الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1 - عن هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة فيحمد اللَّه ويذكره ويدعو ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة فيجلس فيذكر اللَّه ويدعو ثم يسلم تسليمة يسمعنا ثم يصلي ركعتين وهو جالس فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم فيصلي السابعة ثم يسلم تسليمة ثم يصلي ركعتين وهو جالس). رواه أحمد والنسائي. وفي رواية لأحمد في هذه القصة: (ثم يسلم تسليمة واحدة السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا). 2 - وعن ابن عمر قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها). رواه أحمد. أما حديث عائشة فأخرج نحوه أيضًا الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارقطني بلفظ: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه) قال الدارقطني في العلل: رفعه عن زهير بن محمد عن هشام عن أبيه عنها عمرو بن سلمة وعبد الملك الصنعاني وخالفهما الوليد فوقفه عليها أو قال عقبة قال الوليد قلت لزهير أبلغك عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيه شيء قال نعم أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فبين أن الرواية المرفوعة وهم. وكذا رجح رواية الوقف الترمذي والبزار وأبو حاتم وقال في المرفوع: إنه منكر. وقال ابن عبد البر: لا يصح مرفوعًا ولم يرفعه عن هشام غير زهير وهو ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به اهـ. وزهير لا ينتهي إلى هذه الدرجة في التضعيف فقد قال أحمد: إنه مستقيم الحديث وقال صالح بن محمد: إنه ثقة صدوق وقال موسى بن هارون: أرجو أنه صدوق. وقال الدارمي: ثقة له أغاليط كثيرة ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم: محله الصدق وفي حفظه سوء. وقد أخرج له الشيخان ولكنه روى الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل أنه قال: كأن زهير بن محمد هذا ليس هو الذي يروى عنه بالعراق وكأنه رجل آخر قلبوا اسمه. وقال الحاكم: رواه وهيب عن عبيد اللَّه بن عمر عن القاسم عن عائشة مرفوعًا وهذا إسناد صحيح. ورواه بقي بن مخلد في مسنده من رواية عاصم عن هشام بن عروة مرفوعًا وهاتان الطريقتان فيهما متابعة لزهير فيقوى حديثه. قال الحافظ: وعاصم عندي هو ابن عمر وهو ضعيف وهم من زعم أنه ابن سليمان الأحول. وأخرجه ابن حبان في صحيحه والسراج في مسنده عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة باللفظ الذي ذكره المصنف. قال الحافظ: وإسناده على شرط مسلم ولم يستدركه الحاكم مع أنه أخرج حديث زهير بن محمد انتهى. وقد قدمنا أنه أخرج له البخاري أيضًا فهو على شرط مسلم فقط وبما ذكرنا تعرف عدم صحة قول العقيلي: ولا يصح في تسليمة واحدة شيء. وكذا قول ابن القيم: إنه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح. وأما حديث ابن عمر فأخرجه أيضًا ابن حبان وابن السكن في صحيحيهما والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر بلفظ: (كان يفصل بين الشفع والوتر) وقد عقد صاحب مجمع الزوائد لذلك بابًا فقال باب الفصل بين الشفع والوتر عن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي في الحجرة وأنا في البيت فيفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها) رواه الطبراني في الأوسط وفيه إبراهيم بن سعيد وهو ضعيف انتهى. ولم يذكر في هذا الباب إلا هذا الحديث. ـ وفي الباب ـ عن سهل بن سعد عند ابن ماجه بلفظ: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه) وفي إسناده عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد. وقد قال البخاري: إنه منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وعن سلمة بن الأكوع عند ابن ماجه أيضًا بلفظ: (رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلم مرة واحدة) وفي إسناده يحيى بن راشد البصري قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. وعن أنس عند ابن أبي شيبة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سلم تسليمة واحدة) وعن الحسن مرسلًا: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة) ذكره ابن أبي شيبة. وقال حدثنا أبو خالد عن حميد قال: (كان أنس يسلم واحدة) وحدثنا أبو خالد عن سعيد بن مرزبان قال صليت خلف ابن أبي ليلى فسلم واحدة ثم صليت خلف علي فسلم واحدة وذكر مثله عن أبي وائل ويحيى بن وثاب وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين والقاسم بن