الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ إنْ انْفَرَدُوا وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَكَذَا إنْ كَانُوا لِأَبٍ إلَّا فِي الْمُشَرَّكَةِ، وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدَا أُمٍّ وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ، فَيُشَارِكُ الْأَخُ وَلَدَيْ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلَادِ صُلْبٍ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ إلَّا أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ، وَالْأُخْتُ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا أَخُوهَا، وَلِلْوَاحِدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ، وَلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِي إرْثِ الْحَوَاشِي (الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ إنْ انْفَرَدُوا) عَنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ (وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ) فَلِلذَّكَرِ الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ كُلُّ الْمَالِ، وَلِلْأُنْثَى النِّصْفُ وَلِلثِّنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الصِّنْفَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَكَذَا إنْ كَانُوا) أَيْ: الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ (لِأَبٍ) وَانْفَرَدُوا عَنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ (إلَّا) أَيْ لَكِنْ (فِي الْمُشَرَّكَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بِخَطِّهِ أَيْ: الْمُشَرَّكِ فِيهَا بَيْنَ الشَّقِيقِ وَوَلَدَيْ الْأُمِّ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا بِمَعْنَى فَاعِلَةِ التَّشْرِيكِ (وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ) أَوْ جَدَّةٌ (وَوَلَدَا أُمٍّ) فَصَاعِدًا (وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ) فَأَكْثَرُ (فَيُشَارِكُ الْأَخُ) الشَّقِيقُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُسَاوِيهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ (وَلَدَيْ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ) بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي وَرِثُوا بِهَا الْفَرْضَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ أَوْلَادُ الْأُمِّ بَعْضُهُمْ ابْنَ عَمٍّ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَإِنْ سَقَطَتْ عُصُوبَتُهُ، وَتُسَمَّى هَذِهِ أَيْضًا بِالْحِمَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَرَمَ الْأَشِقَّاءَ فَقَالُوا: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ؟ فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ أَنَّ زَيْدًا هُوَ الْقَائِلُ: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا أَمَا زَادَهُمْ الْأَبُ إلَّا قُرْبًا، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَضَى بِهَا مَرَّةً فَلَمْ يُشَرِّكْ، ثُمَّ قَضَى فِي الْعَامِ الثَّانِي فَشَرَّكَ فَقِيلَ: إنَّك أَسْقَطْتَهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي فَقَالَ: ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي. وَتُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَرُوِيَ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حَجَرًا مُلْقًى فِي الْيَمِّ، فَعَلَى هَذَا تُسَمَّى الْحَجَرِيَّةَ وَالْيَمِّيَّةَ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْأَخِ مَنْ يُسَاوِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ صَحَّتْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا (وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ) لِأَبَوَيْنِ (أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَرَابَةُ أُمٍّ يُشَارِكُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ بَدَلَهُ أُخْتٌ لِأَبٍ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ وَعَالَتْ، وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فُرِضَ لَهُمَا أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَأُعِيلَتْ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ وَأَسْقَطَهُنَّ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ هَذَا الْأَخَ الْمَشْئُومَ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الشَّقِيقِ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ أَوْ ثِنْتَانِ فَأَكْثَرُ فُرِضَ لَهُمَا أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ أَوْ خُنْثَى شَقِيقٌ فَبِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ هِيَ الْمُشَرَّكَةُ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كَمَا مَرَّ، وَبِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ تَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا تَدَاخُلٌ، فَيَصِحَّانِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِلَّا ضَرَّ فِي حَقِّهِ ذُكُورَتُهُ وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ، وَيَسْتَوِي فِي حَقِّ وَلَدَيْ الْأُمِّ الْأَمْرَانِ، فَإِذَا قُسِمَتْ يَفْضُلُ أَرْبَعَةٌ مَوْقُوفَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى أَخَذَهَا أَوْ ذَكَرًا أَخَذَ الزَّوْجُ ثَلَاثَةً وَالْأُمُّ وَاحِدًا (وَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ) مِنْ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ وَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ (فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ) فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ، وَلَوْ مَعَ أُنْثَى حَجَبَ أَوْلَادَ الْأَبِ أَوْ أُنْثَى فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِ الْأَبِ الذُّكُورِ فَقَطْ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرُ فَلَهُمَا، أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الْأَبِ الذُّكُورِ فَقَطْ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ مِنْهُمَا مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَأَكْثَرَ (إلَّا أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ) مِنْهُنَّ كَمَا مَرَّ (وَالْأُخْتُ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا أَخُوهَا) لَا ابْنُ الْأَخِ وَلَا ابْنُ الْعَمِّ، فَلَوْ خَلَّفَ شَخْصٌ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَابْنَ أَخٍ لِأَبٍ فَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ، وَلَا يُعَصِّبُ الْأُخْتَ لِأَنَّهُ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَلَا يُعَصِّبُ عَمَّتَهُ، وَأَيْضًا ابْنُ الِابْنِ يُسَمَّى ابْنًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَابْنُ الْأَخِ لَا يُسَمَّى أَخًا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ اجْتَمَعَ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَلِأُمٍّ، وَحُكْمُهُمْ أَنَّ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ، فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ إنَاثًا كَانَ لِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِلَّتِي لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلِلَّتِي لِلْأُمِّ السُّدُسُ (وَلِلْوَاحِدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ، وَلِاثْنَيْنِ) مِنْهُمْ (فَصَاعِدًا الثُّلُثُ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ) بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ بِالرَّحِمِ فَاسْتَوَوْا كَالْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الثُّلُثِ، وَبِهَذَا فَارَقُوا الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ الْأَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْفَرْضِيُّونَ: أَوْلَادُ الْأُمِّ يُخَالِفُونَ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: ذَكَرُهُمْ يُدْلَى بِأُنْثَى وَيَرِثُ. ثَانِيهَا: يَحْجُبُونَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ حَجْبَ نُقْصَانٍ. ثَالِثُهَا: يَرِثُونَ مَعَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ. رَابِعُهَا: تَقَاسُمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. خَامِسُهَا: ذَكَرُهُمْ الْمُنْفَرِدُ كَأُنْثَاهُمْ الْمُنْفَرِدَةِ.
المتن: وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ، فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَلَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَيَسْقُطُونَ فِي الْمُشَرَّكَةِ.
الشَّرْحُ: وَلَمَّا سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ فِي اجْتِمَاعِ الْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ أَشَارَ هُنَا إلَى الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ فَقَالَ: (وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ {أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ. } قَالَ الْإِمَامُ: وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِنْتَانِ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ وَأَخَوَاتٌ أَخَذَ الْبَنَاتُ أَوْ بَنَاتُ الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ، فَلَوْ فَرَضْنَا لِلْأَخَوَاتِ، وَأَعَلْنَا الْمَسْأَلَةَ نَقَصَ نَصِيبُ الْبَنَاتِ، أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ، فَاسْتَبْعَدُوا أَنْ تُزَاحِمَ الْأَخَوَاتُ الْأَوْلَادَ أَوْ أَوْلَادَ الِابْنِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إسْقَاطُهُنَّ فَجَعَلَ عَصَبَاتٍ لِيَدْخُلَ النَّقْصُ عَلَيْهِنَّ خَاصَّةً. ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَةَ كَوْنِهَا عَصَبَةً بِقَوْلِهِ: (فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ) اجْتَمَعَتْ (مَعَ الْبِنْتِ) أَوْ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ مَعَهُمَا الْإِخْوَةَ وَ (الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ) كَمَا يُسْقِطُهُمْ الْأَخُ الشَّقِيقُ. تَنْبِيهٌ: وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ بَدَلَ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ: أَوْلَادَ الْأَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَخٌ شَقِيقٌ عَصَّبَهَا وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ أَصْلِ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفَ مَا لِلْأُنْثَى وَلِأَنَّ تَعْصِيبَهَا إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ (وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ) حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ (كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا) فَيَسْتَغْرِقُ الْوَاحِدُ أَوْ الْجَمْعُ مِنْهُمْ الْمَالَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْفُرُوضِ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ يُسْقِطُ ابْنُ الشَّقِيقِ ابْنَ الْأَخِ لِلْأَبِ (لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ) أَيْ: آبَاءَهُمْ (فِي أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْأُمَّ) مِنْ الثُّلُثِ (إلَى السُّدُسِ) بِخِلَافِ آبَائِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهَا الثُّلُثَ حَيْثُ لَا إخْوَةَ، وَهَذَا الِاسْمُ لَا يَصْدُقُ عَلَى بَنِيهِمْ كَمَا مَرَّ (وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ) بَلْ يَسْقُطُونَ بِهِ وَآبَاؤُهُمْ يَرِثُونَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ كَالْأَخِ بِدَلِيلِ تَقَاسُمِهِمَا إذَا اجْتَمَعَا، وَإِذَا كَانَ كَالْأَخِ فَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ مَعَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ (وَلَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَيَسْقُطُونَ فِي الْمُشَرَّكَةِ) بِخِلَافِ آبَائِهِمْ الْأَشِقَّاءِ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَ التَّشْرِيكِ قَرَابَةُ الْأُمِّ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي ابْنِ الْأَخِ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ مُخْتَصَّةٌ بِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ كَمَا قَرَّرْتُهُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَبَنِيهِمْ سِيَّانِ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ أُخَرَ: الْأُولَى: الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأَوْلَادُهُمْ لَا يَحْجُبُونَهُمْ الثَّانِيَةُ: الْأَخُ لِلْأَبِ يَحْجُبُ ابْنَ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَابْنُهُ لَا يَحْجُبُهُ. الثَّالِثَةُ: بَنُو الْإِخْوَةِ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَخَوَاتِ إذَا كُنَّ عَصَبَاتٍ مَعَ الْبَنَاتِ. فَائِدَةٌ: الْإِخْوَةُ وَالْإِخْوَانُ: جَمْعُ أَخٍ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَخُو النَّسَبِ، وَأَخُو الصَّدَاقَةِ. وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: الْإِخْوَةُ فِي النَّسَبِ وَالْإِخْوَانُ فِي الْأَصْدِقَاءِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ كُلٌّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا.
