الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1- عن عائشة قالت: (لم يكن النبي صلى اللَّه عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر). متفق عليه. وعنها عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها). رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه. وفي الباب عن علي عليه السلام عند ابن ماجه وعن ابن عمر عند أحمد وأبي داود والطبراني غير حديثه الآتي وعن ابن عباس عند ابن عدي في الكامل وعن بلال عند أبي داود. قوله: (الضجعة) بكسر الضاد المعجمة الهيئة وبفتحها المرة ذكر معنى ذلك في الفتح. قوله: (أشد تعاهدًا) في رواية ابن خزيمة أشد معاهدة ولمسلم: (ما رأيته إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر) زاد ابن خزيمة من هذا الوجه ولا إلى غنيمة. والحديثان يدلان على أفضلية ركعتي الفجر وعلى استحباب التعاهد لهما وكراهة التفريط فيهما. وقد استدل بهما على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر وهو أحد قولي الشافعي ووجه الدلالة أنه جعل ركعتي الفجر خيرًا من الدنيا وما فيها وجعل الوتر خيرًا من حمر النعم وحمر النعم جزء ما في الدنيا. وأصح القولين عن الشافعي أن الوتر أفضل. وقد استدل لذلك بما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال: (أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة في جوف الليل) وبالاختلاف في وجوبه كما سيأتي وقد وقع الاختلاف أيضًا في وجوب ركعتي الفجر فذهب إلى وجوب الحسن البصري حكى ذلك عنه ابن أبي شيبة في المصنف وحكى صاحب البيان والرافعي وجهًا لبعض الشافعية أن الوتر وركعتي الفجر سواء في الفضيلة. 3- وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل). رواه أحمد وأبو داود. الحديث في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق المدني ويقال فيه عباد بن إسحاق أخرج له مسلم واستشهد به البخاري ووثقه يحيى بن معين. وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به وهو حسن الحديث وليس بثبت ولا قوي. وقال يحيى بن سعيد القطان: سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه وقال بعضهم: إنما لم يحمدوه في مذهبه فإنه كان قدريًا فنفوه من المدينة فأما رواياته فلا بأس. وقال البخاري: مقارب الحديث. وقال العراقي: إن هذا الحديث صالح. والحديث يقتضي وجوب ركعتي الفجر لأن النهي عن تركهما حقيقة في التحريم وما كان تركه حرامًا كان فعله واجبًا ولا سيما مع تعقيب ذلك بقوله (ولو طردتكم الخيل) فإن النهي عن الترك في مثل هذه الحالة الشديدة التي يباح لأجلها كثير من الواجبات من الأدلة الدالة على ما ذهب إليه الحسن من الوجوب فلا بد للجمهور من قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي للنهي بعد تسليم صلاحية الحديث للاحتجاج. وأما الاعتذار عنه بحديث (هل عليَّ غيرها قال لا إلا أن تطوع) فسيأتي الجواب عنه. وعن ابن عمر قال: (رمقت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شهرًا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد). رواه الخمسة إلا النسائي. الحديث أخرجه أيضًا مسلم. وفي الباب عن ابن مسعود عند الترمذي. وعن أبي هريرة عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه. وعن أنس عند البزار ورجال إسناده ثقات. وعن عائشة عند ابن ماجه. وعن عبد اللَّه بن جعفر عند الطبراني في الأوسط. وعن جابر عند ابن حبان في صحيحه. قوله: (رمقت) في رواية للنسائي: (رمقت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عشرين مرة) وفي رواية ابن أبي شيبة في المصنف: (سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أكثر من عشرين مرة) وفي رواية ابن عدي في الكامل (رمقت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خمسة وعشرين صباحًا) وجميع هذه الروايات مشعرة بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يجهر بقراءتهما. والحديث يدل على استحباب قراءة سورتي الإخلاص في ركعتي الفجر. قال العراقي: وممن روى عنه ذلك من الصحابة عبد اللَّه بن مسعود ومن التابعين سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وعبد الرحمن بن يزيد النخعي وسويد بن غفلة وغنيم بن قيس ومن الأئمة الشافعي وقال مالك: أما أنا فلا أزيد على أم القرآن في كل ركعة. وروي عن الأصم وابن علية أنه لا يقرأ فيهما أصلًا وهو مخالف للأحاديث الصحيحة واحتج بحديث عائشة الآتي وسيأتي أنه مجرد شك منها فلا يصح الاحتجاج به. وفي الحديث أيضًا استحباب تخفيف ركعتي الفجر وسيأتي ذكر الحكمة في ذلك. 5- وعن عائشة قالت: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى أني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن). متفق عليه. وفي الباب عن ابن عباس عند الجماعة بلفظ: (فصلى ركعتين خفيفتين) وله حديث آخر عند مسلم وأبي داود والنسائي قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في ركعتي الفجر وعن حفصة عند الجماعة إلا أبا داود بلفظ: (ركع ركعتين خفيفتين) وعن الفضل بن عباس عند أبي داود بلفظ: (فصلى سجدتين خفيفتين) وعن أسامة بن عمر عند الطبراني بلفظ: (فصلى ركعتين خفيفتين). الحديث وما ذكر في الباب معه يدل على مشروعية التخفيف وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وخالفت في ذلك الحنفية فذهبت إلى استحباب إطالة القراءة وهو مخالف لصرائح الأدلة واستدلوا بالأحاديث الواردة في الترغيب في تطويل الصلاة نحو قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم (أفضل الصلاة طول القنوت) ونحو (إن طول صلاة الرجل مئنة من فقهه) وهو من ترجيح العام على الخاص وبهذا الحديث تمسك مالك وقال بالاقتصار على قراءة فاتحة الكتاب في هاتين الركعتين وليس فيه إلا أن عائشة شكت هل كان يقرأ بالفاتحة أو لا لشدة تخفيفه لهما وهذا لا يصلح التمسك به لرد الأحاديث الصريحة الصحيحة الواردة من طرق متعددة كما تقدم. وقد أخرج ابن ماجه عن عائشة نفسها أنها قالت: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي ركعتي الفجر فكان يقول نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد) ولا ملازمة بين مطلق التخفيف والاقتصار على الفاتحة لأنه من الأمور النسبية. ـ وقد اختلف ـ في الحكمة في التخفيف لهما فقيل ليبادر إلى صلاة الفجر في أول الوقت وبه جزم القرطبي وقيل ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض أو ما يشابهه بنشاط واستعداد تام ذكره الحافظ في الفتح والعراقي في شرح الترمذي. 6- وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. 7- وعن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن) وفي رواية: (كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع). متفق عليه. الحديث الأول رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا ابن ماجه. والحديث الثاني أخرجه الجماعة كلهم. ـ وفي الباب ـ عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عند أحمد والطبراني بلفظ: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن) وفي إسناده حي بن عبد اللَّه المعافري وهو مختلف فيه وفي إسناد أحمد أيضًا ابن لهيعة وفيه مقال مشهور. وعن ابن عباس عند البيهقي بنحو حديث عبد اللَّه بن عمرو وفيه انقطاع واختلاف على ابن عباس. وعن أبي بكرة عند أبي داود بلفظ: (قال خرجت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لصلاة الصبح فكان لا يمر برحل إلا ناداه بالصلاة أو حركه برجله) أدخله أبو داود والبيهقي في باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر. (والأحاديث) المذكورة تدل على مشروعية الاضطجاع بعد صلاة ركعتي الفجر إلى أن يؤذن بالصلاة كما في صحيح البخاري من حديث عائشة وقد اختلف في حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال: الأول: أنه مشروع على سبيل الاستحباب قال العراقي: فمن كان يفعل ذلك أو يفتي به من الصحابة أبو موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة. واختلف فيه على ابن عمر فروى عنه فعل ذلك كما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه وروى عنه إنكاره كما سيأتي. وممن قال به من التابعين ابن سيرين وعروة وبقية الفقهاء السبعة كما حكاه عبد الرحمن بن زيد في كتاب السبعة وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة وسليمان بن يسار. قال ابن حزم: وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان أنه حدثه قال: كان الرجل يجيء وعمر بن الخطاب يصلي بالناس فيصلي ركعتين في مؤخر المسجد ويضع جنبه في الأرض ويدخل معه في الصلاة. وممن قال باستحباب ذلك من الأئمة الشافعي وأصحابه. القول الثاني: أن الاضطجاع بعدهما واجب مفترض لا بد من الإتيان به وهو قول أبي محمد بن حزم واستدل بحديث أبي هريرة المذكور وحمله الأولون على الاستحباب لقول عائشة (فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع) وظاهره أنه كان لا يضطجع مع استيقاظها فكان ذلك قرينة لصرف الأمر إلى الندب وفيه أن تركه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما أمر به أمرًا خاصًا بالأمة لا يعارض ذلك الأمر الخاص ولا يصرفه عن حقيقته كما تقرر في الأصول. القول الثالث: أن ذلك