محمد وعائشة وأنس وأبي العالية وأبي رجاء وابن أبي أوفى وابن عمر وسعيد بن جبير وسويد وقيس ابن أبي حازم بأسانيده إليهم وذكر ذلك عبد الرزاق عن الزهري. قال الترمذي: ورأى قوم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والتابعين وغيرهم تسليمة واحدة في المكتوبة قال: وأصح الروايات عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم تسليمتان وعليه أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم انتهى. ـ وقد احتج ـ بهذه الأحاديث المذكورة ههنا من قال بمشروعية تسليمة واحدة وقد قدمنا ذكرهم في الباب الأول وقد اشتمل حديث عائشة على صفتين من صفات صلاة الوتر وسيأتي الكلام على ذلك في بابه وكذلك يأتي الكلام في صلاة الركعتين بعد الوتر.
1 - قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (وتحليلها التسليم). وعن زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن الحسن بن مخيمرة قال: (أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد اللَّه بن مسعود أخذ بيده وأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخذ بيد عبد اللَّه فعلمه التشهد في الصلاة ثم قال: إذا قلت هذا وقضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد). رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وقال: الصحيح أن قوله (إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك) من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود. وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه. الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم (وتحليلها التسليم) هو من رواية علي ابن أبي طالب رضي اللَّه عنه وقد تقدم لفظه وذكر من خرجه والكلام عليه في باب افتراض افتتاح الصلاة بالتكبير وهو من جملة ما تمسك به القائلون بوجوب التسليم لأن الإضافة في قوله (وتحليلها) تقتضي الحصر فكأنه قال جميع تحليلها التسليم أي انحصر تحليلها في التسليم لا تحليل لها غيره وسيأتي ذكر القائلين بالوجوب وذكر الجواب عليهم. وأما حديث ابن مسعود فقال البيهقي في الخلافيات: إنه كالشاذ من قول عبد اللَّه وإنما جعله كالشاذ لأن أكثر أصحاب الحسن بن الحر لم يذكروا هذه الزيادة لا من قول ابن مسعود مفصولة من الحديث ولا مدرجة في آخره وإنما رواه بهذه الزيادة عبد الرحمن بن ثابت عن الحسن فجعلها من قول ابن مسعود وزهير بن معاوية عن الحسن فأدرجها في آخر الحديث في قول أكثر الرواة عنه ورواها شبابة بن سوار عنه مفصولة كما ذكر الدارقطني. وقد روى البيهقي من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود ما يخالف هذه الزيادة بلفظ: (مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم إذا سلم الإمام فقم إن شئت) قال: وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود. وقال ابن حزم: قد صح عن ابن مسعود إيجاب السلام فرضًا وذكر رواية أبي الأحوص هذه عنه. قال البيهقي: إن تعليم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم التشهد لابن مسعود كان قبل فرض التسليم ثم فرض بعد ذلك. وقد صرح بأن تلك الزيادة المذكورة في حديث الباب مدرجة جماعة من الحفاظ منهم الحاكم والبيهقي والخطيب وقال البيهقي في المعرفة: ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهم من زهير بن معاوية. وقال النووي في الخلاصة: اتفق الحفاظ على أنها مدرجة انتهى. وقد رواه عن الحسن بن الحر حسين الجعفي ومحمد بن عجلان ومحمد بن أبان فاتفقوا على ترك هذه الزيادة في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك. ـ والحديث ـ يدل على عدم وجوب السلام وقد ذهب إلى ذلك أبو حنيفة والناصر وروى ذلك الترمذي عن أحمد وإسحاق بن راهويه. ورواه أيضًا عن بعض أهل العلم. قال العراقي: وروي عن علي بن أبي طالب وعبد اللَّه بن مسعود. وذهب إلى الوجوب أكثر العترة والشافعي قال النووي في شرح مسلم: وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. ـ واحتجوا ـ بحديث تحليلها التسليم وهو لا ينتهض للاحتجاج به إلا بعد تسليم تأخره عن حديث المسيء لما عرفناك في شرحه من أنه لا يثبت الوجوب إلا بما علم تأخره عنه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بالإجماع لا سيما وقد ثبت في بعض الروايات: (فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك) كما قدمنا ذلك. إذا عرفت هذا تبين لك أن هذا الحديث لا يكون حجة يجب التسليم لها إلا بعد العلم بتأخره. ويؤيد القول بعدم الوجوب حديث ابن مسعود