الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1- وعن أبي قتادة قال: (خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقال ما للناس فقلت أمر اللّه ثم إن الناس رجعوا وجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال مثل ذلك قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما لك يا أبا قتادة فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول اللّه سلب ذلك القتيل عندي فأرضه من حقه فقال أبو بكر الصديق لا ها اللّه إذا لا يعمد إلى أسد من أسد اللّه يقاتل عن اللّه وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: صدق فأعطه إياه فأعطاني قال: فبعت الدرع فابتعت به مخرفًا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام). متفق عليه. 2- وعن أنس: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يوم حنين: من قتل رجلًا فله سلبه فقتل أبو طلحة عشرين رجلًا وأخذ أسلابهم). رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ: (من تفرد بدم رجل فقتله فله سلبه قال فجاء أبو طلحة بسلب أحد وعشرين رجلًا) رواه أحمد. 3- وعن عوف بن مالك: (أنه قال لخالد بن الوليد أما علمت أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضي بالسلب للقاتل قال بلى). رواه مسلم. 4- وعن عوف وخالد أيضًا: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يخمس السلب). رواه أحمد وأبو داود. حديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وتمامه: (ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال يا أم سليم ما هذا معك قالت أردت واللّه إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه فأخبر بذلك أبو طلحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأخرج قصة أم سليم مسلم أيضًا. وحديث عوف وخالد أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يخمس السلب أخرجه أيضًا ابن حبان والطبراني قال الحافظ بعد ذكره في التلخيص ما لفظه وهو ثابت في صحيح مسلم في حديث طويل فيه قصة لعوف بن مالك مع خالد بن الوليد اهـ. وفيه نظر فإن هذا اللفظ الذي هو محل الحجة لم يكن في صحيح مسلم بل الذي فيه هو ما سيأتي قريبًا وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن عياش وفيه كلام معروف قد تقدم ذكره مرارًا. قوله: (جولة) بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاط وهذه الجولة كانت قبل الهزيمة. قوله: (فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين) قال الحافظ: لم أقف على اسميهما. قوله: (على حبل عاتقه) حبل العاتق عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب. قوله: (وجدت منها ريح الموت) أي من شدتها وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدًا. قوله: (فأرسلني) أي أطلقني. قوله: (فلحقت عمر بن الخطاب) الخ في السياق حذف تبينه الرواية الأخرى من حديثه في البخاري وغيره بلفظ: (ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب). قوله: (أمر اللّه) أي حكم اللّه وما قضى به. قوله: (فله سلبه) السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب. وقد ذهب الجمهور أيضًا إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلًا فله سلبه أم لا. وذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنه لا يستحقه القاتل إلا إن شرط له الإمام ذلك وروي عن مالك أنه يخير الإمام بين أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه واختاره القاضي إسماعيل وعن إسحاق إذا كثرت الأسلاب خمست. وعن مكحول والثوري يخمس مطلقًا. وقد حكي عن الشافعي أيضًا وحكاه في البحر عن ابن عمر وابن عباس والقاسمية. وحكي أيضًا عن أبي حنيفة وأصحابه والشافعي والإمام يحيى أنه لا يخمس. وحكي أيضًا عن علي مثل قول إسحاق (واحتج) القائلون بتخميس السلب بعموم قوله تعالى قوله: (فقال رجل من القوم) قال الواقدي اسمه أسود من خزاعة. قال الحافظ: وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي. قوله: (لاها اللّه) قال الجوهري: ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها اللّه ما فعلت كذا. قال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك إلا مع اللّه أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن قال وفي النطق بها أربعة أوجه. أحدها ها اللّه باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين. ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان. ثالثها ثبوت الألفين بهمزة قطع. رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع اهـ. قال الحافظ: والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول. وقال أبو حاتم السجستاني: العرب تقول لا ها اللّه ذا بالهمزة والقياس ترك الهمزة. وحكى ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع اللّه قال والمعنى يأبى اللّه وقال غيره إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون ها للتنبيه واللّه مبتدأ ولا يعمد خبره ولا يخفى تكلفه. قال الحافظ: وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره قال وأما إذا فثبت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة. وقال الخطابي: هكذا يروونه وإنما هو في كلامهم أي العرب لا ها اللّه ذا والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا واللّه يكون ذا ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة لا ها اللّه إذا خطأ والصواب لا ها اللّه ذا أي ذا يميني وقسمي. وقال أبو زيد: ليس في كلامهم لا ها اللّه إذا وإنما هو لا ها اللّه ذا وذا صلة في الكلام والمعنى لا واللّه هذا ما أقسم به ومنه أخذ الجوهري فقال قولهم لا ها اللّه ذا معناه لا واللّه هذا ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة والتقدير لا واللّه ما فعلت ذا وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث على أن الذي وقع في الحديث بلفظ إذا خطأ وإنما هو ذا تبعًا لأهل العربية ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات خلاف ذلك فلم يصب بل يكون ذلك من إصلاح من قلد أهل العربية. وقد اختلف في كتابة إذا هذه هل تكتب بألف أو بنون وهذا الخلاف مبني على أنها اسم أو حرف فمن قال هي اسم قال الأصل فيمن قيل له سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنه التنوين وأضمرت أن فعلى هذا تكتب بالنون ومن قال هي حرف وهم الجمهور اختلف فمنهم من قال هي بسيطة وهو الراجح ومنهم من قال مركبة من إذ وأن فعلى الأول تكتب بالألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف وعلى الثاني تكتب بنون واختلف في معناها فقال سيبويه معناها الجواب والجزاء وتبعه جماعة فقالوا هي حرف جواب يقتضي التعليل وأفاد أبو علي الفارسي أنها قد تتمحض للتعليل وأكثر ما تجيء جواب لو وأن ظاهرًا أو مقدارًا قال في الفتح فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ إذا لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا لا واللّه إذا لا يعمد إلى أسد الخ وكان حق السياق أن يقول إذا يعمد أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد الخ وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد الخ فمن ثم ادعى من ادعى أنها تغيير ولكن قال ابن مالك وقع في الرواية إذا بألف وتنوين وليس ببعيد وقال أبو البقاء هو بعيد ولكن يمكن أن يوجه بأن التقدير لا واللّه لا يعطى إذا ويكون لا يعمد الخ تأكيدًا للنفي المذكور وموضحًا للسبب فيه وقال الطيبي: ثبتت في الرواية لا ها اللّه إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لا ها اللّه بدون ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء ومقتضى الجزاء أن لا يذكر لا في قوله لا يعمد بل كانوا يقولون إذا يعمد إلى أسد الخ ليصح جوابًا لطالب السلب. قال: والحديث صحيح والمعنى صحيح وهو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له واللّه إذا لا أفعل فالتقدير واللّه إذا لا يعمد إلى أسد قال ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء إنها زائدة في قول حماسي. إذا لقام بنصري معشر خشن في جواب قوله. لو كنت من مازن لم تستبح إبلي. قال والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجهابذته وينسبون إليهم الغلط والتصحيف ولا أقول أن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم بل أقول لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم وقد سبقه إلى مثل ذلك القرطبي في المفهم فإنه قال وقع في رواية في مسلم لا ها اللّه ذا بغير ألف ولا تنوين وهو الذي جزم به من ذكرناه يعني من قدم النقل عنه من أئمة العرب قال والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب وليست بخطأ وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم وذلك أن العرب تقول في القسم اللّه لأفعلن بمد الهمزة وبقصرها فكأنهم عوضوا عن الهمزة هاء فقالوا ها اللّه لتقارب مخرجهما وكذلك قالوا ها بالمد والقصر وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفًا استثقالًا لاجتماعهما كما يقول اللّه والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما يقول اللّه. وأما إذا فهي بلا شك حرف جواب وتعليل وهي مثل التي وقعت في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا جف قالوا نعم قال فلا إذا قال فلا واللّه إذا لكان مساويًا لما وقع هنا وهو لا ها اللّه إذا من كل وجه ولكنه لم يحتج هنا إلى القسم فتركه قال فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعًا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا سيما من ارتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالقسم به وقال وليس هذا قياسًا فيطرد ولا فصيحًا فيحمل عليه الكلام النبوي ولا مرويًا برواية ثابتة قال وما وجد للعذرى وغيره في مسلم فإصلاح ممن اغتر بما حكي عن أهل العربية والحق أحق أن يتبع. قال في الفتح: قال أبو جعفر الغرناطي في حاشية نسخته من البخاري استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الأثبات بالتصحيف فقالوا والصواب لا ها اللّه ذا باسم الإشارة قال ويا عجباه من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلًا وجوابهم أن ها اللّه لا يستلزم اسم إشارة كما قال أبو مالك وأما جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح ممن زعمه وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه قوله صدق فأرضه فكأن أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذ لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك قال وهذا لا تكلف فيه انتهى. قال الحافظ في الفتح: وهو توجيه حسن والذي قبله أقعد ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت فانتهرتها فقلت لا ها اللّه إذا ومنها ما وقع في حديث جليبيب أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال حتى أستأمر أمها قال فنعم إذا قال فذهب إلى امرأته فذكر لها ذلك فقالت لا ها اللّه إذا وقد منعناها فلانًا الحديث صححه ابن حبان من حديث أنس ومنها ما أخرجه أحمد في الزهد قال مالك بن دينار للحسن يا أبا سعيد أو ليست مثل عباءتي هذه قال لا ها اللّه إذا لا ألبس مثل عباءتك هذه وغير ذلك من الأحاديث والراجح أن إذا الواقعة في حديث الباب وما شابهه حرف جواب وجزاء والتقدير لا واللّه حينئذ ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال لا يعمد إلى أسد الخ. قوله: (لا يعمد) الخ معناه لا يقصد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين اللّه ورسوله فيأخذ حقه ويعطيك بغير طيبة من نفسه هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية في يعمد وفي يعطيك وضبطه النووي بالنون فيهما. قوله: (فيعطيك سلبه) أي سلب قتيله وأضافه إليه باعتبار أنه ملكه. قوله: (فابتعت به) ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواق. قوله: (مخرفًا) بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانًا سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتني وإما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها. قوله: (في بني سلمة) بكسر اللام وهم بطن من الأنصار من قوم أبي قتادة. قوله: (تأثلته) بمثناة ثم مثلثة أي أصلته وأثلة كل شيء أصله. قوله: (من تفرد بدم رجل) فيه دليل على أنه لا يستحق السلب إلا من تفرد بقتل المسلوب فإن شاركه في ذلك غيره كان السلب لهما. قوله: (لم يخمس السلب) فيه دليل لمن قال إنه لا يخمس السلب وقد تقدم الخلاف في ذلك. 5- وعن عوف بن مالك قال: (قتل رجل من حمير رجلًا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليًا عليهم فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عوف بن مالك فأخبره بذلك فقال لخالد ما منعك أن تعطيه سلبه فقال استكثرته يا رسول اللّه قال ادفعه إليه فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فسمعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاستغضب فقال لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبلًا وغنمًا فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضًا فشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم).رواه أحمد ومسلم. وفي رواية قال: (خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة موتة ورافقني مددي من أهل اليمن ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري في المسلمين فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح اللّه عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكن استكثرته قلت لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأبى أن يرد عليه قال عوف فاجتمعنا عند رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم) رواه أحمد وأبو داود. وفيه حجة لمن جعل السلب المستكثر إلى الإمام وأن الدابة من السلب. 