المتن: وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ كَأَخِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ وَسَائِرِ عَصَبَةِ النَّسَبِ، وَالْعَصَبَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ، فَيَرِثُ الْمَالَ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ.
الشَّرْحُ: (وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ) حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ (كَالْأَخِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا) مَنْصُوبَانِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: فِي الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ: مِنْ جِهَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ، فَمَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمَا اسْتَغْرَقَ الْمَالَ وَإِلَّا أَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ، وَإِذَا اجْتَمَعَا سَقَطَ الْعَمُّ لِأَبٍ بِالْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ كَأَخٍ مِنْ أَبٍ مَعَ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ، هَذَا عِنْدَ عَدَمِ بَنِي الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُمْ يَحْجُبُونَهُمْ لِتَأَخُّرِ رُتْبَتِهِمْ عَنْهُمْ (وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَمِّ كَبَنِي الْإِخْوَةِ (وَ) كَذَا قِيَاسُ (سَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (عَصَبَةِ النَّسَبِ) كَبَنِي بَنِي الْعَمِّ وَبَنِي بَنِي الْإِخْوَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَنُو الْأَخَوَاتِ اللَّوَاتِي هُنَّ عَصَبَةٌ مَعَ الْبَنَاتِ مَعَ أَنَّ بَنِيهِنَّ لَيْسُوا مِثْلَهُنَّ، وَهُنَّ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ (وَالْعَصَبَةُ) وَيُسَمَّى بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ جَمْعُ عَاصِبٍ، وَمَعْنَى الْعَصَبَةِ لُغَةً قَرَابَةُ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ، وَشَرْعًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَنْ لَيْسَ لَهُ) حَالَ التَّعْصِيبِ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ (سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ) الْوَرَثَةِ (الْمُجْمَعِ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ) وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْتُ الْمُقَدَّرَ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ لِئَلَّا يَرِدَ ابْنُ عَمٍّ هُوَ زَوْجٌ أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ فَرْضًا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ التَّعْصِيبِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ أُخُوَّةِ الْأُمِّ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ، وَأَدْخَلْتُ فِي كَلَامِهِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، إذْ الصَّحِيحُ فِي تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُمْ يُنَزِّلُونَ كُلًّا مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَهُمْ يَنْقَسِمُونَ إلَى ذَوِي فَرْضٍ وَعَصَبَاتٍ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الرِّجَالِ عَصَبَةٌ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ النِّسَاءِ ذَاتُ فَرْضٍ إلَّا الْمُعْتِقَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْعَصَبَةِ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: (فَيَرِثُ الْمَالَ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ فِي صُورَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَيْتُ الْمَالِ (أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ) أَوْ الْفَرْضِ، إنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ أَوْ ذُو فُرُوضٍ أَيْ: سَهْمٍ مُقَدَّرٍ وَلَمْ يَنْتَظِمْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بَيْتُ الْمَالِ وَكَانَ ذُو الْفَرْضِ فِيهَا أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ لَهُ فَرْضٌ، وَمِنْ حُكْمِ الْعَاصِبِ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ كَمَا سَبَقَ إلَّا إذَا انْقَلَبَ إلَى فَرْضٍ كَالشَّقِيقِ فِي الْمُشَرَّكَةِ، وَمِنْ حُكْمِهِ أَيْضًا أَنَّ قَرِيبَ الْجِهَةِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَرِيبِ لِلْمَيِّتِ، فَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنِ ابْنِ أَخٍ وَابْنِ عَمٍّ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. تَنْبِيهٌ: وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ هُنَّ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ غَيْرُ وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ أَخِيهِنَّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: فَيَرِثُ الْمَالَ صَادِقٌ بِالْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَبِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مَعًا، وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ هُنَّ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ غَيْرُ وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ أَخِيهِنَّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا فَضَلَ إلَخْ صَادِقٌ بِذَلِكَ، وَبِالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ، وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ، فَلَيْسَ لَهُنَّ حَالٌ يَسْتَغْرِقْنَ فِيهَا الْمَالَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ وَالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ لُحْمَةَ عَصَبَةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي.
المتن: مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَهُ مُعْتِقٌ فَمَالُهُ أَوْ الْفَاضِلُ عَنْ الْفُرُوضِ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِعَصَبَتِهِ بِنَسَبٍ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ لَا لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ، وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ لَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ وَابْنَ أَخِيهِ يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَلِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ (مَنْ) مَاتَ (وَلَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَهُ مُعْتِقٌ فَمَالُهُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كُلُّهُ لِمُعْتِقِهِ (أَوْ الْفَاضِلُ) مِنْهُ (عَنْ) الْفَرْضِ أَوْ (الْفُرُوضِ لَهُ رَجُلًا كَانَ) الْمُعْتِقُ (أَوْ امْرَأَةً) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَلِأَنَّ الْإِنْعَامَ بِالْإِعْتَاقِ مَوْجُودٌ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنَّمَا قُدِّمَ النَّسَبُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ حَدِيثُ {الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ} شُبِّهَ بِهِ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ مُعْتِقٌ (فَلِعَصَبَتِهِ) أَيْ الْمُعْتِقِ (بِنَسَبٍ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ) كَابْنِهِ وَأَخِيهِ (لَا لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ) وَلَوْ مَعَ أَخَوَيْهِمَا الْمُعَصِّبَيْنِ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَلَا لِلْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّ الْوَلَاءَ أَضْعَفُ مِنْ النَّسَبِ الْمُتَرَاخِي، وَإِذَا تَرَاخَى النَّسَبُ وَرِثَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ كَبَنِي الْأَخِ وَبَنِي الْعَمِّ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ، فَإِذَا لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ فَبِنْتُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى أَنْ لَا تَرِثَ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْهُمَا، وَالْمُعْتَبَرُ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَوَلَاؤُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ. تَنْبِيهٌ: الْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْوَلَاءُ ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ، إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ الْوَلَاءُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَرِثُوا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَتَلَخَّصُ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ لَهُمْ مَعَهُ، لَكِنْ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِيمَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لَهُ كَإِرْثِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لَا بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ الَّذِي هُوَ الْإِرْثُ (وَتَرْتِيبُهُمْ) أَيْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ (كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ) فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ وَإِنْ عَلَا، وَهَكَذَا (لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَابْنَ أَخِيهِ) لَهُمَا (يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ) جَرْيًا عَلَى الْقِيَاسِ فِي أَنَّ الْبُنُوَّةَ أَقْوَى مِنْ الْأُبُوَّةِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي النَّسَبِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَخَ لَا يُسْقِطُ الْجَدَّ، وَلَا إجْمَاعَ فِي الْوَلَاءِ فَصِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ كَالنَّسَبِ، وَيَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْعَمِّ وَأَبِي الْجَدِّ، وَفِي كُلِّ عَمٍّ اجْتَمَعَ مَعَ جَدٍّ إذَا أَدْلَى الْعَمُّ بِأَبٍ دُونَ ذَلِكَ الْجَدِّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَذَا فِي ابْنِ الْعَمِّ مَعَ أَبِي الْجَدِّ، وَيُفَارِقُ الْعِتْقُ أَيْضًا النَّسَبَ فِيمَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَا عَمٍّ: أَحَدُهُمَا: أَخٌ لِأُمٍّ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَرْضِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ فِي النَّسَبِ يَرِثُ فَأُعْطِيَ فَرْضَهُ وَاسْتَوَيَا فِي الْبَاقِي بِالْعُصُوبَةِ، وَفِي الْوَلَاءِ لَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ، فَرُجِّحَ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ لِتَمَحُّضِهَا لِلتَّرْجِيحِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ (عَصَبَةٌ) مِنْ النَّسَبِ (فَلِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتِهِ) أَيْ عَصَبَةِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ.
المتن: وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مُعْتَقَهَا أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مُعْتَقَهَا) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَتْهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ {إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} تَنْبِيهٌ: قَدْ يُشْعِرُ قَوْلُهُ: مُعْتَقَهَا إخْرَاجَ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُصُولِهَا أَوْ فُرُوعِهَا بِالْمِلْكِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ لَهَا وَلَاؤُهُ اتِّفَاقًا (أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ) أَيْ: مُعْتَقِهَا (بِنَسَبٍ) كَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ (أَوْ وَلَاءٍ) كَمُعْتَقِهِ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَيَشْرَكُهَا الرَّجُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَصَبَةَ مُعْتِقٍ مِنْ النَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: اشْتَرَتْ بِنْتٌ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنٍ لَهُ ثُمَّ عَتِيقُهُ عَنْهُمَا فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى فِي التَّنْبِيهِ صُورَةً ثَالِثَةً، وَهِيَ جَرُّ الْوَلَاءِ إلَيْهَا. وَصُورَتُهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدُهَا بِمُعْتَقَةٍ لِرَجُلٍ فَيَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا وَهُوَ أَبُو الْوَلَدِ جَرَّ الْأَبُ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَلَوْ اشْتَرَتْ بِنْتٌ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنٍ لَهُ ثُمَّ عَتِيقُهُ عَنْهُمَا فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ مُعْتِقٍ مِنْ النَّسَبِ وَالْبِنْتَ مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، وَتُسَمَّى هَذِهِ مَسْأَلَةَ الْقُضَاةِ لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ غَيْرُ الْمُتَفَقِّهَةِ حَيْثُ جَعَلُوا الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ، وَغَفَلُوا عَنْ كَوْنِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مِنْ النَّسَبِ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَلَا مِيرَاثَ لِمُعْتِقِ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ إلَّا لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ.