مكروه وبدعة وممن قال به من الصحابة ابن مسعود وابن عمر على اختلاف عنه فروى ابن أبي شيبة في المصنف من رواية إبراهيم قال: قال ابن مسعود: ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار إذا سلم فقد فصل. وروى ابن أبي شيبة أيضًا من رواية مجاهد قال: صحبت ابن عمر في السفر والحضر فما رأيته اضطجع بعد ركعتي الفجر. وروى سعيد بن المسيب عنه أنه رأى رجلًا يضطجع بعد الركعتين فقال: احصبوه. وروى أبو مجلز عنه أنه قال: إن ذلك من تلعب الشيطان. وفي رواية زيد العمى عن أبي الصديق الناجي عنه أنه قال: إنها بدعة ذكر ذلك جميعه ابن أبي شيبة. وممن كره ذلك من التابعين الأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي وقال: هي ضجعة الشيطان وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير. ومن الأئمة مالك وحكاه القاضي عياض عن جمهور العلماء. القول الرابع: أنه خلاف الأولى روى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر. القول الخامس: التفرقة بين من يقوم بالليل فيستحب له ذلك للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له واختاره ابن العربي وقال: لا يضطجع بعد ركعتي الفجر لانتظار الصلاة إلا أن يكون قام الليل فيضطجع استجمامًا لصلاة الصبح فلا بأس. ويشهد لهذا ما رواه الطبراني وعبد الرزاق عن عائشة أنها كانت تقول: (إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليله فيستريح). وهذا لا تقوم به حجة أما أولًا فلأن في إسناده راويًا لم يسم كما قال الحافظ في الفتح وأما ثانيًا فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة وقد روت أنه كان يفعله والحجة في فعله وقد ثبت أمره به فتأكدت بذلك مشروعيته. القول السادس: أن الاضطجاع ليس مقصودًا لذاته وإنما المقصود الفصل بين ركعتي الفجر وبين الفريضة روى ذلك البيهقي عن الشافعي. وفيه أن الفصل يحصل بالقعود والتحول والتحدث وليس بمختص بالاضطجاع. قال النووي: والمختار الاضطجاع لظاهر حديث أبي هريرة. وقد أجاب من لم ير مشروعية الاضطجاع عن الأحاديث المذكورة بأجوبة منها: أن حديث أبي هريرة من رواية عبد الواحد ابن زياد عن الأعمش وقد تكلم فيه بسبب ذلك يحيى بن سعيد القطان أبو داود الطيالسي قال يحيى بن سعيد: ما رأيته يطلب حديثًا بالبصرة ولا بالكوفة قط وكنت أجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره بحديث الأعمش لا يعرف منه حرفًا. وقال عمرو بن علي الفلاس: سمعت أبا داود يقول عمد عبد الواحد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها يقول حدثنا الأعمش حدثنا مجاهد في كذا وكذا انتهى. وهذا من روايته عن الأعمش وقد رواه الأعمش بصيغة العنعنة وهو مدلس وقال عثمان بن سعيد الدارمي سألت يحيى بن معين عن عبد الواحد بن زياد فقال ليس بشيء. والجواب عن هذا الجواب أن عبد الواحد بن زياد قد احتج به الأئمة الستة ووثقه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن حبان وقد روي عن ابن معين ما يعارض قوله السابق فيه من طريق من روى عنه التضعيف له وهو عثمان بن سعيد الدارمي المتقدم فروى عنه أنه قال: إنه ثقة وروى معاوية بن صالح عن يحيى بن معين أنه صرح بأن عبد الواحد من أثبت أصحاب الأعمش. قال العراقي: وما روى عنه من أنه ليس بثقة فلعله اشتبه على ناقله بعبد الواحد بن زيد وكلاهما بصري ومع هذا فلم ينفرد به عبد الواحد بن زياد ولا شيخه الأعمش فقد رواه ابن ماجه من رواية شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه إلا أنه جعله من فعله لا من قوله. ـ ومن جملة ـ الأجوبة التي أجاب بها النافون لشرعية الاضطجاع أنه اختلف في حديث أبي هريرة المذكور هل من أمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أو من فعله كما تقدم وقد قال البيهقي: إن كونه من فعله أولى أن يكون محفوظًا والجواب عن هذا الجواب أن وروده من فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا ينافي كونه ورد من قوله فيكون عند أبي هريرة حديثان حديث الأمر به وحديث ثبوته من فعله على أن الكل يفيد ثبوت أصل الشرعية فيرد نفي النافين. ـ ومن الأجوبة ـ التي ذكروها أن ابن عمر لما سمع أبا هريرة يروي حديث الأمر به قال: أكثر أبو هريرة على نفسه والجواب عن ذلك أن ابن عمر سئل هل تنكر شيئًا مما يقول أبو هريرة فقال: لا وإن أبا هريرة قال: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا. وقد ثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم دعا له بالحفظ. ـ ومن الأجوبة ـ التي ذكروها أن أحاديث الباب ليس فيها الأمر بذلك إنما فيها