الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن جندب قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: حد الساحر ضربه بالسيف). رواه الترمذي والدارقطني وضعف الترمذي إسناده وقال الصحيح عن جندب موقوف. 2 - وعن بجالة بن عبدة قال: (كنت كاتبًا لجزء ابن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بشهر أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاث سواحر وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمه في كتاب اللّه تعالى). رواه أحمد وأبو داود. وللبخاري منه التفريق بين ذوي المحارم. 3 - وعن محمد بن عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة: (أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت). رواه مالك في الموطأ عنه. 4 - وعن ابن شهاب: (أنه سئل علي من سحر من أهل العهد قتل قال: بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب). أخرجه البخاري. حديث جندب في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي. قال الترمذي بعد ذكره: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال: وكيع هو ثقة ويروى عن الحسن أيضًا والصحيح عن جندب موقوف قال والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغيرهم وهو قول مالك ابن أنس وقال الشافعي: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عملًا دون الكفر فلم نر عليه قتلًا. اهـ وأخرج هذا الحديث الحاكم والبيهقي. وأثر عمر أخرجه أيضًا البيهقي وعبد الرزاق. وأثر حفصة أخرجه أيضًا عبد الرزاق وقد استدل بحديث جندب من قال إنه يقتل الساحر قال النووي في شرح مسلم: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع قال: وقد يكون كفرًا وقد لا يكون كفرًا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام قال ولا يقتل عندنا يعني الساحر فإن تاب قبلت توبته. وقال مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق لأن الساحر عنده كافر كما ذكرنا وعندنا ليس بكافر وعندنا تقبل توبة المنافق والزنديق. قال القاضي عياض: وبقول مالك قال أحمد بن حنبل وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين قال أصحابنا إذا قتل الساحر بسحره إنسانًا أو اعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبًا لزمه القصاص وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة وتكون الدية في ماله لا على عاقلته لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني قال أصحابنا ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة وإنما يتصور باعتراف الساحر واللّه أعلم اهـ كلام النووي. وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أن السحر كفر وحكي أيضًا عن العترة وأكثر الفقهاء أنه لا حقيقة له ولا تأثير لقوله تعالى قوله: (عن الزمزمة) بزايين معجمتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة قال في القاموس: الزمزمة الصوت البعيد له دوي وتتابع صوت الرعد وهو أحسنه صوتًا وأثبته مطرًا وتراطن العلوج على أكلهم وهو صموت لا يستعملون لسانًا ولا شفة لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض اهـ. قوله: (فلم يقتل من صنعه) الخ استدل به من قال إنه لا يقتل الساحر ويجاب عنه بما سيأتي قريبا وأيضًا ليس في ذلك دليل لأن غايته جواز الترك لا عدم جواز الفعل فيمكن الجمع على فرض عدم علم التاريخ بأن القتل للساحر جائز لا واجب. 5 - وعن عائشة قالت: (سحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا اللّه ودعا ثم قال: أشعرت يا عائشة أن اللّه قد أفتاني فيما استفتيته قلت: وما ذاك يا رسول اللّه قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل قال: مطبوب قال: ومن طبه قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال: فبماذا قال: في مشط ومشاط وجف طلعة ذكر قال: فأين هو قال: في بئر ذروان فذهب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال: لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت: يا رسول اللّه أفأخرجته قال: لا أما أنا فقد عافاني اللّه وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرًا فأمر بها فدفنت). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: (قالت فقلت يا رسول اللّه أفلا أخرجته قال لا). قوله: (حتى إنه ليخيل إليه) الخ قال الإمام المازري: مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء خلافًا لمن أنكر ذلك وأنكر حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها وقد ذكره اللّه تعالى في كتابه وذكر أنه مما يتعلم وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به وأن يفرق بين المرء وزوجه وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له وهذا الحديث أيضًا مصرح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت وهذا كله يبطل ما قالوه فإحالة كونه من الحقائق محال ولا يستنكر في العقل أن اللّه سبحانه يخرق العادة عند النطق بكلام أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالأدوية الحادة ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوي قتالة أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة قال: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر فزعم أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع قال وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلًا من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطىء وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله فتكون اعتقاداته على السداد. قال القاضي عياض: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده ويكون معنى قوله حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهم ويروى أنه يخيل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهم أخذه السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه أنه فعل شيئًا ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا بخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبسًا على الرسالة ولا طعنًا لأهل الضلالة انتهى. قال المازري: واختلف الناس في القدر الذي يقع به السحر ولهم فيه اضطراب فقال بعضهم: لا يزيد تأثيره على قدر التفرقة بين المرء وزوجه لأن اللّه تبارك وتعالى إنما ذكر ذلك تعظيمًا لما يكون عنده وتهويلًا له فلو وقع به أعظم منه لذكره لأن المثل لا يضرب عند المبالغة إلا بأعلى أحوال المذكور قال: ومذهب الأشعرية أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك قال: وهذا هو الصحيح عقلًا لأنه لا فاعل إلا اللّه تبارك وتعالى وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها اللّه تعالى ولا تفترق الأفعال في ذلك وليس بعضها بأولى من بعض ولو ورد الشرع بقصره على مرتبة لوجب المصير إليه ولكن لا يوجد شرع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله القائل الأول وذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة وإنما النظر في أنه ظاهر أم لا قال فإن قيل إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يد الساحر فبماذا يتميز عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فالجواب إن العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر ولكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن اللّه تعالى بخرق العادة له لتصديقه فلو كان كاذبًا لم تنخرق العادة على يديه والولي والساحر لا يتحديان الخلق ولا يستدلان على نبوة ولو ادعيا شيئًا من ذلك لم تنخرق العادة لهما. وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجهين أحدهما وهو المشهور إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق والكرامة لا تظهر على فاسق فإنما تظهر على ولي وبهذا جزم إمام الحرمين وأبو سعيد المتولي وغيرهما والثاني أن السحر قد يكون ناشئًا بفعلها وبمزجها ومعاناة وعلاج والكرامة لا تفتقر إلى ذلك وفي كثير من الأوقات يقع مثل ذلك من غير أن يستدعيه أو يشعر به واللّه أعلم هكذا في شرح مسلم للنووي. قوله: (دعا اللّه ودعا) في رواية مسلم: (دعا اللّه ثم دعا ثم دعا) وفي ذلك دليل على استحباب الدعاء عند حصول الأمر المكروه وتكريره وحسن الالتجاء إلى اللّه سبحانه. قوله: (ما وجع الرجل قال مطبوب) بالطاء المهملة وبموحدتين اسم مفعول. قال ابن الأنباري: الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب وللسحر طب وهو من أعظم الأدواء ورجل طبيب أي حاذق سمي طبيبًا لحذقه وفطنته. قال النووي: كنوا بالطب عن السحر كما كنوا بالسليم عن اللديغ. قوله: (من بني زريق) بتقديم الزاي. قوله: (في مشط ومشاطة) المشط بضم الميم والشين وبضم الميم وإسكان الشين وبكسر الميم وإسكان الشين وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر والمشاطة بضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه بالمشط ووقع في رواية للبخاري ومشاقة بالقاف وهي المشاطة وقيل مشاقة الكتان. قوله: (وجف طلعة) بالجيم والفاء وهو وعاء طلع النخل أي الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده في الحديث. وفي رواية لمسلم وجب طلعة بضم الجيم وبالباء الموحدة. قال النووي: هو في أكثر نسخ بلادنا كذلك والطلعة النخلة وهو بإضافة طلعة إلى ذكر. قوله: (في بئر ذروان) وهكذا في معظم نسخ البخاري. وفي جميع روايات مسلم في بئر ذي أروان قال النووي: وكلاهما صحيح مشهور قال والذي في مسلم أجود وأصح وادعى ابن قتيبة أنه الصواب وهو قول الأصمعي وهي بئر بالمدينة في بستان بني زريق. قوله: (نقاعة الحناء) بضم النون من نقاعة وهو