الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن كعب بن مالك أنه قال: (يا رسول اللّه إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى اللّه ورسوله فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قال قلت إني أمسك سهمي الذي بخيبر). متفق عليه. 2 - وفي لفظ قال: (قلت يا رسول اللّه إن من توبتي إلى اللّه أن أخرج من مالي كله إلى اللّه ورسوله صدقة قال لا قلت فنصفه قل لا قلت فثلثه قال نعم قلت فإني سأمسك سهمي من خيبر). رواه أبو داود. 3 - وعن الحسين بن السائب ابن أبي لبابة: (أن أبا لبابة ابن عبد المنذر لما تاب اللّه عليه قال: يا رسول اللّه إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك وأن أنخلع من مالي صدقة للّه عز وجل ولرسوله فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: يجزئ عنك الثلث). رواه أحمد. رواية أبي داود في إسنادها محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف. وحديث أبي لبابة أورده الحافظ في الفتح وعزاه إلى أحمد وأبي داود وسكت عنه. وأخرج أبو داود من طريق أبي عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر الحديث وفيه: وأن أنخلع من مالي كله صدقة قال يجزئ عنك الثلث. قوله: (أن أنخلع) بنون وخاء معجمة أي أعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه وقد اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة مذاهب: الأول أنه يلزمه الثلث فقط لهذا الحديث قاله مالك ونوزع في أن كعب بن مالك لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه بل يحتمل أنه نجز النذر ويحتمل أن يكون أراده فاستأذن والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه وإنما الظاهر أنه أراد أن يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ما يملك شكرًا للّه تعالى على ما أنعم به عليه قال ابن المنير: لم يبتت كعب الانخلاع بل استشار هل يفعل أم لا. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون استفهم وحذفت أداة الاستفهام. ومن ثم كان الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء ممن التزم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان على سبيل القربة وقيل إن كان مليًا لزمه وإن كان فقيرًا فعليه كفارة يمين وهذا قول الليث ووافقه ابن وهب وزاد وإن كان متوسطًا يخرج قدر زكاة ماله. والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة. وعن الشعبي وابن أبي ليلى لا يلزمه شيء أصلًا. وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس. وقيل يلزم الكل إلا في نذر اللجاج فكفارة يمين. وعن سحنون يلزمه أن يخرج ما لا يضر به. وعن الثوري والأوزاعي وجماعة يلزمه كفارة يمين بدون تفصيل. وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل وإذا تقرر ذلك فقد دل حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدق بجميع ماله أن يمسك بعضه ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ وقيل إن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال فمن كان قويًا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن لم يكن كذلك فلا وعليه يتنزل لا صدقة إلا عن ظهر غِنىً. وفي لفظ: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غِنىً.
1 - عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن رجل من الأنصار: (أنه جاء بأمة سوداء فقال: يا رسول اللّه إن علي عتق رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: أتشهدين أن لا إله إلا اللّه قالت: نعم قال: أتشهدين أني رسول اللّه قالت: نعم قال: أتؤمنين بالبعث بعد الموت قالت: نعم قال: فأعتقها). 2 - وعن أبي هريرة: (أن رجلًا أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال: يا رسول اللّه إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: أين اللّه فأشارت إلى السماء بإصبعها فقال لها: من أنا فأشارت بإصبعها إلى رسول اللّه وإلى السماء أي أنت رسول اللّه فقال: أعتقها). رواهما أحمد. حديث عبيد اللّه بن عبد اللّه رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن رجل من الأنصار وهذا إسناد رجاله أئمة وجهالة الصحابي مغتفرة كما تقرر في الأصول. وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا أبو داود من حديث عون بن عبد اللّه بن عتبة عن أبي هريرة: (أن رجلًا أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بجارية سوداء) الحديث. وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عون بن عبد اللّه بن عتبة حدثني أبي عن جدي فذكره وفي اللفظ مخالفة كثيرة وسياق أبي داود أقرب إلى السياق الذي في الباب. وروى نحوه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان من حديث الشريد بن سويد وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال والحكم عن سعيد عن ابن عباس بنحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب. ومن ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي المشهور. قوله: (إن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها) إلى آخر ما في الحديثين استدل بالحديثين على أنه لا يجزئ في كفارة اليمين إلا رقبة مؤمنة وإن كانت الآية الواردة في كفارة اليمين لم تدل على ذلك لأنه قال تعالى قال ابن بطال: حمل الجمهور ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد كما حملوا المطلق في قوله تعالى
