الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن أنس قال: (كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قبا فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو اللَّه أحد حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها فكان يصنع ذلك في كل ركعة فلما أتاهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخبروه الخبر فقال: وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة قال: إني أحبها قال: حبك إياها أدخلك الجنة). رواه الترمذي وأخرجه البخاري تعليقًا. الحديث قال الترمذي: حسن صحيح غريب وأخرجه البزار والبيهقي والطبراني. قوله (كان رجل) هو كلثوم بن الهدم ذكره ابن منده في كتاب التوحيد. وقيل قتادة بن النعمان وقيل مكتوم بن هدم وقيل كرز بن هدم. قوله (افتتح بقل هو اللَّه أحد) تمسك به من قال لا يشترط قراءة الفاتحة وأجيب بأن الراوي لم يذكر الفاتحة للعلم بأنه لا بد منها فيكون معناه افتتح سورة بعد الفاتحة أو أن ذلك قبل ورود الدليل على اشتراط الفاتحة. قوله (فكان يصنع ذلك في كل ركعة) لفظ البخاري: (فكلمه أصحابه وقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ أخرى فقال: ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم ذلك تركتكم وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخبروه الخبر فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك) الخ. قوله (ما يحملك) أجابه عن الحامل على الفعل بأنه المحبة وحدها. قوله (أدخلك الجنة) التبشير له بالجنة يدل على الرضا بفعله وعبر بالفعل الماضي وإن كان الدخول مستقبلًا تنبيهًا على تحقق الوقوع كما نص عليه أئمة المعاني قال ناصر الدين ابن المنير: في هذا الحديث إن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه. قال: وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانًا لغيره. ـ والحديث ـ يدل على جواز قراءة سورتين في كل ركعة مع فاتحة الكتاب على ذلك التأويل من غير فرق بين الأوليين والآخريين لأن قوله في كل ركعة يشمل الأخريين. 2 - وعن حذيفة قال: (صليت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائدة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها فمضى ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلًا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم وكان ركوعه نحوًا من قيامه ثم قال سمع اللَّه لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام قيامًا طويلًا قريبًا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبًا من قيامه). رواه أحمد ومسلم والنسائي. قوله (فقلت يصلي بها في ركعة) قال النووي: معناه ظننت أنه يسلم بها فيقسمها على ركعتين وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهي ركعتان ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده. قوله (فمضى) معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة فحينئذ قلت يركع بها الركعة الأولى بها فجاوز وافتتح النساء. قوله (ثم افتتح آل عمران) قال القاضي عياض: فيه دليل لمن يقول أن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف وأنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بل وكله إلى أمته بعده قال: وهذا قول مالك والجمهور واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني. قال ابن الباقلاني: هو أصح القولين مع احتمالهما قال: والذي نقوله إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين والتعليم وإنه لم يكن من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ذلك نص ولا يحرم مخالفته ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان قال: وأما من قال من أهل العلم أن ذلك بتوقيف من النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما استقر في مصحف عثمان وإنما اختلفت المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف فيتأول قراءته صلى اللَّه عليه وسلم النساء ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب قال: ولا خلاف إنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى وإنما يكره ذلك في ركعة ولمن يتلو في غير الصلاة قال: وقد أباح بعضهم وتأول نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسًا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من اللَّه على ما بني عليه الآن في المصحف وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى اللَّه عليه وآله وسلم. قوله (فقرأها مترسلًا إذا مر بآية) الخ فيه استحباب الترسل والتسبيح عند المرور بآية فيها تسبيح والسؤال عند قراءة آية فيها سؤال والتعوذ عند تلاوة آية فيها تعوذ. والظاهر استحباب هذه الأمور لكل قارئ من غير فرق بين المصلي وغيره وبين الإمام والمنفرد والمأموم وإلى ذلك ذهبت الشافعية. قوله (ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم) فيه استحباب تكريره هذا الذكر في الركوع وكذلك سبحان ربي الأعلى في السجود وإلى ذلك ذهب الشافعي وأصحابه والأوزاعي وأبو حنيفة والكوفيون وأحمد والجمهور. وقال مالك: لا يتعين ذلك للاستحباب وسيأتي الكلام على ذلك في باب الذكر في الركوع والسجود. قوله (ثم قال سمع اللَّه لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام قيامًا طويلًا) فيه رد لما ذهب إليه أصحاب الشافعي من أن تطويل الاعتدال عن الركوع لا يجوز وتبطل به الصلاة وسيأتي الكلام على ذلك. ـ والحديث ـ أيضًا يدل على استحباب تطويل صلاة الليل وجواز الائتمام في النافلة. 3 - وعن رجل من جهينة: (أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما قال: فلا أدري أنسي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أم قرأ ذلك عمدًا). رواه أبو داود. الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وقد قدمنا أن جماعة من أئمة الحديث صرحوا بصلاحية ما سكت عنه أبو داود للاحتجاج وليس في إسناده مطعن بل رجاله رجال الصحيح وجهالة الصحابي لا تضر عند الجمهور وهو الحق. قوله (يقرأ في الصبح إذا زلزلت) فيه استحباب قراءة سورة بعد الفاتحة وجواز قراءة قصار المفصل في الصبح. قوله (فلا أدري أنسي) فيه دليل لمذهب الجمهور القائلين بجواز النسيان عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد صرح بذلك حديث: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون) ولكن فيما ليس طريقه البلاغ قالوا ولا يقر عليه بل لا بد أن يتذكره واختلفوا هل من شرط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم. قوله (أم قرأ ذلك عمدًا) تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم للسورة هل كان نسيانًا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعًا لأمته أو فعله عمدًا لبيان الجواز فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعًا أو غير مشروع فحمل فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصل. ونظيره ما ذكره الأصوليون فيما إذا تردد فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين أن يكون جبليًا أو لبيان الشرع والأكثر على التأسي به. 4 - وعن ابن عباس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما رواهما أحمد ومسلم. الروايات فيما كان يقرؤه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الركعتين قبل الفجر مختلفة. فمنها ما ذكره المصنف. ومنها ما في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد) وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن) وفي رواية: (أقول لم يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب). ـ والحديث ـ يدل على استحباب قراءة الآيتين المذكورتين فيهما بعد قراءة فاتحة الكتاب لما ثبت في رواية لمسلم: (أنه كان يقرأ فيهما بعد فاتحة الكتاب بقل يا أيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد) فتحمل الأحاديث التي لم يذكر فيها القراءة بفاتحة الكتاب كحديث الباب على هذه الرواية ويكون المصلي مخيرًا إن شاء قرأ مع فاتحة الكتاب في كل ركعة ما في حديث ابن عباس وإن شاء قرأ بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون في ركعة وقل هو اللَّه أحد في ركعة وإلى ذلك ذهب الجمهور. وقال مالك وجمهور أصحاب الشافعي: إنه لا يقرأ غير الفاتحة. وقال بعض السلف: لا يقرأ شيئًا وكلاهما خلاف هذه الأحاديث الصحيحة وسيأتي الكلام على ذلك في باب تأكيد ركعتي الفجر. وقد استدل المصنف رحمه اللَّه بالحديث على جواز قراءة بعض سورة في الركعة كما فعل في ترجمة الباب.