الماء الذي تنقع فيه الحناء والحناء ممدود. قوله: (أفأخرجته) في الرواية الثانية: (أفلا أخرجته) وفي رواية: (أفلا أحرقته) قال النووي: كلاهما صحيح وذلك بأن يقال طلبت منه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يخرجه ثم يحرقه وأخبر أن اللّه قد عافاه وأنه يخاف من إحراقه وإخراجه وإشاعة هذا ضررًا وشرًا على المسلمين كتذكر السحر أو فعله والحديث فيه أو إيذاء فاعله فيحمله ذلك أو يحمل بعض أهله ومحبيه من المنافقين وغيرهم على سحر الناس وآذاهم وانتصابهم لمنابذة المسلمين بذلك وهذا من باب ترك مصلحة لخوف مفسدة أعظم منها وذلك من أهم قواعد الإسلام وبمثل هذا يجاب عن استدلال من استدل على عدم جواز قتل الساحر بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يقتل من سحره فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا ترك إخراج ما سحر فيه من البئر لمخافة الفتنة فبالأولى تركه القتل للساحر فإن الفتنة في ذلك أعظم وأشد. 6 - وعن أبي موسى: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر). 7 - وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم). رواهما أحمد ومسلم. 8 - وعن صفية بنت أبي عبيد: (عن بعض أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم يقبل اللّه له صلاة أربعين ليلة). رواه أحمد ومسلم. قوله: (لا يدخلون الجنة) فيه دليل على أن بعض أهل التوحيد لا يدخلون الجنة وهم من أقدم على معصية صرح الشارع بأن فاعلها لا يدخل الجنة كهؤلاء الثلاثة ومن قتل نفسه ومن قتل معاهدًا وغيرهم من العصاة الفاعلين لمعصية ورد النص بأنها مانعة من دخول الجنة فيكون حديث أبي موسى المذكور وما ورد في معناه مخصصًا لعموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة. قوله: (من أتى كاهنًا) قال القاضي عياض: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب أحدها يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث اللّه تعالى نبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم. الثاني أن يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد وهذا لا يبعد وجوده ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام. الثالث المنجمون وهذا الضرب يخلق اللّه فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك كالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم كلهم الشرع ونهى عن تصديقهم وإتيانهم. قال الخطابي: العراف هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق ومكان الضالة ونحوهما قال في النهاية: الكاهن يشمل العراف والمنجم. قوله: (فصدقه بما يقول) زاد الطبراني من رواية أنس: (ومن أتاه غير مصدق له لم يقبل اللّه له صلاة أربعين ليلة) وظاهر هذا التصديق شرط في ثبوت كفر من أتى الكاهن والعراف. قوله: (فقد كفر) ظاهره أنه الكفر الحقيقي وقيل هو الكفر المجازي وقيل من اعتقد أن الكاهن والعراف يعرفان الغيب ويطلعان على الأسرار الإلهية كان كافرًا كفرًا حقيقيًا كمن اعتقد تأثير الكواكب وإلا فلا. قوله: (لم يقبل اللّه منه صلاة أربعين ليلة) قال النووي: معناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه ولا يحتاج معها إلى إعادة ونظير هذه الصلاة في الأرض المغصوبة فإنها مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لا ثواب فيها كذا قاله جمهور أصحابنا قالوا فصلاة الفرض وغيرها من الواجبات إذا أتى بها على وجهها الكامل ترتب عليها شيئان سقوط الفرض عنه وحصول الثواب فإذا أداها في أرض مغصوبة حصل الأول دون الثاني ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة فوجب تأويله واللّه أعلم اهـ. 9 - وعن عائشة قالت: (سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ناس عن الكهانة فقال: ليسوا بشيء فقالوا يا رسول اللّه إنهم يحدثونا أحيانًا بشيء فيكون حقًا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه يخلطون معها مائة كذبة). متفق عليه. 10 - وعن عائشة قالت: (كان لأبي بكر غلام يأكل من خراجه فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: تدري مما هذا قال: وما هو قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه). أخرجه البخاري. 