المذكور في الباب وحديث ابن عمر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: ليس إسناده بذاك القوي وقد اضطربوا في إسناده وإنما أشار إلى عدم قوة إسناده لأن فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه بعض أهل العلم. وقال النووي في شرح المهذب: إنه ضعيف باتفاق الحفاظ وفيه نظر فإنه قد وثقه غير واحد منهم زكريا الساجي وأحمد بن صالح المصري وقال يعقوب بن سفيان: لا بأس به وقال يحيى بن معين: ليس به بأس. وأما الاستدلال للوجوب بحديث سمرة بن جندب المتقدم فهو أيضًا لا ينتهض لذلك إلا بعد تسليم تأخره لما عرفت على أنه أخص من الدعوى لأن غاية ما فيه أمر المؤتمين بالرد على الإمام والتسليم على بعضهم بعضًا وليس فيه ذكر المنفرد والإمام على أن الأمر بالرد على الإمام صيغته غير صيغة السلام الذي للخروج الذي هو محل النزاع فلا يصلح للتمسك به على الوجوب. وأما اعتذار صاحب ضوء النهار عن الحديث بهجر ظاهره بإسقاط التحاب المذكور فيه فغير صحيح لأن التحاب المأمور به هو الموالاة بين المؤمنين وهي واجبة فلم يهجر ظاهره. وقد احتج المهدي في البحر بقوله تعالى {ويسلموا تسليمًا} وبقوله تعالى {فسلموا} وهو غفلة عن سببهما (فإن قال) الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لزمه إيجاب السلام في غير الصلاة وقد أجمع الناس على عدم وجوبه فإن قال الإجماع صارف عن وجوبه خارج الصلاة قلنا سلمنا فحديث المسيء صارف عن الوجوب في محل النزاع مع عدم العلم بالتأخر.
1 - عن ثوبان قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال اللَّهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام). رواه الجماعة إلا البخاري. قوله (إذا انصرف) قال النووي: المراد بالانصراف السلام. قوله (استغفر ثلاثًا) فيه مشروعية الاستغفار ثلاثًا وقد استشكل استغفاره صلى اللَّه عليه وآله وسلم مع أنه مغفور له. قال ابن سيد الناس: هو وفاء بحق العبودية وقيام بوظيفة الشكر كما قال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا) وليبين للمؤمنين سننه فعلًا كما بينها قولًا في الدعاء والضراعة ليقتدى به في ذلك. قوله (أنت السلام ومنك السلام) السلام الأول من أسماء اللَّه تعالى والثاني السلامة. قوله (تباركت) تفاعلت من البركة وهي الكثرة والنماء ومعناه تعاظمت إذ كثرت صفات جلالك وكمالك. 2 - وعن عبد اللَّه بن الزبير: (أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا اللَّه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون قال: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة). رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. قوله (في دبر كل صلاة) بضم الدال على المشهور في اللغة والمعروف في الروايات قاله النووي. وقال أبو عمر المطرز في كتاب اليواقيت: دبر كل شيء بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة وغيرها قال: هذا هو المعروف في اللغة وأما الجارحة فبالضم. وقال الداودي عن ابن الأعرابي: دبر الشيء بالضم والفتح آخر أوقاته والصحيح الضم كما قال النووي ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره. وفي القاموس الدبر بضمتين نقيض القبل ومن كل شيء عقبه وبفتحتين الصلاة في آخر وقتها. قوله (حين يسلم) فيه أنه ينبغي أن يكون هذا الذكر واليًا للسلام مقدمًا على غيره لتقييد القول به بوقت التسليم. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة مرة واحدة لعدم ما يدل على التكرار. 3 - وعن المغيرة بن شعبة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللَّهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد). متفق عليه. قوله (في دبر) تقدم ضبطه وتفسيره. قوله قوله (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قد تقدم ضبط ذلك وتفسيره في باب ما يقول في رفعه من الركوع. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة وظاهره أنه يقول ذلك مرة ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة أنه كان يقول الذكر المذكور ثلاث مرات. قال الحافظ في الفتح: وقد اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور زيادة: (ولا راد لما قضيت) وهو في مسند عبد بن حميد من رواية معمر عن عبد الملك بهذا الإسناد لكن حذف قوله (ولا معطي لما منعت) ووقع عند الطبراني تامًا من وجه آخر. 4 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح اللَّه في دبر كل صلاة عشرًا ويكبره عشرًا ويحمده عشرًا. قال: فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعقدها بيده فتلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان وإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد وكبر مائة مرة فتلك مائة باللسان وألف بالميزان). رواه الخمسة وصححه الترمذي. الحديث ذكره الترمذي في الدعوات وزاد فيه النسائي بعد قوله (وألف بالميزان قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: فأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة قيل: يا رسول اللَّه وكيف لا يحصيها قال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته يقول اذكر كذا اذكر كذا ويأتيه عند منامه فينيمه). قوله (خصلتان) هما المفسرتان بقوله في الحديث (يسبح اللَّه) وبقوله (وإذا آوى إلى فراشه). قوله (يسبح اللَّه في دبر كل صلاة عشرًا) اعلم أن الأحاديث وردت بأعداد مختلفة في التسبيح والتكبير والتحميد وسنشير ههنا إليها: (أما التسبيح) فورد كونه عشرًا كما في حديث الباب وحديث أنس عند الترمذي والنسائي وحديث سعد بن أبي وقاص عند النسائي. وعلي بن أبي طالب عند أحمد وأم مالك الأنصارية عند الطبراني وورد ثلاثًا وثلاثين كما في حديث ابن عباس عند الترمذي والنسائي وحديث كعب بن عجرة عند مسلم والترمذي والنسائي وحديث أبي هريرة عند الشيخين وحديث أبي الدرداء عند النسائي. وورد خمسًا وعشرين كما في حديث زيد بن ثابت عند النسائي وعبد اللَّه بن عمر عند النسائي أيضًا. وورد إحدى عشرة كما في بعض طرق حديث ابن عمر عند البزار. وورد ستًا كما في بعض طرق حديث أنس. وورد مرة كما في بعض طرق حديث أنس أيضًا عند البزار. وورد سبعين كما في حديث أبي زميل عند الطبراني في الكبير وفي إسناده جهالة. وورد مائة كما في بعض طرق حديث أبي هريرة عند النسائي وفيه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح وهو ضعيف. (وأما التكبير) فورد كونه أربعًا وثلاثين كما في حديث ابن عباس عند الترمذي والنسائي وحديث كعب بن عجرة عند مسلم والترمذي والنسائي وأبي الدرداء عند النسائي كما تقدم في التسبيح وأبي هريرة عند مسلم في بعض الروايات وأبي ذر عند ابن ماجه وابن عمر عند النسائي وزيد بن ثابت عند النسائي. وعن عبد اللَّه بن عمرو عند الترمذي والنسائي. وورد ثلاثًا وثلاثين من حديث أبي هريرة عند الشيخين. وعن رجل من الصحابة عند النسائي في عمل اليوم والليلة. وورد خمسًا وعشرين كما في حديث زيد بن ثابت وعبد اللَّه بن عمر عند من تقدم في التسبيح خمس وعشرون. وورد إحدى عشرة كما في بعض طرق حديث ابن عمر عند البزار كما تقدم في التسبيح وعشرًا كما في حديث الباب وعن أنس وسعد بن أبي وقاص وعلي وأم مالك عند من تقدم في تسبيح هذا المقدار ومائة كما في حديث من ذكرنا في تسبيح هذا المقدار وعند من تقدم. (وأما التحميد) فورد كونه ثلاثًا وثلاثين وخمسًا وعشرين وإحدى عشرة وعشرًا ومائة كما في الأحاديث المذكورة في أعداد التسبيح وعند من رواها. وكل ما ورد من هذه الأعداد فحسن إلا أنه ينبغي الأخذ بالزائد فالزائد. قوله (فتلك خمسون ومائة باللسان) وذلك لأن بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ثلاثين تسبيحة وتحميدة وتكبيرة وبعد جميع الخمس صلوات مائة وخمسين وقد صرح بهذا النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: (ما يمنع أحدكم أن يسبح دبر كل صلاة عشرًا ويكبر عشرًا ويحمد عشرًا فذلك في خمس صلوات خمسون ومائة) ثم ساق الحديث بنحو حديث عبد اللَّه بن عمر. قوله (وألف وخمسمائة في الميزان) وذلك لأن الحسنة بعشرة أمثالها فيحصل من تضعيف المائة والخمسين عشر مرات ألف وخمسمائة. قوله (وألف بالميزان) لمثل ما تقدم. ـ والحديث ـ يدل على مشروعية التسبيح والتكبير والتحميد بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة وتكريره عشر مرات. قال العراقي في شرح الترمذي: كان بعض مشايخنا يقول: إن هذه الأعداد الواردة عقب الصلاة أو غيرها من الأذكار الواردة في الصباح والمساء وغير ذلك إذا ورد لها عدد مخصوص مع ثواب مخصوص فزاد الآتي بها في أعدادها عمدًا لا يحصل له ذلك الثواب الوارد على الإتيان بالعدد الناقص فلعل لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة تلك الأعداد وتعديها ولذلك نهى عن الاعتداء في الدعاء وفيما قاله نظر لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب فلا تكون الزيادة عليه مزيلة له بعد الحصول بذلك العدد الوارد. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: من قال لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك) الحديث. ولمسلم من حديث أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان اللَّه وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه) وقد يقال إن هذا واضح في الذكر الواحد الوارد بعدد مخصوص. وأما الأذكار التي يعقب كل عدد منها عدد مخصوص من نوع آخ كالتسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلوات فقد يقال إن الزيادة في كل عدد زيادة لم يرد بها نص يقطع التتابع بينه وبين ما بعده من الأذكار وربما كان لتلك الأعداد المتوالية حكمة خاصة فينبغي أن لا يزاد فيها على العدد المشروع. قال العراقي: وهذا محتمل لا تأباه النصوص الواردة في ذلك وفي التعبد بالألفاظ الواردة في الأذكار والأدعية كقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم للبراء: (قل ونبيك الذي أرسلت) انتهى. وهذا مسلم في التعبد بالألفاظ لأن العدول إلى لفظ آخر لا يتحقق معه الامتثال. وأما الزيادة في العدد فالامتثال متحقق لأن المأمور به قد حصل على الصفة التي وقع الأمر بها وكون الزيادة عليه مغيرة له غير معقول. وقيل إن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فقد حصل الامتثال وإن زاد بغير نية لم يعد ممتثلًا. 5 - وعن سعد بن أبي وقاص: (أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة اللَّهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر). رواه البخاري والترمذي وصححه. قوله (من البخل) بضم الباء الموحدة وإسكان الخاء المعجمة وبفتحهما وبضمهما وبفتح الباء وإسكان الخاء ضد الكرم ذكر معنى ذلك في القاموس وقد قيده بعضهم في الحديث بمنع ما يجب إخراجه من المال شرعًا أو عادة ولا وجه له لأن البخل بما ليس بواجب من غرائز النقص المضادة للكمال فالتعوذ منها حسن بلا شك فالأولى تبقية الحديث على عمومه وترك التعرض لتقييده بما لا دليل عليه. قوله (والجبن) بضم الجيم وسكون الباء وتضم المهابة للأشياء والتأخر عن فعلها وإنما تعوذ منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأنه يؤدي إلى عدم الوفاء بفرض الجهاد والصدع بالحق وإنكار المنكر ويجر إلى الإخلال بكثير من الواجبات. قوله قوله (من فتنة الدنيا) هي بالاغترار بشهواتها المفضي إلى ترك القيام بالواجبات وقد تقدم الكلام على ذلك في شرح حديث التعوذ من الأربع لأن فتنة الدنيا هي فتنة المحيا. قوله (من عذاب القبر) قد تقدم شرحه في شرح حديث التعوذ من الأربع أيضًا وإنما خص صلى اللَّه عليه وآله وسلم هذه المذكورات بالتعوذ منها لأنها من أعظم الأسباب المؤدية إلى الهلاك باعتبار ما يتسبب عنها من المعاصي المتنوعة. 6 - وعن أم سلمة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم اللَّهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا وعملًا متقبلًا). رواه أحمد وابن ماجه. الحديث أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة عن شبابة عن شعبة عن موسى ابن أبي عائشة عن مولى لأم سلمة عن أم سلمة. ورواه ابن ماجه في سننه عن أبي بكر ابن أبي شيبة بهذا الإسناد ورجاله ثقات لولا جهالة مولى أم سلمة وإنما قيد العلم بالنافع والرزق بالطيب والعمل بالمتقبل لأن كل علم لا ينفع فليس من عمل الآخرة وربما كان من ذرائع الشقاوة ولهذا كان صلى اللَّه عليه وآله وسلم يتعوذ من علم لا ينفع. وكل رزق غير طيب موقع في ورطة العقاب وكل عمل غير متقبل إتعاب للنفس في غير طائل. اللَّهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ورزق لا يطيب وعمل لا يتقبل. 7 - وعن أبي أمامة قال: (قيل يا رسول اللَّه أي الدعاء أسمع قال: جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات). رواه الترمذي. الحديث حسنه الترمذي وهو من طريق محمد بن يحيى الثقفي المروزي عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وفيه تصريح بأن جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات من أوقات الإجابة. وقد أخرج مسلم من حديث جابر قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللَّه تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة) فيمكن أن يقيد مطلق جوف الليل المذكور في حديث الباب بساعة من ساعاته كما في حديث جابر. وقد وردت أذكار عقب الصلوات غير ما ذكره المصنف. منها حديث أبي أمامة عند النسائي وصححه ابن حبان قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت) وزاد الطبراني: (وقل هو اللَّه أحد) ومنها ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث زيد بن أرقم قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول دبر كل صلاة اللَّهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك اللَّهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمدًا صلى اللَّه عليه وآله وسلم عبدك ورسولك اللَّهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة اللَّهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصًا لك وأهلي في كل ساعة من الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام اسمع واستجب اللَّه أكبر الأكبر اللَّهم نور السماوات والأرض اللَّه أكبر الأكبر حسبي ونعم الوكيل اللَّه أكبر الأكبر) وفي إسناده داود الطفاوي قال ابن معين: ليس بشيء. وأخرج أبو داود من حديث علي قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللَّهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر) وأخرجه الترمذي أيضًا وقال: حديث حسن صحيح. وأخرج أبو داود والنسائي والترمذي من حديث عقبة بن عامر: (أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة) قال الترمذي: حديث غريب. وأخرج مسلم من حديث البراء أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول بعد الصلاة (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) ومنها عند الطبراني في الأوسط بلفظ: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول دبر كل صلاة اللَّهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار وعذاب القبر) ومنها عند أحمد والطبراني في الكبير بلفظ: (اللَّهم أصلح لي ديني ووسع لي داري وبارك لي في رزقي) وعند الترمذي: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد للَّه رب العالمين) وأخرجه أيضًا أبو بكر ابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد. وعند الطبراني: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا صلى وفرغ من صلاته يمسح يمينه على رأسه ويقول بسم اللَّه الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم اللَّهم أذهب عني الهم والحزن) وعند النسائي التهليل مائة مرة. هذه الأذكار وردت في أدبار الصلوات غير مقيدة ببعضها. وورد عقب المغرب والفجر بخصوصهما عند أحمد والنسائي: (من قال قبل أن ينصرف منهما لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات وكان يومه في حرز من الشيطان). وبعدهما أيضًا قبل أن يتكلم عند أبي داود وابن حبان في صحيحه: (اللَّهم أجرني من النار سبع مرات) وعقب صلاة الفجر عند الترمذي وقال حسن صحيح: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب اللَّه له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان لم ينبغي لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك باللَّه عز وجل) وأخرجه أيضًا النسائي وزاد فيه (بيده الخير) وعقب المغرب عند الترمذي وحسنه والنسائي من حديث عمارة بن شبيب قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من قال لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات على أثر المغرب بعث اللَّه له ملائكة يحفظونه من الشيطان الرجيم حتى يصبح ويكتب له بها عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات موبقات وكانت له بعدل عشر رقبات مؤمنات) وفي إسناده رشدين بن سعد وفيه مقال.
1 - عن عائشة قالت: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللَّهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام). رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه. الحديث قد تقدم شرح ألفاظه في الباب الأول وساقه المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية قيام الإمام من موضعه الذي صلى فيه بعد سلامه وقد ذهب بعض المالكية إلى كراهة المقام للإمام في مكان صلاته بعد السلام. ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق من حديث أنس قال: (صليت وراء النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكان ساعة يسلم يقوم ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب فكأنما يقوم عن رضفة) ويؤيده أيضًا ما سيأتي في باب لبث الإمام أنه كان يمكث صلى اللَّه عليه وآله وسلم في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم لكي ينصرف النساء فإنه يشعر بأن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع وقد عورض هذا بما تقدم من الأحاديث الدالة على استحباب الذكر بعد الصلاة وأنت خبير بأنه لا ملازمة بين مشروعية الذكر بعد الصلاة والقعود في المكان الذي صلى المصلي تلك الصلاة فيه لأن الامتثال يحصل بفعله بعدها سواء كان ماشيًا أو قاعدًا في محل آخر نعم ما ورد مقيدًا نحو قوله (وهو ثان رجليه) وقوله (قبل أن ينصرف) كان معارضًا ويمكن الجمع بحمل مشروعية الإسراع على الغالب كما يشعر به لفظ كان أو على ما عدا ما ورد مقيدًا بذلك من الصلوات أو على أن اللبث مقدار الإتيان بالذكر المقيد لا ينافي الإسراع فإن اللبث مقدار ما ينصرف النساء ربما اتسع لأكثر من ذلك. 2 - وعن سمرة قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه). رواه البخاري. 