المتن: إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَمُقَاسَمَتُهُمْ كَأَخٍ، فَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ فَالْبَاقِي لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ وَثُلُثِ الْبَاقِي وَالْمُقَاسَمَةِ، وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ، وَقَدْ يَبْقَى دُونَ سُدُسٍ كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ فَيُفْرَضُ لَهُ وَتُعَالُ، وَقَدْ يَبْقَى سُدُسٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدُّ، وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ فَحُكْمُ الْجَدِّ مَا سَبَقَ وَيُعَدُّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِ أَوْلَادَ الْأَبِ فِي الْقِسْمَةِ، فَإِذَا أَخَذَ حِصَّتَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ فَالْبَاقِي لَهُمْ وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ: فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: (إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ) أَوْ أَبُوهُ (وَإِخْوَةٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا (وَأَخَوَاتٌ) فَإِنْ كَانُوا لِأُمٍّ سَقَطُوا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْحَجْبِ، وَإِنْ كَانُوا (لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) لَمْ يَسْقُطُوا بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ خَطِيرٌ فِي الْفَرَائِضِ، وَمَسَائِلُهُ كَثِيرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَكَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهَا، وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ: " أَجْرَؤُكُمْ عَلَى قَسْمِ الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْتَحِمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقْضِ فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ مِنْ عَصَبَاتِكُمْ، وَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لَا حَيَّاهُ اللَّهُ وَلَا بَيَّاهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَوَّلُ مَنْ وَرَّثَ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، ثُمَّ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا تُسْقِطُ الْجَدَّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخَالِفْ إلَّا فِرْقَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَبًا وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ كَالْأَبِ فَأَسْقَطَ الْإِخْوَةَ. وَالْمَذْهَبِ الثَّانِي: أَنَّهُ يُشَارِكُ الْإِخْوَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو) أَيْ صَاحِبُ (فَرْضٍ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ) جَمِيعِ (الْمَالِ، وَ) مِنْ (مُقَاسَمَتِهِمْ كَأَخٍ). أَمَّا أَخْذُ الثُّلُثِ فَلِأَنَّ لَهُ مَعَ الْأُمِّ مِثْلَيْ مَالِهَا، وَالْإِخْوَةُ لَا يُنْقِصُونَهَا عَنْ السُّدُسِ فَلَا يُنْقِصُونَهُ عَنْ مِثْلَيْهِ وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يُنْقِصُونَ أَوْلَادَ الْأُمِّ عَنْ الثُّلُثِ، فَبِالْأَوْلَى الْجَدُّ لِأَنَّهُ يَحْجُبُهُمْ. وَأَمَّا الْمُقَاسَمَةُ فَلِأَنَّهُ كَالْأَخِ فِي إدْلَائِهِ بِالْأَبِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَأَخَذَ بِأَكْثَرِهِمَا. فَإِنْ اسْتَوَى لَهُ الْأَمْرَانِ، فَالْفَرْضِيُّونَ يُعَبِّرُونَ فِيهِ بِالثُّلُثِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ: أَنَّ لَهُ مَعَ الْأَخَوَاتِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فِيمَا إذَا كَانُوا دُونَ مِثْلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ: أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ، وَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فِيمَا إذَا زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِ، وَلَا تَنْحَصِرُ صُوَرُهُ فِي عَدَدٍ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِخَمْسِ أَخَوَاتٍ وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتٍ أَوْ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ وَأَخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ، وَيَسْتَوِي لَهُ الثُّلُثُ وَالْمُقَاسَمَةُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتَانِ (فَإِنْ أَخَذَ) الْجَدُّ (الثُّلُثَ فَالْبَاقِي لَهُمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ جَدٌّ (وَإِنْ كَانَ) مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ يُتَصَوَّرُ إرْثُهُ مَعَهُمْ وَهُوَ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّاتُ وَالزَّوْجَانِ (فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ، وَ) مِنْ (ثُلُثِ الْبَاقِي) بَعْدَ الْفَرْضِ (وَ) مِنْ (الْمُقَاسَمَةِ) بَعْدَ الْفَرْضِ. أَمَّا السُّدُسُ: فَلِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ مَعَ الْأَوْلَادِ فَمَعَ الْإِخْوَةِ أَوْلَى، وَأَمَّا ثُلُثُ الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ لَأَخَذَ جَمِيعَ ثُلُثِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ قَدْرُ الْفَرْضِ مُسْتَحَقًّا أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي وَكَأَنَّ الْفَرْضَ تَلِفَ مِنْ الْمَالِ. وَأَمَّا الْمُقَاسَمَةُ فَلِمَا سَبَقَ مِنْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أَخٍ، وَضَابِطُ مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْفَرْضُ نِصْفًا فَمَا دُونَهُ، فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كَانَ لِإِخْوَةٍ دُونَ مِثْلَيْهِ، وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِ فَثُلُثُ الْبَاقِي أَغْبَطُ، وَإِنْ كَانُوا مِثْلَيْهِ اسْتَوَيَا، وَقَدْ تَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ ثُلُثَيْنِ فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ وَإِلَّا فَلَهُ السُّدُسُ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ كَنِصْفٍ وَثُمُنٍ، فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ مَعَ أُخْتٍ أَوْ أَخٍ أَوْ أُخْتَيْنِ، فَإِنْ زَادُوا فَلَهُ السُّدُسُ (وَقَدْ لَا يَبْقَى) بَعْدَ الْفَرْضِ (شَيْءٌ) لِلْجَدِّ (كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ بِسَهْمِ بَقِيَّةِ فَرْضِ مَنْ نَقَصَ فَرْضُهُ، وَحِينَئِذٍ (فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ) اثْنَانِ (وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ) إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ (وَقَدْ يَبْقَى) لِلْجَدِّ بَعْدَ الْفَرْضِ (دُونَ سُدُسٍ: كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ، هِيَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ: لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، يَبْقَى لِلْجَدِّ سَهْمٌ (فَيُفْرَضُ لَهُ) سُدُسٌ (وَتُعَالُ) الْمَسْأَلَةُ بِوَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ (وَقَدْ يَبْقَى) لِلْجَدِّ (سُدُسٌ: كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ، هِيَ مِنْ سِتَّةٍ: لِلْبِنْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ (فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدُّ وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ) وَالْأَخَوَاتُ (فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ) الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ، وَقَدْ اسْتَغْرَقَ الْمَالُ أَهْلَ الْفَرْضِ (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ) بِالْوَاوِ بِلَا أَلِفٍ قَبْلَهَا، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ بِأَوْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا، وَالْكَلَامَ هُنَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا، وَحِينَئِذٍ (فَحُكْمُ الْجَدِّ مَا سَبَقَ) مِنْ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَ مَعَهُ (وَ) لَكِنْ فِي صُورَةِ اجْتِمَاعِهِمَا (يَعُدُّ) أَيْ يَحْسُبُ (أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ فَاعِلُ يَعُدُّ (عَلَيْهِ) أَيْ الْجَدِّ (أَوْلَادَ الْأَبِ) بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ مَفْعُولُ يَعُدُّ (فِي الْقِسْمَةِ) أَيْ: يُدْخِلُونَهُمْ فِي الْعَدَدِ عَلَى الْجَدِّ إذَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ (فَإِذَا أَخَذَ) الْجَدُّ (حِصَّتَهُ) وَهِيَ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَبَقَ (فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ) وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ مَعَهُ أُنْثَى فَأَكْثَرُ (فَالْبَاقِي لَهُمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ)؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَبَوَيْنِ يَقُولُونَ لِلْجَدِّ: كِلَانَا إلَيْكَ سَوَاءٌ فَنُزَاحِمُكَ بِإِخْوَتِنَا، وَنَأْخُذُ حِصَّتَهُمْ، كَمَا أَنَّ الْإِخْوَةَ يَرُدُّونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَالْأَبُ يَحْجُبُهُمْ وَيَأْخُذُ مَا نَقَصُوا مِنْ الْأُمِّ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ وَالْأَخِ الشَّقِيقِ أَنْ يَقُولَ الْجَدُّ: أَنَا الَّذِي أَحْجُبُهُ فَأَزْحَمُكَ بِهِ وَآخُذُ حِصَّتَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِخْوَةَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَازَ أَنْ يَنُوبَ أَخٌ عَنْ أَخٍ، وَالْأُخُوَّةُ وَالْجُدُودَةُ جِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْجَدُّ نَصِيبَ الْآخَرِ، وَبِأَنَّ وَلَدَ الْأَبِ الْمَعْدُودَ عَلَى الْجَدِّ لَيْسَ بِمَحْرُومٍ أَبَدًا بَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مَا قُسِمَ لَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ عَدَّ الْجَدُّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَانَ مَحْرُومًا أَبَدًا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الْمُعَادَّةِ هَذِهِ الْمُعَادَّةُ. فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ: لِلْجَدِّ سَهْمٌ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ، وَيَسْقُطُ الْأَخُ لِلْأَبِ. وَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ: سِتَّةٍ لِلْجَدِّ اثْنَانِ وَالْبَاقِي - وَهُوَ الثُّلُثَانِ - لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَتَرْجِعُ لِثَلَاثَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ ابْتِدَاءً مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ وَاحِدٌ وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ اثْنَانِ، وَيَسْقُطُ الْأَخُ لِلْأَبِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ.