1 - عن جابر بن سمرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في الفجر بـ رواهما أحمد ومسلم. وفي رواية: (كان إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحو من والليل إذا يغشى والعصر كذلك والصلوات كلها كذلك إلا الصبح فإنه كان يطيلها) رواه أبو داود. قوله (كان يقرأ في الفجر بـ {ق}) قد تقرر في الأصول أن كان تفيد الاستمرار وعموم الأزمان فينبغي أن يحمل قوله كان يقرأ في الفجر بـ {ق} على الغالب من حاله صلى اللَّه عليه وسلم أو تحمل على أنها لمجرد وقوع الفعل لأنها قد تستعمل لذلك كما قال ابن دقيق العيد لأنه قد ثبت أنه قرأ في الفجر قوله (وكان يقرأ في الظهر بالليل والعصر نحو ذلك) ينبغي أن يحمل هذا على ما تقدم لأنه قد ثبت أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وشبههما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من حديث جابر بن سمرة. وأنه كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة أيضًا. وأنه قرأ من سورة لقمان والذاريات في صلاة الظهر أخرجه النسائي عن البراء. وأنه قرأ في الأولى من الظهر بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية أخرجه النسائي أيضًا عن أنس وثبت أنه كان يقرأ في الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية عند البخاري وقد تقدم ولم يعين السورتين. وتقدم أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة وتقدم أيضًا أنه كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الآخريين قدر خمس عشرة آية أو قال نصف ذلك وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية وفي الأخريين قدر نصف ذلك. وثبت عن أبي سعيد عند مسلم وغيره أنه قال: (كنا نحزر قيام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة آلم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الآخرتين من الظهر وفي الآخريين من العصر على النصف من ذلك. قوله (وفي الصبح أطول من ذلك) قال العلماء: لأنها تفعل في وقت الغفلة بالنوم في آخر الليل فيكون في التطويل انتظار للمتأخر. قال النووي حاكيًا عن العلماء: إن السنة أن تقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل ويكون الصبح أطول وفي العشاء والعصر بأوساط المفصل وفي المغرب بقصاره قال: قالوا والحكمة في إطالة الصبح والظهر أنهما في وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفي القائلة فطولتا ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر انتهى. وكون السنة في صلاة المغرب القراءة بقصار المفصل غير مسلم فقد ثبت أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ فيها بسورة الأعراف والطور والمرسلات كما يأتي في أحاديث هذا الباب. وثبت أنه صلى اللَّه عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف في الركعتين جميعًا أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي أيوب. وقرأ بالدخان أخرجه النسائي وأخرج البخاري عن مروان بن الحكم قال: (قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين) والطوليان هما الأعراف والأنعام. وثبت أنه قرأ صلى اللَّه عليه وسلم فيه بالذين كفروا وصدوا عن سبيل اللَّه أخرجه ابن حبان من حديث ابن عمر وسيأتي بقية الكلام في آخر الباب. 2 - وعن جبير بن مطعم قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في المغرب بالطور). رواه الجماعة إلا الترمذي. قوله (بالطور) أي بسورة الطور. قال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون الباء بمعنى من كقوله تعالى وحديث البخاري المتقدم يبطل هذه الدعوى وقد ثبت في رواية أنه سمعه يقرأ والطور وكتاب مسطور. ومثله لابن سعد وزاد في أخرى: (فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد) وأيضًا لو كان اقتصر على قراءة تلك الآية كما زعم لما كان لإنكار زيد بن ثابت على مروان كما في الحديث المتقدم معنى لأن الآية أقصر من قصار المفصل وقد روي أن زيدًا قال له: (إنك تخفف القراءة في الركعتين من المغرب فو اللَّه لقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ فيهما بسورة الأعراف في الركعتين جميعًا) أخرج هذه الرواية ابن خزيمة وقد ادعى أبو داود نسخ التطويل ويكفي إبطال هذه الدعوى حديث أم الفضل الآتي. وقد ذهب إلى كراهة القراءة في المغرب بالسور الطوال مالك وقال الشافعي: لا أكره ذلك بل استحبه. قال الحافظ: والمشهور عند الشافعية أنه لا كراهة ولا استحباب انتهى. 3 - وعن ابن عباس: (أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ والمرسلات عرفًا فقال: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ بها في المغرب). رواه الجماعة إلا ابن ماجه. قوله (أن أم الفضل) هي والدة ابن عباس الراوي عنها وبذلك صرح الترمذي فقال عن أمه أم الفضل واسمها لبابة بنت الحارث الهلالية ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة. قوله (سمعته) أي سمعت ابن عباس وفيه التفات لأن ظاهر السياق أن يقول سمعتني. قوله (لقد ذكرتني) أي شيئًا نسيته. قوله (إنها لآخر ما سمعت) الخ في رواية ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه اللَّه. وقد ثبت من حديث عائشة أن آخر صلاة صلاها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بأصحابه في مرض موته الظهر. وطريق الجمع أن عائشة حكت آخر صلاة صلاها في المسجد لقرينة قولها بأصحابه والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما روى ذلك النسائي ولكنه يشكل على ذلك ما أخرجه الترمذي عن أم الفضل بلفظ: (خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب) ويمكن حمل قولها خرج إلينا أنه خرج من مكانه الذي كان فيه راقدًا إلى من في البيت. وهذا الحديث يرد على من قال التطويل في صلاة المغرب منسوخ كما تقدم. 4 - وعن عائشة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في الركعتين). رواه النسائي. الحديث إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا عمرو بن عثمان قال حدثنا بقية وأبو حيوة عن ابن أبي حمزة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره وبقية وإن كان فيه ضعف فقد تابعه أبو حيوة وهو ثقة. وقد أخرج نحوه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي أيوب بلفظ: (إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين جميعًا) وأخرج نحوه ابن خزيمة من حديث زيد بن ثابت كما تقدم. ويشهد لصحته ما أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي من حديث زيد بن ثابت: (إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ في المغرب بطولى الطوليين) زاد أبو داود: (قلت وما طولى الطوليين قال الأعراف) قال الحافظ في الفتح: إنه حصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف. وقد استدل الخطابي وغيره بالحديث على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق وكذلك استدل به المصنف رحمه اللَّه كما تقدم في باب وقت صلاة المغرب من أبواب الأوقات وتقدم الكلام على ذلك هنالك. 