوَهُ أَمْ لَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ لَهُ الْبِنَاءَ بِآلَةِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَسْفَلُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الشَّرِيكُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ وَضْعُ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَادَةِ عَلَى السَّقْفِ الْمَمْلُوكِ لِلْآخَرِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَلِلْآخَرِ الِاسْتِكْنَانُ بِهِ وَالتَّعْلِيقُ الْمُعْتَادُ بِهِ كَثَوْبٍ وَلَوْ بِوَتَدٍ يَتِدُهُ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ ذَلِكَ لَعَظُمَ الضَّرَرُ وَتَعَطَّلَتْ الْمَنَافِعُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِمَا يُضَايِقُ فِيهِ عَادَةً، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَعْلَى ثَبَتَ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَطْعًا فَثَبَتَ لِلْأَسْفَلِ ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا وَفِي الْجِدَارِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْآخَرِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ غَرْزُ الْوَتَدِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فِيمَا يَلِيهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ الظَّاهِرُ.
المتن: وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ، وَ) عَلَى (إلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ) أَيْ: الْمَصَالِحَ مَعَهُ (عَلَى مَالٍ)؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ فِي الْمَاءِ الْمَجْلُوبِ مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ إلَى أَرْضِهِ. وَالْحَاصِلُ إلَى سَطْحِهِ مِنْ الْمَطَرِ. أَمَّا غَسَّالَةُ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى إجْرَائِهَا عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ: إنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ. وَشَرْطُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَصْرِفٌ إلَى الطَّرِيقِ إلَّا بِمُرُورِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَمَحِلُّ الْجَوَازِ فِي الثَّلْجِ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَا فِي سَطْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي مِنْهُ الْمَاءُ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَقِلُّ بِصِغَرِهِ وَيَكْثُرُ بِكِبَرِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي إلَيْهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَحَمَّلُ قَلِيلَ الْمَاءِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِقَدْرِ مَاءِ الْمَطَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ إنْ عُقِدَ عَلَى الْأَوَّلِ بِصِيغَةِ الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْإِجْرَاءِ وَبَيَانِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ وَقَدْرِ الْمُدَّةِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِهَا، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ مَحْفُورًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَمْلِكُ الْحَفْرَ وَإِنْ عُقِدَ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك مَسِيلَ الْمَاءِ وَجَبَ بَيَانُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ لَا بَيَانَ الْعُمْقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْقَرَارَ أَوْ بِعْتُك حَقَّ مَسِيلِ الْمَاءِ فَكَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ، وَإِنْ عَقَدَ بِصِيغَةِ الصُّلْحِ انْعَقَدَ بَيْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكِفَايَةِ، وَلَا حَاجَةَ فِي الْعَارِيَّةِ إلَى بَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَالْأَرْضُ تَحْمِلُ مَا تَحْمِلُ بِخِلَافِ السَّقْفِ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا دُخُولُ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا لِتَنْقِيَةِ النَّهْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَرْضِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ النَّهْرِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إجْرَاءِ الْمَطَرِ عَلَى السَّطْحِ أَنْ يَطْرَحَ الثَّلْجَ عَلَيْهِ، وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الثَّلْجَ حَتَّى يَذُوبَ وَيَسِيلَ إلَيْهِ، وَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إلْقَاءِ الثَّلْجِ لَا يُجْرِي الْمَطَرَ وَلَا غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ مَجْرَى مَاءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إجْرَاءُ الْمَاءِ عَنْ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ جَارٍ فَصَالَحَهُ إنْسَانٌ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ زَرْعَهُ مِنْهُ بِسَاقِيَةٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالْمَمْلُوكُ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ دُونَ مَا يَنْبُعُ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ يَبِيعَ قَدْرًا مِنْ النَّهْرِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مِلْكِهِ أَنَّهُ قَيْدٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة، لَكِنْ يُعْتَبَرُ هُنَا التَّأْقِيتُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَاقِيَّةٌ، إذْ لَيْسَ لَهُ إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ أَبَدًا. فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ: الْمُصَالَحَةُ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، وَطَرْحِ الْكُنَاسَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى مَالٍ عُقِدَ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَكَذَا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْمَبِيتِ عَلَى سَقْفِ غَيْرِهِ. الثَّانِي: لِلشَّخْصِ تَحْوِيلُ أَغْصَانِ شَجَرَةٍ لِغَيْرِهِ مَالَتْ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ الْخَالِصِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ امْتَنَعَ مَالِكُهَا مِنْ تَحْوِيلِهَا، وَلَهُ قَطْعُهَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْوِيلُهَا، وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى بَقَاءِ الْأَغْصَانِ بِمَالٍ، فَإِنْ اعْتَمَدَتْ عَلَى الْجُدْرَانِ صَحَّ الصُّلْحُ عَنْهَا يَابِسَةً لَا رَطْبَةً لِزِيَادَتِهَا فَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا وَثِقَلُهَا وَانْتِشَارُ الْعُرُوقِ فِي أَرْضِهِ كَانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ، وَكَذَا مَيْلُ الْجِدَارِ إلَى هَوَاءِ الدَّارِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَيْسَ لَهُ إذَا تَوَلَّى الْقَطْعَ وَالْهَدْمَ بِنَفْسِهِ طَلَبُ أُجْرَةٍ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَلَوْ دَخَلَ الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فِي بَرْنِيَّةِ وَنَبَتَ فِيهَا أُتْرُجَّةٌ وَكَبُرَتْ قَطَعَ الْغُصْنَ، وَالْأُتْرُجَّةَ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. ثُمَّ قَالَا: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَعَ حَيَوَانُ غَيْرِهِ جَوْهَرَةً، فَإِنَّهُ لَا يَذْبَحُ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً.