المتن: وَإِلَّا فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ إلَى النِّصْفِ.
الشَّرْحُ: وَفِي جَدٍّ وَشَقِيقٍ وَشَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ عَدَدُ رُءُوسِهِمْ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْجَدِّ سِتَّةٌ، وَلِلشَّقِيقِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ أَرْبَعَةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ وَاحِدٌ يَفْضُلُ اثْنَانِ لِلشَّقِيقِ وَالشَّقِيقَةِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ لِلْجَدِّ ثَلَاثَةٌ وَلِلشَّقِيقِ أَرْبَعَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ اثْنَانِ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَأَشْبَاهُهَا تُسَمَّى بِالْمُعَادَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ بَلْ إنَاثٌ (فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ) مِنْهُنَّ مَا خَصَّهَا مَعَ الْجَدِّ بِالْقِسْمَةِ (إلَى) تَكْمِلَةِ (النِّصْفِ) إنْ وَجَدَتْهُ.
المتن: وَالثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا إلَى الثُّلُثَيْنِ.
الشَّرْحُ: فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ لِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ خَمْسَةٌ يَفْضُلُ وَاحِدٌ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَشَرِيَّةِ زَيْدٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ كَجَدٍّ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ لِأَبٍ فَتَقْتَصِرُ الشَّقِيقَةُ عَلَى مَا فَضَلَ لَهَا، وَلَا تُزَادُ عَلَيْهِ (وَ) تَأْخُذُ (الثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا) مَعَ مَا خَصَّهُمَا مَعَ الْجَدِّ بِالْقِسْمَةِ (إلَى) تَكْمِلَةِ (الثُّلُثَيْنِ) إنْ وَجَدَتَا ذَلِكَ.
المتن: وَلَا يَفْضُلُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ.
الشَّرْحُ: فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا الثُّلُثَيْنِ بَلْ النَّاقِصَ عَنْهُمَا اقْتَصَرَتَا عَلَى النَّاقِصِ كَجَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَهُوَ دُونَ الثُّلُثَيْنِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالتَّعْصِيبِ وَإِلَّا لَزِيدَتَا وَأُعِيلَتْ (وَلَا يَفْضُلُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ) لِأَنَّ لِلْجَدِّ الثُّلُثَ كَمَا مَرَّ.
المتن: وَقَدْ يَفْضُلُ عَنْ النِّصْفِ فَيَكُونُ لِأَوْلَادِ الْأَبِ.
الشَّرْحُ: فَإِذَا مَاتَ عَنْ شَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَهُوَ تَمَامُ فَرْضِهِمَا (وَقَدْ يَفْضُلُ عَنْ النِّصْفِ) شَيْءٌ (فَيَكُونُ) الْفَاضِلُ (لِأَوْلَادِ الْأَبِ) كَمَا مَرَّ فِي عَشَرِيَّةِ زَيْدٍ.
المتن: وَالْجَدُّ مَعَ أَخَوَاتٍ كَأَخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ نِصْفٌ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ وَلِلْجَدِّ سُدُسٌ، وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ فَتَعُولُ ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْجَدُّ، وَالْأُخْتُ نَصِيبَيْهِمَا أَثْلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ.
الشَّرْحُ: (وَالْجَدُّ) حُكْمُهُ (مَعَ أَخَوَاتٍ كَأَخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ) كَمَا لَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَلَا تُعَالُ الْمَسْأَلَةُ بِسَبَبِهِنَّ وَلَكِنْ قَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَهُنَّ وَتُعَالُ الْمَسْأَلَةُ بِسَبَبِهِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فَرْضٍ بِالْجُدُودَةِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ قَوْلَهُ (إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا إلَى أَكْدَرَ وَهُوَ اسْمُ السَّائِلِ عَنْهَا أَوْ الْمَسْئُولِ أَوْ الزَّوْجِ، أَوْ بَلَدِ الْمَيِّتَةِ، أَوْ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ وَلَا يُعِيلُ مَسَائِلَ الْجَدِّ، وَهُنَا فَرَضَ وَأَعَالَ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي تَسْمِيَتُهَا مُكَدِّرَةً لَا أَكْدَرِيَّةً، وَقِيلَ لِأَنَّ زَيْدًا أَكْدَرَ عَلَى الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا لِأَنَّهُ أَعْطَاهَا النِّصْفَ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهُ مِنْهَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) هِيَ مِنْ سِتَّةٍ (فَلِلزَّوْجِ) مِنْهَا (نِصْفٌ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْأُمِّ) مِنْهَا (ثُلُثٌ) وَهُوَ اثْنَانِ لِعَدَمِ مَنْ يَحْجُبُهَا عَنْهُ (وَلِلْجَدِّ) مِنْهَا (سُدُسٌ) وَهُوَ وَاحِدٌ لِعَدَمِ مَنْ يَحْجُبُهُ (وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِعَدَمِ مَنْ يُسْقِطُهَا مِنْهُ وَمَنْ يُعَصِّبُهَا، فَإِنَّ الْجَدَّ لَوْ عَصَّبَهَا نَقَصَ حَقُّهُ وَهُوَ السُّدُسُ فَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ لَهَا (فَتَعُولُ) بِنَصِيبِ الْأُخْتِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ إلَى تِسْعَةٍ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَقْتَسِمُ الْجَدُّ وَالْأُخْتُ نَصِيبَهُمَا) وَهُمَا الْأَرْبَعَةُ مِنْ التِّسْعَةِ (أَثْلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ) وَلَهَا الثُّلُثُ فَانْكَسَرَتْ عَلَى مَخْرَجِ الثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ، وَإِنَّمَا قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَفْضِيلِهَا عَلَى الْجَدِّ كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ فَفُرِضَ لَهَا بِالرَّحِمِ، وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا بِالتَّعْصِيبِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ كَوْنِهَا عَصَبَةً بِالْجَدِّ أَنْ تَسْقُطَ وَإِنْ رَجَعَ الْجَدُّ إلَى الْفَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ مَعَ الْبَنَاتِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَنَاتِ لَا يَأْخُذْنَ إلَّا الْفَرْضَ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عُصُوبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَفَرِيضَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَالتَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِ الْفَرْضِيَّةِ، وَالْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، وَأَيْضًا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَتْ الْأُخْتُ عَصَبَةً مَعَ الْجَدِّ وَالْجَدُّ صَاحِبُ فَرْضٍ، كَمَا أَنَّ الْأُخْتَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ صَاحِبَةُ فَرْضٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأُخْتُ عَصَبَةٌ بِالْجَدِّ وَهُوَ عَصَبَةٌ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا يُحْجَبُ إلَى الْفَرْضِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ أَخٌ تَسْقُطُ، أَوْ أُخْتَانِ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلَهُمَا السُّدُسُ الْبَاقِي، وَلَا عَوْلَ وَلَمْ تَكُنْ أَكْدَرِيَّةً، وَلَوْ سَقَطَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الزَّوْجُ كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَرْضًا وَقَاسَمَ الْجَدُّ الْأُخْتَ فِي الثُّلُثَيْنِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْأُمِّ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي لَا ثُلُثَ لَهُ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي الثَّلَاثَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغْ تِسْعَةً: لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ، وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ، وَلِلْأُخْتِ تُسْعَانِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ مُشْكِلٌ فَالْأَسْوَأُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ، وَفِي حَقِّ الْمُشْكِلِ وَالْجَدِّ ذُكُورَتُهُ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُعَالُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يُقَالَ: لَنَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَخَذَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ الْمَالِ، وَآخَرُ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَآخَرُ ثُلُثَ بَاقِي الْبَاقِي، وَآخَرُ الْبَاقِيَ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: لَنَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَخَذَ أَحَدُهُمْ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ، وَآخَرُ نِصْفَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَآخَرُ نِصْفَ الْجُزْأَيْنِ، وَآخَرُ نِصْفَ الْأَجْزَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْأُخْتَ يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ لِلثِّنْتَيْنِ فِي الْمُعَادَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْأَخِ لَا بِالْجَدِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمُلَقَّبَاتِ، وَمِنْهَا الْمُشَرَّكَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَمِنْهَا الْخَرْقَاءُ بِالْمَدِّ، وَهِيَ أُمٌّ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ وَجَدٌّ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخَرُّقِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِيهَا، وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْ الْمُلَقَّبَاتِ مَا لَهُ لَقَبٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهَا مَا لَهُ أَكْثَرُ وَغَايَتُهُ عَشَرَةٌ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْفَرْضِيُّونَ مِنْ التَّلْقِيبَاتِ وَلَا نِهَايَةَ لَهَا وَلَا حَسْمَ لِأَبْوَابِهَا، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمَلًا كَثِيرَةً فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَلَهُمْ مَسَائِلُ أُخَرُ تُسَمَّى بِالْمُعَايَاةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُعَايَاةُ هِيَ أَنْ تَهْتَدِيَ لِشَيْءٍ لَا يُهْتَدَى لَهُ، مِنْهَا مَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ إنْ وَلَدْت ذَكَرًا وَوَرِثَ وَوَرِثْتُ، أَوْ أُنْثَى لَمْ تَرِثْ وَلَمْ أَرِثْ فَهِيَ بِنْتُ ابْنِ الْمَيِّتِ، وَزَوْجَةُ ابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ وَهُنَاكَ بِنْتَا صُلْبٍ، فَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْقَائِلَةِ وَابْنِهَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَلَا شَيْءَ لَهَا لِاسْتِغْرَاقِ الثُّلُثَيْنِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَصِّبِ، وَمِنْهُمَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ، فَكُلُّ ابْنٍ هُوَ عَمُّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ، وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ، هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَوُلِدَ لَهُمَا ابْنَانِ فَكُلُّ ابْنٍ هُوَ خَالُ الْآخَرِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا أَيْضًا جُمَلًا كَثِيرَةً فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذِكْرِ الْمَوَانِعِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ مُتَرْجِمًا لَهَا وَلِمَا يُذْكَرُ مَعَهَا بِفَصْلٍ، فَقَالَ: فَصْلٌ: لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ هَذَا أَحَدُهَا وَهُوَ اخْتِلَافُ الدِّينِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: {لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ} وَلِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ، وَقِيلَ: نَرِثُهُمْ كَمَا نَنْكِحُ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا: وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّوَارُثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ وَلَا مُوَالَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ بِحَالٍ. وَأَمَّا النِّكَاحُ فَمِنْ نَوْعِ الِاسْتِخْدَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَبِالْعَكْسِ، وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ نَفَى التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ صَادِقٌ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، فَلَيْسَ فِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ مَاتَ كَافِرٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ وَوَقَفْنَا الْمِيرَاثَ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ مِنْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْمَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَقَدْ وَرِثَ مُذْ كَانَ حَمْلًا، وَلِهَذَا نَقَلَ السُّبْكِيُّ عَمَّنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى التَّحْقِيقِ فِي الْفِقْهِ مَوْثُوقٌ بِهِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ: أَنَّ لَنَا جَمَادًا يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ ، وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْجَمَادُ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا.