5 - وعن ابن عمر قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في المغرب قل يا أيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد). رواه ابن ماجه. 6 - وفي حديث جابر: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: يا معاذ أفتان أنت أو قال أفاتن أنت فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى). متفق عليه. أما الحديث الأول فقال الحافظ في الفتح: ظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول قال الدارقطني: أخطأ بعض رواته فيه وأخرج نحوه ابن حبان والبيهقي عن جابر بن سمرة وفي إسناده سعيد بن سماك وهو متروك. قال الحافظ أيضًا: والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب. وأما الحديث الثاني فقال في الفتح: إن قصة معاذ كانت في العشاء وقد صرح بذلك البخاري في روايته لحديث جابر وسيأتي الخلاف في تعيين الصلاة وتعيين السورة التي قرأها معاذ في باب انفراد المؤتم لعذر. ولفظ الحديث في البخاري أنه قال جابر (أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذًا يصلي فترك ناضحيه وأقبل إلى معاذ فقرأ بسورة البقرة والنساء فانطلق الرجل وبلغه أن معاذًا نال منه فأتى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فشكا إليه معاذًا فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم) إلى آخر ما ذكره المصنف. قوله (فلولا صليت) أي فهلا صليت. قوله (أفتان أنت أو قال أفاتن) قال ابن سيد الناس: الأولى أن يكون للشك من الراوي لا من باب الرواية بالمعنى كما زعم بعضهم لما تحلت به صيغة فعال من المبالغة التي خلت عنها صيغة فاعل. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية القراءة في العشاء بأوساط المفصل كما حكاه النووي عن العلماء. ويدل أيضًا على مشروعية التخفيف للإمام لما بينه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بعض روايات حديث معاذ عند البخاري وغيره بلفظ: (فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير) وفي لفظ له: (فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة) قال أبو عمر: التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال وأما الحذف والنقصان فلا لأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد نهى عن نقر الغراب ورأى رجلًا يصلي ولم يتم ركوعه وسجوده فقال له: (ارجع فصل فإنك لم تصل) وقال: (لا ينظر اللَّه عز وجل إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده) وقال أنس: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخف الناس صلاة في تمام) قال ابن دقيق العيد وما أحسن ما قال: إن التخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم طويلًا بالنسبة إلى عادة آخرين انتهى. ولعله يأتي إن شاء اللَّه تعالى للمقام مزيد تحقيق في باب ما يؤمر به الإمام من التخفيف من أبواب صلاة الجماعة. وسيذكر المصنف طرفًا من حديث معاذ في باب انفراد المأموم لعذر. وفي باب هل يقتدي المفترض بالمتنفل أم لا وسنذكر إن شاء اللَّه في شرحه هنالك بعضًا من فوائده التي لم يذكرها ههنا. 7 - وعن سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال: (ما رأيت رجلًا أشبه صلاة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من فلان لإمام كان بالمدينة قال سليمان: فصليت خلفه فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الآخرتين ويخفف العصر ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل ويقرأ في الغداة بطوال المفصل). رواه أحمد والنسائي. الحديث قال الحافظ في الفتح: صححه ابن خزيمة وغيره وقال في بلوغ المرام: إن إسناده صحيح. ـ والحديث ـ استدل به على مشروعية ما تضمنه من القراءة في الصلوات لما عرفت من إشعار لفظ كان بالمداومة. وقيل في الاستدلال به على ذلك نظر لأن قوله أشبه صلاة يحتمل أن يكون في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها وقد تقدم نظير هذا ويمكن أن يقال في جوابه إن الخبر ظاهر في المشابهة في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت ما يخصصه وقد تقدم الكلام في صلاة الصبح والظهر والعصر وأما المغرب فقد عرفت ما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يستمر على قراءة قصار المفصل فيها بل قرأ فيها بطولى الطوليين وبطوال المفصل وكانت قراءته في آخر صلاة صلاها بالمرسلات في صلاة المغرب كما تقدم. قال الحافظ في الفتح: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان أحيانًا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين ولكنه يقدح في هذا الجمع ما في البخاري وغيره من إنكار زيد بن ثابت على مروان مواظبته على قصار المفصل في المغرب ولو كانت قراءته صلى اللَّه عليه وآله وسلم السور الطويلة في المغرب لبيان الجواز لما كان ما فعله مروان من المواظبة على قصار المفصل إلا محض السنة ولم يحسن من هذا الصحابي الجليل إنكار ما سنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يفعل غيره إلا لبيان الجواز ولو كان الأمر كذلك لما سكت مروان عن الاحتجاج بمواظبته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك في مقام الإنكار عليه. وأيضًا بيان الجواز يكفي فيه مرة واحدة. وقد عرفت أنه قرأ بالسور الطويلة مرات متعددة وذلك يوجب تأويل لفظ كان الذي استدل به على الدوام بمثل ما قدمنا. فالحق أن القراءة في المغرب بطوال المفصل وقصاره وسائر السور سنة والاقتصار على نوع من ذلك إن انضم إليه اعتقاد أنه السنة دون غيره مخالف لهديه صلى اللَّه عليه وآله وسلم. قوله (بقصار المفصل) قد اختلف في تفسير المفصل على عشرة أقوال ذكرها صاحب القاموس وغيره وقد ذكرناها في باب وقت صلاة المغرب من أبواب الأوقات. قوله (ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل) قد تقدم في حديث معاذ (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمره بالقراءة بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى) وهذه السور من أوساط المفصل وزاد مسلم: (أنه أمره بقراءة اقرأ باسم ربك الذي خلق) وزاد عبد الرزاق الضحى وفي رواية للحميدي بزيادة: (والسماء ذات البروج والسماء والطارق) وقد عرفت أن قصة معاذ كانت في صلاة العشاء وثبت أنه كان صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في صلاة العشاء بالشمس وضحاها ونحوها من السور أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه من حديث بريدة وأنه قرأ فيها بالتين والزيتون أخرجه البخاري ومسلم والترمذي من حديث البراء. وأنه قرأ بإذا السماء انشقت أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.