11 - وعن ابن عباس قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات. قوله: (ليسوا بشيء) معناه بطلان قولهم وأنه لا حقيقة له قال النووي: وفيه جواز إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلًا انتهى وذلك لأنه لعدم نفقه كالمعدوم الذي لا وجود له. قوله: (تلك الكلمة من الحق يخطفها) بفتح الطاء المهملة على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة قليلة كسرها ومعناه استرقه وأخذه بسرعة. قوله: (فيقرها) بفتح الياء التحتية وضم القاف وتشديد الراء قال أهل اللغة: والغريب القر ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه تقول قررته فيه أقره قرًا. قال الخطابي وغيره: معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فتسمعها الشياطين. وفي رواية للبخاري يقرها في أذنه كما تقر القارورة. وفي رواية لمسلم فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة بفتح القاف من قر والدجاجة بالدال هي الحيوان المعروف أي صوتها عند مجاوبتها لصواحبها. قال الخطابي: وفيه وجه آخر وهو أن تكون الرواية قر الزجاجة بالزاي يدل عليه رواية البخاري المتقدمة بلفظ كما تقر القارورة فإن ذكر القارورة يدل على أن الرواية الزجاجة بالزاي. قال القاضي عياض: أما مسلم فلم تختلف الرواية عنه أنها الدجاجة بالدال لكن رواية القارورة تصحح الزجاجة قال القابسي: معناه يكون لما يلقيه إلى وليه حس كحس القارورة عند تحريكها على اليد أو على صفا. قوله: (يخلطون) في رواية لمسلم: (يقرفون) بالراء قال النووي: هذه اللفظة ضبطوها على وجهين أحدهما بالراء والثاني بالذال ووقع في رواية الأوزاعي وابن معقل بالراء باتفاق النسخ ومعناه يخلطون فيه الكذب وهو بمعنى يقذفون وفي رواية يونس يرقون قال القاضي عياض: ضبطناه عن شيوخنا بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف قال ورواه بعضهم بفتح الياء وإسكان الراء قال في المشارق: قال بعضهم صوابه بفتح الياء وإسكان الراء وفتح القاف وكذا ذكره الخطابي قال ومعناه يزيدون يقال رقى فلان إلى الباطل بكسر القاف أي رفعه وأصله من الصعود أي يدعون فيها فوق ما سمعوا قال القاضي عياض: وقد تصح الرواية الأولى على تضعيف هذا الفعل وتكثيره. قوله: (فقاء كل شيء في بطنه) فيه متمسك لتحريم ما أخذه الكهان ممن يتكهنون له وإن دفع ذلك بطيبة من نفسه. قوله: (من اقتبس) أي تعلم يقال قبست العلم واقتبسته إذا تعلمته والقبس الشعلة من النار واقتباسها الأخذ منها. قوله: (اقتبس شعبة من السحر) أي قطعة فكما أن تعلم السحر والعمل به حرام فكذا تعلم علم النجوم والكلام فيه حرام. قال ابن رسلان في شرح السنن: والمنهي عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها وهذا تعاط لعلم استأثر اللّه بعلمه قال: وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي فغير داخل فيما نهى عنه ومن المنهي عنه التحدث بمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الرياح وتغير الأسعار. قوله: (زاد ما زاد) أي زاد من علم النجوم كمثل ما زاد من السحر والمراد أنه إذا ازداد من علم النجوم فكأنه ازداد من علم السحر. وقد علم أن أصل علم السحر حرام والازدياد منه أشد تحريمًا فكذا الازدياد من علم التنجيم. 12 - وعن معاوية بن الحكم السلمي قال: (قلت يا رسول اللّه إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء اللّه بالإسلام فإن منا رجالًا يأتون الكهان قال: فلا تأتهم قال: ومنا رجال يطيرون قال: ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم قال: قلت ومنا رجال يخطون قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك). رواه أحمد ومسلم. هذا الحديث هو طويل حذف المصنف رحمه اللّه ما لا تعلق له بالمقام وقد تقدم في الصلاة طرف منه وفي العتق طرف آخر. قوله: (فلا تأتهم) فيه النهي عن إتيان الكهان وقد تقدم الكلام على ذلك. قوله: (يطيرون) بفتح التحتية في أوله وتشديد الطاء المهملة وأصله يتطيرون أدغمت التاء الفوقية في الطاء والتطير التشؤم وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير ينفع ولا يضر. وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه ابن ماجه من حديث ابن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (الطيرة شرك ثلاث مرات وما منا إلا ولكن اللّه يذهبه بالتوكل) قال الخطابي: قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول هذا الحرف ليس قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكأنه قول ابن مسعود. وحكى الترمذي عن البخاري عن سليمان بن حرب نحو هذا وأن الذي أنكره هو وما منا. قال المنذري: الصواب ما قاله البخاري وغيره أن قوله وما منا الخ من كلام ابن مسعود. قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني والمنذري وغيرهما في الحديث إضمار أي وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمته وقيل معناه ما منا إلا من يعتريه التطير وتسبق إلى قلبه الكراهة فحذف اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع وهذا هو معنى ما وقع في حديث الباب قال ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم. قال النووي في شرح مسلم: معناه أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة ولكن لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا انتهى. وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعًا أو يدفع عنهم ضررًا