1 - عن جابر: (أن رجلًا قال يوم الفتح يا رسول اللّه إني نذرت إن فتح اللّه عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال: صل ههنا فسأله فقال: شأنك إذن). رواه أحمد وأبو داود ولهما عن بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بهذا الخبر وزاد: (فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: والذي بعث محمدًا بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس). 2 - وعن ابن عباس: (أن امرأة شكت شكوى فقالت: إن شفاني اللّه فلأخرجن فلأصلين في بيت المقدس فبرأت ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت ميمونة تسلم عليها فأخبرتها بذلك فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة). رواه أحمد ومسلم. 3 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام). رواه الجماعة إلا أبا داود. ولأحمد وأبي داود من حديث جابر مثله وزاد: (صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه) وكذلك لأحمد من حديث عبد اللّه بن الزبير مثل حديث أبي هريرة وزاد: (وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا). 4 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى). متفق عليه. ولمسلم في رواية: (إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد). حديث جابر أخرجه أيضًا البيهقي والحاكم وصححه. وصححه أيضًا ابن دقيق العيد في الاقتراح. وحديث بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سكت عنه أبو داود والمنذري وله طرق رجال بعضها ثقات وقد تقرر أن جهالة الصحابي لا تضر. وقيل إنه روى الحديث عن عبد الرحمن بن عوف وعن رجال من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. وحديث جابر الآخر رواه أحمد من حديث أحمد بن عبد الملك حدثنا عبد اللّه بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن عطاء عن جابر رفعه: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه) قال الحافظ: وإسناده صحيح إلا أنه اختلف فيه على عطاء. وحديث عبد اللّه بن الزبير أخرجه أيضًا ابن حبان والبيهقي ولفظه: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي) وفي الباب عن جابر أيضًا عند ابن عدي بلفظ: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) وإسناده ضعيف لأنه من حديث يحيى بن أبي حية عن عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر وفي الباب أيضًا من حديث أبي الدرداء مرفوعًا عند الطبراني في الكبير: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة) وعن أبي ذر عند الدارقطني في العلل والحاكم في المستدرك: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في بيت المقدس) وعند ابن ماجه من حديث ميمونة بنت سعد بأن الصلاة في بيت المقدس كألف صلاة في غيره. وروى ابن ماجه من حديث أنس فصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وإسناده ضعيف وروى ابن عبد البر في التمهيد من حديث الأرقم صلاة هذا خير من ألف صلاة ثمة يعني بيت المقدس. قال ابن عبد البر: هذا حديث ثابت وحديث أبي هريرة الآخر هو أيضًا متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري وغيره. قوله: (صل ههنا) فيه دليل على أن من نذر بصلاة أو صدقة أو نحوهما في مكان ليس بأفضل من مكان الناذر فإنه لا يجب عليه الوفاء بإيقاع المنذور به في ذلك المكان بل يكون الوفاء بالفعل في مكان الناذر وقد تقدم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر الناذر بأن ينحر ببوانة يفي بنذره بعد أن سأله هل كانت كذا هل كانت كذا فدل ذلك على أنه يتعين مكان النذر ما لم يكن معصية ولكن الجمع بين ما هنا وما هناك أن المكان لا يتعين حتمًا بل يجوز فعل المنذور به في غيره فيكون ما هنا بيانًا للجواز ويمكن الجمع بأنه يتعين مكان النذر إذا كان مساويًا للمكان الذي فيه الناذر أو أفضل منه لا إذا كان المكان الذي فيه الناذر فوقه في الفضيلة ويشعر بهذا ما في حديث ميمونة من تعليل ما أفتت به ببيان أفضلية المكان الذي فيه الناذرة في الشيء المنذور به وهو الصلاة. قوله: (إلا المسجد الحرام هذا) فيه دليل على أفضلية الصلاة في مسجده صلى اللّه عليه وآله وسلم على غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإنه استثناه فاقتضى ذلك أنه ليس بمفضول بالنسبة إلى مسجده صلى اللّه عليه وآله وسلم ويمكن أن يكون مساويًا أو أفضل وسائر الأحاديث دلت على أنه أفضل باعتبار الصلاة فيه بذلك المقدار. قوله: (لا تشد الرحال) الخ فيه دليل على أنه يتعين مكان النذر إذا كان أحد الثلاثة المذكورة وقد ذهب إلى ذلك مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يلزم وله أن يصلي في أي محل شاء وإنما يجب عنده المشي إلى المسجد الحرام إذا كان بحج أو عمرة وما عدا الأمكنة الثلاثة فلا يتعين مكانًا للنذر ولا يجب الوفاء عند الجمهور. وقد تمسك بهذا الحديث من منع السفر وشد الرحل إلى غيرها من غير فرق بين جميع البقاع. وقد وقع لحفيد المصنف في ذلك وقائع بينه وبين أهل عصره لا يتسع المقام لبسطها. 