فعل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والاضطجاع من فعله المجرد إنما يدل على الإباحة عند مالك وطائفة والجواب منع كون فعله لا يدل إلا على الإباحة والسندان قوله وقد ذهب جمهور العلماء وأكابرهم إلى أن فعله يدل على الندب وهذا على فرض أنه لم يكن في الباب إلا مجرد الفعل وقد عرفت ثبوت القول من وجه صحيح. ـ ومن الأجوبة ـ التي ذكروها أن أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر وفي بعضها بعد ركعتي الفجر. وفي حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر وقد أشار القاضي عياض إلى أن رواية الاضطجاع بعدهما مرجوحة فتقدم رواية الاضطجاع قبلهما ولم يقل أحد في الاضطجاع قبلهما أنه سنة فكذا بعدهما ويجاب عن ذلك بأنا لا نسلم أرجحية رواية الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر على رواية الاضطجاع بعدهما بل رواية الاضطجاع بعدهما أرجح والحديث من رواية عروة عن عائشة ورواه عن عروة محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة والزهري ففي رواية محمد بن عبد الرحمن إثبات الاضطجاع بعد ركعتي الفجر وهي في صحيح البخاري ولم تختلف الرواية عنه في ذلك واختلفت الرواة عن الزهري فقال مالك في أكثر الروايات عنه أنه كان إذا فرغ من صلاة الليل اضطجع على شقه الأيمن الحديث ولم يذكر الاضطجاع بعد ركعتي الفجر. وقال معمر ويونس وعمرو بن الحارث والأوزاعي وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة عن عروة عن عائشة: (كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن) وهذه الرواية اتفق عليها الشيخان فرواها البخاري من رواية معمر ومسلم من رواية يونس بن يزيد وعمرو بن الحارث قال البيهقي عقب ذكرهما: والعدد أولى بالحفظ من الواحد قال: وقد يحتمل أن يكونا محفوظين فنقل مالك أحدهما ونقل الباقون الآخر قال: واختلف فيه أيضًا على ابن عباس قال: وقد يحتمل مثل ما احتمل في رواية مالك. وقال النووي: إن حديث عائشة وحديث ابن عباس لا يخالفان حديث أبي هريرة فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلهما أن لا يضطجع بعدهما ولعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ترك الاضطجاع بعدهما في بعض الأوقات بيانًا للجواز ويحتمل أن يكون المراد بالاضطجاع قبلهما هو نومه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين صلاة الليل وصلاة الفجر كما ذكره الحافظ وفي تحديثه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعائشة بعد ركعتي الفجر دليل على جواز الكلام بعدهما وإليه ذهب الجمهور وقد روي عن ابن مسعود أنه كرهه روى ذلك الطبراني عنه وممن كرهه من التابعين سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وحكي عن سعيد بن المسيب وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الكلام بعد الركعتين. وعن عثمان بن أبي سليمان قال: إذا طلع الفجر فليسكتوا وإن كانوا ركبانًا وإن لم يركعوهما فليسكتوا. إذا عرفت الكلام في الاضطجاع تبين لك مشروعيته وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه صلى اللَّه عليه وسلم لا يعارض الأمر للأمة الخاص بهم ولاح لك قوة القول بالوجوب والتقييد في الحديث بأن الاضطجاع كان على الشق الأيمن يشعر بأن حصول المشروع لا يكون إلا بذلك لا بالاضطجاع على الجانب الأيسر ولا شك في ذلك مع القدرة. وأما مع التعذر فهل يحصل المشروع بالاضطجاع على الأيسر أم لا بل يشير إلى الاضطجاع على الشق الأيمن جزم بالثاني ابن حزم وهو الظاهر. ـ والحكمة ـ في ذلك أن القلب معلق في الجانب الأيسر فإذا اضطجع على الجانب الأيسر غلبه النوم وإذا اضطجع على الأيمن قلق لقلق القلب وطلبه لمستقره. 7- وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس). رواه الترمذي. وقد ثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قضاهما مع الفريضة لما نام عن الفجر في السفر. الحديث قال الترمذي بعد إخراجه له: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والدارقطني والبيهقي. والحديث الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب قضاء الفوائت من أبواب الأوقات. والحديث استدل به على أن من لم يركع ركعتي الفجر قبل الفريضة فلا يفعل بعد الصلاة حتى تطلع الشمس ويخرج الوقت المنهي عن الصلاة فيه وإلى ذلك ذهب الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق حكى ذلك الترمذي عنهم وحكاه الخطابي عن الأوزاعي قال العراقي: والصحيح من مذهب الشافعي أنهما يفعلان بعد الصبح ويكونان أداء. والحديث لا يدل صريحًا على أن من تركهما قبل الصبح لا يفعلهما إلا بعد طلوع الشمس وليس فيه إلا