إذا عملوا بموجبه فكأنهم أشركوا مع اللّه تعالى ومعنى إذهابه بالتوكل أن ابن آدم إذا تطير وعرض له خاطر من التطير أذهبه اللّه بالتوكل والتفويض إليه وعدم العمل بما خطر من ذلك فمن توكل سلم ولم يؤاخذه اللّه بما عرض له من التطير. وأخرج الشيخان وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي: ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها قال: فمن أعدى الأول قال معمر قال الزهري فحدثني رجل عن أبي هريرة أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: لا يوردن ممرض على مصح قال: فراجعه الرجل فقال: أليس قد حدثتنا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا عدوى ولا صفر ولا هامة قال: لم أحدثكموه) قال الزهري: قال أبو سلمة قد حدث به وما سمعت أبا هريرة بشيء حدثنا قط غيره هذا لفظ أبي داود. وقد أخرج حديث: (لا عدوى) الخ مسلم وأبو داود من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه أيضًا أبو داود من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وأخرج مسلم من طريق جابر قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لا عدوى ولا طيرة ولا غول) وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح) والفأل الصالح الكلمة الحسنة. وأخرج أبو داود عن رجل عن أبي هريرة: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال أخذنا فالك من فيك) وأخرج أبو داود عن عروة بن عامر القرشي قال: (ذكرت الطيرة عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: أحسنها الفال ولا ترد مسلمًا فإن رأى أحدكم ما يكره فليقل اللّهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك) قال أبو القاسم الدمشقي: ولا صحبة لعروة القرشي تصح. وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس فعلى هذا يكون حديثه مرسلًا وقال النووي في شرح مسلم: وقد صح عن عروة بن عامر الصحابي رضي اللّه عنه ثم ذكر الحديث وقال في آخره رواه أبو داود بإسناد صحيح. وأخرج أبو داود والنسائي عن بريدة: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلامًا سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رؤي كراهة ذلك في وجهه فإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمها رؤي كراهة ذلك في وجهه) وأخرج أبو داود عن سعد بن مالك: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يقول: لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار) وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال: (قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: الشؤم في الدار والمرأة والفرس) وفي رواية لمسلم: (إنما الشؤم في ثلاث المرأة والفرس والدار) وفي رواية له: (إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة) وفي رواية له أيضًا: (إن كان الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس) وأخرج أبو داود وصححه الحاكم عن أنس قال: (قال رجل يا رسول اللّه إنا كنا في دار كثير فيها عددنا كثير فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ذروها ذميمة) وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد: (جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال: دعوها فإنها ذميمة) وله شاهد من حديث عبد اللّه بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح. قال النووي: اختلف العلماء في حديث الشؤم في ثلاث فقال مالك رحمه اللّه هو على ظاهره وإن الدار قد يجعل اللّه تبارك وتعالى سكناها سببًا للضرر أو الهلاك وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء اللّه تعالى. وقال الخطابي: قال كثيرون هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة. وقال آخرون: شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل حرانها وغلاء ثمنها. وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه وقيل المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة. قال القاضي عياض: قال بعض العلماء لهذه الفصول السابقة في الأحاديث ثلاثة أقسام: أحدها ما لم يقع الضرر به ولا اطردت به عادة خاصة ولا عامة فهذا لا يلتفت إليه وأنكر الشرع الالتفات إليه وهو الطيرة والثاني ما يقع عنده الضرر عمومًا لا يخصه ونادرًا لا يتكرر كالوباء فلا يقدم عليه ولا يخرج منه والثالث يخص ولا يعم كالدار والفرس والمرأة فهذا يباح الفرار منه اهـ والراجح ما قاله مالك وهو الذي يدل عليه حديث أنس الذي ذكرنا فيكون حديث الشؤم مخصصًا لعموم حديث لا طيرة فهو في قوة لا طيرة إلا في هذه الثلاث وقد تقرر في الأصول أنه يبنى العام على الخاص مع جهل التاريخ وادعى بعضهم أنه إجماع والتاريخ في أحاديث الطيرة والشؤم مجهول وما حكاه القاضي عياض في كلامه السابق أن الوباء لا يخرج منه ولا يقدم عليه