الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***
(وَإِنْ أَتَى بِرَمْزِ رَاوٍ) فِي كِتَابٍ جَمَعَ فِيهِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْآتِيَةِ فِي تَرْجَمَةٍ مَعْقُودَةٍ لِذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَ لَهُ الْكِتَابُ مِنْهَا، كَالْبُخَارِيِّ مَثَلًا مِنْ رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ النَّسَفِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ النَّسَوِيِّ، وَأَبِي طَلْحَةَ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيِّ، كُلُّهِمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِأَنْ جَعَلَ لِلْفَرَبْرِيِّ مَثَلًا (ف) وَلِلنَّسَفِيِّ (س) وَلِحَمَّادٍ (حَ) وَلِلْبَزْدَوِيِّ (ط) أَوْ لِبَعْضِهِمْ بِالْحُمْرَةِ وَلَآخَرَ بِالْخُضْرَةِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اصْطَلَحَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُفْصِحْ بِذِكْرِ الرَّاوِي بِتَمَامِهِ إِيثَارًا لِلتَّخْفِيفِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ، كَمَا اخْتَصَرُوا: ثَنَا وَأَنَا وَنَحْوَهُمَا، أَوِ ابْتَكَرَ اصْطِلَاحًا فِي الْمُهْمَلِ (مَيَّزَا مُرَادَهُ) بِتِلْكَ الرُّمُوزِ وَالْعَلَامَاتِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَوْ آخِرِهِ إِنْ كَانَ فِي مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَفِي كُلِّ مُجَلَّدٍ، كَمَا فَعَلَ كُلٌّ مِنْ أَبِي ذَرٍّ إِذْ رَقَمَ لِكُلٍّ مِنْ شُيُوخِهِ الثَّلَاثَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُسْتَمْلِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْهَيْثَمِ الْكُشْمِيهَنِيِّ. وَالْحَافِظِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْيُونِينِيِّ إِذْ رَقَمَ لِلرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ، فِي آخَرِينَ مِمَّنْ بَيَّنَ الرَّمْزَ أَوِ الْعَلَامَاتِ، مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، لَا سِيَّمَا فِيمَا يَكْثُرُ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ تَسْمِيَةَ كُلِّهِمْ حِينَئِذٍ مُشِقٌّ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الرُّمُوزِ أَخْصَرُ. (وَ) مَعَ كَوْنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ (اخْتِيرَ أَلَّا يَرْمُزَ) لَهُ بِبَعْضِ حُرُوفِهِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ: الْأَوْلَى أَنْ يُجْتَنَبَ الرَّمْزُ وَيُكْتَبَ عِنْدَ كُلِّ رِوَايَةٍ اسْمُ رَاوِيهَا بِكَمَالِهِ مُخْتَصَرًا. يَعْنِي: بِدُونِ زَائِدٍ عَلَى التَّعْرِيفِ بِهِ، فَلَا يَقُولُ فِي الْفَرَبْرِيِّ مَثَلًا: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ. بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَرَبْرِيِّ أَوْ نَحْوِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ شَاعَ وَعُرِفَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ نَقْصِ الْأَجْرِ لِنَقْصِ الْكِتَابَةِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ مَعَ مَعْرِفَةِ الِاصْطِلَاحِ بَيْنَ الرَّمْزِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهُوَ- أَيِ الْإِتْيَانُ بِهِ بِكَمَالِهِ- أَوْلَى وَأَرْفَعُ لِلِالْتِبَاسِ. قَدْ يُوَجَّهُ بِكَوْنِ اصْطِلَاحِهِ فِي الرَّمْزِ قَدْ تَسْقُطُ بِهِ الْوَرَقَةُ أَوِ الْمُجَلَّدُ فَيَتَحَيَّرُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ مِنْ مُبْتَدِئٍ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ مَا تَقَدَّمَ مَا لَمْ يَكُنِ الرَّمْزُ مِنَ الْمُصَنِّفِ، أَمَّا هُوَ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مَا اصْطَلَحَهُ لِنَفْسِهِ فِي أَصْلِ تَصْنِيفِهِ، كَمَا فَعَلَ الْمِزِّيُّ فِي “ تَهْذِيبِهِ “ وَالشَّاطِبِيُّ، وَأَمْرُهُ فِيهِ بَدِيعٌ جِدًّا، فَقَدِ اشْتَمَلَ بَيْتٌ مِنْهَا عَلَى الرَّمْزِ لِسِتَّةَ عَشَرَ شَيْخًا فِي أَرْبَعِ قِرَاءَاتٍ بِالْمَنْطُوقِ. [الدَّارَةُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ](وَيَنْبَغِي) اسْتِحْبَابًا لِأَجْلِ تَمَامِ الضَّبْطِ (الدَّارَةُ) وَهِيَ حَلْقَةٌ مُنْفَرِجَةٌ أَوْ مُطْبَقَةٌ (فَصْلًا) أَيْ: لِلْفَصْلِ بِهَا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَتَمْيِيزِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّدَاخُلُ. يَعْنِي بِأَنْ يَدْخُلَ عَجُزُ الْأَوَّلِ فِي صَدْرِ الثَّانِي أَوِ الْعَكْسُ، وَذَلِكَ إِذَا تَجَرَّدَتِ الْمُتُونُ عَنْ أَسَانِيدِهَا وَعَنْ صَحَابَتِهَا، كَأَحَادِيثِ الشِّهَابِ وَالنَّجْمِ وَنَحْوِهِمَا، وَمُقْتَضَاهُ اسْتِحْبَابُهَا أَيْضًا بَيْنَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا لَعَلَّهُ يَكُونُ بِآخِرِهِ مِنْ إِيضَاحٍ لِغَرِيبٍ وَشَرْحٍ لِمَعْنًى وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ إِغْفَالُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ أَحَدَ أَسْبَابِ الْإِدْرَاجِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِالدَّارَةِ أَبُو الزِّنَادِ؛ فَرَوَى الرَّامَهُرْمُزِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، أَنَّ كِتَابَ أَبِيهِ كَانَ كَذَلِكَ. وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، بَلْ وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّهُ رَآهَا كَذَلِكَ فِي خَطِّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا بَلْ يَتْرُكُ بَقِيَّةَ السَّطْرِ بَيَاضًا، وَكَذَا يَفْعَلُ فِي التَّرَاجِمِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَمَا أَنْفَعَ ذَلِكَ. (وَارْتَضَى) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ (إِغْفَالَهَا) أَيْ: تَرْكَ الدَّارَةِ مِنَ النَّقْطِ بِحَيْثُ تَكُونُ غُفْلًا- بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ- لَا عَلَامَةَ بِهَا، الْحَافِظُ (الْخَطِيبُ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي “ جَامِعِهِ “ (حَتَّى)؛ أَيْ: إِلَى أَنْ (يُعْرَضَا)؛ أَيْ: يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ وَنَحْوِهِ حِينَ السَّمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَكُلَّمَا فَرَغَ مِنْ عَرْضِ حَدِيثٍ يَنْقُطُ فِي الدَّارَةِ الَّتِي تَلِيهِ نُقْطَةً، أَوْ يَخُطُّ فِي وَسَطِهَا خَطًّا؛ يَعْنِي: حَتَّى لَا يَكُونَ بَعْدُ فِي شَكٍّ: هَلْ عَارَضَهُ أَوْ سَهَا فَتَجَاوَزَهُ، لَا سِيَّمَا حِينَ يُخَالَفُ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: كُنْتُ أَرَى فِي كِتَابِ أَبِي إِجَازَةً؛ يَعْنِي: دَارَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَمَرَّتَيْنِ وَوَاحِدَةً أَقَلَّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْشِ تَصْنَعُ بِهَا؟ فَقَالَ: أُعَرِّفُهُ، فَإِذَا خَالَفَنِي إِنْسَانٌ قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَعْتَدُّ مِنْ سَمَاعِهِ إِلَّا بِمَا كَانَ كَذَلِكَ أَوْ فِي مَعْنَاهُ. ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَعِينٍ قَالَ: كَانَ غُنْدَرٌ رَجُلًا صَالِحًا سَلِيمَ النَّاحِيَةِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ لَيْسَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ (ع) لَا يَقُولُ فِيهِ: ثَنَا؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْرِضْهُ عَلَى شُعْبَةَ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ. قُلْتُ: وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ إِذَا أَوْرَدَ شَيْئًا مِمَّا لَا عَلَامَةَ فِيهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: فِي كِتَابِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بِغَيْرِ إِجَازَةٍ. وَسَاقَ حَدِيثًا. [حُكْمُ فَصْلِ مُضَافِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَحْبِهِ]: (وَكَرِهُوا)؛ أَيْ: أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْكِتَابَةِ (فَصْلَ مُضَافِ اسْمِ اللَّهِ) كَعَبْدٍ (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الِاسْمِ الْكَرِيمِ، فَلَا يَكْتُبُونَ التَّعْبِيدَ فِي آخِرِ سَطْرٍ، وَاللَّهُ أَوِ الرَّحْمَنُ أَوِ الرَّحِيمُ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ ابْنُ فُلَانٍ مَثَلًا (بـِ) أَوَّلٍ (سَطْرٍ) آخَرَ، احْتِرَازًا عَنْ قَبَاحَةِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ. وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ، وَإِنْ رَوَى الْخَطِيبُ فِي “ جَامِعِهِ “ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ الْعُكْبَرِيِّ- بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ أَبِيهِ وَنِسْبَتِهِ- أَنَّهُ قَالَ: وَفِي الْكِتَابِ- يَعْنِي- مَنْ لَا يَتَجَنَّبُهُ أَوْ هُوَ غَلَطٌ- أَيْ: خَطَأٌ قَبِيحٌ- فَيَجِبُ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَتَوَقَّاهُ وَيَتَأَمَّلَهُ وَيَتَحَفَّظَ مِنْهُ. وَقَالَ الْخَطِيبُ: إِنَّ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ، فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ لِحَمْلِ شَيْخِنَا لَهُ عَلَى التَّأْكِيدِ لِلْمَنْعِ، وَلَا شَكَّ فِي تَأَكُّدِهِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ التَّعْبِيدُ آخِرَ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى، وَالِاسْمُ الْكَرِيمُ وَمَا بَعْدَهُ أَوَّلَ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى، فَإِنَّ النَّاظِرَ إِذَا رَآهُ كَذَلِكَ رُبَّمَا لَمْ يَقْلِبِ الْوَرَقَةَ وَيَبْتَدِئُ بِقِرَاءَتِهِ كَذَلِكَ بِدُونِ تَأَمُّلٍ، وَكَذَا إِذَا كَانَ عَزْمُهُ عَدَمَ حَبْكِ الْكِتَابِ، وَكَانَ ابْتَدَأَ وَرَقَهُ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ تَقْلِيبِ أَوْرَاقِهِ وَتَفَرُّقِهَا، وَلَكِنْ لَا يَرْتَقِي فِي كُلِّ هَذَا إِلَى الْوُجُوبِ، إِلَّا إِنِ اقْتَرَنَ بِقَصْدٍ فَاسِدٍ، كَإِيقَاعٍ لِغَيْرِهِ فِي الْمَحْذُورِ، وَيَتَأَيَّدُ مَا جَنَحَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا بِتَصْرِيحِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي “ الِاقْتِرَاحِ “ بِأَنَّ ذَلِكَ أَدَبٌ، بَلْ وَنَصَرَهُ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ. وَكَرَسُولٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَلَا يُكْتَبُ رَسُولٌ فِي آخِرِ سَطْرٍ، وَاسْمُ اللَّهِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ آخَرَ، فَقَدْ كَرِهَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا وَقَالَ: إِنَّهُ يَنْبَغِي التَّحَفُّظُ مِنْهُ. وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فَجَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ وَفِيمَا أَشْبَهَهُ. وَيَلْتَحِقُ بِهِ- كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ- أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ: سَابُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَافِرٌ. وَكَذَا أَسْمَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَقَوْلِهِ: “ قَاتِلُ ابْنِ صَفِيَّةَ فِي النَّارِ “ يَعْنِي بِابْنِ صَفِيَّةَ. الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَلَا يُكْتَبُ “ سَابُّ “ أَوْ “ قَاتِلُ “ فِي آخِرِ سَطْرٍ وَمَا بَعْدَهُ فِي أَوَّلِ آخَرَ، بَلْ وَلَا اخْتِصَاصَ لِلْكَرَاهَةِ بِالْفَصْلِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَلَوْ وُجِدَ الْمَحْذُورُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَشْنَعُ، كَقَوْلِهِ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ثَمِلٌ فَقَالَ عُمَرُ: “ أَخْزَاهُ اللَّهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ “ وَكَقَوْلِهِ: “ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا “. بِأَنْ كَتَبَ “ فَقَالَ “ أَوْ “ لَا “ فِي آخِرِ سَطْرٍ، وَمَا بَعْدَهُ فِي أَوَّلِ آخَرَ؛ كَانَتِ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا، وَمَحَلُّهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (إِنْ يُنَافِ) بِالْفَصْلِ (مَا تَلَاهُ) مِنَ اللَّفْظِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ اسْمِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ اسْمِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُنَافِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ الِاسْمُ آخِرَ الْكِتَابِ أَوْ آخِرَ الْحَدِيثِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونَ بَعْدَهُ شَيْءٌ مُلَائِمٌ لَهُ غَيْرُ مُنَافٍ، فَلَا بَأْسَ بِالْفَصْلِ، نَحْوَ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْبُخَارِيِّ (سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) فَإِنَّهُ إِذَا فَصَلَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ كَانَ أَوَّلُ السَّطْرِ: اللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَجَمْعُهُمَا فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ أَوْلَى. بَلْ صَرَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْكَرَاهَةِ فِي فَصْلٍ مِثْلَ أَحَدَ عَشَرَ لِكَوْنِهِمَا بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ؛ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ النَّحَّاسِ فِي “ صِنَاعَةِ الْكِتَابِ “: وَكَرِهُوا جَعْلَ بَعْضِ الْكَلِمَةِ فِي سَطْرٍ وَبَعْضِهَا فِي أَوَّلِ سَطْرٍ؛ فَتَكُونُ مَفْصُولَةً. 572- وَاكْتُبْ ثَنَاءَ اللَّهِ وَالتَّسْلِيمَا *** مَعَ الصَّلَاةِ لِلنَّبِيِّ تَعْظِيمَا 573- وَإِنْ يَكُنْ أُسْقِطَ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ *** خُولِفَ فِي سَقْطِ الصَّلَاةِ أَحْمَدْ 574- وَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالرِّوَايَهْ مَعَ نُطْقِهِ كَمَا رَوَوْا حِكَايَهْ 575- وَالْعَنْبَرِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيُّ بَيَّضَا لَهَا لِإِعْجَالٍ وَعَادَا عَوَّضَا 576- وَاجْتَنِبِ الرَّمْزَ لَهَا وَالْحَذْفَا *** مِنْهَا صَلَاةً أَوْ سَلَامًا تُكْفَى