الأمر لمن لم يصلهما مطلقًا أن يصليهما بعد طلوع الشمس ولا شك أنهما إذا تركا في وقت الأداء فعلا في وقت القضاء وليس في الحديث ما يدل على المنع من فعلهما بعد صلاة الصبح ويدل على ذلك رواية الدارقطني والحاكم والبيهقي فإنها بلفظ: (من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما) ويدل على عدم الكراهة أيضا حديث قيس بن عمرو أو ابن فهد أو ابن سهل على اختلاف الروايات عند الترمذي وأبي داود وابن ماجه قال: (خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح ثم انصرف النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فوجدني أصلي فقال: مهلًا يا قيس أصلاتان معًا قلت: يا رسول اللَّه إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر قال: فلا إذن) ولفظ أبي داود قال: (رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجلًا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال: صلاة الصبح ركعتان فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن فسكت). قال الترمذي: إنما يروى هذا الحديث مرسلًا وإسناده ليس بمتصل لأن فيه محمد بن إبراهيم عن قيس بن عمرو ومحمد لم يسمع من قيس. وقول الترمذي إنه مرسل ومنقطع ليس بجيد فقد جاء متصلًا من رواية يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس رواه ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان من طريقه وطريق غيره والبيهقي في سننه عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس المذكور. وقد قيل إن سعيد بن قيس لم يسمع من أبيه فيصح ما قاله الترمذي من الانقطاع. وأجيب عن ذلك بأنه لم يعرف القائل بذلك وقد أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير من طريق أخرى متصلة فقال: حدثنا إبراهيم بن متويه الأصبهاني حدثنا أحمد بن الوليد بن برد الأنصاري حدثنا أيوب بن سويد عن ابن جريج عن عطاء أن قيس بن سهل حدثه: (أنه دخل المسجد والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي ولم يكن صلى الركعتين فصلى مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلما قضى صلاته قام فركع). وأخرجه ابن حزم في المحلى من رواية الحسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من الأنصار قال: (رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجلًا يصلي بعد الغداة فقال: يا رسول اللَّه لم أكن صليت ركعتي الفجر فصليتهما الآن فلم يقل له شيئًا) قال العراقي: وإسناده حسن ويحتمل أن الرجل هو قيس المتقدم. ويؤيد الجواز حديث ثابت بن قيس بن شماس عند الطبراني في الكبير قال: (أتيت المسجد والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة فلما سلم النبي التفت إلي وأنا أصلي فجعل ينظر إليَّ وأنا أصلي فلما فرغت قال: ألم تصل معنا قلت: نعم قال: فما هذه الصلاة قلت: يا رسول اللَّه ركعتا الفجر خرجت من منزلي ولم أكن صليتهما قال: فلم يعب ذلك عليَّ) وفي إسناده الجراح بن منهال وهو منكر الحديث قاله البخاري ومسلم ونسبه ابن حبان إلى الكذب. وفي الحديث مشروعية قضاء النوافل الراتبة وظاهره سواء فاتت لعذر أو لغير عذر. وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال: أحدها: استحباب قضائها مطلقًا سواء كان الفوت لعذر أو لغير عذر لأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أطلق الأمر بالقضاء ولم يقيده بالعذر وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة عبد اللَّه بن عمر ومن التابعين عطاء وطاوس والقاسم ابن محمد ومن الأئمة ابن جريج والأوزاعي والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن والمزني. والقول الثاني: أنها لا تقضى وهو قول أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف في أشهر الروايتين عنه وهو قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد والمشهور عن مالك قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس. والقول الثالث: التفرقة بين ما هو مستقل بنفسه كالعيد والضحى فيقضى وبين ما هو تابع لغيره كرواتب الفرائض فلا يقضى وهو أحد الأقوال عن الشافعي. والقول الرابع: إن شاء قضاها وإن شاء لم يقضها على التخيير وهو مروي عن أصحاب الرأي ومالك. والقول الخامس: التفرقة بين الترك لعذر نوم أو نسيان فيقضى أو لغير عذر فلا يقضى وهو قول ابن حزم واستدل بعموم قوله (من نام عن صلاته) الحديث. وأجاب الجمهور أن قضاء التارك لها تعمد من باب الأولى وقد قدمنا الجواب عن هذه الأولوية.