فلعله يتمسك بحديث النهي عن الخروج من الأرض التي ظهر فيها الطاعون والنهي عن دخولها كما في حديث أسامة بن زيد عند البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والترمذي قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها). وقد أخرج أبو داود عن يحيى بن عبد اللّه بن بحير قال: (أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي اللّه عنه قال قلت يا رسول اللّه أرض عندنا يقال لها أرض أبين هي أرض ريفنا وميرتنا وإنها وبئة أو قال وباؤها شديد فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: دعها عنك فإن من القرف التلف) اهـ والقرف بفتح القاف والراء بعده فاء وهو ملابسة الداء ومقاربة الوباء ومداناة المرضى وكل شيء قاربته فقد قارفته والتلف الهلاك يعني من قارب متلفًا يتلف إذا لم يكن هواء تلك الأرض موافقًا له فيتركها. قال ابن رسلان: وليس هذا من باب العدوى بل هو من باب الطب فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام قال: واعلم أن في المنع من الدخول إلى الأرض الوبئة حكمًا أحدهما تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها. الثاني الأخذ بالعافية التي هي مادة مصالح المعاش والمعاد. الثالث أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيكون سببًا للتلف. الرابع أن لا يجاور المرضى الذين قد مرضوا بذلك فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم والحديث يدل على هذا اهـ. قال المنذري في مختصر السنن بعد أن ذكر حديث فروة المذكور ما لفظه: في إسناده رجل مجهول قال ورواه عبد اللّه بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن يحيى بن عبد اللّه بن بحير عن فروة وأسقط المجهول وعبد اللّه بن معاذ وثقه يحيى بن معين وغيره وكان عبد الرزاق يكذبه اهـ ورجال إسناد هذا الحديث ثقات لأنه رواه أبو داود عن مخلد بن خالد شيخ مسلم وعباس العنبري شيخ البخاري تعليقًا ومسلم قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر وهما من رجال الصحيحين عن يحيى بن عبد اللّه ابن بحير ذكره ابن حبان في الثقات ومما ينبغي أن يجعل مخصصًا لعموم حديث: (لا عدوى ولا طيرة) ما أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه في سننهما من حديث الشريد بن سويد الثقفي قال: (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنا قد بايعناك فارجع). وأخرج البخاري في صحيحه تعليقًا من حديث سعيد بن ميناء قال: (سمعت أبا هريرة يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: لا عدوى ولا طيرة ولا هام ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد) ومن ذلك حديث: (لا يورد ممرض على مصح) الذي قدمناه قال القاضي عياض: قد اختلفت الآثار عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قصة المجذوم فثبت عنه الحديثان المذكوران. وعن جابر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أكل مع مجذوم وقال له كل ثقة باللّه تبارك وتعالى وتوكلًا عليه. وعن عائشة قالت: كان لنا مولى مجذوم يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي. قال: وقد ذهب عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ والصحيح الذي قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز واللّه أعلم كذا في شرح مسلم للنووي. والحديث الذي فيه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أكل مع المجذوم أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث يوسف بن محمد عن المفضل بن فضالة وهذا شيخ بصري والمفضل بن فضالة شيخ مصري أوثق من هذا وأشهر. وروى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن أبي بريدة أن عمر أخذ بيد مجذوم وحديث شعبة أشبه عندي وأصح قال الدارقطني تفرد به مفضل بن فضالة البصري أخو مبارك عن حبيب بن الشهيد عنه يعني عن ابن المنكدر. وقال ابن عدي الجرجاني: لا أعلم يرويه عن حبيب بن الشهيد غير مفضل بن فضالة وقالوا تفرد بالرواية عنه يونس بن محمد اهـ. والمفضل بن فضالة البصري كنيته أبو مالك قال يحيى بن معين ليس بذاك. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال أبو حاتم يكتب حديثه وذكره ابن حبان في الثقات. قال القاضي عياض: قال بعض العلماء في هذا الحديث وما في معناه يعني حديث الفرار من المجذوم دليل على أنه يثبت للمرأة الخيار في فسخ النكاح إذا وجدت زوجها مجذومًا أو حدث به جذام. قال النووي: واختلف أصحابنا وأصحاب مالك في أن أمته هل لها منع نفسها من استمتاعه إذا أرادها قال القاضي: قالوا ويمنع من المسجد والاختلاط بالناس قال وكذلك اختلفوا في أنهم إذا كثروا هل يؤمرون أن يتخذوا لأنفسهم موضعًا منفردًا خارجًا عن الناس ولا يمنعون من التصرف في منافعهم وعليه أكثر الناس أم لا يلزمهم التنحي قال ولم يختلفوا في القليل منهم يعني