المتن: وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا مَعًا فَلَهُ الْيَدُ وَإِلَّا فَلَهُمَا، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا حَلَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ، وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ تَنَازَعَا) أَيْ: اثْنَانِ (جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا) كَأَنْ دَخَلَ نِصْفٌ لَبِنَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ أَوْ بَنَى الْجِدَارَ عَلَى خَشَبَةٍ طَرْفُهَا فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ، أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَزَجُّ وَهُوَ الْعَقْدُ قَدْ أُمِيلَ مِنْ مُبْتَدَأِ ارْتِفَاعِهِ عَنْ الْأَرْضِ (فَلَهُ الْيَدُ) عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَشَبَةِ الْمَذْكُورَةِ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ مَبْنِيًّا عَلَى تَرْبِيعِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ بِجِدَارِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، ذُكِرَ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُمَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى جُمْلَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ حَيْثُ هُنَا مُضَافَةٌ إلَى يُعْلَمُ، وَأَنَّ إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْعِلْمِ تَكُونُ مَفْتُوحَةً (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الِاتِّصَالُ الْمَذْكُورُ بِأَنْ كُلًّا مُنْفَصِلًا مِنْ جِدَارِهِمَا أَوْ مُتَّصِلًا بِهِمَا اتِّصَالًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ، أَوْ مُتَّصِلًا بِأَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بِأَنْ وُجِدَ الِاتِّصَالُ فِي بَعْضِهِ. أَوْ أُمِيلَ الْأَزَجُّ الَّذِي عَلَيْهِ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ، أَوْ بُنِيَ الْجِدَارُ عَلَى خَشَبَةٍ طَرَفَاهَا فِي مِلْكَيْهِمَا (فَلَهُمَا) الْيَدُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: فَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّرْجِيحُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَرْجِيحَ بِالنَّقْشِ بِظَاهِرِ الْجِدَارِ كَالصُّوَرِ وَالْكِتَابَاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بِالْجُذُوعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا بِتَوْجِيهِ الْبِنَاءِ وَهُوَ جَعْلُ إحْدَى جَانِبَيْهِ وَجْهًا كَأَنْ يَبْنِيَ بِلَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ، وَيَجْعَلَ الْأَطْرَافَ الصِّحَاحَ إلَى جَانِبٍ وَمَوَاضِعَ الْكَسْرِ إلَى جَانِبٍ، وَلَا بِمَعَاقِدِ الْقِمْطِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِضَمِّهِمَا، لَكِنَّهُ بِضَمِّهِمَا جَمْعُ قِمَاطٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى قِمْطٍ، وَهُوَ حَبْلٌ رَقِيقٌ يُشَدُّ بِهِ الْجَرِيدُ وَنَحْوُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَامَةً قَوِيَّةً فِي الِاشْتِرَاكِ، فَلَا يُغَيَّرُ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ مُعْظَمُ الْقَصْدِ بِهَا الزِّينَةُ كَالتَّجْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ (فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً) أَنَّهُ لَهُ (قُضِيَ لَهُ) بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْيَدِ، وَتَكُونُ الْعَرْصَةُ تَبَعًا عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَامَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا (حَلَفَا) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِهِ لِلنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِإِثْبَاتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ النِّصْفَ الَّذِي بِيَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ وَيَدُهُ عَلَى النِّصْفِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ كَالْعَيْنِ الْكَامِلَةِ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ (فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا) عَنْ الْيَمِينِ (جُعِلَ) الْجِدَارُ (بَيْنَهُمَا) بِظَاهِرِ الْيَدِ فَيَنْتَفِعُ كُلٌّ بِهِ مِمَّا يَلِيهِ عَلَى الْعَادَةِ. (وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا)، وَنَكَلَ الْآخَرُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (قُضِيَ لَهُ) بِالْكُلِّ، وَتَتَّضِحُ مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ مَنْ بَدَأَ الْقَاضِي بِتَحْلِيفِهِ وَنَكَلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لِيَقْضِيَ لَهُ بِالْجَمِيعِ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ يَمِينُ النَّفْيِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ، وَيَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ، فَهَلْ تَكْفِيهِ الْآنَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ لِلنَّفْيِ وَأُخْرَى لِلْإِثْبَاتِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ فَيَحْلِفُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُ وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِيهِ، أَوْ يَقُولُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِي (وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْأَمْتِعَةَ فِيمَا لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا بِيَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا أَمْتِعَةٌ، فَإِذَا تَحَالَفَا بَقِيَتْ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِاحْتِمَالِ، أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ مِنْ إعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ يَرَى الْإِجْبَارَ عَلَى الْوَضْعِ، وَاَلَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الْإِعَارَةُ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْأَسْبَابِ، فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ أَوْ الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ (وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ) أَيْ الشَّخْصِ (وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ) بِنَاءِ (الْعُلْوِ) بِأَنْ يَكُونَ السَّقْفُ عَالِيًا فَيُثْقَبُ وَسَطُ الْجِدَارِ وَيُوضَعُ رَأْسُ الْجُذُوعِ فِي الثُّقْبِ وَيُسَقَّفُ فَيَصِيرُ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ بَيْتَيْنِ (فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَإِنَّهُ سَاتِرٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَأَرْضٌ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ (أَوْ لَا) يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْعُلْوِ كَالْأَزَجِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ عَقْدُهُ عَلَى وَسَطِ الْجِدَارِ بَعْدَ امْتِدَادِهِ فِي الْعُلْوِ (فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ) يَكُونُ لِاتِّصَالِهِ بِبِنَائِهِ؟.
خَاتِمَةٌ: لَوْ كَانَ السُّفْلُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعُلْوُ لِآخَرَ وَتَنَازَعَا فِي الدِّهْلِيزِ أَوْ الْعَرْصَةِ، فَمِنْ الْبَابِ إلَى الْمَرْقَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدًا وَتَصَرُّفًا بِالِاسْتِطْرَاقِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْبَاقِي لِلْأَسْفَلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ يَدًا وَتَصَرُّفًا، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْمَرْقَى الدَّاخِلِ وَهُوَ مَنْقُولٌ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَهُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ فِي غُرْفَةٍ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فَهُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ مَنْصُوبًا فِي مَوْضِعِ الرُّقِيِّ فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى مُثَبَّتًا فِي مَوْضِعِهِ كَالسُّلَّمِ الْمُسَمَّرِ فَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ، لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَبْنِيًّا وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَيْتٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ السُّقُوفِ أَوْ مَوْضِعُ جَرَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مَعَ ضَعْفِ مَنْفَعَةِ الْأَسْفَلِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي حِيطَانِ السُّفْلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْغُرْفَةُ فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ السُّفْلِ فَإِنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي حِيطَانِ الْغُرْفَةِ، فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ الْعُلْوِ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ.
الشَّرْحُ: بَابُ الْحَوَالَةِ هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: الِانْتِقَالُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَالَ عَنْ الْعَهْدِ: إذَا انْتَقَلَ عَنْهُ وَتَغَيَّرَ. وَفِي الشَّرْعِ: عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَيُطْلَقُ عَلَى انْتِقَالِهِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ {مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أَتْبَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلِيَتْبَعْ} بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ فَلِيَحْتَلْ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ. وَيُسَنُّ قَبُولُهَا عَلَى مَلِيءٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَخَبَرُ {لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ} وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَلِيءُ وَافِيًا وَلَا شُبْهَةَ فِي مَالِهِ، وَالْمَلِيءُ بِالْهَمْزَةِ: الْغَنِيُّ، وَالْمَطْلُ إطَالَةُ الْمُدَافَعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ رِبَوِيَّيْنِ، فَهُوَ بَيْعٌ لِأَنَّهَا إبْدَالُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَلَكَ بِهَا مَا لَمْ يَمْلِكْ، فَكَأَنَّ الْمُحِيلَ بَاعَ الْمُحْتَالَ مَا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا لِلْمُحْتَالِ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ اسْتِيفَاءٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، فَكَأَنَّ الْمُحْتَالَ اسْتَوْفَى مَا عَلَى الْمُحِيلِ، وَأَقْرَضَهُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ الْبَيْعِ لَمْ أَرَهُ مُسْتَمِرًّا. وَأَرْكَانُهَا سِتَّةٌ: مُحِيلٌ، وَمُحْتَالٌ، وَمُحَالٌ عَلَيْهِ، وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَصِيغَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي، وَإِنْ سُمِّيَ بَعْضُهَا شَرْطًا كَمَا قَالَ.