1- عن عائشة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر صلاهن بعدها). رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. 2- وعن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر). رواه ابن ماجه. الحديث الأول رجال إسناده ثقات إلا عبد الوارث بن عبيد اللَّه العتكي وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقد حسنه الترمذي كما قال المصنف وقال: إنه غريب إنما نعرفه من حديث ابن المبارك من هذا الوجه قال: وقد رواه قيس بن الربيع عن شعبة عن خالد الحذاء نحو هذا ولا نعلم أحدًا رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع. والحديث الثاني رواه ابن ماجه عن محمد بن يحيى وزيد بن أخزم ومحمد بن معمر ثلاثتهم عن موسى بن داود الكوفي عن قيس بن الربيع عن شعبة عن خالد الحذاء عن عبد اللَّه بن شقيق عن عائشة وكلهم ثقات إلا قيس بن الربيع ففيه مقال وقد وثق وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلًا عند ابن أبي شيبة قال: قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا فاتته أربع قبل الظهر صلاها بعدها). والحديثان يدلان على مشروعية المحافظة على السنن التي قبل الفرائض وعلى امتداد وقتها إلى آخر وقت الفريضة وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج فعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء وكانت مقدمة على فعل سنة الظهر. وقد ثبت في حديث الباب أنها تفعل بعد ركعتي الظهر ذكر معنى ذلك العراقي قال: وهو الصحيح عند الشافعية قال: وقد يعكس هذا فيقال لو كان وقت الأداء باقيًا لقدمت على ركعتي الظهر وذكر أن الأول أولى. 3- وعن أم سلمة قالت: (سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ينهى عنهما تعني الركعتين بعد العصر ثم رأيته يصليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له تقول لك أم سلمة يا رسول اللَّه سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري عنه ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر فإنه أتاني ناس من بني عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان). متفق عليه. وفي رواية لأحمد: (ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها). قوله: (أما حين صلاهما فإنه صلى العصر) هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري: (ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر. قوله: (من بني حرام) بفتح المهملتين. قوله: (فصلاهما) يعني بعد الدخول. قوله: (فأشار بيده) قيد جواز الإشارة باليد في الصلاة لمن كلم المصلي في حاجة وقد تقدم البحث في ذلك. قوله: (يا بنت أبي أمية) هو والد أم سلمة واسمه حذيفة وقيل سهيل بن المغيرة المخزومي. قوله: (عن الركعتين) يعني اللتين صليتهما الآن. قوله: (فإنه أتاني ناس من بني عبد القيس) زاد في المغازي بالإسلام (من قومهم فسألوني) وفي رواية للطحاوي: (فنسيتهما ثم ذكرتهما فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يرون فصليتهما عندك) وله من وجه آخر: (فجاءني مال فشغلني) وله من وجه آخر: (قدم عليَّ وفد من بني تميم أو جاءتني صدقة). قوله: (فهما هاتان) زاد الطحاوي: (فقلت أمرت بهما فقال لا ولكن كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما فصليتهما الآن). قوله: (ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها) لفظ الطحاوي: (لم أره صلاهما قبل ولا بعد) وعند الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: (إنما صلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد). ولكن هذا لا ينفي الوقوع فقد ثبت في صحيح مسلم: (أن عائشة قالت: كان يصليهما قبل العصر فشغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها) أي داوم عليها. وفي البخاري عنها أنها قالت: (ما ترك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط) وفيه عنها (ركعتان لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدعهما سرًا ولا علانية ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان بعد العصر) وفيه أيضًا عنها (ما كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين). وقد جمع بين رواية النفي وروايات الإثبات بحمل النفي على المسجد أي لم يفعلهما في المسجد والإثبات على البيت. وقد تمسك بحديث الباب من قال بجواز قضاء الفوائت في الأوقات المكروهة ومن أجاز التنفل بعد العصر مطلقًا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس وأجاب من أطلق الكراهة بأن ذلك من خصائصه والدليل عليه ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت: (كان يصلي بعد العصر وينهى عنهما ويواصل وينهى عن الوصال) وما أخرجه أحمد عن