(وَاكْتُبْ) أَيُّهَا الْكَاتِبُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَأَكِّدِ (ثَنَاءَ اللَّهِ) تَعَالَى كُلَّمَا مَرَّ لَكَ ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: كَـعَزَّ وَجَلَّ، أَوْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ نَحْوِهُمَا، فَفِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَسْبَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي (الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ) وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ مَدَحْتُ رَبِّي بِمَحَامِدَ وَمَدْحٍ وَإِيَّاكَ فَقَالَ: (أَمَا إِنَّ رَبَّكَ يُحِبُّ الْحَمْدَ) وَفِي لَفْظٍ (الْمَدْحَ) الْحَدِيثَ. (وَ) كَذَا اكْتُبْ (التَّسْلِيمَا مَعَ الصَّلَاةِ لِلنَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لَهُمَا وَإِجْلَالًا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِهِ كُلَّمَا ذُكِرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً الطَّحَاوِيُّ، بَلْ وَالْحَلِيمِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَائِينِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، إِنْ أُثْبِتَ فِي الرِّوَايَةِ كُلٌّ مِنَ الثَّنَاءِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، (وَإِنْ يَكُنْ أُسْقِطَ) مِنْهَا (فِي الْأَصْلِ) الْمَسْمُوعِ لِعَدَمِ التَّقَيُّدِ بِهِ فِي حَذْفِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ تُثْنِيهِ لَا كَلَامَ تَرْوِيهِ، وَلَا تَسْأَمْ مِنْ تَكْرِيرِهِ عِنْدَ تَكَرُّرِهِ، بَلْ وَضُمَّ إِلَيْهَا التَّلَفُّظَ بِهِ لِنَشْرِ تَعَطُّرِهِ، فَأَجْرُهُ عَظِيمٌ، وَهُوَ مُؤْذِنٌ بِالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ. قَالَ التُّجِيبِيُّ: وَكَمَا تُصَلِّي عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِسَانِكَ كَذَلِكَ تَخُطُّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِبَنَانِكَ مَهْمَا كَتَبْتَ اسْمَهُ الشَّرِيفَ فِي كِتَابٍ، فَإِنَّ لَكَ بِذَلِكَ أَعْظَمَ الثَّوَابِ. ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ الَّذِي بَيَّنْتُهُ فِي (الْقَوْلِ الْبَدِيعِ) الَّذِي تُعْرَفُ بَرَكَتُهُ، وَرَجَوْتُ ثَمَرَتَهُ، وَإِنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ قَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَا مَرْفُوعًا. وَلَفْظُهُ: “ مَنْ صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي كِتَابٍ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ غُدْوَةً وَرَوَاحًا مَا دَامَ اسْمُ رَسُولِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ “. وَلِذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ. بَلْ جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ حِبَّانَ: ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَكُونُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ صَلَاةً عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ؛ إِذْ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ أَكْثَرُ صَلَاةً عَلَيْهِ مِنْهُمْ. وَكَذَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: هَذِهِ مَنْقَبَةٌ شَرِيفَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا رُوَاةُ الْآثَارِ وَنَقَلَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِعِصَابَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْرَفُ لَهَا نَسْخًا وَذِكْرًا. وَقَالَ أَبُو الْيَمَنِ بْنُ عَسَاكِرَ: لِيَهْنِ أَهْلَ الْحَدِيثِ- كَثَّرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ- هَذِهِ الْبُشْرَى، وَمَا أَتَمَّ بِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْفَضِيلَةِ الْكُبْرَى؛ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِنَبِّيهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْرَبُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسِيلَةً؛ فَإِنُّهُمْ يُخَلِّدُونَ ذِكْرَهُ فِي طُرُوسِهِمْ، وَيُجَدِّدُونَ الصَّلَاةَ وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ بِمَجَالِسِ مُذَاكَرَتِهِمْ وَتَحْدِيثِهِمْ وَمُعَارَضَتِهِمْ وَدُرُوسِهِمْ، فَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ شِعَارُهُمْ وَدِثَارُهُمْ، وَبِحُسْنِ نَشْرِهِمْ لِآثَارِهِ الشَّرِيفَةِ تَحْسُنُ آثَارُهُمْ. إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ الَّذِيِ أَوْدَعْتُهُ مَعَ كَلَامِ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ، وَمَنَامَاتٍ حَسَنَةٍ صَحِيحَةٍ. مِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: رَحِمَنِي وَغَفَرَ لِي، وَزُفِفْتُ إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا تُزَفُّ الْعَرُوسُ، وَنُثِرَ عَلَيَّ كَمَا يُنْثَرُ عَلَى الْعَرُوسِ. وَإِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ “ الرِّسَالَةِ “ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَتَبَ بِيَدِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ) فِي الْكِتَابِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ. (وَقَدْ خُولِفَ فِي سُقْطِ الصَّلَاةِ) وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ (أَحْمَدْ) فَإِنَّهُ حَسْبَمَا رَآهُ الْخَطِيبُ بِخَطِّهِ يَكْتُبُ كَثِيرًا اسْمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَالْعَنْبَرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. قَالُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَعَلَّهُ)؛ أَيْ: لَعَلَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ (قَيَّدَ)؛ أَيْ: تَقَيَّدَ فِي الْإِسْقَاطِ (بِالرِّوَايَهْ) لِالْتِزَامِهِ اقْتِفَاءَهَا، فَحَيْثُ لَمْ يَجِدْهَا فِي أَصْلِ شَيْخِهِ وَعَزَّ عَلَيْهِ اتِّصَالُهَا فِي جَمِيعِ مَنْ فَوْقَهُ مِنَ الرُّوَاةِ لَا يَكْتُبُهَا تَوَرُّعًا مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِي الرِّوَايَةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، كَمَذْهَبِهِ فِي مَنْعِ إِبْدَالِ النَّبِيِّ بِالرَّسُولِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفِ الْمَعْنَى، لَكِنْ (مَعَ نُطْقِهِ) بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إِذَا قَرَأَ أَوْ كَتَبَ (كَمَا رَوَوْا)؛ أَيِ: الْمُحَدِّثُونَ كَالْخَطِيبِ وَمَنْ تَابَعَهُ ذَلِكَ عَنْهُ (حِكَايَةً) غَيْرَ مُتَّصِلَةِ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّ الْخَطِيبَ قَالَ: (وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُطْقًا). وَالتَّقَيُّدُ فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَةِ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي (الِاقْتِرَاحِ): وَالَّذِي نَمِيلُ إِلَيْهِ أَنْ نَتْبَعَ الْأُصُولَ وَالرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ الْعُمْدَةَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ مُطَابِقًا لِمَا فِي الْوَاقِعِ، فَإِذَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ هَكَذَا وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لَمْ تَكُنِ الرِّوَايَةُ مُطَابِقَةً لِمَا فِي الْوَاقِعِ، وَلِهَذَا أَقُولُ: إِذَا ذَكَرَ الصَّلَاةَ لَفْظًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْحَبَهَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، مِثْلَ كَوْنِهِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ عَنِ النَّظَرِ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِ، وَيَنْوِي بِقَلْبِهِ أَنَّهُ هُوَ الْمُصَلِّي لَا حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَتَبَهَا وَلَمْ تَكُنْ فِي الرِّوَايَةِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ مَشَى الْحَافِظُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْيُونِينِيِّ فِي نُسْخَتِهِ بِالصَّحِيحِ الَّتِي جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ حَيْثُ يُشِيرُ بِالرَّمْزِ إِلَيْهَا إِثْبَاتًا وَنَفْيًا. عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَلَّا يَكُونَ تَرْكُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كِتَابَتَهَا لِهَذَا، بَلِ اسْتِعْجَالًا، كَمَا قَيَّدْتُهُ عَنْ شَيْخِنَا، لِكَوْنِهِ فِي الرِّحْلَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مَعَ عَزْمِهِ عَلَى كِتَابَتِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ ضَرُورَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ، لَا سِيَّمَا (وَ) عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ (الْعَنْبَرِيُّ) نِسْبَةً لِبَنِي الْعَنْبَرِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ. (وَابْنُ الْمَدِينِيُّ) نِسْبَةً لِلْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ لِكَوْنِ أَصْلِهِ مِنْهَا، هُوَ عَلِيٌّ، فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ، كَمَا رَوَاهُ النُّمَيْرِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ (بَيَّضَا) فِي كِتَابِهِمَا (لَهَا) أَيْ: لِلصَّلَاةِ أَحْيَانًا (لِإِعْجَالٍ وَعَادَا) بَعْدُ (عَوَّضَا) بِكِتَابَةِ مَا كَانَ تَرَكَهُ لِلضَّرُورَةِ لِمُلَازَمَتِهِمَا فِعْلَهَا فِي كُلِّ حَدِيثٍ سَمِعَاهُ، كَانَ فِي الرِّوَايَةِ أَمْ لَا، وَالْإِمَامُ أَجَلُّ مِنْهُمَا اتِّبَاعًا، مَعَ مَا رَوَى ابْنُ بَشْكُوَالٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الزَّعْفَرَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِيَ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَلِيٍّ، لَوْ رَأَيْتَ صَلَاتَنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ كَيْفَ تُزْهِرُ بَيْنَ أَيْدِينَا!. [كَرَاهَةُ الرَّمْزِ لِلصَّلَاةِ]: (وَاجْتَنِبْ) أَيُّهَا الْكَاتِبُ (الرَّمْزَ لَهَا) أَيْ: لِلصَّلَاةِ عَلَى رُسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَطِّكَ، بِأَنْ تَقْتَصِرَ مِنْهَا عَلَى حَرْفَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَتَكُونَ مَنْقُوصَةً صُورَةً، كَمَا يَفْعَلُهُ الْكِسَائِيُّ وَالْجَهَلَةُ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَجَمِ غَالِبًا وَعَوَامُّ الطَّلَبَةِ، فَيَكْتُبُونَ بَدَلًا عَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ص، أَوْ صم، أَوْ صلم، أَوْ صلعم، فَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصِ الْأَجْرِ لِنَقْصِ الْكِتَابَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بِالْكَرَاهَةِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. وَقَدْ رَوَى النُّمَيْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ نُسْخَةً مِنْ (الْمُوَطَّأِ) وَتَأَنَّقَ فِيهَا لَكِنَّهُ حَذَفَ مِنْهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ مَا وَقَعَ لَهُ فِيهِ ذِكْرٌ، وَعَوَّضَ عَنْهَا: ص، وَقَصَدَ بِهَا بَعْضَ الرُّؤَسَاءِ مِمَّنْ يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ الدَّفَاتِرِ، وَقَدْ أَمَّلَ أَنْ يَرْغَبَ لَهُ فِي ثَمَنِهِ، وَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ فَحَسَّنَ مَوْقِعَهُ، وَأُعْجِبَ بِهِ، وَعَزَمَ عَلَى إِجْزَالِ صِلَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَنَبَّهَ لِفِعْلِهِ ذَلِكَ فِيهِ، فَصَرَفَهُ وَحَرَمَهُ وَأَقْصَاهُ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُحَارِفًا مُقَتِّرًا عَلَيْهِ، لَكِنْ وُجِدَ بِخَطِّ الذَّهَبِيِّ وَبَعْضِ الْحُفَّاظِ كِتَابَتُهَا هَكَذَا صَلَّى اللَّهُ عَلَمْ، وَرُبَّمَا اقْتَفَيْتُ أَثَرَهُمْ فِيهِ بِزِيَادَةِ لَامٍ أُخْرَى قَبْلَ الْمِيمِ مَعَ التَّلَفُّظِ بِهِمَا غَالِبًا، وَالْأَوْلَى خِلَافُهُ. [الْكَلَامُ عَلَى إِفْرَادِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ]: (وَ) كَذَا (اجْتَنِبِ الْحَذْفَا) لِوَاحِدٍ (مِنْهَا صَلَاةً أَوْ سَلَامًا) حَتَّى لَا تَكُونَ مَنْقُوصَةً مَعْنًى أَيْضًا (تُكْفَى) بِإِكْمَالِ صَلَاتِكَ عَلَيْهِ مَا أَهَمَّكَ مِنْ أَمْرِ دِينِكَ وَدُنْيَاكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ ذَلِكَ أَيْضًا خِلَافَ الْأَوْلَى، لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِكَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى: عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ بَشْكُوالٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَوْتَى. وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي “ الْأَذْكَارِ “ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ إِفْرَادِهِمَا عَنِ الْآخَرِ مُتَمَسِّكًا بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِمَا مَعًا فِي الْآيَةِ، وَخَصَّ ابْنُ الْجَزَرِيِّ الْكَرَاهَةَ بِمَا وَقَعَ فِي الْكُتُبِ مِمَّا رَوَاهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِهِ خِلَافُ الرِّوَايَةِ، قَالَ: فَإِنْ ذَكَرَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ. مَثَلًا، فَلَا أَحْسَبُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ. وَأَمَّا شَيْخُنَا فَقَالَ: إِنْ كَانَ فَاعِلُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلَاةِ دَائِمًا فَيُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ الْإِخْلَالِ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ بِالْإِكْثَارِ مِنْهُمَا، وَالتَّرْغِيبُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي تَارَةً وَيُسَلِّمُ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ إِذِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَبٌّ لَا نِزَاعَ فِيهِ. قَالَ: وَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- اطَّلَعَ عَلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ لِذَلِكَ، وَإِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا. انْتَهَى. وَيَتَأَيَّدُ مَا خَصَّ شَيْخُنَا الْكَرَاهَةَ بِهِ بِوُقُوعِ الصَّلَاةِ مُفْرَدَةً فِي خُطْبَةِ كُلٍّ مِنَ: “ الرِّسَالَةِ “ لِإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَ “ صَحِيحِ مُسْلِمٍ “، وَ “ التَّنْبِيهِ “ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَبِخَطِّ الْخَطِيبِ الْحَافِظِ فِي آخَرِينَ، وَإِلَيْهَا أَوْ إِلَى بَعْضِهَا الْإِشَارَةُ، بِقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي خَطِّ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ). وَلَمَّا حَكَى الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ وَجَدَهُ بِخَطِّ الْخَطِيبِ فِي “ الْمُوَضَّحِ “ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ، وَقَدْ قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ: كُنْتُ أَكْتُبُ الْحَدِيثَ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ عِنْدَ ذِكْرِ النَّبِيِّ: “ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ “، وَلَا أَكْتُبُ: وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: “ مَا لَكَ لَا تُتِمُّ الصَّلَاةَ عَلَيَّ؟ “ فَمَا كَتَبْتُ بَعْدُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ. إِلَّا كَتَبْتُ: وَسَلَّمَ. رَوَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالرَّشِيدُ الْعَطَّارُ وَالذَّهَبِيُّ فِي تَارِيخِهِ، لَكِنْ بِلَفْظِ: (أَمَا تَخْتِمُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ فِي كِتَابِكَ؟) كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهْ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ: كُنْتُ أَكْتُبُ لَفْظَ الصَّلَاةِ دُونَ التَّسْلِيمِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لِي: (لِمَ تَحْرِمُ نَفْسَكَ أَرْبَعِينَ حَسَنَةً؟ قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا جَاءَ ذِكْرِي تَكْتُبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا تَكْتُبُ: وَسَلَّمَ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ، كُلُّ حَرْفٍ بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ؟ قَالَ: وَعَدَّهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، أَوْ كَمَا قَالَ). رَوَاهُ أَبُو الْيَمَنِ بْنُ عَسَاكِرَ. [الصَّلَاةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ]: وَكَذَا يُسْتَحَبُّ كِتَابَةُ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ نَبِيِّنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَالتَّرَضِّي عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَسَائِرِ الْأَخْيَارِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ، وَفِي “ تَارِيخِ إِرْبِلَ “ لِابْنِ الْمُسْتَوْفِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ عَنْ تَخْصِيصِهِمْ عَلِيًّا بـِ “ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ “ فَرَأَى فِي الْمَنَامِ مَنْ قَالَ لَهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ قَطُّ.