1 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد فبدأ به ومعاذ بن جبل وأُبيَّ بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة) رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه. 2 - وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد). رواه أحمد. حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا أبو يعلى والبزار وفيه جرير بن أيوب البجلي وهو متروك لكنه أخرجه بهذا اللفظ البزار والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عمار بن ياسر قال في مجمع الزوائد: ورجال البزار ثقات. قوله (ابن أم عبد) هو عبد اللَّه بن مسعود وقد روي أنه لم يحفظ القرآن جميعًا في عصره صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا هؤلاء الأربعة. والمصنف رحمه اللَّه عقد هذا الباب للرد على من يقول أنها لا تجزئ في الصلاة إلا قراءة السبعة القراء المشهورين قالوا لأن ما نقل آحاديًا ليس بقرآن ولم تتواتر إلا السبع دون غيرها فلا قرآن إلا ما اشتملت عليه وقد رد هذا الاشتراط إمام القراآت الجزري فقال في النشر: زعم بعض المتأخرين أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ولا يخفى ما فيه لأنا إذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابتة عن هؤلاء السبعة وغيرهم وقال: ولقد كنت أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف على خلافه وقال: القراءة المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما نقل عن غيرهم اهـ. فانظر كيف جعل اشتراط التواتر قولًا لبعض المتأخرين وجعل قول أئمة السلف والخلف على خلافه. وقال أيضًا في النشر: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا وصح إسنادها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم غيرهم من الأئمة عن المقبولين ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف صرح بذلك المدني والمكي والمهدوي وأبو شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف من أحدهم خلافه قال أبو شامة في المرشد الوجيز: لا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى أحد هؤلاء السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة وأنها نزلت هكذا إلا إذا دخلت في تلك الضابطة وحينئذ لا ينفرد مصنف عن غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه إلى آخر كلام الجزري الذي حكاه عنه صاحب الإتقان. وقال أبو شامة: شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن السبع كلها متواترة أي كل حرف مما يروى عنهم قالوا والقطع بأنها منزلة من عند اللَّه واجب ونحن نقول بهذا القول ولكن فيما أجمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير فلا أقل من اشتراط ذلك إذ لم يتفق التواتر في بعضها اهـ. إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراآت السبع وعلى أنه لا فرق بينها وبين غيرها إذا وافق وجهًا عربيًا وصح إسناده ووافق الرسم ولو احتمالًا بما نقلناه عن أئمة القراء تبين لك صحة القراءة في الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين في الحديث أو من قراءة غيرهم وقد خالف هؤلاء الأئمة النويري المالكي في شرح الطيبة فقال عند شرح قول الجزري فيها: فكل ما وافق وجه نحوي * وكان للرسم احتمالًا يحوي وصح إسنادًا هو القرآن * فهذه الثلاثة الأركان وكل ما خالف وجهًا أثبت * شذوذه لو أنه في السبعة ما لفظه: ظاهره أن القرآن يكتفى في ثبوته مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط ولا يحتاج إلى التواتر وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم من الأصوليين والمفسرين اهـ وأنت تعلم أن نقل مثل الإمام الجزري وغيره من أئمة القراءة لا يعارضه نقل النويري لما يخالفه لأنا إن رجعنا إلى الترجيح بالكثرة أو الخبرة بالفن أو غيرهما من المرجحات قطعنا بأن نقل أولئك الأئمة أرجح وقد وافقهم عليه كثير من أكابر الأئمة حتى إن الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري لم يحك في غاية الوصول إلى شرح لب الأصول الخلاف لما حكاه الجزري وغيره عن أحد سوى ابن الحاجب. 3 - وعن أنس قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأُبيَّ: إن اللَّه أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا) وفي رواية: (أن أقرأ عليك القرآن قال: وسماني لك. قال: نعم. فبكى). متفق عليه. قوله (أمرني أن أقرأ عليك) فيه استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه وفيه منقبة شريفة لأُبيَّ بقراءته صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يشاركه فيها أحد لا سيما مع ذكر اللَّه تعالى لاسمه ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة. قوله قوله (وسماني لك) فيه جواز الاستثبات في الاحتمالات وسببه ههنا أنه جوز أن يكون اللَّه تعالى أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ على رجل من أمته ولم ينص عليه. قوله (فبكى) فيه جواز البكاء للسرور والفرح بما يبشر الإنسان ويعطاه من معالي الأمور. واختلفوا في وجه الحكمة في قراءته على أُبيَّ فقيل سببها أن يسن لأمته بذلك القراءة على أهل الإتقان والفضل ويتعلموا آداب القراءة ولا يأنف أحد عن ذلك. وقيل التنبيه على جلالة أُبيَّ وأهليته لأخذ القرآن ولذلك كان بعده صلى اللَّه عليه وسلم رأسًا وإما ما في إقراء القرآن وهو أجل ناشريه أو من أجلهم.