المتن: لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ وَلَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ وَلَا يُورَثُ.
الشَّرْحُ: (وَ) ثَانِيهَا الرِّدَّةُ كَمَا قَالَ، وَ (لَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ) بِحَالٍ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَوْرِيثِهِ مِنْ مِثْلِهِ لِأَنَّ مَا خَلَّفَهُ فَيْءٌ، وَلَا مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَذَاكَ يُقَرُّ، وَلَا مِنْ مُسْلِمٍ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ، وَمَا ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ أَنَّهُ يَرِثُهُ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ مُصَادِمٌ لِلْحَدِيثِ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ: وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ شَيْئًا وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ (وَلَا يُورَثُ) بِحَالٍ، بَلْ مَالُهُ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، سَوَاءٌ اكْتَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ فِي الرِّدَّةِ. لَكِنْ لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ طَرَفَ مُسْلِمٍ مَعَ الْمُكَافَأَةِ فَارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ سِرَايَةً وَجَبَ قَوَدُ الطَّرَفِ، وَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ كَانَ وَارِثَهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَالزِّنْدِيقُ كَالْمُرْتَدِّ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَتَدَيَّنْ بِدِينٍ، وَكَذَا نَصْرَانِيٌّ تَهَوَّدَ أَوْ نَحْوُهُ.
المتن: وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، لَكِنْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ.
الشَّرْحُ: (وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ) عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا) كَيَهُودِيٍّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ، وَنَصْرَانِيٍّ مِنْ مَجُوسِيٍّ، وَمَجُوسِيٍّ مِنْ وَثَنِيٍّ وَبِالْعُكُوسِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مِلَلِ الْكُفْرِ فِي الْبُطْلَانِ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ}. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إرْثُ الْيَهُودِيِّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ إلَى مِلَّةٍ لَا يُقَرُّ. أُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ، وَالنِّكَاحِ وَفِي النَّسَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيًّا، وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا إمَّا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ، وَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْيَهُودِيَّةَ وَالْآخَرُ النَّصْرَانِيَّةَ جُعِلَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِالْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ وَالْأُخُوَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ (لَكِنَّ الْمَشْهُورَ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ (أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ) لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ، فَالتَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعِصْمَتِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُعَاهَدِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَبَيْنَهُ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ بِالْأَوْلَى، وَالثَّانِي يَتَوَارَثَانِ لِشَمُولِ الْكُفْرِ لَهُمَا.
المتن: وَلَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُورَثُ.
الشَّرْحُ: (وَ) ثَالِثُهَا الرِّقُّ وَهُوَ لُغَةً الْعُبُودِيَّةُ وَالشَّيْءُ الرَّقِيقُ. وَشَرْعًا عَجْزٌ حُكْمِيٌّ يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ بِسَبَبِ الْكُفْرِ، فَعَلَيْهِ (لَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ) مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُبَعَّضٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَكَانَ الْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمَيِّتِ، وَاحْتَجَّ السُّهَيْلِيُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الْآيَةَ، فَإِنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ، وَفِي الْمُبَعَّضِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ تَوْرِيثِهِ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالرِّقِّ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوِلَايَةِ، فَلَمْ يَرِثْ كَالْقِنِّ، وَلَا يُورَثُ أَيْضًا الرَّقِيقُ كُلُّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) إذَا مَاتَ عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ (يُورَثُ) عَنْهُ ذَلِكَ الْمَالُ لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ فَيَرِثُهُ عَنْهُ قَرِيبُهُ الْحُرُّ أَوْ مُعْتِقُ بَعْضِهِ وَزَوْجَتُهُ، وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ بِالرِّقِّيَّةِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ مَا مَلَكَهُ لِمَالِكِ الْبَاقِي. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ كَوْنِ الرَّقِيقِ لَا يُورَثُ كَافِرٌ لَهُ أَمَانٌ وَجَبَتْ لَهُ جِنَايَةٌ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَأَمَانِهِ ثُمَّ نَقَضَ الْأَمَانَ فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ وَحَصَلَتْ السِّرَايَةُ بِالْمَوْتِ فِي حَالِ رِقِّهِ، فَإِنْ قُدِّرَ الْأَرْشُ مِنْ الْقِيمَةِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا رَقِيقٌ كُلُّهُ يُورَثُ إلَّا هَذَا.
المتن: وَلَا قَاتِلٌ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُضْمَنْ وَرِثَ.
الشَّرْحُ: (وَ) رَابِعُهَا: الْقَتْلُ فَعَلَيْهِ (لَا) يَرِثُ (قَاتِلٌ) مِنْ مَقْتُولِهِ مُطْلَقًا؛ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: {لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ} أَيْ: مِنْ الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَسْتَعْجِلَ الْإِرْثَ بِالْقَتْلِ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ حِرْمَانَهُ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ سَبَبُ الْإِرْثِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَمْ غَيْرَهُ مَضْمُونًا أَمْ لَا، بِمُبَاشَرَةٍ أَمْ لَا، قَصَدَ مَصْلَحَتَهُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ أَمْ لَا مُكْرَهًا أَمْ لَا (وَقِيلَ إنْ لَمْ يُضْمَنْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: أَيْ: الْقَتْلُ كَأَنْ وَقَعَ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا (وَرِثَ) الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. تَنْبِيهٌ: الْمَرْأَةُ لَوْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا زَوْجُهَا مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهَا تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْمُونِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَلَوْ بِسَبَبٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهَا، وَقَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْمَقْتُولَ يَرِثُ مِنْ قَاتِلِهِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَصُورَتُهُ بِأَنْ يَجْرَحَ مُورَثَهُ ثُمَّ يَمُوتَ الْجَارِحُ ثُمَّ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ.
المتن: وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا لَمْ يَتَوَارَثَا وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ.