577- ثُمَّ عَلَيْهِ الْعَرْضُ بِالْأَصْلِ وَلَوْ *** إِجَازَةً أَوْ أَصْلِ أَصْلِ الشَّيْخِ أَوْ 578- فَرْعٍ مُقَابَلٍ وَخَيْرُ الْعَرْضِ مَعْ *** أُسْتَاذِهِ بِنَفْسِهِ إِذْ يَسْمَعْ 579- وَقِيلَ بَلْ مِعْ نَفْسِهِ وَاشْتَرَطَا *** بَعْضُهُمُ هَذَا وُفِّيَهُ غُلِّطَا 580- وَلْيَنْظُرِ السَّامِعُ حِينَ يَطْلُبُ *** فِي نُسْخَةٍ وَقَالَ يَحْيَى يَجِبُ 581- وَجَوَّزَ الْأُسْتَاذُ أَنْ يَرْوِيَ مِنْ *** غَيْرِ مُقَابَلٍ وَلِلْخَطِيبِ إِنْ 582- بَيَّنَ وَالنَّسْخُ مِنْ أَصْلٍ وَلْيُزَدْ *** صِحَّةُ نَقْلِ نَاسِخٍ فَالشَّيْخُ قَدْ 583- شَرَطَهُ ثُمَّ اعْتَبِرْ مَا ذُكِرَا *** فِي أَصْلِ الْأَصْلِ لَا تَكُنْ مُهَوِّرَا [مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ]: الْمُقَابَلَةُ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنَ الْمَسَائِلِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: الْمُعَارَضَةُ. تَقُولُ: قَابَلْتُ بِالْكِتَابِ قِبَالًا وَمُقَابَلَةً. أَيْ: جَعَلْتُهُ قُبَالَتَهُ، وَصَيَّرْتُ فِي أَحَدِهِمَا كُلَّ مَا فِي الْآخَرِ، وَمِنْهُ مَنَازِلُ الْقَوْمِ تَتَقَابَلُ. أَيْ: يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَعَارَضْتُ بِالْكِتَابِ الْكِتَابَ. أَيْ: جَعَلْتُ مَا فِي أَحَدِهِمَا مِثْلَ مَا فِي الْآخَرِ. مَأْخُوذٌ مِنْ: عَارَضْتُ بِالثَّوْبِ. إِذَا أَعْطَيْتَهُ وَأَخَذْتَ ثَوْبًا غَيْرَهُ. [أَصْلُ الْمُقَابَلَةِ]: وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي (الْكَبِيرِ) وَابْنُ السُّنِّيِّ فِي (رِيَاضَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ) كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ قَالَ: (وَجَدْتُ فِي كِتَابِ خَالِي- يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ- حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا فَرَغْتُ يَقُولُ لِي: (اقْرَأْهُ). فَأَقْرَأُهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ سَقْطٌ أَقَامَهُ ثُمَّ أَخْرُجُ بِهِ إِلَى النَّاسِ). وَأخَرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَكَذَا الْخَطِيبُ فِي (جَامِعِهِ)، مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ، فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ. [حُكْمُ الْمُقَابَلَةِ]: (ثُمَّ) بَعْدَ تَحْصِيلِ الطَّالِبِ لِلْمَرْوِيِّ بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ (عَلَيْهِ الْعَرْضُ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ وَقَالَ: إِنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ لَا غِنَى لِمَجْلِسِ الْإِمْلَاءِ عَنِ الْعَرْضِ. كَمَا سَيَأْتِي، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي (جَامِعِهِ) عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: أَكَتَبْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: عَارَضْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَلَمْ تَكْتُبْ. وَفِي (كِفَايَتِهِ) عَنْ أَفْلَحَ بْنِ بَسَّامٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ فَقَالَ لِي: كَتَبْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: عَارَضْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا. وَهَذَا عِنْدَ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِي (أَدَبِ الْإِمْلَاءِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: (كَتَبْتَ؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (عَرَضْتَ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (لَمْ تَكْتُبْ حَتَّى تَعْرِضَهُ). وَفِي (الْكِفَايَةِ) وَ (الْجَامِعِ) مَعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَكْتُبُ وَلَا يُعَارِضُ مَثَلُ الَّذِي يَقْضِي حَاجَتَهُ وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. وَكَذَا جَاءَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ كَمَا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (جَامِعِ الْعِلْمِ ثُمَّ عِيَاضٍ فِي (الْإِلْمَاعِ). وَعَنِ الشَّافِعِيِّ كَمَا عَزَاهُ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَفِي صِحَّةِ عَزْوِهِ إِلَيْهِ نَظَرٌ، وَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ النَّقْصِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَرَفِ أَحَدِهِمَا وَخِسَّةِ الْآخَرِ، كَمَا فِي تَشْبِيهِ الْوَحْيِ بِصَلْصَلَةِ الْجَرَسِ. وَكَذَا لَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ: (اكْتُبْ وَلَا تُقَابِلْ وَارْمِ عَلَى الْمَزَابِلِ) عَلَى ظَاهِرِهِ. وَلِذَا كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: (مَنْ كَتَبَ وَلَمْ يُقَابِلْ كَمَنْ غَزَا وَلَمْ يُقَاتِلْ)، وَقَوْلُ الْخَلَّالِ الْحَنْبَلِيِّ: (مَنْ لَمْ يُعَارِضْ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَضَعُ رِجْلَهُ). وَفِي (جَامِعِ الْخَطِيبِ) عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: إِذَا نُسِخَ الْكِتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يُعَارَضْ تَحَوَّلَ بِالْفَارِسِيَّةِ مِنْ كَثْرَةِ سَقْطِهِ. وَفِي (كِفَايَتِهِ) نَحْوُهُ عَنِ الْأَخْفَشِ قَالَ: (إِذَا نُسِخَ الْكِتَابُ وَلَمْ يُعَارَضْ ثُمَّ نُسِخَ مِنْهُ وَلَمْ يُعَارَضْ- يَعْنِي الْمَنْسُوخَ أَيْضًا- خَرَجَ أَعْجَمِيًّا). وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ حَيْثُ لَمْ يَثِقْ بِصِحَّةِ كِتَابَتِهِ أَوْ نُسْخَتِهِ، أَمَّا مَنْ عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ نُدُورُ السَّقْطِ وَالتَّحْرِيفِ مِنْهُ فَلَا. لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (جَامِعِ الْعِلْمِ) عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ عُرِضَ الْكِتَابُ مِائَةَ مَرَّةٍ مَا كَادَ يَسْلَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَقْطٌ. أَوْ قَالَ: خَطَأٌ، وَلَكِنَّهُ قَدْ بَالَغَ كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الْأَصْلُ عَدَمُ الْغَلَطِ. مُعَارَضٌ بِقَوْلِ غَيْرِهِ: بَلِ الْأَصْلُ عَدَمُ نَقْلِ كُلِّ مَا كَانَ فِي الْأَصْلِ. نَعَمْ لَا يَخْلُو الْكَاتِبُ مِنْ غَلَطٍ وَإِنْ قَلَّ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنَ الْعُرْفِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا قَرْمَطْنَا نَدِمْنَا، وَمَا انْتَخَبْنَا نَدِمْنَا، وَمَا كَتَبْنَا بِدُونِ مُقَابَلَةٍ نَدِمْنَا. [كَيْفَ تَحْصُلُ الْمُقَابَلَةُ؟]: وَيَحْصُلُ الْعَرْضُ إِمَّا (بِالْأَصْلِ) الَّذِي أَخَذَهُ عَنْ شَيْخِهِ بِسَائِرِ وُجُوهِ الْأَخْذِ الصَّحِيحَةِ، (وَلَوْ) كَانَ الْأَخْذُ (إِجَازَةً) أَوْ بِأَصْلِ (أَصْلِ الشَّيْخِ) الَّذِي أَخَذَ الطَّالِبُ عَنْهُ الْمُقَابَلَ بِهِ أَصْلُهُ (أَوْ) بـِ (فَرْعٍ مُقَابَلٍ) بِالْأَصْلِ مُقَابِلَةً مُعْتَبَرَةً مَوْثُوقًا بِهَا، أَوْ بِفَرْعٍ قُوبِلَ كَذَلِكَ عَلَى فَرْعٍ، وَلَوْ كَثُرَ الْعَدَدُ بَيْنَهُمَا إِذِ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ كِتَابُ الطَّالِبِ مُطَابِقًا لِأَصْلِ مَرْوِيِّهِ وَكِتَابِ شَيْخِهِ، فَسَوَاءٌ حَصَلَ بِوَاسِطَةٍ فَأَكْثَرَ أَوْ بِدُونِهَا، ثُمَّ إِنَّ التَّقْيِيدَ فِي أَصْلِ الْأَصْلِ بِكَوْنِهِ قَدْ قُوبِلَ الْأَصْلُ عَلَيْهِ بُدٌّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ لِشَيْخِ شَيْخِهِ عِدَّةُ أُصُولٍ قُوبِلَ أَصْلُ شَيْخِهِ بِأَحَدِهَا، لَا تَكْفِي الْمُقَابَلَةُ بِغَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ، فَيَكُونَ قَدْ أَتَى بِمَا لَمْ يَرْوِهِ شَيْخُهُ لَهُ، أَوْ حَذَفَ شَيْئًا مِمَّا رَوَاهُ لَهُ شَيْخُهُ. أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَسَيَأْتِي نَحْوُهُ فِي الرِّوَايَاتِ مِنَ الْأَصْلِ. وَكَذَا يَحْصُلُ إِنْ كَانَ الْأَصْلُ بِيَدِ الشَّيْخِ أَوْ ثِقَةٍ يَقِظٍ غَيْرِهِ تَوَلَّاهُ الطَّالِبُ بِنَفْسِهِ، أَوْ ثِقَةٍ يَقِظٍ غَيْرِهِ، وَقَعَ حَالَةَ السَّمَاعِ أَمْ لَا، أَمْسَكَ الْأَصْلَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ كَانَا مَعًا بِيَدِهِ. [هَلْ خَيْرُ الْعَرْضِ مَعَ شَيْخِهِ أَوْ مَعَ نَفْسِهِ]: (وَ) لَكِنْ (خَيْرُ الْعَرْضِ) مَا كَانَ (مَعْ أُسْتَاذِهِ) أَيْ: شَيْخِهِ عَلَى كِتَابِهِ بِمُبَاشَرَةِ الطَّالِبِ (بِنَفْسِهِ إِذْ) أَيْ: حِينَ (يَسْمَعْ) مِنَ الشَّيْخِ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ يَقْرَأُ، لِمَا يَجْمَعُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الِاحْتِيَاطِ وَالْإِتْقَانِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. يَعْنِي: إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلًا لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ هَذِهِ الْأَوْصَافُ نَقَصَ مِنْ مَرْتَبَتِهِ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ مِنْهَا. قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَقَيَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي (الِاقْتِرَاحِ) الْخَيْرِيَّةَ بِتَمَكُّنِ الطَّالِبِ مَعَ ذَلِكَ مِنَ التَّثَبُّتِ فِي الْقِرَاءَةِ أَوِ السَّمَاعِ، وَإِلَّا فَتَقْدِيمُ الْعَرْضِ حِينَئِذٍ أَوْلَى. قَالَ: بَلْ أَقُولُ: إِنَّهُ أَوْلَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا قُوبِلَ أَوَّلًا كَانَ حَالَةَ السَّمَاعِ أَيْسَرَ، وَأَيْضًا فَإِنْ وَقَعَ إِشْكَالٌ كُشِفَ عَنْهُ وَضُبِطَ، فَقُرِئَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَكَمْ مِنْ جُزْءٍ قُرِئَ بَغْتَةً، فَوَقَعَ فِيهِ أَغَالِيطُ وَتَصْحِيفَاتٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ صَوَابُهَا إِلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَأُصْلِحَتْ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَعَتِ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ كَذِبًا إِنْ قَالَ: قَرَأْتُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. (وَقِيلَ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَافِظِ أَبِي الْفَضْلِ الْهَرَوِيِّ الْجَارُودِيِّ: (بَلْ) خَيْرُ الْعَرْضِ مَا كَانَ (مَعْ نَفْسِهِ) بِعَيْنِكَ حَرْفًا حَرْفًا لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ لَمْ يُقَلِّدْ غَيْرَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِ شَيْخِهِ وَاسِطَةً، وَهُوَ بِذَلِكَ عَلَى ثِقَةٍ وَيَقِينٍ مِنْ مُطَابَقَتِهِمَا (وَ) لِذَا (اشْتَرَطَا بَعْضُهُمْ) مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ (هَذَا) فَجَزَمَ كَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ مُقَابَلَتِهِ مَعَ أَحَدٍ غَيْرِ نَفْسِهِ (وَفِيهِ) أَيِ: الِاشْتِرَاطِ (غُلِّطَا) الْقَائِلُ بِهِ. فَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: (إِنَّهُ مَذْهَبٌ مَتْرُوكٌ، وَهُوَ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ التَّشْدِيدِ الْمَرْفُوضَةِ فِي عَصْرِنَا). وَصَحَّحَ عَدَمَهُ لَا سِيَّمَا وَالْفِكْرُ يَتَشَعَّبُ بِالنَّظَرِ فِي النُّسْخَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْحَقُّ كَمَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَرُبَّ مَنْ عَادَتُهُ- يَعْنِي لِمَزِيدِ يَقَظَتِهِ وَحِفْظِهِ- عَدَمُ السَّهْوِ عِنْدَ نَظَرِهِ فِيهِمَا، فَهَذَا مُقَابَلَتُهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى، أَوْ عَادَتُهُ- يَعْنِي لِجُمُودِ حَرَكَتِهِ وَقِلَّةِ حِفْظِهِ- السَّهْوُ. فَهَذَا مُقَابَلَتُهُ مَعَ غَيْرِهِ أَوْلَى، عَلَى أَنَّ الْخَطِيبَ قَالَ: (إِنَّهُ لَوْ سَمِعَ مِنَ الرَّاوِي وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نُسْخَةٌ، ثُمَّ نَسَخَ مِنَ الْأَصْلِ، اسْتُحِبَّ لَهُ الْعَرْضُ عَلَى الرَّاوِي أَيْضًا لِلتَّصْحِيحِ وَإِنْ قَابَلَ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ خَطَأٌ وَنُقْصَانُ حُرُوفٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُهُ الرَّاوِي، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّهُ فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ كَذَلِكَ رَوَاهُ فَكَرِهَ تَغْيِيرَ رِوَايَتِهِ- يَعْنِي: وَمَشَى عَلَى الصَّوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ- وَعَوَّلَ فِيهِ عَلَى حِفْظِهِ لَهُ وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ. ثُمَّ حَكَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: إِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ- يَعْنِي مِنَ الْعَرْضِ مَعَ الشَّيْخِ- أَوْلَى مِنْ إِطْلَاقِ الْجَارُودِيِّ، بَلْ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِهِ وَيَزُولُ الِاخْتِلَافُ. وَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا التَّرَدُّدَ فِي مُرَادِ الْجَارُودِيِّ فَقَالَ: إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ مَعَ الشَّيْخِ أَوْ مَعَ مَوْثُوقٍ بِهِ فَهُوَ مُتَّجِهٌ، فَإِنَّ عِنَايَةَ الْمَرْءِ بِتَصْحِيحِ نُسْخَتِهِ أَشَدُّ مِنَ اعْتِنَاءِ غَيْرِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ التَّشْدِيدِ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا إِنْ قَابَلَ الطَّالِبُ بِنَفْسِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَقْرَأُ سَطْرًا مِنَ الْأَصْلِ ثُمَّ يَقْرَأُهُ بِعَيْنِهِ، فَهَذَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ بِنَفْسِهِ مَعَ نَفْسِهِ مِنْ نُسْخَتَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَقْرَأُ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ فِي كِتَابِ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ، فَهَذَا يَصِحُّ، إِلَّا أَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّطْوِيلِ الَّذِي يَضِيعُ بِهِ الْعُمُرُ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَلْيَجْعَلْ لِلْعَرْضِ قَلَمًا مُعَدًّا، ثُمَّ سَاقَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ لَاجَّهُ فِي أَمْرِ الْحَدِيثِ: اسْكُتْ فَإِنَّكَ أَبْغَضُ مِنْ قَلَمِ الْعَرْضِ. فَائِدَةٌ: قَدْ مَضَى فِي الْبَابِ قَبْلَهُ حِكَايَةُ اسْتِحْبَابِ لَفْظِ الدَّارَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ مُقَابَلَةِ كُلِّ حَدِيثٍ لِئَلَّا يَكُونَ بَعْدُ فِي شَكٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ عَقِبَ كُلِّ بَابٍ أَوْ كَرَّاسٍ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْعَرْضُ، وَرُبَّمَا اقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ، آخِرَ الْكِتَابِ حَتَّى كَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَازْكُلِّيُّ يَكْتُبُ مَا نَصُّهُ: صَحَّ بِالْمُعَارَضَةِ وَسَلِمَ بِالْمُقَابَلَةِ مِنَ الْمُنَاقَضَةِ، وَذَلِكَ مِنَ الْبَسْمَلَةِ إِلَى الْحَسْبَلَةِ. [صِحَّةُ السَّمَاعِ بِدُونِ النَّظَرِ فِي الْكِتَابِ]: (وَلْيَنْظُرِ السَّامِعُ) اسْتِحْبَابًا (حِينَ يَطْلُبُ) أَيْ: يَسْمَعُ (فِي نُسْخَةٍ) إِمَّا لَهُ أَوْ لِمَنْ حَضَرَ مِنَ السَّامِعِينَ أَوِ الشَّيْخِ، فَهُوَ أَضْبَطُ وَأَجْدَرُ أَنْ يَفْهَمَ مَعَهُ مَا يَسْمَعُ، لِوُصُولِ الْمَقْرُوءِ إِلَى قَلْبِهِ مِنْ طَرِيقَيِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ كَمَا أَنَّ النَّاظِرَ فِي الْكِتَابِ إِذَا تَلَفَّظَ بِهِ يَكُونُ أَثْبَتَ فِي قَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ. قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي (الْمُوَفَّقِيَّاتِ): (دَخَلَ عَلِيَّ أَبِي وَأَنَا أَنْظُرُ فِي دَفْتَرٍ وَأَرْوِي فِيهِ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي وَلَا أَجْهَرُ، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لَكَ مِنْ رِوَايَتِكَ هَذِهِ مَا أَدَّى بَصَرُكَ إِلَى قَلْبِكَ، فَإِذَا أَرَدْتَ الرِّوَايَةَ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَاجْهَرْ بِهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ مِنْهَا مَا أَدَّى بَصَرُكَ إِلَى قَلْبِكَ، وَمَا أَدَّى سَمْعُكَ إِلَى قَلْبِكَ). وَلِهَذَا قَالَ الْخَطِيبُ: (حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ) قَالَ: أَتَى جَمَاعَةً مِنَ الطَّلَبَةِ الْحَافِظَ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمِصْرِيَّ الْحَبَّالَ لِيَسْمَعُوا مِنْهُ جُزْءًا، فَأَخْرَجَ بِهِ عِشْرِينَ نُسْخَةً، وَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ نُسْخَةً يُعَارِضُ بِهَا. وَيَتَأَكَّدُ النَّظَرُ إِذَا أَرَادَ السَّامِعُ النَّقْلَ مِنْهَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِلْخَطِيبِ، لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَدْ تَوَلَّى الْعَرْضَ بِنَفْسِهِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ مُنَاسِبَةُ إِدْخَالِ هَذَا الْفَرْعِ فِي التَّرْجَمَةِ، وَبِكَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا صَرَّحَ الْخَطِيبُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْمَكِّيِّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَيُجْزِئُ أَلَّا أَنْظُرَ فِي النُّسْخَةِ حِينَ السَّمَاعِ وَأَقُولُ: ثَنَا. مِثْلَ الصَّكِّ شَهِدَ بِمَا فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ؟ فَقَالَ لِي: لَوْ نَظَرْتَ فِي الْكِتَابِ كَانَ أَطْيَبَ لِنَفْسِكَ. (وَقَالَ يَحْيَى) بْنُ مَعِينٍ كَمَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي (الْكِفَايَةِ) مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ فِيهِ وِجَادَةٌ، وَأَوْرَدَهُ لِذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ (يَجِبُ) النَّظَرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَم يَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ وَالْمُحَدِّثُ يَقْرَأُ: أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِذَلِكَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا عِنْدِي فَلَا، وَلَكِنَّ عَامَّةَ الشُّيُوخِ هَكَذَا سَمَاعُهُمْ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ يُحَدِّثُ مِنَ الْكِتَابِ ثُمَّ يُلْقِيهِ إِلَيْهِمْ فَيَكْتُبُونَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَظَرُوا فِيهِ. وَلَمْ يَنْفَرِدِ ابْنُ مَعِينٍ بِهَذَا، فَقَدْ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتُمْ أَهْلُ بَلَدٍ يُنْظَرُ إِلَيْكُمْ، يَجِيءُ رَجُلٌ يَسْأَلُنِي فِي أَحَادِيثَ وَأَنْتُمْ لَا تَنْظُرُونَ فِيهَا ثُمَّ تَكْتُبُونَهَا، لَا أُحِلُّ لِمَنْ لَمْ يَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَنْسَخَ مِنْهَا شَيْئًا. وَنَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا الثَّوْرِيُّ قَالَ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ يَكْتُبُ، خَفِيفِ الْكِتَابِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا بِهِشَامِ بْنِ يُوسُفَ فَكَانَ هُوَ يَكْتُبُ وَنَحْنُ نَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ، فَإِذَا فَرَغَ خَتَمْنَا الْكِتَابَ حَتَّى نَنْسَخَهُ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّ هَذَا مِنْ مَذَاهِبِ الْمُتَشَدِّدِينَ فِي الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ وَصِحَّةُ السَّمَاعِ وَلَوْ لَمْ يُنْظَرْ أَصْلًا فِي الْكِتَابِ حَالَةَ السَّمَاعِ. انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصَّ الِاشْتَرَاطُ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ النُّسْخَةِ مَأْمُونًا مَوْثُوقًا بِضَبْطِهِ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ الْعَرْضُ بِأَصْلِ الرَّاوِي، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْخَطِيبِ، لَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ، وَعِبَارَتُهُ: (وَإِذَا كَانَ صَاحِبُ النُّسْخَةِ مَأْمُونًا فِي نَفْسِهِ، مَوْثُوقًا بِضَبْطِهِ، جَازَ لِمَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ أَنْ يَتْرُكَ النَّظَرَ مَعَهُ اعْتِمَادًا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ وَيَجُوزُ تَرْكُ النَّظَرِ حِينَ الْقِرَاءَةِ إِذَا كَانَ الْعَرْضُ قَدْ سَبَقَ بِالْأَصْلِ). ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ اشْتِرَاطِ الْخَطِيبِ الْمُقَابَلَةَ فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَبِهِ صَرَّحَ عِيَاضٌ أَيْضًا فَقَالَ: (لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ التَّقِيِّ الرِّوَايَةُ مِمَّا لَمْ يُقَابِلْ، وَلَا يَنْخَدِعُ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى نَسْخِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ، وَلَا عَلَى نَسْخِهِ هُوَ بِيَدِهِ بِدُونِ مُقَابَلَةٍ وَتَصْحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْفِكْرَ يَذْهَبُ، وَالْقَلْبَ يَسْهُو، وَالْبَصَرَ يَزِيغُ، وَالْقَلَمَ يَطْغَى. بَلْ وَاخْتَارَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ شَيْخِهِ شَيْئًا سَمِعَهُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ هَلْ هُوَ كُلُّ الَّذِي سَمِعَهُ أَوْ بَعْضُهُ؟ وَهَلْ هُوَ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ لَا؟). [الشُّرُوطُ لِجَوَازِ الرِّوَايَةِ مِنْ كِتَابٍ غَيْرِ مُعَارَضٍ]: (وَجَوَّزَ الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَائِينِيُّ (أنْ يَرْوِيَ) الْمُحَدِّثُ (مِنْ) فَرْعٍ (غَيْرِ مُقَابَلٍ)، بَلْ (وَ) نَسَبَ الْجَوَازَ أَيْضًا (لِلْخَطِيبِ) كَمَا فِي (كِفَايَتِهِ)، لَكِنْ (إِنْ بَيَّنَ) عِنْدَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ، (وَ) كَانَ (النَّسْخُ) لِذَلِكَ الْفَرْعِ (مِنْ أَصْلٍ) بِالنَّقْلِ مُعْتَمَدٍ. وَسَبَقَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى اشْتِرَاطِ أَوَّلِهِمَا، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ، لِمَا عَسَى يَقَعُ مِنْ زَلَّةٍ أَوْ سُقُوطٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ شَيْخُ الْخَطِيبِ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ رَوَى لَنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً قَالَ فِيهَا: أَنَا فُلَانٌ. وَلَمْ أُعَارِضْ بِالْأَصْلِ. (وَلْيُزَدْ) وَهُوَ شَرْطٌ ثَالِثٌ (صِحَّةُ مَا نَقَلَ نَاسِخٌ) لِذَلِكَ الْفَرْعِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ سَقِيمَ النَّقْلِ كَثِيرَ السَّقْطِ، (فَالشَّيْخُ) ابْنُ الصَّلَاحِ قَدْ (شَرَطَهُ). كُلُّ ذَلِكَ مَعَ مُلَاحَظَةِ بَرَاعَةِ الْقَارِئِ أَوِ الشَّيْخِ أَوْ بَعْضِ السَّامِعِينَ؛ لِأَنَّ بِمَجْمُوعِهِ يَخْرُجُ مِنَ الْعُهْدَةِ، وَلَا يُتَّهَمُ عِنْدَ ظُهُورِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا رَوَى، لَا سِيَّمَا بَعْدَ اصْطِلَاحِ الِاسْتِجَازَةِ الَّتِي بِهَا يَنْجَبِرُ مَا لَعَلَّهُ يَتَّفِقُ مِنْ خَلَلٍ، وَكَوْنِ الْمَلْحُوظِ أَيْضًا كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ قُبَيْلَ مَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ بَقَاءَ سِلْسِلَةِ الْإِسْنَادِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَإِنْ مَنَعَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. (ثُمَّ اعْتَبِرْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ (مَا ذُكِرَا) مِنَ الشُّرُوطِ (فِي أَصْلِ الْأَصْلِ) بِالنَّقْلِ، وَ (لَا تَكُنْ) لِقِلَّةِ مُبَالَاتِكَ بِمَا يَتَضَمَّنُ عَدَمَ الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ (مُهَوِّرَا) كَمَنْ يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الِاطِّلَاعِ عَلَى سَمَاعِ شَيْخِهِ بِذَاكَ الْكِتَابِ وَيَقْرَؤُهُ مِنْ أَيِ نُسْخَةٍ اتَّفَقَتْ بِدُونِ مُبَالَاةٍ.
584- وَيُكْتَبُ السَّاقِطُ وَهْوَ اللَّحَقُ *** حَاشِيَةً إِلَى الْيَمِينِ يُلْحَقُ 585- مَا لَمْ يَكُنْ آخِرَ سَطْرٍ وَلْيَكُنْ *** لِفَوْقُ وَالسُّطُورُ أَعْلَى فَحَسَنْ 586- وَخَرِّجَنْ لِلسَّقْطِ مِنْ حَيْثُ سَقَطْ *** مُنْعَطِفًا لَهُ وَقِيلَ صِلْ بِخَطْ 587- وَبَعْدَهُ اكْتُبْ صَحَّ أَوْ زِدْ رَجَعَا *** أَوْ كَرِّرِ الْكِلْمَةَ لَمْ تَسْقُطْ مَعَا 588- وَفِيهِ لَبْسٌ وَلِغَيْرِ الْأَصْلِ *** خَرِّجْ بِوَسْطِ كِلْمَةِ الْمَحَلِّ 589- وَلِعِيَاضٍ لَا تُخَرِّجْ ضَبِّبِ *** أَوْ صَحِّحَنْ لِخَوْفِ لَبْسٍ وَأُبِي [تَخْرِيجُ السَّاقِطِ وَأَصْلُهُ]: (تَخْرِيجُ السَّاقِطِ) أَيْ: كَيْفِيَّةُ التَّخْرِيجِ لَهُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنَ التَّخْرِيجِ لِلْحَوَاشِي وَنَحْوِهَا، وَكَيْفِيَّةُ كِتَابَةِ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بَعْدَ نُزُولِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: (فَأَلْحَقْتُهَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِفٍ). [كَيْفِيَّةُ إِلْحَاقِ السَّاقِطِ]: (وَيُكْتَبُ السَّاقِطُ) غَلَطًا مِنْ أَصْلِ الْكِتَابِ (وَهْوَ) أَيِ: الْمَكْتُوبُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْكُتَّابِ (اللَّحَقُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ أَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ: كَأَنَّهُ بَيْنَ أَسْطُرٍ لَحَقٌ. مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِلْحَاقِ، (حَاشِيَةً) أَيْ: فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ أَوْ بَيْنَ سُطُورِهِ إِنْ كَانَتْ مُتَّسِعَةً لَكِنَّهُ فِي الْحَاشِيَةِ أَوْلَى لِسَلَامَتِهِ مِنْ تَغْلِيسٍ مَا يَقْرَأُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتِ السُّطُورُ ضَيِّقَةً مُتَلَاصِقَةً، وَلْيَكُنِ السَّاقِطُ فِي جَمِيعِ السَّطْرِ إِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ (إِلَى) جِهَةٍ (الْيَمِينِ) مِنْ جَانِبَيِ الْوَرَقَةِ لِشَرَفِهِ (يَلْحَقُ مَا لَمْ يَكُنْ) السَّاقِطُ (آخِرَ سَطْرٍ) فَإِنَّهُ يُلْحَقُ إِلَى جِهَةِ الْيَسَارِ لِلْأَمْنِ حِينَئِذٍ مِنْ نَقْصٍ فِيهِ بَعْدَهُ، وَلِيَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْأَصْلِ، وَإِنَ أَلْحَقَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ هَذَا أَيْضًا لِجِهَةِ الْيَمِينِ، فَالْيَسَارُ أَوْلَى. فَإِنْ تَكَرَّرَ أُلْحِقَ الثَّانِي لِجِهَةِ الْيَسَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ جُمِعَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ، وَإِنَ أُلْحِقَ الْأَوَّلُ فِي الْيَسَارِ وَالثَّانِي فِي الْيَمِينِ لَقَابَلَ طَرَفَا التَّخْرِيجَتَيْنِ، وَصَارَ يُتَوَهَّمُ بِذَلِكَ الضَّرْبُ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا، لِكَوْنِهِ أَحَدَ طُرُقِ الضَّرْبِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: يُبْعِدُ التَّوَهُّمَ رُؤْيَةُ اللَّحَقِ مَكْتُوبًا بِالْجَانِبَيْنِ مُقَابِلَ التَّخْرِيجَتَيْنِ. وَلْيَكُنِ السَّاقِطُ فِي السَّطْرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ إِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى سَطْرٍ مُلَاصِقًا لِأَصْلِ الْكِتَابِ صَاعِدًا (لِفَوْقُ) بِضَمِ الْقَافِ، إِلَى أَعَلَى الْوَرَقَةِ لَا نَازِلًا إِلَى أَسْفَلِهَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ سَقْطٍ آخَرَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَجِدُ لَهُ مُقَابِلَهُ مَوْضِعًا، أَوْ كَتَبَ الْأَوَّلَ إِلَى أَسْفَلَ. (وَ) إِنَّ زَادَ عَلَى سَطْرٍ فَلْتَكُنِ (السُّطُورُ أَعْلَى) الطُّرَّةِ الْمُقَابِلُ لِمَحَلِّهِ نَازِلًا بِهَا إِلَى أَسْفَلَ بِحَيْثُ تَنْتَهِي