1 - عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (أنه كان يسكت سكتتين إذا استفتح الصلاة وإذا فرغ من القراءة كلها) وفي رواية: (سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين). روى ذلك أبو داود وكذلك أحمد والترمذي وابن ماجه بمعناه. الحديث حسنه الترمذي وقد تقدم الكلام في سماع الحسن من سمرة لغير حديث العقيقة وقد صحح الترمذي حديث الحسن عن سمرة في مواضع من سننه. منها حديث: (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) وحديث: (جار الدار أحق بدار الجار) وحديث: (لا تلاعنوا بلعنة اللَّه ولا بغضب اللَّه ولا بالنار) وحديث: (الصلاة الوسطى صلاة العصر) فكان هذا الحديث على مقتضى تصرفه جديرًا بالتصحيح. وقد قال الدارقطني: رواة الحديث كلهم ثقات وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود والنسائي بلفظ: (إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة). قوله (إذا استفتح الصلاة) الغرض من هذه السكتة ليفرغ المأمومون من النية وتكبيرة الإحرام لأنه لو قرأ الإمام عقب التكبير لفات من كان مشتغلًا بالتكبير والنية بعض سماع القراءة. وقال الخطابي: إنما كان يسكت في الموضعين ليقرأ من خلفه فلا ينازعونه القراءة إذا قرأ. قال اليعمري: كلام الخطابي هذا في السكتة التي بعد قراءة الفاتحة وأما السكتة الأولى فقد وقع بيانها في حديث أبي هريرة السابق في باب الافتتاح: (إنه كان يسكت بين التكبير والقراءة يقول اللَّهم باعد بيني وبين خطاياي) الحديث. قوله (وإذا فرغ من القراءة كلها) قيل وهي أخف من السكتتين اللتين قبلها وذلك بمقدار ما تنفصل القراءة عن التكبير فقد نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الوصل فيه. قوله (وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال النووي عن أصحاب الشافعي: يسكت قدر قراءة المأمومين الفاتحة قال: ويختار الذكر والدعاء والقراءة سرًا لأن الصلاة ليس فيها سكوت في حق الإمام وقد ذهب إلى استحباب هذه السكتات الثلاث الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال أصحاب الرأي ومالك: السكتة مكروهة وهذه الثلاث السكتات قد دل عليها حديث سمرة باعتبار الروايتين المذكورتين. وفي رواية في سنن أبي داود بلفظ: (إذا دخل في صلاته وإذا فرغ من القراءة ثم قال بعد وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين) واستحب أصحاب الشافعي سكتة رابعة بين ولا الضالين وبين آمين قالوا ليعلم المأموم أن لفظة آمين ليست من القرآن.
1 - عن ابن مسعود قال: (رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود). رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه. الحديث أخرج نحوه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين وأخرجا نحوه أيضًا من حديث أبي هريرة وأخرج نحوه البخاري من حديثه. وفي الباب عن أنس عند النسائي. وعن ابن عمر عند أحمد والنسائي. وعن أبي مالك الأشعري عند ابن أبي شيبة. وعن أبي موسى غير الحديث الذي سيذكره المصنف عند ابن ماجه. وعن وائل بن حجر عند أبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وفي الباب عن غير هؤلاء. وسيأتي في هذا الكتاب بعض من ذلك. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية التكبير في كل خفض ورفع وقيام وقعود إلا في الرفع من الركوع فإنه يقول سمع اللَّه لمن حمده. قال النووي: وهذا مجمع عليه اليوم ومن الأعصار المتقدمة وقد كان فيه خلاف في زمن أبي هريرة وكان بعضهم لا يرى التكبير إلا للإحرام انتهى. وقد حكى مشروعية التكبير في كل خفض ورفع الترمذي عن الخلفاء الأربعة وغيرهم ومن بعدهم من التابعين قال: وعليه عامة الفقهاء والعلماء. وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وجابر وقيس بن عباد والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وسعيد بن عبد العزيز وعامة أهل العلم. وقال البغوي في شرح السنة: اتفقت الأمة على هذه التكبيرات. قال ابن سيد الناس: وقال آخرون لا يشرع إلا تكبير الإحرام فقط يحكى ذلك عن عمر بن الخطاب وقتادة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري ونقله ابن المنذر عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد اللَّه بن عمر ونقله ابن بطال عن جماعة أيضًا منهم معاوية بن أبي سفيان وابن سيرين قال أبو عمر: قال قوم من أهل العلم: إن التكبير ليس بسنة إلا في الجماعة وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر. وقال أحمد: أحب إليَّ أن يكبر إذا صلى وحده في الفرض وأما في التطوع فلا. وروي عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده. ـ واستدل ـ من قال بعدم مشروعية التكبير كذلك بما أخرجه أحمد وأبو داود عن ابن أبزى عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكان لا يتم التكبير. وفي لفظ لأحمد إذا خفض ورفع. وفي رواية فكان لا يكبر إذا خفض يعني بين السجدتين وفي إسناده الحسن بن عمران قال أبو زرعة: شيخ ووثقه ابن حبان. وحكي عن أبي داود الطيالسي أنه قال: هذا عندي باطل وهذا لا يقوى على معارضة أحاديث الباب لكثرتها وصحتها وكونها مثبتة ومشتملة على الزيادة والأحاديث الواردة في هذا الباب أقل أحوالها الدالة على سنية التكبير في كل خفض ورفع. وقد روى أحمد عن عمران بن حصين أن أول من ترك التكبير عثمان حين كبر وضعف صوته وهذا يحتمل أنه ترك الجهر. وروى الطبري عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد. وهذه الروايات غير متنافية لأن زيادًا تركه بترك معاوية وكان معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء وحكى الطحاوي أن بني أمية كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع وما هذه بأول سنة تركوها. وقد اختلف القائلون بمشروعية التكبير فذهب جمهورهم إلى أنه مندوب فيما عدا تكبيرة الإحرام وقال أحمد في رواية عنه وبعض أهل الظاهر: إنه يجب كله. ـ واحتج الجمهور ـ على الندبية بأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يعلمه المسيء صلاته ولو كان واجبًا لعلمه وأيضًا حديث ابن أبزى يدل على عدم الوجوب لأن تركه صلى اللَّه عليه وآله وسلم له في بعض الحالات لبيان الجواز والإشعار بعدم الوجوب وسيأتي دليل القائلين بالوجوب. وأما الجواب بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يعلمه المسيء فممنوع بل قد أخرج أبو داود أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال للمسيء بلفظ: (ثم يقول اللَّه أكبر ثم يركع حتى يطمئن مفاصله ثم يقول سمع اللَّه لمن حمده حتى يستوي قائمًا ثم يقول اللَّه أكبر ثم يسجد حتى يطمئن مفاصله ثم يقول اللَّه أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدًا ثم يقول اللَّه أكبر ثم يسجد حتى يطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبر فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته). 