المتن: يُشْتَرَطُ لَهَا رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ، لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (يُشْتَرَطُ لَهَا) لِتَصِحَّ (رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ)؛ لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ إيفَاءَ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، فَلَا يَلْزَمُ بِجِهَةٍ، وَحَقُّ الْمُحْتَالِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَتَفَاوَتُ وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ: لِلْإِبَاحَةِ، وَطَرِيقُ الْوُقُوفِ عَلَى تَرَاضِيهِمَا إنَّمَا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَعَبَّرَ كَغَيْرِهِ هُنَا بِالرِّضَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَالِ الرِّضَا بِالْحَوَالَةِ، وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ وَالتَّصَرُّفِ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَوَالَةِ، بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَنَقَلْت حَقَّكَ إلَى فُلَانٍ، أَوْ جَعَلْتُ مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَى فُلَانٍ لَك، أَوْ مَلَّكْتُكَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بِحَقِّكَ، وَقَوْلُهُ: أَحِلْنِي كَبِعْنِي فِي الْبَيْعِ، فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ، وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى كَالْبَيْعِ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَلَوْ قَالَ: أَحَلْتُكَ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي أَحَلْتُكَ الْوَكَالَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: إنَّهُ صَرِيحٌ، لَكِنْ يَقْبَلُ الصَّرْفَ كَغَيْرِهِ مِنْ الصَّرَائِحِ الَّتِي تَقْبَلُهُ
المتن: وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ تَصِحُّ بِرِضَاهُ وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ، عَلَيْهِ، وَالْمِثْلِيِّ وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ فِي الْأَصَحِّ، وَبِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَعَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا بَيْعٌ، إذْ لَيْسَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِجَعْلِهِ عِوَضًا عَنْ حَقِّ الْمُحْتَالِ (وَقِيلَ: تَصِحُّ بِرِضَاهُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ إلَخْ، فَقَبُولُهُ ضَمَانٌ لَا يَبْرَأُ بِهِ الْمُحِيلُ، وَقِيلَ: يَبْرَأُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَطَوَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ كَانَ قَاضِيًا دَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزٌ (وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ) وَهُوَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجُوزَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالثَّمَنِ بَعْدَ زَمَنِ الْخِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْمَوْتِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى ثَالِثٍ (وَعَلَيْهِ) كَذَلِكَ بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ غَيْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ أَمْ اخْتَلَفَا، كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا وَالْآخَرُ قَرْضًا أَوْ أُجْرَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمُسْتَحَقِّ بِالزَّكَاةِ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَكْسِهِ. وَإِنْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا؛ وَتَصِحُّ عَلَى الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَلَيْهِ مَعَ خَرَابِ ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ: أَيْ لَا تَقْبَلُ ذِمَّتُهُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِلَّا فَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى التَّرِكَةِ لِعَدَمِ الشَّخْصِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (وَ) تَصِحُّ بِالدَّيْنِ (الْمِثْلِيِّ) كَالنُّقُودِ وَالْحُبُوبِ (وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ (فِي الْأَصَحِّ) لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَلُزُومِهِ، وَالثَّانِي: لَا، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَوَالَةِ إيصَالُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمِثْلَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ قِيلَ: إنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْأَثْمَانِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ (وَ) تَصِحُّ (بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) بِأَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى إنْسَانٍ (وَعَلَيْهِ) بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ إنْسَانًا عَلَى الْمُشْتَرِي (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ، وَالْجَوَازُ عَارِضٌ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحَّانِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ الْآنَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ لِتَرَاضِي عَاقِدِيهَا؛ وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ فَلَوْ بَقِيَ الْخِيَارُ فَاتَ مُقْتَضَاهَا، وَفِي الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِرِضَاهُ بِهَا لَا فِي حَقِّ مُشْتَرٍ لَمْ يَرْضَ، فَإِنْ رَضِيَ بِهَا بَطَلَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَطَلَتْ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِعُمُومِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الثَّمَنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَسْخِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ مُسْتَثْنَى وَلَا بَعْدُ كَمَا قَالَ شَيْخِي فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مُزَلْزَلٌ. فَإِنْ قِيلَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ زَمَنَ الْخِيَارِ مُشْكِلٌ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا، لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَحَالَ فَقَدْ أَجَازَ فَوَقَعَتْ الْحَوَالَةُ مُقَارِنَةً لِلْمِلْكِ وَذَلِكَ كَافٍ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لَهُ، أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