سُطُورُهُ إِلَى أَصْلِ الْكِتَابِ إِنْ كَانَ اللَّحَقُ فِي جِهَةِ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ فِي جِهَةِ الشِّمَالِ ابْتَدَأَ سُطُورَهُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى أَصْلِ الْكِتَابِ بِحَيْثُ تَنْتَهِي سُطُورُهُ إِلَى جِهَةِ طَرَفِ الْوَرَقَةِ، هَذَا فِيمَا يُكْتَبُ صَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ اللَّحَقُ نَازِلًا حَيْثُ كَانَ فِي السَّقْطِ الثَّانِي أَوْ خَالَفَ فِي الْأَوَّلِ، انْعَكَسَ الْحَالُ، ثُمَّ إِنِ اتَّفَقَ انْتِهَاءُ الْهَامِشِ قَبْلَ فَرَاغِ السَّقْطِ اسْتَعَانَ بِأَعْلَى الْوَرَقَةِ أَوْ بِأَسْفَلِهَا حَسْبَمَا يَكُونُ اللَّحَقُ مِنْ كِلَا الْجِهَتَيْنِ (فـَ) هَذَا الِاصْطِلَاحُ قَدْ (حَسُنَ) مِمَّنْ يَفْعَلُهُ، كُلُّ هَذَا إِنِ اتَّسَعَ الْمَحَلُّ بِعَدَمِ لَحَقٍ قَبْلَهُ فِي السَّطْرِ نَفْسِهِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ. وَكَذَا إِنْ كَانَ الْهَامِشُ مِنَ الْجِهَتَيْنِ عَرِيضًا كَمَا هُوَ صَنِيعُ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَمْ يَضِقْ أَحَدُهُمَا مَعَ ذَلِكَ بِالْحَبْكِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ تَحَرَّى فِيمَا يَزُولُ مَعَهُ الْإِلْبَاسُ، وَلَا يُظْلِمُ بِهِ الْقِرْطَاسُ مَعَ الْحِرْصِ عَلَى عَدَمِ إِيصَالِ الْكِتَابَةِ بِطَرَفِ الْوَرَقَةِ، بَلْ يَدَعُ مَا يَحْتَمِلُ الْحَكَّ مِرَارًا فَقَدْ تَعَطَّلَ بِسَبَبِ إِغْفَالِ ذَلِكَ الْكَثِيرُ. (وَخَرِّجَنْ) بِنُونِ التَّأْكِيدِ الْخَفِيفَةِ (لِلسَّقْطِ) أَيِ: السَّاقِطِ الَّذِي كَتَبْتَهُ أَوْ سَتَكْتُبُهُ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ مِنْ (حَيْثُ سَقَطْ) خَطًّا صَاعِدًا إِلَى تَحْتِ السَّطْرِ الَّذِي فَوْقَهُ يَكُونُ (مُنْعَطِفًا لَهُ) أَيْ: لِجِهَةِ السَّقْطِ مِنَ الْحَاشِيَةِ يَسِيرًا لِيَكُونَ إِشَارَةً إِلَيْهِ. (وَقِيلَ): لَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ بِالِانْعِطَافِ بَلْ (صِلْ) بَيْنَ الْخَطِّ وَأَوَّلِ اللَّحَقِ بِخَطٍّ مُمْتَدٍّ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا وَإِنْ قَالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: إِنَّهُ أَجْوَدُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ الْبَيَانِ. فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: غَيْرُ مَرَضِيٍّ. بَلْ قَالَ عِيَاضٌ: إِنَّهُ تَسْخِيمٌ لِلْكِتَابِ وَتَسْوِيدٌ لَهُ، وَإِنْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ لَا سِيَّمَا إِنْ كَثُرَ التَّخْرِيجُ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَعَلَيْهِ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عِنْدَنَا. وَلِذَا اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. نَعَمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يُقَابِلُ النَّقْصَ خَالِيًا، وَاضْطُرَّ لِكِتَابَتِهِ بِمَوْضِعٍ آخَرَ، مَدَّ حِينَئِذٍ الْخَطَّ إِلَى أَوَّلِ اللَّحَقِ كَمَا فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ. وَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: جَيِّدٌ حَسَنٌ. وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ يَكْتُبَ قُبَالَهُ إِنِ اتَّسَعَ الْمَحَلُّ: يَتْلُوهُ كَذَا فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ. أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ رَمْزٌ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَزُولُ بِهِ اللَّبْسُ. (وَبَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ انْتِهَاءِ السَّاقِطِ وَلَوْ كَلِمَةً (اكْتُبْ) إِشَارَةً إِلَى انْتِهَائِهِ وَثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ (صَحَّ) صَغِيرَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا، (أَوْ زِدْ) مَعَهَا كَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ (رَجَعَا أَوْ) لَا تَكْتُبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، بَلِ اكْتُبِ: انْتَهَى اللَّحَقُ. كَمَا حَكَّاهُ عِيَاضٌ أَيْضًا عَنْ بَعْضِهِمْ، وَفِيهِمَا تَطْوِيلٌ، أَوِ اقْتَصِرْ عَلَى (رَجْعٍ) كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. أَوْ (كَرِّرِ الْكِلْمَةَ) بِسُكُونِ اللَّامِ، الَّتِي (لَمْ تَسْقُطْ) مِنْ أَصْلِ الْكِتَابِ وَهِيَ تَالِيَةٌ لِلْمُلْحَقِ بِأَنْ تَكْتُبَهَا بِالْهَامِشِ أَيْضًا (مَعَا وَ) هَذَا وَإِنْ حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنِ اخْتِيَارِ بَعْضِ أَهْلِ الصَّنْعَةِ مِنَ الْمَغَارِبَةِ، وَقَالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ: إِنَّهُ أَجْوَدُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِيٍّ. وَقَالَ عِيَاضٌ- وَتَبِعَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ-: (إِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ). (وَفِيهِ لَبْسٌ) فَرُبَّ كَلِمَةٍ تَجِيءُ فِي الْكَلَامِ مَرَّتَيْنِ بَلْ ثَلَاثًا لِمَعْنًى صَحِيحٍ، فَإِذَا كَرَّرْنَا الْكَلِمَةَ لَمْ نَأْمَنْ أَنْ تُوَافِقَ مَا لَا يَمْتَنِعُ تَكْرِيرُهُ؛ إِمَّا جَزْمًا فَتَكُونُ زِيَادَةً مُوَجَّهَةً، أَوِ احْتِمَالًا فَتُوجِبُ ارْتِيَابًا وَزِيَادَةَ إِشْكَالٍ. قَالَ: وَالصَّوَابُ التَّصْحِيحُ. لَكِنْ قَدْ نُسِبَ لِشَيْخِنَا: إِنْ صَحَّ أَيْضًا رُبَّمَا انْتَظَمَ الْكَلَامُ بَعْدَهَا بِهَا فَيُظَنُّ أَنَّهَا مِنَ الْكِتَابِ. انْتَهَى. وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُبْعِدُهُ فِيهِمَا مَعًا الْإِحَاطَةُ بِسُلُوكِ الْمُقَابِلِ لَهُ دَائِمًا فِيمَا يَحْسُنُ مَعَهُ الْإِثْبَاتُ وَمِمَّا لَا يَحْسُنُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْأَحْسَنُ الرَّمْزُ بِمَا لَا يُقْرَأُ، كَأَنْ لَا تُجَوَّدَ الْحَاءُ مَنْ صَحَّ كَمَا هُوَ صَنِيعُ كَثِيرِينَ، وَكَأَنَّ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ تَصْغِيرَهَا. (وَلـِ) مَا يَكُونُ مِنْ (غَيْرِ الْأَصْلِ) مِمَّا يُكْتَبُ فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ مِنْ شَرْحٍ أَوْ فَائِدَةٍ أَوْ تَنْبِيهٍ عَلَى غَلَطٍ أَوِ اخْتِلَافِ رِوَايَةٍ أَوْ نُسْخَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، (خَرِّجْ) لَهُ (بِوَسْطِ) بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ (كِلْمَةِ) بِسُكُونِ اللَّامِ (الْمَحَلِّ) الَّتِي تَشْرَحُ، أَوْ يُنَبِّهُ عَلَى مَا فِيهَا لَا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ لِيَفْتَرِقَ بِذَلِكَ عَنِ الْأَوَّلِ، (وَ) لَكِنْ (لِعِيَاضٍ لَا تُخَرِّجْ) بَلْ (ضَبِّبِ) عَلَى تِلْكَ الْكَلِمَةِ (أَوْ صَحِّحَنْ) بِنُونِ التَّأْكِيدِ الْخَفِيفَةِ، أَيِ: اكْتُبْ (صَحَّ) عَلَيْهَا (لِخَوْفِ) دُخُولِ (لَبْسٍ) فِيهِ حَيْثُ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنَ الْأَصْلِ لِكَوْنِ ذَاكَ هُوَ الْمُخْتَصَّ بِالتَّخْرِيجِ لَهُ. (وَ) قَدْ (أُبِي)؛ أَيْ: مُنِعَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عِيَاضٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الضَّبَّةِ وَالتَّصْحِيحِ اصْطُلِحَ بِهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، فَخَوْفُ اللَّبْسِ أَيْضًا حَاصِلٌ، بَلْ هُوَ فِيهِ أَقْرَبُ لِافْتِرَاقِ صُورَتَيِ التَّخْرِيجِ فِي الْأَوَّلِ، وَاخْتِصَاصِ السَّاقِطِ بِقَدْرٍ زَائِدٍ وَهُوَ الْإِشَارَةُ فِي آخِرِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْأَصْلِ، بَلْ رُبَّمَا أُشِيرَ لِلْحَاشِيَةِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَمْدُودَةٍ، وَلِلنُّسْخَةِ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ إِنْ لَمْ يُرْمَزْ لَهَا. وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: (إِنَّ التَّخْرِيجَ أَوْلَى وَأَدَلُّ). قَالَ: (وَفِي نَفْسِ هَذَا التَّخْرِيجِ مَا يَمْنَعُ الْإِلْبَاسَ، وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَرَأْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا: مَحَلُّ قَوْلِ عِيَاضٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَلَامَةٌ تُمَيِّزُهُ، كَلَوْنِ الْحُمْرَةِ أَوْ دِقَّةِ الْقَلَمِ). انْتَهَى. وَلْيُلَاحَظْ فِي الْحَوَاشِي وَنَحْوِهَا عَدَمُ الْكِتَابَةِ بَيْنَ السُّطُورِ، وَتَرْكُ مَا يَحْتَمِلُ الْحَكَّ مِنْ جَوَانِبِ الْوَرَقَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ، وَلَا يَضْجَرُ مِنَ الْإِصْلَاحِ وَالتَّحْقِيقِ لَهُ. وَقَدْ أَنْشَدَ الشَّرِيفُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ وَالْحَدِيثَ فَلَا *** يَضْجَرُ مِنْ خَمْسَةٍ يُقَاسِيهَا دَرَاهِمَ لِلْعُلُومِ يَجْمَعُهَا *** وَعِنْدَ نَشْرِ الْحَدِيثِ يُفْنِيهَا يُضْجِرُهُ الضَّرْبُ فِي دَفَاتِرِهِ *** وَكَثْرَةُ اللَّحْقِ فِي حَوَاشِيهَا يَغْسِلُ أَثْوَابَهُ وَبِزَّتَهُ *** مِنْ أَثَرِ الْحِبْرِ لَيْسَ يُنْقِيهَا وَاللَّحَقُ فِي النَّظْمِ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَأَنَّهُ خَفَّفَهَا لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: خَيْرُ مَا يَقْتَنِي اللَّبِيبُ كِتَابٌ *** مُحْكَمُ النَّقْلِ مُتْقَنُ التَّقْيِيدِ خَطَّهُ عَارِفٌ نَبِيلٌ وَعَانَاهُ *** فَصَحَّ التَّبْيِيضُ بِالتَّسْوِيدِ لَمْ يَخُنْهُ إِتْقَانُ نَقْطٍ وَشَكْلٍ *** لَا وَلَا عَابَهُ لِحَاقُ الْمَزِيدِ وَكَأَنَّ التَّخْرِيجَ فِي طُرَّتَيْهِ *** طُرَرٌ صَفَّقَتْ بِيضَ الْخُدُودِ فَيُنَاجِيكَ شَخْصُهُ مِنْ قَرِيبٍ *** وَيُنَادِيكَ نَصُّهُ مِنْ بَعِيدٍ فَاصْحَبَنَّهُ تَجِدْهُ خَيْرَ جَلِيسٍ *** وَاخْتَبِرْهُ تَجِدْهُ آنَسَ الْمُرِيدِ وَلَا يَكْتُبُ الْحَوَاشِيَ فِي كِتَابٍ لَا يَمْلِكُهُ إِلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَأَمَّا الْإِصْلَاحُ فِيهِ فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ بِدُونِهِ فِي الْحَدِيثِ قِياسًا عَلَى الْقُرْآنِ.
590- وَكَتَبُوا صَحَّ عَلَى الْمُعَرَّضِ *** لِلشَّكِّ إِنْ نَقْلًا وَمَعْنًى ارْتُضِيَ 591- وَمَرَّضُوا فَضَبَّبُوا صَادًا تُمَدْ *** فَوْقَ الَّذِي صَحَّ وُرُودًا وَفَسَدْ 592- وَضَبَّبُوا فِي الْقَطْعِ وَالْإِرْسَالِ *** وَبَعْضُهُمْ فِي الْأَعْصُرِ الْخَوَالِي 593- يَكْتُبُ صَادًا عِنْدَ عَطْفِ الِاسْمَا *** تُوهِمُ تَضْبِيبًا كَذَاكَ إِذْ مَا 594- يَخْتَصِرُ التَّصْحِيحَ بَعْضٌ يُوهِمُ *** وَإِنَّمَا يَمِيزُهُ مَنْ يَفْهَمُ [التَّصْحِيحُ]: (التَّصْحِيحُ) وَهُوَ كِتَابَةُ (صَحَّ) (وَالتَّمْرِيضُ) وَهُوَ التَّضْبِيبُ (وَكَتَبُوا) أَيْ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَهْلِ التَّقْيِيدِ وَمَنْ تَأَسَّى بِهِمْ: (صَحَّ) تَامَّةً كَبِيرَةً، أَوْ صَغِيرَةً وَهُوَ أَحْسَنُ (عَلَى) أَيْ: فَوْقَ (الْمُعَرَّضِ) مِنْ حَرْفٍ فَأَكْثَرَ (لِلشَّكِّ) أَوِ الْخِلَافِ فِيهِ لِأَجْلِ تَكْرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ (إِنْ نَقَلَا) أَيْ: رِوَايَةً (وَمَعْنًى ارْتُضِي) الْمُصَحَّحُ عَلَيْهِ إِشَارَةً بِهَا إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَغْفُلْ عَنْهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضُبِطَ وَصَحَّ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لِئَلَّا يُبَادِرَ الْوَاقِفَ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ إِلَى تَخْطِئَتِهِ. وَقَالَ يَاقُوتٌ الرُّومِيُّ ثُمَّ الْحَمَوِيُّ الْكَاتِبُ: بَلْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ كَانَ شَاكًّا فِيهِ فَبَحَثَ فِيهِ إِلَى أَنْ صَحَّ فَخَشِيَ أَنْ يُعَاوِدَهُ الشَّكُّ فَكَتَبَهَا لِيَزُولَ عَنْهُ الشَّكُّ فِيمَا بَعْدُ. ثُمَّ إِنَّ كَوْنَهَا تُكْتَبُ أَعْلَى الْحَرْفِ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَحْسَنُ، وَإِلَّا فَلَوْ كُتِبَتْ عِنْدَهُ بِالْحَاشِيَةِ مَثَلًا لَا بِجَانِبِهِ لِئَلَّا يُلْتَبَسَ، كَفَى، لِقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: كِتَابَةُ (صَحٍّ) عَلَى الْكَلَامِ أَوْ عِنْدَهُ، كَمَا أَنَّ كِتَابَتَهَا عَلَى الْمُكَرَّرِ مِنَ الْمُعَرَّضِ هُوَ الْأَشْهَرُ أَيْضًا. وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ إِذَا تَكَرَّرَتْ كَلِمَاتٌ أَوْ كَلِمَةٌ يَكْتُبُ عَدَدَهَا فِي الْحَاشِيَةِ بِحُرُوفِ الْجُمَلِ. [التَّمْرِيضُ]: (وَ) كَذَا (مَرَّضُوا فَضَبَّبُوا) مَا مَرَّضُوهُ حَيْثُ جَعَلُوا (صَادًا) مُهْمَلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ “ صَحَّ “، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعْجَمَةً مِنْ (ضَبَّهُ) (تُمَدْ) بِدُونِ تَجْوِيفٍ لِلْمَدِّ بَلْ هَكَذَا “ صَـ “ (فَوْقَ الَّذِي صَحَّ) مِنْ حَرْفٍ فَأَكْثَرَ، (وُرُودًا) أَيْ: مِنْ جِهَةِ الْوُرُودِ فِي الرِّوَايَةِ، (وَ) لَكِنْ (فَسَدْ) مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَائِزٍ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ شَاذًّا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِهَا، أَوْ مُصَحَّفًا أَوْ نَاقِصًا لِكَلِمَةٍ فَأَكْثَرَ، أَوْ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا، أَوْ أَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ لِلْإِشَارَةِ بِالْمُمَرَّضِ؛ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِخَطِّ الضَّرْبِ الْآتِي، لَا سِيَّمَا عِنْدَ صِغَرِ فَتْحَتِهَا إِشَارَةً بِنِصْفِ “ صَحَّ “ إِلَى أَنَّ الصِّحَّةِ لَمْ تَكْمُلْ فِي ذَاكَ الْمَحَلِّ مَعَ صِحَّةِ نَقْلِهِ وَرِوَايَتِهِ كَذَلِكَ، وَتَنْبِيهًا بِهِ لِمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُتَثَبِّتٌ فِي نَقْلِهِ غَيْرُ غَافِلٍ، وَإِنَّمَا اخْتُصَّ التَّمْرِيضُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ تَحَتُّمِ الْخَطَأِ فِي الْمُعَلَّمِ عَلَيْهِ، بَلْ لَعَلَّ غَيْرَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مِمَّنْ يَقِفُ عَلَيْهِ يُخَرِّجُ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا. يَعْنِي: وَيَتَّجِهُ الْمَعْنَى كَمَا وَقَعَ لِابْنِ مَالِكٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِ “ الصَّحِيحِ “، أَوْ يَظْهَرُ لَهُ هُوَ بَعْدُ فِي تَوْجِيهِ صِحَّتِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْآنَ، فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تَكْمِيلُهَا (صَحَّ) الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْمُعَرَّضِ لِلشَّكِّ. وَوَجَدْتُ فِي كَلَامِ يَاقُوتٍ مَا يَشْهَدُ لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الضَّبَّةُ- وَهِيَ بَعْضُ (صَحَّ)- تُكْتَبُ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ شَكٌّ؛ لِيُبْحَثَ فِيهِ، فَإِذَا تَحَرَّرَ لَهُ أَتَمَّهَا بِالْحَاءِ فَتَصِيرُ (صَحَّ)، وَلَوْ جَعَلَ لَهَا عَلَامَةً غَيْرَهَا لَتَكَلَّفَ الْكَشْطَ لَهَا، وَكَتَبَ (صَحَّ) مَكَانَهَا. انْتَهَى. وَكَوْنُ الضَّبَّةِ لَيْسَتْ لِلْجَزْمِ بِالْخَطَأِ مِمَّا يَتَأَيَّدُ بِهِ الصَّوَابُ مِنْ سَدِّ بَابِ الْإِصْلَاحِ خَوْفًا مِنْ ظُهُورِ تَوْجِيهِ مَا ظُنَّ خَطَؤُهُ، وَقَدْ تَجَاسَرَ بَعْضُهُمْ- وَأَكْثَرُهُمْ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُحَدِّثِينَ كَمَا أَفَادَهُ عِيَاضٌ- كَأَبِي الْوَلِيدِ هِشَامِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَقْشِيِّ أَحَدِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ. فَكَانَ كَمَا قَالَ تِلْمِيذُهُ عِيَاضٌ: إِذَا مَرَّ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَتَّجِهْ لَهُ وَجْهُهُ أَصْلَحَهُ بِمَا يَظُنُّ اعْتِمَادًا عَلَى وُثُوقِهِ بِعِلْمِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا كَانَ فِي الْكِتَابِ، وَتَبَيَّنَ وَجْهُهُ، وَأَنَّ مَا غَيَّرَهُ إِلَيْهِ خَطَأٌ فَاسِدٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ. وَإِنْ كَانَ مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ خَطَأً مَحْضًا عِنْدَ كُلِّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ، كَتَبَ فَوْقَهُ (كَذَا) صَغِيرَةً، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ، وَبَيَّنَ الصَّوَابَ بِالْهَامِشِ كَمَا سَيَأْتِي فِي إِصْلَاحِ اللَّحْنِ. وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الضَّبَّةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ إِمَّا مِنْ ضَبَّةِ الْقَدَحِ الَّتِي تُجْعَلُ لِمَا يَكُونُ بِهِ مِنْ كَسْرٍ أَوْ خَلَلٍ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَلَا يُخْدَشُ فِيهِ بِأَنَّ ضَبَّةَ الْقَدَحِ لِلْجَبْرِ وَهِيَ هُنَا لَيْسَتْ جَابِرَةً، فَالتَّشْبِيهُ فِي كَوْنِهَا جُعِلَتْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا فِيهِ خَلَلٌ. وَإِمَّا مِنْ ضَبَّةِ الْبَابِ لِكَوْنِ الْحَرْفِ مُقْفَلًا لَا يَتَّجِهُ لِقِرَاءَةٍ، كَمَا أَنَّ الضَّبَّةَ يُقْفَلُ بِهَا، أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ النَّحْوِيُّ اللُّغَوِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ الْإِفْلِيلِيِّ بِكَسْرَةِ الْهَمْزَةِ وَفَاءٍ، نِسْبَةً إِلَى إِفْلِيلَ قَرْيَةٍ بِرَأْسِ عَيْنٍ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، لِكَوْنِ سَلَفِهِ نَزَلُوا بِهَا، يَرْوِي عَنِ الْأُصَيْلِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ أَبُو مَرْوَانَ الطُّبْنِيُّ، مَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ (441هـ) عَنْ تِسْعِينَ سَنَةً. قَالَ التِّبْرِيزِيُّ فِي (مُخْتَصَرِهِ): وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِشَارَةً إِلَى صُورَةِ ضَبَّةٍ لِيُوَافِقَ صُورَتُهَا مَعْنَاهَا. وَقَرَأْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا مَا حَاصِلُهُ: مُقْتَضَى تَسْمِيَتِهَا ضَبَّةً أَنْ تَكُونَ ضَادُهَا مُعْجَمَةً، وَمُقْتَضَى تَتْمِيمِهَا بِحَاءِ (صَحَّ) أَنْ تَكُونَ مُهْمَلَةً. قَالَ: لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ مُعْجَمَةً، (وَ) لَمْ يَخُصُّوا الضَّبَّةَ بِمَا تَقَدَّمَ، بَلْ (ضَبَّبُوا) أَيْضًا (فِي) مَوْضِعِ (الْقَطْعِ وَالْإِرْسَالِ) لِيَشْتَرِكَ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ السَّقْطِ الْعَارِفُ وَغَيْرُهُ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لَا يُدْرِكُهُ الْعَارِفُ إِلَّا بِالنَّظَرِ، فَيُكْفَى بِمَا يَثِقُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ مُؤْنَةَ التَّعَبِ بِالتَّفْتِيشِ. (وَبَعْضُهُمْ فِي الْأَعْصُرِ الْخَوَالِي) حَسْبَمَا وُجِدَ فِي الْأُصُولِ الْقَدِيمَةِ (يَكْتُبُ) أَيْضًا (صَادًا عِنْدَ عَطْفِ الِاسْمَا) بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ حَيْثُ يُقَالُ مَثَلًا: حَدَّثَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ. فـَ(تُوهِمُ) مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ كَوْنَهَا (تَضْبِيبًا) وَلَيْسَتْ بِضَبَّةٍ، بَلْ كَأَنَّهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: عَلَامَةُ وَصْلٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا أُثْبِتَتْ تَأْكِيدًا لِلْعَطْفِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَ الْخَبِيرِ مَكَانَ الْوَاوِ عَنْ، (كَذَاكَ إِذْ) أَيْ: حَيْثُ (مَا يَخْتَصِرُ التَّصْحِيحَ بَعْضٌ) مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الصَّادِ. (يُوهِمُ) أَيْضًا كَوْنَهُ تَضْبِيبًا، بَلْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِيهَامِ مِمَّا قَبْلَهُ، (وَإِنَّمَا يُمَيِّزُهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ (مَنْ يَفْهَمُ) فَالْفِطْنَةُ وَالْإِتْقَانُ مِنْ خَيْرِ مَا أُوتِيَهُ الْإِنْسَانُ.
595- وَمَا يَزِيدُ فِي الْكِتَابِ يُبْعَدُ *** كَشْطًا وَمَحْوًا وَبِضَرْبٍ أَجْوَدُ 596- وَصِلْهُ بِالْحُرُوفِ خَطًّا أَوْ لَا *** مِعْ عَطْفِهِ أَوْ كَتْبِ لَا ثُمَّ إِلَى 597- أَوْ نِصْفَ دَارَةٍ وَإِلَّا صِفْرَا *** فِي كُلِّ جَانِبٍ وَعَلِّمْ سَطْرَا 598- سَطْرًا إِذَا مَا كَثُرَتْ سُطُورُهْ *** أَوْ لَا وَإِنْ حَرْفٌ أَتَى تَكْرِيرُهْ 599- فَأَبْقِ مَا أَوَّلُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا *** آخِرُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَا 600- أَوِ اسْتَجِدْ قَوْلَانِ مَا لَمْ يُضَفِ *** أَوْ يُوصَفْ أَوْ نَحْوُهُمَا فَأَلِّفِ (الْكَشْطُ وَالْمَحْوُ وَالضَّرْبُ) وَغَيْرُهَا مِمَّا يُشَارُ بِهِ لِإِبْطَالِ الزَّائِدِ وَنَحْوِهِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِإِلْحَاقِ السَّاقِطِ ظَاهِرَةٌ. (وَمَا يَزِيدُ فِي الْكِتَابِ) أَيْ: يُكْتَبُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، (يُبْعَدُ) عَنْهُ بِأَحَدِ أُمُورٍ مِمَّا سَلَكَهُ الْأَئِمَّةُ: [مَعْنَى الْكَشْطِ وَالْمَحْوِ]: إِمَّا كَشْطًا؛ أَيْ بِالْكَشْطِ- وَهُوَ بِالْكَافِ وَالْقَافِ- سَلْخُ الْقِرْطَاسِ بِالسِّكِّينِ وَنَحْوِهَا، تَقُولُ: كَشَطْتُ الْبَعِيرَ كَشْطًا، نَزَعْتَ جِلْدَهُ، وَكَشَطْتُ الْجُلَّ عَنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ، وَالْغِطَاءَ عَنِ الشَّيْءِ، إِذَا كَشَفْتُ عَنْهُ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْكَشْطِ بِالْبَشْرِ تَارَةً، وَبِالْحَكِّ أُخْرَى، إِشَارَةً إِلَى الرِّفْقِ بِالْقِرْطَاسِ. [طُرُقُ الْمَحْوِ]: (وَ) إِمَّا (مَحْوًا)؛ أَيْ: بِالْمَحْوِ، وَهُوَ الْإِزَالَةُ بِدُونِ سَلْخٍ حَيْثُ أَمْكَنَ، بِأَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ فِي لَوْحٍ أَوْ رَقٍّ أَوْ وَرَقٍ صَقِيلٍ جِدًّا فِي حَالِ طَرَاوَةِ الْمَكْتُوبِ، وَأَمْنِ نُفُوذِ الْحِبْرِ بِحَيْثُ يَسْوَدُّ الْقِرْطَاسُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَتَنَوَّعُ طُرُقُ الْمَحْوِ. يَعْنِي: فَتَارَةً يَكُونُ بِالْإِصْبَعِ أَوْ بِخِرْقَةٍ. قَالَ: وَمِنْ أَغْرَبِهَا مَعَ أَنَّهُ أسْلَمُهَا مَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا كَتَبَ الشَّيْءَ ثُمَّ لَعِقَهُ. قَالَ: وَإِلَى هَذَا يُومِئُ مَا رُوِّينَا. يَعْنِي مِمَّا أَسْنَدَهُ عِيَاضٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنَ الْمُرُوءَةِ أَنْ يُرَى فِي ثَوْبِ الرَّجُلِ وَشَفَتَيْهِ مِدَادٌ. يَعْنِي: لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اشْتِغَالِهِ بِالتَّحْصِيلِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَكَذَا أَخْبَرَنِي أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّ ثِيَابَهُ كَأَنَّمَا أُمْطِرَتْ مِدَادٌ. وَلَا يَأْنَفُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي (الْأَدَبِ) أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سُلَيْمَانَ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَأَخَذَ مِنْ مِدَادِ الدَّوَاةِ وَطَلَاهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: الْمِدَادُ بِنَا أَحْسَنُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ. وَأَنْشَدَ: إِنَّمَا الزَّعْفَرَانُ عِطْرُ الْعَذَارَى *** وَمِدَادُ الدُّويِ عِطْرُ الرِّجَالِ وَنَحْوُهُ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ كَانَ يَأْكُلُ طَعَامًا فَوَقَعَ مِنْهُ عَلَى ثَوْبِهِ فَكَسَاهُ حِبْرًا، وَقَالَ: هَذَا أَثَرُ عِلْمٍ، وَذَلِكَ أَثَرُ شَرَهٍ. وَلِلْأَدِيبِ أَبِي الْحَسَنِ الْفَنْجُكِرْدِيِّ: مِدَادُ الْفَقِيهِ عَلَى ثَوْبِهِ *** أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الْغَالِيهْ وَمَنْ طَلَبَ الْفِقْهَ ثُمَّ الْحَدِيثَ *** فَإِنَّ لَهُ هِمًّةً عَالِيَهْ وَلَوْ تَشْتَرِي النَّاسُ هَذِي الْعُلُومَ *** بِأَرْوَاحِهِمْ لَمْ تَكُنْ غَالِيَهْ رُوَاةُ الْأَحَادِيثِ فِي عَصْرِنَا *** نُجُومٌ وَفِي الْعُصُرِ الْخَالِيَهْ وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وُزِنَ حِبْرُ الْعُلَمَاءِ وَدَمُ الشُّهَدَاءِ، فَيَرْجَحُ حِبْرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَمِ الشُّهَدَاءِ. بَلْ يُرْوَى فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ عِنْدَ النُّمَيْرِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: (يَحْشُرُ اللَّهُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ وَأَهْلَ الْعِلْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحِبْرُهُمْ خَلُوقٌ يَفُوحُ) الْحَدِيثَ. [مَعْنَى الضَّرْبِ وَتَجْوِيدِهِ عَلَى الْأَوَّلِينَ]: وَإِمَّا (بِضَرْبٍ) عَلَى الزَّائِدِ وَهُوَ (أَجْوَدُ) مِنَ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: إِنَّهُ الْمُسْتَحَبُّ لِقَوْلِ الرَّامَهُرْمُزِيِّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَكُّ تُهْمَةٌ. يَعْنِي: بِإِسْكَانِ الْهَاءِ فِي الْأَكْثَرِ، وَقَدْ تُحَرَّكُ مِنَ الِاتِّهَامِ بِمَعْنَى الظَّنِّ، حَيْثُ يَتَرَدَّدُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَكَانَ الْكَشْطُ لِكِتَابَةِ شَيْءٍ بَدَلَهُ ثُمَّ لَمْ يَتَيَسَّرْ، أَوْ لَا. وَلَكِنْ قَدْ يَزُولُ الِارْتِيَابُ حِينَئِذٍ بِكِتَابَةِ (صَحَّ) فِي الْبَيَاضِ كَمَا رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ يَفْعَلُهُ، نَعَمْ رُبَّمَا يَثْبُتُ مَا كُشِطَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ، فَيَشُقُّ عَلَى مَنْ رَامَ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ عَوْدُ كِتَابَتِهِ ثَانِيًا، فَإِذَا كَانَ قَدْ خَطَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا اكْتَفَى بِعَلَامَةِ الرَّاوِي الْآخَرِ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ عِيَاضٌ عَنْ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِ الْأَسَدِيِّ حِكَايَةً عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ- قَالَ: أَعْنِي هَذَا الْمُبْهَمَ- وَكَانَ الشُّيُوخُ يَكْرَهُونَ حُضُورَ السِّكِّينِ مَجْلِسَ السَّمَاعِ حَتَّى لَا يُبْشَرَ شَيْءٌ. وَلَكِنْ قَدِ اخْتَارَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ تَفْصِيلًا نَشَأَ لَهُ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ فَقَالَ: إِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ غَلَطًا سَبَقَ إِلَيْهِ الْقَلَمُ فَالْكَشْطُ أَوْلَى؛ لِئَلَّا يُوهِمَ بِالضَّرْبِ أَنَّ لَهُ أَصْلًا، وَإِلَّا فَلَا. عَلَى أَنَّهُ لَا انْحِصَارَ لِتَعْلِيلِ الْأَجْوَدِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَ، فَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ قَالَ: لِمَا فِي الْكَشْطِ مِنْ مَزِيدِ تَعَبٍ يَضِيعُ بِهِ الْوَقْتُ، وَرُبَّمَا أَفْسَدَ الْوَرَقَةَ وَمَا يَنْفُذُ إِلَيْهِ، بَلْ لَيْسَ يَخْلُو بَعْضُ الْوَرَقِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ: حَدْقُكَ فِي الْكَشْطِ دَلِيلٌ عَلَى *** أَنَّكَ فِي الْخَطِّ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَالْمَحْوُ غَالِبًا مُسَوِّدٌ لِلْقِرْطَاسِ، وَأَنْكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَبَّالُ الْحَافِظُ الْمِصْرِيُّ الْحَكَّ فِي الْكِتَابِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُضْعِفُ الْكِتَابَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُوهِمُ، فَإِذَا ضُرِبَ عَلَيْهِ يُفْهَمُ الْمَكْتُوبُ، وَيَسْلَمُ صَاحِبُ الْكِتَابِ مِنَ التُّهْمَةِ. ثُمَّ إِنَّ لِكَوْنِ الضَّرْبِ عَلَامَةً بَيِّنَةً فِي إِلْغَاءِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ رُوِّينَا فِي (الْجَامِعِ) لِلْخَطِيبِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَزِّ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ قَرَأَ سَطْرًا ضُرِبَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ فَقَدْ خَانَ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يَخْزُنُ مَا تَحْتَهُ). وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْحَافِظُ الْيَغْمُورِيُّ فَقَالَ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: (قِرَاءَةُ السَّطْرِ الْمَضْرُوبِ خِيَانَةٌ). [الْأَقْوَالُ الْخَمْسَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ]: (وَصِلْهُ) أَيِ: الضَّرْبَ (بِالْحُرُوفِ) الْمَضْرُوبِ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ مُخْتَلِطًا بِهَا حَالَ كَوْنِهِ (خَطًّا) كَمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الضَّابِطِينَ. قَالَ: وَيُسَمَّى أَيْضًا- يَعْنِي: عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ- الشَّقَّ. انْتَهَى. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّقِّ، وَهُوَ الصَّدْعُ فِي الْإِنَاءِ، زُجَاجًا أَوْ غَيْرَهُ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الصَّدْعِ، لَا سِيَّمَا وَالْحَرْفُ صَارَ بِالْخَطِّ فَوْقَهُ كَأَنَّهُ شَقٌّ، أَوْ مِنْ شَقِّ الْعَصَى وَهُوَ التَّفْرِيقُ، لِكَوْنِهِ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالزَّائَدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ ابْنِ الصَّلَاحِ: النَّشْقُ. بِزِيَادَةِ نُونٍ مَفْتُوحَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا وَتَغْيِيرًا مِنَ النُّسَّاخِ فَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ نَشْقِ الظَّبْيِ فِي الْحِبَالَةِ وَهِيَ الَّتِي يُصَادُ بِهَا؛ أَيْ: عَلِقَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ إِبْطَالِ حَرَكَةِ الْكَلِمَةِ بِالْخَطِّ وَإِهْمَالِهَا حَيْثُ جُعِلَتْ فِي صُورَةِ وَثَاقٍ يَمْنَعُهَا مِنَ التَّصَرُّفِ. انْتَهَى. وَمِنْهُ: رَجُلٌ نَشَقٌ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ لَا يَكَادُ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا. وَنَحْوُ مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ قَوْلُ الرَّامَهُرْمُزِيِّ، وَتَبِعَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ: أَجْوَدُ الضَّرْبِ أَلَّا يُطْمَسَ الْحَرْفُ الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِ، بَلْ يُخَطُّ مِنْ فَوْقِهِ خَطًّا جَيِّدًا بَيِّنًا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِهِ، وَلَا يَمْنَعُ قِرَاءَتَهُ. يَعْنِي لِلْأَمْنِ مِنَ الِارْتِيَابِ (أَوْ لَا) تَصِلُ خَطَّ الضَّرْبِ بِالْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ، بَلِ اجْعَلْهُ أَعْلَاهُ كَالْأَوَّلِ أَيْضًا لَكِنْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ (مَعَ عَطْفِهِ)؛ أَيِ: الْخَطَّ مِنْ طَرَفَيِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَكُونُ كَالنُّونِ الْمُنْقَلِبَةِ. أَشَارَ إِلَيْهِ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ وَقَالَ- وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ-: (إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَقْبِحُ هَذَا الضَّرْبَ بِقِسْمَيْهِ وَيَرَاهُ تَسْوِيدًا وَتَغْلِيسًا وَيَقْتَصِرُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا سَيَأْتِي) (أَوْ كَتْبِ)؛ أَيْ: وَيُبْعِدُ الزَّائِدَ أَيْضًا بِكَتْبِ (لَا) أَوْ (مِنْ) فِي أَوَّلِهِ (ثُمَّ إِلَى) فِي آخِرِهِ، وَذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- فِيمَا يُجَوِّزُونَ أَنَّ نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَلِذَا يُضَافُ إِلَيْهِ بِبَعْضِ الْأُصُولِ الرَّمْزُ لِمَنْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَوْ نُفِيَ عَنْهُ مِنَ الرُّوَاةِ، وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى الرَّمْزِ لَكِنْ حَيْثُ يَكُونُ الزَّائِدُ كَلِمَةً أَوْ نَحْوَهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِعِيَاضٍ: (إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعَلَامَةِ تَحْسُنُ فِيمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ وَسَقَطَ مِنْ أُخْرَى)، (أَوْ نِصْفَ)؛ أَيْ: يُبْعَدُ الزَّائِدُ أَيْضًا بِتَحْوِيقِ نِصْفِ (دَارَةٍ) كَالْهِلَالِ، حَكَاهُمَا عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَاسْتَقْبَحَ غَيْرُهُ ثَانِيَهُمَا كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، (وَإِلَّا صِفْرَا)؛ أَيْ: يُبْعَدُ بِتَحْوِيقِ صِفْرٍ، وَهُوَ (دَائِرَةٌ) مُنْطَبِقَةٌ صَغِيرَةٌ، حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ الْمُحَسِّنِينَ لِكُتُبِهِمْ. قَالَ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِهَا عَنِ الصِّحَّةِ، كَتَسْمِيَةِ الْحِسَابِ لَهَا بِذَلِكَ لِخُلُوِ مَوْضِعِهَا مِنْ عَدَدٍ. ثُمَّ إِذَا أُشِيرَ لِلزَّائِدِ بِوَاحِدٍ مِنَ الصِّفْرِ وَنِصْفِ الدَّائِرَةِ فَلْيَكُنْ فِي كُلِّ جَانِبٍ بِأَصْلِ الْكِتَابِ إِنِ اتَّسَعَ الْمَحَلُّ وَلَمْ يَلْتَبِسْ بِالدَّارَةِ الَّتِي تُجْعَلُ فَصْلًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَأَعْلَى الزَّائِدِ كَالْعَلَامَةِ قَبْلَهُمَا. (وَعَلِّمْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ لِمَا تُبْعِدُهُ بِأَحَدِ مَا تَقَدَّمَ. (سَطْرًا) سَطْرًا إِذَا مَا كَثُرَتْ سُطُورُهُ)؛ أَيِ: الزَّائِدُ، بِأَنْ تُكَرِّرَ تِلْكَ الْعَلَامَةَ فِي أَوَّلِ كُلِّ سَطْرٍ وَآخِرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ. (أَوْ لَا) تُكَرِّرْهَا بَلِ اكْتَفِ بِهَا فِي طَرْفَيِ الزَّائِدِ فَقَطْ. حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ. (وَإِنْ حَرْفٌ) يَعْنِي كَلِمَةً أَوْ غَيْرَهَا (أَتَى تَكْرِيرُهْ) غَلَطًا (فَابْقِ) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ (مَا) هُوَ (أَوَّلُ سَطْرٍ) سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلُ مِنَ الْمُكَرَّرِ أَوِ الثَّانِي (ثُمَّ) إِنْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا بِأَوَّلِهِ، فَأَبْقِ (مَا) هُوَ (آخِرُ سَطْرٍ) بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ هُوَ الْأَوَّلُ مُرَاعَاةً لِأَوَائِلِ السُّطُورِ ثُمَّ أَوَاخِرِهَا أَنْ تُطْمَسَ وَتُشَوَّهَ، ثُمَّ إِنْ كَانَ التَّكْرَارُ لَهُمَا وَسَطَ السَّطْرِ (فَابْقِ مَا تَقَدَّمَا) مِنْهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ كُتِبَ عَلَى الصَّوَابِ، وَالثَّانِي خَطَأٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ. (أَوِ اسْتَجِدْ)؛ أَيْ: أَبْقِ أَجْوَدَهُمَا صُورَةً وَأَدَلَّهُمَا عَلَى قِرَاءَتِهِ. وَهَذَانَ (قَوْلَانِ) أَطْلَقَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ وَغَيْرُهُ حِكَايَتَهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِأَوَائِلِ السُّطُورِ، وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ عِيَاضٍ مَا إِذَا كَانَا فِي وَسَطِ السَّطْرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ. (وَمَا لَمْ يُضَفِ) الْمُكَرَّرُ (أَوْ يُوصَفَ أَوْ نَحْوُهُمَا) بِالنَّقْلِ كَالْعَطْفِ عَلَيْهِ وَالْخَبَرِ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ (فَأَلِّفِ) بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَبَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ، وَبَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، بِأَنْ تَضْرِبَ عَلَى الْحَرْفِ الْمُتَطَرِّفِ مِنَ الْمُتَكَرِّرِ دُونَ الْمُتَوَسِّطِ، وَلَا تَفْصِلْ بِالضَّرْبِ بَيْنَ ذَلِكَ مُرَاعِيًا بِالْفَصْلِ لَا أَوَّلَ وَلَا أَجْوَدَ؛ إِذْ مُرَاعَاةُ الْمَعَانِي الْمُقَرَّبَةِ لِلْفَهْمِ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ. وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. [التَّنْبِيهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ]: وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ أُمُورٌ؛ أَحَدُهَا: إِذَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُ أَوَّلَ الْمُتَقَدِّمِ كِتَابَةً: يُؤَخَّرُ. وَأَوَّلَ الْمُتَأَخِّرِ: يُقَدَّمُ. وَآخِرَهُ (إِلَى) كُلِّ ذَلِكَ بِأَصْلِ الْكِتَابِ إِنِ اتَّسَعَ الْمَحَلُّ، أَوْ بِالْهَامِشِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْمُزُ لِذَلِكَ بِصُورَةِ (مِيمٍ)، وَهَذَا حَسَنٌ بِأَنْ لَمْ يَكُنِ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمِيمَ رَقْمٌ لِكِتَابِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَةٍ لِكَوْنِ شَيْخِنَا كَانَ يَرَى فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ الضَّرْبَ عَلَيْهَا وَكِتَابَتَهَا فِي مَحَلِّهَا. ثَانِيهَا: إِذَا أَصْلَحَ شَيْئًا نَشَرَهُ حَتَّى يَجِفَّ لِئَلَّا يُطْبِقَهُ فَيَنْطَمِسَ فَيَفْسُدَ الْمُصْلَحُ وَمَا يُقَابِلُهُ، فَإِنْ أَحَبَّ الْإِسْرَاعَ تَرَّبَهُ بِنُحَاتَةِ السَّاجِ، وَيَتَّقِي اسْتِعْمَالَ الرَّمْلِ، إِلَّا أَنْ يُزِيلَ أَثَرَهُ بَعْدَ جَفَافِهِ، فَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ: إِنَّهُ سَبَبٌ لِلْأَرَضَةِ. وَكَذَا يَتَّقِي التُّرَابَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ فِي (الْجَامِعِ). وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَابْنُ مَعِينٍ بِجَانِبِي، فَكَتَبْتُ صَفْحًا ثُمَّ ذَهَبْتُ لِأُتَرِّبَهُ فَقَالَ لِي: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ الْأَرَضَةَ تُسْرِعُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَرِّبُوا الْكِتَابَ فَإِنَّ التُّرَابَ مُبَارَكٌ، وَهُوَ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ). قَالَ: ذَاكَ إِسْنَادٌ لَا يَسْوَى فِلْسًا. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْعُقَيْلِيِّ: لَا يُحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. بَلْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ (جَامِعِهِ) مِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ النَّصِيبِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: (إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ كِتَابًا فَلْيُتَرِّبْهُ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ). وَقَالَ عَقِبَهُ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. كَذَا قَالَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَدَبِ مِنْ (سُنَنِهِ) مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنَ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، لَكِنْ بِلَفْظِ: (تَرِّبُوا صُحُفَكُمْ أَنْجَحُ لَهَا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ مُبَارَكٌ) بَلْ فِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَكِلَاهُمَا عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ)، لَفْظُ أَوَّلِهِمَا: (تَرِّبُوا الْكِتَابَ وَاسْحُوهُ- أَيِ: اقْشُرُوهُ مِنْ أَسْفَلِهِ- فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ). وَعَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ: (تَرِّبُوا الْكِتَابَ فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لَهُ) إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الطُّرُقِ الْوَاهِيَةِ، وَيُمْكِنُ- إِنْ ثَبَتَ- حَمْلُهُ عَلَى الرَّسَائِلِ الَّتِي لَا تُقْصَدُ غَالِبًا بِالْإِبْقَاءِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مِمَّا يَدْفَعُ الْأَرَضَةَ كِتَابَةَ: (فَارِقْ مَارِقِ احْبِسْ حَبْسًا أَوْ كَبَلِّحْ). فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثَالِثُهَا: إِذَا أَصْلَحَ شَيْئًا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ حَذْفٍ أَوْ تَحْرِيفٍ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابٍ قَدِيمٍ بِهِ أَسْمِعَةٌ مُؤَرَّخَةٌ، حَسُنَ، كَمَا رَأَيْتُ شَيْخَنَا، فَعَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَعَهُ عَلَى تَارِيخِ وَقْتِ إِصْلَاحِهِ لِيَكُونَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ أَوْ قَرَأَ قَبْلُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَكَذَا مَنْ نَقَلَ مِنْهُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِ يُمَيِّزُ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ فِي تَصَانِيفِهِ بِالْحُمْرَةِ لِتُيَسِّرَ إِلْحَاقَهُ لِمَنْ كَتَبَهُ قَبْلُ. رَابِعُهَا: الضَّرْبُ وَالْإِلْحَاقُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى صِحَّةِ الْكِتَابِ، فَرَوَى الْخَطِيبُ فِي (جَامِعِهِ) عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الْكِتَابَ فِيهِ إِلْحَاقٌ وَإِصْلَاحٌ فَاشْهَدْ لَهُ بِالصِّحَّةِ. وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ كِتَابَ صَاحِبِ الْحَدِيثِ مُشَجَّجًا- يَعْنِي: كَثِيرَ التَّغْيِيرِ- فَأَقْرِبْ بِهِ مِنَ الصِّحَّةِ. وَأَنْشَدَ ابْنُ خَلَّادٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ يَصِفُ دَفْتَرًا: وَأَرَى رُشُومًا فِي كِتَابِكَ لَمْ تَدَعْ *** شَكًّا لِمُرْتَابٍ وَلَا لِمُفَكِّرِ نُقَطٌ وَأَشْكَالٌ تَلُوحُ كَأَنَّهَا *** نَدَبُ الْخُدُوشِ تَلُوحُ بَيْنَ الْأَسْطُرِ تُنْبِيكَ عَنْ رَفْعِ الْكَلَامِ وَخَفْضِهِ *** وَالنَّصْبِ فِيهِ لِحَالِهِ وَالْمَصْدَرِ وَتُرِيكَ مَا تَعِيَا بِهِ فَتُعِيدُهُ *** كَقَرِينَةٍ وَمُقَدَّمًا كَمُؤَخَّرِ أَمَّا مَا نَرَاهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَيْسَ غَالِبًا بِدَلِيلٍ لِلصِّحَّةِ، لِكَثْرَةِ الدَّخِيلِ وَالتَّلْبِيسِ الْمُحِيلِ.