الشَّرْحُ: (وَ) خَامِسُهَا: إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ فَعَلَيْهِ (لَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ) أَوْ حَرْقٍ (أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي) بِلَادِ (غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) عُلِمَ سَبْقٌ أَوْ جُهِلَ (لَمْ يَتَوَارَثَا) أَيْ: لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ، وَالْجَهْلُ بِالسَّبْقِ صَادِقٌ بِأَنْ يُعْلَمَ أَصْلُ السَّبْقِ وَلَا يُعْلَمَ عَيْنُ السَّابِقِ، وَبِأَنْ لَا يُعْلَمَ سَبْقٌ أَصْلًا، وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ خَمْسٌ: الْعِلْمُ بِالْمَعِيَّةِ، الْعِلْمُ بِالسَّبْقِ وَعَيْنِ السَّابِقِ، الْجَهْلُ بِالْمَعِيَّةِ وَالسَّبْقِ، الْجَهْلُ بِعَيْنِ السَّابِقِ مَعَ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ، الْتِبَاسُ السَّابِقِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، فَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تُقْسَمُ التَّرِكَةُ (وَ) فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ (مَالُ) أَيْ: تَرِكَةُ (كُلٍّ) مِنْ الْمَيِّتَيْنِ بِغَرَقٍ وَنَحْوِهِ (لِبَاقِي وَرَثَتِهِ)؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا يُوَرِّثُ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْأَمْوَاتِ، وَهُنَا لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ فَلَا يَرِثُ كَالْجَنِينِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا، وَلِأَنَّا إنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَهُوَ تَحَكُّمٌ، وَإِنْ وَرَّثْنَا كُلًّا مِنْ صَاحِبِهِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ لِأَنَّهُمَا إنْ مَاتَا مَعًا فَفِيهِ تَوْرِيثُ مَيِّتٍ مِنْ مَيِّتٍ، أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ فَفِيهِ تَوْرِيثُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ تَأَخَّرَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ الْآخَرَ. تَنْبِيهٌ: اسْتِبْهَامُ تَارِيخِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِرْثِ لَا مِنْ نَفْسِ الْإِرْثِ تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ كَعِبَارَةِ التَّنْبِيهِ، تَنْبِيهٌ فَإِنَّ اسْتِبْهَامَ تَارِيخِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِرْثِ لَا مِنْ نَفْسِ الْإِرْثِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَتَوَارَثَا لَيْسَ بِخَاصٍّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ مِنْ الْآخَرِ دُونَ عَكْسِهِ كَالْعَمَّةِ وَابْنِ أَخِيهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَوَانِعِ خَمْسَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَهْمَلَ الدَّوْرَ الْحُكْمِيَّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ تَوْرِيثِهِ عَدَمُ تَوْرِيثِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنِ أَخِيهِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ. وَقَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ: الْمَوَانِعُ الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ: الْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالدَّوْرُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعًا مَجَازٌ، وَقَالَ فِي غَيْرِهِ إنَّهَا سِتَّةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالرِّدَّةُ، وَاخْتِلَافُ الْعَهْدِ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا مَجَازٌ وَانْتِفَاءُ الْإِرْثِ مَعَهُ لَا لِأَنَّهُ مَانِعٌ، بَلْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ كَمَا فِي جَهْلِ التَّارِيخِ أَوْ السَّبَبِ كَمَا فِي انْتِفَاءِ النَّسَبِ وَهَذَا أَوْجَهُ. وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: {نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ} وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ مَوْتَهُمْ لِذَلِكَ فَيَهْلِكَ، وَأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِمْ الرَّغْبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُمْ صَدَقَةً بَعْدَ وَفَاتِهِمْ تَوْفِيرًا لِأُجُورِهِمْ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِهَا مَانِعَةً أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرِثُونَ كَمَا لَا يُورَثُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الْإِرْثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ وَيُورَثُ وَعَكْسُهُ فِيهِمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُورَثُ وَلَا يَرِثُ وَعَكْسُهُ. فَالْأَوَّلُ: كَزَوْجَيْنِ وَأَخَوَيْنِ. وَالثَّانِي: كَرَقِيقٍ وَمُرْتَدٍّ. وَالثَّالِثُ: كَمُبَعَّضٍ وَجَنِينٍ فِي غُرَّتِهِ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُورَثُ عَنْهُ لَا غَيْرُهَا. وَالرَّابِعُ: الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُونَ كَمَا تَقَرَّرَ. وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ تُرِكَ مَالُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ - يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا - فَيَجْتَهِدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ بِمَوْتِهِ ثُمَّ يُعْطِيَ مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ.
الشَّرْحُ: وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ شَرَعَ فِي مُوجِبَاتِ التَّوَقُّفِ عَنْ الصَّرْفِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: الشَّكُّ فِي النَّسَبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ كَأَنْ يَدَّعِيَ اثْنَانِ وَلَدًا مَجْهُولًا نَسَبُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا وَيَمُوتَ الْوَلَدُ قَبْلَ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا فَيُوقَفَ مِيرَاثُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْهُ وَيُصْرَفَ لِلْأُمِّ نَصِيبُهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ وُقِفَ مِيرَاثُ الْوَلَدِ وَيُعْمَلُ فِي حَقِّ قَرِيبِهِ بِالْأَسْوَأِ. الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: الشَّكُّ فِي الْوُجُودِ وَالْحَمْلِ وَالذُّكُورَةِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ أُسِرَ) أَيْ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أَوْ غَيْرُهُمْ (أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ) وَلَهُ مَالٌ وَأُرِيدَ الْإِرْثُ مِنْهُ (تُرِكَ) أَيْ: وُقِفَ (مَالُهُ) وَلَا يُقْسَمُ (حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ) مَا يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ (تَمْضِيَ مُدَّةٌ) يُعْلَمُ أَوْ (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْقُودَ (لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا) فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ (فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي) حِينَئِذٍ (وَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَلَا يُورَثُ إلَّا بِيَقِينٍ. أَمَّا عِنْدَ الْبَيِّنَةِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مَعَ الْحُكْمِ فَلِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. تَنْبِيهٌ: وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَلَهُ مَالٌ وَأُرِيدَ الْإِرْثُ مِنْهُ تُرِكَ مَالُهُ وَلَا يُقْسَمُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُعْلَمُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَفْقُودَ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا تَتَقَدَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ مُقَدَّرَةٌ بِسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ بِثَمَانِينَ، وَقِيلَ بِتِسْعِينَ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهَا الْعُمْرُ الطَّبِيعِيُّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَكْفِي مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِمَوْتِهِ، لَكِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ: أَنَّ الْقِسْمَةَ حَيْثُ وَقَعَتْ بِالْحَاكِمِ تَضَمَّنَتْ الْحُكْمَ بِمَوْتِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ نَقْضُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابٌ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لِلشَّكِّ. ثُمَّ أَشَارَ لِفَائِدَةِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يُعْطِي مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ) إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ (الْحُكْمِ) بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ فَائِدَةُ الْحُكْمِ، فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: وَقْتَ كَذَا جَزْمًا بِهِ وَفِي الْبَسِيطِ قُبَيْلَ الْحُكْمِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا فَإِنَّ الْحُكْمَ إظْهَارٌ فَيُقَدَّرُ مَوْتُهُ قُبَيْلَهُ بِأَدْنَى زَمَانٍ، وَقَوْلُهُمْ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَرِثْهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ فَكَمَوْتِهِمَا مَعًا. قَالَ: وَهَذَا إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْمُدَّةِ زَادَتْ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهُ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ. ا هـ. . وَمِثْلُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ بَلْ أَوْلَى، وَلَا يَدْفَعُ الْحَاكِمُ مِنْهُ إلَّا لِوَارِثٍ ذِي فَرْضٍ لَا يَسْقُطُ بِيَقِينٍ، وَهُوَ الْأَبَوَانِ وَالزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ. تَنْبِيهٌ: مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَقَفْنَا كُلَّ التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَفْقُودِ، وَإِلَّا وَقَفْنَا حِصَّتَهُ تَنْبِيهٌ: أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ نَفْسَ الظَّنِّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. قَالَ: وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْغَلَبَةَ أَيْ: الرُّجْحَانَ مَأْخُوذٌ فِي مَاهِيَّةِ الظَّنِّ.
المتن: وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَإِ.
الشَّرْحُ: وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حُكْمِ الْإِرْثِ مِنْ الْمَفْقُودِ شَرَعَ فِي حُكْمِ إرْثِهِ مِنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ: (وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ) قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ (وَقَفْنَا) كُلَّ التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَفْقُودِ، وَإِلَّا وَقَفْنَا (حِصَّتَهُ) فَقَطْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَرِثُ مِنْهُ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ حِصَّتَهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْدِيرِ، أَوْ يُقَالَ: إنَّ حِصَّتَهُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: (وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَأِ) فَمَنْ يَسْقُطُ بِالْمَفْقُودِ لَا يُعْطَى شَيْئًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَمَنْ يَنْقُصُ مِنْهُمْ حَقُّهُ بِحَيَاتِهِ أَوْ مَوْتِهِ قُدِّرَ فِيهِ مَوْتُهُ، وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ بِهِمَا أُعْطِيَهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: فَالْأَوَّلُ: كَزَوْجٍ مَفْقُودٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَعَمٍّ حَاضِرِينَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَسَقَطَ الْعَمُّ أَوْ مَيِّتًا فَلَهُمَا سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّهِمْ حَيَاتُهُ. وَالثَّانِي: كَجَدٍّ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ مَفْقُودٍ، فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ الْجَدِّ حَيَاتُهُ فَيَأْخُذُ الثُّلُثَ، وَفِي حَقِّ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ مَوْتُهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ وَيَبْقَى السُّدُسُ إنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ فَلِلْجَدِّ، أَوْ حَيَاتُهُ فَلِلْأَخِ. وَالثَّالِثُ: كَابْنٍ مَفْقُودٍ وَبِنْتٍ وَزَوْجٍ حَاضِرِينَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ بِكُلِّ حَالٍ. تَنْبِيهٌ: تَلِفَ الْمَوْقُوفُ لِلْغَائِبِ ثُمَّ حَضَرَ أَخَذَ مَا دُفِعَ لِلْحَاضِرِينَ وَقُسِمَ مَا بَيْنَ الْكُلِّ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ تَنْبِيهٌ: لَوْ تَلِفَ الْمَوْقُوفُ لِلْغَائِبِ ثُمَّ حَضَرَ أَخَذَ مَا دُفِعَ لِلْحَاضِرِينَ وَقُسِمَ مَا بَيْنَ الْكُلِّ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتَيْ الْحَمْلِ وَالْخُنْثَى إذَا بَانَتْ حَيَاةُ الْحَمْلِ وَذُكُورَةُ الْخُنْثَى.