1 - عن ابن عباس: (أن سعد بن عبادة استفتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: اقضه عنه). رواه أبو داود والنسائي وهو على شرط الصحيح قال البخاري: وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء يعني ثم ماتت فقال: صلي عنها قال: وقال ابن عباس نحوه. حديث ابن عباس في قصة سعد بن عبادة أصله في الصحيحين. وقول ابن عباس الذي أشار البخاري بأنه نحو ما قاله ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح: (أن امرأة جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد اللّه بن عباس ابنتها أن تمشي عنها) وجاء عن ابن عمر وابن عباس خلاف ذلك فقال مالك في الموطأ أنه بلغه أن عبد اللّه بن عمر كان يقول لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد. وأخرج النسائي من طريق أيوب بن موسى عن ابن أبي رباح عن ابن عباس قال: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد. أورده ابن عبد البر من طريقه موقوفًا ثم قال: والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب. قال الحافظ: ويمكن الجمع بحمل الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي قال: ثم وجدت عن ابن عباس ما يدل على تخصيصه في حق الميت بما إذا مات وعليه شيء واجب فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال يصام عنه النذر. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله صلي عنها العمل بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) فعد منها الولد لأن الولد من كسبه فأعماله الصالحة مكتوبة للوالد من غير أن ينقص من أجره فمعنى صلي عنها أن صلاتك مكتتبة لها ولو كنت إنما تنوي عن نفسك كذا قال ولا يخفى تكلفه. وحاصل كلامه تخصيص الجواز بالولد وإلى ذلك ذهب ابن وهب وأبو مصعب من أصحاب الإمام مالك وفيه تعقب على ابن بطال حيث نقل الإجماع أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضًا ولا سنة لا عن حي ولا عن ميت. ونقل عن المهلب أن ذلك لو جاز لجاز في جميع العبادات البدنية ولكان الشارع أحق بذلك أن يفعله عن أبويه. ولما نهي عن الاستغفار لعمه ولبطل معنى قوله وأما الآية فعمومها مخصوص اتفاقًا وقد ذهب ابن حزم ومن وافقه إلى أن الوارث يلزمه قضاء النذر عن مورثه في جميع الحالات واختلف في تعيين نذر أم سعد فقيل كان صومًا لما رواه مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء رجل فقال: يا رسول اللّه إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال: نعم. الحديث. وأجيب بأنه لم يكن فيه أن الرجل سعد. وقال ابن عبد البر: كان عتقًا واستدل بما أخرجه من طريق القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال يا رسول اللّه إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها قال نعم وقيل كان صدقة لما رواه في الموطأ وغيره أن سعدًا خرج مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقيل لأمه أوصي قالت المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم فقال يا رسول اللّه هل ينفعها أن أتصدق عنها قال نعم. وليس في هذا والذي قبله أنها نذرت. قال عياض: والذي يظهر أنه كان نذرها في مال أو مبهمًا. وظاهر حديث الباب أنه كان معينًا عند سعد. ـ وفي الحديث ـ قضاء الحقوق الواجبة عن الميت وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالي فإنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقًا.
1 - عن عبد اللّه بن عمرو: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم). رواه أحمد. 2 - وعن أبي سعيد: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم). رواه أبو داود. وله من حديث أبي هريرة مثله. حديث عبد اللّه بن عمرو وحديث أبي سعيد قد أخرج نحوهما البزار بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب بلفظ إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم ذاك أمير أمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم. وأخرج البزار أيضًا بإسناد صحيح من حديث عبد اللّه بن عمر مرفوعًا بلفظ: (إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح وهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة وكلاهما رجالهما رجال الصحيح إلا علي بن بحر وهو ثقة. ولفظ حديث أبي هريرة: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدًا أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى وفي ذلك دليل لقول من قال أنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام وقد ذهب الأكثر إلى أن الإمامة واجبة لكنهم اختلفوا هل الوجوب عقلًا أو شرعًا فعند العترة وأكثر المعتزلة والأشعرية تجب شرعًا. وعند الإمامية تجب عقلًا فقط وعند الجاحظ والبلخي والحسن البصري تجب عقلًا وشرعًا. وعند ضرار والأصم وهشام الفوطي والنجدات لا تجب.