2 - وعن عكرمة قال: (قلت لابن عباس صليت الظهر بالبطحاء خلف شيخ أحمق فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه فقال ابن عباس: تلك صلاة أبي القاسم صلى اللَّه عليه وآله وسلم). رواه أحمد والبخاري. قوله (الظهر) لم يكن ذلك في البخاري وإنما زاده الإسماعيلي وبذلك يصح عدد التكبير لأن في كل ركعة خمس تكبيرات فتقع في الرباعية عشرون تكبيرة مع تكبيرة الافتتاح والقيام مع التشهد الأول. ولأحمد والطبراني عن عكرمة أنه قال: (صلى بنا أبو هريرة). قوله (تلك صلاة أبي القاسم) في لفظ للبخاري: (أوليس تلك صلاة أبي القاسم لا أم لك) وفي لفظ له: (ثكلتك أمك سنة أبي القاسم صلى اللَّه عليه وآله وسلم). ـ والحديث ـ يدل على مشروعية تكبير الانتقال وقد تقدم الخلاف فيه. 3 - وعن أبي موسى قال: (إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم اللَّه وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: فتلك بتلك وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا اللَّهم ربنا لك الحمد يسمع اللَّه لكم فإن اللَّه تعالى قال على لسان نبيه سمع اللَّه لمن حمده وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فتلك بتلك وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات للَّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله). رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود. وفي رواية بعضهم: (وأشهد أن محمدًا). قوله (فأقيموا صفوفكم) قال النووي: هو مأمور به بإجماع الأمة قال: وهو أمر ندب والإقامة تسويتها والاعتدال فيها وتتميمها الأول فالأول والتراص فيها. قوله (ثم ليؤمكم أحدكم) فيه الأمر بالجماعة في المكتوبات وقد اختلفوا هل هو أمر ندب أو إيجاب وسيأتي بسط الكلام على ذلك إن شاء اللَّه تعالى. قوله (فإذا كبر فكبروا) فيه أن المأموم لا يكبر قبل الإمام ولا معه بل بعده لأن الفاء للتعقيب وقد قدمنا المناقشة في هذا. قوله (وإذا قرأ فأنصتوا) قد تقدم الكلام على هذه الزيادة في باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته. قوله (فإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين) استدل به على مشروعية أن يكون تأمين الإمام والمأموم متفقًا وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى. قوله (يجبكم اللَّه) أي يستجب لكم وهذا حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به. قوله (فإذا كبر وركع إلى قوله فتلك بتلك) معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه وكذلك رفعكم من الركوع بعد رفعه. ومعنى تلك بتلك أي اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة بتلك اللحظة وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه وكذلك في السجود. قوله (وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا) الخ فيه دلالة على استحباب الجهر من الإمام بالتسميع ليسمعوه فيقولون وفيه أيضًا دليل لمذهب من يقول لا يزيد المأموم على قوله ربنا لك الحمد ولا يقول معه سمع اللَّه لمن حمده. وفيه خلاف وسيأتي بسطه في باب ما يقول في رفعه. ومعنى سمع اللَّه لمن حمده أجاب دعاء من حمده ومعنى قوله يسمع اللَّه لكم يستجب لكم. قوله (ربنا لك الحمد) هكذا هو بلا واو وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها والكل جائز ولا ترجيح لأحدهما على الآخر كذا قال النووي. والظاهر أن إثبات الواو أرجح لأنها زيادة مقبولة. قوله (وإذا كان عند القعدة) إلى آخر الحديث الكلام على بقية ألفاظه يأتي إن شاء اللَّه تعالى في أبواب التشهد. وقد استدل بقوله (فليكن من أول قول أحدكم) على أنه يقول ذلك في أول جلوسه ولا يقول بسم اللَّه. قال النووي: وليس هذا الاستدلال بواضح لأنه قال فليكن من أول ولم يقل فليكن أول. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية تكبير النقل وقد استدل به القائلون بوجوبه كما تقدم وهو أخص من الدعوى لأنه أمر للمؤتم فقط وقد دفعه الجمهور بما تقدم من عدم ذكر تكبير الانتقال في حديث المسيء وقد عرفت ما فيه بحديث ابن أبزى المتقدم.
1 - عن سعيد بن الحارث قال: (صلى لنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين وقال هكذا رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم). رواه البخاري وهو لأحمد بلفظ أبسط من هذا. الحديث يدل على مشروعية الجهر بالتكبير للانتقال وقد كان مروان وسائر بني أمية يسرون به ولهذا اختلف الناس لما صلى أبو سعيد هذه الصلاة فقام على المنبر فقال إني واللَّه ما أبالي اختلفت صلاتكم أم لم تختلف إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم هكذا يصلي وقد عرفت مما سلف أن أول من ترك تكبير النقل أي الجهر به عثمان ثم معاوية ثم زياد ثم سائر بني أمية. 2 - وعن جابر قال: (اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره). رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. ولمسلم والنسائي قال: (صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الظهر وأبو بكر خلفه فإذا كبر كبر أبو بكر يسمعنا). الحديث يأتي وشرحه إن شاء اللَّه تعالى في باب الإمام ينتقل مأمومًا وقد ذكره المصنف هنا للاستدلال به على جواز رفع الصوت بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه وأنه يجوز للمقتدي إتباع صوت المكبر وهذا مذهب الجمهور وقد نقل أنه إجماع قال النووي: وما أراه يصح الإجماع فيه فقد نقل القاضي عياض عن مذهبهم أن منهم من أبطل صلاة المقتدي ومنهم من لم يبطلها ومنهم من قال إن أذن له الإمام في الإسماع صح الإقتداء به وإلا فلا ومنهم من أبطل صلاة المسمع ومنهم من صححها ومنهم من شرط إذن الإمام ومنهم من قال إن تكلف صوتًا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته وكل هذا ضعيف والصحيح جواز كل ذلك وصحة صلاة المسمع والسامع ولا يعتبر إذن الإمام.