المتن: وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَرِثَ، وَإِلَّا فَلَا، بَيَانُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ أَوْ كَانَ مَنْ قَدْ يَحْجُبُهُ وُقِفَ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ وَلَهُ مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ عَائِلًا إنْ أَمْكَنَ عَوْلٌ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ لَمْ يُعْطَوْا، وَقِيلَ أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْطَوْنَ الْيَقِينَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ التَّوَقُّفِ، وَهُوَ الشَّكُّ فِي الْحَمْلِ فَقَالَ (وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ) بِكُلِّ تَقْدِيرٍ بَعْدَ انْفِصَالِهِ بِأَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ مِنْهُ (أَوْ قَدْ يَرِثُ) عَلَى تَقْدِيرٍ دُونَ تَقْدِيرٍ. أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ فَكَمَنْ مَاتَ عَنْ حَمْلِ زَوْجَةِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ مُعْتِقِهِ فَإِنَّ الْحَمْلَ إنْ كَانَ ذَكَرًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَرِثَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ فَكَمَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَحَمْلٍ مِنْ الْأَبِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ ذَكَرًا لَا يَرِثُ شَيْئًا لِاسْتِغْرَاقِ أَهْلِ الْفَرْضِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهَا السُّدُسُ (عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ) أَيْ الْحَمْلِ (وَحَقِّ غَيْرِهِ) قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَالْحَمْلُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ اسْمٌ لِمَا فِي الْبَطْنِ، وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَا يُحْمَلُ عَلَى رَأْسٍ أَوْ ظَهْرٍ، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ فِي حَمْلِ الشَّجَرَةِ وَجْهَيْنِ وَمَرَّ أَنَّ الْحَمْلَ يَرِثُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ، وَلَكِنَّ شَرْطَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ لِلْإِرْثِ وِلَادَتُهُ حَيًّا كَمَا قَالَ: (فَإِنْ انْفَصَلَ) كُلُّهُ (حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ مُورَثِهِ بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ فِرَاشًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ إذَا كَانَتْ خَلِيَّةً (وَرِثَ) لِثُبُوتِ نَسَبِهِ، فَلَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَكَانْفِصَالِهِ مَيِّتًا فِي الْإِرْثِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ: إحْدَاهُمَا: فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إذَا صَاحَ أَوْ اسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ. الثَّانِيَةُ: إذَا حَزَّ إنْسَانٌ رَقَبَتَهُ أَيْ: وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَرْطِهِ أَوْ الدِّيَةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِهَا وَتُعْلَمُ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً بِاسْتِهْلَالِهِ صَارِخًا، أَوْ بِعُطَاسِهِ، أَوْ التَّثَاؤُبِ، أَوْ الْتِقَامِ الثَّدْيِ. أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ جَانٍ، أَوْ حَيِيَ حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، أَوْ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِوَقْتٍ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ (فَلَا) يَرِثُ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَعْدُومٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَالْمَعْدُومِ، وَفِي الثَّالِثَةِ مُنْتَفٍ نَسَبُهُ عَنْ الْمَيِّتِ (بَيَانُهُ) أَنْ يُقَالَ: (إنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْمَسْأَلَةِ (وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ أَوْ كَانَ) ثَمَّ (مَنْ) أَيْ وَارِثٌ (قَدْ يَحْجُبُهُ) الْحَمْلُ (وُقِفَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (الْمَالُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إلَى انْفِصَالِهِ احْتِيَاطًا (وَإِنْ كَانَ) فِي الْمَسْأَلَةِ (مَنْ) أَيْ وَارِثٌ (لَا يَحْجُبُهُ) أَيْ الْحَمْلُ (وَلَهُ) سَهْمٌ (مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ) حَالَةَ كَوْنِهِ (عَائِلًا إنْ أَمْكَنَ) فِي الْمَسْأَلَةِ (عَوْلٌ: كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ: لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَانِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ آخِرَهُ: أَيْ الثُّمُنُ وَالسُّدُسَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ بِنْتَانِ، فَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَيُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبَوَيْنِ ثَمَانِيَةٌ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ بِنْتَيْنِ كَانَ لَهُمَا أَوْ ذَكَرًا فَأَكْثَرَ أَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَأَكْثَرَ كَمَلَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ بِغَيْرِ عَوْلٍ، وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ كَذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلْأَوْلَادِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْمِنْبَرِيَّةِ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَكَانَ أَوَّلُ خُطْبَتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى، فَسُئِلَ حِينَئِذٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ارْتِجَالًا: صَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ تُسُعًا وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ فَصَارَتْ تَسْتَحِقُّ التُّسُعَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ سَهْمٌ (مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ لَمْ يُعْطَوْا) فِي الْحَالِ شَيْئًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَقَدَّرُ بِعَدَدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خَمْسٌ فِي بَطْنٍ كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ شَيْخًا بِالْيَمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ خَمْسَةُ بُطُونٍ فِي كُلِّ بَطْنٍ خَمْسَةٌ وَاثْنَيْ عَشَرَ فِي بَطْنٍ. قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّهُ وُجِدَ سَبْعَةٌ فِي بَطْنٍ وَأَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ صَارَعَ أَحَدَهُمْ فَصَرَعَهُ وَكَانَ يُعَيَّرُ بِهِ، وَيُقَالُ: صَرَعَك سُبُعُ رَجُلٍ، وَحَكَى فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْهَيْثَمِ: أَنَّ بَعْضَ سَلَاطِينِ بَغْدَادَ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِأَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي بَطْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ الْأُصْبُعِ وَأَنَّهُمْ عَاشُوا وَرَكِبُوا الْخَيْلَ مَعَ أَبِيهِمْ فِي بَغْدَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي هَذَا بُعْدٌ. ا هـ. لَا بُعْدَ فِيهِ وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْجِزُهَا شَيْءٌ (وَقِيلَ أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ) بِحَسَبِ الْوُجُودِ عِنْدَ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتْبَعُ فِي مِثْلِهِ الْوُجُودُ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وُجِدَ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ وَحِينَئِذٍ (فَيُعْطَوْنَ) أَيْ: الْأَوْلَادُ (الْيَقِينَ) أَيْ: فَيُوقَفُ مِيرَاثُ أَرْبَعَةٍ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي، وَتُقَدَّرُ الْأَرْبَعَةُ ذُكُورًا: مِثَالُهُ خَلَّفَ ابْنًا، وَزَوْجَةً حَامِلًا فَلَهَا الثُّمُنُ، وَلَا يُدْفَعُ لِلِابْنِ شَيْءٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيُدْفَعُ إلَيْهِ خُمُسُ الْبَاقِي عَلَى الثَّانِي، وَعَلَيْهِ يَتَمَكَّنُ الَّذِينَ صُرِفَ إلَيْهِمْ حِصَّتُهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِلَّا لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِمْ.