المتن: وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ) لِوُجُودِ اللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ فَيَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْهَا، وَلِصِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا فِي قَوْلٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ السَّلَمِ بِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا فَمَالُ الْمُكَاتَبِ قَدْ صَارَ بِالتَّعْجِيزِ لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ دَيْنِ السَّلَمِ قَدْ يَنْقَطِعُ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَصِلَ الْمُحْتَالُ إلَى حَقِّهِ (دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ) غَيْرَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُحْتَالُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَإِلْزَامِهِ وَالثَّانِي يَصِحَّانِ. أَمَّا الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا عَلَيْهِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَالثَّالِثُ: لَا يَصِحَّانِ. أَمَّا عَلَيْهِ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا مِنْهُ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالنُّجُومِ عَمَّا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ وَأَحَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَى سُقُوطِهِ بِالتَّعْجِيزِ، لِأَنَّ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ لَازِمٌ فِي الْجُمْلَةِ وَسُقُوطُهُ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَلَا تَصِحُّ بِجُعْلِ الْجِعَالَةِ وَلَا عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنِهَا حِينَئِذٍ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَامِ.
المتن: وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا، وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَقَدْرًا، وَكَذَا حُلُولًا وَأَجَلًا، وَصِحَّةً وَكَسْرًا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ) أَيْ عِلْمُ كُلٍّ مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ (بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا) كَمِائَةٍ (وَصِفَةً) مُعْتَبَرَةً فِي السَّلَمِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا بَيْعٌ، وَلَا اسْتِيفَاؤُهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْجِنْسِ، لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِالصِّفَةِ لِتَنَاوُلِهَا لَهُ لُغَةً (وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا) وَالْأَظْهَرُ. الْمَنْعُ لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهَا، وَصَوَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ كَأَنْ يَجْنِيَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مُوضِحَةً، ثُمَّ يَجْنِي الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى آخَرَ مُوضِحَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَيُحِيلُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ الْجَانِي ثَانِيًا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْجَانِي أَوَّلًا بِالْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ (وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا) أَيْ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ (جِنْسًا) فَلَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَعَكْسِهِ (وَقَدْرًا) فَلَا تَصِحُّ بِخَمْسَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ وَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُعَاوَضَةُ ارْتِفَاقٍ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الِاتِّفَاقُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْقَرْضِ (وَكَذَا حُلُولًا وَأَجَلًا) وَقَدْرَ الْأَجَلِ (وَصِحَّةً وَكَسْرًا) وَجَوْدَةً وَرَدَاءَةً (فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ إلْحَاقًا لِتَفَاوُتِ الْوَصْفِ بِتَفَاوُتِ الْقَدْرِ وَالثَّانِي: إنْ كَانَ النَّفْعُ فِيهِ لِلْمُحْتَالِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، فَيَحِلُّ بِالْمُؤَجَّلِ وَالْمُكَسَّرِ عَلَى الْحَالِ وَالصَّحِيحِ، وَبِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ عَلَى الْأَقْرَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فِي الْجَمِيعِ وَكَأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالزِّيَادَةِ، وَانْقَلَبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ بَعْضُ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ فَقَالَ بِالصَّحِيحِ عَلَى الْمُكَسَّرِ، وَبِالْجَيِّدِ عَلَى الرَّدِيءِ وَنُسِبَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ أَحَالَ بِمُؤَجَّلٍ عَلَى مُؤَجَّلٍ حَلَّتْ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا تَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ لِبَرَاءَتِهِ بِالْحَوَالَةِ.