أم سلمة أنها قالت: (فقلت يا رسول اللَّه أنقضيهما إذا فاتا فقال: لا) قال البيهقي: وهي رواية ضعيفة. وقد احتج بها الطحاوي على أن ذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال البيهقي: الذي اختص به صلى اللَّه عليه وآله وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء اهـ. وعلى تسليم عدم اختصاصه بالقضاء بل بمجرد المداومة كما دل عليه حديث عائشة المذكور فليس في حديث الباب إلا جواز قضاء الفائتة لا جواز التنفل مطلقًا. وللعلماء في ذلك مذاهب يأتي ذكرها وبيان الراجح منها في باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. وللحديث فوائد ليس هذا محل بسطها وقد أشار في الفتح قبيل كتاب الجنائز إلى بعض منها.
1- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: (أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة داوم عليها). رواه مسلم والنسائي. 2- وعن أم سلمة قالت: (شغل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الركعتين قبل العصر فصلاهما بعد العصر). رواه النسائي. 3- وعن ميمونة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يجهز بعثًا ولم يكن عنده ظهر فجاءه ظهر من الصدقة فجعل يقسمه بينهم فحبسوه حتى أرهق العصر وكان يصلي قبل العصر ركعتين أو ما شاء اللَّه فصلى العصر ثم رجع فصلى ما كان يصلي قبلها وكان إذا صلى صلاة أو فعل شيئًا يحب أن يداوم عليه). رواه أحمد. الحديث الأول له طرق وألفاظ هذا الذي ذكر المصنف أحدها. والحديث الثاني رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضًا البخاري ومسلم وغيرهما لكن ليس فيه قوله عن الركعتين قبل العصر بل فيه التصريح بأن الركعتين اللتين شغل عنهما الركعتان اللتان بعد الظهر. والحديث الثالث في إسناده حنظلة السدوسي وهو ضعيف وقد أخرجه أيضًا الطبراني وأشار إليه الترمذي. وأحاديث الباب تدل على مشروعية قضاء ركعتي العصر بعد فعل الفريضة فيكون قضاؤهما في ذلك الوقت مخصصًا لعموم أحاديث النهي وسيأتي البحث مستوفى في باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. وأما المداومة على ذلك فمختصة به صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما تقدم واعلم أنها قد اختلفت الأحاديث في النافلة المقضية بعد العصر هل هي الركعتان بعد الظهر المتعلقتان به أو هي سنة العصر المفعولة قبله ففي حديث أم سلمة المتقدم في الباب الأول وكذلك حديث ابن عباس المتقدم التصريح بأنهما ركعتا الظهر وفي أحاديث الباب أنهما ركعتا العصر. ويمكن الجمع بين الروايات بأن يكون مراد من قال بعد الظهر ومن قال قبل العصر الوقت الذي بين الظهر والعصر فيصح أن يكون مراد الجميع سنة الظهر المفعولة بعده أو سنة العصر المفعولة قبله. وأما الجمع بتعدد الواقعة وأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شغل تارة عن أحدهما وتارة عن الأخرى فبعيد لأن الأحاديث مصرحة بأنه داوم عليهما وذلك يستلزم أنه كان يصلي بعد العصر أربع ركعات ولم ينقل ذلك أحد.
1- عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (من لم يوتر فليس منا). رواه أحمد. 2- وعن علي رضي اللَّه عنه قال: (الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم). رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه. ولفظه: (إن الوتر ليس بحتم ولا كصلاتكم المكتوبة ولكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أوتر فقال: يا أهل القرآن أوتروا فإن اللَّه وتر يحب الوتر). 3- وعن ابن عمر: (إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أوتر على بعيره). رواه الجماعة. 4 وعن أبي أيوب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل). رواه الخمسة إلا الترمذي. وفي لفظ لأبي داود: (الوتر حق على كل مسلم) ورواه ابن المنذر وقال فيه: (الوتر حق وليس بواجب). أما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وفي إسناده الخليل بن مرة قال فيه أبو زرعة: شيخ صالح وضعفه أبو حاتم والبخاري. وأما حديث علي فحسنه الترمذي وصححه الحاكم. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الجماعة كما ذكر المصنف. وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أيضًا ابن حبان والدارقطني والحاكم وله ألفاظ وصحح أبو حاتم والذهلي والدارقطني في العلل والبيهقي وغير واحد وقفه. قال الحافظ: وهو الصواب. ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة غير حديثه المذكور في الباب عند البيهقي في الخلافيات بلفظ: (إن اللَّه وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن) وعن ابن عمرو عند ابن أبي شيبة وأحمد بلفظ: (وزادكم صلاة حافظوا عليها وهي الوتر) وفي إسناده ضعيفان. وعن بريدة عند أبي داود بلفظ: (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا) ورواه الحاكم في المستدرك ولم يكرر لفظه. وقال: هذا حديث صحيح. وعن أبي بصرة عند أحمد بلفظ: (إن اللَّه زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء إلى الفجر) ورواه الطبراني بلفظ: (فحافظوا عليها). وعن سليمان بن صرد عند الطبراني في الأوسط بلفظ: (وأوتروا فاللَّه وتر يحب الوتر). وعن ابن عباس عند البزار بلفظ: (إن اللَّه قد أمدكم بصلاة وهي الوتر). وعن ابن عمر عند البيهقي بلفظ: (إن اللَّه زادكم صلاة وهي الوتر) وفي إسناده مقال. وعن ابن مسعود عند البزار بلفظ: (الوتر واجب على كل مسلم) وفي إسناده جابر الجعفي وقد ضعفه الجمهور ووثقه الثوري وله حديث آخر عند أبي داود وابن ماجه بلفظ حديث أبي هريرة الذي ذكرناه. وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى عند البيهقي بلفظ حديث أبي بصرة المتقدم وفي إسناده أحمد بن مصعب وهو ضعيف. وعن علي عند أهل السنن بنحو حديث أبي هريرة الذي ذكرناه. وعن عقبة بن عامر وعمرو بن العاص عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحو حديث أبي بصرة. وعن معاذ عند أحمد بنحو حديث أبي بصرة أيضًا. وعن ابن مسعود حديث آخر عند الطبراني في الصغير بلفظ: (الوتر على أهل القرآن). وعن ابن عباس حديث آخر عند أحمد والطبراني والدارقطني والبيهقي بلفظ: (ثلاث علي فرائض وهي لكم تطوع النحر والوتر وركعتا الفجر) وأخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك شاهدًا على أن الوتر ليس بحتم وسكت عليه. وقال البيهقي في روايته ركعتا الضحى بدل ركعتي الفجر. وعن أنس عند الدارقطني بلفظ: قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم عليَّ) وفي إسناده عبد اللَّه بن محرر [هو بمهملات الجزري القاضي. قال الحافظ في التقريب: متروك من السابعة مات في خلافة أبي جعفر]. وهو ضعيف. وعن جابر عند المرزوي بلفظ: (إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر) وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط بلفظ: (ثلاث هن عليَّ فريضة وهن لكم سنة الوتر والسواك وقيام الليل). واعلم أن هذه الأحاديث فيها ما يدل على الوجوب كقوله (فليس منا) وقوله (الوتر حق) وقوله (أوتروا وحافظوا) وقوله (الوتر واجب) وفيها ما يدل على عدم الوجوب وهو بقية أحاديث الباب فتكون صارفة لما يشعر بالوجوب. وأما حديث الوتر واجب فلو كان صحيحًا لكان مشكلًا لما عرفناك في باب غسل يوم الجمعة من أن التصريح بالوجوب لا يصح أن يقال إنه مصروف إلى غيره بخلاف بقية الألفاظ المشعرة بالوجوب. ـ وقد ذهب الجمهور ـ إلى أن الوتر غير واجب بل سنة وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب وروي عنه فرض وتمسك بما عرفت من الأدلة الدالة على الوجوب وأجاب عليه الجمهور بما تقدم. قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا وافق أبا حنيفة في هذا وأورد المصنف في الباب حديث ابن عمر (أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أوتر على بعيره) للاستدلال به على عدم الوجوب لأن الفريضة لا تصلى على الراحلة وكذلك إيراده حديث أبي أيوب للاستدلال بما فيه من التخيير على عدم الوجوب وهو إنما يدل على عدم وجوب أحدها على التعيين لا على عدم الوجوب مطلقا ويمكن أنه أورده للاستدلال به على الوجوب لقوله فيه حق. ومن الأدلة الدالة على عدم وجوب الوتر ما اتفق عليه الشيخان من حديث طلحة بن عبيد اللَّه قال: (جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من أهل نجد) الحديث. وفيه: (فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة قال: هل عليَّ غيرها قال: لا إلا أن تطوع). وروى الشيخان أيضا من حديث ابن عباس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعث معاذًا إلى اليمن) الحديث. وفيه: (فأعلمهم أن اللَّه افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) وهذا من أحسن ما يستدل به لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم بيسير. ـ وأجاب الجمهور ـ أيضًا عن أحاديث الباب المشعرة بالوجوب بأن أكثرها ضعيف وهو حديث أبي هريرة وعبد اللَّه ابن عمر وبريدة وسليمان ابن صرد وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وابن أبي أوفى وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل كذا قال العراقي. وبقيتها لا يثبت بها المطلوب لا سيما مع قيام ما أسلفناه من الأدلة الدالة على عدم الوجوب.
|