601- وَلْيَبْنِ أوَّلًا عَلَى رِوَايَهْ *** كِتَابَهُ وَيُحْسِنِ الْعِنَايَهْ 602- بِغَيْرِهَا بِكَتْبِ رَاوٍ سُمِّيَا *** أَوْ رَمْزٍ أَوْ بِكَتْبِهَا مُعْتَنِيَا 603- بِحُمْرَةٍ وَحَيْثُ زَادَ الْأَصْلُ *** حَوَّقَهُ بِحُمْرَةٍ وَيَجْلُو كَيْفَ (الْعَمَلُ فِي) الْجَمْعِ بَيْنَ (اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ) لَمَّا مَرَّ عَنْ بَعْضِ الطُّرُقِ فِي إِبْعَادِ الزَّائِدِ أَنَّهُ يَحْسُنُ فِيمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ بَعْضٍ، نَاسَبَ إِرْدَافَهُ بِكَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (وَلْيَبْنِ أَوَّلًا) وَقْتَ الْكِتَابَةِ أَوِ الْمُقَابَلَةِ (عَلَى رِوَايَهْ) خَاصَّةً (كِتَابَهُ) وَلَا يَجْعَلْهُ مُلَفَّقًا مِنْ رِوَايَتَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِلْبَاسِ. (وَ) بَعْدَ هَذَا (يُحْسِنِ الْعِنَايَهْ بِغَيْرِهَا) أَيْ: بِغَيْرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي أَصَّلَ كِتَابَهُ عَلَيْهَا، وَيُبَيِّنْ مَا وَقَعَ التَّخَالُفُ فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ إِبْدَالِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ أَوْ حَرَكَةٍ لِإِعْرَابٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَذَلِكَ إِمَّا بِكَتْبِ مَا زَادَ أَوْ أُبْدِلَ أَوِ اخْتَلَفَ إِعْرَابُهُ بَيْنَ السُّطُورِ إِنِ اتَّسَعَتْ، وَإِلَّا فَبِالْحَاشِيَةِ. أَوْ (بِكَتْبِ رَاوٍ) عَرَفَ بِذَلِكَ الزَّائِدَ أَوِ الْمَحْذُوفَ أَوِ الْمُبْدَلَ أَوِ الْإِعْرَابَ، إِنْ كَانَ الْمُخَالِفُ وَاحِدًا، وَإِلَّا فَأَكْثَرَ حَسْبَمَا يَتَّفِقُ، سَوَاءٌ (سَمَّيَا) هَذَا الرَّاوِيَ؛ أَيْ: كَتَبَهُ بِاسْمِهِ، وَكَذَا بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ (أَوْ) رَمَزَ لَهُ (رَمْزًا) بِحَرْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، كَمَا مَرَّ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَضَبْطِهِ، مَعَ زِيَادَةِ إِيضَاحٍ مِمَّا كَانَ الْأَنْسَبُ ضَمَّهُمَا بِمَكَانٍ وَاحِدٍ. (أَوْ) بِالنَّقْلِ (بِكَتْبِهَا)؛ أَيِ: الزِّيَادَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ إِبْدَالٍ وَإِعْرَابٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي حَالَ كَوْنِهِ (مُعْتَنِيًا) بِهِ (بِحُمْرَةٍ) كَمَا فَعَلَهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ مِنَ الْمَشَارِقَةِ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ مِنَ الْمَغَارِبَةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ وَالْمُقَيِّدِينَ، غَيْرَ نَاظِرِينَ لِحِكَايَةِ تِلْمِيذِ صَاحِبِ (الْهِدَايَةِ) مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَرَاهَةَ الْكِتَابَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا شِعَارُ الْمَجُوسِ وَطَرِيقَةُ الْقُدَمَاءِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، أَوْ بِخُضْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَلْوَانِ الْمُبَايِنَةِ لِلْمِدَادِ الْمَكْتُوبِ بِهِ الْأَصْلُ. (وَحَيْثُ زَادَ الْأَصْلُ) الَّذِي أَصَّلَ عَلَيْهِ شَيْئًا (حَوَّقَهُ) بِدَائِرَةٍ كَمَا شُرِحَ قَرِيبًا، أَوْ بـِ (لَا) ثُمَّ (إِلَى)، وَيَكُونُ مَا يَسْلُكُهُ مِنْ هَذَا (بِحُمْرَةٍ) أَوْ خُضْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَيَجْلُو) أَيْ: يُوَضِّحُ مُرَادَهُ مِنْ رَمْزٍ أَوْ لَوْنٍ، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: قَدْ رَمَزْتُ فِي كِتَابِي هَذَا لِفُلَانٍ بِكَذَا، أَوْ أَشَرْتُ لِفُلَانٍ بِالْحُمْرَةِ أَوْ بِالْخُضْرَةِ. أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِأَوَّلِ كُلِّ مُجَلَّدٍ أَوْ آخِرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَلَا يَعْتَمِدُ حِفْظَهُ فِي ذَلِكَ وَذِكْرَهُ، فَرُبَّمَا نَسِيَ مَا اصْطَلَحَهُ فِيهِ لِطُولِ الْعَهْدِ، بَلْ وَيَتَعَطَّلُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقَعُ لَهُ كِتَابُهُ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَيْثُ يَصِيرُ فِي حَيْرَةٍ وَعَمًى، وَلَا يَهْتَدِي لِلْمُرَادِ بِتِلْكَ الرُّمُوزِ أَوِ الْأَلْوَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ مَعَ الطُّرُقِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِامْتِيَازِ (شَرْحِ الْبُخَارِيِّ) لِشَيْخِنَا عَلَى سَائِرِ الشُّرُوحِ، وَلَكِنْ فِيهِ مَحْذُورٌ لِلْقَاصِرِينَ حَيْثُ يَضُمُّ حِينَ قِرَاءَتِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ رِوَايَةً مَعَ أُخْرَى فِيمَا لَا يَصِحُّ التَّلْفِيقُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلْيَكُنْ فِيمَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ قَائِمًا بِضَبْطِ مَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فِي كِتَابِهِ، جَيِّدَ التَّمْيِيزِ بَيْنَهَا، كَيْلَا تَخْتَلِطَ وَتَشْتَبِهَ فَيَفْسُدَ عَلَيْهِ أَمْرُهَا.
604- وَاخْتَصَرُوا فِي كَتْبِهِمْ حَدَّثَنَا *** عَلَى ثَنَا أَوْ نَا وَقِيلَ دَثَنَا 605- وَاخْتَصَرُوا أَخْبَرَنَا عَلَى أَنَا *** أَوْ أَرَنَا وَالْبَيْهَقِيُّ أَبَنَا (الْإِشَارَةُ بِالرَّمْزِ) بِبَعْضِ حُرُوفِ صِيَغٍ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ كَحَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَقَالَ، وَغَيْرِهَا، مَعَ مَسْأَلَتَيِ التَّلَفُّظِ بِـ (قَالَ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُحْذَفُ خَطًّا، وَحَاءِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ السَّنَدَيْنِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبِلَهُ ظَاهِرَةٌ. [رُمُوزُ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا]: (وَاخْتَصَرُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحَدِيثِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، (فِي كَتْبِهِمْ) دُونَ نُطْقِهِمْ (حَدَّثَنَا) بِحَيْثُ شَاعَ ذَلِكَ وَظَهَرَ حَتَّى لَا يَكَادُ يَلْتَبِسُ، وَلَا يُحْوِجُ الْوَاقِفَ عَلَيْهِ كَالَّذِي قَبْلَهُ إِلَى بَيَانٍ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِرُ مِنْهَا (عَلَى ثَنَا) الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ. (أَوْ) يُلْغِي أَوَّلَ الثَّلَاثَةِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى (نَا) الضَّمِيرِ فَقَطْ، (وَقِيلَ) يَقْتَصِرُ عَلَى (دَثَنَا) فَيَتْرُكُ مِنْهَا الْحَاءَ فَقَطْ، كَمَا وَجَدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي خَطِّ كُلٍّ مِنَ الْحُفَّاظِ: الْحَاكِمِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَتِلْمِيذِهِمَا الْبَيْهَقِيِّ، (وَ) كَذَا (اخْتَصَرُوا أَخْبَرَنَا) فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُ الْخَاءَ وَاللَّذَيْنِ بَعْدَهَا، وَهِيَ أُصُولُ الْكَلِمَةِ وَيَقْتَصِرُ (عَلَى أَنَا) الْأَلِفِ وَالضَّمِيرِ فَقَطْ، (أَوْ) يَضُمُّ إِلَى الضَّمِيرِ الرَّاءَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى (أَرَنَا) وَفِي خَطِّ بَعْضِ الْمَغَارِبَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا عَدَا الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ فَيَكْتُبُ “ أَخْ نَا “ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُشْتَهَرْ، (وَ) كَذَا اقْتَصَرَ (الْبَيْهَقِيُّ) وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى (أَبَنَا) بِتَرْكِ الْخَاءِ وَالرَّاءِ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَيْسَ هَذَا بِحَسَنٍ. قُلْتُ: وَكَأَنَّهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِلْخَوْفِ مِنَ اشْتِبَاهِهَا “ بِأَنْبَأَنَا “ وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى اخْتِصَارِ “ أَنْبَأَنَا “ كَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ كَثِيرِينَ، وَكَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرُوا مِنْ “ أَنَا “ عَلَى الْحَرْفِ الْأَخِيرِ مِنَ الْفِعْلِ مَعَ الضَّمِيرِ كَمَا فَعَلُوا فِي “ ثَنَا “ بِحَيْثُ تَصِيرُ “ رَنَا “ لِلْخَوْفِ مِنْ تَحْرِيفِ الرَّاءِ دَالًا، فَرُبَّمَا يَلْتَبِسُ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمَاضِيَةِ فِي “ حَدَّثَنَا “، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: لِئَلَّا يُحَرِّفَ الرَّاءَ زَايًا. وَمِنَ اصْطِلَاحِهِمْ حَسْبَمَا اسْتُقْرِئَ مِنْ صَنِيعِهِمْ غَالِبًا تَحْرِيفُ الْأَلِفِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُمُا إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ كَأَنَّهُ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بِذَلِكَ عَمَّا يَقَعُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمُشَابِهَةِ لَهُمَا فِي الصُّورَةِ مِنَ الْمَتْنِ وَشَبَهِهِ. وَأَمَّا كِتَابَةُ “ حَ “ فِي “ ثَنَا “ وَ “ أَخْ “ فِي “ أَنَا “ فَقَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: (إِنَّهُ مِمَّا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْعَجَمِ، وَلَيَسَ مِنَ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ). هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُذَكَّرِ الْمُضَافِ لِضَمِيرِ الْجَمْعِ، وَأَمَّا الْمُؤَنَّثُ الْمُضَافُ لِلْجَمْعِ أَيْضًا، وَكَذَا “ حَدَّثَنِي “ وَ “ أَخْبَرَنِي “ الْمُضَافَانِ لِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ، فَلَا يَخْتَصِرُونَهُ غَالِبًا، لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُمْ رُبَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حَدَّثَنِي أَيْضًا، بَلْ وَعَنْ خَطِّ السِّلَفِيِّ الِاقْتِصَارُ مِنْهَا عَلَى مَا عَدَا الْحَاءِ. 606- قُلْتُ وَرَمْزُ قَالَ إِسْنَادًا يَرِدْ *** قَافًا وَقَالَ الشَّيْخُ حَذْفُهَا عُهِدْ 607- خَطًّا وَلَا بُدَّ مِنَ النُّطْقِ كَذَا *** قِيلَ لَهُ وَيَنْبَغِي النُّطْقُ بِذَا [رَمْزُ قَالَ وَحَذْفُهَا] (قُلْتُ): وَأَمَّا غَيْرُ “ ثَنَا “ وَ “ أَنَا “ مِمَّا أُشِيرُ إِلَيْهِ فـَ (رَمْزُ قَالَ) الْوَاقِعَةِ (إِسْنَادًا) أَيْ: فِي الْإِسْنَادِ بَيْنَ رُوَاتِهِ (يَرِدْ) حَسْبَمَا رَآهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ حَالَ كَوْنِهِ (قَافًا) مُفْرَدَةً فَيَصِيرُ هَكَذَا “ قَ ثَنَا “، وَرُبَّمَا خَطَّهُمَا بَعْضُهُمْ كَالدِّمْيَاطِيِّ، بَلْ قِيلَ: إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ وَكَتَبَ بِخَطِّهِ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): قَثَنَا. حَتَّى تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ رَآهَا كَذَلِكَ أَنَّهَا الْوَاوُ الْفَاصِلَةُ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالرَّمْزُ لَهَا اصْطِلَاحٌ مَتْرُوكٌ، (وَ) لَكِنْ (قَالَ الشَّيْخُ) ابْنُ الصَّلَاحِ: (حَذْفُهَا) كُلِّهَا أَصْلًا وَرَأْسًا (عُهِدْ) فِيمَا جَرَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ (خَطًّا)، حَتَّى إِنَّهُمْ يَحْذِفُونَ الْأُولَى مِنْ مِثْلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنَ النُّطْقِ) بِهَا حَالَ الْقِرَاءَةِ لَفْظًا. يَعْنِي لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَصْلُ بَيْنَ كَلَامَيِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، وَحَيْثُ لَمْ يُفْصَلْ فَهُوَ مُضْمَرٌ، وَالْإِضْمَارُ خِلَافُ الْأَصْلِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ التَّلَفُّظِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ تَعْبِيرُهُ. نَعَمْ قَدْ صَرَّحَ فِي (فَتَاوَاهُ) بِأَنَّ عَدَمَ النُّطْقِ بِهَا لَا يُبْطِلُ السَّمَاعَ فِي الْأَظْهَرِ وَإِنْ كَانَ خَطَأٌ مِنْ فَاعِلِهِ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ حَذْفَ الْقَوْلِ جَائِزٌ اخْتِصَارًا قَدْ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ. وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي (تَقْرِيبِهِ) فَقَالَ: تَرْكُهَا خَطَأٌ، وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ السَّمَاعِ، بَلْ جَزَمَ بِهِ فِي مُقَدِّمَةِ (شَرْحِ مُسْلِمٍ) فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَوْ تَرَكَ الْقَارِئُ لَفْظَ “ قَالَ “ فِي هَذَا كُلِّهِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَالسَّمَاعُ صَحِيحٌ لِلْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وَيَكُونُ هَذَا مِنَ الْحَذْفِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ الشِّهَابُ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ الْمُرَحِّلِ النَّحْوِيُّ بِإِنْكَارِ اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِهَا، ثُمَّ هَلْ يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى النُّطْقِ بِالرَّمْزِ لَهَا؟ الظَّاهِرُ: نَعَمْ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْكِرْمَانِيُّ فِي “ قَالَ “ وَكَذَا فِي “ ثَنَا “ وَ “ أَنَا “ جَمِيعًا، وَعِبَارَتُهُ: وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَلْفِظَ بِكُلٍّ مِنْ “ قَالَ “ وَ “ ثَنَا “ وَ “ أَنَا “ صَرِيحًا، فَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا، لَكِنَّ السَّمَاعَ صَحِيحٌ لِلْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وَلِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْمَحْذُوفِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: قَالَ “ خ “. وَيُرِيدُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ. أَوْ يَقُولَ: “ ثَنَا خ “. وَمُرَادُهُ: ثَنَا الْبُخَارِيُّ. وَأَنْ يَقُولَ: “ ثَنَا م “. وَيُرِيدُ: ثَنَا مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِكَوْنِهِ فِي الصِّيَغِ لَا فِي الْأَسْمَاءِ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَوَقَّفَ كَمَا سَلَفَ فِي أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الرَّمْزِ عَنِ الرَّاوِي بِالْكِتَابَةِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ شَاعَ وَعُرِفَ الِاصْطِلَاحُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّمْزِ وَغَيْرِهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ نَقْصِ الْأَجْرِ لِنَقْصِ الْكِتَابَةِ. وَكَأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ بِاصْطِلَاحِ رَمْزِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّيَغِ كِتَابَةً دُونَ رَمْزِهِمَا قِرَاءَةً، وَفِيهِ تَوَقُّفٌ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْخَفَاءِ بِالنُّطْقِ فِي الرَّاوِي رَمْزًا، ثُمَّ صَرَّحَ شَيْخُنَا بِمُصَادَمَةِ تَصْحِيحٍ الْكِرْمَانِيِّ السَّمَاعَ لِقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ لَا بُدَّ. قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي امْتِنَاعُهُ- أَيِ: الْحَذْفُ فِي “ ثَنَا “ وَ “ أَنَا “، وَفِي مِثْلِ “ ثَنَا خ “، وَ “ ثَنَا م “- وَجَوَازُهُ فِي “ قَالَ “ يَعْنِي قَبْلَ: “ ثَنَا “؛ لِأَنَّ “ ثَنَا “ بِمَعْنَى: قَالَ لَنَا، فَاشْتِرَاطُ إِعَادَةِ “ قَالَ “ لَيْسَ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. (وَكَذَا) مِمَّا عُهِدَ حَذْفُهُ أَيْضًا لَفْظُ “ أَنَّهُ “ فِي مِثْلِ مَا رَوَاهُ التُّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَى رَجُلًا. الْحَدِيثَ. فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ: قَالَ: إِنَّهُ رَأَى رَجُلًا. وَقَوْلِ الْبُخَارِيِّ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ. وَ(كَذَا قِيلَ لَهُ) فِي مِثْلِ: قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ، قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكَ فُلَانٌ، (وَيَنْبَغِي) كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَعَ مُلَاحَظَةِ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي “ قَالَ “ لِلْقَارِئِ أَيْضًا (النُّطْقُ بِذَا)؛ أَيْ: قِيلَ لَهُ. وَكَذَا أَنَّهُ وَنَحْوُهُمَا. قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَانٌ. فَهَذَا يَنْطِقُ فِيهِ بِـ “ قَالَ “، يَعْنِي: لَا قِيلَ لَهُ، لِكَوْنِهِ أَخْصَرَ، وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ: قِيلَ لَهُ. قُلْتُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدْمَةِ (شَرْحِ مُسْلِمٍ) لِمَا امْتَنَعَ. 608- وَكَتَبُوا عِنْدَ انْتِقَالٍ مِنْ سَنَدْ *** لِغَيْرِهِ (حَ) وَانْطِقَنْ بِهَا وَقَدْ 609- رَأَى الرُّهَاوِيُّ بِأَنْ لَا تُقْرَا *** وَأَنَّهَا مِنْ حَائِلٍ وَقَدْ رَأَى 610- بَعْضُ أُولِي الْغَرْبِ بِأَنْ يَقُولَا *** مَكَانَهَا الْحَدِيثَ قَطْ وَقِيلَا 611- بَلْ حَاءُ تَحْوِيلٍ وَقَالَ قَدْ كُتِبْ *** مَكَانَهَا صَحَّ فَحًّا مِنْهَا انْتُخِبْ
|