1 - عن أبي موسى قال: (دخلت على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما يا رسول اللّه أمرنا على بعض ما ولاك اللّه عز وجل وقال الآخر مثل ذلك فقال: إنا واللّه لا نولي هذا العمل أحدًا يسأله أو أحدًا حرص عليه). 2 - وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها). متفق عليهما. 3 - وعن أنس قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن جبر عليه ينزل عليه ملك يسدده). رواه الخمسة إلا النسائي. 4 - وعن أبي هريرة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة). رواه أحمد والبخاري والنسائي. 5 - وعن أبي هريرة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار). رواه أبو داود. وقد حمل على ما إذا لم يوجد غيره. حديث أنس أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط من رواية عبد الأعلى التغلبي عن بلال بن أبي بردة الأشعري عن أنس مرفوعًا بلفظ: (من طلب القضاء واستعان عليه وكل إلى نفسه ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل اللّه عليه ملكًا يسدده) قال: لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الأعلى وأخرجه البزار من طريق عبد الأعلى عن بلال بن مرداس عن خيثمة عن أنس قال ولا يعلم عن أنس إلا من هذا الوجه. وأخرجه الترمذي من الطريقتين جميعًا وقال حسن غريب وقال في الرواية الثانية أصح وأخرجه الحاكم من طريق إسرائيل عن عبد الأعلى عن بلال عن خيثمة وصححه وتعقب أن خيثمة لينه يحيى بن معين وعبد الأعلى ضعفه الجمهور. وأخرج الحديث ابن المنذر بلفظ: (من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل اللّه ملكًا يسدده) وحديث أبي هريرة الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وسنده لا مطعن فيه فإن أبا داود قال حدثنا عباس العنبري يعني ابن عبد العظيم أبا الفضل شيخ الشيخين حدثنا عمر بن يونس يعني اليمامي حدثنا ملازم بن عمرو يعني ابن عبد اللّه بن بدر اليمامي وثقه أحمد وابن معين والنسائي حدثني محمد بن نجدة يعني اليمامي عن جده يزيد بن عبد الرحمن يعني الذي يقال له أبو كثير السحيمي عن أبي هريرة فذكره. قوله: (أو أحدًا حرص عليه) بفتح المهملة والراء. قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولي من يسأل الولاية أنه يوكل إليها ولا يكون معه إعانة كما في الحديث الذي بعده وإذا لم يكن معه إعانة لا يكون كفؤًا ولا يولي غير الكفء لأن فيه تهمة. قوله: (لا تسأل الإمارة) هكذا في أكثر طرق الحديث ووقع في رواية بلفظ: (لا تتمنين الإمارة) بصيغة النهي عن التمني مؤكدًا بالنون الثقيلة. قال ابن حجر: والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب. قوله: (عن غير مسألة) أي سؤال. قوله: (وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف مخففًا ومشددًا وسكون اللام ومعنى المخفف أي صرفت إليها وكل الأمر إلى فلان صرفه إليه ووكله بالتشديد استحفظه. ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد من هذا أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك وأن من حرص على ذلك لا يعان ويعارض ذلك في الظاهر حديث أبي هريرة المذكور في آخر الباب. قال الحافظ: ويجمع بينهما أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل إذا ولي أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية وبالجملة فإذا كان الطالب مسلوب الإعانة تورط فيما دخل فيه وخسر الدنيا والآخرة فلا تحل تولية من كان كذلك ربما كان الطالب للإمارة مريدًا بها الظهور على الأعداء والتنكيل بهم فيكون في توليته مفسدة عظيمة. قال ابن التين: محمول على الغالب وإلا فقد قال يوسف عليه السلام: قوله: (إنكم ستحرصون) بكسر الراء ويجوز فتحها ويدخل في لفظ الإمارة الإمارة العظمى وهي الخلافة والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد وهذا إخبار منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالشيء قبل وقوعه فوقع كما أخبر. قوله: (وستكون ندامة يوم القيامة) أي لمن لم يعمل فيها بما ينبغي ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك بلفظ: (أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل) وفي الأوسط للطبراني من رواية شريك عن عبد اللّه بن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شريك لا أدري رفعه أم لا قال: الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة. وله شاهد من حديث شداد بن أوس رفعه بلفظ: (أولها ملامة وثانيها ندامة) أخرجه الطبراني. وعند الطبراني من حديث زيد بن ثابت رفعه: نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة. قال الحافظ: وهذا يقيد ما أطلق في الذي قبله ويقيد أيضًا ما أخرجه مسلم عن أبي ذر: قلت يا رسول اللّه ألا تستعملني قال: إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها. قال النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف وهو من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخذي يوم القيامة وأما من كان أهلًا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار ولكن الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها انتهى. وسيأتي حديث أبي ذر هذا. قوله: (فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) قال الداودي: نعمت المرضعة أي الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموت لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه. وقال غيره: نعمت المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة. قوله: (ثم غلب عدله جوره) أي كان عدله في حكمه أكثر من ظلمه كما يقال غلب على فلان الكرم أي هو أكثر خصاله وظاهره أنه ليس من شرط الأجر الذي هو الجنة أن لا يحصل من القاضي جور أصلًا بل المراد أن يكون جوره مغلوبًا بعدله فلا يضر صدور الجور المغلوب بالعدل إنما الذي يضر ويوجب النار أن يكون الجور غالبًا للعدل. قيل هذا الحديث محمول على ما إذا لم يوجد غير هذا القاضي الذي طلب القضاء جمعًا بينه وبين أحاديث الباب. وقد تقدم طرف من الجمع وبقي الكلام في استحقاق الأمير للإعانة هل يكون بمجرد إعطائه لها من غير مسألة كما يدل عليه حديث عبد الرحمن بن سمرة المذكور في الباب أم لا يستحقها إلا بالإكراه والإجبار كما يدل عليه حديث أنس المذكور أيضًا فقال ابن رسلان: إن المطلق مقيد بما إذا أكره على الولاية وأجبر على قبولها فلا ينزل اللّه إليه الملك يسدده إلا إذا أكره على ذلك جبرًا ولا يحصل هذا لمن عرضت عليه الولاية فقبلها من دون إكراه كما في لفظ الترمذي من رواية بلال بن مرداس ومن أكره عليه أنزل اللّه عليه ملكًا يسدده. وقال حسن غريب ولا يخفى ما في حديث أنس من المقال الذي قدمناه مع اضطراب ألفاظه التي أشرنا إلى بعضها وأكثر ألفاظه بدون ذكر الإجبار والإكراه كما في سنن أبي داود وغيرها على أنه على فرض صحته وصلاحيته لا معارضة بينه وبين حديث عبد الرحمن بن سمرة لأن حديث عبد الرحمن فيه أن من أعطي الإمارة من غير مسألة أعين عليها وليس فيها نزول الملك للتسديد. وحديث أنس فيه أن من أجبر نزل عليه ملك يسدده فغايته أن الإعانة تحصل بمجرد إعطاء الإمارة من غير مسألة بخلاف نزول الملك فلا يحصل إلا بالإجبار فلا معارضة ولا إطلاق ولا تقييد إلا في حديث أنس نفسه فيمكن أن يحمل المطلق من ألفاظه عن الإجبار والإكراه بالمقيد بهما إذا انتهض لذلك لا يقال إن إنزال الملك للتسديد نوع من الإعانة فتثبت المعارضة لأنا نقول بعض أنواع الإعانة لا يعارض البعض الآخر.
1 - عن أبي هريرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: من جعل قاضيًا بين الناس فقد ذبح بغير سكين). رواه الخمسة إلا النسائي. 2 - وعن ابن مسعود: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ما من حكم يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقفه على جهنم ثم يرفع رأسه إلى اللّه عز وجل فإن قال ألقه ألقاه في مهوى فهوي أربعين خريفًا). رواه أحمد وابن ماجه بمعناه. 3 - وعن أبي هريرة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت متعلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا على شيء). 4 - وعن عائشة قالت: (سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: لتأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط). 5 - وعن أبي أمامة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى اللّه عز وجل يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أو أوبقه إثمه أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة). 6 - وعن عبادة بن الصامت: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يطلقه الحق أو يوبقه ومن تعلم القرآن ثم نسيه لقي اللّه وهو أجزم). رواهن أحمد. 7 - وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: إن اللّه مع القاضي ما لم يجر فإذا جار وكله اللّه إلى نفسه). رواه ابن ماجه. وفي لفظ: (اللّه مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان). رواه الترمذي. 8 - وعن عبد اللّه بن عمر قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: إن المقسطين عند اللّه على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا). رواه أحمد ومسلم والنسائي. حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي والدارقطني وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان وله طرق وقد أعله ابن الجوزي فقال هذا حديث لا يصح. قال الحافظ ابن حجر: وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي له. وقد ذكر الدارقطني الخلاف فيه على سعيد المقبري قال والمحفوظ عن سيد المقبري عن أبي هريرة قال المنذري وفي إسناده عثمان بن محمد الأخنسي. قال النسائي ليس بذاك القوي قال وإنما ذكرناه لئلا يخرج من الوسط ويجعل عن ابن أبي ذئب عن سعيد انتهى. فلا