3 - وعن البراء بن عازب قال: (كنا إذا صلينا خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل علينا بوجهه). رواه مسلم وأبو داود. الحديث الأول ذكره البخاري في الصلاة بهذا اللفظ وذكره في الجنائز مطولًا وهو يدل على مشروعية استقبال الإمام للمؤتمين بعد الفراغ من الصلاة والمواظبة على ذلك لما يشعر به لفظ كان كما تقرر في الأصول. قال النووي: المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزمها الدوام ولا التكرار وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة انتهى. قيل والحكمة في استقبال المؤتمين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه وعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الصلاحية للتعليم والموعظة. وقيل الحكمة أن يعرف الداخل انقضاء الصلاة إذ لو استمر الإمام على حاله وهم أنه في التشهد مثلًا. وقال الزين ابن المنير: استدبار الإمام للمأمومين إنما هو لحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب واستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين. ـ والحديث الثاني ـ يدل على أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقبل على من في جهة الميمنة ويمكن الجمع بين الحديثين بأنه كان تارة يستقبل جميع المؤتمين وتارة يستقبل أهل الميمنة أو يجعل حديث البراء مفسرًا لحديث سمرة فيكون المراد بقوله (أقبل علينا) أي على بعضنا أو أنه كان يصلي في الميمنة فقال ذلك باعتبار من يصلي في جهة اليمين. ـ وفي الباب ـ عن زيد بن خالد الجهني قال: (صلى لنا صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس) الحديث أخرجه البخاري والمراد بقوله انصرف أي من صلاته أو مكانه كذا قال الحافظ وهو على التفسير الأول من أحاديث الباب. وكذا ذكره البخاري في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم. ومن أحاديث الباب ما أخرجه البخاري عن أنس قال: (أخر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل ثم خرج علينا فلما صلى أقبل علينا بوجهه). 4 - وعن يزيد بن الأسود قال: (حججنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حجة الوداع قال: فصلى بنا صلاة الصبح ثم انحرف جالسًا فاستقبل الناس بوجهه وذكر قصة الرجلين اللذين لم يصليا قال: ونهض الناس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده قال: فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأخذت بيده فوضعتها إما على وجهي أو صدري قال: فما وجدت شيئًا أطيب ولا أبرد من يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: وهو يومئذ في مسجد الخيف). رواه أحمد. وفي رواية أيضًا: (أنه صلى الصبح مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم) فذكر الحديث قال: (ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم قال: فأخذت بيده فمسحت بها وجهي فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحًا من المسك). الحديث أخرجه أيضًا أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح لكن بلفظ: (شهدت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف) ثم ذكروا قصة الرجلين وفي إسناده جابر بن يزيد بن الأسود السوائي عن أبيه روى عنه يعلى بن عطاء. قال ابن المديني: لم يرو عنه غيره وقد وثقه النسائي. قوله (فاستقبل الناس بوجهه) فيه دليل على مشروعية ذلك وقد تقدم الكلام فيه. قوله (وذكر قصة الرجلين اللذين لم يصليا) لفظهما عند الترمذي وأبي داود والنسائي: (فلما قضى صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال: عليَّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال: ما منعكما أن تصليا معنا فقالا: يا رسول اللَّه إنا كنا صلينا في رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) وسيأتي الكلام على ذلك في أبواب الجماعة. قوله (وأجلده) جعل ضمير الجماعة مفردًا لغة قليلة ومنه هو أحسن الفتيان وأجمله. ومنه أيضًا قول الشاعر: إن الأمور إذا الأحداث دبرها * دون الشيوخ ترى في بعضها خللا قوله (فوضعتها إما على وجهي أو صدري) فيه مشروعية التبرك بملامسة أهل الفضل لتقرير النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم له على ذلك. وكذلك قوله (ثم ثار الناس بيده يمسحون بها وجوههم). 