المتن: وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْبَابِ التَّوَقُّفِ، وَهُوَ الشَّكُّ فِي الذُّكُورَةِ، فَقَالَ: (وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ) أَيْ الْمُلْتَبِسُ أَمْرُهُ، وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَخَنَّثَ الطَّعَامُ إذَا اشْتَبَهَ أَمْرُهُ فَلَمْ يَخْلُصْ طَعْمُهُ الْمَقْصُودُ، وَشَارَكَ طَعْمَ غَيْرِهِ، سُمِّيَ الْخُنْثَى بِذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ الشَّبَهَيْنِ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فَرْجُ رَجُلٍ وَلَا فَرْجُ امْرَأَةٍ بَلْ يَكُونُ لَهُ ثُقْبَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ وَلَا يُشْبِهُ فَرْجَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. الثَّانِي: وَهُوَ أَشْهَرُهُمَا: مَا لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ) بِذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ (كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ) ظَاهِرٌ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَفَ إرْثُهُ بِهِمَا (فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ) أَيْ: الْخُنْثَى (وَ) فِي (حَقِّ غَيْرِهِ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ) حَالُهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِهِ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى اتِّضَاحِهِ بِمَعْنَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِلْبَوْلِ فِيهِ بَلْ يُوقَفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَصِيرَ مُكَلَّفًا فَيُخْتَبَرَ بِمَيْلِهِ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي الْمَيْلِ بَلْ يُعْرَفُ أَيْضًا بِالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ. وَأَمَّا بِمَعْنَى الضَّرْبِ الثَّانِي فَيَتَّضِحُ بِالْبَوْلِ مِنْ فَرْجٍ، فَإِنْ بَالَ مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ فَرَجُلٌ، أَوْ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ، أَوْ مِنْهُمَا فَالسَّبْقُ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً اتَّضَحَ بِالتَّأَخُّرِ لَا الْكَثْرَةِ وَتَزْرِيقٍ وَتَرْشِيشٍ، فَإِنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ زُرْقٍ أَوْ رَشَشٍ فَلَا اتِّضَاحَ، وَيَتَّضِحُ أَيْضًا بِحَيْضٍ وَإِمْنَاءٍ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْفَرْجَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَ مِنْهُ أَمْ مِنْهُمَا بِشَرْطِ التَّكَرُّرِ، وَلَوْ بَالَ أَوْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ بِفَرْجِهِ أَوْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا وَأَمْنَى بِالْآخَرِ فَمُشْكِلٌ، وَلَا أَثَرَ لِلِحْيَةٍ وَلَا لِنُهُودِ ثَدْيٍ وَلَا لِتَفَاوُتِ أَضْلُعٍ، فَإِنْ عُدِمَ الدَّالُّ السَّابِقُ اُخْتُبِرَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَعَقْلٍ، فَإِنْ مَالَ بِإِخْبَارِهِ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ أَوْ إلَى الرِّجَالِ فَامْرَأَةٌ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ وَلَا بَعْدَهُمَا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحْسُوسَةٌ مَعْلُومَةُ الْوُجُودِ، وَقِيَامُ الْمَيْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكْذِبُ فِي إخْبَارِهِ، وَاَلَّذِي يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ خُنْثَى مِنْ الْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةٌ: الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الِابْنِ، وَالْأَخُ وَوَلَدُهُ، وَالْعَمُّ وَوَلَدُهُ، وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَاتُهُ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَمَنْ أَلْقَى عَلَيْكَ أَبَا خُنْثَى أَوْ أُمَّ خُنْثَى فَقَدْ أَلْقَى مُحَالًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَنَّ الْخُنْثَى يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، فَإِنْ وَرِثَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ وَوُقِفَ مَا يَرِثُهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، فَفِي زَوْجٍ وَأَبٍ وَوَلَدٍ خُنْثَى لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْأَبِ سُدُسٌ، وَلِلْخُنْثَى النِّصْفُ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ، وَفِي وَلَدٍ خُنْثَى وَأَخٍ يُصْرَفُ إلَى الْوَلَدِ النِّصْفُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي، وَفِي وَلَدٍ خُنْثَى وَبِنْتٍ وَعَمٍّ يُعْطَى الْخُنْثَى وَالْبِنْتُ الثُّلُثَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْخُنْثَى وَالْعَمِّ، فَإِنْ مَاتَ مُشْكِلًا تَعَيَّنَ الِاصْطِلَاحُ، وَلَوْ اتَّفَقَ الَّذِينَ وُجِدَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ أَيْ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِأَنْقَصَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ وَإِلَّا لَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى صُورَةِ التَّوَقُّفِ، وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهَالَةٍ، لَكِنَّهَا تُحْتَمَلُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ مِنْ الْبَيْنِ وَوَهَبَهُ لَهُمْ عَلَى جَهْلٍ بِالْحَالِ جَازَ أَيْضًا كَمَا قَالَاهُ.
المتن: وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ) زَوْجٍ هُوَ (ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا) فَيَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْآخَرَ بِالْوَلَاءِ أَوْ بُنُوَّةِ الْعَمِّ، لِأَنَّهُ وَارِثٌ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ الْقَرَابَتَانِ فِي شَخْصَيْنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " جِهَتَا فَرْضٍ " عَنْ الْأَبِ حَيْثُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ (قُلْتُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ.
المتن: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوْ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ، وَقِيلَ بِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوْ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ) لِأَبٍ بِأَنْ وَطِئَ بِنْتَهُ فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْعُلْيَا فَقَدْ خَلَّفَتْ أُخْتًا مِنْ أَبٍ وَهِيَ بِنْتُهَا (وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ) فَقَطْ (وَقِيلَ بِهِمَا) أَيْ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَتَسْتَغْرِقُ الْمَالَ إذَا انْفَرَدَتْ، وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ يُورَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ فَيُورَثُ بِأَقْوَاهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ لَا تَرِثُ النِّصْفَ بِأُخُوَّةِ الْأَبِ وَالسُّدُسَ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ فِي جِهَتَيْ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَرِثَ بِهِمَا، وَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى أَنْ يَقُولَ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَدْرَكٌ إذْ لَيْسَ مَعَ الْأُخْتِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنْتٌ حَتَّى تَكُونَ الْأُخْتُ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةً، وَإِنَّمَا الْأُخْتُ نَفْسُهَا هِيَ الْبِنْتُ فَكَيْفَ تُعَصِّبُ نَفْسَهَا؟. تَنْبِيهٌ: وَإِذَا اجْتَمَعَتْ قَرَابَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِسْلَامِ قَصْدًا لَمْ يَرِثْ بِهِمَا تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَحْتَجْ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا اجْتَمَعَتْ قَرَابَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِسْلَامِ قَصْدًا لَمْ يَرِثْ بِهِمَا، وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْفَرْضَيْنِ، وَالْفَرْضَ وَالتَّعْصِيبَ وَإِنْ كَانَ مِثَالُهُ يَخُصُّ الثَّانِيَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ.
المتن: وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ فَلَهَا نِصْفٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الْأَخُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا) عَلَى الْآخَرِ (بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَابْنَيْ عَمٍّ: أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ) فَرْضًا (وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا) سَوَاءٌ بِالْعُصُوبَةِ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَتَعَاقَبَ أَخَوَانِ عَلَى امْرَأَةٍ وَتَلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنًا وَلِأَحَدِهِمَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهَا فَابْنَاهُ ابْنَا عَمِّ الْآخَرِ، وَأَحَدُهُمَا أَخُوهُ لِأُمِّهِ (فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا) أَيْ: ابْنَيْ الْعَمِّ الْمَذْكُورَيْنِ (بِنْتٌ فَلَهَا نِصْفٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّ أُخُوَّةَ الْأُمِّ تَسْقُطُ بِالْبِنْتِ (وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ) أَيْ الْبَاقِي (الْأَخُ) كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ مُنِعَتْ مِنْ الْأَخْذِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَإِذَا لَمْ تَأْخُذْ بِهَا تَرَجَّحَتْ عُصُوبَتُهُ كَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ.
المتن: وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطْ، وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَوْ لَا تَحْجُبَ أَوْ تَكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا فَالْأَوَّلُ كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا، وَالثَّانِي كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ بِأَنْ يَطَأَ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا، وَالثَّالِثُ كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ بِأَنْ يَطَأَ هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ وَلَدًا فَالْأُولَى أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطْ) لَا بِهِمَا لِمَا سَبَقَ (وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) حَجْبَ حِرْمَانٍ أَوْ نُقْصَانٍ (أَوْ) بِأَنْ (لَا تُحْجَبَ) إحْدَاهُمَا أَصْلًا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِخَطِّهِ وَالْأُخْرَى قَدْ تُحْجَبُ (أَوْ) بِأَنْ تُحْجَبَ وَلَكِنْ (تَكُونَ) إحْدَاهُمَا (أَقَلَّ حَجْبًا) فَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (فَ) الْأَمْرُ (الْأَوَّلُ) وَهُوَ حَجْبُ الْحِرْمَانِ (كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ، بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ) أُمَّهُ (أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا) فَتَرِثَ هَذِهِ الْبِنْتُ مِنْ أَبِيهَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَا بِالْأُخْتِيَّةِ لِأَنَّ أُخُوَّةَ الْأُمِّ سَاقِطَةٌ بِالْبِنْتِيَّةِ، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ إلَّا وَالْمَيِّتُ رَجُلٌ. وَمِنْ صُوَرِ حَجْبِ النُّقْصَانِ: أَنْ يَنْكِحَ الْمَجُوسِيُّ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا وَيَمُوتَ فَقَدْ خَلَّفَ بِنْتَيْنِ: إحْدَاهُمَا زَوْجَةٌ فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّ الْبِنْتَ تَحْجُبُ الزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ (وَ) الْأَمْرُ (الثَّانِي) وَهُوَ أَنْ لَا تُحْجَبَ إحْدَاهُمَا أَصْلًا (كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ، بِأَنْ يَطَأَ) مَنْ ذُكِرَ (بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا) ثُمَّ تَمُوتَ فَتَرِثَ وَالِدَتُهَا مِنْهَا بِالْأُمُومَةِ لَا بِالْأُخْتِيَّةِ لِلْأَبِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تُحْجَبُ حِرْمَانًا أَصْلًا وَالْأُخْتُ تُحْجَبُ (وَ) الْأَمْرُ (الثَّالِثُ) وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَقَلَّ حَجْبًا (كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ) لِأَبٍ (بِأَنْ يَطَأَ) مَنْ ذُكِرَ (هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ وَلَدًا، فَالْأُولَى) أَيْ الْبِنْتُ الْأُولَى نِسْبَتُهَا لِهَذَا الْوَلَدِ (أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ) لِأَبِيهِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ وَرِثَتْ مِنْهُ الْبِنْتُ الْأُولَى بِالْجُدُودَةِ دُونَ الْأُخْتِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لِلْأُمِّ أَقَلُّ حَجْبًا مِنْ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ. وَأَمَّا الْأُخْتُ فَيَحْجُبُهَا جَمَاعَةٌ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُورَثُونَ بِالزَّوْجِيَّةِ قَطْعًا لِبُطْلَانِهَا كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ هُنَا، لَكِنَّهُمَا حَكَيَا عَنْ الْبَغَوِيِّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَنَى التَّوَارُثَ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ اجْتِمَاعِ عُصُوبَتَيْنِ فِي شَخْصٍ كَأَخٍ هُوَ مُعْتِقٌ لِقِلَّةِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تُغْنِي عَنْ الْأُخْرَى.
|