المتن: وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ، وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِفَلَسٍ أَوْ جَحْدٍ وَحَلِفٍ وَنَحْوِهِمَا: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا فِي الرَّهْنِ وَلَا فِي الضَّمَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ أَحَالَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَلَى دَيْنٍ بِهِ رَهْنٌ أَوْ ضَامِنٌ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الضَّامِنُ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ، وَالزَّوْجَةُ فِيمَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَوْ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ، وَيُفَارِقُ الْمُحْتَالُ الْوَارِثَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَاقِدُ فِي الْحَوَالَةِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟ رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ، وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِي، وَحَمَلَ شَيْخِي الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ وَهُوَ بَعِيدٌ، إذْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعَقْدِ، فَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي عِقْدِهَا خِيَارُ شَرْطٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَقِيلَ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْخِيَارِ (وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) أَيْ يَصِيرُ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَعْنَى صَيْرُورَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ. وَلَكِنْ تَغَيَّرَ مَحَلُّهُ إنْ قُلْنَا: الْحَوَالَةُ اسْتِيفَاءٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَتْنِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَزِمَ الذِّمَّةَ وَيَكُونُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُحْتَالُ غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا بَيْعٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَمَا ذُكِرَ هُوَ فَائِدَةُ الْحَوَالَةِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَخَذَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (بِفَلَسٍ) طَرَأَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ (أَوْ جَحْدٍ) مِنْهُ لِلدَّيْنِ أَوْ لِلْحَوَالَةِ (وَحَلِفٍ) وَقَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِمَا) مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى كُتُبِ الرَّافِعِيِّ وَعَلَى الرَّوْضَةِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى التَّعَذُّرِ بِامْتِنَاعِهِ لِشَوْكَتِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ مُوسِرًا بَعْدَ مَوْتِ الْبَيِّنَةِ (لَمْ يَرْجِعْ) أَيْ الْمُحْتَالُ (عَلَى الْمُحِيلِ) كَمَا لَوْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ الدَّيْنِ وَتَلَفَ فِي يَدِهِ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ فِي أَحَدِ أَوْجُهٍ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِاقْتِرَانِهَا بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْإِنْكَارِ لَكَانَ أَعَمَّ، لِأَنَّ الْجُحُودَ لُغَةً: الْإِنْكَارُ مَعَ الْعِلْمِ. وَهَلْ يَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ الْإِقَالَةُ حَتَّى لَوْ صَدَرَ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ تَقَايُلٌ فِي الْحَوَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ يَبْنِي عَلَى صِحَّةِ الْإِقَالَةِ فِي الْحَوَالَةِ، وَالنَّقْلُ فِيهَا عَزِيزٌ، وَقَدْ نَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ كَشَفَ عَنْ ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً فَلَمْ يَجِدْ التَّصْرِيحَ بِهَا، وَأَنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ الْجَوَازُ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا بَيْعٌ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ فِيهَا، فَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْحَوَالَةِ ذَكَر ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ التَّفْلِيسِ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قَبْلَ وَفَاءِ الثَّمَنِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: الْحَوَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَلَوْ فُسِخَتْ لَا تَنْفَسِخُ.
المتن: فَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شُرِطَ يَسَارُهُ.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ كَانَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ (مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْبَحْثِ، فَأَشْبَهَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا هُوَ مَغْبُونٌ فِيهِ (وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شُرِطَ يَسَارُهُ) لَا خِلَافَ الشَّرْطِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْعَبْدِ كَاتِبًا فَأَخْلَفَ، وَرَدَّ بِأَنَّ فَوَاتَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ نَقْصًا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِهِ، بَلْ هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَالْإِعْسَارُ نَقْصٌ كَالْعَيْبِ، فَلَوْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الشَّرْطِ لَثَبَتَ عِنْدَ عَدَمِهِ، (وَلَوْ بَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَبْدًا لِغَيْرِ الْمُحِيلِ) لَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ أَيْضًا، بَلْ يُطَالِبُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ، أَوْ عَبْدًا لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا وَمَأْذُونًا لَهُ، وَكَانَ لِسَيِّدِهِ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ قَبْلَ مِلْكِهِ لِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِمِلْكِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَوْ قَبِلَ الْمُحْتَالُ الْحَوَالَةَ بِغَيْرِ اعْتِرَافٍ بِالدَّيْنِ كَانَ قَبُولُهَا مُتَضَمِّنًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ.