في أنهم لا يمنعون قال ولا يمنعون من صلاة الجمعة مع الناس ويمنعون من غيرها قال: ولو استضر أهل قرية فيهم جذمي بمخالطتهم في الماء فإن قدروا على استنباط ماء بلا ضرر أمروا به وإلا استنبطه لهم الآخرون أو أقاموا من يستقي لهم وإلا فلا يمنعون. قال النووي في شرح مسلم في حديث لا يورد ممرض على مصح قال العلماء الممرض صاحب الإبل المراض والمصح صاحب الإبل الصحاح فمعنى الحديث لا يورد صاحب الإبل المراض إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح لأنه ربما أصابها المرض بفعل اللّه تعالى وقدره الذي أجرى به العادة لا بطبعها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاد العدوى بطبعها فيكفر واللّه أعلم انتهى. وأشار إلى نحو هذا الكلام ابن بطال. وقيل النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوها حكاه ابن رسلان في شرح السنن وقال ابن الصلاح: ووجه الجمع أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها لكن اللّه سبحانه جعل مخالطة المريض للصحيح سببًا لإعدائه مرضه ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب. قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة والأولى في الجمع أن يقال إن نفيه صلى اللّه عليه وآله وسلم للعدوى باق على عمومه وقد صح قوله لا يعدي شيء شيئًا. وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون بين الإبل الصحيحة فيخالطها فتجرب حيث رد عليه بقوله فمن أعدى الأول يعني أن اللّه سبحانه ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول قال وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير اللّه تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسمًا للمادة انتهى. والمناسب للعمل الأصولي في هذه الأحاديث المذكورة في الباب هو أن يبني عموم لا عدوى ولا طيرة على الخاص وهو ما قدمنا من حديث الشؤم في ثلاث. وحديث فر من المجذوم. وحديث لا يورد ممرض على مصح وما في معناها وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في جواب سؤال سميناه إتحاف المهرة بالكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة [قال العلامة ابن القيم في حديث فر من المجذوم وحديث لا عدوى ولا طيرة فالحديثان صحيحان ولا نسخ ولا تعارض بينهما بحمد اللّه بل كل منهما له وجه. وقد طعن أعداء السنة في أهل الحديث وقالوا يروون الأحاديث التي ينقض بعضها بعضًا ثم يصححونها والأحاديث التي تخالف العقل فانتدب أنصار السنة للرد عليهم ونفي التعارض عن الأحاديث الصحيحة وبيان موافقتها للعقل. قال الإمام أبو محمد ابن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث: قالوا حديثان متناقضان قالوا رويتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال لا عدوى ولا طيرة وأنه قيل له النقبة تضع بمشفر البعير فتجرب لذلك فقال فمن أعدى الأول هذا أو معناه ثم رويتم في خلاف ذلك لا يورد ذو عاهة على مصح. وفر من المجذوم فرارك من الأسد. وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام فأرسل إليه البيعة وأمره بالانصراف ولم يأذن له وقال الشؤم في المرأة والدار والدابة قالوا وهذا كله مختلف لا يشبه بعضه بعضًا. قال أبو محمد: ونحن نقول إنه ليس في هذا اختلاف ولكل واحد معنى في وقت وموضع فإذا وضع موضعه زال الاختلاف واللّه أعلم]. قوله: (ومنا رجال يخطون) قال ابن عباس في تفسير هذا الخط هو الخط الذي يخطه الحازي. والحازي بالحاء المهملة والزاي هو الحزاء وهو الذي ينظر في المغيبات بظنه فيأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانًا فيقول له اقعد حتى أخط لك وبين يدي الحازي غلام له معه مثل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطًا كثيرة في أربعة أسطر عجلًا ثم يمحو منها على مهل خطين خطين فإن بقي خطان فهو علامة النجح وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة هكذا في شرح السنن لابن رسلان. قال وهذا علم معروف فيه للناس تصانيف كثيرة وهو معمول به إلى الآن ويستخرجون به الضمير. وقال الحربي: الخط في الحديث هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن ويقول يكون كذا وكذا وهو ضرب من الكهانة. قوله: (كان نبي من الأنبياء يخط) قيل هو إدريس عليه السلام حكى مكي في تفسيره أن هذا النبي كان يخط بإصبعيه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر. قوله: (فمن وافق خطه فذاك) بنصب الطاء على المفعولية والفاعل ضمير يعود إلى لفظ من. قال الخطابي: هذا يحتمل الزجر عنه إذا كان علمًا لنبوته وقد انقطعت فنهينا عن التعاطي لذلك قال القاضي عياض: الأظهر من اللفظ خلاف هذا وتصويب خط من يوافق خطه لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من ادعاء الغيب جملة وإنما معناه من وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته لا أنه لا يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم اهـ. ولو قيل إن قوله فذاك يدل على الجواز لكان جوازه مشروطًا بالموافقة ولا طريق إليها متصلة بذلك النبي فلا يجوز التعاطي.