6- وعن سلمة بن الأكوع قال: (غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هوازن فبينا نحن نتضحى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقًا من جعبته فقيد به الجمل ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه فقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل فأتبعه رجل على ناقة ورقاء قال سلمة فخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبتيه في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والناس معه فقال من قتل الرجل فقالوا سلمة بن الأكوع قال له سلبه أجمع). متفق عليه. قوله: (رجل من حمير) هو المددي المذكور في الرواية الثانية. قوله: (لا تعطه يا خالد) فيه دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره. قوله: (هل أنتم تاركون لي أمرائي) فيه الزجر عن معارضة الأمراء ومغاضبتهم والشماتة بهم لما تقدم من الأدلة الدالة على وجوب طاعتهم في غير معصية اللّه. قوله: (في غزوة موتة) بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس. وحكى صاحب الواعي الوجهين. وأما الموتة التي وردت الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز. قوله: (مددي) بفتح الميم ودالين مهملتين قال في النهاية: الإمداد جمع مدد وهم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد ومددي منسوب إليه اهـ. قوله: (يفري) بفتح أوله بعده فاء ثم راء والفرى شدة النكاية فيهم يقال فلان يفري إذا كان يبالغ في الأمر وأصل الفري القلع قال في القاموس: وهو يفري الفرى كغني يأتي بالعجب في عمله اهـ. قوله: (فعرقب فرسه) أي قطع عرقوبها قال في القاموس: عرقبه قطع عرقوبه اهـ. قوله: (فبينا نحن نتضحى) أي نأكل في وقت الضحى كما يقال نتغدى ذكر معنى ذلك في النهاية. قوله: (من جعبته) بالجيم والعين المهملة قال في النهاية: الجعبة التي يجعل فيها النشاب والطلق بفتح اللام قيد من جلود. قوله: (له سلبه أجمع) فيه دليل على أن القاتل يستحق جميع السلب وإن كان كثيرًا وعلى أن القاتل يستحق السلب في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر يستحقه ولو كان المقتول منهزمًا. وقال أحمد: لا يستحقه إلا بالمبارزة وعن الأوزاعي إذا التقى الزحفان فلا سلب. وقد اختلف إذا كان المقتول امرأة هل يستحق سلبها القاتل أم لا فذهب أبو ثور وابن المنذر إلى الأول وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له بأنه قتله والحجة في ذلك ما تقدم من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه) فمفهومه أنه إذا لم يكن له بينة لا تقبل. وعن الأوزاعي يقبل قوله بغير بينة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه أبا قتادة بغير بينة وقد تقدم وفيه نظر لأنه وقع في مغازي الواقدي أن أوس بن خولي شهد لأبي قتادة وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم علم بأنه القاتل بطريق من الطرق وأبعد من قال من المالكية أن المراد بالبينة هنا الذي أقر له أن السلب عنده فهو شاهد والشاهد الثاني وجود المسلوب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله ولذلك جعل لوثا في باب القسامة وقيل إنما استحقه أبو قتادة بإقرار الذي هو بيده وهذا ضعيف لأن الإقرار إنما يفيد إذا كان المال منسوبًا لمن هو بيده فيؤاخذ بإقراره والمال هنا لجميع الجيش. ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا يكفي فيها شاهد واحد وقد اختلف في المرأة والصبي هل يستحقان سلب من قتلاه في ذلك وجهان قال الإمام يحيى أصحهما يستحقان لعموم من قتل قتيلًا فله سلبه. قال في البحر: وإنما يستحق السلب حيث قتله والحرب قائمة لا لو قتله نائمًا أو فارًا قبل مبارزته أو مشغولًا بأكل ولا لو رماه بسهم إذ هو في مقابلة المخاطرة بالنفس ولا مخاطرة هنا ولا لو قتل أسيرًا أو عزيلًا عن السلاح ولا لو قتل من لا سطوة له كالمقعد والزمن فإن قطع يديه ورجليه استحق سلبه إذ قد كفى شره ولو جرحه رجل ثم قتله آخر فالسلب للآخر إذ لم يعط صلى اللّه عليه وآله وسلم ابن مسعود سلب أبي جهل وقد جرحه بل قاتليه من الأنصار قال فلو ضرب أحدهما يده والآخر رقبته فالسلب لضارب الرقبة إن لم تكن ضربة الآخر قاتلة وإلا اشتركا انتهى. والمراد بالسلب هو ما أجلب به المقتول من ملبوس ومركوب وسلاح لا ما كان باقيًا في بيته قال الإمام يحيى ولا المنطقة والخاتم والسوار والجنيب من الخيل فليس بسلب. قال المهدي: بل المذهب أن كل ما ظهر على القتيل أو معه فهو سلب لا ما يخفي من جواهر أو دراهم أو نحوها والظاهر من حديث الباب المؤكد بلفظ أجمع أنه يقال لكل شيء وجد مع المقتول وقت القتل سلب سواء كان مما يظهر أو يخفى واختلفوا هل يدخل الإمام في العموم إذ قال من قتل قتيلًا فله سلبه فذهب أبو حنيفة والهادوية إلى الأول لعموم اللفظ إلا لقرينة مخصصة نحو أن يقول من قتل منكم وذهب الشافعي والمؤيد باللّه في قول له أنه لا يدخل ومرجع هذا إلى المسألة المعروفة في الأصول وهي هل يدخل المخاطب في خطاب نفسه أم لا وفي ذلك خلاف معروف. 7- وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: (بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء). متفق عليه. 8- وعن ابن مسعود قال: (نفلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل كان قتله). رواه أبو داود ولأحمد معناه وإنما أدرك ابن مسعود أبا جهل وبه رمق فأجهز عليه روى معنى ذلك أبو داود وغيره. حديث ابن مسعود هو من رواية ابنه أبي عبيدة عنه ولم يسمع منه كما تقدم غير مرة. ولفظ مسند أحمد الذي أشار إليه المصنف عن أبي عبيدة عن أبيه عبد اللّه بن مسعود أنه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع يذب الناس عنه بسيف له فأخذه عبد اللّه بن مسعود فقتله به فنفله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بسلبه. قوله: (حديثة أسنانهما) بالجر صفة لغلامين وأسنانهما بالرفع. قوله: (بين أضلع منهما) من الضلاعة وهي القوة قال في النهاية: معناه بين رجلين أقوى من اللذين كنت بينهما وأشد. ووقع في رواية الحموي بين أصلح منهما بالصاد والحاء المهملتين. قوله: (لا يفارق سوادي سواده) السواد بفتح السين المهملة وهو الشخص. قوله: (حتى يموت الأعجل منا) أي الأقرب أجلًا وقيل إن لفظ الأعجل تصحيف وإنما هو الأعجر وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرًا قال في الفتح: والصواب ما وقع في الرواية لوضوح معناه. قوله: (فنظر في السيفين) قال المهلب: نظره صلى اللّه عليه وآله وسلم في السيفين واستلاله لهما ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ ولذلك سألهما أولًا هل مسحتما سيفيكما أم لا لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك. وقد استشكل ما وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم من القضاء بالسلب لأحدهما بعد حكمه بأن كلًا منهما قتله حتى استدل بذلك من قال إن إعطاء السلب مفوض إلى رأي الإمام وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقًا بالقتل ولجعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام وأجاب الجمهور بأن في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في الجرح ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن قال المهلب: وإنما قال كلاكما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه لتطييب نفس الآخر. وقال الإسماعيلي: أقول إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه فبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ وقد دل قوله كلاكما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها ولما لم يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت بجراحته حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه. وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال ابن إسحاق وحدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم قال قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعتهم يقولون أبو جهل لا يخلص إليه فجعلته من شأني فعمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي قال ثم عاش معاذ إلى وقت عثمان قال ومر بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق ثم قاتل معوذ حتى قتل فمر عبد اللّه بن مسعود بأبي جهل لعنه اللّه فوجده بآخر رمق فذكر ما تقدم. قال في الفتح: فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن ابن عوف فإنه رأى معاذًا ومعوذًا شدا عليه جميعًا طرحاه وابن إسحاق يقول إن ابن عفراء هو معوذ بتشديد الواو والذي في الصحيح معاذ فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شد عليه مع معاذ بن عمرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود فتجتمع الأقوال كلها وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود إنه وجده وبه رمق وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق له إلا مثل حركة المذبوح وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه. وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة أن ابن مسعود وجد أبا جهل مصروعًا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعًا في الحديد واضعًا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو فظن عبد اللّه أنه مثبت جراحًا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بعضد أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فيحمل على أن ذلك وقع له بعد أن خاطبه بما تقدم. قوله: (والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء) وقع في البخاري في الخمس أنهما ابنا عفراء فقيل إن عفراء أم معاذ واسم أبيه الحارث وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما أطلق عليه تغليبًا ويحتمل أن تكون أم معاذ أيضًا تسمى عفراء وإنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذًا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه. قوله: (نفلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل) يمكن الجمع بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط وعلى ذلك يحمل قوله في رواية أحمد فنفلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بسلبه جمعًا بين الأحاديث .