المتن: وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ فَوُجِدَ الرَّدُّ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي) الْبَائِعَ (بِالثَّمَنِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ) أَوْ نَحْوِهِ كَتَحَالُفٍ أَوْ إقَالَةٍ (بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ) لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الثَّمَنِ ثَوْبًا، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، وَسَوَاءٌ فِي الْخِلَافِ أَكَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَمَالِ الْحَوَالَةِ أَمْ قَبْلَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَيَرُدُّهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ وَهُوَ بَاقٍ، أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ وَلَا يَرُدُّهُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ الْبَائِعُ بِإِذْنِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَنْ الْبَائِعِ يَقَعُ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ حَتَّى لَا يَجُوزَ إبْدَالُهُ إنْ بَقِيَتْ عَيْنُهُ، (وَإِبْرَاءُ الْبَائِعِ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الْفَسْخِ) كَقَبْضِهِ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ، فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ الْمُحَالِ بِهِ (أَوْ) أَحَالَ (الْبَائِعَ) شَخْصًا (بِالثَّمَنِ) عَلَى الْمُشْتَرِي (فَوُجِدَ الرَّدُّ) لِلْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا مَرَّ (لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ) سَوَاءٌ أَقَبَضَ الْمُحْتَالُ الْمَالَ أَمْ لَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ هُنَاكَ بِثَالِثٍ وَهُوَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِفَسْخِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ، ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْبٍ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَبْطُلُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْبَائِعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ أَحَالَ عَلَى مَنْ أُحِيلَ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ كَالْقَبْضِ لِأَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا، لَكِنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِطَلَبِ الْقَبْضِ مِنْهُ لِيَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ أَحَالَهَا زَوْجُهَا بِصَدَاقِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَهُ بِرِدَّتِهَا أَوْ بِعَيْبٍ أَوْ بِخَلْفِ شَرْطٍ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الصَّدَاقِ إنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَبِنِصْفِهِ إنْ طَلَّقَ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَقُّ هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِثَالِثٍ، فَكَانَ يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّدَاقَ أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا إلَّا بِرِضَاهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ) عَلَى الْمُشْتَرِي (ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ) يُقِيمُهَا الْعَبْدُ أَوْ شَهِدَتْ حِسْبَةٌ (بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ) لِأَنَّهُ بَانَ أَنْ لَا ثَمَنَ حَتَّى يُحَالَ بِهِ، فَيَرُدَّ الْمُحْتَالُ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى حَقُّهُ كَمَا كَانَ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا، وَمَحِلُّ إقَامَةِ الْعَبْدِ الْبَيِّنَةُ إذَا تَصَادَقَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِآخَرَ، كَمَا صَوَّرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهُ لَهَا قَبْلَ بَيْعِهِ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُحْتَالُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِالْحُرِّيَّةِ الْمُتَبَايِعَانِ، لِأَنَّهُمَا كَذَّبَاهَا بِالْبَيْعِ كَذَا قَالَاهُ هُنَا، وَذَكَرَ فِي آخَرِ كِتَابِ الدَّعْوَى (أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقْفًا عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ، ثُمَّ مَلَكَهُ) إنْ قَالَ حِينَ بَاعَ: هُوَ مِلْكِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ سُمِعَتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: وَغَلَّطَ الرُّويَانِيُّ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ ا هـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَائِعُ تَأْوِيلًا، فَإِنْ ذَكَرَهُ كَأَنْ قَالَ: كُنْت أَعْتَقْته وَنَسِيت أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيَّ سُمِعَتْ قَطْعًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا شَيْءَ لِي عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا.
المتن: وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا صِحَّةٌ بِخِلَافِ الْبُطْلَانِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ بِطَرِيقِ الِانْفِسَاخِ (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ) فِي الْحُرِّيَّةِ (وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) بِهَا، لِأَنَّ هَذِهِ قَاعِدَةُ الْحَلِفِ عَلَى النَّفْيِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ، وَعِبَارَتُهُ قَدْ تُوهِمُ تَوَقُّفَ الْحَلِفِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا، وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ، أَنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ اسْتَحْلَفَهُ مِنْهُمَا. أَمَّا الْبَائِعُ فَلِغَرَضِ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الثَّمَنِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِغَرَضِ رَفْعِ الْمُطَالَبَةِ. لَكِنَّهُ إذَا حَلَّفَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يُحَلِّفْهُ الثَّانِي: كَمَا قَالَ شَيْخِي: إنَّهُ الْأَوْجَهُ، لِأَنَّ خُصُومَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ (يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي) لِبَقَاءِ الْحَوَالَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ، وَرَجَّحَ الْبَغَوِيّ الْوَجْهَ الْآخَرَ، لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَلَمَنِي الْمُحْتَالُ بِمَا أَخَذَهُ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى ظَالِمِهِ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُحْتَالُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا جَعَلْنَاهَا كَالْبَيِّنَةِ فَلَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي، وَقَالَ الْمُسْتَحَقُّ، أَحَلْتنِي، أَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ بَلْ أَرَدْت الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ) لِلْمُسْتَحِقِّ: (وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي) دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ (وَقَالَ الْمُسْتَحَقُّ: أَحَلْتنِي) بِهِ (أَوْ قَالَ) الْأَوَّلُ: (أَرَدْت بِقَوْلِي: أَحَلْتُك) بِهِ (الْوَكَالَةَ وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: بَلْ أَرَدْت) بِذَلِكَ (الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ " أَحَلْتُك " فِيمَا يُذْكَرُ كِنَايَةٌ وَقَدْ قَدَّمْت مَا فِيهِ، وَعَلَى كَلَامِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ فَلَا حَوَالَةَ وَلَا وَكَالَةَ (وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ) بِتَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ: أَحَلْتُك بِمِائَةٍ عَلَى زَيْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا قَالَ: أَحَلْتُك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِالْمِائَةِ الَّتِي لِي عَلَى زَيْدٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَحِقِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْحَوَالَةِ
تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: الْمُسْتَحِقُّ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الدَّيْنِ، فَلَوْ أَنْكَرَ مُدَّعِي الْوَكَالَةَ الدَّيْنَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَطْعًا، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ انْدَفَعَتْ الْحَوَالَةُ، وَبِإِنْكَارِ الْآخَرِ الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضٌ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الْمَالَ قَبْلَ الْحَلِفِ بَرِيءَ الدَّافِعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَالٌ أَوْ وَكِيلٌ وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ لِلْحَالِفِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا وَحَقُّهُ عَلَيْهِ بَاقٍ، فَإِنْ خَشِيَ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ مِنْ تَسْلِيمِ حَقِّهِ لَهُ كَانَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ أَخْذُ الْمَالِ، وَجَحَدَ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّهُ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْحَالِفِ وَهُوَ ظَالِمُهُ، (وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ مَعَ الْقَابِضِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ) لَمْ يُطَالِبْهُ الْحَالِفُ لِزَعْمِهِ الْوَكَالَةَ، وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ، وَلَمْ يُطَالِبْ هُوَ الْحَالِفَ لِزَعْمِهِ الِاسْتِيفَاءَ، أَوْ تَلِفَ مَعَهُ بِتَفْرِيطِ طَالِبِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا، وَبَطَلَ حَقُّهُ لِزَعْمِهِ اسْتِيفَاءَهُ.
المتن: وَإِنْ قَالَ أَحَلْتُك فَقَالَ وَكَّلْتَنِي صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ قَالَ) الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ: (أَحَلْتُك فَقَالَ) الْمُسْتَحِقُّ: (وَكَّلْتَنِي) أَوْ قَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِك: أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ (صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ) فِي الْأُولَى جَزْمًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ وَفِي الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ فَائِدَةِ هَذَا الْخِلَافِ عِنْدَ إفْلَاسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الصُّورَتَيْنِ انْدَفَعَتْ الْحَوَالَةُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الْآخَرِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْآخَرُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِاخْتِيَارِ ابْنِ كَجٍّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ بِحَقِّهِ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَهُوَ أَمِينٌ أَوْ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ وَتَقَاصَّا.
خَاتِمَةٌ: لِلْمُحْتَالِ أَنْ يُحِيلَ غَيْرَهُ وَأَنْ يَحْتَالَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَدِينِهِ، وَلَوْ أَجَرَ جُنْدِيٌّ إقْطَاعَهُ وَأَحَالَ بِبَعْضِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، ثُمَّ مَاتَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ فِيمَا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الْمُدَّةِ، وَبُطْلَانُ الْحَوَالَةِ فِيمَا يُقَابِلُهُ، وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِقَدْرِهَا، وَلَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْرَأُ الْمُحِيلُ مِنْهُ، وَلَوْ أَقْرَضَ شَخْصٌ اثْنَيْنِ مِائَةً مَثَلًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ، وَتَضَامَنَا فَأَحَالَ بِهَا شَخْصًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِالْحَوَالَةِ زِيَادَةَ صِفَةٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْقَدْرِ وَلَا فِي الصِّفَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَحَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِخَمْسِينَ فَهَلْ تَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تُوَزَّعُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى إرَادَةِ الْمُحِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا صَرَفَهُ بِنِيَّتِهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَفَائِدَتُهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ الَّذِي يَأْخُذُهُ: أَيْ بِخَمْسِينَ ا هـ. وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ غَرِيمَهُ الدَّائِنَ أَحَالَ عَلَيْهِ فُلَانًا الْغَائِبَ سُمِعَتْ وَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً صُدِّقَ غَرِيمُهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ بِأَنْ تَثْبُتَ بِهَا الْحَوَالَةُ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ إنْ قَدِمَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، إذْ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْضَى بِهَا وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ، لِأَنَّهُ إذْ قَدِمَ يَدَّعِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، لَا الْمُحِيلِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
|