تتم التقوية بإخراج النسائي للحديث كما زعم الحافظ. وحديث ابن مسعود أخرجه أيضًا البيهقي في شعب الإيمان والبزار وفي إسناده مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه جماعة. وحديث أبي هريرة الثاني حسنه السيوطي. وحديث عائشة أخرجه أيضًا العقيلي وابن حبان والبيهقي. قال البيهقي: عمران بن حطان الراوي عن عائشة لا يتابع عليه ولا يتبين سماعه منها. ووقع في رواية الإمام أحمد من طريقه قال: دخلت على عائشة فذاكرتها حتى ذكرنا القاضي فذكره. قال في مجمع الزوائد: وإسناده حسن. وحديث أبي أمامة حسنه السيوطي وفي معناه أحاديث منها حديث عبادة المذكور بعده ومنها حديث أبي هريرة عند البيهقي في السنن بلفظ: (ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولًا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور) ومنها حديث ابن عباس: (ما من أمير يؤمر على عشرة إلا سئل عنهم يوم القيامة) أخرجه الطبراني في الكبير وأخرج البيهقي حديثًا آخر عن أبي هريرة بمعنى حديثه هذا. وحديث عبادة أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب من حديث سعد بن عبادة. وحديث عبد اللّه بن أبي أوفى أخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن وابن حبان وحسنه الترمذي. قوله: (فقد ذبح بغير سكين) بضم الذال المعجمة مبني للمجهول قال ابن الصلاح: المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب الآخرة إن فسد. وقال الخطابي ومن تبعه: إنما عدل عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين والثاني أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح وبغير السكين كالخنق أو غيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير. قال الحافظ في التلخيص: ومن الناس من فتن بحب القضاء فأخرجه عما يتبادر إليه الفهم من سياقه فقال إنما قال ذبح بغير سكين إشارة إلى الرفق به ولو ذبح بالسكين لكان أشق عليه ولا يخفى فساده انتهى. وحكى ابن رسلان في شرح السنن عن أبي العباس أحمد بن القاص أنه قال ليس في هذا الحديث عندي كراهية القضاء وذمه إذ الذبح بغير سكين مجاهدة النفس وترك الهوى واللّه تعالى يقول وحديث أبي هريرة الذي ذكره لا أدري من أخرجه فيبحث عنه وعلى كل حال فحديث الباب وارد في ترهيب القضاة لا في ترغيبهم وهذا هو الذي فهمه السلف والخلف من جعله من الترغيب فقد أبعد وقد استروح كثير من القضاة إلى ما ذكره أبو العباس وأنا وإن كنت حال تحرير هذه الأحرف منهم ولكن اللّه يحب الإنصاف وقد ورد في الترغيب في القضاة ما يغني عن مثل ذلك التكلف فأخرج الشيخان من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران) ورواه الحاكم والدارقطني من حديث عقبة بن عامر وأبي هريرة وعبد اللّه بن عمر بلفظ: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله عشرة أجور) وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف وتابعه ابن لهيعة بغير لفظه ورواه أحمد من طريق عمرو بن العاص بلفظ: (إن أصبت القضاء فلك عشرة أجور وإن اجتهدت فأخطأت فلك حسنة) وإسناده ضعيف أيضًا. وأخرج أحمد في مسنده وأبو نعيم في الحلية عن عائشة: (أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: السابقون إلى ظل اللّه يوم القيامة الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوا بذلوه وإذا حكموا بين الناس حكموا كحكمهم لأنفسهم) وهو من رواية ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عنها قال أبو نعيم: تفرد به ابن لهيعة عن خالد. قال الحافظ: وتابعه يحيى بن أيوب عن عبد اللّه بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم وهو ابن عبد الرحمن عن عائشة ورواه أبو العباس ابن القاص في كتاب آداب القضاء له. ومن الأحاديث الواردة في الترغيب حديث عبد اللّه بن عمر المذكور في الباب. ومنها حديث ابن عباس: (إذا جلس الحاكم في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه ويوفقانه ويرشدانه ما لم يجر فإذا جار عرجا وتركاه) أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن زيد الأشعري عن ابن جريج عن عطاء عنه وإسناده ضعيف قال صالح جزرة هذا الحديث ليس له أصل وروى الطبراني معناه من حديث واثلة بن الأسقع. وفي البزار من رواية إبراهيم بن خيثم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: (من ولي من أمور المسلمين شيئًا وكل اللّه به ملكًا عن يمينه وأحسبه قال وملكًا عن شماله يوفقانه ويسددانه إذا أريد به خير ومن ولي من أمور المسلمين شيئًا فأريد به غير ذلك وكل إلى نفسه) قال: ولا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من حديث عراك وإبراهيم ليس بالقوي. ومن أحاديث الترغيب حديث عبد اللّه بن أبي أوفى المذكور في الباب. ولكن هذه الترغيبات إنما هي في حق القاضي العادل الذي لم يسأل القضاء ولا استعان عليه بالشفعاء وكان لديه من العلم لكتاب اللّه وسنة رسوله ما يعرف به الحق من