1- عن ابن عباس قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم بدر من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا قال فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوا بها فلما فتح اللّه عليهم قال المشيخة كنا ردءًا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى فأبى الفتيان وقالوا جعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لنا فأنزل اللّه عز وجل رواه أبو داود. 2- وعن عبادة بن الصامت قال: (خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فشهدت معه بدرًا فالتقى الناس فهزم اللّه العدو فانطلقت طائفة في أثرهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على الغنائم يحوونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لستم بأحق منا نحن أحدقنا برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت وفي لفظ مختصر فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا فجعله إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقسمه فينا على بواء يقول على السواء). رواه أحمد. 3- وعن سعد بن مالك قال: (قلت يا رسول اللّه الرجل يكون حامية القوم أيكون سهمه وسهم غيره سواء قال ثكلتك أمك ابن أم سعد وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم). رواه أحمد. 4- وعن مصعب ابن سعد قال: (رأى سعدًا له فضلًا على من دونه فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم). رواه البخاري والنسائي. 5- وعن أبي الدرداء قال: (سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: ابغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم). رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه. حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضًا الحاكم وصححه أبو الفتح في الاقتراح على شرط البخاري. وحديث عبادة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات انتهى. وأخرجه أيضًا الطبراني وأخرج نحوه الحاكم عنه. وحديث سعد بن مالك في إسناده محمد بن راشد المكحولي قال في التقريب صدوق يهم. وحديث أبي الدرداء سكت عنه أبو داود وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وللنسائي زيادة تبين المراد من الحديث ولفظها قال نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما نصر هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم. قوله: (من النفل) بفتح النون والفاء زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ومته نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض وقال في القاموس: النفل محركة الغنيمة والهبة والجمع أنفال ونفال اهـ. قوله: (ولزم المشيخة) بفتح الميم كما في شمس العلوم هو جمع شيخ ويجمع أيضًا على شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشايخ. قوله: (ردءًا) بكسر الراء وسكون الدال بعد همزة هو العون والمادة على ما في القاموس. والمراد بقوله لفئتم أي رجعتم إلينا. قوله: (فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالسواء) فيه دليل على أنها إذا انفردت منه قطعة فغنمت شيئًا كانت الغنيمة للجميع. قال ابن عبد البر: لا يختلف الفقهاء في ذلك أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو بل قال ابن دقيق العيد: إن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه قال وإنما قالوا هو بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبًا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى. قوله: (فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على فواق) أي قسمها بسرعة في قدر ما بين الحلبتين. وقيل المراد فضل في القسمة فجعل بعضهم أفوق من بعض على قدر عنايته. قوله: (على بواء) بفتح الموحدة والواو بعدها همزة ممدودة وهو السواء كما فسره المصنف رحمه اللّه. قوله: (حامية القوم) بالحاء المهملة قال في القاموس: والحامية الرجل يحمي أصحابه والجماعة أيضًا حامية وهو على حامية القوم أي آخر من يحميهم في مضيهم انتهى. قوله: (رأى سعد) أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه. قال في الفتح: وصورة هذه السياق مرسلة لأن مصعبًا لم يدرك زمان القول لكنه محمول على أنه سمع ذلك من أبيه. وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي فأخرج من طريق معاذ بن هانئ حديث محمد بن طلحة فقال فيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه: (أنه ظن أن له فضلًا على من دونه) الحديث. ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعًا أيضًا لكنه اختصره ولفظه: (ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين) أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاتي عن عمرو بن مرة وقال غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام والمراد بقوله: (رأى سعد) أي ظن كما هو رواية النسائي. قوله: (على من دونه) أي من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كما هو مصرح به في رواية النسائي أيضًا وسبب ذلك ما له من الشجاعة والإقدام في ذلك الموطن. قوله: (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم) قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصًا في الدعاء وأكثر خشوعًا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا. وقال المهلب: أراد صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة. وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال: (قال سعد يا رسول اللّه أرأيت رجلًا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره) فذكر الحديث وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة فأعلمه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن سهام المقاتلة سواء فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه. قوله: (ابغوني ضعفاءكم) أي اطلبوا لي ضعفاءكم قال في القاموس: بغيته أبغيه بغاء وبغى وبغية بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته والبغية ما ابتغي كالبغية قال وإبغاء الشيء طلبه له كبغاه إياه كرماه أو أعانه على طلبه انتهى.
1- عن سلمة بن الأكوع وذكر قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري على سرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم واستنقاذه منه قال: (فلما أصبحنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول اللّه سهم الفارس وسهم الراجل فجعلها لي جميعًا). رواه أحمد ومسلم وأبو داود. 2- وعن سعد بن أبي وقاص قال: (جئت إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف فقلت يا رسول اللّه إن اللّه قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف ليس لي ولا لك فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلائي فبينا أنا إذ جاءني رسول اللّه فقال أجب فظننت أنه نزل في شيء بكلامي فجئت فقال لي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك وأن اللّه قد جعله لي فهو لك ثم قرأ رواه أحمد وأبو داود. حديث سعد بن أبي وقاص عزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم والترمذي والنسائي وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قوله: (عبد الرحمن الفزاري) هو ابن عيينة بن حصن. وعن ابن إسحاق أن رأس القوم الذين أغاروا على السرح هو عيينة بن حصن. قوله: (سرح) بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها حاء مهملة. قال في القاموس: السرح المال السائم وسوم المال كالسروح وإسامتها كالتسريح انتهى. ولفظ البخاري: (كانت لقاح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ترعى) واللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة ذوات الدر من الإبل واحدتها لقحة بالكسر وبالفتح أيضًا واللقوح الحلوب وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة قال وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة والقصة مبسوطة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما. قوله: (واستنقاذه) أي السرح منه أي من عبد الرحمن المذكور. قوله: (ثم أعطاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم) الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيره. وقال عمرو بن شعيب ذلك مختص بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دون من بعده وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك لأن القتال حينئذ يكون للدنيا فلا يجوز قال في الفتح: وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال. واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك فروي عنه أنه من أصل الغنيمة وروي عنه أنه من الخمس وروي عنه أنه من خمس الخمس والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يرد هذا القول. وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم النفل من أصل الغنيمة وإلى ذلك ذهبت الهادوية وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس. قال الخطابي: أكثر ما روي من الأخبار يدل على أن النفل من أصل الغنيمة. قال ابن عبد البر: إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث وسيأتي بيان الخلاف في المقدار الذي يجوز تنفيله.
|