1 - عن الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه: (أن يهودية كانت تشتم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذمتها). رواه أبو داود. 2 - وعن ابن عباس: (أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وتشتمه فأخذ المعول فجعله في بطنها واتكأ عليه فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فجمع الناس فقال أنشد اللّه رجلًا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ألا أشهدوا أن دمها هدر). رواه أبو داود والنسائي واحتج به أحمد في رواية أبيه عبد اللّه. 3 - وعن أنس قال: (مر يهودي برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال السام عليك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: وعليك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: أتدرون ما يقول قال السام عليك قالوا يا رسول اللّه ألا نقتله قال لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم). رواه أحمد والبخاري. وقد سبق أن ذا الخويصرة قال يا رسول اللّه اعدل وأنه منع من قتله. حديث الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه سكت عنه أبو داود وقال المنذري: ذكر أن الشعبي سمع من أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه وقال غيره أنه رآه ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح. وحديث ابن عباس سكت عنه أيضًا أبو داود والمنذري. وقال الحافظ في بلوغ المرام: إن رواته ثقات. والحديث الذي أشار إليه المصنف أعني قوله قال رسول اللّه اعدل قد تقدم في باب قتال الخوارج. - وفي الباب - عن أبي برزة عند أبي داود والنسائي (قال: كنت عند أبي بكر فتغيظ عليّ رجل فاشتد غضبه فقلت أتأذن لي يا خليفة رسول اللّه أضرب عنقه قال فأذهبت كلمتي غضبه فقام فدخل فأرسل إلي فقال ما الذي قلت آنفًا قلت ائذن لي أضرب عنقه قال أكنت فاعلًا لو أمرتك قلت نعم قال لا واللّه ما كان لبشر بعد محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم) وفي حديث ابن عباس وحديث الشعبي دليل على أنه يقتل من شتم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد نقل ابن المنذر الاتفاق على أن من سب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صريحًا وجب قتله ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل لأن حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة وخالفه القفال فقال كفر بالسب فسقط القتل بالإسلام وقال الصيدلاني يزول القتل ويجب حد القذف. قال الخطابي: لا أعلم خلافًا في وجوب قتله إذا كان مسلمًا وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه صلى اللّه عليه وآله وسلم منهم إلا أن يسلم وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه. وروي عن الأوزاعي ومالك في المسلم أنها ردة بستتاب منها وعن الكوفيين إن كان ذميًا عزر وإن كان مسلمًا فهي ردة وحكى عياض خلافًا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف ونقل عن بعض المالكية أنه لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له السام عليك لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه وقيل إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم وقيل إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بد منه ولذلك قال في الرد عليهم وعليكم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به أشار إلى ذلك القاضي عياض وكذا من قال السأم بالهمز بمعنى السآمة هو دعاء بأن يملوا الدين وليس بصريح في السب وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده محل تأمل واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث أنس المذكور في الباب وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد فلذلك لم يقتلهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وتعقب بأن دماءهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فمن سبه منهم تعدى العهد فينتقض فيصير كافرًا بلا عهد فيهدر دمه إلا أن يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلمًا لم يقتلوا لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلمًا قتل فإن قيل إنما يقتل بالمسلم قصاصًا بدليل أنه يقتل به ولو أسلم ولو سب ثم أسلم لم يقتل قلنا الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر وأما السب فإن وجوب القتل به يرجع إلى حق الدين فيهدمه الإسلام والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أو لهما جميعًا وهو أولى كما قال الحافظ.
|