1 - عن أبي مسعود عقبة بن عمرو: (أنه ركع فجافى يديه ووضع يديه على ركبتيه وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه وقال هكذا رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي). رواه أحمد وأبو داود والنسائي. 2 - وفي حديث رفاعة بن رافع عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك). رواه أبو داود. الحديث الأول طرف من حديث أبي مسعود. والثاني طرف من حديث رفاعة بن رافع في وصف تعليمه صلى اللَّه عليه وآله وسلم للمسيء صلاته وكلاهما لا مطعن فيه فإن جميع رجال إسنادهما ثقات. قوله (فجافى يديه) أي باعدهما عن جنبيه وهو من الجفاء وهو البعد عن الشيء. قوله (وفرج بين أصابعه) أي فرق بينها جاعلًا لها وراء ركبتيه. قوله (فضع راحتيك) تثنية راحة وهي الكف جمعها راح بغير تاء. قوله (على ركبتيك) فيه رد على أهل التطبيق وسيأتي البحث في ذلك قريبًا. ـ والحديثان ـ يدلان على مشروعية ما اشتملا عليه من هيئات الركوع ولا خلاف في شيء منها بين أهل العلم إلا للقائلين بمشروعية التطبيق. 3 - وعن مصعب بن سعد قال: (صليت إلى جنب أبي فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني عن ذلك وقال كنا نفعل هذا فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب). رواه الجماعة. وفي الباب عن عمر عند النسائي والترمذي وصححه. وعن أنس أشار إليه الترمذي أيضًا. وعن أبي حميد الساعدي وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة إلى تمام عشرة من الصحابة عند الخمسة وقد تقدم. وعن عائشة عند ابن ماجه. قوله (مصعب بن سعد) يعني ابن أبي وقاص. قوله (فطبقت) التطبيق الإلصاق بين باطني الكفين حال الركوع وجعلهما بين الفخذين. قوله (كنا نفعل هذا فأمرنا) لفظ البخاري والترمذي وغيرهما: (كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا) الخ فيه دليل على نسخ التطبيق لأن هذه الصيغة حكمها الرفع قال الترمذي: التطبيق منسوخ عند أهل العلم وقال: لا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون انتهى. وقد روى النووي عن علقمة والأسود أنهما يقولان بمشروعية التطبيق. وأخرج مسلم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد اللَّه فذكر الحديث قال: فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى قال هكذا فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم. وروى ابن خزيمة عن ابن مسعود أنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدًا فقال صدق أخي كنا نفعل ذلك ثم أمرنا بهذا. يعني الإمساك بالركب. وقد اعتذر عن ابن مسعود وصاحبيه بأن الناسخ لم يبلغهم. وقد روى ابن المنذر عن ابن عمر أنه قال إنما فعله النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرة يعني التطبيق قال الحافظ: وإسناده قوي. واستدل ابن خزيمة بقوله نهينا على أن التطبيق غير جائز قال الحافظ: وفيه نظر لاحتمال حمل النهي على الكراهة فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي قال: (إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا) يعني وضعت يديك على ركبتيك (وإن شئت طبقت) وإسناده حسن وهو ظاهر في أنه كان يرى التخيير أو لم يبلغه الناسخ والظاهر ما قاله ابن خزيمة لأن المعنى الحقيقي للنهي على ما هو الحق التحريم وقول الصحابي لا يصلح قرينة لصرفه إلى المجاز.
1 - عن حذيفة قال: (صليت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل ولا آية عذاب إلا تعوذ منها). رواه الخمسة وصححه الترمذي. الحديث أخرجه أيضًا مسلم. قوله (يسأل) أي الرحمة. قوله (تعوذ) أي من العذاب وشر العقاب. قال ابن رسلان: ولا بآية تسبيح إلا سبح وكبر ولا بآية دعاء واستغفار إلا دعا واستغفر وإن مر بمرجو سأل يفعل ذلك بلسانه أو بقلبه. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية هذا التسبيح في الركوع والسجود وقد ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء من أئمة العترة وغيرهم إلى أنه سنة وليس بواجب. وقال إسحاق بن راهويه: التسبيح واجب فإن تركه عمدًا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل. وقال الظاهري: واجب مطلقًا وأشار الخطابي في معالم السنن إلى اختياره. وقال أحمد: التسبيح في الركوع والسجود وقول سمع اللَّه لمن حمده وربنا لك الحمد والذكر بين السجدتين وجميع التكبيرات واجب فإن ترك منه شيئًا عمدًا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو هذا هو الصحيح عنه وعنه رواية أنه سنة كقول الجمهور وقد روي القول بوجوب تسبيح الركوع والسجود عن ابن خزيمة. ـ احتج الموجبون ـ بحديث عقبة بن عامر الآتي بقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وبقول اللَّه تعالى {وسبحوه} ولا وجوب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها وبالقياس على القراءة. ـ واحتج الجمهور ـ بحديث المسيء صلاته فإن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم علمه واجبات الصلاة ولم يعلمه هذه الأذكار مع أنه علمه تكبيرة الإحرام والقراءة فلو كانت هذه الأذكار واجبة لعلمه إياها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فيكون تركه لتعليمه دالًا على أن الأوامر الواردة بما زاد على ما علمه للاستحباب لا للوجوب. ـ والحديث ـ يدل على أن التسبيح في الركوع والسجود يكون بهذا اللفظ فيكون مفسرًا لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم في حديث عقبة (اجعلوها في ركوعكم اجعلوها في سجودكم) وإلى ذلك ذهب الجمهور من أهل البيت وبه قال جميع من عداهم. وقال الهادي والقاسم والصادق أنه سبحان اللَّه العظيم وبحمده في الركوع وسبحان اللَّه الأعلى وبحمده في السجود. واستدلوا بظاهر قوله وبهذا يندفع ما ألزم به صاحب البحر من تلاوة لفظ الآيتين في الركوع والسجود وأما زيادة وبحمده فهي عند أبي داود من حديث عقبة الآتي وعند الدارقطني من حديث ابن مسعود الآتي أيضًا. وعنده أيضًا من حديث حذيفة. وعند أحمد والطبراني من حديث أبي مالك الأشعري وعند الحاكم من حديث أبي جحيفة ولكنه قال أبو داود بعد إخراجه لها من حديث عقبة أنه يخاف أن لا تكون محفوظة. وفي حديث ابن مسعود السري بن إسماعيل وهو ضعيف. وفي حديث حذيفة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف. وفي حديث أبي مالك شهر بن حوشب وقد رواه أحمد والطبراني أيضًا من طريق ابن السعدي عن أبيه بدونها. وحديث أبي جحيفة قال الحافظ: إسناده ضعيف وقد أنكر هذه الزيادة ابن الصلاح وغيره ولكن هذه الطرق تتعاضد فيرد بها هذا الإنكار. وسئل أحمد عنها فقال أما أنا فلا أقول وبحمده انتهى. 