5 - وعن أبي جحيفة قال: (خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة تمر من ورائها المرأة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك). رواه أحمد والبخاري. الحديث أخرجه البخاري مطولًا ومختصرًا في مواضع من كتابه ذكره في الطهارة وفي باب الصلاة في الثوب الأحمر في أوائل كتاب الصلاة وفي الأذان وفي أبواب السترة في موضعين وفي صفة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في موضعين. وفي اللباس في موضعين. قوله (إلى البطحاء) يعني بطحاء مكة وهو موضع خارج مكة وهو الذي يقال له الأبطح. وقوله (بالهاجرة) يستفاد منه أنه جمع تقديم ويحتمل أن يكون قوله (والعصر ركعتين) أي بعد دخول وقتها. قوله (عنزة) هي الحربة القصيرة. قوله (تمر من ورائها المرأة) فيه متمسك لمن قال أن المرأة لا تقطع الصلاة وسيأتي الكلام على ذلك. قوله (فيمسحون بها وجوههم) فيه مشروعية التبرك كما تقدم. ـ والحديث ـ لا يطابق الترجمة التي ذكرها المصنف لأن قيام الناس إليه لا يستلزم أنه باق في المكان الذي صلى فيه فضلًا عن استقباله للمصلين.
1 - عن ابن مسعود قال: (لا يجعلن أحدكم للشيطان شيئًا من صلاته يرى أن حقًا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كثيرًا ينصرف عن يساره) وفي لفظ: (أكثر انصرافه عن يساره). رواه الجماعة إلا الترمذي. 2 - وعن أنس قال: (أكثر ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ينصرف عن يمينه). رواه مسلم والنسائي. 3 - وعن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يؤمنا فينصرف عن جانبيه جميعًا على يمينه وعلى شماله). رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي. وقال: صح الأمران عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم. الحديث الثالث حسنه الترمذي وصححه ابن عبد البر في الاستيعاب وذكره عبد الباقي ابن قانع في معجمه من طرق متعددة وفي إسناده قبيصة بن هلب وقد رماه بعضهم بالجهالة ولكنه وثقه العجلي وابن حبان ومن عرف حجة على من لم يعرف. ـ وفي الباب ـ عن عبد اللَّه بن عمرو عند ابن ماجه بلفظ: (رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة). قوله في الحديث الأول (شيئًا من صلاته) في رواية مسلم (جزءًا من صلاته). قوله (يرى) بفتح أوله أي يعتقد ويجوز الضم أي يظن. قوله (أن حقًا عليه) هو بيان للجعل في قوله لا يجعلن. قوله (أن لا ينصرف) أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه. وظاهر قوله في حديث ابن مسعود (أكثر انصرافه عن يساره). وقوله في حديث أنس (أكثر ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ينصرف عن يمينه) المنافاة لأن كل واحد منهما قد استعمل فيه صيغة أفعل التفضيل. قال النووي: ويجمع بينهما بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين. قال الحافظ: ويمكن الجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد لأن حجرة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحالة السفر ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجمل وأكثر ملازمة للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأقرب إلى مواقفه في الصلاة من أنس. وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي. وبأن حديث ابن مسعود متفق عليه. وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم. قال: ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر وهو أن من قال كان أكثر انصرافه عن يساره نظرًا إلى هيئته في حالة الصلاة ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظرًا إلى هيئته في حال استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة ومن ثم قال العلماء يستحب الانصراف إلى جهة حاجته لكن قالوا إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن. قال ابن المنير: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها لأن التيامن مستحب في كل شيء لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته. قال الترمذي بعد أن ساق حديث هلب: وعليه العمل عند أهل العلم قال: ويروى عن علي أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره.
|