الباطل بعد إحراز مقدار من آلاتهما يقدر به على الاجتهاد في إيراده وإصداره. وأما من كان بعكس هذه الأوصاف أو بعضها فقد أوقع نفسه في مضيق وباع آخرته بدنياه لأن كل عاقل يعلم أن من تسلق للقضاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة جهلًا بسيطًا أو جهلًا مركبًا أو من كان قاصرًا عن رتبة الاجتهاد فلا حامل له على ذلك إلا حب المال والشرف أو أحدهما إذ لا يصح أن يكون الحامل من قبيل الدين لأن اللّه لم يوجب على من لم يتمكن من الحكم بما أنزل من الحق أن يتحمل هذا العبء الثقيل قبل تحصيل شرطه الذي يحرم قبوله قبل حصوله فعلم من هذا أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام اللّه بدون ما شرطه ليس إلا الدنيا لا الدين فإياك والاغترار بأقوال قوم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فإذا لبسوا لك أثواب الرياء والتصنع وأظهروا شعار التغرير والتدليس والتلبيس وقالوا ما لهم بغير الحق حاجة ولا أرادوا إلا تحصيل الثواب الأخروي فقيل لهم دعوا الكذب على أنفسكم يا قضاة النار بنص المختار فلو كنتم تخشون اللّه وتتقونه حق تقاته لما أقدمتم على المخاطرة بادئ بدء بدون إيجاب من اللّه ولا إكراه من سلطان ولا حاجة من المسلمين وقد كثر التتابع من الجهلة في هذا المنصب الشريف واشتروه بالأموال ممن هو أجهل منهم حتى عمت البلوى جميع الأقطار اليمنية. قوله: (فهوى أربعين خريفًا) قال في النهاية: هو الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء ويريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة فإذا انقضى أربعون خريفًا انقضت أربعون سنة. قوله: (ويل للعرفاء) بضم العين المهملة وفتح الراء والفاء جمع عريف. قال في النهاية: وهو القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل والعرافة عمله. وسبب الوعيد لهذه الطوائف الثلاث وهم الأمراء والعرفاء والأمناء أنهم يقبلون ويطاعون فيما يأتون به فإذا جاروا الرعايا جاروا وهم قادرون فيكون ذلك سببًا لتشديد العقوبة عليهم لأن حق شكر النعمة التي امتازوا بها على غيرهم أن يعدلوا ويستعملوا الشفقة والرأفة. قوله: (أو أوبقه إثمه) بالباء الموحدة والقاف. قال في النهاية: يقال وبق يبق ووبق يوبق إذا هلك وأوبقه غيره فهو موبق. قوله: (كلتا يديه يمين) قال في النهاية: أي أن يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما لأن الشمال تنقص عن اليمين. وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى اللّه فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة واللّه منزه عن التشبيه والتجسيم.
1 - عن أبي بكرة قال: (لما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه. 2 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: تعوذوا باللّه من رأس السبعين وإمارة الصبيان). رواه أحمد. 3 - وعن بريدة: (عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار). رواه ابن ماجه وأبو داود وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلًا. 4 - وعن أبي هريرة: (عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من أفتى بفتيا بغير ثبت فإنما إثمه على الذي أفتاه). رواه أحمد وابن ماجه. وفي لفظ: (من أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه) رواه أحمد وأبو داود. 5 - وعن أبي ذر: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا وإني أحب إليك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم). 6 - وعن أبي ذر قال: (قلت يا رسول اللّه ألا تستعملني قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها). رواهما أحمد ومسلم. 7 - وعن أم الحصين الأحمسية: (أنها سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي ما أقام فيكم كتاب اللّه عز وجل). رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود. 8 - وعن أنس قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة). رواه أحمد والبخاري. وهذا عند أهل العلم محمول على غير ولاية الحكم أو على من كان عبدًا. حديث أبي هريرة الأول قد أخرج ما يشهد له أحمد من حديث قيس الغفاري مرفوعًا وفيه التحذير من إمارة السفهاء ورجاله رجال الصحيح ومثله أخرجه الطبراني عن عوف بن مالك مرفوعًا وفي إسناده النهاس بن قهم وهو ضعيف. وحديث بريدة أخرجه أيضًا الترمذي والنسائي والحاكم وصححه. قال الحاكم في علوم الحديث: تفرد به الخراسانيون ورواته مراوزة قال الحافظ: له طرق غير هذه جمعتها في جزء مفرد. وحديث أبي هريرة الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده أئمة أكثرهم من رجال الصحيح وزاد أبو داود ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه. وحديث أنس لفظ البخاري: (أطيعوا السلطان وإن عبدًا حبشيًا كالزبيبة). قوله: (لن يفلح قوم) الخ فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ولا يحل لقوم توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب. قال في الفتح: وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عن الحنفية واستثنوا الحدود. وأطلق ابن جرير ويؤيد ما قاله الجمهور إن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ورأي المرأة ناقص ولا سيما في محافل الرجال. واستدل المصنف أيضًا على ذلك بحديث بريدة المذكور في الباب لقوله فيه رجل ورجل فدل بمفهومه على خروج المرأة. قوله: (وإمارة الصبيان) فيه دليل على أنه لا يصح أن يكون الصبي قاضيًا. قال في البحر: إجماعًا وأمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بالتعوذ من رأس السبعين لعله لما ظهر فيها من الفتن العظيمة منها قتل الحسين رضي اللّه عنه ووقعة الحرة وغير ذلك مما وقع في عشر السبعين. قوله: (القضاة ثلاثة) الخ في هذا الحديث أعظم وازع للجهلة عن الدخول في هذا المنصب الذي ينتهي بالجاهل والجائر إلى النار وبالجملة فما صنع أحد بنفسه ما صنعه من ضاقت عليه المعايش فزج بنفسه في القضاء لينال من الحطام وأموال الأرامل والأيتام ما يحول بينه وبين دار الإسلام مع جهله بالأحكام أو جوره على من قعد بين يديه للخصام من أهل الإسلام. قوله: (من أفتى) بضم الهمزة وكسر المثناة مبني لما لم يسم فاعله فيكون المعنى من أفتاه مفت عن غير ثبت من الكتاب والسنة والاستدلال كان إثمه على من أفتاه بغير الصواب لا على المستفتي المقلد. وقد روي بفتح الهمزة والمثناة فيكون المعنى من أفتى الناس بغير علم كان إثمه على الذي سوغ له ذلك وأفتاه بجواز الفتيا من مثله مع جهله وأذن له في الفتوى ورخص له فيها. قوله: (أراك ضعيفًا) فيه دليل على أن من كان ضعيفًا لا يصلح لتولي القضاء بين المسلمين قال أبو علي الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب أدب القضاء له: لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافًا أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين من بان فضله وصدقه وعلمه وورعه وأن يكون عارفًا بكتاب اللّه عالمًا بأكثر أحكامه عالمًا بسنن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حافظًا لأكثرها وكذا أقوال الصحابة عالمًا بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من السقيم يتتبع النوازل من الكتاب فإن لم يجد ففي السنة فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع ويكون حافظًا للسانه ونطقه وفرجه فهمًا لكلام الخصوم ثم لا بد أن يكون عاقلًا مائلًا عن الهوى ثم قال: وهذا وإن كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم. وقال المهلب: لا يكفي في استحباب القضاء أن يرى نفسه أهلًا لذلك بل أن يراه الناس أهلًا له. وقال ابن حبيب عن مالك: لا بد أن يكون القاضي عالمًا عاقلًا قال ابن حبيب: فإن لم يكن علم فعقل وورع لأنه بالورع يقف وبالعقل يسأل وهو إذا طلب العلم وجده فإذا طلب العقل لم يجده انتهى. قلت ماذا يصنع الجاهل العاقل عند ورود مشكلات المسائل وغاية ما يفيده العقل التوقف عند كل خصومة ترد عليه وملازمة سؤال أهل العلم عنها والأخذ بأقوالهم مع عدم المعرفة لحقها من باطلها وما بهذا أمر اللّه عباده فإنه أمر الحاكم أن يحكم بالحق وبالعدل وبالقسط وبما أنزل ومن أين لمثل هذا العاقل العاطل عن حلية الدلائل أن يعرف أحقية هذه الأمور بل من أين له أن يتعقل الحجة إذا جاءته من كتاب أو سنة حتى يحكم بمدلولها ثم قد عرف اختلاف طبقات أهل العلم في الكمال والقصور والإنصاف والاعتساف والتثبت والاستعجال والطيش والوقار والتعويل على الدليل والقنوع بالتقليد فمن أين لهذا الجاهل العاقل معرفة العالي من السافل حتى يأخذ عنه أحكامه وينيط به حله وإبرامه فهذا شيء لا يعرف بالعقل باتفاق العقلاء فما حال هذا القاضي إلا كحال من قال فيه من قال: كبهيمة عمياء قاد زمامها ** أعمى على عوج الطريق الحائر قوله: (لا تأمرن على اثنين) الخ في هذا النهي بعد إمحاض النصح بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم إني أحب لك ما أحب لنفسي إرشاد للعباد إلى ترك تحمل أعباء الإمارة مع الضعف عن القيام بحقها من أي جهة من الجهات التي يصدق على صاحبها أنه ضعيف فيها وقد قدمنا كلام النووي على هذا الحديث في باب كراهية الحرص على الإمارة. قوله: (وإن أمر عليكم عبد حبشي) بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب إلى الحبشة. قوله: (كأن رأسه زبيبة) هي واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جف وإنما شبه رأس العبد بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتداد بها. وقد حكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال عن المهلب أنها لا تجب الطاعة للعبد إلا إذا كان المستعمل له إمامًا قرشيًا لأن الإمامة لا تكون إلا في قريش قال وأجمعت الأمة على أنها لا تكون في العبيد. وحكى في البحر عن العترة أنه يصح أن يكون العبد قاضيًا وعن الشافعية والحنفية أن لا يصح أن يكون العبد قاضيًا.
|