2 - وعن عقبة بن عامر قال: (لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. الحديث أخرجه أيضًا الحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه. قوله (اجعلوها) قد تبين بالحديث الأول وبما سيأتي كيفية هذا الجعل والحكمة في تخصيص الركوع بالعظيم والسجود بالأعلى أن السجود لما كان فيه غاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام كان أفضل من الركوع فحسن تخصيصه بما فيه صيغة أفعل التفضيل وهو الأعلى بخلاف العظيم جعلًا للأبلغ مع الأبلغ والمطلق مع المطلق. ـ والحديث ـ يصلح متمسكًا للقائلين بوجوب تسبيح الركوع والسجود وقد تقدم الجواب عنهم. 3 - وعن عائشة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح). رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. قوله (سبوح قدوس) بضم أولهما وبفتحهما والضم أكثر وأفصح. قال ثعلب: كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر. قال الجوهري: سبوح من صفات اللَّه. وقال ابن فارس والزبيدي وغيرهما: سبوح هو اللَّه عز وجل والمراد المسبح والمقدس فكأنه يقول مسبح مقدس. ومعنى سبوح المبرأ من النقائص والشريك وكل ما لا يليق بالإلهية. وقدوس المطهر من كل ما لا يليق بالخالق وهما خبران مبتدؤهما محذوف تقديره ركوعي وسجودي لمن هو سبوح قدوس. وقال الهروي: قيل القدوس المبارك قال القاضي عياض: وقيل فيه سبوحًا قدوسًا على تقدير أسبح سبوحًا أو أذكر أو أعظم أو أعبد. قوله (رب الملائكة والروح) هو من عطف الخاص على العام لأن الروح من الملائكة وهو ملك عظيم يكون إذا وقف كجميع الملائكة. وقيل يحتمل أن يكون جبريل وقيل خلق لا تراهم الملائكة كنسبة الملائكة إلينا. 4 - وعن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك اللَّهم اغفر لي يتأول القرآن). رواه الجماعة إلا الترمذي. قوله (يكثر أن يقول) في رواية: (ما صلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر اللَّه والفتح إلا يقول فيها سبحانك) الحديث وفي بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يواظب على ذلك داخل الصلاة وخارجها. قوله (سبحانك) هو منصوب على المصدرية والتسبيح التنزيه كما تقدم. قوله (وبحمدك) هو متعلق بمحذوف دل عليه التسبيح أي وبحمدك سبحتك ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك علي سبحتك لا بحولي وقوتي. قال القرطبي: ويظهر وجه آخر وهو إبقاء معنى الحمد على أصله وتكون الباء باء السببية ويكون معناه بسبب أنك موصوف بصفات الكمال والجلال سبحك المسبحون وعظمك المعظمون. وقد روي بحذف الواو من قوله وبحمدك وبإثباتها. قوله (اللَّهم اغفر لي) يؤخذ منه إباحة الدعاء في الركوع وفيه رد على من كرهه فيه كمالك. ـ واحتج من قال ـ بالكراهة بحديث مسلم وأبي داود والنسائي بلفظ: (أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء) الحديث وسيأتي ولكنه لا يعارض ما ورد من الأحاديث الدالة على إثبات الدعاء في الركوع لأن تعظيم الرب فيه لا ينافي الدعاء كما أن الدعاء في السجود لا ينافي التعظيم. قال ابن دقيق العيد: ويمكن أن يحمل حديث الباب على الجواز وذلك على الأولوية ويحتمل أنه أمر في السجود بتكثير الدعاء والذي وقع في الركوع من قوله اللَّهم اغفر لي ليس كثيرًا. قوله (يتأول القرآن) يعني قوله تعالى 5 - وعن عون بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن مسعود: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إذا ركع أحدهم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه). رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وهو مرسل عون لم يلق ابن مسعود. الحديث قال أبو داود: مرسل كما قال المصنف قال: لأن عونًا لم يدرك عبد اللَّه وذكره البخاري في تاريخه الكبير وقال: مرسل. وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل انتهى. وعون هذا ثقة سمع جماعة من الصحابة وأخرج له مسلم. وفي الحديث مع الإرسال إسحاق بن يزيد الهذلي راويه عن عون لم يخرج له في الصحيح. قال ابن سيد الناس: لا نعلمه وثق ولا عرف إلا برواية ابن أبي ذئب عنه خاصة فلم ترتفع عنه الجهالة العينية ولا الحالية. قوله (وذلك أدناه) في الموضعين أي أدنى الكمال وفيه إشعار بأنه لا يكون المصلي متسننًا بدون الثلاث. وقد قال الماوردي: إن الكمال إحدى عشرة أو تسع وأوسطه خمس ولو سبح مرة حصل التسبيح. وروى الترمذي عن ابن المبارك وإسحاق بن راهويه أنه يستحب خمس تسبيحات للإمام وبه قال الثوري ولا دليل على تقييد الكمال بعدد معلوم بل ينبغي الاستكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة من غير تقييد بعدد. وإما إيجاب سجود السهو فيما زاد على التسع واستحباب أن يكون عدد التسبيح وترًا لا شفعًا فيما زاد على الثلاث فمما لا دليل عليه. 6 - وعن سعيد بن جبير عن أنس قال: (ما صليت وراء أحد بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أشبه صلاة برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات). رواه أحمد وأبو داود والنسائي. الحديث رجال إسناده كلهم ثقات إلا عبد اللَّه بن إبراهيم بن عمر بن كيسان أبو يزيد الصنعاني قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس وليس له عند أبي داود والنسائي إلا هذا الحديث. قوله (فحزرنا) أي قدرنا. قوله (عشر تسبيحات) قيل فيه حجة لمن قال إن كمال التسبيح عشر تسبيحات والأصح أن المنفرد يزيد في التسبيح ما أراد وكلما زاد كان أولى والأحاديث الصحيحة في تطويله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ناطقة بهذا وكذلك الإمام إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل. [فائدة] من الأذكار المشروعة في الركوع والسجود ما تقدم في حديث علي عليه السلام في باب الاستفتاح. ومنها ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عوف بن مالك الأشجعي: (أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ثم قال في سجوده مثل ذلك) ومنها ما أخرجه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة: (أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول في سجوده اللَّهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره وعلانيته وسره) ومنها ما أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة: (أنها سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول في سجوده في صلاة الليل أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) وقد ورد الأذن بمطلق التعظيم في الركوع وبمطلق الدعاء في السجود كما سيأتي في الباب الذي بعد هذا.
|